يوم القراءة العالمي، الساحة الخضراء، 23 أبريل، الخرطوم..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå
مشاركات: 269
اشترك في: السبت فبراير 03, 2007 10:38 am

يوم القراءة العالمي، الساحة الخضراء، 23 أبريل، الخرطوم..

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå »

...

يوم القراءة العالمي
(حياة واحدة لا تكفي)!!
الساحة الخضراء
الثلاثاء 23 أبريل 2013م
جمعية تعليم بلا حدود

(1-5)

بقلم عبدالغني كرم الله

-1-

مقدمة:أي أثر تخلقه القراءة بالروح؟..

وأنا أمضي، لسوق القراءة، سوق عكاظ أسمر، في يومها العالمي، تذكرت ماضيها في وجداني، وما تركته من فرح، وسهر، وأسى، في قلبي، برز لي وجه تختخ السمين، ولوزة، ودراجة الشاويش علي، كما لاح لي الحلاج، من بين سطور كتابه الطواسين، حين قرأته في بيت خالي، كتاب بديع، غامض، وفي طريقي للبيت، وخمرة القراءة دارت برأسي، كنت انتظر أن تحط الطيور على كتفي، كما حطت على كتف الحلاج، وتخضع الغيوم لأوامري، مثلما سمعت وصايا الشيخ عبدالسيد، في أبي حراز، ونزلت، بل هطلت بعناية شديدة، في حقول أوصابها بها، وأشم عطر الضوء كحواس السيد بوذا، ولكني رجعت حزينا، لم أشم، أو أسمع خواطر الزهور، ولم تحط على كتفي، ولو فراشة مجنونة، مغامرة، فشعرت بهوان، وبأسى، وأن القراءة عن الخمر، لا تفضي إلى السكر، ولكنها تركت في قلبي دافع غريب، وتحريض أن أكون، كما أبغي، واريد، وهيهات، ولكني ضحكت على سذاجة الشاويش علي، وهو الشرطي النشيط، البليد, تعلمت من المغامرين، أن الحل في العقل، وليس عضلات الساعد، والقوى الغاشمة!!

كنت أتلتفت حولي، وأنا بقيمص الدمور البسيط، أن تحبني آمنة بنت سعيد، كما أحبت نعمة الزين الدوريش، القبيح، فلم لا، ولكن وصلت الدار، وقلبي فارغ من عشق آمنة، كفؤاد أم موسى، وكتفي لا يحمل سوى عظم ترقوة نحيفة، ولكن كنت ممتلئ بالفضول، والأعجاب لشخصيات روائية، حية، في نصوص صارمة الصنع، والسبك، شعرت بأنها جزء من الحياة، أي القراءة، مثل الجبل، والرياح، والشهيق، حقا (حياة واحدة لا تكفي)، فلم لا نتلصص برفق، وتأني على حيوات عشات بعيدا عنا، في التاريخ وفي المكان، وفي مقامات المعرفة، والحس، والتحليل، وحفظت حية في متون الكتب، والمكتبات، في سفر القراءة المباركة..

مرت بخاطري، مئات الكتب، ألوانها، أغلفتها، عوالمها، روائحها، حالات سرحان بين فصل وآخر، حتى وجدت نفسي قبالة البوابة الجنوبية للساحة الخضراء، مرت فوق عشرات الطائرات وهي تهبط مطار الخرطوم، ولم أشعر بها، وبإزعاجها، لأن لغط دواخلي الصامت، كان أعلى منها جميعا..

