جيوبوليتيك الجسد العربسلامي في السودان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

يا موسى
أنا متابع عن كثب، لكن "العين بصيرة واليد قصيرة"
ومع ذلك فأنني أعد بالقفز قريبا في هذا الماء العريض العميق. يبدو لي أن الحياة تقلبت في تاريخها بين صور متعددة للتعبير، تنوعت بين تعبير متحجب وآخر متكشف. قال الشاعر العربي:

قل للمليحة في الخمار الأسود، ماذا فعلت بناسك متعبد؟
قد كان شمَّر للصلاة ثيابه، لما خطرت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه، لا تقتليه، بحق دين محمد!

وقال توفيق صالح جبريل في حديقة عشاقه الشهيرة:

ظلت الغيد والقوارير صرعى، والأباريق بتن في إطراقِ
وتلاقت في حلبة الرقص أيد، وخدودٌ والتف ساق بساقِ
والغواني والحسان بين يدينا تتثنى في القيد والإطـلاق
أقبل الصبح والنهودُ شهودٌ، مسفرات، أما لها من واقي؟

فالإثارة قائمة في كلتا الحالتين: حالة السفور، وحالة التحجب، وأيضا في حالة الإقبال وحالة الإعراض:

قال الشاعر العربي:

أوَّاه إن نظرت! وإن هي أعرضت! وقع السهام، ونزعهن أليم!

جيبولوتيك الجسد كان فاعلا في كل الحضارات الإنسانية. يرتفع التعبير الجسدي، والإنشغال بالجسد، فتطفو النزعة الحسية على السطح، غير أن النزعة الحسية تخبو حين ترتفع نزعات التطهر، "وهكذا دواليبك" كما تقول أنت.

يبدو لي أننا نعيش بدايات حقبة "كيريوغرافية" جديدة. من يتابع الشوبيزنيس show buisness
الأمريكي وأصدائه في بقية بقاع الأرض المغرمة بتتبع آثار الحراك الثقافي الأمريكي المرتبط بتمدد الرأسمال وتمطيه في البرية، يشاهد أن شمس العصر الكيريوغرافي قد أصبحت بقامة الرمح في الأفق، كما يقول علماء التوقيت من فقهاء المسلمين. امتلأت شاشات الفضائيات بصور التعبير الحركي الجسدي. هناك موجة جديدة من جنون "الفيزيك" physique تجتاح العالم. كم من "الجيمنيزيومات" يتم فتحه كل يوم؟ وكم من صرعات الرقص الذي يحاكي الأفعال الجنسية تخرج علينا كل يوم؟ وكم من وصفات التخسيس يتم طرحه كل يوم؟ ويبدو أن الموجة في علو، وأن لها ما بعدها. إذ غالبا ما يعقب الإسراف في وجهة الجسد صحوة روحانية. حدث هذا للرومان من قبل ولغيرهم من الحضارات. غير أن التاريخ لن يعيد نفسه على الأنساق القديمة.

هذا دخول موجز بقصد التبرك، كما يقول المتصوفة. وأعد بالعودة.







((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

لكني متشوق لمعرفة رد السر السيد على تساؤلك؟

انا الاخر متشوق يا استاذ حسن موسي !؟
ÃÍãÏ ÂÏã
مشاركات: 40
اشترك في: السبت يناير 06, 2007 11:34 am

مشاركة بواسطة ÃÍãÏ ÂÏã »

الفنان حسن

شكرا لفتح أفق للحديث عن الجسد العربسلامي في السودان ، والحديث ذو ( سجون ) ، واعتقد أنه لا يوجد ما هو أخطر في الثقافة من الجسد كمساحة لا متناهية لصياغة الرموز ، في الطريقة التي يعيش بها الجسد نفسه والعالم حوله أو في الشكل الذي يتم به عبر الجسد بلورة كثير من المعايير والتصنيفات الاجتماعية وتكمن صعوبة الكتابة عن الجسد في أن دلالاته في تغير مستمر فالسمة المادية والمعنوية ذاتها كالجسد النحيف أو البدين على سبيل المثال ، واستهلاك الكحول والمخدرات أو الامتناع عنها قد تتخذ قيما متعارضة عند المجتمع نفسه في فترات مختلفة أو في مجتمعات مختلفة . صعوبة التقاط حالات الجسد ودلالاتها يجعلني أقرأ هذا الخيط كعمل فني ، بالمعنى الواسع لكلمة فن كقدرة على التقاط ما يصعب أو ما لا يمكن التقاطه .
هذه المساهمة نتجت عن متابعة هذا ( الخيط ) وهي محاولة لكتابة الجسد وعلاقته بالمكان ، الانتقال في الجغرافيات كتصور جديد للجسد ، وهو تصور يعطي الجسد هوية جديدة وهي هوية ديناميكية ، بمعنى أنها دوما مجال لمفاوضات قد تفضي الى أزمات ، ودوما أتصورها كوشم يوشم به الجسد (Marked Body) .
وربما من المفيد وضع الجسد العربسلامي في المنفى على محك البحث وذلك لتوضيح فكرة الوشم . في اعتقادي أن وضعية الاستغلال الخصوصي الذي تعرفه المرأة في سياق التبادل الاقتصادي داخل المجتمع ، سواء كان تبادلا سلعيا ، اجتماعيا أو رمزيا يجعل جسد المرأة هو المثال الاكثر قدرة على رصد حالات القمع ، وباتخاذ البنت اللبنانية في سيدني كمثال ، نجد أن واقعة انتقالها من لبنان الى استراليا تنقلها من خانة الجسد غير الموشوم (un marked body) الى خانة الجسد الموشوم (marked body) وهي حالة تحدد هويتها كملونة (women with colour) وهو وشم يذهب الى ما وراء العرق ليعبر عن التصنيف الاقتصادي والاجتماعي والتاريخ الثقافي ، وهي تصنيفات تضعها في (الهامش) بالنسبة للجسد غير الموشوم وهو الجسد ( الانجلوساكسوني) في الحالة الاسترالية ، كجسد مدعوم بالمؤسسات التي تحتكر (التمثيل)...وتلجأ معظم (الصبايا) اللبنانيات للعديد من الحيل للفرار من (الوشم) في محاولة أن تتطابق مع النموذج(الانجلوساكسوني) المطروح كنموذج (ستاندر) ، وذلك لتشكيل آلية للدفاع داخل علاقات اجتماعية اضطهادية كابحة...حالة أن تكون امرأة يعني أن تتعرض للاقصاء ، وأن تكون امرأة ملونة يعني أن تتعرض للاقصاء مرتين ( Double out of place) .
وللتماهي مع النموذج (الانجلوساكسوني) تلجأ العديدات الى تغيير الاسم من (آمنة) مثلا الى (آنا) وتغيير لون العينين بعدسات لاصقة ولكن حتى عندما يكون (التقليد) على درجة عالية من الاتقان ، يوجد شيء مفقود وهو لغة الجسد وطريقته الخاصة التي يحمل بها نفسه ويتفاوض مع الفراغ حوله ، هنالك طريقة معينة (لبنانية) ، كما أن هناك طريقة معينة (انجلوساكسونية)...في راي أن محاولة الفلتان من (الوشم) في جوهرها محاولة للهروب من النظرة (البيضاء) المسلطة من أعلى وهي نظرة تمر عبر (فلتر) السلطة والاقتصاد ، ففي ظل الهيراركية الرأسمالية البيضاء فان البنت البيضاء تمثل (بت قبايل) بحسب تعبيرنا السوداني...
بناء على ما تقدم هل يمكن الانطلاق من الجسد لصياغة خطاب عن (المركزيات) ، في اعتقادي ان (المركزيات) وهي تمركز نفسها تقوم بمركزة جسد نسائها باعتبار أنهن الأقيم ...وهذه المركزة لا تخلو من الانتظام حول حبكة دينية أو ثقافية أو عرقية مخصوصة وهي حبكة تصاغ استنادا الى نوع من التمثيل الذي تقدمه المرويات الثقافية (الدينية والادبية والتاريخية والجغرافية والفلسفية والانثربولوجية) للذات المعتصمة بوهم النقاء الكامل ، والآخر المدنس بالدونية الدائمة في تمركز هو نوع من التعلق بتصور مزدوج عن الذات والآخر والرواية الغربية في القرون الأربعة الأخيرة أنتجت غربا متمركزا يوافق يوافق الرؤية الرغبوية للذات والعالم خارج مجال الغرب ، وهي رؤية تخفي دائما درجات من التمثيل السردي الذي يتدخل في صوغ العلاقات الانسانية ، والتصورات الخاصة بالأنا والآخر(د.عبد الله ابراهيم، المركزية الاسلامية،ص9، المركز الثقافي العربي2001).
وقد لا نحتاج للحديث عن رواية المركزية الاسلامية عن الذات والآخر ، فالايديولوجيا الاسلاموعروبية قدمت منذ زمن صورة الصرحاء والهجناء وهو تمثيل تم فيه استخدام جسد المرأة (كوسيط) وخلال هذا الخيط تم التعرض لوضع المرأة (الحرة) و(المسترقة) في الثقافة الاسلامية ، وقد يفيد في سانحة أخرى البحث في الصور المتشكلة في المخيال (الاسلامي) عن (الآخر) وعن (امرأة الآخر) وهي صورة على درجة كبيرة من التشويش .

ما بين ندى القلعة ومادونا

الحوار الذي ابتدره الاستاذ مصطفى عن فنانة الجماهير ندى القلعة ، ذكرني بموضوع قرأته للناقدة الامريكية بيل هوكس عن
مادونا كأيقونة ثقافية ، حيث تعتقد بيل هوكس( Bell Hooks) أن النجاح الجماهيري لمادونا يجب أن يقرأ من خلال بنية المجتمع الرأسمالي العنصري الأبيض ، وهو مجتمع كما تعتقد يرسخ باستمرار صورة البنت البيضاء الشقراء البريئة ، وكل ما فعلته مادونا هو تسويق (marketing) صورة البنت البيضاء البريئة التي تملك قدرا كبيرا من الجسارة لتنفلت. وتطرح بيل هوكس سؤال مهم وهو: هل بامكان مغنية سوداء أن تصبح أيقونة ثقافية وذلك عن طريق تسويق صورتها كبنت سوداء منفلتة ؟...تجيب بيل هوكس بالنفي وتقول أن جسد المرأة السوداء أو الملونة تم ويتم تمثيله باستمرار من قبل البطرياركية العنصرية الرأسمالية البيضاء كجسد /علامة لتجربة جنسية بمعنى أنه جسد غير بريء (منفلت بالطبيعة) ، لذلك لا يمكن استثماره وتسويقه كجسد بريء يملك الجسارة لينفلت (Bell Hooks,Black looks and Representation,South End Press,P160) .
ما ذهبت اليه بيل هوكس عن أنه ليس بمقدور مغنية سوداء (تسويق) نفسها على طريقة مادونا ، جعلني أفكر في ظاهرة ندى القلعة
في السودان ، ويجعلني أعلق على كلامك في معرض ردك على الاستاذ مصطفى بأن فنانة الجماهير استحقت لقبها عن جدارة وبعد جهد مقدر مركب... ، في رأي أن ما وراء هذه (الأيقنة) يوجد سند ضخم من (الهيراركية العربسلامية) التي تحتكر التمثيل ...
في البال أسماء لمغنيات في عمر ندى القلعة أو أصغر منها وأكثر موهبة ، على سبيل المثال هاجر كباشي ، ولكن هل تستطيع هاجر كباشي (تسويق) نفسها في تلفزيون (السودان) بضحكة غريبة منتشية ، لا تمت الى نوع الضحك المقتضب الذي عادة ما يصاحب اللقاءات التلفزيونية كما تفضل الاستاذ مصطفى بوصف ضحكة ندى...؟
ولي عودات
هالة الكارب
مشاركات: 110
اشترك في: الخميس ديسمبر 21, 2006 2:47 am

مشاركة بواسطة هالة الكارب »

الاستاذ حسن موسى سلامات :

شكرا على التعليق على مساهمتى المتواضعة:

انشغلت كتير فى الفترة الماضية فعذرا للتأخر فى الرد. بالاشارة الى تعليقكم حول ما عنيت بتجميد الجسد والغائه والعلاقة ما بين فعل الاعتداء المنظم على النساء والبنات فى دارفور وجيوبلتيك الجسد.

