عبدالخالق محجوب وبروفيسور عبدالله علي إبراهيم والديّن

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

عبدالخالق محجوب وبروفيسور عبدالله علي إبراهيم والديّن

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »





عبدالخالق محجوب وبروفيسور عبدالله علي إبراهيم والديّن


نورد قطف ما أورده بروفيسور عبدالله علي إبراهيم عن أقوال عبدالخالق محجوب حول الدين الإسلامي :

{ وتساءل عبد الخالق: كيف تسنى للرجعية السودانية، بغض النظر عن دوافعها السياسية التي اتخذت الدين أداة ومخلباً، وبغض النظر عن نفوذها في الدولة والتشريع، أن تحرك بسهولة نسبية قطاعاً من الجماهير ضد الحقوق الديمقراطية والدستورية في البلاد حين قبلت بحزب الحزب الشيوعي؟}

{واسترسل عبد الخالق في وصف الإسلام اليوتوبيا في خيال وفكر عامة المسلمين قائلاً:
"الناس يتصورون هيئة عمر بن الخطاب حاكم الدولة الإسلامية التي امتدت شرقاً وغرباً وجنوباً وانتشرت تهز أركان العالم حولها وهو مجرد من زيف السلطان وغربته عن الشعب وقد استلقي تحت ظل شجرة مثل عامة الناس لأنه حكم وعدل وأمن شعبه. يذكرون مصعب بن عمير يحف به بذخ الأرستقراطية وهو شهيد في واقعة أحد بعد أن أبلي وهو يحمل لواء الرسول بلاء لا يدانيه بلاء، وقد خر على وجهه، ويهم المسلمون بدفنه فلا يجدون له كفناً، إنما هو ثوب رث قصير إن أخفى رأسه أظهر رجليه، وإن اخفي رجليه أظهر رأسه، والنبي (ص) يَري فيتلو قول عز وجل: "من المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه."

ويستطرد عبد الخالق قائلاً إن هذا العالم المثالي هو الذي يشد أفئدة الناس في واقع يحدق بهم: الفساد فيه وحل، والمحسوبية عاهة، تغلب فيه الإثرة والتفاوت الطبقي اللئيم والفردية القاتلة. ويجد عامة المسلمين أنفسهم أسرى تناقض بين عالم المثال، هذا الذي الإسلام فيه مستودع العدالة والإيثار والمساواة، وبين ارتباطهم بقوي النادي السياسي التي تفسد في الأرض، تناقض بين المثال الذي يجعلها ترفض الواقع الفاسد وبين قلة حيلتها وهي أسيرة النادي السياسي وخطته السياسية. ولا مخرج لها من هذا التناقض سوي بنظرية اجتماعية للسلطة تنتقل بها من رهن إرادتها بانتظار فيض القلب الرحيم والمدد المثالي إلى اكتشاف القوة الاجتماعية للتغيير لتحرير نفسها من لعنة وعبودية المال. ويواصل عبد الخالق قائلاً:
"إن الجماهير التي يثير فيها شعار الدستور الإسلامي ما ذهبتُ إليه من صور إنسانية مدعوة للبحث والتفكير عن ردود شافية لأسئلة تطرح نفسها وتلح بإصرار: هل يمكن تحقيق تلك الصور والمعاني بواسطة سلطة أصحاب المال والمترفين الذين يعملون عن طريق مسودة دستورهم لعام 1968 لدفع البلاد بخطوات سريعة على طريق الرأسمالية.}


*

لربما كان هذا قول عبدالخالق، كما نقله لنا البروفيسور عبدالله علي إبراهيم ، ولكننا نلج لقصة أن بروفيسور عبدالله عاب في كتابة سابقة على الحزب الشيوعي عدم السماح بتفرغ كادره (عبدالخالق) خلال ستينات القرن العشرين لدراسة الإسلام من جذوره ، بعدما تبين انسياق العامة وراء الدعاوى الإقصائية للحزب الشيوعي عقب قصة الطالب ( شوقي محمد علي ) وهو ابن 19 عاماً في حادثة الإفك في مداخلة له في معهد المعلمين عام 1965، والتي أوصلتها الطائفية إلى مثواها الأخير حين صارعت المحكمة العليا وصرعتها، وقامت بطرد نواب الحزب الشيوعي الـ (11)من البرلمان ، وحظره من الوجود.
*
فيمكننا رد الصاع والكيل لبروفيسور عبدالله ، إذ أنه لم يعر الفكر الديني التفاتة تذكر ، بل نهل من أدبيات الفكر السياسي في استغلاله للعقيدة دون النظر الفكري لها في جوهر مقولاتها التنظيمية والعقابية ، كظاهرة يصعب فكاك العامة من أسطورتها التي تلبس زي اليوتوبيا ، فلم يكن الخليفة عمر بالنقاء الذي تسرده وقائع التاريخ الديني . ولم يكن الصحابة أخيار، كما صورتها لنا كتب المؤرخون الإسلاميين .بل كانوا أناس عاديون ، يهبوا لنجدة القبيلة ويفزعون للسبي والغنيمة ، كما يهب لها رهط قبيلتهم . يسترزقون من الزكاة ، ويقسمون الفيء مثل سائر تقسيم القبائل في زمانهم. وكل السيرة التي تزين هؤلاء الصحابة هو من تصور الفلكلور الذي اختلط بالأسطورة.

*

لم يزل الحزب الشيوعي حتى اليوم في دوامة الاستعجال السياسي وغلبته على الفكر ورويته ، وكل ما ساقته خلال فكرهم السياسي الديني ، بأنه محض تهويس سياسي ، كما ذكر بروفيسور عبدالله ، دون إعمال حقيقي للفكر.

رغم أن المفكر محمود محمد طه قد سبق الجميع بتطويره فهم الإسلام ، واشتق منه الرسالة الأولى ثم الثانية : الجهاد ليس أصلا في الإسلام ، الرق ليس أصلا في الإسلام ، الرأسمالية ليست أصلا في الإسلام ، عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلا في الإسلام ، تعدد الزوجات ليس أصلا في الإسلام ، الطلاق ليس أصلا في الإسلام ، الحجاب ليس أصلا في الإسلام - المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلا في الإسلام. التي هو بصدد إعلان بشائرها في كتابه الذي أصدره في يناير 1967، أي في وقت مقارب عام 1965 ، وذات المسألة المؤرقة للجميع قد نفذ محمود محمد طه بفكره ظاهرة، فيها خروج عن المألوف. ولم نزل في قضية القداسة التي تمنع الجميع من إخضاع العقيدة بكل ملحقاتها لمبضع الدراسة والنقد.

(2)

تطور الأمر عند الذين قادوا التنوير، أمثال د. يوسف الصديق من بعد الدكتور طه حسين . وكذلك ود. حامد أبوزيد ود. يوسف زيدان ود. فراس نورس السواح ود. خزعل الماجدي والمفكر محمود محمد طه وغيرهم.

*

تطور الأمر الفكري بمنهجية واضحة ، فرقت النص القرآني وسمته ( النص الأول ) وسمت الحديث بأنه ( النص الثاني ) والاجتهاد والمجتهدين وقياسهم وسمته ( النص الثالث ).
*

وفي النص الأول تحدثت إن كتابته الأولى كانت مشابهة للآرامية والسريانية والعبرانية ، وكان النص الذي جمعه الخليفة عثمان بلا تنقيط ولا تهميز ولا تنوين . ولم يوجد إلا أجزاء من رقع النص القرآني قبل نهاية القرن الأول الهجري .

وما تبع نصوص قرآن الخليفة عثمان الذي وضع السور الطوال مع الطوال ، والقصار مع القصار ، ولم يجد الباحثون نسخ من الخط الحجازي الأول ، ولكن وجدوا بعض نسخ بالخط الكوفي الذي جاء بعده.

وتفرعت الجمل والكلمات والأحرف ، وتطور التدوين ، إذ أن النص القرآني هو المعروف بأول الكتب العربية.

*

وصار للحديث أعلام ومجتهدون وصناع فقهاء، خاصة في العهد الأموي والعباسي. وصار (النص الثاني ) عرضة للقص الأسطوري للتمجيد للبطولات، كما جاء عن ابن اسحاق الذي قص منذ آدم حتى عهد الرسول محمد ، واختصر السيرة ابن هشام كما ظهرت لنا. وانقسم أصحاب السنة إلى فرق ورواة ، وانقسم شيعة علي إلى أنهم لا يصدقون إلا الأحاديث الذي يقولها سلالة علي بن أبي طالب.
وتسلسل رواة الأحاديث إلى أجمة داخلها لا يخرج منها، لصعوبة التفريق بين الصحيح والمصنوع والمتخيّل. وتفرق رواة الأحاديث أيدي سبأ.

*

وتفرق المجتهدون على علاتهم وهم أعلام ( النص الثالث) ، وتفرقوا بين أسباب النزول، وتفسير الأحاديث والقياس ، والفتوى ، حتى بلغ المجتهدون شأناً ضخماً، وقد ارتبطوا بالسلطة، يزينونها لأصحابها. وشيدت لهم السلطة دور ومناصب ومدارس ومناهج ، يسترزقون منها إلى يومنا هذا.