من بعيد، وأنا أدلف قلب الساحة الخضراء، رأيت حلقات ذكر، حلقات فكر، حلقات قراءة جماعية، كبيضة رخ سمراء، تقرفص الشباب والبنات، بألوان زاهية، وفي حجورهم، ثروة صامتة، لها ألف لسان، تتصفح أناملهم، وهم منكبين في ركوع لطيف، حيوات بلاد وعباد، وعقول، ضمرت بحنايا كتب أدبية، وفكرية، وسياسية، رفت في عقولهم شروحات وتأويلات للمقروء، شعرت بعزة نفس، (في حضرة جمالك يطيب الجلوس) ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وتحيا بلادي، نحن قوم من بلاد نعرف القراءة، ومسراتها، وسرها، من خمسة ألف عام، كتبت مشاعرها، ورسمت حلمها، وتأملت حالها ومآلها، في المعابد، والمدافن، والقصور، وورق البردى، وعلى الأرض والرمل، بل في وشم خصور النساء وكتوف الرجال، دونت إشراقات قلبها، وحيرة عقلها، وفضول نفسها الخلاق، وطن تقلب في صلب التاريخ، بحثا عن معنى، وعن جمال، وعن حياة كريمة، وسعيدة، كعادة الدهر، بأرضنا، وبكل الأراضي، وهو يجري من أزل، برفق وتأني وحكمة، حينا، وتهور وقهر حينا آخر، ولكن حين نتفرسه، "أي الدهر"، نشعر بغرابته، وبأنه شاعر غريب الأطوار، يضمر في وقائعه رموز وكنايات، تستحق الرصد والدرس، بل والحب، فشكر الصنعة، شكر الصانع، تأمله ابن خلدون، وتأمله ماركس، وتأمله الحلاج، والطيب، ونجيب، ويحي حقي، ويا للعجب، يتبدى في شكول ولبوس، كأنه يكره ملل التشبيه، وينشد التلون المحمود، (ويبوح لعشاقه: كل يدعى وصلا بليلى، وليلى لا تقر بدلك،)، في تمنع وغنج فكري عريق، وأظنه (أي الدهر)، صنعة صارمة الصنع، أعيت الرسل والمفكرين، في فهم مقصدها، ودربها، فقالوا، بصيغ مختلفة، وألسنه متباينة (وقل رب زدني علما)، أو اللهم أرني الأشياء كما هي (وليس كما تتراءى للحواس، وطرائق التفكر مهما سمت، وتأنت، وتعمقت، كشأن القراءات الكثر له، والتأويلات الأكثر بشأنه)، كما قال هرقليس، والنبي معا، بإختلاف الصيغ، وإتلاف المعنى، (لن تعبر النهر مرتين)، حتى يمكننا أن نقول، أن الحياة كتاب مسطور، بل ديوان شعر، حمال أوجه، وتأويلات، كل قصيدة لها مرامي، وكل بيت له كناية، وشعوب الأرض كلها، قراء كرام، فمرحبا بنا في نادي القراء، للكتاب الأكبر، الحياة، والطبيعة، والكتاب الأجمل، الجسم البشري، وأعظم قصيدة كتبت في الورى هي "القلب، والعقل"، سطرت بمداد من روح، في ضلوع كل كائن بشري، ينشد الحق والجمال والفضيلة، مع تبيان الإحساس، والعاطفة من قلب لآخر، في العمق، والشمول!!.

بركات القراءة:

كم أتعجب، حين يقترب شخص، مني، بلا سابق معرفة، أقرب من حبل الوريد، ويحكي لي بطيبة خاطر، وبصدق طفولي همومه وخواطره، وحماقته، وتلك الخواطر العبثية عن الكون، والحياة، التي تمور في هواجسه، ووسواسه الباطني، ثم تغزله فيما حوله من أحياء وأشياء، ثم غرابة فهمه، وجهله، معترفا بقدم العالم وحداثة العقل، تلكم هي الشخصيات الروائية، التي تنسل من الكتب، كحورية سمراء، وتحكي لك بصدق، كأنك كاهن في كرسي الاعتراف، فتحس معها بإلفة غريبة كم نحن نتشابه في الدواخل، فذات الخواطر تمور بحنايا النفس، حنايا التركي، والمجري، والنوبي، والنيجيري، فلم الخوف؟ كل منا، يدس ما فيه، في سريرته، ويعلن سيرة مختلفة، كي يبدو بطلا، خارقا، وهو يجفل من صفير الصافر!!..


نوسع نفوسنا، نحن القراء، بشخصيات روائية، تكون قريبة منا، أقرب من الكتاب الذي على صدرك نفسه، موطنها، أو على حجرك، تقترب منا بصورة غريبة، كي تهمس لك ، رغم أنها مخلوقة من مادة الخيال والتذكر، فإنها تعبر عن دواخلنا، أو بعض منا، حيث تمتاز بالجراءة، وطرح سيرتها، لشمس الفكر، وللحياة، والتحليل، بفطرة بوح سلمية، وجدان وله يعانق وجدان صادق، فنحس بتلكم الحميمة الرائعة، تلك الومضة الشعرية، المحسوسة، بيننا نحن بني آدم، التي بترت منا، بسوء ظن كل منا، في الآخر، من آلاف السنين، حتى صرنا جزر معزولة، عن بعضنا، رغم سراب الجيرة الكاذب، والالتصاق المكاني، ولكنت نبعد عن بعضنا، آلاف السنين الضوئية كأرواح، تلكم لأرواح، التي تسكننا، نائية في الحنايا، وحين تعثر على فرد، يحكي لك بصدق، برئ، طفولي، فأنك تصغي له بكليتك، بجمعية بنيتك، قلبك، وعقلك، وجسمك، حتى يغدو السماع فعلا، ولحنا، يسري في جسمك، كالضوء، كأنك عثرت على صديق حليم، نبيل، يثق فيك، ويهبك السلام الحقيقي، سلام المحبة والإعتراف، حين شك الكون بأسره فيك، وخبأ عنك، في سريرته، ما يجعلك لا تعرفه، وتنكره، بتعدد الطباع فيه، وفيك، ولكن القراءة، تعطيك بنبل، عبر بوح شخصياتها لك، كأنك نبي، أو كاهن موقر في غرفة الاعتراف، فيزيد اصغائك، له، ولك، معا، فالإصغاء فعل إبداعي مشترك، وهو يحكي لك سيرته، وأساريره، ويتلاقى نور حدسك، مع ضياء بوحه، فتشتعل الأخوة الإنسانية، بين شخص حقيقي، وآخر متوهم، أجمل ما يكون، لأنه ظل الغيب فيك، وما كمن فيه، فيسترسل في طرح همومه بصدق، وخطاياه، بصدق وتجرد، ومحبة، فتحس بجمال أخوه، فقدت مند أن قتل هابيل قابيل، حميمة أسرة واحدة، أمها القلب، وأبيها الفكر، وكلها منطوية بين ضلوعنا، ولكن أيدي سبأ التربية، وأنماط العيش، وسوء الظن، تفرقت بنا، في شعاب كثر، نور الشمس غير قادر على قص دربها، أيدي سبأ نحن..

