الخال والد... عن محمود ..كمال الجزولي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

الخال والد... عن محمود ..كمال الجزولي

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

وأنا أقرأ كتابة الأستاذ كمال الجزولى عن أبن أخته محمود غشينى حزن عميق فرغم محاولة الأستاذ كمال التشبث والأتكاء على جدار الموضوعية والتحليل وهو يهبط من هذا الدرج القاسى فى أعلى وجدانه قدر أحتماله نحو أرض الحقائق المجرده والموضوعية ,اٍلا أن حزن الوالد والأب لايمكن أن يغيب على القارئ حيث يمكنك أن ترى بوضوح موجة الحزن التى تضرب ضفاف روح الكاتب هنا وهناك فينهض أليها مسرعاً(بترس) من تراب الفكر والتحليل العميق والمتماسك المخلوط رغماً عنه بماء الدمع والفقد ,وماكان لى سوى أن أسمى هذا المقال اٍلا بالمنقول والراسخ فى قول ثقافتنا هنا لوصف موقع الخال فى صفة القرابة و(الرحميه) وفطرة روحها المُحبه بصنيعة القدر الأولى ,وهى أن (الخال والد )

____

(1)

ما زلنا نذكر يوم جاء يزورنا في السُّودان، أوَّل مرَّة، ضمن أسرة أختنا مها المهاجرة بلندن، حيث وُلد، ولمَّا نكن قد رأيناه قبلها إلا تصاوير فوتوغرافيَّة.

أحضرناهم من المطار، وكان ثالث ثلاثة أولاد هو أصغرهم، طفلاً عذباً يخطو، بالكاد، نحو السَّابعة، بشعر مضفور، وقرط في الأذن، ولسان يلثغ عربيَّة هي للأفرنجيَّة أقرب. كان الوقت صيفاً فاتَّخذنا لهم من السَّاكوبيس البارد عراريق وسراويل، ثمَّ إنه ما لبث أن أغرم بطراد الماعز في شارع بيتنا، طوال النَّهارات، ما ينفكُّ يحمل عليها بأغصان النِّيم، فتجفل هي فَرَقاً، ويجفل هو فرقاً، ونروح نحن نضحك مليَّاً حتَّى نستلقي على أقفائنا، فيضحك مندهشاً من ضحكنا، ومحتاراً فيمَ نضحك، وعندما يتملكه الحرج تماماً، يدسُّ مقدَّم لسانه تحت شفته العُليا، ويتكئ على حافَّة السَّرير، يحدِّق فيمن حوله، ويتقافز بتوتُّر، تارة على القدم اليمنى، وتارة على اليسرى، عاقداً ما بين حاجبيه الصَّغيرين، ومضيِّقاً ما بين عينيه المرتبكتين، كأعذب ما تكون العذوبة، حتَّى لتحسبه قد احْوَلَّ.

قضوا صيفهم ذاك، ورجعوا إلى "وطنهم"، وكرَّت مسبحة الأصياف، وتكرَّر مجيئهم ورجوعهم في زورات قصار ما كنَّ لينقعن غلة الصَّادي إلى معرفة حقيقيَّة، لا بالبلد، ولا بثقافتها، ولا بلغتها، مثلما تكرَّرت زورات بعض الأهل لهم، بالمقابل، في ديارهم الأفرنجيَّة تلك، دون أن يكون في مقدورهم، أيضاً، نقل عُشر معشار مثل هذه المعرفة إلى هناك!

(2)

على قدر فرحنا بهم ظلَّ أكثر ما يقلقنا بشأنهم ما كنَّا نلاحظ عليهم، مثلما على ذراري أصدقائنا ومعارفنا المهاجرين مثلهم، حين يزورون السُّودان كزوراتهم تلك، من عدم إلمام ولو باليسير من قواعد القراءة والكتابة في العربيَّة! وظللنا، بطبيعة الحال، نستغرب ذلك، أيَّما استغراب، فها هو جيل بأكمله قد تجاوز سنَّ التَّعليم قبل المدرسي، ولم يُتح له أن يغشى خلوة ولا روضة، شأن ما أتيح لنا عندما كنا في مثل أعمارهم! وفي الحقيقة ربَّما كان أولئك أوَّل قطفة لجيل من "سُودانيين جُدُد"، تلتها قطفة أو قطفتان، حتَّى الآن، من بنات وأولاد كطلع الورد، لولا منقصة جهلهم التَّام بالعربيَّة. وما كان خافياً علينا التَّناقض الواضح بين هذه المنقصة وبين تشوُّفهم لإدراك هُويتهم التي تشكِّل المعارف الدِّينيَّة واحدة من بوَّاباتها الرَّئيسة، فأنى لهم، إذن، أن يلامسوا، مجرَّد الملامسة، دَعْ أن يكتسبوا، أيَّ قدر من هذه المعارف، بينما حظهم من العربيَّة حلب القعود؟!

إلى ذلك كان يقلقنا، أيضاً، عدم إبداء الأهل والأصدقاء والمعارف أدنى قدر من الانزعاج لدى إثارتنا الأمر معهم، فلكأنَّه مِمَّا يحتمل التأجيل، أو لكأنَّهم قنعوا بما يجدون في اللغة الأجنبيَّة من معاوضة، أو ربَّما من مصدر للتَّباهي بما اكتسب هؤلاء الذراري من ألسنة جديدة، ناهيك عن غير القليل من الإحساس بعدم خلوِّ الأمر من قَدَر مسطور تابع لما قبله من نازلات تتاليْن على هؤلاء الأهل والأصدقاء والمعارف، منذ ليلة الثلاثين من يونيو 1989م، فاضطررنهـم لهجر البـلاد ذاتـهـا، وشـتَّتن شـملهـم فـي أرض الله الواسعة، فما يكون الافتقار، بعد كلِّ هذا، للسان العربي سوى كونه إحدى النَّازلات الثَّانويَّة التي لا يملكون إزاءها غير أن يسلموا تسليماً، وابتسامات الرِّضا تضئ وجوههــم، تأسِّــياً ببعـض أدب الإمـام الشَّـافعـي رضـي الله عنه "دَع الأيَّامَ تفعلُ ما تشاءُ، وطِبْ نفساً إذا حكمَ القضاءُ"!



(3)

على أن أغلب مَن لم يركنوا لمثل هذه التِّلقائيَّة، استناداً إلى حكمة التَّوجيه النَّبوي الشَّريف "أعقلها وتوكَّل"، ألفوا أنفسهم مفتقرين، للأسف، إلى آليَّات التَّدبير الجَّماعيَّة المدروسة على هذا الصَّعيد، مِمَّا أسلمهم للسَّير، كالمُنوَّمين مغناطيسيَّاً، على طريق شائك الخطأ، بل شائك الخطر! ويكفي، كي تدرك شيئاً من هذين، أن تحاول تذكُّر كم مرَّة سألت، وكم مرَّة تلقيت إجابة فحواها أنه ليست ثمَّة مشكلة في الأمر، فقد افتتح جماعة من "الإخوة الباكستانيين!" مدرسة "قرآنيَّة" لأولاد المسلمين المهاجرين، في بعض نواحي لندن، أو غيرها، وقد ألحقنا الأولاد بها!

