قصص حامد فضل الله القصيرة جدا.

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

قصص حامد فضل الله القصيرة جدا.

مشاركة بواسطة حسن موسى »


الصديق الدكتور حامد فضل الله معروف بين القراء بمساهماته النيرة في الأدب السياسي النقدي و بترجماته القيمة بين العربية و الألمانية. لكن قلة محظوظة من القراء يعرفون كتاباته الإبداعية في مجال القصة القصيرة.
و قد اسعدني الحظ هذه المرة بأن حامد فضل الله أكرمني بوضعي في مطلع قائمة القراء الذين أهداهم مجموعة مكاتيبه التي يسميها قصصا قصيرة جدا. و هي في حقيقتها كبسولات سردية تتركز فيها تجربة حامد فضل الله الطويلة في فن الكتابة الأدبية و في فن الحياة على شرط الحرية.التي تهجس أحوال حركته و سكونه
شكرا يا حامد

...


الى حسن موسى، عبد الله الشقليني، عبد المنعم عجب الفيا، مرتضى الغالي ومحمد أبو جودة.


برلين/حامد فضل الله


1

الغرض مرض


تم تأهيل وتوسيع محطة القطارات الرئيسية في القطاع الغربي من برلين، متابعة للتطور الهائل الذي لحق به: الزيادة الكبيرة في عدد المواطنين بجانب الزوار والسواح وخاصة بعد انهيار الجدار وتوحيد المدينتين. تستحوذ المحطة على مساحة واسعة. تنطلق القطارات من تحت الأرض، بينما ينطلق قطار الضواحي، (الأس ــ بان) من فوق الأرض، والمحطة حافلة بمكاتب الاستعلامات والمكتبات والمقاهي والمطاعم العديدة. ينبهر المسافر لفنية البناء وجمال التصميم ــ الذي شارك فيه معماري مصري مرموق، حضر خصيصا من بريطانيا ــ ومن اللوحات التشكيلية المعلقة على الجدران المضاءة بصورة تخطف الابصار. انتظمت في الصف امام مكتب الاستعلامات، وكنت الحظ، كيف يستقبل الموظف، المسافرين ببشاشة وينطق الجملة التقليدية، كيف أستطيع مساعدتك؟ ويحرر المستندات ويسلمها، ويتبادل احيانا الدعابة مع بعضهم، والتمنيات برحلة أمنة واجازة مريحة. وقفت امامه، فتجهم وجهه وقطب جبينه، وبدلا من ان ينطق بجملته المعتادة، حول نظره الى المرأة التي تقف خلفي. سألته بهدوء وبالإنجليزية، عن امكانية مساعدتي. تهلل وجهه ورد على بإنجليزية ركيكة: بالطبع يسعدني مساعدتك.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

دكتور حامد فضل الله ، رائع عندما يسوق أفكاره في العنان الطلق. يكتب عن الثقافة والسياسة ،ولكنه خصنا بدفين محبته ويقولون ( غوّر في الضمير). وكتب لنا القصص القصيرة ، وضمت ديباجته هذا الكنز الذي أهدانا إياه . يقولون الحياة مليئة بالقص المضيّع.
**
وقد أوضح الدكتور " محمد يوسف نجم" في كتابه ( فن القصة ):

القصة القصيرة تتناول قطاعاً أو شريحة أو موقفاً من الحياة، ويتجنب كاتب الأقصوصة التفاصيل .ويسعى كاتب الأقصوصة إلى إبراز صورة متألقة ناصحة المعالم والقسمات لقطاع من الحياة. بحيث تؤدي إلى إبراز فكرة معينة ، بل تعتمد على ما ينتظم الشخصيات من علاقات وعلى مدى تأثرها بالبيئة التي تكتنفها. وقد أكد " براند ماثيوز " في كتابه ( فلسفة الأقصوصة ) أن وحدة التأثير التي دعاها " بو" قبله بالشمول هي الفارق الأساسي بين القصة والأقصوصة .