ولكن تجمع القراءة شملنا، بقبيل صادق، من الشخصيات الروائية، ولو في تهوره، حتى أننا نرفق بالشخوص الروائية، ونبكي في دخيلتنا معها، ونتعجب من قدرتها، على طرح همومهما، بل ورعوناتها، وخواطرها (مثل دون كيشون، ومصطفى سعيد، وميرسو، وسانتياغو) أي كانت، ولا تجعلها تعيش كخواطر سجنية في ظلمة الأحشاء، تئن، وتصرخ، وتؤذي سلامة النفس، وتتبدى في شكول من البؤس، والكآبة الكامنة، الخافية، فتبدو في أساريرنا، دلالة مرض، وعقد، ولكن في الحياة الروائية، تعبر الشخوص بلا خوف أو وجل مثلنا، (الاعتراف الذنب فضيلة) ونحن نبطنها بمكر، كي نبدو "إبطالا"، في عيون الناس، كل على حده، "فما أعجب التركيب الخلقي، والمعياري لمجتمعنا المعاصر، وتصوره للبطولة"، ولكن البطولة ان نعترف بقدراتنا كما هي، فالزيادة كالنقصان، كي نعرج في درب التطور النفسي، والفكري والخلقي، كما نحن، وليس كما يتراءى لنا، ولدا كنا نحب دون كيشوت، أهو هازئ، أم عوير؟ أم مجنون؟ بل نظنه مفكر عظيم، يسرج السخرية كي نصحو من رتابة تكفيرنا، وتمثيلنا اليومي، كأننا في مسرح واقعي، نمثل حتى على أنفسنا، وهو لم يحارب طواحين الهواء، لأنها بمثابة حياتنا، طاحونة هواء، تطحن الهواء، بريش مروحة ضخمة، وتترك القمح، يابسا، في الصحن، فنحس بأن دون كيشوت، هو صنو سقراط، ورسل الشرق، كلهم ، ناقوس يدق، في نومنا، نوم الغفلة، والركود، وان كنا مجازا في صحو كاذب، كي نصحو، ومن عجب (أن نصحو من حياتنا)، لحياة كامنة فينا، أجمل وأنبل، فنوقر القراءة، حوار أبدي، بين موتى مجازا، وأحياء مجازا..

جريدة القرار اليوم السبت، يتبع (1- 5)

....
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå
مشاركات: 269
اشترك في: السبت فبراير 03, 2007 10:38 am

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå »

...

يوم القراءة العالمي
(حياة واحدة لا تكفي)!!
الساحة الخضراء
الثلاثاء 23 أبريل 2013م
جمعية شباب تعليم بلا حدود
(2-5)
بقلم عبدالغني كرم الله


-2-


للحق، لو لا بركات القراءة، لما تكمن فرويد من صياغة نظريته، وبأن للأنسان جوهر خفي، هو من يفرض صيغ وأساليب ونمط حياة بني آدم، وهم لا يشعرون، فقد قرأ بنهم أدب ديستفوسكي، الكاتب العريق، في تحليل النفس البشرية، وخواطرها، ورد فعلها، وحلمها، فقد سطر شخصيات خالدة، في عرف الأدب الإنساني، رسمها بعبقرية من يفهم أصل وطبع وسلوك بني آدم، وأظنه اكتشف، "الهو، والأنا، والأنا الأعلى"، لاشك من نفسه، ومن تصريح شخصيات الأدب، عن خواطرها المتناقضة، في أمر واحد.

نكاد نقسم بأن "علم النفس"، ولد ونما، وبزغ من أفق الأدب والروايات، حيث الشخصيات الروائية لا تحتاج لتداعي حر، أو تنويم مغناطيسي، فهي تقول ما يحلو لها، وتنشد أن تحيا وفق دوافعها الذاتية، بعيدة عن العرف، أو حتى الضمير المغيب، بل دلق نفسي، لمن يسمع نبع الحياة الفطري، المندلق من غرائز قديمة، ومن بركات القراءة الذكية، ظهر علم النفس، وكثيرا ما يرجع فرويد في تشخيصاته لشخصيات روائية، (أدويب، وعقدته، وألكترا)، وغيرها من الحكايات الخيالية، أو قل المستترة بالخيال، المحكية على لسان أقنعة "روائية"، وقد تكون هي رأي الكاتب، أو المؤلف، أو الشاعر، كما حكى نجيب محفوظ، في روايته القصيرة (ابن فطومة)، سطر أراء من الصعب أن يقولها في عالم الأزهر، والمجتمع المصري المحافظ، جدا.

