جبونقا استفاق

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

جبونقا استفاق

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

جبونقا استفاق
عزيزي عماد عبد الله
السلام عليكم،، حق الله بق الله
وبعد:
انتدبتني الظروف لأكون هنا، كما تعلم. وأعيش، حتى الآن، عاجزاً عن مجاراة حياة غير مفهومة بالنسبة لي، فهي حياة مرتبكة، ذات متع ضئيلة، للدرجة التي يمكن أن نتجاهل ذكرها.. وفي مثل حالتي القلقة، يشقيني كثيراً أن أجبر على الاعتراف بحياتي كما هي في هذه البلاد: أن أنشد حياة يائسة، أن تموت روحي ببطء.
والأمر كهذا، نطَّ هذا النص الغنائي في رأسي بلا مقدمات، ولم أجد خاطري الكسير إلا وهو يلهج بهذا المقطع، هكذا:
(البارح في المنام البارح في المنام.. جبونقا استفاق)
وهو طرف من أغنية (عجب عجايب) الدارفورية التي تسيَّدت الساحة الغنائية في الثمانيات.
كان مخيفاً بالنسبة لي أن أنسى هذه الأغنية.. ماذا يعني أن تنسى أغنية ضبطت إيقاع خطوك عليها وتعلمت المشى على لحنها؟ الإجابة من عندي، هو مثل نسيانك للشارع المؤدي إلى بيتكم، أو مثل أن يهبَّ عليك ساحر حريف ويخطف قدميك وساقيك!! ترى، هل تستطيع المشي بلا قدمين؟!
انقبض نفسي لساعات، ولم أجد حلاً لحشرجة بقية كلمات الأغنية، فأدخلت على لحنها عدة كلمات مُلاكة من عندي، كي أخفف هذه الحشرجة، وحتى لا يكون لحن الأغنية أعرجاً.
وبالفعل، عزّ عليّ السير مع هذه الأغنية، ولازمني عرج الكلمات لنحو أسبوع، لكن حافظت على استقامة اللحن بكل همهماته وزمنه الموسيقي. وربما هذا من لطف الموسيقى علينا، أن تسند عرج خواطرنا حين تمسي أو تصبح مكسورة. لكن الإتكاء على كلمات عرجاء، ولفترات طويلة، أمر لا يليق بشخص مثلي يحاول (استعادة حقبة الثمانيات المنسية.. على طريقة جماعتك ناس الإمارات)، وفوق ذلك، يزعم هذا الشخص، بشطط، أن جماعة الجبهة الإسلامية القومية لبسوا فينا على غثيثة ونفسٍ خبيثة، كما يقول الأعراب في وصفهم للدناءة بينهم.... وفي أمرنا هذا، لا يهمنا غير عرباننا الذين طمروا، عن عمد، جميع السنوات الخصبة التي سبقت مجيئهم إلى السلطة، ولم يسلم الغناء، بالذات، من هذا الطمر! فاستبدلوه بأغنيات تمجد كركعة السلاح وتنفر من الحياة بتمجيدها للموت.. ولأنني نذرت نفسي أن أكون طوبة من طوب الجسر الذي يوصل الجيل الحالي بتلك الحقبة، طفقت أنقب في ذاكرتي لاستعادة أي ملمح يعينني على ما أنا بصدده، ثم الكتابة عنه وبذله للناس؛ ففشلت يا عماد!. للحظات، تأكد لي أن جماعة الجبهة الإسلامية نجحوا.. لكن هيهات.. ذهبت إلى عرصات الإنترنت لعلي أعثر على طرف من أغنية (عجب عجايب) التراثية التي كان راديو أم درمان يتحفنا بها في ثمانيات القرن الماضي. وللأسف، كان الإنترنت بخيلاً، وربما كان بخله عقاباً منه على جهلي بتعرجات دروبه العامرة بالسمين. لكن (ربك رب الخير) هداني إليك، ولعلك لا تعلم أنني اتخذك سحارة للغناء. وقبل أن أواصل قل لي يا عماد: ما علاقة التشكيليين بالغناء؟ وما سر الحضور الجميل الذي يغطون به ثقوب حياتنا كسودانيين؟ كنت قد قلت للمبجل، النور اللحمر، إنه لو طلب إليّ أن أدل على مفكر سوداني لما ترردت في الإمساك بتلابيب أقرب تشكيلي سوداني، ولو طلبوا المزيد فلن أترك لكم تلباً مطلق السراح. من لدن بسطاوي والصلحي وشبرين ووقيع الله، لغاية حسن والنور وخلف الله، وتلميذ مدرسة الواحد المرحوم أحمد عبد العال.
هاتفتك يا عماد منتصف نهار ذلك اليوم مستفسراً عن (عجب عجايب)، فوجدت تلفونك مغلقاً؛ قلت: هي عادة العواجيز مع القيلولة، لكن لماذا لا أرسل له رسالة!! ففعلت.
ما كاد عصر اليوم ينقضي حتى هاتفتني، وقبل أن تسالمني بـ(حق الله وبق الله)، أو حتى بتحية الخواجات (آلو) المسيخة طفقت تغني في أذني:
(أمبارح في المنام،، أمبارح في المنام
أمبارح في المنام جاني خزال الشام
جاني خزال الشام شايل لي سلام..
آحمبا.. آحمبا..).
فكانت حمحمتك بمثابة رأس الخيط الذي دخلت به عائداً إلى الإنترنت، فتابعت الخيط حتى وصلت معه إلى الفنان زكريا الفاشر، فوجدته وقد جمع إليه رهط من فتيات الثمانينيات وأخذ يحضهن على (الجبونقا) وهن يتضاحكن في أمان الله. وهاك يا استعادة تمانينيات.