**

خرجت من نزلة برد وتوقف قلمي عن البوح
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


قصص قصيرة جدا ونص نثري: الى حسن موسى، عبد الله الشقليني، عبد المنعم عجب الفيا، مرتضى الغالي ومحمد أبو جودة .. بقلم: حامد فضل الله/ برلين
نشر بتاريخ: 19 تشرين2/نوفمبر 2019


الغرض مرض
تم تأهيل وتوسيع محطة القطارات الرئيسية في القطاع الغربي من برلين، متابعة للتطور الهائل الذي لحق به: الزيادة الكبيرة في عدد المواطنين بجانب الزوار والسواح وخاصة بعد انهيار الجدار وتوحيد المدينتين. تستحوذ المحطة على مساحة واسعة. تنطلق القطارات من تحت الأرض، بينما ينطلق قطار الضواحي، (الأس ــ بان) من فوق الأرض، والمحطة حافلة بمكاتب الاستعلامات والمكتبات والمقاهي والمطاعم العديدة. ينبهر المسافر لفنية البناء وجمال التصميم ــ الذي شارك فيه معماري مصري مرموق، حضر خصيصا من بريطانيا ــ ومن اللوحات التشكيلية المعلقة على الجدران المضاءة بصورة تخطف الابصار. انتظمت في الصف امام مكتب الاستعلامات، وكنت الحظ، كيف يستقبل الموظف، المسافرين ببشاشة وينطق الجملة التقليدية، كيف أستطيع مساعدتك؟ ويحرر المستندات ويسلمها، ويتبادل احيانا الدعابة مع بعضهم، والتمنيات برحلة أمنة واجازة مريحة. وقفت امامه، فتجهم وجهه وقطب جبينه، وبدلا من ان ينطق بجملته المعتادة، حول نظره الى المرأة التي تقف خلفي. سالته بهدوء وبالإنجليزية، عن امكانية مساعدتي. تهلل وجهه ورد على بإنجليزية ركيكة: بالطبع يسعدني مساعدتك.
الشيخ والباب
في يوم شتوي والشمس مائلة للغروب دفع الشيخ المسن الأشيب الباب الضخم بصعوبة ومعاناة بالغتين وأومأ لي بيده يفسح الطريق قائلا بأدب جم : تفضل! دخلت ثم تبعني وصاح وقد تملكه الغضب في تلك اللحظة، ثم أردف قائلا بسخرية: شكرا!
أجبته: قلتها من قبل، ألم تسمعني؟
فرد بتأني: عفواً، لم أسمعها، لكنني أصدقك.
التبجح
يختال في الشارع كالطاووس بزيه الوطني، الجلباب الأبيض الناصع والطاقية المزركشة والمركوب الأحمر الفاشري. وسبحة اللالوب الطويلة تتدلى من عنقه وسيجارة المبسم.
التففن حوله الصبايا المراهقات، يقرأ لهن من صفحات النيويورك تايمز ويخدعهن برطانته.
عمل نادلا في المراقص البرلينية ، الدخل الوفير، معاشرة الحسان ومعاقرة بنت الحان والمسحوق الأبيض و الدخان. يسخر من أبناء وطنه، الذين يدرسون بالنهار ويكدون ليلا ستراً للحال. فقد العمل والمسكن ويشارك في غرفة واحدة مع خمسة من ذات الخصال. أصبح متسولاً في الطرقات ورقماً في سجل الهِبات
المنفى والوطن
هرب من عسف السلطة وملاحقة الشرطة وفقدان الأمل وضيق الحال. نجح في الوصول إلى المنفى، عاش حياة هانئة لينة وبراحة بال. استبد به الشوق الى وطنه وأهله، ذهب لزيارتهم. وجدهم كما كانوا في بساطتهم، يلفهم حزن عميق ومقيم، مع عزيمة لا تلين في المقاومة والرفض والصبر.
الوجد والألم
دخلت مبكراً إلى مقهانا المفضل في قلب مدينة برلين، لمحت الفاضل يجلس لوحده على مائدة منزوية. اقتربت منه وجلست بهدوء. لقد كان يطرق على الطاولة بأنامله طرقا خفيفا ويدندن بشجن وحرقة:

أنت يا غرامي
حبك السامي
مصدر إلهامي.