*

نجد من الداعين من اتخذ شعارات : ( شرع الله ) و ( الشريعة هي الحل) . وحين فاجأهم العامة ، لجئوا لبعض العقوبات وبعض المواريث وأحكام القرآن في الأحوال الشخصية، وانتقوا من الحديث ومن الاجتهاد ما راقهم في صناعة قوانين عقابية من كل صنف ووجد المجتهدون يدهم ممدودة وراء أي نص يحاكمون به الناس ،


**
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

نورد نصوص بروفيسور عبدالله علي إبراهيم تباعاً
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الخالق محجوب (سبتمبر 1927-يوليو 1971): الإسلام وغربة الماركسية (1-3) .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

نشر بتاريخ: 16 أيلول/سبتمبر 2019
https://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/56-8-0-6-0-1-4-6/118338-عبد-الخالق-محجوب-سبتمبر-1927-يوليو-1971-الإسلام-وغربة-الماركسية-1-3-بقلم-د-عبد-الله-علي-إبراهيم

(أنشر هنا مقدمة كنت كتبتها لكتاب أستاذنا عبد الخالق محجوب "آراء وأفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين" صدر في نحو 1968 (الطبعة الثانية من دار عزة) في حمى المناقشات التي دارت حول الدستور الإسلامي الذي كانت الجمعية التأسيسية قد أجازت مسودته. وكان ذلك الدستور تتويجاً للثورة المضادة لثورة أكتوبر 1964 التي خرج منها الحزب الشيوعي حزباً معززاً شديد النفوذ. فتضافرت قوى تلك الثورة (حزب الوطني الاتحادي-الأزهري، حزب الأمة والإخوان المسلمون) لكسر شوكته. ففرقت حافل حكومة الثورة الأولى التي كان نفوذ الشيوعيين قوياً في أبريل 1965، ثم حلت الحزب نفسه في ديسمبر من نفس السنة وطردت نوابه من الجمعية الـتأسيسية، ثم أجازت مسودة دستور إسلامي في 1968.
لم أرد بالمقدمة تقديم الكتاب المخصوص عن فكر الإخوان المسلمين بل لعرض تفاكير عبد لخالق حول الدين والماركسية في بيئة سياسية تربصت بحزبه تربصاً شقياً. وقال عن هذه البيئة إنها فرضت على الماركسية غربة عن الدين والمجتمع. واعترف بأنها غربة ليست مختلقة كلياً بل لها حواضن فكرية حتى بين جمهرة الناس. واتجه عبد الخالق في كتاباته باسمه، أو في دورات اجتماعات الحزب الشيوعي، إلى تفكيك هذه الغربة وعرض نهجه للخروج منها إلى الرحاب الثورية).
لم يستثقل عبد الخالق (أو "يسترجع" أي أن يجعلها رجعية بإطلاق) الدعوة للدستور تفاقمت حتى صارت تشريعاً أجازت الجمعية التأسيسية المنتخبة في 1965 مسودته في 1968. بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن انشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري للاستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة لتأمين السيادة الوطنية على أساس من العدل الاجتماعي. والدليل على رحابة عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلى أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة أكتوبر "ولدت وعياً بين الناس لا سبيل إلى إنكاره ولفتت الانتباه لأول مرة في بلدنا للنظر إلى الدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين."
ولذا لم ينشغل عبد الخالق بعد واقعة حل الحزب الشيوعي بالإلحاح على مسالة استغلال خصومه للدين قطعاً لطريق التقدم، وهي واحدة من عباراته المفضلة آنذاك. خلافاً لذلك رأي عبد الخالق أن تكون محنة الحزب الفكرية مع الإسلام مناسبة يأخذ الحزب نفسه بالشدة النظرية يتأمل قامته الثقافية في مجتمع إسلامي. فقد كتب في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع (1968) يقول إن المؤتمر الرابع للحزب (1967) (5) لم يثر مسألة الدين من الزاوية السياسية وحسب. وبعبارة أخري، فالمؤتمر لم يقتصر في خلاصاته فقط على استنكار استخدام الدين بواسطة النادي الحاكم ستاراً لمصادرة الحقوق الأساسية في مثل حله الحزب الشيوعي. وقال إنه لو كان هذا المغزى السياسي هو كل ما انطوي عليه حل الحزب من مغاز لكان الأمر يسيراً. فالحزب، في نظره، ذو تجربة ثاقبة في العمل بين جماهيره في حين اكتنفته الحملات الناعمة والكثيفة الموجهة إلى إلحاده ومفارقته الجماعة. فهو قد تمرس في النضال الحازم بين العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين وعامة الناس المسلمين للدعوة إلى فصل الدين عن السياسة. ولم يعان حرجاً أو عزلة بل أصاب سداداً كثيراً. والحزب، من الجهة الأخرى، في قول عبد الخالق، تشرب حساسية الناس الدينية وتوسل إلى إقناع الناس بتوقيره ما يوقرون بالمسلك العملي المتأدب في حضرة الإرث الثقافي والعقدي للمسلمين. وبالفعل نجح الحزب في عام 1965 من حماية ظهره سياسياً في وجه حملة العداء التي انتهت بحله وعاد في انتخابات 1968 ليرسل نائبين من دوائر جغرافية لم يجد الناس حرجاً في الانتصار له فيهما. ولم يدر في خلد دهاقنة حملة 1965 أن يستقوي الحزب بالناس هكذا في أقل من ثلاثة أعوام.
لم يرد عبد الخالق أن يتذرع باستغلال خصومه للدين لكي يتفادى الحرج الثقافي الأصيل للفكرة الشيوعية في بلد مسلم. وقد رأي أن يلقي هذه المسالة وجهاً لوجه. فقد دعا في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (1968) (6) أن يتأمل الشيوعيون غربتهم و"غربة الفكر الماركسي" التي ارتسمت بغير خفاء من جراء حادثة معهد المعلمين وذيولها. وتساءل عبد الخالق: كيف تسنى للرجعية السودانية، بغض النظر عن دوافعها السياسية التي اتخذت الدين أداة ومخلباً، وبغض النظر عن نفوذها في الدولة والتشريع، أن تحرك بسهولة نسبية قطاعاً من الجماهير ضد الحقوق الديمقراطية والدستورية في البلاد حين قبلت بحزب الحزب الشيوعي؟ وأضاف قائلاً: كيف تسني لهذه القوي الرجعية أن تنفذ إلى غرضها هذا من خلال استغلال حادث مفتعل لا يعرف أحد حتى ذلك الوقت أبعاده.

ومن شأن هذه الأسئلة، التي تنأى عن تحميل الخصم كل اللوم على ما يقع على الذات من أذى، أن تفضي بهذه الذات إلى مكاشفة ذاتها مما هو في باب النفس اللوامة. وقد ساقت هذه الأسئلة عبد الخالق إلى اجتهادين مرموقين في منهج الحزب الشيوعي تجاه مسالة الثورة والإسلام.
وسنرى منه ذلك إن شاء الله غداً

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الخالق محجوب (سبتمبر 1927-يوليو 1971): الإسلام وغربة الماركسية (2-3) بقلم عبد الله علي إبراهيم

عبد الخالق محجوب (سبتمبر 1927-يوليو 1971): الإسلام وغربة الماركسية (2-3) .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر بتاريخ: 17 أيلول/سبتمبر 2019
https://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/56-8-0-6-0-1-4-6/118366-عبد-الخالق-محجوب-سبتمبر-1927-يوليو-1971-الإسلام-وغربة-الماركسية-2-3-بقلم-د-عبد-الله-علي-إبراهيم


(أنشر هنا مقدمة كنت كتبتها لكتاب أستاذنا عبد الخالق محجوب "آراء وأفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين" صدر في نحو 1968 (الطبعة الثانية من دار عزة) في حمى المناقشات التي دارت حول الدستور الإسلامي الذي كانت الجمعية التأسيسية قد أجازت مسودته. وكان ذلك الدستور تتويجاً للثورة المضادة لثورة أكتوبر 1964 التي خرج منها الحزب الشيوعي حزباً معززاً شديد النفوذ. فتضافرت قوى تلك الثورة (حزب الوطني الاتحادي-الأزهري، حزب الأمة والإخوان المسلمون) لكسر شوكته. ففرقت حافل حكومة الثورة الأولى التي كان نفوذ الشيوعيين قوياً في أبريل 1965، ثم حلت الحزب نفسه في ديسمبر من نفس السنة وطردت نوابه من الجمعية الـتأسيسية، ثم أجازت مسودة دستور إسلامي في 1968.
لم أرد بالمقدمة تقديم الكتاب المخصوص عن فكر الإخوان المسلمين بل لعرض تفاكير عبد لخالق حول الدين والماركسية في بيئة سياسية تربصت بحزبه تربصاً شقياً. وقال عن هذه البيئة إنها فرضت على الماركسية غربة عن الدين والمجتمع. واعترف بأنها غربة ليست مختلقة كلياً بل لها حواضن فكرية حتى بين جمهرة الناس. واتجه عبد الخالق في كتاباته باسمه، أو في دورات اجتماعات الحزب الشيوعي، إلى تفكيك هذه الغربة وعرض نهجه للخروج منها إلى الرحاب الثورية.
ونعرض في هذه الحلقة الثانية لبعض تفاكيره حول وجوب أن يخرج الماركسي من الشكوى من "استغلال الدين" إلى نهج يمتلك به سرديته هو على بينة من الماركسية للدين. وقاعدة هذه السردية الماركسية هي التفريق بين إسلام المستغلين (إسلام "الأدبة" في وصف العالم الفقيه فظل الرحمان) وبين الإسلام اليوتوبيا الذي يدخر فيه عامة المسلمين لمعاشهم ومعادهم)