ستجد أدنى هذا المكتوب، الذي رسم على عجل، نص الأغنية في رواية من رواياتها المتعددة، ولكن قبل ذلك يلزمني أن أشرح (لقراء كثر يشاركوننا القراءة) عبارة (جبونقا استفاق) التي اتخذتها عنواناً لمكاتبتك، والجبونقا: ممارسة كانت فاشية عند بعض الدارفوريين، وهي أن يقوم المحب باختطاف محبوته، ويذهب بها إلى مكان بعيد عندما يقطع الأهل أي عشم لهما في الزواج، وبعدها لا يجد أولئك الأهل بداً من التسليم بهذه الجبونقا المباركة. أما استفاق فهي مرادفة لمعنى ومفهوم الاتفاق المعروف في اللغة العربية. ومعنى العبارة أن الجبونقا نتاج للاتفاق بين الطرفين. ولا غرو أن يقول المغني داخل الأغنية: (من حسناتو جبونقا نجتنا من مصايب).
وللتأريخ، لا يتفرد الدارفوريون بالجبونقا، إنما ثمة جبونقا مماثلة لدى قومية الشركس، وكما هو معروف أن الشراكسة سلالة من الجنس الآري الذي تنسب له صفات النبالة، ومنهم اشتقت دلالة المصطلح "اريستقراط" المومأ به إلى النبلاء ذوي الأصالة. وتعد الجبونقا شيئاً عادياً بالنسبة لصفوة البشرية من الجنس الآري. وللمفارقة، يقول المؤرخ الشركسي "جوناتوقة يوسف عزّت" في كتابه "تاريخ القوقاز" إن الخطف كان "صعباً جداً في قديم الزمان، وتتخلله مصاعب، واقتتال، وإبراز للرجولة والشجاعة.. لكن الآن فهو أسهل...". فما أن يتناهى إلى الشاب الشركسي خبر موافقة الفتاة على الهرب معه، حتى يتّفق وإيّاها على موعد. وفي أغلب الأحوال، تكون والدة الفتاة على علم بذلك. ويقوم بعض أصدقاء وصديقات الشاب والفتاة بمساعدتهما على الهرب؛ فتخرج برفقة الشاب الذي تُحبه... وللتدليل على موافقة الأهل الشراكسة على هذه الجبونقا يُكافأ أولئك (المجنبقان) بأن تطلق في القرية ثلاث طلقات ناريّة، ليعرف جميع الشراكسة النبلاء أن فتاة ما قد خُطفت.
يبدو أن الشراكسة أخذونا قريباً جداً إلى موضوعتنا، فلن أغادرهم قبل أن أنقل عنهم أن (جبونقتهم) تكون مطلوبة من الفتاة؛ فعندما يستحكم الحب بين الشاب والفتاة الشركسية، ويعلم به القاصي والداني، يتذمّر أهل الفتاة ويرفضون هذا الشاب صهراً لهم، ثم يمنعوهما من التلاقي والاتصال، وحينها لا يكون أمام الفتاة غير أن تتدبر الأمر، ولن تجد من سبيل إلا الهرب مع حبيبها على طريقة جبونقتنا المباركة.
وقد وجدت تعليقاً طريفاً على هذه الأغنية في الإنترنت، كتبه أحدهم يدعى (كبر) قال فيه: "يا ناس البندر، هوي، الأغنية دي بالرغم من إنها ظاهريا عن الحب العذري والغرام والذي منو.. لكن في جوهرها تحتفي بقيمة الزواج.. واتخيل لو اتعرضت بصورة صاح، ماكان وصلنا مرحلة ملجأ المايقوما.. أو كما قال".
نص الأغنية:
حي يا بنات.. سويتا للكتاب
الله يا بنات.. الله للبنات
حي يا بنات.. جيزة حسنات
جيزة حسنات.. جبونقا استفاق
حليمة السعدية.. سعدية
حليمة السعدية من بنات زيادية
يا.. حي بنية زول.. يا بينة زول
يا بينة زول
نمشي لي خرتوم.. نمشي لي خرتوم
نمشي لي خرتوم.. محل سكر المسحون
نمشي لي سنار.. نمشي لي كتال
نمشي لي سنار.. نمشي لي كتال
محل دلكة شايل نوار
يا بينة زول.. يا بينة زول
بنية الزوول
عجب عجايب.. يا ناسي عجايب
عجب عجايب.. يا ناسي عجايب
عجايب.. قولوا معاي عجايب
عجايب يا ناسي عجايب
عجب عجايب!
سمو سدر وشايب
من حسناتو جبونقا نجتنا من مصايب
يا بينة زول.. يا بينة زول
يا بنية الزوول
الله للبنات
الله للبنات
جيزة حسنات
حي بنات.. جبونقا استفاق
حي يا بنات فيهن جمال مشاط
حي يا بنات.. سنـُة كلام كتاب
يا بنات
جبونقا استفاق
حليمة السعدية.. سعدية
حليمة السعدية من بنات مسيرية
يا حي بنية زول.. يا بنية يا زول
يا بنية زوول
نمشي لبيتكم.. يا بني.. نمشي لبيتكم.
أديني موية بااااارد
يا بينة زول.. يا بينة زول
الساكن البادية.. الساكن البادية
فستانو عراقية.. فستانو عراقية
في نهيدها متلاقية
يا بينة زول
يا بنية زوووووووول.
أمبارح في المنام،، أمبارح في المنام
أمبارح في المنام جاني غزال الشام
جاني غزال الشام شايل لي سلام..
شايل لي سلام شايل لي سلام
آهمبا.. آهمبا..
الآن، وقد وصلت بالقراءة إلى نهاية الأغنية؛ إذن، السلام عليكم.
[align=justify][b]
صورة العضو الرمزية
تماضر شيخ الدين
مشاركات: 356
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:14 pm
مكان: US