أنها الذكريات الدفينة، تعود الى السطح من جديد، فتحرك ما كان ساكناً، وتخلق مزيدا من الضياع والعذاب.
كان صوته يصافح أذني مع صدى صوت أحد مطربينا الكبار وهو يصدح بها بصوت شجي من إذاعة «هنا أم درمان» ويقال إن الفاضل هو ناظمها. توقف فجأة عن الإنشاد ونهض مغادرا المكان من غير كلمة وداع. تألمت، لقد أفسدت عليه عزلته.
بدأنا نلاحظ حضوره غير المنتظم وجلوسه معنا أحيانا الساعات الطوال صامتا، غارقا في أعماقه ويدخن بشراهة – كل المحاولات لكسر صمته باءت بالفشل. كان عزائي أنني أتابع بعض تعليقاته في الصحافة الورقية اللندنية واستمتع برشاقة أسلوبه وسخريته المرة والجارحة أحياناً، فبالرغم من طيبة سريرته ولين معشره، كان شديد الاشتعال عندما يرى ظلم وصلف الآخرين.
كتب مرة يصف شخصا سيء الخلق، عديم الحياء:
"في الرابع من الشهر الثالث لهذا العام، قمت بجولة استطلاعية وإذا بي أشاهد وأتأمل أحد كبار عباقرة الإفك والنفاق يحاول في حالة من السعر أن يعض آلاف الأبرياء من الأجانب الطيبين في برلين الغربية الذي نصب نفسه عليهم حاكما بوليسيا وعسكريا ضالعا في الفاشية من رأسه لأخمص القدم ، وهذه الآلاف بريئة من أحكام قراقوش أخر الزمان ..... وما تهويماته سوى هلوسات وهوس كوثيقة تثبت أنه شب على الخبث والحقد والغرور كعناصر أساسية للنفاق الكامنة جذوره في أعماق إنسان حيوان ..... والجذور عليها تنبت الشجر، كما قال شاعر فيلسوف. وشجرة جذورها ملوثة لا تعطي بداهة إلا براعم وثمار فاسدة سامة".
لم ألتقِ الفاضل لعامين أو أكثر، سألت عنه قالوا أنه انقطع عن المقهى تماما. بحثت عنه في حانة "دكا فيرتن" "المضيفة السمينة" مكانه المفضل في البداية. وكذلك في مقهى أينشتاين الذي يرتاده لفيف من الكتاب والمثقفين الألمان. لا خبر ولا أثر.
حضرت عرضاً خاصاً لفيلم "الياذرلي" للمخرج السينمائي العراقي القدير قيس الزبيدي والفيلم مأخوذ من قصة قصيرة لحنا مينه. بعد العرض خرجنا إلى الصالة الأمامية لفترة استراحة قصيرة – قبل فتح النقاش مع المخرج.
وقفت مع بعض الزملاء نتبادل التحايا وإذا بي أشعر بربت خفيف على كتفي، التفت لأجد الفاضل أمامي، حياني باسمي كاملا وعانقني بحميمية وطويلا، كأنه يبحث عن سند. كان يرتدي بنطالاً طويلاً أسودا ومعطفاً شتوياً فضفاضاً تختفي تحته الجاكت بالكامل وقبعة سوداء عريضة تكاد تصل إلى مشارف العينين وحذاء شتوي ضخم قديم أنهكه طول المسير ومتسخ، وكنا نحن في عز الصيف. وأطلق لحيته التي طال زمن تهذيبها وسواد شعرها يختفي خلف بياضها وازداد نحولاً وشحوبا.
ابتعد الزملاء خطوات إلى الخلف مندهشين لمعرفتي بهذا المتسول!
طلب مني الفاضل سيجارة.
- قلت لعلك نسيت أنني لا أدخن.
التفتُ ناحية الزملاء للسؤال، نهاني بحركة كفه الأيمن وتقدم خطوات إلى الأمام. سرت بجانبه وبدأ يتحدث بلا انقطاع عن الفيلم ويهمس وكأنه يتحدث إلى نفسه - تحدث عن أداء الممثلين – طريقة الإضاءة والحيل السينمائية وموضوع الفيلم وتفسيره له طبقيا واجتماعيا وسياسيا مما أدهشني سرعة إلمامه بكل هذه التفاصيل الدقيقة.
قدمت له بعض الأوراق المالية – دفع يدي بإباء وإصرار.