خرج عبد الخالق من تبكيت النفس والغير إلى دعوة الحزب ان يخوض في أمر الدين لا من موقع الدفاع عن نفسه كمتهم في دينه، بل من مواقع الهجوم. وسبيل الحزب إلى ذلك تبسيط الماركسية وجعلها لصيقة بحياة الناس. فتطوير نظرة الحزب للدين، في رأيه، هي في تقريب الماركسية لجماهير الشعب بجعلها جزءاً من تفكيره وتراثه الثوري بإدخالها بين مصادر حضارة الشعب العربية والإسلامية والأفريقية. وهو يري أن هذا التقريب للماركسية هي تبعة على مثقفي الحزب تلزمهم باكتشاف مصادر هذه الحضارة وعناصر القوة والخير والثورة فيها. فالماركسية، في قول عبد الخالق، ليست مناسبة يخلع بها الشيوعي هويته الحضارية كمسلم وعرب وأفريقي. خلافاً لذل، فالماركسية هي "تجديد للمعرفة وسط شعبنا، تجديد لمصادر حضارته وثقافته." وهي مع ذلك لا تقف مكتوفة اليد مبهورة حيال ماضي هذه الحضارة كمثال جامع مانع. وإنما تنفذ إليه بالنقد الدقيق المحيط تتغذى بخير هذه الحضارة وتلفظ ما عداه وتتغلغل يوماً بعد يوم إلى ثري الوطن وثقافته.
فالحزب الشيوعي، في نظر عبد الخالق، يكسب بالهجوم الذكي المستنير المتفقه في علوم الدين وغير علومه. فلا مخرج للحزب من غربته الفكرية بالاستخذاء وإدارة العقل إلى الجهة الأخرى في وجه ما يلقيه عليه الدين من مسائل وتحديات وفقه. وقال:
"هذه الغربة (الماركسية عن الدين) التي أشرت إليها لا تحل على أساس سياسي كما أن مراكز الدفاع مراكز ضعيفة ويمكن أن توصف بالنفاق السياسي، ولا توصف بالحالة الجادة لاكتشاف مصادر الثقافة في بلادنا ولاتخاذ موقف تقدمي منها: ما كان مفيداً يدخل في ميدان التطور، وما كان منها يعوق التطور يجب ان يتكلم عنه الشيوعيون بجرأة وأن يقفوا بثبات دفاعاً عن مراكزهم"
أما الخاطرة الاجتهادية الثانية (7) التي عنت لعبد الخالق حيال غربة الماركسية في مجتمع إسلامي فهي تفرقته بين الدين كأيدلوجيا، مما يؤدي إلى استغلاله بواسطة الصفوات النافذة لتأمين حكمها بين الناس وبين الدين كيوتوبيا، أي الدين كجغرافيا راسخة لعالم مثالي من العدل والإخاء والمساواة. فدين عامة الناس، اليوتوبيا، مما فُطر عليه المسلمون، واستمدوا منه أبداً عالماً بديلاً لعنت واقعهم السياسي الأليم، وشَغِفوا فيه بصور العدالة والإيثار والمساواة، التي هي صفة مجتمع أبكار المسلمين. واسترسل عبد الخالق في وصف الإسلام اليوتوبيا في خيال وفكر عامة المسلمين قائلاً:
"الناس يتصورون هيئة عمر بن الخطاب حاكم الدولة الإسلامية التي امتدت شرقاً وغرباً وجنوباً وانتشرت تهز أركان العالم حولها وهو مجرد من زيف السلطان وغربته عن الشعب وقد استلقي تحت ظل شجرة مثل عامة الناس لأنه حكم وعدل وأمن شعبه . . . يذكرون مصعب بن عمير يحف به بذخ الأرستقراطية وهو شهيد في واقعة أحد بعد أن أبلي وهو يحمل لواء الرسول بلاء لا يدانيه بلاء، وقد خر على وجهه، ويهم المسلمون بدفنه فلا يجدون له كفناً، إنما هو ثوب رث قصير إن أخفى رأسه أظهر رجليه، وإن اخفي رجليه أظهر رأسه، والنبي (ص) يَري فيتلو قول عز وجل: "من المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه."
ويستطرد عبد الخالق قائلاً إن هذا العالم المثالي هو الذي يشد أفئدة الناس في واقع يحدق بهم: الفساد فيه وحل، والمحسوبية عاهة، تغلب فيه الإثرة والتفاوت الطبقي اللئيم والفردية القاتلة. ويجد عامة المسلمين أنفسهم أسرى تناقض بين عالم المثال، هذا الذي الإسلام فيه مستودع العدالة والإيثار والمساواة، وبين ارتباطهم بقوي النادي السياسي التي تفسد في الأرض، تناقض بين المثال الذي يجعلها ترفض الواقع الفاسد وبين قلة حيلتها وهي أسيرة النادي السياسي وخطته السياسية. ولا مخرج لها من هذا التناقض سوي بنظرية اجتماعية للسلطة تنتقل بها من رهن إرادتها بانتظار فيض القلب الرحيم والمدد المثالي إلى اكتشاف القوة الاجتماعية للتغيير لتحرير نفسها من لعنة وعبودية المال. ويواصل عبد الخالق قائلاً:
"إن الجماهير التي يثير فيها شعار الدستور الإسلامي ما ذهبتُ إليه من صور إنسانية مدعوة للبحث والتفكير عن ردود شافية لأسئلة تطرح نفسها وتلح بإصرار: هل يمكن تحقيق تلك الصور والمعاني بواسطة سلطة أصحاب المال والمترفين الذين يعملون عن طريق مسودة دستورهم لعام 1968 لدفع البلاد بخطوات سريعة على طريق الرأسمالية."
ونختم هذه التفاكير لأستاذنا في الحلقة القادمة.
الصورة لصفحة من "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" تقرير المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي في 1967. وفي الصفحة اجتهاد لما ينبغي للحزب عمله لامتلاك سردية مستقلة للإسلام من وحي الماركسية والممارسة بها بين قوى الكادحين.

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

[size=Font Size]
عبد الخالق محجوب (سبتمبر 1927-يوليو 1971): الإسلام وغربة الماركسية (3-3) بقلم عبد الله علي إبراهيم
https://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/56-8-0-6-0-1-4-6/118401-عبد-الخالق-محجوب-سبتمبر-1927-يوليو-1971-الإسلام-وغربة-الماركسية-3-3-بقلم-د-عبد-الله-علي-إبراهيم


(أنشر هنا مقدمة كنت كتبتها لكتاب أستاذنا عبد الخالق محجوب "آراء وأفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين" صدر في نحو 1968 (الطبعة الثانية من دار عزة) في حمى المناقشات التي دارت حول الدستور الإسلامي الذي كانت الجمعية التأسيسية قد أجازت مسودته. وكان ذلك الدستور تتويجاً للثورة المضادة لثورة أكتوبر 1964 التي خرج منها الحزب الشيوعي حزباً معززاً شديد النفوذ. فتضافرت قوى تلك الثورة (حزب الوطني الاتحادي-الأزهري، حزب الأمة والإخوان المسلمون) لكسر شوكته. ففرقت حافل حكومة الثورة الأولى التي كان نفوذ الشيوعيين قوياً في أبريل 1965، ثم حلت الحزب نفسه في ديسمبر من نفس السنة وطردت نوابه من الجمعية الـتأسيسية، ثم أجازت مسودة دستور إسلامي في 1968.

لم أرد بالمقدمة تقديم الكتاب المخصوص عن فكر الإخوان المسلمين بل لعرض تفاكير عبد لخالق حول الدين والماركسية في بيئة سياسية تربصت بحزبه تربصاً شقياً. وقال عن هذه البيئة إنها فرضت على الماركسية غربة عن الدين والمجتمع. واعترف بأنها غربة ليست مختلقة كلياً بل لها حواضن فكرية حتى بين جمهرة الناس. واتجه عبد الخالق في كتاباته باسمه، أو في دورات اجتماعات الحزب الشيوعي، إلى تفكيك هذه الغربة وعرض نهجه للخروج منها إلى الرحاب الثورية. وعرضنا في الحلقة الثانية لتفريق عبد الخالق، في معرض شحذ همة الماركسي المسلم لامتلاك سرديته هو أو هي لدينه، بين إسلام المستغلين وإسلام المتدينين اليوتوبيا. وأراد بهذا الإسلام اليوتوبيا العالم المثالي الذي يشد أفئدة الناس في واقع يحدق بهم: الفساد فيه وحل، والمحسوبية عاهة، تغلب فيه الإثرة والتفاوت الطبقي اللئيم والفردية القاتلة. ويجد عامة المسلمين أنفسهم أسرى تناقض بين عالم المثال هذا الذي الإسلام فيه مستودع العدالة والإيثار والمساواة وبين ارتباطهم بقوي النادي السياسي التي تفسد في الأرض، تناقض بين المثال الذي يجعلها ترفض الواقع الفاسد وبين قلة حيلتها وهي أسيرة النادي السياسي وخطته السياسية. ولا مخرج لها من هذا التناقض سوي بنظرية اجتماعية للسلطة تنتقل بها من رهن إرادتها بانتظار فيض القلب الرحيم والمدد المثالي إلى اكتشاف القوة الاجتماعية للتغيير لتحرير نفسها من لعنة وعبودية المال. ونختم:

من المؤسف أن نظرات عبد الخالق حول غربة الماركسية والدين لم تجد من الخلف الشيوعي لا تجريحاً ولا تطويراً. فلم يتسن للحزب أن يتخطى أطروحة "استغلال الدين" في العمل السياسي" إلى الرحاب التي افترعها عبد الخالق. فلم يكن بوسع الشيوعيين انتهاج فقه ماركسي غير فقه "التهويس الديني للسياسة" بالنظر إلى الشروط السياسية والفكرية التي اكتنفتهم لعقود أربعة منذ آخر الستينات. فقد توالت على الخَلف الشيوعي واليساري عامة النكسات بعد محنة حل الحزب الشيوعي في 1965. وكان الدين، بصورة أو أخرى، من الملهمات الرئيسية للذين أوقعوا بالشيوعيين الأذى.