ولكن الكتاب العظيم، دو القلم الجيد، القوي، حين يمضي وراء الكتابة الأصيلة، يكتشف، هو نفسه، في أعماقه عوالم بكر، لم يكن يحسبها تمور فيه، لو صدق التعبير عما يجيش في النفس، والإصفاء لغناء، أو أنين البواطن، من إنفعالات قديمة، موروثة ما قبل الطين، وما بعده، حين أستلتنا قوى رهيبة، غريبة، ونسجت أمشاجنا، بحرفية عالية، ثم انصبنا، نسعى ونقلب الطرف في السماء، وفينا، وتلك الرحلة، التي قطعناها، في درب الخلق، تجعل من الكتابة، والقراءة، رسل في تقصي الأمر، الأمر الإنساني، والتعبير عنه، تعبير الحياة عن نفسها، في شكول الغرائز، أو الأدب، والرقص، وكل فعل بشري، قسري، غريزي، أو لطيف متحضر...

أما رواية (الجريمة والعقاب) فإن تداعايتها، حتى اليوم، دخلت في نشاط وفكر العقوبة، في البلدان والسجون، فالقاتل، يعاقب (من تقريع ضميره المغيب)، بصورة أبشع من قبضان السجون، كأن فينا نورا خافضا، يشتعل حين نتركب معصية، أو هفوة، فيشتعل، ويطارد الظلمة في أجرامنا، فبطل الحكاية (الجريمة والعقاب)، بعد أن ارتكب جريمته، فتح كوة للاستغفار والندم، وكأنه درويش تحت جبة ابن عطاء الله (رب معصية تولد في النفس دل وانكسار، خير من طاعة تولد في النفس عز واستكبار)، فقد استيقظ الخير فيه (وهو أصيل)، من ركام الخطيئة الجاثمة على حواش العقل، وليس سويداء القلب (حيث المحبة المطلقة، كامنة)، وتحن للتعبير عنه، الآن، أو غد (يتدفق نهر الزمن، نحو الأجمل دوما)، ألم يقل هو، أي ديستوفسكي (الجمال سينقذ العالم؟)، ..

فقد اقتحم ديستوفيسكي، عالم الجريمة، قبل ارتكابه، وأثناءه، وبعده، بصورة مفكر، وفيلسوف، وعالم نفس ماهر، جعل الجريمة، كأنها قدرا نفسيا، حين تقسو أنماط التربية، وغريزة الحقد، فيسير الخاطئ، بإملا عقله، وهواجسه، كالمسرنم، ثم تأتي لحظة التنفيذ، المخيفة، العادية معا، (ما أكثر جرائم العالم، فلم حدثت؟ ومن أناس عاديين)، ألقاه في اليم، مكتوفا من الأيدي، وقال له إياك إياك، أن تبتل بالماء، فجنون بني آدم، ينسج من أطراف بعيده عنه (مرحلة الجنين، التربية، الوضع الاقتصادي المتردئ)..

ثم تأتي لحظات ما بعد الجريمة، وهنا يمكن البناء النفسي العظيم، لروح ديستوفسكي نفسه، كعالم ماهر، أوغل في النفس البشرية، حد الإعجاب، ونصب نفسه، كأول رائد لعلم النفس الحديث، وليته يكرم كعالم نفس، مثل المتصوفة الكبار، اللدين اخلدوا في خلواتهم، على إدراك سر النفس البشرية، ومقاماتها السبع، من إمارة، مرورا باللوامة، والملهمة، حتى الكاملة، وأنجبت تجربتهم (لدى كل الشعوب)، نماذج بشرية فذة، في فكرها، وعمقها، ووضوحها الفكري، وإشراقات عاطفتها الأصيلة، وفكرها البواح..