دخلنا الصالة من جديد – عدت إلى مكاني، جلس الفاضل في كنبة لوحده – لقد تحاشاه الجميع بالرغم من قلة الأماكن. كنت أتابع النقاش باهتمام واسترق من حين إلى حين النظر إليه ، وعلى أمل أن يشارك في النقاش ليبهر الحضور بملاحظاته القيمة ، ولكن كنت أجده أحيانا مغمض العينين وكأنه يصغي لنداء يأتيه من بعيد. سبقني بالخروج، أسرعت حتى حاذيته – ظل يواصل السير صامتا دون أن يلتفت إلي. بدأت أتحدث عن تعليقات الآخرين في محاولة لجره إلى الحديث، دون جدوى وكان يتمتم بكلمات لا استبينها ممعناً في الترحال بعيداً بعيدا.
توقفت أمام كشك لبيع الصحف وبعض الأشياء الصغيرة – تظاهرت بشراء إحدى الصحف وعدت ودسست في جيبه علبتين من الدخان وانحرفت بسرعة إلى يمين الشارع.
علمت بعد ستة أشهر، بأن الفاضل تُوفىًّ ــ وجدوه ميتاً على الدرج داخل البناية على بعد خطوات من غرفته، وقام مجلس البلدية بدفنه في أحد مقابر برلين ولم أهتد إلى يومنا هذا إلى قبره.
رفيقان في دروب الحياة والموت
تعرفت على سلطان أبا زيد مؤخراً، على الرغم من أننا في سن واحدة ودرسنا في وقت متقارب في المانيا الديمقراطية سابقاً، ومارسنا نفس المهنة، بينما تعرفت على صلاح أحمد إبراهيم مبكراً، أثناء فترة الشباب، عندما كان ينشط في تكون فرع لاتحاد الشباب السوداني في منطقتنا (ودارو وبيت البنا)، ثم عاصرته لفترة قصيرة في جامعة الخرطوم وتفرقت بنا السبل.
سلطان أبا زيد، ولد عام 1936 في درعا \ سوريا، من أصول فلاحية وأنتمى مبكراً الى الحزب الشيوعي السوري.
تعرفت عليه عند زياراته الموسمية لأصدقائه السوريين في برلين ممن ربطتني بهم صداقة حميمة واحترام متبادل – إذ كان يشارك معنا في الندوات، محاضراً أو ناقداً أو معقباً – عن قضايا بلادنا، عن الزمن الرديء والأفق المسدود وأزمة الاندماج في المجتمعات الغربية.
عمل في المستشفى الحكومي وفي عيادته الخاصة في دمشق، تعرض للملاحقة والاعتقال والحبس، مما دفعه الى التخفي، والدخول في مرحلة العمل السري ثم المغادرة الى لبنان، حيث اعتقل هناك على يد المخابرات السورية وتمكن من الهروب الى الجزائر، وعمل كطبيب قبل ان انتقاله الى باريس. توثقت علاقتي به وعرفته عن قرب ولمست فيه دفء العِشرة، وكان يحب السودانيين فعلاً لا مجاملة، وتعرف على عدد من القادة السياسيين.
ولكن ما العلاقة بين سلطان أبا زيد السوري وصلاح أحمد ابراهيم السوداني؟
كلاهما نالا قسطاً وافراً من العلم الرفيع – هذا طبيب وذاك شاعر وكاتب، نذرا نفسيهما للعمل السياسي في سن مبكرة في صفوف الأحزاب الماركسية دفاعاً عن المحرومين والبسطاء من أبناء شعبنا الطيبين. هذا يشفي بمبضعه وذاك يحرَّض بقلمه، كلاهما مثقف عضوي بالمفهوم الغرامشي، كلاهما عاشا مسارب السياسة وتعرجاتها واكتويا بنارها، من نجاح وإخفاق، من انشقاق وانتهازية الرفاق. كلاهما خِبرا عسف السلطة ومرارة الغربة وأصابهما المرض اللعين وتوفيا في العاصمة الفرنسية. لقد توقف صلاح عن النشاط الحزبي لاِختلاف في الرؤية ولكنه لم يتخل أبداً عن مسؤوليته الأخلاقية وتضامنه حيال قضايا وطنه، مضحياً بالمنصب الرفيع، ليعيش رقيق الحال، صيانة لكرامته، وهو القائل عن شعره:
لو أن الشعر شواظ لهب
لمضيت أقول الشعرَ
أقول إلى أن تفنيني الكلمات
لو أن القلب يسيل بحار لهب
لعصرت القلب عصرة
إلى أن يفلت من كفي قطرات