وصح هذا التقدير أو لم يصح، فالذي استقر في خاطر الشيوعيين هو أن خصومهم كادوا لهم بالدين وما زالوا يكيدون. والمعروف أن الدين قد أصبح أيدلوجيا الرئيس نميري البديلة لليسارية الثورية بعد فراقه الدامي مع الشيوعيين بعد انقلاب 19 يوليو 1971. وقد تدرج نميري بالشعار الديني حتى أقام دولته الإسلامية في 1983. ثم جاء انقلاب 1989 الإسلامي الذي شتت شمل اليساريين في أطراف الأرض والغرب المسيحي بالذات. وليس من المستغرب إذاً أن ينشغل الشيوعيون بمحض غريزة الدفاع عن النفس بأطروحة استغلال الدين وتنويعاتها مثل إرث الإسلام في مجافاة حقوق الإنسان، واضطهاد المرأة وغيرها مما اتفق للغرب من صور نمطية عن الإسلام. وهي صور يعاد إنتاجها وترويجها في ملابسات عالم ما بعد الحرب الباردة الذي جري تصنيف الإسلام فيه ك "خطر" دولي بواسطة دهاقنة الفكر الأمريكي. وهكذا تناصر واقع محلي سوداني وواقع عالمي لكي يبعدا الشيوعيين عن افتراع معني للإسلام في السياسة غير معني استغلاله في هذه السياسة.

ولم يتسن للشيوعيين وهم بهذا الانشغال ب "تهويس" الدين أن ينموا فكرة عبد الخالق عن يوتوبيا الإسلام التي تعبئ المسلمين حول المثال الباكر لمجتمع النبي (ص) والصحابة الذي اتسم ببساطة الحكم وكرامة الرعية. وقد رأينا كيف حاكم المسلمون حكومتي نميري والإنقاذ الإسلاميتين بقواعد هذه اليوتوبيا الناقدة النافذة حين اشتطتا في البوليسية أو الفساد أو المحسوبية. وقد أخرج هذا النقد النميري من طوره فقال ببجاحة وكفرانية إنه يعلم أن للبيوت في الإسلام حرمة غير أن إسلامه هو إسلام "النط" في البيوت وتفتيشها. وقال الدكتور الترابي إن هذه اليوتوبيا قد قعدت بالحركات الإسلامية دون استحداث برنامج متدرج عملي تأخذ به مجتمعاتها من واقعها إلى مثال الإسلام. فهذه الحركات، في نظر الترابي، تعلقت بمُثل تَشْخص نحوها بالأماني. فلن تقارب الدولة الإسلامية المستعادة حالة الكمال الإسلامي "العمري" وقد لا تبلغها. فهذه الدولة لن تنشأ تامة وهي تولد من واقع إسلامي منحط، بل ستبدأ من بعض الطريق ثم تتقدم نحو مثل الإسلام. وأضاف الترابي أن الحركات الإسلامية المعاصرة اعتزلت المجتمع وتجافت عنه لإخفاقها في تحقيق المثال الإسلامي. وانطوت على هذه اليوتوبيا تنتظر حدوث معجزة تحقق أمانيها. وهكذا يري هذا الناشط الإسلامي الكبير كيف أن اليوتوبيا الإسلامية قد تصبح قيداً على الحركة الإسلامية المعاصرة وسبباً للنكوص والخيبة (8).

وكان بوسع الخَلف الشيوعي أيضاً أن يصوب بعض خاطرات عبد الخالق. فكلمة عبد الخالق في أن الدعوة للدستور الإسلامي لم تنشأ عن تنوير إسلامي سوداني هي عين الصواب إذا انصرف بها إلى الأحزاب التقليدية الطائفية. ولكننا، وبآخرة، قد نميل إلى تخطئتها إذا عنت الحركة الإسلامية الحديثة الناشئة آنذاك والتي تحالفت مع تلك القوي الطائفية على المستوي السياسي وآذت الحزب الشيوعي. غير أن تحالفها السياسي لم يمنعها من احتضان جذوة ما تروم التجديد الديني والتحديثي وبخاصة تحت قيادة الدكتور حسن الترابي منذ نصره على خصومه التربويين في الحركة في عام 1969. والمعلوم أن الشيوعيين لم يحتاطوا فكرياً لدرس هذه الحركة التي عدوها اجتماعياً فريقاً من أتقياء الريف "الكيزان" وعدوها سياسياً امتداداً فاشستياً للحركة المصرية التي اشتهر إرهابها بين شيوعي السودان نقلاً عن خبرة لهم بها في مصر (9)، وفي مقاومتها للناصرية التي عقد الشيوعيون معها أحلافاً متأرجحة. ولم يقرأ الشيوعيون الحركة الإسلامية في نصها وتجلياتها السودانية وبخاصة خلال صراعها المرموق للاستقلال عن قبضة "الشيخ" المصري المتمثل في التنظيم العالمي لحركة الإخوان المسلمين الذي أراد للتنظيم السوداني أن يكون فرعاً تابعاً. وقد شددت حركة الترابي طوال هذا الصراع على أصولها في الديمقراطية السودانية في طيات الحركة الطلابية والشعبية (10). وقد استحسنت دائماً خاطرة للأستاذ محمد إبراهيم نقد، السكرتير العام للحزب الشيوعي، قال فيها إننا حاكمنا الإخوان المسلمين في السودان بما نعرفه عن الإخوان المسلمين المصريين. وهذه خطة عاجزة. )

*
(بوسعك طلب نص هذه الكلمة بهوامشها متى بعث لي ببريدك على إيميلي لا المسنجر: [email protected])


*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »




شوقي و معهد المعلمين ( 1965م ) و شفرة إطلاق العُنف الديني


كان جدي لوالدتي قد درس بمعهد أم درمان العلمي كطالب غير منتظم بسبب كبر سنه في الخمسينات ، وظل يُلاحق علوم العربية والدين الإسلامي على مناهج الأزهر . تعودت أراه يتلقى دروسه ، ويُعلم ، لم يقعده سوى ضعف النظر حتى رحيله في سبعينات القرن الماضي . كان حُجة يأتيه العامة والخاصة يسألون ما غمض عليهم من أمور دينهم من الفقه وغيره .
دخل مسجد الشيخ حمد النيل ذات جمعة من بعد ندوة معهد المعلمين العالي وتداعياتها بأيام . بعد الصلاة وقف رافعاً صوته لأول مرة للجمع طالباً الانتظار .وقف أمام الجمع وبدأ سرد حادث الإفك بوهج الدين ، يُطعم السرد بآي من الذكر الحكيم ومن أسانيد السنة النبوية ، والرواية الدينية. يحكي بأريج السرد وحِلي الخطابة الباسقة فسرق البُكاء من الأعين .
بعد الخُطبة المؤثرة ، كفكف الشيخ أدمعه وغادر لمنزله . من بعد الخطبة العصماء انطلق جمع غفير من المُصلين في تظاهرة من المسجد المُطل على شارع الأربعين إلى سوق أم درمان !.

مؤشرات :