قبل عدة اشهر فى رمبيك وعقب مشاهده مثيره جدا من قبل المجتمع المحلى لفلم عثمان سمبين "مولادى" والذى يتعرض لقضية العنف ضد النساء والبنات و بتر الاعضاء التناسلية من خلال قصه افريقيه بسيطة وجميلة . احتدم النقاش عقب المشاهدة بين الحاضرين حول مفهوم العنف ضد النساء ، بعض السلاطين كانوا موجودين ونساء من مختلف مشارب المدينة الصغيرة. وقف احد السلاطين وقال: " كيف المرة ما يدقو انت مرة دى بتشتريها بى بقر بتاعك" ما قصده السلطان ان استثمار الموارد للحصول على النساء يبرر العنف والسيطرة . ردت كراك احد النساء الائى يمتلكن وزن داخل المجتمع: " يا سلطان مرة ده ما ممكن بيكون امك؟؟ يدقو كمان" . ارتبك السلطان لدقائق ثم قال خلاص بقر دا يقسموا، مره تدفع وراجل بيدفع عشان مرة ما يدقو .

لفت الحوار انتباهى لعدة مسائل: واحد، ان ان هناك هويات متعدده للنساء فى الذهنية الذكوريه . منها الهوية المرتبطة بالعلاقة الاقرب الى التقديس فى شكل دينامكية علاقات الابناء والامهات ومستوى اخر ينعكس فى علاقات الاباء/ بنات والازاواج/ زوجات حيث ان الابنة مملوكة للاب والزوجة ملك للزوج باعتبار ارتباط كل هذة العلائق بمسألة الموارد المملوكة للمجتمعات والتى تتقاطع مع المورث والثقافة.

واحدة من صاحباتى من دارفور قالت لى: انتى قايلة هم بغتصبوا النسوان لية؟ النسوان ديل ما ارض.

الاغتصاب يرمز قطعا بالاضافة الى الاذلال الى تاكيد الهيمنة. وحدوثة فى دارفور كما كان فى الجنوب مرتبط تماما بالغاء مجموعات كاملة من اراضيها ونفى وجود تلك المجموعات.
وفى نفس الوقت دا بيعنى الغياب التام لامتلاك النساء لاجسادهن. اى ان الجسد ملك للقبيلة او المجموعة الاثنية المحدده والتى تمتلك اجساد نسائها فى راي ان فعل الاغتصاب ياتى من هذا المنظور اولا .

نفس الشى بالبنسبة للختان ،والذى هو فى جوهره يهدف الى تجميد الجسد واعاقة سيطرة صاحبة الجسد عليه، واشتراط استخدام الجسد بموافقه الجهة المهيمنه والتى قامت بفعل الاعاقه. حيث ان جوهر العمليه هو تجميد لفعالية الجسد لحين ان يتم استخدامه وفق شروط تتسق ومصالح االجهة المهيمنة.

ما اود قولة ان فعل الاغتصاب فى سياق ما يحدث فى دارفور والختان يعكسان اغتراب النساء عن اجسادهن اولا والاهم ان اجساد النساء مرتبطة فى اذهان مجتمعاتنا بعوامل الوجود والثروة واستمرارية الهيمنة.

هذا الموضوع لة عدة وجوه and has so many layers


ارجو ان يجد ما ذكرته صدى.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

صادرات أفريقيا بأقل الخسائر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صادرات أفريقيا
بأقل الخسائر الممكنة
جيوبوليتيك الجسد 29


معذرة للمتابعين الأعزاء على إنقطاعي عن الخوض في موضوع هذا الخيط و لكنها ملابسات الإنشغال بأكثر من خيط في أكثر من جهة.

النور حمد
سلام
شكرا على الدخول الموجز "بقصد التبرّك" و أنا متشوق لدخول أقل إيجازا.بالذات في موضوع صورة الجسد ضمن فضاء الفكر المحمودي و في خاطري تفاكير تتعاق بجسد المسلم و جسد المسلمة و جسد الأمة و جسد "الإنسان الكامل".. و هلمجرا..

أحمد آدم
سلام.. و كلام:
" سجون" حديث الجسد لا تحصى،كما قلت ، و لو نظرت في المناقشات التي تستقطب خواطر القراء و الكتاب الأسافيريين لوجدتها كلها تقريبا تدور ـ بطريقة أو بأخرى ـ حول محور الجسد.و شكرا لك على قراءة هذا الخيط " كعمل فني بالمعنى الواسع لكلمة فن كقدرة على إلتقاط ما يصعب أو ما لا يمكن إلتقاطه". و هذا يا أحمد آدم أفضل تقريظ أطمح إليه في حق هذا الخيط، كون شجون حديث الجسد و معانيه المتداخلة تجعل من إلتقاط أمر الجسد مهمة شبه مستحيلة.ورغم أن إهتمامي بأمر الجسد بدأ من حيث هم التعبير الجمالي التشكيلي إلا أنني سرعان ما وجدت نفسي في فضاء مركب تتداخل في نسيجه خيوط السياسة والتاريخ و الإقتصاد و اللغة و علم الإجتماع و علم التحليل النفسي إلخ.
شايف أخونا محمد عثمان دريج قال:
"لا يمكننا أن نتغاضى عن الجسد على أية حال.."
و كمان شايف أستاذة " نجيضة" إسمها حليمة عبد الرحمن عاملة أرضي لأولاد المسلمين في سودانيز أونلاين في بوست بعنوان " لـَوْطـَنـَة العالم"، البوست دا مجرد عنوانو عامل لأولاد المسلمين " أم هلاّ هلاّ"، ( كيف مرة سودانية تقوّي عينها و تتكلم في موضوع رجال زي دا؟). و البوست يعالج أسئلة الجسد تحت شروط قوانين السوق الرأسمالي المتعولم. و الأستاذة حليمة قلقة على مصير أطفالها في عالم أصبحت تربية الأطفال ( الجنسية و غير الجنسية) فيه شأن القائمين على سوق الإتصالات المعولمة بتلفزيوناته و أقماره و شبكاته الأسافيرية إلخ .. و في ما وراء قلق الأم و تساؤلاتها المشروعة في خصوص مسئوليتنا تجاه القيم التى نباشر عليها تنشئة أطفالنا، يتفتـّق أفق المناقشة القريب عن أسئلة أخرى، أكثر فداحة، حول العواقب الأخلاقية لقوانين منظمة التجارة العالمية التي تهدف لتوحيد السوق في كل العالم . هل قلت:" توحيد" السوق؟ توحيد شنو يا زول؟ أحسن نسمّيها "وحدانية" السوق عديل كدا، في المعنى الديني للعبارة.و هي وحدانية بربرية على الطريقة النيوليبرالية الأمريكية ، القوي فيها يستعبد الضعيف و يهرسه هرسا وفق قانون منظمة التجارة الدولية والماعاجبو يمشي يشتكي في محكمة منظمة التجارة الدولية ، يعني "من دقنه وافتل له".أها في شروط "وحدانية" السوق، بكرة لو في زول داير يفتح ليهو كازينو وبار في مكة المكرمة عشان يبيع فيه البيرة أم كحول، و جوهو" المطوعين"( بتاعين الأمر المنكر و النهي المعروف) عشان يقنعوه بأن الخمر و الميسر رجس من عمل الشيطان، فصاحبنا ممكن يطلـّعهم محاكم و ينزّلهم محاكم لمن يقولوا" الروب"، و كمان فيها يطلب من وزارة داخلية حارس الحرمين ترسل ليهو ناس يحرسوا حرم مؤسسته و يضمنوا حرية التجارة .و كان مكضبني أسأل الإقتصاديين و القانونيين القاعدين معانا في منبرنا دا.
أحمد آدم،
تقول:" لا يوجد ما هو أخطر في الثقافة من الجسد ". و هذا قول سديد. بدأ أولاد و بنات المسلمين في الإنتباه له مؤخرا.لكن الإنتباه وحده لا يكتل غزال.و المطلوب تعريف دبارة منهج لمقاربة سؤال الجسد على ضوء متغيرات العالم المعاصر، و نحن ضالعين في العالم المعاصر لي ديننا، رضينا أم أبينا.و المطلوب هو أن نحقق إندماجنا في حضور العالم المعاصر بأقل الخسائر الممكنة لنا و لسوانا. شفت كيف؟
و تاني عندي ملاحظة على المصطلح:
أراك تستخدم عبارة " الوشم" و " الجسد الموشوم" في حديثك عن الـ
Marked Body
و أنا أحبّذ عبارة " الوسم" و " الجسد الموسوم" على أساس أن دلالة عبارة "الوسم" أوسع من" الوشم" ( تاتو) لأن " الوشم" تدل على ممارسة محددة في تقليد الكتابة الجسدية .فالوسم عام بينما الوشم خصوصي من منظور التقنية، كونه يتم بطريقة ( شك و خدش البشرة) و بأدوات (إبرة) و خامات ( ألوان و أحبار) تحدّد الممارسة وسط قطاع معين من الأشخاص ذوي البشرة البيضاء أو الفاتحة اللون ،لأن أثر الوشم لا يظهر على البشرة السوداء الذين يميلون لأنواع الوسم الجسدي البارزأو الغائر( الفصد والشلوخ).و قد سبق لي معالجة أنواع الكتابة الجسدية ضمن تقليد الجسد الموسوم في السودان قبل سنوات في ورقة نشرت في كتاب " السودان : الثقافة و التنمية، نحو استراتيجية ثقافية"، تقديم د. حيدر ابراهيم. مركز الدراسات السودانية، 1999.و أنوي إعادة كتابة هذا النص بشكل أفضل لبذله لقراء سودان للجميع لأنه ، في نظري الضعيف ، مكمّل لهذا الخيط حول جيوبوليتيك الجسد.
المهم يا زول، كلامك عن " البنت اللبنانية في سيدني" في خصوص إنتقال الجسد غير الأوروبي( اللبناني أو السوداني) إلى فضاء الجسد الأوروبي (و أنا أعتبر الفضاء الثقافي الأوسترالي أو الأمريكي جزء من الفضاء الثقافي الأوروبي) فيه قولان، و ربما ثلاثة.فأنت تقول:
".. و باتخاذ البنت اللبنانية في سيدني كمثال، نجد أن واقعة إنتقالها من لبنان إلى أوستراليا تنقلها من خانة الجسد غير الموشوم".." إلى خانة الجسد الموشوم، و هي حالة تحدد هويتها كملوّنة
(women with colour)