ومن بركات الأدب، أن خلق لنا شخصيات تظهر مكنونها، وعالمها الباطني، وأفتتانها بالغريزة، وافتتانها بالصدق الفني العظيم، وامتعاضها من العرف، والمعتقد، فصارت مثالا للتحليل الطويل، من قبل النقاد، والعالم، حتى صارت وكأنها (أي الشخوص الروائية)، قرني استشعار، تحس بالخطر الماثل لبني آدم (الثورة الصناعية وقرف ابطال كافكا منها، مصطفى سعيد، وأمثولة الغرب والشرق، وميرسو، وحديث الخواطر المرة للاستمعار في الجزائر)، أما شخصية زوربا، فسأتمهمل معها، لأني أحبه، وأقدره، وأقسو عليه، معا (فالقراءة شأن ذاتي، يخصني)، ويخصكم، ودلك لنبلها وعظمتها، وسرها الباطني العظيم (اقرأ)، اقرأ، هي أول نداء أزلي، لأعظم يتيم دكي في الدنى، فتى قريش، وكان أميا، ولكن أقرأ، في تجلياتها العظيمة، تعني قراءة الكتاب المسطور، وهو كتاب الحياة، وجنها، وسرها، وقبورها، وحالها، ومآلها، وأظنه (محمد الصبي، فتى الغار)، أعظم من يوصى بتلك القراءة، التأويلية، لسطور الحياة، وحروف الكون، وللحق قرأ كتابها، وفهم سرها، وصار يحادث الشجر، ويعشق جبل أحد، ويسم بكاء النمل، ويتسامر مع الموتى في قبروهم، أعظم سمر، وأنبل حوار، وأغربه (أهل البقيع مثلكم، مقابر في طرف مكة)، ولقراءة السيرة النبوية مقام آخر، لو مد الله، في العمر، والمدد..

ففي مقام القراءة، نصادق تلكم الشخصيات، ولو كانت أليس في بلاد العجائب، تلكم الطفلة الأسطورية، فأنها تحكي عن حلمنا بالتحليق، والإختباء، والسير كحلم في بيداء الخيال الواقعي، وللحق لم يضع الناس جباههم، في كل الأديان، على الرغام، إلا من أجل الفردوس المنشود، وإطلاق القوى الحبيسة، والطاقات الكامنة، والأحلام المؤودة في بني أدم، كوضع الجنين في الرحم، واعتراف العقل بتواضعه الحسي، في لم المعرفة في جعبته، رغم انفه "من الرغام"،، وحين نجد شخصا يطير، ويعاند الجاذبية الأرضية، ويحس بألم الحصى، فإننا نوقره، ككائن ديني منشود، ونعزه، ونقتدي به، بطريقة من سار على الدرب وصل، ونحن على يقين، بأن سقف التطور لاحد له، (وفي المنتهى شد الرحال)...

ونعلم، بأن هناك شخصيات روائية مريضة، وبشجاعة باسلة اعترفت لنا، كما يعترف المريض للمحلل النفسي، كأنه وثق فينا، وفي قدراتنا، وفي حفظنا لسره، فنتعب معه، لأن هناك أمراض متفشية حولنا، في مصحات نفسية كثيرة، في أي مدن العالم، فنحس بالشصخية الروائية، كأنها تعاتبنا، كي نعالج من حولنا، وهم كانوا أسويا، ولكن نمط العيش، ومعضلات الوجود، وطبيعة المجتمع، أستلت سيوف بنية، أو بحسن نية، وقطعت نياط نفوسهم، ايدي سبأ، وفي القراءة، نتحسر على ضياع تلك النفوس، بين الكتب، أو بين ظهرنينا، فننشد السلام، والمحبة، في البيئة، وفي القلوب، كي يجد الفرد أعظم تشجيع، وأجمل حب، كي يمضي في درب الحياة سراجا منثيرا، وليس ضامرا دليلا، فنصنع مجمتع فاضلا، جميلا، لا يؤدي النفوس، في كل تجالياتها، ويحترم انماط السلوك المخلتفة، المبدعة، المثرية للحياة، والكون..

ورغم علمنا، أن شخصية دون كيشوت، إنه انسان هازئ فريد، ويرى ما لا يرى، ويصدق هواجسه، ويضحكنا، ويبيكنا، ويأزمنا، بل ويفتح عيونا كالفنجان، لواقع ايقنا انا عرفناه، ولكن نباغت بأن نجلهم، ومن جهل العزيز لا يعزه، فاننا نتعرف بأن دون كيشوت من أكثر الشخصيات (مع بعض شخصيات انطون تكيشوف) نقدا، وامتعاضا، من رتابة الحياة، والعيش، وطرائق التفكير، وأكثرهم تمردا على سلطان الاخلاق والمعرفة السائدة، الفكرية، والدينية، والاجتماعية، فهو "دون كيشوت"، صوت صارخ في البرية، (عدل حياتك، إن لم تعجبك).

ببركات القراءة، صار الماضي والحلم واقعا، ولا نحتاج لمعجزة، كي نزور الخرطوم في الثلاثينات، هل رأيت فتى أغر يتفرج بأسى على هدوء الخرطوم، مثل معاوية نور؟ أو التجاني؟ أو تلكم الفتاة اليونانية التي اثارت خليل فرح، فكتب ولحن كالهلال الهلا الناس عليها تحوم)، شبيك لبيك، الماضي بين يديك، للقراءة بركات عظيمة، وتخلق صداقات تفطر القلب بالمحبة، والعمق، والخيال..