1/
لا يشبه الماضي الحاضر ، ولكن القضايا العالقة منذ الماضي بدون حل ستظل تنتظر . لم تأخذ مُداخلة الطالب السابق بمعهد المعلمين (شوقي محمد علي ) نصيبها الذي تستحق من الدراسة . وتقصي رحلة الرأي من على منبرٍ عام ثم تداعي الأحداث ، من مكرٍ سياسي يحسبه البعض للقضاء على الحزب الشيوعي في ذلك الزمان ، أم هي دُنيا تمتلئ بالأعاجيب والغرائب . نحن نعلم جميعاً من ولغ هذا المستنقع وأمسك بأدواته وأدارها لمصلحته ، ونعلم أيضاً من وجد من الحدث خدمة لأغراضه ، ونعلم من سار في الدرب على غير هُدى ، و نعلم من وجد ضالته في القضاء على حزب مُنافس كان له دوراً كبير الشأن في ذلك الزمان ، اختلفنا نحن مع ذاك الحزب أم اتفقنا ، وغرز المدية في صدره .
2/
كتب الدكتور عبد الله علي إبراهيم عن تلك الفترة وفق رؤاه في مقال له بصحيفة سودانايل السماوية ، وبين أن لسكرتير الحزب السيد عبد الخالق محجوب رأي هو أن يقوم الحزب بدراسة مُستفيضة للحدث وللدين ولثقل العقيدة في وجدان من أخذتهم لوثة العنف ضد الحزب الشيوعي ، وأن الأمر يحتاج لدراسة الدين وبالتفصيل، بغض النظر عن وعي من ألبوا العامة أو من أطلقوا الفتوى ، وتخيروا حزباً بعينه ليكون كبشاً للفداء . وذكر الدكتور عبد الله أن سكرتير الحزب قد رأى أن يتفرغ لتلك الدراسة ، لكن كان للحزب رأياً من أنه في حاجة له في مهام أخرى .
3/
كتب الدكتور الخاتم عدلان مقالاً عاتباً لما رآه في مقال الدكتور عبد الله على إبراهيم من وصف لأسلمة مُبطنة لنظرة عبد الخالق محجوب لتلك المسألة ، والمقال موجود في المنتدى العام لسوادنيزأونلاين ، وخلاف عبد الله والخاتم أو اتفاقهما لن يُنسينا أن الأمر برمته في حاجة لدراسة مستفيضة لم تزل تنتظر !.
5/
نتلمس جهد المُتابعين لرفد هذا المقال بتلك الكتابات أو ما نُشر من أدبيات الحزب ، حتى لا يُصبح حديثي هُنا نقلاً فلكلورياً ، يُخل بأدب النقل و طرائق الاستشهاد . فقد حاولت انتـزاع ما أراه اللُب من المقالين ، وقد حصلت على لقاء أجرته صحيفة السوداني الدولية مع السيد / شوقي محمد علي ، صاحب الشُهرة التاريخية ، بعد أكثر من أربعين عاماً من الصمت المُطبق ، وقد نقلته سودانيزأونلاين ، يجد المتتبع وصله في نهاية المقال .
6/
أعلم أن لكل من الدكتور عبد الله علي إبراهيم والدكتور الخاتم عدلان وللسيد شوقي محمد علي رؤاه حول الحياة والسياسة والفكر ، وربما يكون لتلك الرؤى كثير أثر فيما تفضلوا جميعاً ببثه للإعلام ، رأياً كان أم غيره.
ربما كان لشوقي حديث قصير في قصة حادث الإفك الدينية والتاريخية ، لا ترقى لكتابة الدكتور صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني أو لرواية آيات شيطانية للكاتب سلمان رُشدي أو لكافة ما نُشر من كتب وأسفار أو رسوم أيقظت من بيده مفتاح شفرة ( الفتوى ) عنفاً دينياً عمّ كل أرجاء المعمورة . منهم من مات في تلك المعارك والتظاهرات وهو لم يقرأ ، بل ولا يعرف حتى القراءة !!.
استشرى في صدور العامة لهباً وحدث ما حدث ! .
7/
إنني لست بصدد استدعاء ملفات التاريخ لنؤرخ للحدث ، أو لرصد ما كُتب وتجميعه ، بقدر ما أرى أن الأمر لم يجد حقه من الدراسة ، وأرى أيضاً أن لأصحاب علوم النفس البشرية رأي فخيم حول مسألة الشفرة التي أطلقت كل هذا العنف الذي هز أركان حزب عريق ، ووصمته بالكُفر الصراح ، وحاول أعداؤه التاريخيين ولم يتوقف سعيهم في كل سانحة لقتله أو لتجفيف عضويته على أقل تقدير . وبما أن أمر المسألة الدينية ودراستها لم يزل مُعلقاً ينتظر و لم يرد الأمر وفق ما نبتغي لا في الأدبيات ولا في الدراسات ، بل انصب جُلّ الأمر على المكر والمكيدة السياسية ، وخرق الدستور في ظل مُجتمع رعوي لا تضبطه القوانين ، ولا يعرف من الدساتير والنظم الديمقراطية إلا اسمها ! .

لم يزل الأمر وفق ما أرى ينتظر الدراسة ، من ذاك الحزب الذي مسه الضرر التاريخي ، بل و من كل الذين يتلمسون للإنسان حقوقاً ، يتعين نُصرتها ليس بالمقاومة السياسية وحدها ، بل بالمقاومة الفكرية وما تُؤسسه من كشف وتعرية أحابيل مؤسسة الجهل النشط ، وما تُمسك به من مفاتيح وشفرات العنف الديني لدى العامة .
8/
ورد على هذا الرباط في سودانيزأونلاين و المنقول عن صحيفة السوداني الدولية مقابلة تمت مع السيد/ شوقي محمد علي والتي أورد فيها أنه لم يكن ينتمي للحزب الشيوعي عندما أقيمت ندوة معهد المعلمين العالي ذائعة الصيت ، ثم حكى بعضاً عن انتماءاته للحزب الشيوعي القيادة الثورية الذي انفصل عن الحزب الشيوعي السوداني في الستينات ، ثم انتمائه الأخير للحركة الشعبية :

https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 57397&rn=3

عبد الله الشقليني
01/11/2006 م

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


قصة حادث الإفك عام 1965 كما أورده كتاب د. القدال:
(معالم في تأريخ الحزب الشيوعي السوداني.)

مساء الاثنين 9/11/1965 نظمت جبهة الميثاق الإسلامي (الإخوان المسلمين) ندوة في معهد المعلمين العالي في إم درمان. ودار نقاش حول موضوع البغاء. فنهض طالب أعلن أنه ماركسي، وقال إن الزنا كان يمارس في بيت الرسول وخاض في حديث الإفك. وفجر الحديث مشاعر غاضبة وسط جمهور الطلبة، وأصدرت تنظيماتهم بيانات تدين الطالب وتطالب بمعاقبته. كما أصدرت رابطة الطلبة الشيوعيين بيانا وضحت فيه أن الطالب ليس عضوا في الحزب الشيوعي بل هو يصدر صحيفة حائطية يهاجم فيها الحزب. أما الإخوان المسلمين فقد حولوا المعركة نحو الحزب الشيوعي مصرّين علي أن الطالب عضو فيه، واتهموا الحزب بالكفر والإلحاد.
وتصاعد الموقف يوم الجمعة عندما خرجت عدة مظاهرات نظمها الإخوان في أم درمان بعد الصلاة. واتجه المتظاهرون إلي منزل إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة. فخطب فيهم مؤكدا أن الحكومة والجمعية التأسيسية ستضع حدا لهذا الفساد، وإن لم تفعل فإنه سينزل معهم إلي الشارع لتطهير البلد . وكان ذلك منعطفا حاسما وخطيرا في تطور الأزمة. فدخول أزهري بثقله السياسي وبشعبيته حمل المعركة خارج قدرت الإخوان المسلمين المحدودة. كما أن أزهري قرر ما ستتخذه الجمعية التأسيسية بالنسبة للقضية قبل طرح الأمر عليها. ودخل أيضا الإمام الهادي إلي المعركة واستدعي مجموعات من الأنصار إلي العاصمة.
ويبدو أن الأحزاب السياسية قررت استغلال الحادث لتصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي فدفعت بأعداد من مؤيديها لمهاجمة دور الحزب بالأسلحة وبأسلوب همجي أطلق عليه عبد الخالق "عنف البادية" وازداد تصاعد الموقف عندما قامت بعض جماهير الأحزاب بمحاصرة البرلمان مطالبة بحل الحزب الشيوعي. وتراجع موضوع الطالب الصفيق.
اجتمعت الجمعية التأسيسية في 15 نوفمبر 1956 وبدأت سلسلة الإجراءات العجولة، حيث علقت اللوائح وخرق الدستور واستخف بالأعراف والتقاليد السياسية والبرلمانية وأهينت الثقافة وامتهن الفكر.
فما الذي حدث؟ تقدم محمد أحمد محجوب زعيم الجمعية ورئيس الوزراء يطلب إلي رئيس الجمعية برفع المادة 25 ( من اللائحة الداخلية لمناقشة أمر عاجل. ثم قرأ الرئيس اقتراحا تقدم به ستة أعضاء يقول " أنه من رأي الجمعية التأسيسية بالنسبة للأحداث التي جرت أخيرا في العاصمة والأقاليم وبالنسبة لتجربة الحكم الديموقراطي في البلاد وفقدانه الحماية اللازمة لنموه وتطوره أنه من رأي الجمعية التأسيسية أن تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني ويحرم بموجبه قيام أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخري تنطوي مبادئها علي الإلحاد أو الاستهتار بمعتقدات الناس أو ممارسة الأساليب الدكتاتورية".
وأعقب ذلك مناقشات مطولة هذه بعضها:
*
نائب الدائرة 187 :-
{إن الشيوعية لا تؤمن بالديموقراطية ولا بوجود الله وتنظر إلي الدين مجرد مخدر للشعوب ودستورهم إلا ذر للرماد في العيون وأضاف بأن الشيوعية أفسدت الشباب وجعلتهم يدمنون شرب الخمر وتعاطي المخدرات.}
*
نائب الدائرة 40 (محمد الكاروري)
{إن النظرية الشيوعية لا تؤمن بوجود الله وتري الحياة مادة والقرآن أساطير والسيرة خرافة والأنبياء أفاكين.}

وزير العدل (محمد إبراهيم خليل)
{بسم الله الرحمن الرحيم وكان لا بد أن أبدأ باسم الله لأرد علي الحزب الشيوعي الذي يستهل حديثه باسم الإلحاد. ثم يستطرد أن الجمعية التأسيسية لن تحل الحزب الشيوعي باسم الإلحاد بل باسم الله والدين والوطن والتقاليد والأخلاق السمحة. وأكد أنه ليس من المهم إن كان الطالب شيوعي أو غير شيوعي لآننا نعرف أنه يسير بوحي العقيدة الشيوعية.}
*
حسن الترابي :
ذهب الدكتور حسن الترابي العميد السابق لكلية الحقوق إلي أن حديث الطالب الغر ليس هو السبب الذي به يطالبون حل الحزب الشيوعي وضرب مثلا بالرصاصة التي صرعت القرشي في 21 أكتوبر والتي أدت إلي ثورة ضد الحكم العسكري. فالثورة التي اندلعت لم تكن من أجل الانتقام للقتيل (ولم يقل الشهيد). ولذلك فإن حديث طالب المعهد كان الشرارة التي أخرجت الناس للمطالبة بحل الحزب الشيوعي. ووجه للحزب الشيوعي خمس تهم هي : الإيمان ، الأخلاق، الديمقراطية، الوحدة الوطنية ، والإخلاص للوطن.
*
حسن بابكر الحاج نائب الدائرة 3 عن الوطني الاتحادي :

قال :{ إن هناك طالبا سفيها يقال إنه أساء للرسول الكريم والدين الإسلامي فقامت مظاهرات أمها المسلمون تطالب بحل الحزب الشيوعي. ولنفترض أن أحد أعضاء الحزب الوطني الاتحادي تفوه بمثل ما تفوه به الطالب السفيه فماذا يكون موقف الوطني الاتحادي؟ ثم خاطب النواب قائلا : رجائي أن تتركوا الحماس جانبا وتحموا الديموقراطية التي عادت إلينا بعد تضحيات لم نبذل مثلها في معركة الاستقلال ، فتأكدوا أنها ستنزع برمتها منكم كما انتزعت في الماضي... ولا أريد أن أسجل حربا علي الديموقراطية. فخيرا لأبنائي أن يدفنوني شهيدا من شهداء الديمقراطية بدلا من أن أعيش حيا في عهد وأد الديموقراطية".}

*
محمد إبراهيم نقد (دوائر الخريجين.)