يقولونها ببساطة، لكأن أقصى مشكلة، هنا، هي، فحسب، توفير المصروفات المطلوبة لمدرسة أولئك الأشياخ الآسيويين ذوي اللحى السِّجَّاديَّة بالغة الضَّخامة، بينما أكثر الآباء والأمهات قد لا يعلمون أن شيخاً من هؤلاء اسمه أبو الأعلى المودودي كان قد أسَّس، منذ ما يربو على نصف القرن، بلحية مشابهة، وفقه متشدِّد، ما عُرف بالجَّماعة الإسلاميَّة في لاهور، ليُجري إصلاحاً دينيَّاً شاملاً بفهم "صحيح نقي" للإسلام، فكان أن لعب، خلال الخمسينات والسِّتِّينات، في عقل مفكر وأديب كسيِّد قطب، ومن ثمَّ في عقول كتلة معتبرة من جماعة الأخوان المسلمين، بل وعقول أجيال بأكملها من أبناء وبنات المسلمين، على طريق التَّرويج لنفس الفكر الخوارجي الذي ظلَّ، طوال تاريخ الدَّولة الإسلاميَّة، منذ انقلاب الخلافة الرَّاشدة إلى ملك عضود، يرفع المصاحف على أسنَّة الرِّماح، مدَّعياً أنه إنَّما يجاهد كي تكون "الحاكميَّـة" لله وحده، بينما هو يضمر، ولا بُدَّ، تجيير هذه "الحاكميَّة" لبشر بعينه يقوم مقام الحقِّ، عزَّ وجلَّ، في تطبيقها، وإلا فلن يكون ثمَّة تطبيق أصلاً، وهنا مربط الفرس، وبيت القصيد الذي وصفه الكرَّار رضي الله عنه بأنه "كلمة حقٍّ أريد بها باطل"!

تأثير المودودي السَّالب على سيِّد قطب، تمظهر في اعتزال المجتمع، من أوَّل تجهيله، وتكفيره، مروراً بشنِّ حربه التي لا هوادة فيها حتَّى على رؤى ابن سينا وابن رشد والفارابي، واتِّهامهم أجمعين بالخلط والتَّخليط بين الفكر الإسلامي وبين الفلسفة الإغريقيَّة، وانتهاءً بتدشين حركة "السَّلفيَّة الجِّهاديَّة"، التي أفرزت، بآخرة، عناوين لا حصر لها، من "طالبان"، و"القاعدة"، و"الحوثيين"، و"داعش"، و"التَّكفير والهجرة"، و"جيش النُّصرة"، و"بوكو حرام"، والكثير غيرها مِمَّا تعجُّ به السَّاحة الإسلاميَّة، بل والعالم كله، عبر شرائح الفيديو المتاحة حتى للأطفال، والتي تُذبح فيها الفرائس، أو تحرق، بدم بارد، لا لشيء سوى السعي بالدِّين لاحتياز الدُّنيا، والتوسُّل لذلك بتكفير جموع المسلمين، والحكام، والأنظمة، دونما استثناء!

هؤلاء هم خلفاء المودودي وقطب، فتأمَّل أيَّ نوع من القيم الدِّينيَّة يمكن أن يلقِّنوا عقولَ زغبِ حواصل ما ينفكُّ يحيِّرها البحث عن هُويَّة غائمة بين أوطان انطمست صورتها في الذَّاكرة، وضاعت حتَّى مفردات لغتها، وبين مَهاجرَ ﻻ سعة فيها حتَّى لزنوج تُحسب عُشرتهم معها بقرون، لا ببضع سنوات! فما الذي يمكن أن تفعل أسر فرَّت بجلدها إلى هذه الجُّغرافيا الجَّديدة، قسراً، ضمن جنسيَّات أخرى، فاتَّخذتها أوطان بديلة، وأنجبت فيها هذه البذورة الجَّديدة، ونشَّأتها على ما حسبته طمأنينة تلوذ بها من قسوة الأنظمة، في أوطانها الأصليَّة، ووحشيَّة أجهزة قمعها، فإذا بها قد نشَّأت، في الواقع، أدوات بشريَّة لممارسة أبشع أنواع القسوة، والوحشيَّة، والقمع!



(4)

السَّيِّد احمد هاشم احمد، من كليَّة الملكة ميري للطبِّ وطبِّ الأسنان بجامعة لندن، استخلص بعض الملاحظات القيِّمة من إعمال نظرة مستبصرة insight. فباعتبار معظم الشَّباب الذين يقعون الآن فرائس للجَّماعات الإرهابيَّة هم من طلاب الطب، فإن الكثير من الأسر السُّودانيَّة ببريطانيا ما تزال تعيش "خارج إطار الفكر التَّحليلي، والمنطق العقلاني .. تقدِّم رغبات الآباء فوق رغبات الأبناء والبنات ليصبحوا أطباء وأطباء أسنان، مستخدمين من اجل ذلك كل الوسائل الملتوية"! فمثلاً "الطلاب الذين يفشلون في دخول كليَّات الطب البريطانيَّة .. يتمُّ قبولهم بالجَّامعات السُّودانيَّة (الخاصَّة) فقط لمقدرة أسرهم على دفع الرُّسوم الدِّراسيَّة بالعملات الأجنبيَّة. هؤلاء الطلاب بقدراتهم الماليَّة الهائلة، وجوازات سفرهم التي تفتح لهم أبواب 173 دولة بدون تأشيرة، يصبحون لقمة سائغة تتنافس عليها المجموعات الأصوليَّة الجِّهاديَّة المتطرِّفة من جهة، والإجراميَّة المدمِّرة من الجِّهة الأخرى"! لكن هؤلاء الطلاب سرعان ما يكتشفون، بعد وقوع الفأس في الرَّأس، كم هي باهظة كلفة تلبيتهم لرغبات أسرهم، حيث يُجابِهون "أولا، عدم اعتراف المجالس الطبيَّة الأوربيَّة بشهاداتهم، وثانياً، تقلص فرص تدريبهم بالمستشفيات .. وثالثاً، المنافسة الحادَّة مع الأطباء من أوربا الشَّرقيَّة، ودول الكومنولث"؛ كما يُجابِهون، أيضاً، سياسة الحكومة بالاكتفاء الذَّاتي من الجَّامعات البريطانيَّة". ومن واقع معايشته المهنيَّة، يلاحظ السَّيِّد احمد، كذلك، "ندم هؤلاء الخريجين على مجاراة أسرهم، وقتامة مستقبلهم مقارنة بأقرانهم من الجَّامعات البريطانيَّة".