و هو وشم يذهب إلى ما وراء العرق ليبعبر عن التصنيف الإقتصادي و الإجتماعي و التاريخ الثقافي. و هي تصنيفات تضعها في( الهامش) بالنسبة للجسد غير الموشوم ، و هو الجسد (الأنجلوساكسوني) في الحالة الأوسترالية، كجسد مدعوم بالمؤسسات التي تحتكر ( التمثيل). و تلجأ معظم( الصبايا) اللبنانيات للعديد من الحيل للفرار من( الوشم) في محاولة أن تتطابق مع النموذج الآنجلوساكسوني المطروح كنموذج ( ستاندر).و ذلك لتشكيل آلية للدفاع داخل علاقات إجتماعية إضطهادية كابحة.. حالة أن تكون امرأة يعني أن تتعرض للإقصاء، و أن تكون امرأة ملونة يعني أن تتعرض للإقصاء مرتين
(Double out of place)
قلت أعلاه : أنا أعتبر الفضاء الثقافي الأمريكي و الأوسترالي طرف أصيل من الفضاء الثقافي الأوروبي.لأن الأوروبيين" أوْرَبوا" الأرض التي غنموها و فرضوا و عمّموا عليها مواصفات النموذج الثقافي الأوروبي.( النسخة النصرانية من إقتصاد السوق الرأسمالي).و هذا القول لا يكتمل ما لم نستطرد عليه أن الأوروبيين لم يكتفوا بأوربة الأرض التي غنموها و إنما" أوربوا" خيال العالمين قاطبةسواء داخل القارات التي استوطنوها أو خارجها.أنا أقول " أوربة الخيال" بينما " أميناتا تراوري"، المالية المناضلة ضد العولمة النيوليبرالية،
، في غبنها الأفريقاني المشروع، تقول" إغتصاب الخيال" في نص غاضب ناصع معنون:
Le Viol de l’ Imaginaire,Aminata Traoré, editions Actes Sud, Fayard, 2002.
و أنا أعتقد أن البنت اللبنانية (أو السودانية) التي تفد من الفضاء الثقافي اللبناني للفضاء الثقافي الأوروبي ليست غريبة أو دخيلة على النموذج الجسدي الذي تمخّضت عنه الثقافة الأوروبية.إنها تمثـُل في مشهد الجسد الأوروبي كنسخة لبنانية (أو سودانية) لنفس النموذج الأوروبي المهيمن.و في هذا المنظور تنظـّم الدوائر المتحكمة في سوق الثقافة الأوروبية تراتب النسخ حسب المصلحة الطبقية حول نسخة مركزية يتم تعريفها حسب مواصفات السوق و يتم تثبيتها في قمة هرم أحكام القيمة الجمالية المزعومة كونية (يونيفيرسال) .و في هيكل هرم النماذج فاللبنانية أو السودانية أو الصينية إلخ يمثلن كعرائس " باربي" ملوّنة تدين بكل شيء لـ " باربي غيرل" الأوروبية التي تعلو و لا يعلى عليها.(و حتى لا تظن أن الأمر يخص الفتيات فحسب أذكـّرك بأن هناك نسخ غير أوروبية من
" كين"، فتى أحلام "باربي". و قد كان أول الغيث " كين " هاواي بجسمه الرياضي المتزييّ بزي التزحلق على الموج، و من يدري فقد يخرج علينا أهل السوق قريبا بـ " باربي " إسلامية محجبّة و برفقتها فتى أحلامها المسلم الملتحي، و كل شي في الحيا جايز. أما عن مولانا " مايكل جاكسون" فحدّث،فالرجل في مقام جمالي مغاير جملة و تفصيلا و هو يحتاج لفصل خاص يصون التركيب العظيم اللاحق بمكيدته الجسدية و أنا عائد له في براح منفصل).و داخل بنية الهرم الأوروبي للنماذج الجمالية ، تكافح الفتيات المستبعدات للإبتعاد من النموذج البناني (أو السوداني) للإقتراب من النموذج الجمالي الأوروبي ،و التشبه به، سواء من الظاهر بمكائد المكياج و الجراحة التجميلية، سواء من الباطن باستنباط نظرية " شرقانية " أو " أفريقانية " لجمالية جسدية غير أوروبية،غايتها أن تدعّم من واقع هيمنة النموذج الجمالي الأوروبي على هرم مملكة جمال العالم.أي و الله، فقد عودنا الأوروبيون أن نقبل مواصفاتهم لـ "ملكة جمال للعالم" بحاله في ترهات عرقية من نوع( مس يونيفيرس)، وباعونا أنواع المقاييس الجسدية المثالية للإناث كما للذكور، و فرضوا علينا أنواع الملبس و المأكل و الأدوات و الأثاث و طرائق الحركة و السكون التي تتماشى مع ضرورات التجارة الكبيرة و نحن حامدين شاكرين و طامعين في المزيد و الحمد لله على كل شيء.و على كل حال فالحرب سجال بين النماذج الجسدية المتخلقة داخل هرم مملكة جمال السوق المتعولم.و خبراء التسويق يعيدون ترتيب المواقع حسب حاجة السوق ، و ذلك بالإستجابة المباشرة لطلب أغلبية جمهور المستهلكين(" الجمهور عايز كدا") بطريقة لا ينسون معها مطالب الأقليات العرقية و الثقافية.
كتب " ميلان فيزيلي" محرر الـ " آفريكان بيزينيس"اللندنية
African Business
In Courrier International, 20 Octobre 1999
" يعتبر إنتخاب "مس يونيفيرس" أفريقية بمثابة هدية حقيقية للقارة السوداء. فبعد التركيز الأعلامي الطويل على الحروب الأهلية الدامية و الإعتداءات على السياح و البؤس الإقتصادي للقارة السوداء [ تاني؟]، إحتفل الأعلام الأمريكي بإنتصار " مس بتشوانا"، و التي أنتخبت ملكة جمال العالم في مايو 1999 ، و قد تم الإحتفال وسط هيلمان الإنتاج المشهدي الهوليودي.و عبر شاشات التلفزة اكتشف ما لا يقل عن مئة مليون مشاهد من مختلف أنحاء العالم، اكتشفوا " مبول كويلاغوبي" الشابة القليلة الحجم بأعوامها ال19 .".." و يعتبر الظهور المتأخر للجميلات الأفريقيات في مجالات الموضة و صناعات التجميل بمثابة ظاهرة إستثنائية.وهذا النجاح يجب أن يلهم القارة الأفريقية، و بالذات صناعة السياحة الأفريقية،أن تستثمر الوزن الإعلامي لمواهبها.و يعلق الأمريكي جون باورز الذي يدير وكالة باورز لموديلات الموضة في مدينة دالاس:"ينبغي على وزارة السياحة في بوتشوانا أن تستثمر إنتصار مبول كويلاغوبي و ذلك بسبيل عرض الميراث الطبيعي الرائع لبتشوانا".. و يتحسر كاتب المقالة من أن" غرف التجارة في البلدان الأفريقية (جنوب أفريقيا و بتشوانا و كينيا) تتلكأ في إنتهاز هذه الفرص لتطوير البنى التحتية لصناعة السياحة بشكل جاد" .
و هكذا لا يتردد خواجات الخبرة العرقية لحظة في رسم خطط التنمية الإجتماعية و الإقتصادية لبلدان أفريقيا لمجرد أن سوق الجمالية العرقية في أوروبا و أمريكا يحتاج لدماء إكزوتية جديدة تروّح عن الأرواح الأوروبية الملولة وطأة النموذج الجمالي الآري المألوف.و بالمناسبة يا أحمد أدم ،المغنية الشهيرة " مادونا" ،عارفة بحدود النموذج الجمالي الآري الذي كرّسها في مركز حظوة ضمن هرم الجمالية العرقية، و لعل وعيها بحدود النموذج المهيمن هو الذي يحفزها من وقت لآخر لإستعارة الإكسسوارات و المحسنات التزيينية( الكوزموتيك) الوافدة من خارج تقليد الزينة الأوروبي كزخارف الحناء و أنواع الحلي المجلوبة من الشرق كالححجل و الزمام و الأقراط الكبيرة و الأزياء إلخ. و ذلك بغرض إضفاء لمسة " إثنية" ( إكزوتية ) على حضورها المشهدي.
و في نفس مقالة " آفريكان بيزنيس" يواصل" ميلان فيزيلي" بأن " تدفق العملات الصعبة في بلدان أفريقيا أثر إبرام العقود المجزية مع صناعة الموضة ، يمكن أن تنعش خزائن البلدان الأفريقية ( كذا).
فـمبول كويلاغوبي" تسلمت من رعاتها الإعلانيين ( سبونسرز) حوالي مئة ألف دولار مكافأة على فوزها بالإضافة إلى عقود عمل كعارضة أزياء لكبار بيوتات الموضة الأمريكية و الأوروبية. و هكذا يمكن لشهرتها الإعلامية أن تدوم لسنوات.و إذا قرنت إسمها مع منظمات مكافحة الإيدز فسوف تتمكن من تسليط الضوء على النضال العملاق الذي ينبغي على القارة الأفريقية أن تخوضه ضد مشاكل الصحة.سيما و أن محاربة وباء الإيدز في القارة يحتاج لدفعة من هذا النوع."و ترجمتها بالعربي يا خواجة: إذا البنية السمحة دي ما كسبت يانصيب" مس يونيفيرس" بتاعكم دا، شعوب أفريقيا بحالها ممكن تموت سُمبلة ساكت..
و يواصل الخواجة فيزيلي:" هذا الحدث – يعني فوز "مس بتشوانا" بلقب "مس يونيفيرس" - كشف للعالم سرا ظل مكنونا بين الخواص حتى اليوم."و حين نرخي أضاننا لنتلقى الكشف الجليل يقول الخواجة فيزيلي :
" جمال النساء صار اليوم أحد أرفع صادرات أفريقيا.و صارت أكبر الوكالات ، مثل وكالة " وليام موريس"، صارت ترسل صائدي الحسناوات يجوبون أنحاء القارة بحثا عن أجمل الصوماليات و السودانيات و الجنوب أفريقيات..".." و نجاح أليك ويك ، من الوكالة النيويوركية " تالنت" ،ما زال يدهش الجميع.فهذه الفتاة السودانية ، سلسلة الدينكا، إكتسحت عالم الموضة بفضل جسدها الأفريقي الأصيل( تيبيكلي آفريكان)، ".." فهي تجسد بدقة الملامح الخصوصية لشعب الرعاة النيليين الذين تنحدر منهم.و هي بين المفضلات لدى الشباب الأمريكي. بشعرها القصير ، بل الحليق،و لونها الأسود الفاحم و جاذبيتها الجنسية من الأمور التي تستهوي القائمين على العلامات التجارية الكبيرة في عالم الموضة من نوع " غاب " و " تارغيت" و " نينيان ماركوس".."
أحمد آدم ، يازول خلاصة هذا الكلام هو أن السوق المتعولم " ما عندو قشة مرّة" و ربنا يجيب العواقب سليمة.

هالة الكارب
سلام و شكرا على القراءة الرشيدة
إشارتك لتعدد الهويات تستحق المزيد من النبش، و سأعود لمسألة النسوان كأرض مبذولة للإغتصاب..لكن هذه الأرض تبقى مفخخة بتعدد الهويات الذي أربك السلطان في مناقشة رمبيك. و هذا باب يجيب الريح و هو مسدود.
سأحاول العودة لكل هذا في أسرع فرصة.


حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الأرضة جرّبت الحجر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 30
الأرضة جرّبت الحجر