أكرم محدثك بالإصغاء إليه:

يا إلهي، ما اغرب، وأجمل دلك، أن ميرسو يحكي لك، كما لو أنه وحده، أي أمن هدا؟ نحن نخاف من كشف حقيقتنا؟ فتأمل نقص حياتنا هده، يحكي ميرسو وهو لصقي كل شئ، بل ما لا يعرفه هو عن نفسه، فحين حكى، تداعى، وهو يأمن اصغاي، لأغوار فيه لم يحكيها حتى لنفسه، حتى أوشك أن يصل لتخوم الخواطر الأولى، التي تغلي، وتغني فينا، وتخاف من الهزوء والألتفات لغيرها، تلك الخوطر لتي تخلق الحياة، أو ما يسمى "حياة"، بكل حدوسها، وغرائزها، وثرائها، وغرابتها.

أكرم محدثك بالإصغاء إليه، لا نحن لا نصغي سوى لما نريد، ونرغب، أو نصغي لكلمات تمر عبر أقيسه، وموازين، وعي انغرس فينا، وصار كمنشور الزجاج، يفتت المرئي أيدي سبأ، كما يحلو له، بل قد يمنع أضواء من المرور، فيصير الأصغاء، هو أصغاء لما نريده أن نقوله، لما يراد قوله لنا، فينطمس حس التفاعل مع المنطوق والمجهور به، وتندثر عملية الأصغاء المباركة، ليتنا في حياد، كي نتفرج على انفسنا، وهي تصغي، ونكون بشجاعة ان نتعرف للأخر بفكره، واحاسيسه، ونغير، أن بدأ لنا قوة المنطوق ارائنا، وتعصبنا القبلي لأفكارنا، لأنها من دمنا، وعرقنا الشخصي، كي نقتل ثرثرة نفوسنا، الأعلى من الرعد، ونصغي لزقزقة عصافير الآخرين، والأكون، وحينها، نتعرف بالآخر، بعقله، ومشاعره، وكيانه المختلف، ليتنا....

وللمقال بقية...

الخرطوم/ الأزهري..

....
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå
مشاركات: 269
اشترك في: السبت فبراير 03, 2007 10:38 am

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå »

...

يوم القراءة العالمي
(لم أيها العقاد، أتغار من الفتى الأغر، الأعمق منك
)!!

(3-6)
بقلم عبدالغني كرم الله

-3-

حيوات، في حياة..

هل سمعت سنابك الخيول تخب في شارع الجمهورية الجميل، الهادئ، مقبلة من مخبز كوستا؟ في صباحات الثلاثين من القرن الفائت؟ تلكم هي ريشة المخضرم حسن نجيلة، وهو يرسم حياة الخرطوم الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية، في كتابه الرائع (ملامح من المجتمع السوداني)، فتصغي، من خلال كتابه لدار فوز، وألحان لأغنية جديدة، تسمي "عزة في هواك"، أو ترى الشاب خليل فرح، يتمشي وقربه تمر الحناطير، في حي راقي، خلف القصر الجمهوري، مع اصدقائه من أمدر، وتخرج خادمة بسيطة، يونانية، بيضاء، ممتلئة الساقين "كعود قصب السكر"، أظنها في طريقها لمخبز كوستا، أو متجر مليون صنف الشهير حينها، فيرنو الشاعر لها، ويباغته الفرح والإلهام (درة سالبنا عقولنا لبسوها طقوم، كالهلال الهللا الناس عليها تحوم، بين جناين الشاطي، وبين قصور الروم، حي زهرة روما وأبكي يامغروم)، أين قبرها الآن؟ وهل تعلم أن فرفور، والبنا، وثلة شباب الفنانين، يرددون غزلها ليوم الناس هدا؟ تلكم قصة سنرجع لها، في تأمل بسيط لكتاب (ملامح من المجمتع السوداني)، أما الآن، فلنفسح القلب والمجال لعبقري مظلوم، من بلاده، وأهله، وجيرانه، هل تعرفونه؟ المظلوم الأعظم، أنه معاوية نور...

صديقنا معاوية نور، أعظم عزاء له، أن نسمع صوته، من خلال قراءته، كي نصغي له، بعد فوات الأوان، ولا فوات في القراءة، وتلك بركتها، ولكن كنا نتمنى أن تصغى له الأجيال السابقة، وتمشي على نور فكره، وحداء قلبه العظيم، لكفينا شر عثرات سياسية واجتماعية وفكرية كثيرة، وقعنا فيها، على وجوهنا، وقفانا، نحن نمشي في ظلماء الهوس، وشحوب التقليد، ولكن لا كرامه، لنبي بين قومه، نهمل المبدع، ونغتال الفكر، بدل التوقير، والقديس، لكلاهما، وما تاريخنا الحديث، القريب، ومحاكمه ودفتر يوميات القضاء فيه، ببعيد عن رصد هده الهفوات العظيمة، في طفئ أنوار العقول، وحرمان زهور الاستنارة من ماء الحياة، وتمجيد الجهل، ومدح الغباء، والتقليد الأعمى...