أخيراً، يجعل السَّيِّد احمد قصَّتنا الطويلة قصيرة، بتأكيده افتقار الشَّخصيَّة السُّودانيَّة، على حدِّ تعبيره، إلى "نظرة مستقبليَّة لإدارة شئون هذا الجِّيل الاجتماعيَّة والدِّينيَّة باستثناء تكوين الجَّاليات التي لم تستغل الإمكانات المتاحة لامتلاك القاعات والمساجد لإدارة شئونها باستقلال تام"، بالإضافة "لعدم امتلاكها رؤية موحَّدة إزاء مناهج تدريس اللغة العربيَّة والتَّربية الإسلاميَّة، ولهذا يتمُّ إرسال الأطفال للمدارس والمساجد التي يديرها المسلمون المتطرِّفون من الدُّول العربيَّة، والأفريقيَّة، والآسيويَّة، والتي تدعمها الجَّماعات السَّلفيَّة والتَّكفيريَّة"! وقد نتج عن ذلك، للمفارقة، "تفريخ مجموعات متطرِّفة من صلب نفس أولئك الذين هجروا بلادهم فراراً من التطرُّف الدِّيني"! والآن ها هي الجالية السُّودانية في بريطانيا أضحت ضمن المجموعات الإسلاميَّة التي تدعم داعش بشريَّا في وضح النهار (الراكوبة؛ 12 أبريل 2015م).

ولكم وددتُّ لو ان السَّيِّد احمد أكمل جميل استبصاره هذا بمحاولة معالجة الإجابة على سؤال المليون دولار المسكوت عنه: هل تراها أجهزة الاستخبارات الغربيَّة عموماً، والأمريكيَّة والبريطانيَّة خصوصاً، والتُّركيَّة بالأخص، والسُّودانيَّة في السِّياق، وجميعها ما تنفكُّ تعلن، صباح مساء، أن أولويَّتها القصوى "محاربة الإرهاب"، غافلة، بالفعل، عن طلاب يجيئون من لندن إلى الخرطوم، ثم يغادرون عبر مطار الخرطوم إلى استنبول، ثم يستقلون السَّيَّارات إلى الحدود مع سوريا، ثم يلتحقون، من هناك، بدل المرَّة ألف مرَّة، بالمناطق التي يسيطر عليها الإرهابيُّون في سوريا والعراق؟! هل ترى وهِمت هذه الأجهزة فيهم، فاعتبرتهم فرق كشَّافة في رحلات ترفيهيَّة وسط البراميل المتفجِّرة؟!

(5)

حين بلغني نبأ مقتله في ملابسات معركة تكريت الأخيرة، كنت بإمارة الشَّارقة أشارك في مؤتمر عن "الهُويَّة والحداثة" السُّودانيَّتين. وكنَّا قد سلخـنا أيـَّاماً ثلاثة نتبارى في اكتشاف دقائق هتين في الوطن العزيز. لكن فاتنا أن ثمة، على أقلِّ تقدير، عشرات الآلاف من الصبايا والصبيان الذين لا نحن جزء من حداثتهم ولا نحن جزء من هُويَّتهم، اللهمَّ إلا بجامع اسم الجَّدِّ الأكبر .. فحسـب! عشرات الآلاف مِمَّن لا يهمهـم فـي كـثير أو قليـل ما تراطنَّا، ونتراطن به، في الشَّارقة وفي غير الشَّارقة، وما قد لا يعني لهم شيئاً ذا بال، طالما أنه لا يجيب على أسئلة شائكة لديهم حول هُويَّة مغايرة، وحداثة قيد البحث، تخصَّانهم وحدهم، ولـم ندرجها ضمن برامج فعاليَّاتنا الفكريَّة!

رحـم الله محمـوداً، وغفر له، بقدر صدق نيَّته، واقتصَّ له مِن سماسرة الموت باسم الإسلام، المتخفِّين حول ثلاث من أنبل المهن: الطب، والتعليم، والصَّحافة، فاخترموا عذوبته وبراءته، وهـو لم يكمل، بعـد، التاسعة عشر من العمر.





من صحيفة التغيير الألكترونية

https://www.altaghyeer.info/ar/2013/colu ... cles/7310/
آخر تعديل بواسطة حاتم الياس في الخميس إبريل 30, 2015 12:16 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
محمد عبد الجليل الشفيع
مشاركات: 155
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 11:11 am

مشاركة بواسطة محمد عبد الجليل الشفيع »

تحياتي يا حاتم .. كتابة تستحق التدبر حتى وقف النزيف

لعل كمال الجزولى قد نجح في فك بعض طلاسم وجع فقدهم العاصف في (إبنهم محمود)، وتجاسر على أمر صعب ليخرج بهذا
التحليل (المهم جدا) والذي لابد أن قد خفف عليه وقع الصدمة، كما وقع لكثيرين من الآباء والأخوال في جرح، خاصة أولئك
الذين فجعوا في العقود الأخيرة بمثل قرار محمود وتداعياته المريرة، فقد ظل هذا يحدث لكثير من الشباب باشكال مختلفة
وغريبة "داخل أو خارج الوطن" .. شيوخ يشحذون الشباب بفكرة سهلة تدغدع المشاعر ولا يبقى في الآفاق إلا طريق وحد للحياة
والنجاة وهو السير في طريق الموت الذي بوصلته في يد هؤلاء الشيوخ الذين ينتظرون اجر شحذهم للشباب وهم (يعيشون إلى
آخر أعمارهم الطويلة جلودهم خرش ما فيها) ..



سـوقـنى مـعـاك يـا حـمـام سوقني محل ما الحبيبة
قـريـبـة تـراعـي الـغـرام غـريـبـة الأشـواق حبيبة
يجيـبـا منام فـي منام
سـوقـني مـحـل مـا الـمـحـنـة وأيـادي تقطـر سلام
سـمـاحـة الـحـيـاة فـوق أهـلـنا وبلادي تقرقر وئام
غلابه وأمان مو الطيابة ضكارى بصارى وكرام
حـبـابـه الـحـبـان في بـابـه وتـدخـلـوا عليّ الحرام
فــقــارى ولــكــن غـــنـايـا غــــنـايـا بـهــذا الغمام
بـهـذا الـنـيـل كـم تـغــايـا وتـيــرابـا نـرمـيـهـو قام
إرادة الـقـمـره الـبـتـقـدر بـراهـا تـضــوي الضلام
شــعــاع شــمــشـاً يـامـا خـدّر وإذا يـبــَّس لا يـُلام
فــيـابـا خـرابـا الـحـرابة وخرابة فكر سـوسي سام
خــرابـة الـكـل نـفـسـو تـأبـى عـقـابـه تـلِم عم سام
ولـِيـد مـخـلـوق لـلـقـرايـة خـزيـن مدخـور للجِسام
تـتـمــر نـيــتـو التخـايـة إلامــا مـذهـــلـل إلام
درب مـن دم مـاب يـودي حرِب سُبّه حرب حرام
تـشـيـل وتـشـيـل مـابِ تـدِّي عُـقـب آخــرتا إنهزام
بطـانـة الـشـيـطان قـديمِة وبعد دا منو العرشو دام
إذا الإنسان ما ليهُ قيمِة عـلي إيش خلَّفُو سام وحام