أحاول في هذه السطور إستئناف التفاكير الواردة في خصوص رقصة الرقبة ، و كنت قصدت من هذا الجزء أن يكون بمثابة خاتمة للنص المنشور في عدد " جهنم رقم 25 " ولكن تعقيبات الصحاب المتابعين فتحت دروب جديدة للمفاكرة في موضوع جيوبوليتيك الجسد مما جعل نيّة الخاتمة تنمسخ لإرادة استهلال متجدد لهذه المناقشة التي بدأت بذريعة رقص السودانيين..
المتأمل في مشهد رقصة الرقبة الراهن يملك أن يميز بين حساسيتين
متعارضتين تطبعان الأسلوب الذي تباشرعليه السودانيات فعل الرقص :
فمن جهة أولى يبرز إتجاه الفجور الجامح الذي تحمله " أغاني البنات" بعفوية و تلقائية لا تخلو من روح اللعب. و الرقص "لعب" في لغة السودانيين ، و قيمة اللعب تتأكد من الطبيعة البريئة للفجور الأدبي و الحركي الذي ينبثق ضمن مشهد" التعليمة".و فجور "أغاني البنات" مكشوف منشور على الملأ عن سبق القصد بغرض المنفعة الدرامية " التطهرية"(كاثارسيس) .
catharsis
و في مشهد الممارسة التطهرية ينفتح هامش حرية متحرك متحول للتعبير الحركي العفوي.في هذا الهامش المعملي تتخلق اللقيات الكوريغرافية الجديدة، الوافدة من مصادر متنوعة محلية و أجنبية، و يتكون نوع من قاموس كوريغرافي عليه تتأسس الإضافات الجديدة لرقصة العروس.
و من جهة ثانية ، في مواجهة " اللعب الفاجر"، طوّرت مؤسسات السلطة إحتمالا في الخطاب الكوريغرافي المهجـّن على هدي آيديولوجيا التمازج السودانوي ، و ظهر نوع من الرقص المسرحي الذي يجعل من راقصة الرقبة نوعا من ممثلة تلعب دور العروس على خشبة مسرح الفولكلور السودانوي. و في هذا المقام يبدي منظمو المحفل إهتماما كبيرا بالتفاصيل و الإكسسوارات الفولكلورية و العادات القديمة البائدة (حتى بلغ الشطط حد تنظيم طقس البطان في أعراس اليوم).و قد صار تمجيد نبرة الفولكلور السوداني، في مشهد رقصة العروس، صار وجها من وجوه التعبير السياسي لطبقة وسطى حضرية تعتبر نفسها تجسد جماع التعدد الثقافي السوداني،ولا يراودها شك في كونها مركز الثقل الحضاري لمجمل شعوب السودان.
و بين هؤلاء و أولئك تمتد أرض الإشتباهات التي يرقص فيها رهط السودانيات المحتارات مجاملة ، و هن غير مقتنعات، لا بضرورة الرقصة و لا بهجرانها.و في رقصهن يستغنين بالضروري عن الفضول و يختصرن رقصة الرقبة لمجرد حركات آلية خالية من معاني الإشارات الإيروسية التي تأسست عليها رقصة الرقبة في أصلها كفعل إنكشاف فريد في نوعه.
و من الصعب اليوم التكهن بطبيعة المضمون الرمزي الذي ستتخذه رقصة الرقبة بالنسبة للجيل القادم من الراقصات السودانيات.و إذا كان للخيار الفولكلوري أن يمدد من عمره بفضل دعم السلطات التي تقدر عائده السياسي المجزي ، على صعيد الآيديولوجية السودانوية، فان المسعى الفولكلوري سيبقى رهين الرقص الإحترافي ( كما في إطار فرق الفنون الشعبية و الصناعات القومية التي لا تقوم لها قائمة بدون دعم السلطات).و الرقص الإحترافي مهما علت نوعيته التقنية ، يظل غير مؤهّل ، بحكم طبيعته الإصطناعية ـ لحمل المشاعر و الرغبات الفردية التي تحفز الراقصة على إقتحام حلبة الرقص لتعبّر عما لا يقال في غير لغة الجسد.
و أراني أميل للمراهنة على خيار الفجور الحركي و الأدبي الذي يسود حلقات الرقص اليوم، بالذات في لحظات التعليم ـ أو " التعليمة " ـ التي تجتمع فيها الفتيات حول العروس بذريعة تعليمها تقنية الأداء الكوريغرافي ، في حين أن الأجندة المضمرة في " التعليمة" تتجاوز التقنية الكوريغرافية لجملة من الأمور التي تهدف لتحضير العروس و تهيئتها لطقس العبور الوشيك.و هي لحظات يتحرر فيها الجسد و اللسان من رقابة الرقباء القوّامين على النساء، و تتفنن القرائح في ابتكار الإشارات التي تموّه التمرد تحت غشاء التفحّش الحركي و الأدبي الذي ينتظم مشهد " التعليمة ". ذلك أن التمرد ، تمرد الجسد على معاني الحركة الرمزية لثقافة المجتمع قبل الرأسمالي، يظل هو الموضوع الرئيسي لمباحث الجسد الجمالية. و رغم أن المضمون الإيروسي يظل هو القاسم المشترك الأعظم للرقصة، في شكلها التقليدي كما في شكلها الحديث،إلا أن لغة إيروس الحديث تعبر عن نفسها بشكل مخالف عما كان عليه حال راقصات حسن نجيلة الأمدرمانيات في " ملامح من المجتمع السوداني" في عشرينات القرن الماضي.
و في واقع الأمر تتباعد رقصة الرقبة الحالية كل يوم من حيّز الحريم، حيز الخضوع و الطاعة، و تتقارب من حيز القطيعة الثقافية مع التقليد البائد.و هو الحيز الذي تتخلـّق فيه الأنثى الحضرية المتعلمة العاملة، و الواعية بدعاوي المساواة في الحقوق و الواجبات مع ذكور المجتمع الحديث.و مكسب المساواة الإقتصادية و الفكرية الذي حصلت عليه الإناث السودانيات(الأكتوبريات) يؤثر بشكل مباشر على رؤيتهن لدورهن كإناث ضمن العلاقة المركبة الجارية بين الرجال و النساء في السودان،سواء على صعيد فضاء الرقصة أو على صعيد البعد الإيروسي للعلاقة.فراقصة الرقبة التي تفتح جسدها و تبذل لحمها لنظر الذكور اليوم، إنما ترقص يعيون مفتوحة على رجل جديد، غير الرجل الفحل و الفارس الأسطوري الذي يسكن ملاحم الأدب الشعبي.هذا الرجل الجديد ، بطل الأسطورة الحضرية الحديثة، الذي تنظر نحوه راقصة الرقبة، هو رجل تختاره و يختارها باستقلال عن إرادة العشيرة، باعتباره طبقها المتعلم المتواطئ معها على دعاوى المساواة و التقدم، و هو في تصوير الأدب الشعبي الحضري " أفندي " في خاطره براح للحب كأحد دعامات الزواج الناجح.و من المحتمل أن هذا الواقع الجديد الذي تتحقق ضمنه رقصة الرقبة هو المسئول عن التحولات التعبيرية على صعيد حركة الراقصة الحديثة.فالكثيرات من راقصات السبعينات كن يؤدين رقصة الرقبة و أعينهن مفتوحة، و أحيانا تغطي وجوههن الإبتسامة، و قد يضحكن ، ضمن إضمار بكون المسألة مجرد لعب مسرحي.و أذكر أني سمعت سخرية لاذعة من طرف بعض خالاتي بخصوص عروس شهدنها ترقص " و عينها بيضا".لكن فيما وراء الإضمار يتم إنجاز اللعب المسرحي بعناية ظاهرة و بجدية كبيرة، و أظن أن العروس التي ترقص و " عينها بيضا" هي راقصة حريصة على دورها كمتفرجة على نفسها في دور العروس ، مركز المشهد.
و إذا كانت راقصة الرقبة التقليدية ،التي ترقص مغمضة العينين، تستغني عن المشهد المسرحي الخارجي بمشهد مسرحي داخلي يمكنها من مواجهة الجمهور و هي متقمصة لدور العروس الأسطورية ،على نحو مرضى الفصام العقلي،" الشيزوفرانيا"، الذين ينسحبون من العالم الواقعي لعالم خيالي ذاتي،فإن راقصة الرقبة الحديثة لا تغمض عينها عن مشهد الواقع المادي و لا تستغني عنه بأي ثمن.فهو المشهد الوحيد الذي بقي لها ، و ضمنه تحرص على إنجاز الحركات الكوريغرافية المفرغة من محتواها الطقسي التقليدي، كمجرد مفردات مسرحية تكتسب معناها الجديد من إنسجامها مع الرؤية الجديدة لعلاقة الرجال و النساء الأكفـّاء و المتساوين المجتمعين في المحفل بذريعة الزواج.
هذه الراقصة الممثلة " الواقعية"، ما زالت تتظاهر بفتح جسدها، بيد أن وراء أناقة الظاهر الحركي يتكشـّف التعبير عن فتور في الأداء أدخل في " الدلال" منه في قلة الدراية الكوريغرافية.و هذا لعمري وجه من وجوه البلاغة الكوريغرافية الغميسة التي يستقبلها الجمهور اللبيب الحديث و يقدرها حق قدرها. بل ان راقصة الرقبة الحديثة ما زالت قادرة على التظاهر بمنح الشبّال و رمي ضفائرها الإصطناعية ـ أو الوهمية ـ على وجه طالب الشبال المحظوظ ، الفالت ،على كل حال ، من عواقب البطان.
و هو شبال رمزي ، رشيق و أنيق، تكافأ الراقصة عليه ، في كل مرة ، بجائزة الزغاريد المتضامنة البهيجة.
لكن الأشكال الطقوسية التي وصفناها كـ "أشكال فارغة "، من دلالاتها الرمزية التقليدية ، لا تطيق " الفراغ "، الذي يعني موت الممارسة، إلا كوجه من وجوه التدبير المنهجي العملي الذي نفرز عليه بين المضامين التقليدية و المضامين الحــديثة للرقــصة.و إذا ســلمنا باستحالة فــكرة
" الفراغ" الدلالي ، فما هي الدلالات الرمزية الحديثة التي تستبطن حركة العروس في رقصة قطع الرحط اليوم؟
هذا سؤال كبير عويص الإجابة عليه لا تكون بدون سياحة بحثية في ثنايا الممارسة الراهنة. فهذه الرقصة لم تكف يوما عن مسلسل الإنمساخات الدلالية رغم أن الجميع يصرون على تعريفها بنفس الإسم
القديم: " رقصة الرقبة"..و أي " رقبة"؟و بلاغة الأهالي، التي تكنـّي عن " الروح" بعبارة "الرقبة" ، تخرج بالرقبة من دلالة العضو التشريحي لحيث الذات الإنسانية الفاعلة المتحولة على هوية الإنمساخ المستديم.أي رقبة؟؟
المراقب لرقصة العروس عند " قطع الرحط" يلاحظ أن جملة الإشارات و العبارات و الأغاني و نقرات الدلوكة تخضع لنوع من التشفير تتقاسمه العروس مع جمهور مشجعاتها الإناث.و ذلك بغرض توجيه حركة العروس لكسب الـ " ماتش" ضد العريس الذي يمثل فريق جنس الرجال كافة.و الـ " ماتش " المعني لعبة يؤديها العريس و عروسه أمام الجمهور.و فحوى الأمر أن العروس أثناء رقصها تتظاهر بالسقوط على البرش، و على العريس الواقف جنبها أن يمسك بها فلا تسقط.و إذا غافلته و سقطت يحصل " القون"، إصابة في مرمى العريس.و إن تمكن العريس من تلافي سقوط العروس يكون القون في مرمى العروس، و قد تسمع الحضور يعبرون في براءة اللعب بأن " العريس دخّل فيها قون " أو " العروس دخّلت فيهو قون" أكثر من مرة.و يستمر اللعب بين الفريقين وسط الهلولة و الزغاريد و الضحك ، و كل فريق يحسب حصيلته من " الأقوان".إن استعارة رقصة العروس الحضرية للمضمون الرمزي لرياضة كرة القدم يموضع كل من العروس و العريس في موضع الخصم الند الذي يتصدى للعب بغاية الكسب و حيازة تقدير الجمهور. و غني عن القول أن الإشارة الإيروسية لفكرة إصابة المرمى في رقصة" القون" لا تغيب عن خاطر جمهور المشجعين من الجنسين ، بيد أن " القون " هنا مجازفة محتملة يتقاسمها الطرفان ، فالعريس معرّض للقون كما العروس.و هذا النوع" الحديث" من اللعب يساهم في نخر و خلخلة أساس الإتفاق الرمزي البائد للقوامة الإيروسية التي تفترضها ثقافة المجتمع الذكوري في جنس الرجال على جنس النساء.و هكذا، بذريعة" الرقص/اللعب" تنقل رقصة العروس المعاصرة موضوعات الندية و الكفاءة الرمزية إلى مقام حداثي يساعد الرجال و النساء المعاصرين على إعادة إختراع العلاقة ضمن منظور غير مسبوق.
و المتأمل في تحولات رقصة العروس ، بين مشهد الأمدرمانيات اللاتي وصفهن حسن نجيلة في الثلاثينات لغاية مشهد الراقصات المعاصرات اللاتي يجعلن من رقصة العروس مناسبة لتنظيم مباراة ضد جنس الرجال، يلمس بسهولة أن المسافة بين الرقصتين هي المسافة التي قطعها رجال و نساء مجتمع الحواضر العربسلامية بسبيل إبتداع طقس جمعي حديث مموّه ضمن الإتفاقات الأيقونية التقليدية، و ذلك على صورة حداثتهم الملتفعة بثياب التقليد.و غاية الجهد مباصرة المخارج المريحة لأولاد و بنات المسلمين من عسف "النظرة الأولى" و من هول "النظرة الثانية" الزانية.فالنظرة الأولى المباحة لا تشفي الغليل بينما الثانية المحظورة تفسد الدين. و المشكلة هي أن حياة السودانيين الحديثة، التي لا تستغني بحال عن هذه النظرة الثانية الزانية، لم تزل تفاوض فرص إعادة تعريف العلاقة بين أبناء و بنات المسلمين بما يضمن للجميع أن يقعـّدوا ما تبقى لهم من متاع الذاكرة التقليدية في فضاء الحياة الحديثة بأقل ضرر ممكن..و هذه المفاوضة التاريخية حاصلة ـ منذ فجر الغزوة الإستعمارية ـ تحت ضغوط شتى مادية و رمزية. وحتى تخلص هذه المفاوضة الحضارية التاريخية، (ترجم " الطبقية")، إلى نتيجة مقبولة (و هيهات)، سيبقى حال التجريب قدرا مكتوبا على كياناتنا الإجتماعية و الثقافية ، و " الأرضة جرّبت الحجر" ( كما يقول مثل لم أخترعه ).
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.