مثل هذا الشعر يضع بصماته في روح وجسد مبدعه ولا يعمر طويلاً.
أما سلطان فلم تلن له قناة وواصل مساره الحزبي متخطياً كل المصاعب والانشقاقات المدمرة إيماناً بالعمل الجماعي وبأن الوحدة ممكنة مع الاختلاف، مدافعاً عن فكره وقناعاته سالكاً الطريق الصعب مضحياً بمساره المهني، ليتخلى من علاج الجزء متفرغا لعلاج الكل.
قال تلفونياً يريد أن يرانا ولم يقل يريد أن يودعنا.

التففنا حوله في برلين، نحن أصدقاءه ورفاق دربه الذين صحبوا أبو رشا في رحلة العمر الحافلة بالعطاء والوفاء، كان اللقاء مفعماً بالحميمية والمشاعر المتأججة والرهبة، كان قد زاد نحولاً ومالت بشرته القمحية الى السواد، ولكننا كنا نرى الرأس المتين وتوهج العينين وتوقد الذهن وبسمته الحيوية رغم الوهن وهو يصارع المرض بشجاعة نادرة مع توقع الهزيمة، فهو الطبيب العارف بكينونة هذا المرض اللعين. كان يتكلم بصوت خفيض إنما هادئ وواضح المعاني، كأنه يبعث فينا الأمل ونحن يعصرنا الألم، وكنت أخشى أن ينهار أحدنا أمامه. وتخيلته ينشد مع السياب شاعر العراق العظيم:

لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطا
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السحر
وافترقنا وسافر الى بلد بعيد ... بعيد!

ظهر في خمسينيات القرن المنصرم فنان “مغني” سوداني، جاء مثل الوعد الصادق ومر كالبرق وغاب كسحابة صيف وخلد اسمه بأغنية “كان بدري عليك” كان يؤديها بعنفوان صوته الشبابي الشجي وبنبرته الحزينة الحنونة.
سلطان أبو رشا وصلاح، عصفور أم درمان:
كان بدري عليكما، رحلتما ولن يخبو شعاعكما
https://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/248-9-0-2-2-3-7-8/119942-قصص-قصيرة-جدا-ونص-نثري-الى-حسن-موسى،-عبد-الله-الشقليني،-عبد-المنعم-عجب-الفيا،-مرتضى-الغالي-ومحمد-أبو-جودة-بقلم-حامد-فضل-الله-برلين
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