حميد
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

اسمحوا لي هنا بإنزال مداخلة حول نفس الشأن ،كنت قد كتبتها معلقاً على مقال سطره دكتور محمد جلال هاشم في سودانيز أوون لاين أورده احد الأصدقاء في الفيس بوك،تناول فيها حادثة مقتل الشاب السوداني المقاتل مع داعش في العراق .
وليد


داعش وابناء وبنات السودانيين بالمهاجر ـ محمد جلال احمد هاشم
آخر تعديل بواسطة الوليد يوسف في السبت مايو 02, 2015 10:08 pm، تم التعديل مرة واحدة.
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

ظاهرة التطرف في التدين والمد اليميني، من الواضح للعيان وللمتأمل،أنها ظاهرة عالمية،تجتاح كل بقاع الأرض من مشارقها لمغاربها،جنوبها وشمالها،لا نستطيع أن نؤرخ لها او نتتبع نموها ومسارات تطورها، من خلال الأحداث العابرة ولا حتى من خلال الأحداث التأسيسة العظمى،مثل حدث 11 سبتمبر 2001 كلحظة فاصلة لتقسيم العالم على أسس ثقافية حضارية. واذا اردنا رصد ظروفها العامة وملامحها الخاصة،يتوجب علينا النظر من ارتفاع طيران او منظورالطيور(Top-down perspective)،لتوفير وضعية الخروج من الدائرة.واظن أن المد اليميني الذي يشهد العالم اليوم منذ منتصف ثمانينيات القرن المنصرم،يعبر على نحو واضح عن أزمة النظام الراسمالي،الذي كل ما تراكم وتركز في ايدي حفنة صغيرة وتوقف عن التمدد والنمو الخارجي،خرج لنا بأزماته التي تجبر المجتمعات على التراجع والتقهقر والنكوص عن مشاريع الديمقراطية وحقوق الإنسان فتتحوصل الإستنارة والوعي بالتقدم في اضيق نطاقاتها،فاذا انتجت ازمة النظام الراسمالي في 1929 الحرب العالمية الأولى والثانية لإعادة إنتاج او تدوير نظام عالمي، إقتصادي، فشل فشلاً ذريعاً في تنزيل مثل (عصر التنوير) ومنجزات فلسفة الحداثة الأوروبية ومنجزات الثورة العلمية والحركات الكشفية، لارض الواقع،دون المرور بمطبات الجشع وطموحات التوسع وتدوير رأس المال تحت مزاعم الحريات الفردية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

أنظر لما عرف في التأريخ بحركات الشباب في 1968 الكانت بتعبر عن حالة مد ثوري يساري تقدمي في ملامحة العامة، نبعت من خيبة المواطن الفرد في نظام الدولة وجهازها البيروقراطي بعد خروج النظام الرأسمالي من حربين كونييتين غاية في البشاعة، بشاعة هذين الحربين ونتائجها المرعبة، ادتا الى تحريك الفانتازيا وإعادة تدوير الاسئلة الوجودية لدى الأفراد، لرتق حالة الضياع والتوهان بعد أن شهد العالم الموت والدمار والإستعمار، تحت تاثير ترهات القومية والجمهورية وأوهام التفوق فوق سطح صفيح الثورة الصناعية الساخن، هذا الضياع و التوهان الذي يشابه ما يحدث الآن بين ظهرانينا في تأريخنا المعاصر ولو بفرق بسيط وشكلي، هو حدوث هذا الموت والدمار، خارج الحدود الجغرافية والأطر السياسية، لمراكز النظام الرأسمالي، مما يجعلنا حريين بان نضعه، كحالة "جزر" يميني يعقب "المد" اليساري الستيني،السبعيني؟ الكان المدفوع بالفانتازيا والاسئلة الوجودية،ليقابله الآن بأنتكاسة يمينية محبطة، عقب فشل المد اليساري في تحقيق حلم الأنسانية بالعدالة الإجتماعية والتحرر بفنتازيا الايدولوجيا اليسارية؟. يمكننا رصد حالة فشل مشاريع التحديث منذ سقوط الإتحاد السوفيتي السابق برمزيته وسطوته كقوى عظمى وخصائصه العملية في مواجهة النظام الراسمالي. ولا غرابة حين يتحول هنا رمز الثورة العالمية بمقدار 180 درجة، لينمسخ (اسامة بن لادن) كمعبر عن شخصية البطل العالمي وملهماً للشباب الثوري، بدلاً عن صورة المناضل اليساري الاممي (آرنست تشي جيفارا) عراب الثورة الكوبية وملهم ملايين الشباب آنذاك للمضي في طريق الحرية.لذلك نقول ان ظاهرة التطرف في التدين بين اوساط الشباب،منتشرة الأن في كل المجتمعات ولكيما نسبرعمقها الحقيقين علينا النظر بمنظار واسع ودقيق يتناول ظاهرة العطالة وضيق الفرص وسيطرة الدولة على كل مناحي الحياة وإنعدام الثقة في الشباب وشعورهم بعدم الجدوى، ولكيما نحاذر الوقوع في فكر المناسبات المهووس بالحدث في ظروفه الخاصة،فذلك لن ينتج سوى فكر عدمي،يساوي بين الضحية والفاعل،على نحو عبثي.

هذا ما ازعجني في تناول الدكتور (محمد جلال هاشم) لقضية التطرف التديني وطغيان الخطاب اليميني المتطرف في اوساط الشباب في شتى بقاع الأرض، والمزعج أكثر هو التسرع والإنتقائية،الحكم المسبق وعدم الحساسية، كما ذكرت من قبل والتسرع صفة مزعجة للغاية عندما تقترن بشخصية الباحث الأكاديمي وهي الفرضية المتوسمة في الملامح العامة لباحث مثل د. (محمد جلال هاشم) الأكثر حضوراً في مشهد البحث الثقافي الإجتماعي الخرطومي وخارجه، شخصية تتمتع بالكاريزما والألق الإجتماعي القوي والمؤثر في مشهد القضايا العامة،في المحيط الذي تعمل وتنشط في مداراته،فلم الإستعجال والتسرع؟.

