بنات الشيخ - قصة لنجلاء التوم

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

بنات الشيخ - قصة لنجلاء التوم

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »


استأذنت الشاعرة الكاتبة المبدعة نجلاء التوم، في نشر قصتها هذه بالمنابر؛ كانت قبل يومين أرسلتها لي بالبريد، وها أنذا ابتدر النشر
بنات الشيخ
عَرفت ديارُ الشايقية، في تاريخ غيوب البركل، بنات الشيخ. سبعة كلبات يظهرن مجتمعات ليلة الأربعين في بيت البكا، بعد منتصف الليل، و لا يُطوى فُراش البكا حتي يتحقق الوعد. ساعة الزيارة ناشزٌ تُهمبت الليل، لحظةٌ غلفاء نُشلتْ من جَيب الغيب تدخل فيها الكلبات السبع- وكلهن مرضعات ذوات عرج- من الباب الكبير، يتجهن بجنان ثابت إلى نص الحوش. الأعينُ حسيرةٌ، والليلُ مسرحٌ جروُحِيُّ مهيأ لعذاب نظيف. يبدأ عواء حزين، متزن، فيه رضا المعطوب. يتصاعد بدقة إلى الغيبوبة، إلى الرفض، إلى خلية في أقصى نقطة تُستثنى من البتر في الذراع، خلية لا تعرف تصدق البتر، صراخ صراخ صراخ الحوش ماعونه اتمسح، فاض عبر الفرقات بين الأجساد، احتل موضع التحسس الخفيف بين العَرَق وغَبشَة من أصل الجلد، شَفَطَ الفراغات بين ذلك و ذرات العتمة، وبدأت غزوة موجعة تهصر الأبدان بضغط صوتي جسيم يترك كل جسد في بلبلة تخصه. لا يعُد الحزن جنة مشتركة. لكن، هناك رحمة الارتجاف. تحتك الأجساد و رعبها، تحتك مع الهواء كتابة إبَريَّة في دفتر اللهاث: الجسد مكتوب في هالة عَرَضية تحفظه من ذاته.كتابة آلية بلا جوهر، مجرد تسميع، نقل الفرائص إلى الفضاء وبالعكس، إلى مالا نهاية.بعد وهلة تقصر وتطول تُناخ الصرخات في الأنين، هنهنات، شوال العَوَّة في آخره، تسقط آخر صرخة في ميزان النحاس، يميل ما يميل جهة الغيبوبة. عندها يتبقع الهواء بسرابات ظمئية، الليل صحراء ممتدة تنضح تعدد الشمس، لا ظل، والبؤبؤ في حراسة الضوء سجين مشحوط، تقوم ست البكا من مكانها وتجلس في طرف البرش، تنفض من شعرها تراب ورماد تكندكت به منذ ولادتها. تتدحرج الرملات واحدة واحدة إلى مصير مجهول. البؤبؤ يُحصي. الرماد يحُلِّق مشدوداً إلى لا فكاك. تشد المرة القنجة وتتحزم صبر مستعر. تضرب على كتفها لتقول أنها ستشيل الشيلة التقيلة، ثم تستأذن في بكاء أخير عادة ما يكون أمَرَّ من بكاء الساعة الأولى. تطأطي الكلبات في خشوع . البكاء الأخير يكذب حاديته، ليس أخيراً، إلا في ربوبية معصومة من الزمن، مطمورة محروقة تنفث دخاخينها في عين القلب .... إن العين لتدمع القلب و القلب يدمع العين، سلخانة شعواء يتهتك فيها الفقد. ذلك لزمن غير معلوم يتواتر فيه الخسف، فجأةً عواء حاد قصير. بنات الشيخ قعدن ولا قامن؟ حركة سرية سريعة في لوحة الخيال من يجرؤ على النظر؟ يتراجع الحزن درجة يحتلها الفزع، يتدحرج صمت المخنوق. هي وهلة، يقطعها صوت كبرى النسوان، صوت مدرب على القتال:
- كتر خيركن يا بنات الشيخ، انحنا راضين بقسمة ربنا. البكا من الليلة مرفوع. دحين دا لبن من بقرة المرحوم حلال بلال، شيلنو وادنو للنفسا المحرومة، كان هنا كان في تسني، صدقة جارية وأجر ثابت بإذن الله. اذنكن معاكن ولبنا في المشلعيب لا حارس لا رقيب .
تتردد لولهة ثم تنشب:
- البكا مرفوع والقدم لا محفور ولا مطبوع.
ثم يعلق مشلعيب إضافي في مرق الراكوبة توضع فيه ليلياً لسبعة أشهر كورة كبيرة من اللبن تأخذها بنات الشيخ خلسة للنفسا المعسرة في ارض غير معروفة. الصمت الكثيف يضخم صوت الأنفاس طالعة نازلة في الحيرة والشك. كان الشك هو الستارة التي تحمي تلك البقعة المعزولة من القيامة. وفيما تتبع الإجراءات بصرامة كان الجميع، في أعماقهم، يعرفون أنهم نيام، وأن هذه الكلمات تفور في ذاكرة شخص ما يحلمون به. شخص يعرفونه ولا يعرفونه، لكنه يساكنهم في كوابيس متناسخة. لذلك فقط يحرصون على السكون؛ كل حركة لا تنقذ من الكابوس تعضده. فقط الأنفاس- لكن حتى ذلك كثير جداً وخطر- ثقيلة تتدحرج بين غمار الرئة والأنف. رجة مفاجئة تعيد الأعين إلى التحديق في المسافة بين الكلاب و البرش، صوت انفجار داخلي غامض يدرك أنه قلب انفجر من شدة اللحظة، لكن قلب من؟ يا ربي دا قلبي؟ يتعضد الكابوس في حركة معوية تثقب الصمت، تجشؤ؟ الآن؟ تنتفض الكلبات، سبعة أعناق مشرئبة قلقة تحرس الفتك .يلمع جلدهن الأسود حتى يقوم شعر النسوان خشيةً و تملأ أعينهن الدموع. يتحلل الأمل في النجاة إلى المزيد من الدموع. في اللحظة التي يسيطر فيها اليأس، الأعين آبار جوفية تتخرج من جوفها غيوم الفضة، تبدأ الكلبات بالانسحاب واحدة واحدة مشياً على بقع محفوظة وصولاً إلى الباب. بمغادرة الكلبة الأخيرة تشرب الرملة تلك اللحظة بسكينها ولا يتبقى إلا صناج العرج. كورة اللبن الأولى تغيب عن المشلعيب. القلب المنفجر يتابع حركة الصمت في نزفه.عطسة عصبية تكسر دائرة السحر. صوت الليل المألوف يحتل الفراغ المفغور ويتعالى أخيراً شخير أو ظراط أحدهم. الحياة عادت إلى عفونتها الضرورية، والقلوب ارتدت حسيرة إلى الجسوم. عندها يُطوى الفُراش، تُصف العناقريب للنوم، ولا ينام أياً كان على الأرض تلك الليلة، ولا ينام أياً كان؛ خوفاً من كزلك الكابوس.
محمد عبد الجليل الشفيع
مشاركات: 155
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 11:11 am

مشاركة بواسطة محمد عبد الجليل الشفيع »

الأعينُ حسيرةٌ، والليلُ مسرحٌ جروُحِيُّ مهيأ لعذاب نظيف. يبدأ عواء حزين، متزن، فيه رضا المعطوب. يتصاعد بدقة إلى الغيبوبة، إلى الرفض، إلى خلية في أقصى نقطة تُستثنى من البتر في الذراع، خلية لا تعرف تصدق البتر،

===========================
الكتابة كنز بلا نهاية ..
لك الشكر ولنجلاء
معذرة للإكتفاء بأجر (القراية)
أضف رد جديد