حامد فضل الله..برليني مستنير .. بقلم: د. حيدر إبراهيم علي

نشر بتاريخ: 27 شباط/فبراير 2014


استقبلنا هذا العام بكتاب د.حامد فضل الله المميز:"أحاديث برلينية-حول قضايا أوربا والإسلام وفي الأدب والفكر"، الصادر عن دار الدليل -برلين. ولكتابة الأطباء المبدعين طعم خاص لأننا نسئ الظن بأصحاب هذه المهنة التي تبتلع حياة الإنسان الذي يساعد علي استمرار الحياة. لذلك، الطبيب المبدع هو إنسان وزيادة- كما يقول المناطقة. جاء كتاب (حامد) عصيا علي الاندراج المحدد في صنف بعينه. فهو سيرة ذاتية، ومسار فكر،وتوثيق نشاط.وتكشف موضوعات الكتاب عن ما تختزنه شخصية من تنوع، وتسامح، وعمق، ومحبة فائضة. وقدم له الأستاذ (خالد موسي دفع الله) بإحاطة ضيّقت علينا، إذ لم يفرط في الكتاب وصاحبه من شيء. وفي هذا دلالة أبعد مما كتب،فقد جمع في حبه بين (خالد) وشخصي رغم الجغرافية الفكرية المتباعدة. وهذه من فضائل الرجل السمح. لذلك، حين أردت الكتابة عن الإصدارة بعد (خالد)، قلت لكل منّا (حامده).
تعرفت علي (حامد فضل الله) بسبب (مركز الدراسات السودانية) وليس اثناء وجودي في المانيا وبالتحديد (فرانكفورت. وقد تعلمت من المركز أكثر من أي جامعة. كما قسمت الشيوعية المجتمع الي بروليتاريا وبورجوازية، قسمت بدوري اثناء تجربة المركز، الناس جميعا الي فئتين: إلي نبلاء وسفلة. وكان (حامد) علي رأس قائمة النبلاء الذين تحمسوا لنجاح الفكرة. فقد نشر في العدد الثالث من مجلة (كتابات سودانية) أبريل 1993، ترجمة لمقال (اودو شتاينباخ): الإسلام والحداثة. كما أرسل تحية نشرت في نفس العدد. ومنذئذ امتدت صداقة فكر سامية، ولم يتوقف عن مساندة المركز في ظروف حرب النظام والنيران الصديقة التي تطلق من الخلف والأمام.
من البداية أثارت فيّ السيرة الذاتية العديد من الخواطر التي تطال حال الوطن نفسه.فنحن ننتمي لجيل واحد: ما بعد الاستقلال. وهو الذي ادعي: من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر! ولكن أنظر ماذا أعطينا هذا الشعب؟ وهو يقول عنها "تجربة شخصية" (ص75) ولكنها في قلب أهم فترة في تاريخ ما بعد الاستقلال. ووجدت في تاريخ تكوينه الشخصي بذرة الازمة الراهنة. فتصور كيف تم قنص تلميذ يافع متفتح للحياة والمعرفة ويتم تعليبه في ايديولوجيا وتنظيم يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة.ويكتب عقب عودته من رحلة المدارس الثانوية لمصر:"رجعت إلي السودان ضمن مجموعة تم تجنيدها في صفوف الإخوان المسلمين بعد أن كانت علاقتي بهم قبل ذلك تحكمها فقط الصداقة والزمالة الدراسية".(ص27). وبالفعل هي تجنيد بالمعني العسكري الخالي من الفكر والاقناع، ليكون أي حوار بالسيخ والسباب واغتيال الشخصية.وهذه جريمة كل الأحزاب العقائدية التي أممت عقول الشباب مبكرا ولم تدع مائة زهرة تتفتح في حقول معرفتهم. وكان من المحتم أن يصل جيلنا الي الخواء والندم الذي يعيشه الناس.ولكن(حامد) كان محظوظا مرتين:"حدث لي في المانيا الديمقراطية غسيل مخ أو نظافة مخ والله أعلم ولعل النظافة لم تكن كاملة فانضممت إلي زمرة المستقلين".(ص39).
لقد كنت محظوظا يا حامد للمرة الثانية،حين عدت هذه المرة لبرلين ولتكون هذا الرجل الذي نحتفي به الآن: البرليني المستنير. ففي يونيو1963 زار الرئيس الامريكي (جون كينيدي) مدينة برلين وقال أن المرء قبل الفي عام لكي يثبت تحضره يقول(civis Romanus sum) يعلن انتماؤه لروما ولكن الآن لكي يعلن الانسان تحضره وصلته بالحرية يقول (Ich bin ein Berliner) وانت تفخر بأنك برليني مستنير! فقد كانت نظافة المخ كاملة وإلا لكنت الآن في مستشفي الرباط أو صيدلية الأمل أو بنك البركة. ولك حق الابتهاج: "في برلين.. كانت لنا أيام" فقد كانت تجربتك ناجحة وهزمت غرور (مصطفي سعيد) الذي جاء اوربا غازيا فمات فطيسا في نهر ملوث. كما هزمت نظرية (صراع الحضارات) وحلت محلها نظرية (تساكن الحضارات) فدرست وعملت وتزوجت وانجبت ونشطت وكتبت ،ولم تصادم سودانيتك برلينيتك بل تعانقتا في حب عابر للازمنة والأمكنة.