العنف كظاهرة عالمية متمددة نتيجة لنهاية (العالم السعيد) في دولة الرفاهية و الأمن الإجتماعي في الدول الغربية وسهولها الفيضية المرتبطة معها في قسمة كعكة السعادة العابرة.أنظر حركة (الهيب هوب) التي تشهد العالم منذ نهاية سبعينيات القرن المنصرم، هذه الحركة التي نشأت "كثقافة فرعية" كرد فعل على مشاكل البطالة و الإضطهاد وعدم الإعتراف داخل بنية المجتمع السعيد نفسة ،البدأ في إعادة إنتاج أشكال الممارسات السابقة لفسحة السعادة القصيرة، مثل العنصرية والتفرقة، القائمة والمتأسسة على فروقات ابيض و أسود لتحل محل غني وفقير،حينما ذهب الكثيرين وتوهموا أنها أنتهت وزالت بزوال نظام التفرقة العنصرية في دولة ديمقراطية ليبرالية كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية بعد حركة الحقوق المدنية 1955 ـ 1968، ليكتشف المواطنين الأمريكان من ذوي الأصول الأفريقية و الأقليات الأخرى، مدى رومانسية هذا التحول الزائف على مستوى الحقوق والتشريعات التي كانت تهدف تجريم التمييز ضدهم وتمليكهم حق التصويت وزيف هذا التحول لم ينتهي ويتغير حتى بعد وصول "رجل اسود" على قمة جهاز الدولة الليبرالية العظمى.يتمظهر العنف في خطاب ونصوص حركة الهيب هوب المنحدرة من (غيتوهات) مدنها العملاقة في نيويورك وشيكاغو وديترويت وغيرها من مدن التنقاضات المكتظة بعصابات الشوارع البتمارس العنف في حياتها اليومية،الهيب هوب غير انه حركة رفض عنيفة للعلاقات غير المتكافئة داخل المحتمع الأمريكي،ايضاً تمت محاولة إستغلاله وتحويله لثقافة يتم من خلالها دفع الشباب لممارسة فن الغناء و الموسيقى والمنافسة في الرقص، لصرفهم عن الإنخراط او الإنضمام لعصابات الشوارع وصرفهم عن تجارة المخدرات وتعاطيها، لكن هيهات؟؟ المشكلة فيما بعد صارت حفلات الهيب هوب مكانا ومرتعاً لاستعراض الأسلحة والمخدرات وأصبحت العصابات متواجدة ومسيطرة على هذه الحفلات. بل أكثر من ذلك انتقلت كل ثقافة عصابات الشوارع لعالم الأنتاج الموسيقى وراح ضحية هذا الصراع، اعظم الموسيقيين والمغنيين و المغنيات،مما يؤكد ان ظاهرة العنف في اوساط هذه الشريحة الإجتماعية غير المعترف بها قد صارت سمة مميزة لجيل كامل،من خلال تمدد ثقافة الهيب هوب على المستوى العالمي عبر الآلة الإعلامية الجبارة للدولة الليبرالية العظمى وتمدد أزمة النظام الراسمالي ليغطى كل بقاع الارض وبما ان هذه الثقافة الفرعية، تتحرك بمكانيزمات وتعمل في سياقات مختلفة ،كان ولابد ان تتمظهر في اشكال أخرى أكثر عنفاً متآزرة مع اشكال التناقضات والتوزيع غير العادل للفرص في عالم اليوم وايضاً لغياب المنهج في اوساط هذه المجموعات التي أتخذت من العنف وسيلة للإحتجاج على النظام المهيمن الماعايز يعترف بيها،كان ولابد أن يعيد التطرف التديني إنتاج نفسه وهنا لا يهم أي دين مسيحياً كان او إسلامياً،يهودياً ...حيث ان الهدف هو الإحتجاج العنيف كتعبير عن الرفض ،نمشي شوية نسمع عن المغني البريطاني الامريكي الشهير (كات استيفن) سابقاً يوسف اسلام حالياً عن كيفية التحول الحدث ليهو للخروج من حالة الضياع والتوهان في عوالم الإنتاج الموسيقى الليبرالي؟،من المانيا خرج مئات من الشباب والشابات عيونهم زرقاء وشعورم شقراء واسمائهم العائلية المانية قحة (مولر،هانس،ماتياس...) خرجوا من دولة السعادة والرفاهية الإجتماعية،قاصدين هجير داعش محاربين في عتامير البادية القاسية،لا لشئ سوى محاولة لرد إعتبار مفقود،فماذا نحن قائلون في هؤلاء؟ هم ليسوا بمهاجرين قادمون من مجتمعات محافظة،كيما يقيموا في دول غربية متحررة؟ وكذلك الوضع في دول غربية و اوروبية عديدة،اذن الأمر غير مقتصر على ابناء المهاجرين اولاد المسلمين فقط، والمسالة لا يمكن ان تقتصر فقط على نقص في الإندماج داخل المجتمعات الجديدة او عدم تقدير الوالدين للتجربة الاقدموا عليها في قبول خيار الهجرة المفروض من ظروف قاسية عديدة، ولا الحكاية فنكهة وعنطظة عشان الأولاد البتولدو هناك يجو يتشدقوا بلسان افرنجي مبين،كما ذهب الدكتور( محمد جلال هاشم) في تحليلاته الإعتباطية؟ بل كما ذكرت العنف والتطرف التديني ظاهرة عالمية لها اسبابها وخلفياتها الأكثر تعقيداً وعلاقات إجتماعية وجيوسياسية بالغة التركيب.

.
آخر تعديل بواسطة الوليد يوسف في السبت مايو 02, 2015 10:47 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

حذف
آخر تعديل بواسطة الوليد يوسف في السبت مايو 02, 2015 10:09 pm، تم التعديل مرة واحدة.
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
ÍÓä ãÍãÏ ÓÚíÏ
مشاركات: 465
اشترك في: الاثنين أغسطس 08, 2005 2:58 pm

مشاركة بواسطة ÍÓä ãÍãÏ ÓÚíÏ »

سلام الخليفة وضيوفه

عيال المسلمين الاتربوا في السودان عندهم قدر من الوعي في نظرتهم للدين وارتباطه الاجتماعي والسياسي ... اقصد انهم على وعي باستخدام الدين لاغراض دنيوية وهم بكونوا شايفين الحاجة دي قدام عيونهم ...يعني يكون عندهم جارهم متدين ويتقي الله ولكنه حرامي في نفس الوقت.

اما عيال المسلمين الاتولودا واتربوا باوروبا فالجانب السياسي والاجتماعي المرتبط بالدين غائب عنهم تماما .. يتلقون الدين من غير شوائب .... فكره نقية.