صورة


.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

حديث البوشاني 1

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 31


السطور التالية مواصلة للمناقشة في موضوع الرقص في السودان. و هي تتضمن المراسلات مع بعض الأصدقاء من قراء "جهنم" الذين نفعوني بتصانيف في القراءة الرشيدة فشكرا لهم و شكرا لكل من برني بانطباعاته النقدية شفاهة ، فالكتابة في هذا الموضوع المعقد المركب لا تكون إلا تضامنا و اليد الواحدة لا تصفـّق و لا تكتل غزال كما يقول المثل الشهير غير المعروف.
أبدأ هنا بنشر المراسلة مع الأخ الفاضل الهاشمي ( المنشورة في" جهنم" رقم 26 فبراير 2005) و تعقبها رسائل من صحاب آخرين كنت أزمع نشرها في عدد لاحق من " جهنم" حالت دونه ملابسات ضيق المجال و تشتت الحال مما تعرفون.و للأعزاء أن يتدخلوا ليعدلوا أو يصححوا أو يستطردوا ما شاء لهم حتى نستعدل مسار هذه المناقشة القديمة الجديدة و ندمجها في هموم أهل السودان ضمن مشهد العصر.


حديث البوشاني1
رسالة من الفاضل الهاشمي(تورنتو/ أكتوبر 2004)

العزيز حسن
استلمت جهنم، العدد 25، و وزعتها على الصحاب التورنتيين.
تهانينا على عمق الورقة و هي" تطمح لطرح مؤشرات نقدية في صدد علاقتنا بالتعبير الجمالي لحركة الجسد، و ذلك في إحتمال الرقص ، كما يطرحه تقليد رقصة الرقبة في السودان"(كشف المكنون، ص 3).
هذه هي الصيغة و الصياغة ، بل الهدف الذي طرحت الورقة نفسها به.
و كقارئ أحاول أن أحكي تجربتي مع الورقة الباسلة، و هي تسعى لقد عين الشيطان ، شيطان الجسد،.. و ربما تجاوزت في تعقيبي المهمة التي طرحت بها الورقة نفسها..
في نظري أن التحليل يتحرك كثيرا على عدة مستويات، نظرية جمالية و سوسيو سياسية، و هذه المستويات أكسبت النص تعقيدا يجب تأهيله بمقدمة منهجية قبل الدخول المباشر في المشاهد.. طبعا أشير هنا إلى ما اعتدناه في مناهج البحث التقليدية ، اللهم إلا إذا كان عندك اعتراض عليها..لا أقصد أن الورقة ليست مسنودة بمنهج و إنما بمدرسة" حداثة طليقة" ، لو استلفت تعبير د. عبدالله بولا في مكان آخر...
لتوضيح وجهة نظري سأورد مقتطفات من الورقة تصلح لأن تشكل مدخل نظري أو توطئة منهجية، مثلا:
1ـ كون الجسد " هو أول خط للمواجهة بين التقليد و الحداثة" و آخر خط لتلك المواجهة كمان.و أن أهل الحواضر السودانية فتنتهم" الحداثة التي استقرت في بلادنا بالعنف و التقتيل و بأنواع الغوايات الحديثة" إلخ ص 3
2ـ الشروط التي تتحرك فيها الحداثة ..شروط " السوق" و كونه " في تحليل ما إنما هو آلة توحيد نهائي للمواصفات التنظيمية الإنتاجية و الإستهلاكية، و هي آلة لا تطيق الإستثناء أو التسويف الذي قد يعترض أداءها بذريعة الميراث الثقافي لهؤلاء أو لأولئك.و هي آلة لا تطيق الثقافة إلا كترس إضافي يزيد من طاقتها الإنتاجية" ص 7.و يا سلام عليك و على هذا التحليل السلس.. و القلم الرسام المدهش.. تذكرني بحديث ماركس حول الدين.. و الذي أحكم سبكه..
3ـ و الفقرة 2 أعلاه دخلت في صلب تحليل مشهد أولاد العرب حيث " معاني الجسد في سياق الحداثة الرأسمالية تبقى رهينة منطق السوق.." إلخ. ص 14 .و ليتك أسهبت في حكاية "التم تم" و ربط مشهد أولاد العرب بالعنصرية.. و لعلك افترضت أن القارئ مُلم بذلك...
4 ـ الحداثة الطليقة.. كون تقليد الرقص الموروث" يستفيد من الدم الجديد الذي تحمله المساهمات المجلوبة من تقاليد حركية أجنبية، يستفيد منه في تمديد و بسط خصوصياته الثقافية السودانية، بل و " السودانوية" التي وردت أكثر من ثلاث مرات في الورقة دون أن توضح ما ذا تقصد بها.كذلك العودة لسنار ، فهناك إفتراض أنك لا تحتاج لتعريفها. " و" السودانوية " وسط أهل الحواضر المتعطشين لقرائن تدعم مزاعم هويتهم الثقافية المتصلة ضد بؤس وجداني متنام في ظل القطيعة الثقافية الراهنة" ص 18.
"و كون السودانيين يتقاسمون تراث التشكيل الجسدي الإنساني، مع غيرهم من خلق الله شرقا و غربا، شمالا و جنوبا" ص 18.
إذا كانت هذه مؤشرات مدرسة حداثة طليقة فبالأحرى التمهيد لها في توطئة و مدخل نظري.
5ـ ربط السماحة المشهدية بمشهد المحفل الوطني السعيد، لتعرية مدرسة منصور خالد و آخرين " سودانويين" كثر، عنصريين احتفلوا بالتقليد الثقافي السوداني " النيلي ـ الجلابي"، بوصفه" تقليد هجنة عفوية مؤدّاها الحتمي تحقيق التمازج على قيم الإسلام و العروبة بدون قسر" ص 19.
و قد أهنيك ثانية على إقحام منصور خالد، داعية تقليد الهجنة العفوية. و بالمناسبة فقد قرأت له ذات المعنى مؤخرا، لعله في " إتفاقيات السلام، البدايات و المآلات" ( الرأي العام، يوليو 2004).
و المحطات أعلاه أراها مرة أخرى تتبلور في مساعي إصلاح الحداثة:" و السعي المحموم المتعدد المصادر نحو يوتوبيا الحداثة، و الذي ما يزال يتخل"ق تحت أشكال حرة متفرقة، و أحيانا متناقضة. في أمكنة متنوعة ، و بدون أي رابط تنظيمي مركزي،لا بد أن يؤتي أكُله بشكل أو بآخر، لصالح حداثة أخرى جديدة تصحح إنحرافات السوق و تقعّد لقيات التقدم في آفاق الحرية و العدل و الرفاه" ص 25... كل ذلك بغير مقدمة نظرية..
مداخلات أخرى:
تقول : " منطق السوق الرأسمالي الحديث لا يدمر البنى الإقتصادية للمجتمع فحسب و إنما يدمر وراءها مجمل البنى الثقافية التقليدية التي كانت تدعمها و تبررها في الخاطر الأخلاقي للمجتمع" ص 8 ...
لا أتفق مع الجزء الأول فيما يخص المستعمرات و العالم الثالث، فقد احتفظ السوق الرأسمالي بالبنى الإقتصادية للمجتمع التقليدي في أفريقيا لصالح عملية إنتاجية شائهة ليستفيد من العمل الرخيص في القطاع التقليدي.و في السودان أبقى على مؤسسات سياسية( الإدارة الأهلية) لنفس الغرض. أما على مسنوى البنى الثقافية...مندري. فهذه فولة أنت كيّالها.. أو كما قال..ثم أن مقولة التدمير تنفي وجود " تقليد الرقص الموروث" بشكل ما..و المقوبة بإطلاقها تجعل مفاوضة مشروع إصلاح الحداثة" دون أن نتناسى ما في ذاكرتنا الجمعية من " كسور و بواقي" من ثقافة المجتمع العربسلامي قبل الرأسمالي"(ص 25)، المقولة تجعل هذا الـتـفاوض خالي الوفـاض، و تمـسخ شروط التفـاوض و تحوله لـــ
" ون وي"... خاصة و التقليد انحصر في "كسور و بواقي" و " أطلال التقاليد الشرقية" و " حفريات التقليد اليهودي" (ص 25).و لا شنو؟
ــ ص 2 تبدأ بكلمة " القانون " ما فاهم يا وسطى..؟؟ علمني أفادك الله..
ــ يا حسن ياخي خليك حساس شوية و رفقا بالعواجيز، زوّد " الفونط " دا درجتين.. ناس تورونتو زهجانين من الحكاية دي..

ــ هناك تحدي لمشروع إصلاح الحداثة.. فالحداثة صنوة السوق..و السوق " آلة لا تطيق الثقافة إلا كترس إضافي يزيد من طاقتها الإنتاجية" ص7.و صنو السوق نظم إستبعادية ثقافية. و ضمن هذه النظم ثنائية الجسد /العقل التي تكرّس للثنائية الليبرالية بين المواطنة السياسية و الإقتصادية.. دحين مع "كسور و بواقي "التقليد كيفن ينعدل مشروع إصلاح الحداثة؟ ما عندي إجابة لكني ما متشائل.
غايتو ما شايف في كل تفاصيل رقصة الرقبة غير رؤية ثاقبة مفتوحة على فضاءات مدارس
Feminist& anti-racist thought
مبروك عليك يا زول..و عفارم أنا مستمتع و منسجم...
ــ تقول : " و أستخدم عبارة الطبيعي في معنى " الحيوي"، و قيل الحيواني الأولي ، بما يسوّغ لي موضعة لغة الجسد الحيوان قبل لغة " لسان المقال" في عمق الذاكرة الحيوانية للإنسان."ص9. يا سلام على الحساسية . فال بلموود
Val plumwood

انتقد شومسكي ، و سأقتطف الآتي:
« Chomsky lacks a broad theory of oppression,which might be able to unite the conserns of oppressed groups, but also in some areas his thought contains elements of insensitivity to certain forms of oppression or is downright inconsistent with liberation perspectives…He modified his account of syntax and criteria for language use so as to deny the key elements of linguistic capacity to non human animals. Thus he has done much to reinforce a traditional mechanistic account of animals, which denies them access to reason and present humans as discontinuous from the « lower » animal world.Historically, this treatment of the animal ( and of oppressed human groups identified with animality or nature) as radically other, has been a key element in denying kinship, blocking identification and sympathy, and maintaining the structures of oppression for animals, for nature and for those human groups(such as women) assimilated to them ».P.3, Noam Chomsky& Liberation politics.