تناول من ضمن ما تناول حديث الترابي فقال إن الحديث عن الأخلاق يكثر في هذا المجلس وذلك كلما واجه المجلس أزمة حقيقية تجاه حل القضايا الكبرى. وقد يكون الحديث عن الأخلاق ذا قيمة وينبغي المحافظة عليه. ولكن التحدث عن الأخلاق عند بروز الأزمات يوضح أين تكمن الأخلاق الجريحة. ثم قال إن تصريحات الدكتور الترابي متضاربة، ومن المهم أن يواجه الإنسان خصما سياسيا له رأي واضح أما التذبذب والتلون في المبادئ والأخلاق فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه. وأشار إلي أن النظريات الاجتماعية لا توضع للمناقشة هكذا في البرلمانات فهي لها مجال آخر. ولذلك فإن مناقشة النظرية الماركسية بهذا الأسلوب تطاول ما بعده تطاول.
وأكد أن الحزب الشيوعي بريء من تهمة الإلحاد التي يحاولون إلصاقها به. وموقف الحزب من الدين واضح في دستوره وفي تأريخه الطويل وتأريخ أعضائه. ثم قال "نحن لا نقول هذا الحديث عن خوف، وإننا لا نخاف، فلم نتعود الخوف في الماضي ولن نتعوده اليوم" .
*
وأجيز الاقتراح بأغلبية 151 ومعارضة 12 وامتناع 9 . وعندما قدم المشروع في مرحلة القراءة الأولي في جلسة اليوم التالي 16 نوفمبر لاتضح أن المواد 3،4،5، من المشروع تتعارض مع نص المادة الخامسة من الدستور التي تحرم المساس بالحريات العامة. فطلب زعيم الجمعية تأجيل النظر للقراءة إلي اليوم التالي . وفي جلسة 17 نوفمبر تقدمت الحكومة بمشروع قانون لتعديل المادة الخامسة من الدستور في مرحلة القراءة الأولي في جلسة 18 نوفمبر. ثم عرض المشروع للقراءة الثانية ومرحلة اللجنة في جلسة 22 نوفمبر وأجيز بأغلبية 145 ومعارضة 25 وامتنع عضوان.

ثم ظهرت مشكلة جديدة . فتعديل الدستور يتم بثلثي أعضاء الجمعية مكتملة وعددهم 156 ولك التعديل أجيز بأغلبية 145 وهم ثلثي أعضاء المجلس الذي لم تكتمل عضويته لعدم قيام الانتخابات في الجنوب وكان قد عدل الدستور من قبل بنفس الطريقة الخطأ. وكان ذلك التعديل خاصا بمجلس السيادة الذي يتكون من خمسة أعضاء وتكون الرئاسة دورية بينهم. فعدل الدستور ليصبح للمجلس رئيس دائم هو إسماعيل الأزهري وذلك من أجل التوازنات السياسية. فأخذ رئيس المجلس بتلك السابقة وأجاز التعديل بدون نصاب قانوني.
ثم ظهرت مشكلة ثالثة وهي أن التعديل يحرم قيام أحزاب شيوعية ولكنه لا يمنع وجود النواب الشيوعيون في البرلمان الذين ثارت كل الضجة من أجل إخراجهم منه. فتقدمت الحكومة بمشروع قانون لتعديل الدستور للمرة الثانية لسحب العضوية من النواب الشيوعيين. وأجيز المشروع في مرحلة القراءة الأولي في جلسة 7 ديسمبر. وفي مرحلة القراءة الثانية واللجنة والقراءة الثالثة أيضا في جلسة اليوم التالي 8 ديسمبر. وفي جلسة 16 ديسمبر تقدم حسن الترابي بمسألة مستعجلة تقول : إنه من رأي هذه الجمعية أن تقرر أنه بحكم الدستور والقانون قد سقطت العضوية من الأعضاء الشيوعيين الثمانية (استثني القرار الأعضاء الثلاثة الذين أيدهم الحزب الشيوعي) وأن تكلف رئيسها بحفظ النظام بإبعاد هؤلاء الأفراد. " واعترض عز الدين علي عامر (دوائر الخريجين) علي الاقتراح المقدم للأسباب التالية: :
(1) لأنه يتنافى مع المادة 33 (8 ) من لائحة الجمعية التأسيسية التي تنص علي عدم جواز عرض أي موضوع قيد النظر أمام المحكمة. وهناك قضية دستورية رفعها الحزب الشيوعي أمام المحكمة العليا.
(2) إن إسقاط العضوية ليس من حق المجلس ويتعارض مع المادة (49) من الدستور.
(2) حسب الإجراءات العتيقة يجب إخطار العضو الغائب ليحضر للدفاع عن نفسه.
(3) حسب الإجراءات العتيقة يجيب إخطار العضو الغائب ليحضر للدفاع عن نفسه
(4) هذه الجمعية لها حق التشريع وليس لها حق التنفيذ وفي هذا خرق لمبدأ استقلال القضاء.


لم يؤخذ بالاعتراضات. وحلت الجمعية الحزب الشيوعي وطردت نوابه منها.
ولكن القضية لم تنتهي عند ذلك الحد. فتفرعت منها مواقف شعبية وقضايا قانونية. فاستنفر الحزب الشيوعي النقابات العمالية والمهنية. وتضامن معه حزب الشعب الديموقراطي. فخرجت مسيرات في مدن البلاد وبلغت المسيرة في العاصمة 60 ألف. وتكونت هيئة الدفاع عن الديمقراطية.

رفع الحزب الشيوعي ثلاثة قضايا دستورية. الأولي ضد تعديل الدستور، والثانية ضد قرار الحل، والثالثة ضد طرد النواب. وأدي رفع القضايا الدستورية إلي نقل الأزمة من إطار التهريج باسم الدين ووضعها في حجمها السياسي. وقبلت الأحزاب الاحتكام إلي القضاء. أي قبلت المنهج الديمقراطي السياسي. واستغرق نظر القضية أمام المحكمة قرابة العام وفي 22/12/1966 أعلن قاضي المحكمة العليا صلاح حسن الحكم في القضية. فأعلن أن الحريات المنصوص عليها في المادة الخامسة من دستور السودان المؤقت المعدل لسنة 1964 لا يجوز الحد منها بتشريع أو تعديل دستوري. وحكمت المحكمة بعدم دستورية التعديلات التي أجيزت يوم 22/11/1965 وإلغاء كل ما تعلق عليها من تشريع واعتباره كأن لم يكن. وأصبح الحكم سابقة قضائية يرجع إليها فقهاء القانون في العالم وفي 20/02/1967 أصدرت محكمة مديرية الخرطوم حكمها في القضيتين المتعلقتين بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. فقضت ببطلان القرارين لتعارضهما مع الحقوق الأساسية التي نصت المحكمة العليا بأنها حقوق لا تقبل التعديل.
*
ولم تنته الأزمة بقرار المحكمة العليا بل أخذت تتصاعد فأعلن الصادق المهدي رئيس حزب الأمة أن حكم المحكمة العليا حكم تقريري، ونسف بذلك أساس الديموقراطية اللبرالية التي يقف اليوم مدافعا جسورا عنها. ورفضت الأحزاب التي شاركت في المهزلة حكم القضاء. وانتقلت المعركة ضد المؤسسة القضائية واستقلال القضاء. مما دفع برئيس القضاء بابكر عوض الله بتقديم استقالة مدوية إلي رئيس وأعضاء مجلس السيادة. واختتمها قائلا "إنني عملت ما في وسعي لصيانة استقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لأشهد عملية تصفيته وتقطيع أوصاله وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تأريخه.
وبعد شهر من قرار المحكمة العليا أصدر الترابي كتابا في يناير بعنوان (أضواء علي المشكلة الدستورية) "بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي". وتولت مطبعة الخرطوم طباعته . والفكرة الأساسية في الكتاب أن الجمعية التأسيسية هي الجهة المناط بها ممارسة السلطة الدستورية وهي مظهر السيادة التي تثبتها الدساتير للأمة من بعد الله. وبما أن السلطة التأسيسية هي التي تمتلك السيادة المطلقة فإن فصل السلطات إلي تشريعية وتنفيذية وقضائية تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للسلطة التأسيسية ، تأتي في مقام الفرع من الأصل.
ويثير كتاب الترابي العديد من الأسئلة : إذا كانت المحكمة العليا ليس لها حق النظر في قرارات الجمعية التأسيسية فلماذا عرض عليها الأمر من البداية؟. ومن الذي يحكم البلاد هل هو دستور السودان المؤقت لسنة 1964 الذي ينص علي استفلال القضاء ويعطيه الحق في تفسير ما ينشب من خلاف حول تفسير بعض نصوصه أم الجمعية التأسيسية التي يمنحها الدستور سلطات محدودة وليست أحكامها كما يقول الترابي تعلو ولا يعلي عليها. وهل لأن الجمعية التأسيسية مكلفة بوضع دستور البلاد تصبح فوق الدستور الذي يحكم البلاد؟ يبدو أن الترابي لم يفرق بين الإجابة علي أسئلة امتحان ببراعة الطالب النبيه وتناول قضايا تخص مستقبل أمة.
*
وأدرك الأستاذ محمود محمد طه ما في الكتاب من اضطراب فألف كتابا في الرد عليه بعنوان "زعيم جبهة الميثاق الإسلامية في ميزان : الثقافة الغربية- الإسلام، أضواء علي المشكلة الدستورية". فقال أن الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر، لأنه متهافت، ولأنه سطحي، ولأنه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطري".
*