والمشكلة الاوروبين .. في الغالب الاعم بيصنفوا الاسلام كجنس وليس كدين... يعني هم بنظروا ليك كمسلم وليس كسوداني او جزائري ولا صومالي ..حتى لو كنت شايل معاك لافته فيها صورة داروين .. برضو بشوفوك مسلم ..ومع عنصريتهم المسالة بتدفع عيال المسلمين دفعا لزاويةاختيار الدين كهوية يرتكزون عليها في مواجهة الاخر خاصة مع حقيقة انه ليس لهم خلفية سياسية اجتماعية يرتكزون عليها كجيل الاباء والامهات.
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

هنا واحد من النصوص الحزينة، التي كتبها صديقنا راشد سيد أحمد، فهو في الغالب منشغل بقضايا الخطاب السياسي، لكنه أيضاً "متورط" في الكتابات الشعرية والإبداعية.
------------------------------------------------------
( خوفِي على دمِّي )

الرِّيحُ من تحتي .. ومن فوقي البُروق
ومن حولي عويل الـموت ..
زمجرة المـنايّا ... وأشباح الظلام الموحشة
كائنات البحر تنتخب الـملوحة
من تراتيلَ بأحشاء الزَّبد
تستمطر المأساة في هذا الدَّوَّار
( دَيْدَمُونَّةَ ) أيُّها الملكُ المـُبجَّلُ ( لِيّر )؟
قابِيلُ .. أم .. هابِيلُ ؟ أم ........
مسرَّى انزلاق السّيف في الأحشاء متَّئدا ؟
أم قصَّة الحلمِ السُّدى
أم غصَّةٌ في الحلق
تنتهك الضُّلوع الجائشة
آهٍ بُنَّيَّ ..
صولجانٌ أنت للقلب وكرسيًّا وتاج
أهدُوك وهماً باهظًا
صكُّوا على الفرح الرِّتاج
نثروا على رأسي تُراب الغفلةِ الكبرى
رموا بذاري لجَّةَ البحر الأُجاج،
فأورثوني الثُّكل والآلام محرقة الذُّهول
لأنِّي ما ادَّخرتك يا حبيبي أضحية
بل تَّخذتك كهرمانًا في الفؤاد
وعسجداً في القلب ... جوهرةِ القَبُول
وما بهذا قد حلِّمت
بل إِصطفيتك خاتماً للعِقدِ
منسأتي .. ومُثَّوى طِلبتي .....
وعلامتي الكبرى على حلمٍ بتُول
فماذا أقول ؟ ماذا أقول؟
توقي .. وآمالي ... وأحلامي ...
أراها تستحيل إلى أفُول
وها أنت في قمم اليفاعة المورقة
تمضي سعيدًا في أتُون المـحرقة
ثملًا بكشفٍ هو للضَّيعة أقرب
ومأخوذًا بما يُعشِّيك من وهجٍ عمَاء
وحين – كالفِينِيق - أنهضُ
من جحيم .. القارعة
أحبسُ الأنفاس مرتجفًا
حذر المنيَّةَ وانقضاض الواقعة
مُجندلاً ما بين سندان الفجيعة
واِرتطام المِطرقة
آهٍ بُنيّ ..........
باعوك حلمًا باهظًا
لمـع البروق الخادعة
يا بعض حلمي ..
بعض توقي …
بعض خوفي
بعض أمنيّ
وكلّ آمال السِّنين الضَّائعة.


راشد سيد أحمد
---------------------------------------------------------
شكراً يا حاتم على البوست الثمين.
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