ــ السماحة المشهدية في رقصة العروس بكل تهتكها الذي يقف على مشارف الـ "ستريبتيز"
Striptease
هل لهذه السماحة صلة بسماحة " عفا الله عما سلف"؟؟
لكن لعبة " إبرة ودّر" تجاوزت الستريبتيز.
ــ " الطبقة الوسطى العربسلامية" إلخ ص 20.أنا ما معاك في حكوة الطبقة الوسطى دي..ما مرتاح للوسطى دي..يا وسطى..مثلما لا أرتاح لتوصيف أحزاب الوسط و اليمين في السودان.. غايتو ، أسلم عندي " أهل الحواضر العربسلامية"(ص 24).
ــ " وضعية الضعيف المغلوب على أمره إنما تمثل المصير القاسي الذي كتب على السودانيين، و على غيرهم ، مكابدته في حركتهم و سكونهم، و من واقع بؤسهم الجمالي و النفسي الراهن، ينحدر القوم نحو وهدة الإحباط الروحي و هم يشهدون الهاوية تتسع بين سمو عقيدتهم الجمالية الموروثة من الأسلاف، و إنحطاط جماليتهم الإيروسية و إضطراب نظامهم الرمزي الراهن..و في نظري الضعيف[حاشاك] فإن شرط الإحباط الجمالي الراهن مسئول لحد كبير عن وقوع مشهد رقصة العروس المتأخرة في شرك مثلّث حديث ـ و قيل حداثوي ـ مكون من الرفث المشهدي و الرفض الديني و الغوغائية الوطنية" ص 26.
I am impressed
هذه الفكرة أيضا تصلح ضمن المقدمة النظرية للورقة.. و هذا لعمري مانيفستو جمالي..
ــ أول مرة على ما أظن يتم ذكر العربسلاميين و ربطهمبـ " أهل وادي النيل الأوسط" تم في صفحة 32.هناك عربسلاميين غرب النيل برضو..
ــ و بعد نحن " أمام قارة عذراء جديدة لم يستكشفها أحد بعد. و الخرائط الوحيدة الممكنة لهذه القارة الجديدة هي الخرائط التي سنرسمها لها أثناء توغلنا في دروبها التي سنفتحها بوسائلنا المتواضعة و على قدر طموحنا الفادح نحو تأصيل مشاركتنا في صياغة جسد حي للوجود الإنساني الخلاق" ص 38.و بدون الثقافة الحداثية الأوروبية و بدون" الكسور و البواقي" ص 35.التي بذاكرتنا التقليدية و التي دمرها" منطق السوق الرأسمالي الحديث الذي دمر قبلها البنى الإقتصادية للمجتمع التقليدي" ص8.يعني مافي "عطاء متبادل ضمن السياق التقليدي" يجعل أو يخلق " مشروعا في أنسنة الحداثة و إصلاحها أخلاقيا"حسب ملاحظة " مارسيل موس" التي أوردتها في ص 8.غايتو يا حسن الكلام أعلاه بتاع صفحة 38 (أول تلاتة سطور في صفحة 38) مابمشي مع تفاوض مشروع إصلاح الحداثة بتاع صفحة 35 الفيهو" كسور و بواقي" و " حفريات التقليد اليهودي"..نان كيف يتم" تأصيل مشاركتنا" من الدمار الثقافي العظيم إياه الذي إكتسحه السوق و العولمة؟؟
تقول أغنية عقد الجلاد:" نحتاج دوزنة ..وترا جديدا"، لا يهم إذا كان الوتر من صنع آخرين، فسيتم " تأصيل مشاركتنا في صياغة جسد حي" للنشيد و لحنه.. أنا شخصيا مقتنع لكن البقنع الديك منو؟
ــ كيف ترى هذين النموذجين أراء الجسد الإنساني الممسوخ؟
نموذج أول:
أغنية محمد الأمين( لا أذكر شاعرها)، تقول أبياتها:
" جديات العسين قالن لي: أحمي رهودنا
عن أسد الشرى
و امنع ضواري فهودنا
قالن لي: لو تحفظ مواثيقنا و تراعي عهودنا
تتوسد ضفايرنا و تنام في نهودنا.."
غايتو في هذه المقايضة " غير الضيزى" المرأة كسبانة مرتين..
كيف نهد اللعيب يا بشارة؟با أقول : كيف جدي العسين يا حسن موسى؟ أو كيف ود جدي العسين الراقد حدارة؟؟
هذا جسد كردفاني مبين؟و هو أول و آخر خط للمواجهة بين الأسود و النمور. كدي كب لينا علم جمال في الأنثروبولوجيا دي يا دكتور.
نموذج ثاني:
قال الخليفة عبدالله للبوشاني: " قوم بوشن في الأنصار يمشوا للجهاد بلا قنقنة ( يعني بلا نقنقة .. أو كما قال).كان ذلك أيام الجهاد العصيبة التي لابد لها من توجيه معنوي قاس. فانبرى البوشاني مبوشنا يتشكـّر و يتنبـّر:
أنا الجُلـّة الفرطقتْ
أنا عريانة دَنـْقـَرَتْ
أنا اليوم الأبتا الكتيرة
يوم خيلنا لاقو خيل الترك
كِن فرسي أبى بي راسا
بي ضيلا بدخُلا "
هذا البوشاني الفصيح فارس " شين " ما بتقابل.. غايتو أنا ما تشكيلي و لا حاجة...ماهو موقف "عريانة دنقرت" من إعراب الجسد و الهوية؟؟ أفيدونا يا علماء الجمال بهذا القبح و الشنا المزعومتين..
و بعد أرقد عافية ، و في انتظار رسالتك.
الفاضل الهاشمي
تورنتو 2004
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚËãÇä ÏÑíÌ
مشاركات: 267
اشترك في: الأحد مايو 22, 2005 9:57 am
مكان: كندا

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚËãÇä ÏÑíÌ »

الاخ حسن موسى كتبت:

"(يا مصطفي لو عندك الرابط بتاع المقابلة المعنية مع ندى القلعة نزّلو لينا عشان الكلام في موضوع مغنيات زمن الإنقاذ محتاج لمباصرة إضافية)."
أعتقد هذا هو الرابط المعنى:-
https://almshaheer.com/modules.php?name= ... it&lid=271

"بحب دائماً لمّن يكون فى حتّة بنجلدوا فيها ناس..
يعنى حصلت لى قبل كم يوم كده شغالة حفلة.. فكان فيها جلد.. و أثناء ما كان الراجل بشيل السوط كده
(ضحكة) يضرب التانى ده.. بشوف اللحم بتاعو لونه أبيض كده.. بشيل اللحم بتاعو فى السوط بتاعو..
فأنا ما تتخيلى بتكيّف كيف..
من شدّة ما فرحت قمت زغردت ليهو و أنا ما بعرف بزغرد..
إتكيفّت و تقول أنا بجلدو فينى..
متكيّفة و ما دايرة أوقّف كلو كلو..."

تحياتى
دريج
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

يجازي محنك يا دريج،
نَكّتَّها كم وين؟
مراسيلي لناس الخرطوم تطاقش للحصول على تسجيل للحلقة ، لامن نسيت الموضوع.
ملاحظ يا حسن التغنى وسط معمعة الجلد بأمجاد أحفاد سلالة العباس من أم الطيور و كَلِي !
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

الأحباء هُنا
الدكتور حسن موسى وأصحاب الملف :
تحية واحتراماً


للنهل من هذا المورد أن نجد فُسحة زمان أو عُطلة .
لا أعرف هل تم عرض الموضوع أم لم يتم ، لكنني أذكر
رقص الذكور ومن كبار السن في حلبة الرقص على مديح رسول الله
وسط زغاريد النسوة . ( المنطقة أمدرمان القديمة ) .

نورد هُنا مقال لي عن ليلة مع الشيخ علي المبارك المادح كنتُ أصفها كما هي :

مرفق النص :


أُمسية مع الراحل/ الشيخ علي المادح .

منْ يُجلِ السرائر غير المولى صاحب الزمان والمكان ، ومن يفتح كنوز النفس البشرية لننهل من مائها العذب غير المعبود الذي احتجبت صورته ترفقاً بمُحبيه .

عندما سأل أكرم الخلق سيدنا عُمر :

ـ أي الناس أحب إليك ؟ .

تلعثم الصحابي الجليل ، فذكَّره المُصطفى عليه الصلاة والسلام بمحبته . تصغُر محبة النفس وتَعظُم محبة المُصطفى . صلاة عليه ذكراً عند كل لمحة ونفسٍ . ففي مُقتبل العُمر تعلَّق قلب الشيخ ( علي المادِح ) بحُب رسول الله ، فحَباهُ المولى بصوتٍ جهير ، و بعُذوبة تزوي عند سماعها الطير لتتسمَّع تغريد الوَلِه الذي عشِق الحبيب .

وجه ( علي ) نضَّره المولى بإصباح عجيب . مربوع القامة ، وضَّاح بسُمرة . نَضار يكسو قُرص وجهه . ضفائر معقودة ترتاح على الكَتِف . وقَّاد النظرة ، حَور العينين يُشرِق . تأخذك محبتُه من أول نظرة . تخرج الطُرفة من فمه بريئة يكسوها الورع من الزينة والزُخرف ، حتى تحسب أن روائح النعيم قد عرَّجت عليك في دُنياكَ لتُغريك بالخير لتفعل ، ويسلَم المُسلمُون من لِسانَك واليد ، ومن كل قسوة تتخفى من لُغة تجاسرت أو طبع طَفَح .

ذكَّرني الصديق ( النيَّل عبد الرحمن المُقدم ) بأن ( علي المادح ) سيؤنِس مساءنا الخميس القادم ، ويُعطرنا بمديح رسول الله . قلت له :

ـ دوماً تُحدثني عنه وألقاه أنا دوماً على عجل ! .

عند التلفزة أحياناً ، يأخذني وهج الإيحاء فأتسمَّر مُشاهداً له ، أنسَ الدُنيا ومن عليها . يُمسِك هو بأحرُف كلمات الشِعر، يستنطقها، ويرُويها من سلسبيل صوتِه الريَّان الذي تضمَّخ بالتجويد القرآني . تشتدُ أوتار الحُنجُور ، وتُرفرِف ريح الصدر وتهتز الأوتار صعوداً مُستغرِقة ، وهبوطاً غارقة في نعيم التصوف الشجي .

على مجلس الكِبار حجزتُ مكاناً وثيرا في المُقدمة مع أعمامنا نُطِّل على الباحة أمام الدار . الطقس أنعم علينا وتجلى ، أمسك قبضة من نسيم الربيع المفقود ونثر بَوحه علينا . فُرِش السجَّاد من تحت أقدامنا وغطى الباحة أمامنا . توسط الشيخ ( علي المادِح ) المجلس مُتقرفِصاً وعلى اليمين واليسار جلس الأحباب معه في الإنشاد . الإيقاع الرشيق رويدا يأخذ بالأسماع.
بدأ ( الشيخ علي المادح ) بإنشاد قصيدة الشيخ ( أحمد ود سليمان )
( ضوء الليالي السود ) :
صاحب اللواء المَعقُود ضوء الليالي السود
أعطوكَ الشَّفاعة وحوضَك المورود
صاحب اللواء المعقُود
بسم الله ابتديت بالواحد المعبود
الصَّمد القديم الباقي حي موجود
صاحب اللواء المعقود

بدأ واضح النبرات ، أضاء المكان بصوت يتلألأ . غرَّد المُحب العاشق ، شقَّ الليل بأنواره ، يُعرِج بك في الصفاء : سماء تتلوها سماء ثم أُخرى ، وتغرف أنتَ من النعيم و تشرب. تقشعِرَّ الأجساد من مُلامسة الإيقاع التصويري وتهتزّ الرؤوس وتطرب القلوب .
يُمسك ( حاج أحمد ) بعصاه يتوسط الباحة راقِصاً ، تدور العصا في هالة قُرص من حول رأسه و ( يَعرِضْ ) . قليلاً ثم تتكئ العصا قُرب خصره ، وبدأ ( رقص الحمام ) . زغاريد النسوة تشَق عنان السماء ، ونحن نغُوص في مقاعدنا الوثيرة تعصُف بنا الأشجان . اضطراب للنفس عظيم حين يموج جسد الشيخ الكهل بنضار شباب اليوم !. لم يكُن

( من تُقل المَرَجرَج و الخايض الوَحل ْ )
، بل غُصن يتلوَّى مع النسيم ! .

يصدح البُلبل العاشِق :

سنَّيت بالرسول ضوء الليالي السود
مصباح الظلام الفَضلو ما مجبود
صاحب اللواء المَعقُود
يوم هَول القيامة النار لِسانا يقود
جانا المُصطفى وخمَّدها لينا خمُود
صاحب اللواء المَعقُود
يوم وُضِع الرسول النور هِلال ضوى
حَاضرات فِي النِساء مَريَم معَ حواء
صاحب اللواء المَعقُود
لولاك يا الرسول لا كان ولا كُنَّا
لولاك يا الرسول ما بَانت الجنَّة
صاحب اللواء المَعقُود
لولاك يا الرسول الدُنيا ما كانتْ
لولاك يا الرسول الآخرة ما بَانتْ
صاحب اللواء المَعقُود
....................