كان معاوية، حالما، متمردا عظيما، يحن لحياة تقوم على الفكر والشعور النبيل، كان من أكثر الناس معرفة بنقص الحياة، لم تشغله حجب غرائزه ومتطلبات العيش، أن يرنو ببصره الحصيف، وينتقد شكل الرتابة، والوجدان، والمناهج الدراسية، والسياسية الاجتماعية التي تهيمن على الحياة السودانية الراكدة، أو العالمية برمتها، كان قارئ عظيم، للتراث البشري، وعظمته تتجلى في فهمه لما يقرأ، ونقده له، وتصويبه، ولكنه أهمل في مصر، وزاد الأهمال بين أهله، حتى نتعجب لم تركه العقاد، وهو يعرفه حق المعرفة، انه موهوب ودكي، وعظيم، ولكن لم يكتب عنه (سوى بعد رحيله)، قصيدة رثاء، في تأنيب للضمير ظاهر، ونحن نحس بأن معاوية ظلم، ظلما عظيما، لأنه كان أبي النفس، عظيم الموهوبة، لم يخاف من رواد الكتابة المصرية، بل انتقدهم، بقلم المرهف العبقري، في مواطن ضعفهم وسرقاتهم من الأدب الامريكي، وغيره، مثل المازني، وتيمور، وهم لدى المصرين، (منارات مقدسة، ملوك لا تعصى، أو تقدح)، لا أدري، ولكني أحس بأن العقاد غار منه، غيرة تعرفها النفوس، حين تجد من يفوقها فهما وتلميحا، رغم حداثة سنة، ولهدا الإهمال مقال آخر، وكان أجدى بالعقاد، والدي مدح هدا وداك، من مبدعي تلكم المرحلة، أن يسطر ولو مقال فيه (وأن كان معاوية معتدا بنفسه، عارفا عبقريته، سارحا عن غيره)، وللحق كان هو كدلك، لا يطلب مدحا، أو ثناء، سوى قول الحق (ودفع ثمنه)، فعاش بسيطا، محروما، حتى من "الطمعمية والخبز، في القاهرة، منكبا في الترجمة والتأليف في غرفة بسيطة"، والآن، وبعد مرور مائة على ميلاده، فإن كتبه، ومؤلفاته، لو كانت في بلاد تحترم الفكر، لطبعت بماء الدهب، وقدرت، إيما تقدير، لفصاحته، ونبله، وقدرات النقدية والإبداعية الباهرة، وتجسيده للعبقرية السودانية المبكرة، وللحس الوطني النبيل.

ونحن نطلع على اعماله الكاملة، نشعر برجل مفكر، في بدء طريقه، لنقد الحياة برمتها، من رقيص راقصة روسية، وحتى اسلوب العيش في الخرطوم، وطرائق التفكير، والادب الروسي، بل حتى كتابة القصة والحكاية، كما تجلت في قصصه الرائعة (امدرمان مدينة السراب والحنين)، والقصة الرائعة، الساخرة (ايمان)، والتي تنبذ، من خلالها بطلها العجيب، ان نكون ببغاء، نردد جينات اهلنا، ومفاهيمهم، ونحن لم نخلق إلا أن نكون كما نحن، وليس كما يراد لنا، فبطل قصته المثقف الشعبي، ظل يردد ما يقال في حلقات الفكر، والنقاش، ومن عجب الأمور، وجد كل شريحة تمجد أشياء مختلفة، وتنقض ما تمجدها الحلقة الأخرى، وأنتهى به المقال أن أنكر كل شئ، حتى حين قيل له، وهو على فراش الموت (قل لا إله إلا الله)، لم يحب أن يرددها كببغاء، معهم، بل شك في مقولتهم، ما ألطفها من قصة، وما أعمقها من حكاية، لكسر جمود التقليد، في أعتى ما نملك من تراث، وهو الدين، ولكن فليكن دين قائم على فهمك، وشعورك، وإيمانك الداتي، وليس (أنا وجدنا ابائنا)، و (طنوا أنفسكم"، ولا تكونوا إمعه، ولا اظن، في تاريخنا الروحي، ضرر، مثل السير كالدواب، خلف رجال دين، بلا دين، فالدين أمر شخصي، لا تزر وازرة وزر أخرى، أبدا، "أنت وربك"، فتأمل، وأظن تكلم ثورة معاوية، أن تكون مواطن صالحا، معاناها ان تكون مواطن مشارك، وفاعل، وحر، ومسئول، عن كلمة تقولها، أو تفعلها، أو تؤمن بها، وتلك هي إيحاءات قصته القصيرة، الموحية "إيمان"..