مشاركة بواسطة تماضر شيخ الدين »

بعد التحية والاحترام يايوسف حمد

سيرين بنتي (الحسة بقتني حبوبة دي) ، عملت فيلم قصير

اسمته ( يا بنية زول)ن

مثلت فيه انا وبنية لطيفة وأديبة وجميلة اسمها عزة اسامة فرحان

الفيلم عمل نقاشات جميلة في مجتمع واشنطن الكبرى ..ولكنه مازال في حوزة المنتجة سيرين، على أمل المشاركة به في مهرجانات افلام قصيرة وكدا

https://wwws.mint.com/login.event?task=S

المهم في الموضوع ده انه الفيلم بيعتمد في اساسو على هذه الاغنية

احبتها البت سيرين من اول نظرة ووضعت عليها فكرة فيلم

وده الجابني ليكم على وجه الخصوص


الغريب في الامر انه هذه الاغنية موجودة على اليوتيوب يغنيها فنان اسمو (ابو الليل)

لكن لا يمكن لاحد ان يشاهدها الا عن طريق قناتي انا شخصيا في اليوتيوب

وانا وجدتها بالصدفة ولا اعرف كيف حدث ذلك ...مش شي يحير؟؟

فاذا كان بينكم حريفا ...في شئون التكنولوجيا ...وعالم بأكواد رفع الصور والفيديو ...فليتقدم ...