في ربوع ( الفتيحاب ) القديمة ، ترى الأنجُم ساهرة و بيوت الطين نائمة تُطل على النيل الأبيض . هُناك مرتع صبا الشيخ ( علي المادح ) . فيها نشأ وأضاءت شمسه ثم غرُبت في ريعان الصبا ، و فيها سُجيَّ و وُريَّ الثرى . تترفق الأرض ويتسع حِياض باطنها مزرعة للأجساد عند انقضاء الآجال ، أوحين تُرفعُ أبسطة العُمر وترحل الأرواح إلى أفنانها التي لا نعلم .
رحمه المولى وأنـزل على قبره ماءً ينسكب من أباريق الجنان الموعودة يُزهر ، ويُرطِّب الأكباد المُنفطِرة ويلُمَّ العقد النفيس الذي انفرط من مُداح رسول الله ، وهم يتبعون ظلال الخير الوارفة عند ذكر الحبيب المُصطفى . ينتشلوننا من غُبار الدُنيا وملذاتها . يطوَّفون بنا عشقاً بمدحه ، ألف صلاة وألف سلام عليه .

في ذكرى رحيل الشيخ علي المادح ، نمسح دمعاً عن المآقي .

ألف سلام عليه في مرقده ، وألف قارورة عطرٍ تنسكب من الجنان السرمدية
بإذن مولاه .

ذهب الجسد وبقيت السيرة ، و ما أطيبها سيرة .

عبدا لله الشقليني
18/03/2006 م
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جيوبوليتيك الجسد 32

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الج 32

محمد عثمان دريج
شكرا على رابط ندى القلعة و سأعود لجوانب من هذا الأمر الجليل.
مصطفى آدم
إنت ناس العباس ديل كانوا بحملوا السوط بالجد؟ و لا البطان دا استلفوه من نسابتهم النوبيين؟
الشقليني
رقص الذكور في حلبة الذكر فيه جوانب غميسة ، أغمس من رقص الإناث، و هو محتاج لجكّة أطول من جكة رقيص البنات.



اولاد العرب و عبيد الشايقية

و رسالة للفاضل

دوميسارق في 12/12/2004
الفاضل الفاضل،
سلام جاك يا زول و ألف شكر على رسالتك العامرة، و هذا يا صاحبي تعليق على عجلة أخرى من عجلات الشيطان ـ شيطان المشاغل ـفعفوك حتى أعود بتأنّ لمجموعة الملاحظات النقدية المركبة في مكتوبك، و التي أضاءت عندي بعض خوافي أدب الجسد في السودان.
وبعد..
أولا بالتبادي، في نقطتك نمرة تلاتة، في خصوص " مشهد أولاد العرب" فأنا أرى أن ربط مشهد القوم بالعنصرية هو ، من جهة ، يدخل في باب تحصيل الحاصل ، كون عبارة " أولاد العرب " نفسها ، في خشم سيدها، مولانا البروفسير عبدالله الطيب المجذوب، سليل" الفقرا" و حارس اللسان العربسلامي في بلدان أفريقيا قاطبة(و كمان " ود عزّتين و شبعان لكاعة" كما تعبر بلاغة أهلنا في دار حَمَر)، أقول: ان عبارة " أولاد العرب" إنما تنضح بعنصرية غليظة غاشمة ، بل ان غلظتها و غشامتها تشفعان لها فأصنـّفها في باب الأدب الشعبي الواسع.و " أدب الشعب " ـ الذي هو على صورة الشعب نفسه ـ بحر من التناقضات فحدّث.أيوة ، حدّث عن الطيب و حدّث عن الخبيث في أدب هذا الشعب، شعبنا..حدّث عن وضع المرأة و عن الإستعلاء العرقي و عن الرق و عن الخفاض و عن تراث الإستبداد السياسي مما جميعه، و أنت أدرى بـ "أولاد العرب" المقيمين في موقع النخبة المثقفة في بلادنا دون أن تحصّنهم ثقافتهم الحديثة من إعتبار الرق سبّة تشين العبد المسترق دون سيده.( أنظر رسالتي للأخ حيدر ابراهيم علي طيّه)




(فاكس لحيدر)
18/9/1999
دوميسارق
حيدر يا أخانا الذي..
سلام جاك [ و لو]" أكل عشاك و مشى خلاّك"، كون السلام في الزمان الراهن صار " أندر من الكبريت الأحمر".وصلني فاكسك اليوم في خصوص الـ " ديسك" بتاع نص ورقتي التي قدمتها للندوة، و قد توكلت على الحي القيوم و بعثت لك بنسخة جديدة بالبريد اليوم 17/9 و لو وصلتك فاعلم أن بعض التنقيح قد لحق بها في بعض المواضع، و هي أفضل من سابقتها فتوصّى بها و جنبها مشقات التصحيف ينوبك ثواب.
أما بعد .. و أما قبل، فقد كانت القاهرة في ذلك الصباح(4 أغسطس 99) زحاما حبيبا من السودانيين في بهو المجلس الأعلى للثقافة،شيء كصباح العيد، رجال و نساء و أطفال يتصافحون و يضحكون بصوت مرتفع.
كنت قد فرغت من مصافحة الأصدقاء، و وقفنا ننظر لبعض في عجب من كوننا نلتقي ـ باسم الثقافة ـ في مثل هذا المكان ـ بعد إنقطاع طال سنوات ـ و باسم الثقافة أيضا.إتسعت حلقتنا و علت أصواتنا بالسؤال عن الأحوال. محمد المهدي جاء من الخرطوم ليتحدث عن الطيب صالح و مسألة الهوية ،إشراقة جاءت من فينـّا لتتحدث عن الإعلام و التنمية،محمد خلف الله و عبد السلام سيدأحمد جاءا من لندن، و أحمد الأمين البشير و اسمعيل عبد الله من الولايات المتحدة. محمد عبد الخالق ، الباحث الشاعر الشاب المقيم في القاهرة، قال لي : أتابع كتاباتك ،و كنت أظنك أكبر مما يبدو عليك. و لم أقو على كتمان الخاطرة، فقلت : أنا أيضا كنت أقرأ لك و في خاطري أنك أكبر مما تبدو عليه، و على كل ، إن كان للثقافة السودانية فائدة ، فهي في كونها أتاحت لنا أن نرى بعضنا و نضع وجوها على الأسماء التي عرفناها على الورق عبر السنوات.و ضحكنا،فرغم الشتات ظلت تربطنا الكتابات و المتابعات المنشورة في مطبوعات و صحف المنافي غير المنتظمة. و أظن أن فرحتنا الغامرة باللقاء كانت من جراء المشاهدة التي حصلت بعد الجوابات.
الصديق فضيلي جماع شاعر و متحدث ماهر، حيّى الحاضرين و حيّى الطيب صالح الذي انعقدت الندوة على شرفه، و قدم لحديثه بعبارة مأثورة لشاعر أمريكي (إيميرسون؟) و قال : " رجا واحد عظيم يصنع أغلبية"( و أظن أن الصحيح: " رجل واحد شجاع يصنع أغلبية")، و ما يهم؟فنحن هنا شجعانا و شعراء و فنانين و أدباء و باحثين و معلمين تشابكت أقدارنا و مصائرنا من جراء تبعات التقدم و الديموقراطية فاستحلنا، رغما عنـّا، إلى نوع من " أقلية ساحقة" لم يعد السياسيون يملكون القدرة على تجاهلها في الطرح السياسي الراهن في بلادنا.ففي السابق كان ممثلو السلطة السياسية يتحدثون أولا ثم يأتي المثقفون بعدهم ليتولوا مهمة الشرح و التعليق و التأمين على هوامش الخطاب السياسي الذي عرّفه رجال السلطة السياسية.اليوم نلتقي مع السياسيين في المنفى كما نلتقي مع "عزيز قوم ذلّ" و نتحدث و نفتح باب النقاش لنشرّكهم في الكلام إحسانا، و هذه حظوة كبيرة ندين بها لملابسات العمل السياسي في المنافي، و لعل أميز مؤشّر على إنقلاب العلاقة بين المثقفين و السياسيين في السودان هو أن السياسيين السودانيين صاروا يتحدثون في قضايا الهوية الثقافية داخل الخطاب الذي طرحه المثقفون. و تشهد على هذا الإقتطافات ( الإجبارية) من أشعار أدباء الهوية، التي يضطر لها القوم لتوضيح أو لدعم حججهم السياسية.كما تشهد عليه الحظوة ( السياسية؟) التي احتازها بعض رجال الأدب و الفن.( الطيب صالح ، المجذوب، عبد الحي ، فرانسيس دينج، محمد وردي ، محمد الأمين و مصطفى سيدأحمد، ممن نجحوا في بناء صورة الرمز الموحـِّد التي يلتقي حولها إجماع الجمهور..
و على سيرة الطيب صالح ، فقد لاحظت أن هذا الرجل" المشجب"( على حد عبارته"و ما أنا سوى مشجب" في كلمته الإفتتاحية)، قد كان نوعا من" قنطرة" بين " الأجيال"، في تلك الصالة التي اصطفـّت فيها أجيال أهل الهم الثقافي في السودان في هارمونية عجيبة.لقد اختار الطيب صالح لنفسه صفة " المشجب"، و كنت أظن أن صفة "القنطرة" تليق به أكثر، و كنت شجبت عنده ميلا للحديث في السياسة السودانية بغير احتراز و عبت عليه كونه نصّب نفسه مدافعا عن عرب السودان و مسلميه ضد أفارقته و مسيحييه( أنظرجريدة " الخرطوم" 26 أبريل 98)، بل و غتايت في ذلك حتى وصفته بأنه " عبد شايقية".كان هذا في أحد أعداد " جهنم"(رقم 9).و قد شعرت من تعليق المعلقين أيام الندوة أن هذا العدد، هو أكثر أعداد " جهنم " شعبية و أوسعها انتشارا.فقد أسرّ إليّ أكثر من شخص بأنهم لم يحصلوا إلا على هذا العدد، بينما طالبني غيرهم ، إن كان في الوسع، أن أبعث لهم بالعدد.بل أن " جهنم "، التي لا تطمح لأن تصير صحيفة سيارة ، نالت شرف الإستشهاد ( يا لها من عبارة) في صحيفة " الخرطوم" ، فاستـُشهـِد بما جاء فيها في شأن الطيب صالح،ضمن مقالة غاضبة عنوانها" لماذا تجتهد جريدة جهنم في إحياء العنصرية؟"، خطها قلم الأخ أحمد محيسي من" أبوظبي". و هي مقالة ظاهرها الدفاع عن الطيب صالح، و باطنها الدفاع عن قناعات السياسة اللغوية لدولة العربسلامية في السودان، على زعم أن ذيوع العربية و كتابتها يسوّغ اعلانها لغة رسمية للبلاد، فتسهم في " توحيد الشعور العام الوطني و الإنتماء.. و تقريب الأفراد و القبائل إلى بعضهم البعض و توحيد وسيلة التخاطب و لغة التعليم و الإدارة".
و منذ اليوم الأول للندوة سمعت الإشارة الغاضبة لكلمتي في شأن الطيب صالح، أثناء تقديم الأخ أحمد محمود لورقته" نقد عقل الضد و التعرّض التاريخي و الراهن مع الثقافة العربية في السودان". و أحمد محمود مدافع آخر بين المدافعين عن الآيديولوجية العربسلامية السودانية التي تعتقد في " دور توحيدي للثقافة العربية"، كثقافة سائدة بين ثقافات السودان الأخرى.أشار أحمد محمود لجهنم و اختار من كلمتي في شأن الطيب صالح عبارة " إنت عبد شايقية ، مالك و مال العرب؟" ليختم بها مداخلته في الندوة.و قد انتحى بي بعض الأصدقاء جانبا ليتحققوا من الأمر الذي رأوه مستبعدا، فأكـّدته لهم و تعجّبوا و طلبوا مني نسخة من عدد " جهنم " مقطوع الطاري.و بدا لي أن وصفي للطيب صالح بكونه " عبد شايقية " قد صار مثل " حجوة أمضبيبينة" في خطاب المدافعين عن العربسلامية السودانية ، الذين يهجسهم صفاء عرقهم العربي الهابط من سبط العباس.. أو كما قال.و بدا لي أيضا أني لمست وترا حساسا في نفسية هؤلاء المستعربين المتكلمين في الهويولوجيا السودانية و خاطرهم ما زال أسير العقد العرقية للمجتمع العربسلامي التقليدي في السودان.و هو مجتمع ما زال قادرا على فسخ الزيجات بين المحبين بدعوى عدم الكفاءة العرقية (و " العرق دسّاس").
المهم يازول، بدا لي أنني ،من جراء قولتي المشاترة في حق الرجل / الرمز الطيب الصالح، قد انمسخت لنوع من " وحش الشاشة" الثقافية، أو كما قال لي الأخ محمد محمود، عشية تقديمي لورقتي:" أنا كنت قايلك إرهابي ساكت"، فضحكنا معا و افترقنا.غير أن عبارة الطيب صالح في وصفه لنفسه بـالـ "مشجب" بدت لي أكثر صوابا.فقداستخدمته أنا في حديثي كمشجب علّقت عليه نقدي للعربسلاميين، و استخدموه هم لتعليق تبريراتهم و استهجانهم لنقدي، و لنقد غيري .
و واقع الأمر أن ظاهرة الرق في السودان إنما تنطرح كجزء من تاريخ المجتمع السوداني.و نحن الموجودون اليوم لم نختره ، لكننا لا نملك نكرانه، دون أن يلهمنا ذلك مفخرة أو مشانة، حسب موقعنا من عواقب مؤسسة الرق في السودان.و أنا لا أعرف ما إذا كان الطيب صالح " عبد شايقية " أم لا، فهذا أمر لم يشغلني في يوم من الأيام، و إنما خطرت لي العبارة المذنبة كـ " فخ " نفسي أنصبه لأولاد القبايل المتكلمين في الهويولوجيا السودانية، و يبدو أن " الشرك قبض ". فإن كنت قد جدّفت في حق أديبنا الكبير، فهذا شيئ ألام عليه( و " خليهو يمسحها لي في راسي" كما يعبر أهلنا )، و إن كان الأديب الكبير يملك أن يجاهر بانحداره من سلالة رقيق الشايقية فعلا ، فهذا يفسد عليه مقولاته العرقية في الدفاع عن عرب السودان فلا"ينقطع دابرهم" مثل عرب شرق أفريقيا أو عرب الأندلس إلخ..
و إذا كان الأديب يعتبر أن وصفه بصفة " عبد شايقية " مما يعيب فالرماد كال حمّاد، ذلك أن إعتبار صفة العبودية سبّة إنما يعيب كل من يتورط في نفي العبودية عن أصله. و في تحليلي النهائي، فكل من يعتبر العبودية سبّة في سودان اليوم، هو شخص معيب معاب لا يستحق أخوّة سلالات العبيد الموجودين بيننا و الذين يناضلون معنا من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان في السودان".
حسن موسى
18/9/99