تحدث الصادق المهدي إلي مجلة طلاب جامعة الخرطوم عام 1985 فقال : {ما حدث كان انفعال...إن الذي حدث في موضوع حل الحزب الشيوعي كان موقفا سياسيا غير محسوب نتج عن موقف انفعالي.. ولكن يجب أن أقولها أنه يجب الاستفادة من تجارب الماضي الأولي...إن حديث الطالب في معهد المعلمين فجر المشاعر....وإن مثل الذي حدث قد يتكرر. }
ولكن مثل حديث السيد الصادق هذا لا يساعد علي تجنب أخطاء الماضي. إن الذي حدث يجب أن يتخطى الاعتذار والتبرير إلي المواجهة الصريحة والمحاسبة الصارمة.

انتهى النص المنقول


المصدر ( معالم في تأريخ الحزب الشيوعي السوداني.)
دكتور القدال
الناشر دار الفارابي بيروت( من ص 158 - 162)
https://sudaneseonline.com/board/6/msg/1104995092.html

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


ربما كان كتاب الشريعة والحداثة لبروفيسور عبدالله على إبراهيم ، قد شمل رأيه أيضاً عن الشريعة ,حكمها ، ليس ناقداً قانونيتها ، ولا أصولها ، بل تحدث عنها بأنها جملة قوانين دينية صماء:
*


كتب المحسي في مدونة سودانيات :

كتاب فريد :
الشريعة والحداثة : مبحث في جدل الاصل والعصر
للدكتور عبد الله علي إبراهيم
الوليد الطيب نشر
في السودان الإسلامي يوم 11 - 06 - 2007م

شغلت الكلمات التسع الأُول في كلمة المقدّم الإشارة لفرادة الكتاب ، الذي بين أيدينا . وجزم مقدم الكتاب المستشار طارق البشري المفكر الإسلامي المعروف ، بأنه "من الكتب القليلة التي طرقت هذا المجال ، مجال النظر والدراسة في حركة التشريع والقانون والقضاء" وهي فريدة ومتميزة ليس في عقدنا الحاضر وقرننا المنصرم ولكن "على مدى القرنيين الماضيين" و ليس في السودان فحسب بل في "عموم الحركة الفكرية العربية في أقطارنا كلها".
إذ قد ابتعد رجال التاريخ عن دراسة تاريخ الحركة التشريعية مثلما جفاها علماء القانون وجنحوا إلى (الدراسات القانونية المتعلقة بالنظرية القانونية وتطبيقاتها ويتابعون الأحكام والفتاوي: دون إدراك الحاجة الى استشراف نظرة تاريخية تظهر الحركة العامة لهذا المجال" . فانعزلت بذلك دراسة القانون والتشريع واجتهاد الفقه الإسلامي المعاصرة عن وجوه المعارف الاجتماعية والتاريخية المحيطة " .

من هنا تبين أهمية الكتاب حيث يلفت النظر إلى "مجال معرفي نحن في أشد الحاجة إلى أن تتجه إليه جهود الباحثين" [ص 10 ] ، ويشترط المفكر الإسلامي طارق البشري في الباحث القاصد- في هذا المجال- أن يتحلى بإنتماء وطني يستند على الهوية الثقافية والإرتباط التاريخي بجانب تحليه ، بالموضوعية والشمول.

الكتاب: الشريعة والحداثة

مبحث في جدل الاصل والعصر
تأليف: عبد الله علي إبراهيم
تقديم : المستشار طارق البشري
دار النشر" دار الأمين - مصر
سنة النشر: 2004م

إهداء أغرب :

يهدي مؤلف هذا السفر الإسلامي الرائق كتابه إلى روح سكرتيرالحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب ، رغم أن الكتاب يوثق إلى تاريخ المعركة الحضارية بين الإسلام وشريعته وثقافته ورؤيته الاجتماعية وبين العلمانية التي وفدت على السودان عقب معركة كرري 1898م ، والذي يصور كيف أن علماء الدين وطلابه والقضاة الشرع استبسلوا في إحياء مادكته المدافع البريطانية وفي التصدي لمخرج المدرسة الاستعمارية ووافد الفكر الغربي بشقيه ، الغربي الرأسمالي الليبرالي والشرقي الماركسي ، وعبد الخالق كان تابعاً مقلداً للشرقي الماركسي!.

آثر ثمين .... وفي غفلة معرضون.

يستشهد د.عبدالله إبراهيم باعجاب مستشرقة غربية كانت قد اطلعت على الحكم القضائي المعروف بـ"بيت الطاعة" وهو الذي ترد به المرأة الناشز إلى بيت الزوجية ، وكيف رأت فيه صيانةً للأسرة من الإنهيار وللأطفال من الضياع ، وأنه يلبي المنطق السليم والفطرة الزاكية ، وللأسف أن أبناء السودان وبناته في العقود الأخيرة كرهوا هذا الحكم واعتبروهـ انتهاكا لإنسانية المرأة وطفقوا ينادون بالصوت الجهير العالي لإلغائه وإبطال العمل به ، وفي هذا - أيضاً - إشارة لعظم التشريع الإسلامي والتي عبر عنا د. عبدالله بوصف " الشريعة التقدمية".. ولكنها الغفلة!

حسن الحظ :

يقول البشري في مقدمته (ومن حسن حظ السودان وشعبه ، أن الوضعية الغربية في الفكر والثقافة وفي النظم القانونية ، لم تقو ولا قوى رجالها بين الوطنيين المثقفين في السودان بمثل ما قويت وقوى رجالها ؛ فكراً وتنظيماً ومؤسسات في بلاد عربية أخرى منها مصر ... ولذلك فإن حراس الإرث الاستعماري من المواطنين - بتعبير د. عبد الله على إبراهيم - هم في السودان أقل منهم كثيراً في بلادنا العربية الأخرى، وأن صلة الحركات الوطنية السودانية بالمرجعية الإسلامية على المستوى الشعبي والرسمي لم تكد تتفك في الغالب من التاريخ السوداني الحديث)

نقد الحداثة ومفاهيم ثلاثة

يقول د. إبراهيم في مقدمته أن نهجه في هذا الكتاب يفارق التناول الدارج الذي يرى في الأصولية تقهقراً من وعثاء الحداثة إلى طمأنينة التقليد الديني وأمنه... فالحداثة كما يراها إبراهيم - لم تأتنا - في السودان - كبرنامج برئ محايد يدعو لنفسه بالحكمة والموعظة الحسنة - بل جاءتنا الحداثة على فوهة بندقية". [ص 17]
أما المفاهيم التي انطلق منها د. عبد الله في تحليل الظاهرة الإسلامية في هذا المجال ، فهي تعتمد على الدين ولكن ليس باعتبارهـ (نظام مغلق على نفسه بل في سياقه الاجتماعي والتاريخي .. وكمنهج نافع في تحليل الحركات الاجتماعية ، وكذلك اعتمد الدين في هذا الكتاب - أساساً راشداً لنقد المجتمع والحياة والعقل الحداثي ، الذي أنتجها( والمفهوم الثاني ، اعتماد مفهوم الأصولية الإسلامية ، كحركة اجتماعية مكنت للمسلمين - كما في قول لويس برينر - أن يدخلوا أفواجاً في حقول السياسة كمسلمين مستحقين).
المفهوم الثالث ، هو أخذ الأصولية الإسلامية كوجه من وجوهـ الاجتهاد في مأزق دولة ما بعد الاستعمار التي بقيت أجندة تحررها من ربقة الاستعمار من غير تنفيذ وبذا تأخذ المشروعية لفكرٍ طموح ، يريد أن ينزع أوربا من مركزيتها القابضة.

الفصل الأول : الاستشراق الداخلي:

يجعل د عبد الله على إبراهيم من سؤال د. زكي مصطفى عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم سابقاً سؤالاً مفتاحياً لدراسة كيف تسربت العلمنة للتشريع في السودان بعد طول التزام للشريعة والسؤال هو. "لماذا لم يستفد القضاة الإنجليز وخلفهم من السودان من الشريعة الإسلامية في إنشاء قوانين السودان . في حين كان متاحاً لهم - قانوناً - الاستعانة - بأي قانون طالما لم يصادم العدالة والسوية وإملاءات الوجدان السليم؟

يرى د. عبد الله أن الإنجليز جاءوا للسودان بخبرتهم في الهند وكيف أفلحوا في تنحية الشريعة الإسلامية ، التي كانت القانون الأوحد في ظل حكم المغول"بحجة أن الشريعة والقانون الإسلاميين لا يصلحان لدولة حديثة .(ص23)، مما جعلهم يقررون بدء حكمهم في السودان من الصفر لا في مجال الإدارة فحسب بل في كل مجال مما جعل القانون المشرع يتفق مع أخلاق أهل الصولة من الإنجليز واضعى القانون ، ويفارق ويناقض أخلاق السودانيين (المستضعفين المقهورين) كإباحة الزنا واللواط .