كان لابد أن يكتب (حامد فضل الله) فصلا كاملا عن: قضايا الإندماج وتفاعلات الإسلام في أوربا. ولكنك ظلمته،كان بمكن أن يكون كتابا منفصلا. وحتي الآن لم تفت الفرصة يمكن تحريره واصداره في كتاب مستقل واسقاطه عن الطبعة الثانية لهذا الكتاب الذي بين ايدينا.وقد تناولت المقالات المترجمة والدراسة التي يبدو أنها كتبت خصيصا لبحث الظاهرة،قضية المعوقات والصعوبات والسلبيات.فمن الواضح أن سيرورة الاندماج عامة وفي المانيا علي وجه خاص. إذ من الواضح أن عملية الإندماج لم تساعدها العولمة التي اسقطت حدود الثقافات. فقد تصاعد الحوف علي الهوية بالذات عند المسلمين-كما ذكر الكاتب-من االبداية:" غالبا ما نلاحظ أن عاملا واحدا يقف حجر عثرة في طريق الاندماج الفعلي بالمجتمع الجديد بالنسبة للغالبية العظمي للمهاجرين ونعني به الخشية من فقدان الهوية العربية أو الإسلامية".(ص79).وهذا وضع معكوس لفكرة الإسلاموفوبيا لتكون الخوف علي الإسلام بدلا من خوف الغربيين من الإسلام.ويمارس الكثير من المسلمين آليات دفاع تبرر عدم الإندماج من بينها الاحساس بالتفوق علي الحضارات الأخري علي الأقل أخلاقيا إن لم يكن ماديا وتكنولوجيا. وكثير من حركات الإسلام السياسي تتحدث عن "استاذية" المسلمين علي غير المسلمين.كما أنهم أصحاب فهم خاص ل:
"خير أمة اخرجت للناس"،مما يجعلهم عاصين علي الاندماج والتأقلم.
يظن كثير من المسلمين أن فكرة التسامح وقبول الآخر ذات اتجاه واحد.فهم يتوقعون من الاوربيين قبولهم كآخر، ويحاولون الاستفادة من كل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان،بدون ممارستها.فالاحتجاجات علي بناء المساجد أو الآذان،لا يسأل المحتجون أنفسهم عن عدد الكنائس الموجودة في المملكة العربية السعودية.علما بوجود جامع،من الأكبر في العالم،علي بعد امتار من الفاتيكان،وفي مدينة (كولن) الالمانية يوجد أكبر مركز إسلامي في اوربا وقد يكون في العالم.كما أن المسلمين مطالبون بتغيير صورتهم النمطية التي ترسخها جماعات معينة.فحين يلاحظ المشاهد الغربي في التلفزيون أن "المسلمين" طرف في كل نزاع دموي من اندونسيا حتي الشيشان مرورا بنيجريا.وحين يعلم بان هذه الجماعات"مسلمة" من طالبان،وداعش،وبوكو حرام،وانصار بيت المقدس،وجبهة النصرة،والقاعدة في بلاد المغرب،والشباب في الصومال...الخ. فالشخص العادي الغربي لن يتعب نفسه في التمييز بين مسلم معتدل ومتطرف ووسطي،فهو مسلم فقط في نظرهم. لذلك،حل مشكلة الاندماج يبدأ بحل المسلمين لأزمتهم الذاتية بتجاوز التخلف وبفهم متقدم لدينهم.وفي مقال آخر نجد دعوة لنقد الإسلام أوبالأصح نقد فهم غالبية المسلمين للإسلام،كبداية للتفاهم والحوار.ويعبر المقال عن جذر مشروع في عنوان يقول:"الحد الصعب بين نقد الإسلام وإرهاب الإسلام".(ص126).ولا يذهب مقال"المسلمون في دولة القانون العلمانية" لهاينر بيلافيلد(ص148-165)،بعيدا عن مطلب النقد أو الفهم الموضوعي المتبادل.ويثير الموضوع الخاص بطارق رمضان الفكرة ،الجدل حول وجود إسلام أوربي؟!
أكرر امكانية أن يكون هذا الكتاب الضخم (ص457)أكثر من كتاب،خاصة الموضوعات ذات الطابع الابداعي. وفي هذه الحالة يكون هذا الكتاب"الاعمال شبه الكاملة لحامد فضل الله".وشكرا علي هذا العبير والألق في زمان الغبار والزفر السياسي.وبالتأكيد سأعود يوما ما للمواصلة في حوار الكتاب صاحب الوجوه الكثيرة.
https://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/124-6-8-2-3-2-7-8/64983-
أضف رد جديد