شكرا على البوست فالاغنية طاعمة ومتفردة ...
صورة العضو الرمزية
تماضر شيخ الدين
مشاركات: 356
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:14 pm
مكان: US

مشاركة بواسطة تماضر شيخ الدين »

صورة العضو الرمزية
تماضر شيخ الدين
مشاركات: 356
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:14 pm
مكان: US

مشاركة بواسطة تماضر شيخ الدين »

محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

ممم

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

امبارح فى المنام
امبارح فى المنام
امبارح فى المنام زارنى غزال الشام
زارنى غزال الشام
رسل لى سلام
من الجنوب للشمال

حمبى حمبى
حمبى حمبى

الاغنية دى كان بيصدح بيها صديقنا مكى الدخرى فى امسيات صنعاء فى التسعينات

تذكرتها وكتبت عنها فى الفيس قبل 3 شهور
ولم اكن اعرف عن تاريخ الاغنية وحكايتها
تحية لدكتور مكى فى منفاه الامستردامى
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

سلام للأخ يوسف وقرائه
شكراً على الحكي وللطافة النص.
كتب يوسف في نصه جبونقا استفاق، الموجه لصديقه عماد عبد الله:
(انقبض نفسي لساعات، ولم أجد حلاً لحشرجة بقية كلمات الأغنية، فأدخلت على لحنها عدة كلمات مُلاكة من عندي، كي أخفف هذه الحشرجة، وحتى لا يكون لحن الأغنية أعرجاً. ) أنتهى.
كتب القصاص في نصه، ذات صفاء ذات نهار سادس أخضر:
(وكُنتِ، صفاء، تُغنين أُغنيةً رائجة، وكنتِ تُخطئين في بعض مقاطعها، وتقومين، عِوضاً عن ذلك، وحتى لا يجئُ اللحن أعرجَ، بحشو كلماتٍ مُلاكَة.) أنتهى.
وقد وردت هذه الجملة في الصفحة رقم ٥٤ من النسخة المنشورة ضمن المجموعة القصصية "لهذا الصمتِ صَليلُ غيابكِ" الصادرة في القاهرة عام ٢٠٠٢ عن الشركة العالمية للطباعة والنشر.
كيف تنظر لهذه العلاقة وهذا التشابك النصي؟ أم هو تناص الله ورسوله، بينك وبين كتابات القصاص؟
لك التحايا
عثمان حامد
ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí
مشاركات: 552
اشترك في: الأربعاء يناير 27, 2010 11:06 am

مشاركة بواسطة ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí »

وبعد:
انتدبتني الظروف لأكون هنا، كما تعلم. وأعيش، حتى الآن، عاجزاً عن مجاراة حياة غير مفهومة بالنسبة لي، فهي حياة مرتبكة، ذات متع ضئيلة، للدرجة التي يمكن أن نتجاهل ذكرها.. وفي مثل حالتي القلقة، يشقيني كثيراً أن أجبر على الاعتراف بحياتي كما هي في هذه البلاد: أن أنشد حياة يائسة، أن تموت روحي ببطء.
والأمر كهذا، نطَّ هذا النص الغنائي في رأسي بلا مقدمات، ولم أجد خاطري الكسير إلا وهو يلهج بهذا المقطع، هكذا:
(البارح في المنام البارح في المنام.. جبونقا استفاق)
وهو طرف من أغنية (عجب عجايب) الدارفورية التي تسيَّدت الساحة الغنائية في الثمانيات.
كان مخيفاً بالنسبة لي أن أنسى هذه الأغنية.. ماذا يعني أن تنسى أغنية ضبطت إيقاع خطوك عليها وتعلمت المشى على لحنها؟ الإجابة من عندي، هو مثل نسيانك للشارع المؤدي إلى بيتكم، أو مثل أن يهبَّ عليك ساحر حريف ويخطف قدميك وساقيك!! ترى، هل تستطيع المشي بلا قدمين؟!
انقبض نفسي لساعات، ولم أجد حلاً لحشرجة بقية كلمات الأغنية، فأدخلت على لحنها عدة كلمات مُلاكة من عندي، كي أخفف هذه الحشرجة، وحتى لا يكون لحن الأغنية أعرجاً.
وبالفعل، عزّ عليّ السير مع هذه الأغنية، ولازمني عرج الكلمات لنحو أسبوع، لكن حافظت على استقامة اللحن بكل همهماته وزمنه الموسيقي. وربما هذا من لطف الموسيقى علينا، أن تسند عرج خواطرنا حين تمسي أو تصبح مكسورة. لكن الإتكاء على كلمات عرجاء، ولفترات طويلة، أمر لا يليق بشخص مثلي يحاول (استعادة حقبة الثمانيات المنسية.. على طريقة جماعتك ناس الإمارات)، وفوق ذلك، يزعم هذا الشخص، بشطط، أن جماعة الجبهة الإسلامية القومية لبسوا فينا على غثيثة ونفسٍ خبيثة، كما يقول الأعراب في وصفهم للدناءة بينهم.... وفي أمرنا هذا، لا يهمنا غير عرباننا الذين طمروا، عن عمد، جميع السنوات الخصبة التي سبقت مجيئهم إلى السلطة، ولم يسلم الغناء، بالذات، من هذا الطمر! فاستبدلوه بأغنيات تمجد كركعة السلاح وتنفر من الحياة بتمجيدها للموت.. ولأنني نذرت نفسي أن أكون طوبة من طوب الجسر الذي يوصل الجيل الحالي بتلك الحقبة، طفقت أنقب في ذاكرتي لاستعادة أي ملمح يعينني على ما أنا بصدده، ثم الكتابة عنه وبذله للناس؛ ففشلت يا عماد!. للحظات، تأكد لي أن جماعة الجبهة الإسلامية نجحوا.. لكن هيهات.. ذهبت إلى عرصات الإنترنت لعلي أعثر على طرف من أغنية (عجب عجايب) التراثية التي كان راديو أم درمان يتحفنا بها في ثمانيات القرن الماضي. وللأسف، كان الإنترنت بخيلاً، وربما كان بخله عقاباً منه على جهلي بتعرجات دروبه العامرة بالسمين. لكن (ربك رب الخير) هداني إليك، ولعلك لا تعلم أنني اتخذك سحارة للغناء. وقبل أن أواصل قل لي يا عماد: ما علاقة التشكيليين بالغناء؟ وما سر الحضور الجميل الذي يغطون به ثقوب حياتنا كسودانيين؟ كنت قد قلت للمبجل، النور اللحمر، إنه لو طلب إليّ أن أدل على مفكر سوداني لما ترردت في الإمساك بتلابيب أقرب تشكيلي سوداني، ولو طلبوا المزيد فلن أترك لكم تلباً مطلق السراح. من لدن بسطاوي والصلحي وشبرين ووقيع الله، لغاية حسن والنور وخلف الله، وتلميذ مدرسة الواحد المرحوم أحمد عبد العال.
هاتفتك يا عماد منتصف نهار ذلك اليوم مستفسراً عن (عجب عجايب)، فوجدت تلفونك مغلقاً؛ قلت: هي عادة العواجيز مع القيلولة، لكن لماذا لا أرسل له رسالة!! ففعلت.
ما كاد عصر اليوم ينقضي حتى هاتفتني، وقبل أن تسالمني بـ(حق الله وبق الله)، أو حتى بتحية الخواجات (آلو) المسيخة طفقت تغني في أذني:
(أمبارح في المنام،، أمبارح في المنام
أمبارح في المنام جاني خزال الشام
جاني خزال الشام شايل لي سلام..