ثم عمد الإنجليز إلى أعراف القبائل وجعلوها كمصادر للتشريع ، ولا تسمح - الإدارة البريطانية - لقضاة الشريعة الإسلامية بأن يتولوا العمل في هذهـ المحاكم ، وهذهـ جذور الصراع بين الشريعة ودعاتها والعلمانية ودعاتها ، ويجزم د. عبد الله أن حجب الشريعة الإسلامية قد كان سبباً مباشراً لكثير مما جرى في السودان من بعد ، يقول:"شكل حجب الشريعة من أن تكون واحداً من مصادر القانون الاستعماري كارثة ثقافية وسياسية طوال عهد استقلالنا ولأننا قد بخسنا الشريعة حقها ، ظلت تتعقب الأمة بشكل ثأري وتنغص عليها قانونها ودستورها وتؤذي عملية بناء الأمة السودانية في الصميم" [(ص 30) لذا "ما كاد السودان يستقل حتى نشأت الجماعات الدينية والسياسية والتربوية التي جعلت هذا الألم الروحي نصب عينها مركزة على المقارنة بين قانون المسلمين الأخلاقي المضمّن في الشريعة والقانون الوضعي السائد في حقبتي الاستعمار وما بعد الاستعمار" وقد حفظت الصفوة - التي درست القانون في كلية غردون - عهدها في حماية الإرث الاستعماري بحجج مختلفة منها ؛ وجود أقليات غير مسلمة في السودان .. وهو ما اسماهـ د. عبد الله بـ"الاستشراق الداخلي".

الفصل الثاني : قسمة مانوية

في هذا الفصل يشرح د.عبد الله في سرد رائع كيف دق الإنجليز إسفينا بين الأمة وتراثها والحداثة الإستعمارية وتعليميها ، عبر قسمة بينهما في كل شيء وهذا الفصل هو الفصل المركزي في الكتاب وهو الحاوي لجوهر الفكرة الأساسية التي قام عليها بناء الكتاب ، ويتخذ دكتور عبدالله من المناوية التي تؤمن بإله للنور هو رمز للخير وإله للظلمة هو رمز للشر، رمزاً لما حدث في سنوات الإستعمار وما بعدها ، يقول د.عبدالله:
عمد - آنذاك - الإنجليز على بناء جبل جديد يحمي أفكارهم أمام الجيل القائم الذي ورث إسلام المهدية وأصالتها ، فانقسم التعليم إلى مدارس حديثه ومعاهد دينية والسلطة القضائية إلى مدنية وشرعية ، وقد جردت كل الامتيازات والسلطات الرفيعة والمكانة من ذوات النسب الإسلامي ومنحت أرفع الرتب وأعلى المقامات لأبناء المدارس الحديثة . ويرسم د. عبد الله صورة لهذا التباين فيقول : كانت (المحاكم المدنية أبهى وأفضل أثاثاً من محاكم الشرع وللقاضي المدني سيارة والقاضي الشرعي خلو منها حتى لو كان في درجة أرفع وظيفة ، ومنزل القاضي المدني الحكومي مميز عن منزل القاضي الشرعي) ص54)
وقد دفعت هذهـ القسمة المانوية قضاة الشرع إلى العمل النقابي دفعاً والدخول في أحلاف مع القوى السياسية المؤيدة للرؤية الإسلامية وقد أفلح هذا الحلف في إقصاء الحزب الشيوعي السوداني وطردهـ من البرلمان بعد ثورة أكتوبر 1964م. (ص57) وتأثيرهـ على الحكومة السودانية حتى أن الأزهري دعا عام 1968م رجال البرلمان إلى أن يسرعوا الخطى ليقرروا الدستور الإسلامي. [ص63]

الامتطاء السياسي للشريعة :

يعتبر د. عبد الله أن السياسيين استغلوا المساومة بتطبيق الشريعة الإسلامية في خلافاتهم حول الكرسي والانتصار السياسي وهو يعد الصراع بين الأزهري والمحجوب داخلاً في هذا الإطار وكذلك إعلان الشريعة الإسلامية في العام 1983م في عهد الرئيس نميري . وهو ما خالفه فيه مقدم الكتاب المستشار طارق البشرى حيث يرى (أن الأحداث الكبرى لا تصنعها أسباب صغيرة . وأن مسألة العدول عن نظام قانوني إلى نظام لا تطيق حمله إرادة حاكم يريد أن يمد من عمر حكمه أياماً أو سنين ، إلا أن يكون في ذلك استجابة لدواع أكبر كثيراً تتعلق بالتكوين الحضاري والعقيدي للأمة) .[ص14]

الفصل الثالث : الشريعة التقدمية ، الحداثة الرجعية

في هذا الفصل يقرر د. عبد الله ، أن قضاة الشرع قد استطاعوا (أن يرسموا بقوة الخط الفاصل بين شريعتهم والحادثات التي قد تفسد منطق الشريعة أو تطيح به وكثيراً ما أبانوا بصورة مقنعة عن منطق شريعتهم وكيفية الولاء له في خضم الحادثات) ص89 وقد استطاعوا - عبر اجتهاد منضبط - من توظيف مصادر شرعية دقيقة لامتلاك ناصية التغيير الاجتماعي في التعامل مع قضايا الحياة كقضية الرق المحرر ومشكلات المرأة.

الفصل الرابع : لاهوت الحداثة :

الترابي والتجديد الإسلامي في السودان
في تحليله لشخصية حسن الترابي - الذي لا يخفي المؤلف اعجابه به رغم اختلاف مدرستيهم - يعود الكتاب لأجدادهـ الأباعد ، إلى جدهـ حمد النحلان الذي أدعى المهدية ببلاد الحجاز والى نشأته - أي حسن الترابي - معزولاً في حي أفندية كأبن لقاضي شرعي ومأزوماً من إصرار والدهـ على تدريسه العلوم الشرعية ونفوراً منها . ومصدر احتفاء الكاتب بالترابي أنه ينظر إليه كمحرر حداثي للإسلاميين ، فهو ينزع حق النظر والاجتهاد من الفقهاء والعلماء المتخصصين ويردهـ إلى الشعب بما يسميه (الاجتهاد الشعبي) ص 924) ويرى الترابي أن طبقة الفقهاء دخيلة على الدين الإسلامي وأنهم ثمرة من ثمرات (أمراض التدين).

الفصل الخامس : داحس المعهدين والغردونيين وغبراؤهم.

في هذا الفصل يعرض المؤلف للقسمة المانوية في التعليم ، وكيف قررت لجنة كونت في العام 1969م للنظر في وضع الجامعة الإسلامية تخفيضها إلى كلية للدراسات العربية والإسلامية بدلاً عن كونها جامعة ، ويقول د. عبد الله (ومن اليقين الثابت أن جذور فكرة المعهد تعود لجثث أمراء المهدية ، ذلك أن رجال الدين الإسلامي الذين أقلقهم تغير الزمان وحال المعرفة بالفقه والدين بعد غزو الإنجليز ناشدوا الإدارة الاستعمارية بإرسال طلاب للأزهر بمصر لدراسة علوم الدين إلا أن الإدارة الاستعمارية كانت تعارض إرسال طلاب إلى مصر التي أفسدتها روح الحماس الوطني - بعد ثورة 1919م - ومن ناحية أخرى كانت الإدارة - أيضاً - تمانع من تدريس علوم إسلامية حقيقة في كلية أبنتاها المسيحيون صدقة جارية لروح غردون ، من هنا جاء ميلاد المعهد العلمي) [ص 138] الذي تحول إلى الجامعة الإسلامية من بعد. واستعرت المعركة بين طلاب المعهد و طلاب كلية غردون ، فقد وصف المعهدي الشاعر : حسين منصور طلاب الكلية بـ(حزب الفرنجة) (وغرس يودال) ويودال هذا كان بريطانياً شاذاً جنسياً . أما الغردونيين فيروون أن المعهد (مشكلة بأكثر منه تعليماً) ص 139.
وقد أدت هذهـ العلاقة المتوترة إلى رفض مؤتمر الخريجين انتساب خريجي المعهد العالي إليه بل رفض مؤتمر الخريجين حتى إقامة حفل تأبين للشاعر السوداني الكبير التجاني يوسف بشير لا لشئ إلا لكونه من المعهد العلمي .

ومن التعبير عن الإرث الاستعماري يحكي شيخ شعراء السودان عبد الله الشيخ البشير قصة كان هو أحد شهودها وضحاياها أيضا ، وهو طفل يتلقى التعليم الأولي على غير النمط الجديد ، حيث أدار المسئول البريطاني وجهه عن المرور بين صفوف طلاب الخلاوي ، واكتفائه بطلاب المدارس الحديثة حيث عدها البشير (عدم اعتراف بالوجود) ويقول (وما أزال أحس بمذاق المرارة التي تدفقت في فمي يوم الاحتفال ذاك) ص 146.
وما حورب المعهد إلا لأنه أصبح حامي الهوية السودانية : الإسلامية العربية ، وهو ما يرفضه الإنجليز وبخشونة (فالثقافة الإسلامية لسابق ما عرف عنها من تعبئتها السودانيين في قالب الثورة المهدية التي أطاحت بالحكم التركي في 1885م وحين تسني للبريطانيين إعادة قهر السودان من جديد 1898م صح عزمهم على محو الإسلام) ص 151.

*
https://sudanyat.net/vb/showthread.php?t=29086&page=2
أضف رد جديد