أما قصته (في القطار)، فأتركم تستمتعوا بها، دون وصف لعوالمها الشجية، الباهرة، عن قطار في الشمال، جميل، نظيف، به بار، ومطعم، وبعد زجاج البار، هناك محطة خارج التاريخ، صحراء جرادء، جائعة، ساخنة، وفتى يريد أن يبيع الشاي البارد، المتسخ، وأمه بانتظاره كي تأكل من ثمن كباية شاي، ولكن يولي القطار، يتلوى في الخطط الحديدي، والطفل يجري خلفه، شاي، شااااي، شاااااي، ولا حياة لمن تناي، مثل صموئيل بكيت، في انتظار جدو (لا أحد يأتي، لا شئ يحدث، هدا شئ فظيع)، بلى فظيع، فنحن، جلينا على الانتظار، وأظنه حسن ظن بالمستقبل، ودلك حسن..

أروع مافي قصة (امدرمان، مدينة السراب والحنين)، وصفنا كشعب، في فقرات بسيطة، ماهرة، وصف من يعرف من نحن، وما نحن عليه، اعجبت النور حمد، وأعجبتني، ولن احكيها لكم، فالتجاني حي لا يموت، فأسمعوا منه (والكلام حلو من لسان سيدو)، وليت أي مكتب سودانية، في أبيت (وهدا واحب وطني)، أن تكون رفوفها مزخرفة بكتاب (الأعمال الكاملة لمعاوية نور)، بل ليتنا نقوم بمراجعة الكتاب، وطبعه وتقديمه بصورة شاملة، كاملة، مع تعرف عميق، بسيط لمعاوية نور، حتى تعرف الأجيال الحاضرة، قلم عبقري، وقلب عبقري، ورجل تجاوز عصره، أن لم نقل عصرنا هدا..

أحكي لكم واقعة، جرت لي، مع صديق جميل، نبيل، وأخ غربة أشبه بالرسل، أسمه "الطيب آدم عيسى"، كان الطيب الطيب، "أسما وصفه"، يحب القراءة، نسكن معا، يحبها ويقدرها، ويحب قراءة الجرائد والمجلات، وكان صبورا على القراءه، ولم يكن له في الأدب نصيب كبير، وفي مرة أهديته كتاب "معاوية نور: الأعمال الكاملة، ورشحت له أن يقرأ قصة "في القطار"، فأخد الكتاب ومضى للثكنة العسكرية التي يسكن فيها بعض أيام، وتركته وحده مع معاوية..

وبعد أسبوع سلم على بحرارة، كأنني كنت غائب، وهو يشكرني بتعرفيه على معاوية نور، ثم سرح "وربي"، سرح في شئ غامض، شاعري، وقال لي (لم أكن أتصور بأن الأدب يصور حال الإنسان، أي انسان بصورة منسابة، رائعة)، وقال لي بأنه "بكى، بكى، بكى"، بحرقة، على الطفل الصغير، في قصة "في القطار" ثم قال "كيف تصوره معاوية؟ كيف أحس بمعاناته، هل كان هو؟ أم له قدرة على تقمص الأحزان الطفولية، والأم الأرملة، والقطار المغرور؟ بكيت بحرقة، وتطهرت، وشعرت بعظمة الأدب، هل تصدقوا؟ بعدها صار أخي وصديقي الطيب آدم عيسى من كبار القراء، ليس لمعاوية، بل للطيب صالح، ونجيب محفوظ، وابن بطوطة، كانت له ملكة القراءة، ووجد نفسه بين أساطين الأدب والفكر..

وللحق، قصة (في القطار)، تحتاج لرصد، وتقصي، فهي تحمل رموز، وكنايات، عن القطار، وجماله، وفقر ما حوله من باعه، وبداخله معطم حديث، وبار، ودقة مواعيد، وثراء، وفي المحطة الخلوية فقر، وبؤس، وطفل يود بيع شاي، بارد، متسخ الكبابي، وحين يصفر القطار، ويمضي، لم ولن يشتري من الطفل أحد، والطفل يجري وراء القطار القاسي..

شاي، شاي شااااااااااااااااااااااي، حتى غطاه غبار القطار، وأمه في الخمية، تنتظره يعود غانما سالما!!
ولا تزال تنتظره...

أما معاوية، فقد انتهت حياته بصورة غريبة، صار يتأول آي القرأن بصورة فريدة، "ليتنا دوناه لها، قد تكون تأويل كأبن العربي، وأعمق)، ويتحدث مع الأغصان والأشجار، اتهم بالجنون، بالمرض، ولم لا، فمثله لا يفهم، ويسبر، كعادة "الغرباء الكبار"، يعيشون جسما قربنا، وهم في واد عبقري يحيون، (أن جسمي هنا، وقلبي هناك، وأنا الصب بين هدا وداك) ومن قال أن الأحجار والأغصان لا تحس وتشعر؟ من قال؟..

ولمعاوية عودة، لو مد الله في العمر، والمدد!!.

(يوم القراءة العالمي، حياة واحدة لا تكفي)...
أضف رد جديد