حتى أنت يا كمّـال الجزولي؟!
بقلم أيمـن تابـر



(1)
رحم الله محمود راشد سيد أحمد ، موت فاجع وحزن مؤلم ، شمل الله والديه الحبيبين راشد ومها بالصبر والجلد وصبر آل سيد احمد وآل عوض الجزولي وكل من يعرفهم من أصدقاء ومعارف داخل وخارج السودان .
لا زلت اذكره شابا هادئاً فرحت وزهوت برؤيته في كندا قبل أعوام مضت بعد ان كنت التقيته قبلها بالقاهرة صغيرا يافعا مليئا بالحيوية والنشاط ولطالما لاعبته وحملته بين ذراعي فرحاً ومبتهجاً به واخوانه.
راعني رحيل محمود الشاب الجميل الخلوق فعجزت حتى عن أداء الواجب في تعزية والديه راشد ومها لوجعتي الخاصة في فقده زهرة شبابه النضرة ولإدراكي حجم فجيعتهم جميعا بهذا الرحيل المؤلم. لآل الجزولي ولآل سيد أحمد صادق التعازي والمواساة وللاستاذ كمال تعازيَ القلبية وللمئات من أصدقاء وصديقات الاسرتين صبر جميل، ولمحمود الرحمة .
(2)
كنت قد طالعت بالأمس وعلى بعض صفحات التواصل الاجتماعي مشاركات لمقال (محمود) بقلم استاذنا كمال الجزولي نشر بصحيفة (التغيير) يوم 28إبريل الماضي.. وبرغم احترامي لحزن الأستاذ كمال على فقده ابن اخته في هكذا ظروف الا ان بعض ما جاء بالمقال يستدعي وقفة واجبة ومراجعة عاجلة، علها تعيننا – بعد الصبر – على فهم ما جرى.
أول ما يصيب القاريء بالحيرة في ما تناوله الأستاذ كمال بدءاً بفقرته الثانية حيرته هو نفسه التي يصفها بأنها من طبيعة الحال) تجاه عدم إلمام أبناء وبنات المهاجر باللغة العربية كتابة وقراءة - أو ما أسماه بـ"منقصة جهلهم التَّام" بالعربيَّة). ويعبر الأستاذ كمال عن المزيد من التعجب والاستغراب لعدم تعلم هؤلاء او التحاقهم بخلوة او روضة شأنهم شأن جيله هو الذي تفصله عن جيل (ذراري) أبناء وبنات المهاجرين حدودٌ ومحيطاتُ ثقافية شاسعة. فهل فات على الأستاذ كمال أن هؤلاء ليسوا من (غير الناطقين) بلغته الأم، بل هم في الواقع من (الناطقين بغيرها) من لغات الله التي تهيأت سياقاتها وفق سياقات المكان والزمان؟ رحم الله أستاذ الأجيال عبدالله الطيب الذي ألجم صيغة التعالي تلك التي تصم المتحدثين بلغات غير العربية بالجهل وكأنهم "صم بكم لا ينطقون". لقد اختار الاستاذ كمال صفة (الجهل) مترافقة مع عدم إلمام أبناء المهاجرين الكافي بقواعد اللغة العربية، دون تفكـرُّ أو تدبر في دلالات مثل هذا الترافق وهو الكاتب دقيق العبارة والتعبير. فهل عدم نطق هؤلاء بالعربية تحديدا او المامهم بقواعدها هو خلاصة معارفهم اللغوية والعلمية والحياتية؟ وهل بالفعل يصبح تعرُّف الإنسان وإدراكه لـ (هويته" ( أو ملامسته مجرد الملامسة " كما يعبر الاستاذ كمال "لأي قدر من المعارف الدينية المرتبطة بها" مستحيلاً فقط لكونه لا يتحدث لغة بعينها من لغات الله الذي علم الأسماء كلها؟
إن مثل هذه الاسئلة تعيدنا طبعاً لحوارات شائكة أطلقتها من عقالها تلك الهجمة الشرسة التي تعرضت لها بلادنا من قبل عصبة الانقاذ، عندما سعت لتغيير هوية السودان (القديم) المعقدة والمتنوعة عبر استحداث مناهج متعالية للتعليم المدرسي لتمسخه عبر فرض العربية والتعريب فرضاً، وتركيب مناهج مستحدثة للدين في التعليم ما قبل الابتدائي نشرت ثقافة التكفير لتحكم بالجملة على قطاعات كاملة من سودانيي الوطن الواحد بالخروج من "ملة" الهوية السودانية بسيف اللغة. وتعيدنا كذلك لمرارات بكاء البعض الطويل لما أحدثه التعريب الاعتباطي لمناهج جامعة الخرطوم والتعليم العالي عموماً من دمار في بنية نظامنا التعليمي. ويدرك الأستاذ كمال أن مثقفينا اليساريين والوطنيين قد أهرقوا حبراً دافقاً حول سؤال اللغة في معرض الدفاع عن تنوعنا الثقافي كشعب سوداني متباين اللغات واللهجات والثقافات، مقدمين قراءات نابهة تتباهى بخليطنا السوداني من عرب و"عجم" و"رطانة" ( وما عجمت ألسنتنا ولا كانت لغاتنا من رطين الطير طبعاً!) باعتبار أن الجميع جزء لا يتجزأ من نسيج وحدتنا الاجتماعية السودانية. فما الذي جدَّ كي نتراجع الآن للوراء، لنتبوأ ذات مواقع التخلف التي حاربناها بوعي وحساسية ثقافية عالية؟ هل لأن اللغات موضوع المنازعة هي الآن لغة الشباب الذي ولد في مهاجر الشتات التي أرغم عليها آباؤهم وأمهاتهم على مغادرة الوطن بسبب والقهر السياسي والتعالي والعزل الثقافي والاثني واللغوي؟! وهل يا ترى كان الأمر سيكون مختلفاً لو كانت مهاجر الشتات هذه بلاد ناطقة بالسواحيلية أو الأمازيقية أو الكانتونية مثلاً؟ المفارقة تبدو محزنة حقاً حين نكتشف أن مواجهتنا لقضايا شائكة مثل قضية هُوايات المهاجرين (التي لا مناص من استيعاب تعقيداتها) تعيدنا لمواقع من كنا نجادلهم بالفهم العميق للثقافة وتشكلها والتعدد ومزاياه، فيحاربونا بما هو أسوأ: بالقتل والاعتقال والتشريد والعزل!
لقد ظلت وستظل قطاعات شاسعة من السودانيين (تصلي بلسان (ربما هي لا تفهم قواعده ولا بلاغته، بينما (تغني بلسان) آخر تستعذب فيه الاغنيات ومشاعر الحب والانتماء، وما كانت ولن تكون طبعاً تلك "منقصة" في هويتهم ولا انتماءهم السوداني أو الديني، مهما كانت دياناتهم. أما "ذراري" وبنات وأبناء المهاجرين فهم ليسوا بـ"السودانييون الجدد" كما يصفهم كمال، ولا هم بـ "البريطانيين القدامى" ولا "الأمريكان السوادِنة" كما سيحاول البعض تعليبهم. بل هم أبناء هذا المزيج الثقافي المعقد والجميل الذي هيأته لهم مصادفات الجغرافيا والتاريخ الحديث لواقع العالم اليوم.
من ناحية أخرى، واستلافاً للتعبير السحيق الذي استخدمه كمال فإن "حلب القعود" المؤكد في رأي هو في الحقيقة ما تمارسه بعض النخب الكاتبة باللغة العربية والمتأدبة ببعض آدابها المفارقة للتاريخ. فكم من الوقت والجهد ستحتاج اللغة العربية المنتَجة اليوم لتتواءم مع قيم احترام حقوق المتحدثين باللغات الأخرى وثقافاتهم؟ كم ستحتاج لتلحق – في تعبيريتها وبلاغتها – بقطار احترام تعدد الهويات والمنطلقات والأعراق والانتماءات ؟ كم من الوقت لتستوعب الأمة الواحدة "غير المتوحدة" أن الرسالة الخالدة الوحيدة هي رسالة تنجزها كل الحضارة الإنسانية المتطلعة للسلام وتوطين المحبة والقبول؟ لقد قعدت هذه النخب بوضوح عن توطين معرفة الإنسانية العلمية بالوجود الزماني والمكاني في تفسير ظواهر الاكتساب اللغوي مثلاً ، وحتى عن استيعاب مشكلات الثقافة وتشكلاتها وتعقيداتها ، فأفسدت بعمد او دونه جهدنا المطلوب بشدة لقراءات علمية تعتمد الدراسات الاحصائية العالمة التي كانت ربما ستصف لنا بدقة واقع المهاجرين وأبناءهم وبناتهم، نجاحاتهم الحقيقية واشكالاتهم الحقة، لتقدم لنا التحليلات الفذة لفهمها واستيعابها، حتى لا تدفعنا النكبات المحزنة للقراءات العجولة المتسرعة.