آحمبا.. آحمبا..).
فكانت حمحمتك بمثابة رأس الخيط الذي دخلت به عائداً إلى الإنترنت، فتابعت الخيط حتى وصلت معه إلى الفنان زكريا الفاشر، فوجدته وقد جمع إليه رهط من فتيات الثمانينيات وأخذ يحضهن على (الجبونقا) وهن يتضاحكن في أمان الله. وهاك يا استعادة تمانينيات.
ستجد أدنى هذا المكتوب، الذي رسم على عجل، نص الأغنية في رواية من رواياتها المتعددة، ولكن قبل ذلك يلزمني أن أشرح (لقراء كثر يشاركوننا القراءة) عبارة (جبونقا استفاق) التي اتخذتها عنواناً لمكاتبتك، والجبونقا: ممارسة كانت فاشية عند بعض الدارفوريين، وهي أن يقوم المحب باختطاف محبوته، ويذهب بها إلى مكان بعيد عندما يقطع الأهل أي عشم لهما في الزواج، وبعدها لا يجد أولئك الأهل بداً من التسليم بهذه الجبونقا المباركة. أما استفاق فهي مرادفة لمعنى ومفهوم الاتفاق المعروف في اللغة العربية. ومعنى العبارة أن الجبونقا نتاج للاتفاق بين الطرفين. ولا غرو أن يقول المغني داخل الأغنية: (من حسناتو جبونقا نجتنا من مصايب).
وللتأريخ، لا يتفرد الدارفوريون بالجبونقا، إنما ثمة جبونقا مماثلة لدى قومية الشركس، وكما هو معروف أن الشراكسة سلالة من الجنس الآري الذي تنسب له صفات النبالة، ومنهم اشتقت دلالة المصطلح "اريستقراط" المومأ به إلى النبلاء ذوي الأصالة. وتعد الجبونقا شيئاً عادياً بالنسبة لصفوة البشرية من الجنس الآري. وللمفارقة، يقول المؤرخ الشركسي "جوناتوقة يوسف عزّت" في كتابه "تاريخ القوقاز" إن الخطف كان "صعباً جداً في قديم الزمان، وتتخلله مصاعب، واقتتال، وإبراز للرجولة والشجاعة.. لكن الآن فهو أسهل...". فما أن يتناهى إلى الشاب الشركسي خبر موافقة الفتاة على الهرب معه، حتى يتّفق وإيّاها على موعد. وفي أغلب الأحوال، تكون والدة الفتاة على علم بذلك. ويقوم بعض أصدقاء وصديقات الشاب والفتاة بمساعدتهما على الهرب؛ فتخرج برفقة الشاب الذي تُحبه... وللتدليل على موافقة الأهل الشراكسة على هذه الجبونقا يُكافأ أولئك (المجنبقان) بأن تطلق في القرية ثلاث طلقات ناريّة، ليعرف جميع الشراكسة النبلاء أن فتاة ما قد خُطفت.
يبدو أن الشراكسة أخذونا قريباً جداً إلى موضوعتنا، فلن أغادرهم قبل أن أنقل عنهم أن (جبونقتهم) تكون مطلوبة من الفتاة؛ فعندما يستحكم الحب بين الشاب والفتاة الشركسية، ويعلم به القاصي والداني، يتذمّر أهل الفتاة ويرفضون هذا الشاب صهراً لهم، ثم يمنعوهما من التلاقي والاتصال، وحينها لا يكون أمام الفتاة غير أن تتدبر الأمر، ولن تجد من سبيل إلا الهرب مع حبيبها على طريقة جبونقتنا المباركة.
وقد وجدت تعليقاً طريفاً على هذه الأغنية في الإنترنت، كتبه أحدهم يدعى (كبر) قال فيه: "يا ناس البندر، هوي، الأغنية دي بالرغم من إنها ظاهريا عن الحب العذري والغرام والذي منو.. لكن في جوهرها تحتفي بقيمة الزواج.. واتخيل لو اتعرضت بصورة صاح، ماكان وصلنا مرحلة ملجأ المايقوما.. أو كما قال".
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

إلى العزيز عثمان حامد

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

[font=Arial][size=18]صحيح، الجملة المعنية تبع القاص عادل القصاص، وسبق أن قرأتها في قصته ذات العنوان الطويل: ذات صفاء ذات نهار سادس أخضر.. وأظنها كانت منشورة في عدد من أعداد مجلة (حروف) التي كانت صدر في تسعينيات القرن الماضي. قرأت الجملة وحملتها في رأسي منذ التسعتيات، حتى أتيت بها إلى هنا،وكتبتها كما لو أنها ملكي؛ وصدق درويش حين قال إن ذاكرتنا لا تنجو من الإقتباس.. ولو قال السرقة عدييييل لصدق أيضاً.
شكرالتعليقك واستفسارك،،،
أضف رد جديد