(3)
لا اعتقد ان حقائق الأشياء تخفى على استاذنا كمال الجزولي وغيره ممن يدفعون بصورة قاتمة عن واقع المهاجرين والمهاجرات السودانيين بالخارج في طرح آرائهم عن حال اكتساب وتعلم العربية لدى بناتنا وابناءنا "المزادين" بالخارج (والمُزادين بلغة المغاربة العربية – الراطنة؟ – هم المولودين). فكما أسلفنا تلميحاً فإن توطن اللغة واكتسابها هو مسألة أولتها البحوث اللسانية جهدها العلمي المؤسس، ليس من باب الدفاع والمنافحة عن الهويات بل للاحاطة العلمية بهذه العملية التي تحفها ظروف معقدة مثل نظم التعليم وطبيعة الإنتاج الإعلامي وتطور اللغة نفسها كلغة. ومثل هذه الدراسات لا تغفل أيضاً دور المجتمع الصغير المكون من الأطفال والأب والأم في تلقي ما يسمى باللغة "الأم".
ولكن بدلاً من التعاطي العلمي والواعي بهذه الظاهرة السوسيولوجية اللسانية المعقدة آثر الأستاذ كمال أن يرد الأمر إلى ما يصفه بقوله: "لكأنَّهم قنعوا بما يجدون في اللغة الأجنبيَّة من معاوضة، أو ربَّما من مصدر للتَّباهي بما اكتسب هؤلاء الذراري من ألسنة جديدة، ناهيك عن غير القليل من الإحساس بعدم خلوِّ الأمر من قَدَر مسطور تابع لما قبله من نازلات تتاليْن على هؤلاء الأهل والأصدقاء والمعارف". وهو هنا يكرر ما جادت به قريحة الدكتور محمد جلال هاشم في مقالته قليلة الحساسية فقيرة التناول العلمي والتي تصف عموم الآباء والأمهات بأنهم:
"عاشوا في غالبهم الأعمّ منذ لحظاتهم الأولى في زهو ووهم أنهم قد تخلصوا من جحيم سودانهم وأنهم الآن قد أصبحوا يرفلون في نعيم الحياة الغربية، فضلاً عن الزهو بأن أطفالهم قد أصبحوا يتحدثون اللغات الغربية التي لا يقدرون هم عليها بنفس الطلاقة، طلاقة من نشأ عليها وما شابه ذلك من أوهام لا يمكن أن تتلبّس إلا ذوي الأحلام العصافيرية."
لا يعتمد قول د. جلال هاشم أو أشارة الأستاذ كمال التي يخففها بـ"ربما" خجولة عن "تباهي" الآباء بنطق أبناءهم باللغات الأجنبية أو غيرها على أدنى تفهُّم حسَّاس لهذه اللحظات الحميمة التي يبتهج فيها الوالدان بمحاولات النطق الأولى لـ"ذراريهم"، فهم "سيتباهون" بها ويحبونها حتى ولو نطق أطفالهم بلسان الطير! فكم ابتهج وتباهى أب وأم من المهاجرين أو غير المهاجرين بنطق طفلهما لكلماته الأولى المتعثرة. لكن الواقع الذي يعرفه المهاجرون السودانيون الممزقون فعلاً وعاطفة بين أماكن صباهم ومواقع هجراتهم الصعبة، هو التباهي بنطق أولادهم بالعربية خصوصاً، وهي للمفارقة تشبه كثيراً "عربية جوبا" التي أوسعها المتعالون في ماضي الأيام سخرية وتندراً! لكن الأهم أن قول الرجلين لا يتأسس على الاستيعاب اللازم لكون اللغة العربية لن تكون أبداً اللغة "الأم" لهؤلاء الأطفال، وأن لغة تفكيرهم وتركيبهم للقيم والمعاني والتصورات ستكون دائماً هي اللغة الأكثر تجذراً في حياتهم التعليمية والتثقيفية التي ينتجها المحيط الذين يتنفسون داخله ويأكلون ويشربون! وهذه بداهات نضطر لنشرها اضطراراً طبعاً. غير أنَّ المؤسف هنا هو أن كلا الكاتبين وغيرهما من المتكلمين في فضاءات التواصل الاجتماعي انطلقوا جميعاً من حادثة انضمام "عدد من أبناء المهاجرين السودانيين لتنظيم داعش" ليجعلوا منها ظاهرة تمثل حالة عامة وتخلُّق شاسع على مجمل فضاء المجتمعات السودانيين المهاجرة! ترى ما هي الإحصاءات الدقيقة أو التقريبية التي اعتمد عليها هؤلاء المتكلمون لرسم هذه الصورة العامة؟ كم هو العدد "التقريبي" للمتأثرين من الشباب ذوي الأصول السودانية بأفكار داعش في دول أوربا والولايات المتحدة مثلاً، لحد أن ينضموا إليها؟ ما هي البحوث والاستطلاعات التي اعتمدوها ليصلوا لهذه النتائج، أم هو "حلب القعود" للحدث الذي تناولته وسائل الإعلام الغربية، والعربية التي تعمل وفق أجندة "الخبر الرويتري" والأسوشييتيد برس، والذي لا يصلح بالطبع بديلاً للبحث والتقصي والاستطلاع العلمي؟ بل، للمقارنة العلمية الفاحصة، فلنعد للوراء قليلاً فقط لداعشنا الذي صنعناه بأيدينا في التسعينات: كم عدد الشباب المجاهد – الناطق بالعربية ، لسان الأمهات والأباء – الذين قضوا في أحراش الجنوب، حرباً لـ"كفارنا المحليين" ولداعميهم من الكفار الروس والأمريكيين الذين دنا عذابهم ولم يأتِ أبداً؟ كم هم حقاً؟ ألف، ألفان، خمسة عشر ألفاً؟ وماذا ستقول لنا هذه الأرقام المفقودة عن دور اللغة – غياباً وحضوراً – في صنع الفكر الداعشي أو الجهادي أو التعصب الديني عموماً؟
(4)
لقد استعان الأستاذ كمال – مدفوعاً ربما بالرغبة في الحصول على فهم أكثر عقلانية وعلمية لفهم الأحداث المحزنة التي أصابتنا في مصاب هذه الأسرة الصديقة – بمحاولة الدكتور أحمد هاشم أحمد من كليَّة الملكة ميري للطبِّ وطبِّ الأسنان بجامعة لندن عقلنة الحدث بإشارته لفرض بعض الأسر السودانية المهاجرة دراسة الطب على أبنائها وبناتها، تقديماً لرغبات الآباء على تطلعات الأبناء وما يولده ذلك من تناقض واحباطات في نفوس هؤلاء الشباب. ورغم اختلافي مع هذه القراءة إلا أنني أحمد لكمال وللدكتور أحمد محاولة عقلنة جانب من الأمر على هذه الشاكلة. لكن إضافة كمال بصوت متشكك حول "دور أجهزة الاستخبارات الغربيَّة عموماً، والأمريكيَّة والبريطانيَّة خصوصاً، والتُّركيَّة بالأخص، والسُّودانيَّة في السِّياق" في غضها الطرف عن "طلاب يجيئون من لندن إلى الخرطوم، ثم يغادرون عبر مطار الخرطوم إلى استنبول، ثم يستقلون السَّيَّارات إلى الحدود مع سوريا، ثم يلتحقون، من هناك، بدل المرَّة ألف مرَّة، بالمناطق التي يسيطر عليها الإرهابيُّون في سوريا والعراق" يعيدنا إلى استسهالنا الغريب لنشر المعلومات والإحصاءات غير الموثقة، لنضيف لها من عندنا الأصفار والآلاف! وهذه لعمري إشاعة للأخبار غير الدقيقة والتي قد تتسأس عليها التصورات والافتراضات. لكن ربما هي الغصة وضربة الحزن والإحباط التي يصيبنا بها مثل خبر مقتل الشاب الغض محمود الذي أصابنا بأحزان لا حصرلها ... الفقد واحد ، وجبر الله الكسر.

أيمـن تابـر
واشنطن - 15مايو 2015
أضف رد جديد