سأعود لمواصلة ما انقطع من رسالتي للفاضل الهاشمي..
صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

مهرجان موحد للرقص المعاصر في 3 عواصم عربية للمرة الأولى

ينطلق في بيروت اليوم وعروضه تمتد إلى عمان ورام الله

صورة
بيروت: كارولين عاكوم / صحيفة الشرق الاوسط

إنها المرة الأولى التي يبدو فيها الرقص فنا له كيان ومؤسسات أهلية عربية متضافرة تعمل من أجله. وابتداء من اليوم ينطلق مهرجان عربي دولي كبير هو الأول من نوعه، تتزامن عروضه على عدة مسارح لبنانية واردنية وفلسطينية، بمشاركة فرق عربية ودولية، ويستمر على مدار 18 يوماً، وهو ثمرة جهود كبيرة في العواصم الثلاث، من أجل إحياء التبادل الثقافي العربي ـ العربي المنفتح على الثقافات الأخرى.


تحتفل بيروت ورام الله وعمان في وقت واحد، بمهرجان موحد لـ«الرقص المعاصر»، تنظمه شبكة تبادل الأنشطة الثقافية «مساحات» لتنمية التبادل الثقافي والفني وتطوير مفهوم الرقص المعاصر ونشره في المنطقة. والمهرجان هو ثمرة تعاون ثلاثة مهرجانات عربية هي: «ملتقى بيروت الدولي للرقص المعاصر»، «مهرجان عمان للرقص الدولي»، و«مهرجان رام الله للرقص المعاصر». وقد قررت أن تعمل هذه المهرجانات مجتمعة لتنمية الطاقات الابداعية وتهيئة المواهب، لتساهم في تأسيس مشهد رقص عربي معاصر، وافساح المجال للقاء مصممي رقص دوليين واكتشاف مواهب جديدة.

تفتتح العروض اليوم عند السادسة مساء على «مسرح مونو» في بيروت مع فرقة برازيلية، بينما تبدأ العروض في عمان يوم 21 من الشهر الحالي وتستمر لغاية 3 من الشهر المقبل، في ما تفتتح في رام الله يوم 24 وتستمر لغاية 5 مايو (أيار).

وتشارك في ملتقى بيروت، الذي يقدم حفلاته يوميا حتى 29 من الشهر الحالي، فرق من دول عدة، اضافة الى لبنان، أهمها اسبانيا والبرازيل وصربيا ومصر والدنمارك وتونس، وتتوزع هذه العروض في بيروت على مسارح «مونو» و«المدينة» و«قصر اليونسكو»، وثمة عرض في مدينة صيدا.

تتمحور فلسفة اللوحات الراقصة، التي تتوجه الى الشباب العربي بشكل خاص، حول مواضيع اجتماعية متنوعة مستوحاة من واقع الحياة، ووثيقة الصلة بتقوية الذات وحرية التعبير، بأسلوب ابداعي راق وبحرفية عالية.

وتشارك في المهرجان سبع فرق لبنانية، من بين ما تقدمه «اسأل التراب» للفنانة يالدا يونس، التي اختارت صوت مغني الفلامنغو الأندلسي خوان موروب، ليساهم معها في ايصال شعور الألم بخسارة أحبائها ومدينتها المدمرة، حيث تلتحم دمعتا الفرح والحزن مع اصرار على المقاومة والكفاح. وتتعاون مدربة الرقص ثريا بغدادي مع الراقص التركي حسن بن غربية لتقديم «جدار الصمت»، معتمدين على الحركة الشرقية في الرقص في عرض يمثل ثمرة تعاون بين الطرفين استمرت عشرين عاما. واختار جمال كريّم حرب يوليو (تموز) 2006 الإسرائيلية على لبنان، لتكون محور عمل يجمع بين الايماء والرقص والتهريج. ويعتبر كريّم أنه عندما يحزن الآخرون لا بد من وجود أحد يضحكهم ليخفف وطأة الألم، فكان هو مهرجا يرقص... لأناس يموتون.

وصمم الفنان اللبناني مالك عنداري عرض «رأسا على عقب» وأخرجه منذر البعلبكي، لالقاء الضوء على حياة شاب منعزل عن العالم الخارجي، يعاني فراغا من دون أن يحرز تقدما في حياته، سائلا عن طبيعة العالم الذي ولد فيه ومن أي نوع هو. واجتمعت المواهب الدنماركية واللبنانية في «لا تفاح في الجنة»، الذي تقدمه فرقة Eye Public، بقيادة المدربة الفنزويلية اللبنانية الأصل سارة جبران. يتألف العمل من أجزاء عدة أخذت من مسرحية «في انتظار غودو» لبيكيت و«المسيح الدجال» لفرناندو فاليجوس وطقوس دينية متنوعة أنتجت نموذجا غير تقليدي يتطرق الى مفهوم الجنة لمعالجته بدقة وتمحيص.

و«مين البطل؟»، هو عنوان لوحة الراقصة دانية حمود، التي تجسد من خلاله مقولة «الانسان يتحرك بهدف ارضاء حاجته». وتناولت مصممة الرقص زي خولي قصة امرأة مثلية، من خلال صراعها بين الايمان وهويتها الجنسية في «سري كبير»، الذي تقدمه فرقة مقامات للرقص المسرحي اللبنانية.

ومن العروض الأجنبية، التي تستقبلها مسارح بيروت، تلك التي تقدمها فرقة «كوبوس ميكا» الاسبانية بقيادة بيتر ميكا وأولغا كوبوس، الأولIf as is always وترتكز على تفاصيل العلاقة اليومية بين الزوجين، بالاعتماد على الأسلوب الارتجالي والانفعالات، التي تترجم بلغة جسدية متوازية. وكذلك A Stream يقدمها أربعة راقصين يتخطون الحدود الجسدية والجمالية، معتمدين تقنيات مختلفة بما فيها الارتجال والفنون القتالية والأساطير والماورائيات لانتاج عمل فريد من نوعه يترك أثرا عميقا في نفس المشاهد.

ومن البرتغال تقدم الراقصة باتريسيا بورتيلا كوميديا تراجيدية تحمل عنوان Flatland وتعكس حالة رجل يكتشف أنه يفتقد البعد الثالث من حياته، التي يلعب الجمهور دورا مهما فيها. تصور بورتيلا مراحل تطور هذا الرجل، وهل سينجح في الوصول الى الخلود عبر نيل اهتمام وسائل الاعلام.

ومن تونس تقدم شذا كمباني، عرضا تحت عنوان Pelvis workers (عمال حزم) والحزم يعني الحوض، هذا الجزء من الجسد الذي يتحكم بالكثير من الحركات وهو رمز للخصب والوجود.

ومن مصر تقدم فرقة أم آر ستديو Purple Red، هو قراءة خاصة لصاموئيل بيكيت ترجمت بواسطة السينوغرافيا والحركة لتقديم النص عبر صور مرئية راقصة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و من السودلن؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و من السودان؟
" كالطير يرقص مذبوحا من الألم"
من السودان؟
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الج.33

الفاضل:

السودانوية ما السودانوية
(و" ما القارعة"؟..كل الحقوق محفوظة)
أما في موضوع إغفالي تعريف" السودانوية" و " العودة إلى سنار"، فملاحظتك نمرة أربعة في محلها.فقد شهدت السنوات الأخيرة أكثر من مساهمة في تعريف " السودانوية"، و هي مساهمات تتنوع و تتناقض على تباين المصالح و المطالح بين قوم في إختلاف محمد عبد الحي و محمد المكي إبراهيم و الصلحي و أحمد الطيب زين العابدين و منصور خالد و الطيب صالح إلخ. و في " إلخ" ضف الجماعة الطيبين الماسكين عصاية الهويولوجيا من النـُّص و ما دايرين " يغلـّتوا" على زول و كفى المؤمنين شر القتال و عفا عمّا سلف إلخ . فـ "السودانيون بطبعهم السوداني الأصيل" متسامحون ، و حتى في عزّ الحرب و التقتيل تجد بينهم من يغني مع " منقو زمبيري" و " يوسف فتاكا" :" سوداني بليدنا و كلنا آكوان" أو يتساءل مع الطيب صالح: " من أين أتى هؤلاء الناس؟" إلى أن تدركه رصاصة طائشة( شوف ليك جنس عبارة..و هو في رصاصة غير طائشة؟)تجيب أجله و يبقى لأهل السودان الصبر و السلوان.
أقول : كل زول من السودانيين أعلاه ـ على تباين المشارب و المآكل ـ ليهو نظر خاص في " السودانوية " لكن القاسم المشترك الأعظم بينهم، أنهم يلتقون ـ بصورة أو بأخرى ـ عند زعم اعتباطي فحواه أن هناك نوع من" جوهر" ثقافي سوداني سابق على التجربة و مستعل على التاريخ. جوهر سوداني متصل عبر القرون و على تعاقب الحضارات. هذا الجوهر السوداني المتصل هو الذي يسوّغ مفهوم " الإستمرارية الثقافية السودانية" التي تمسخ حركة الثقافة في السودان إلى ما يسمى بـ " السودانوية".و مفهوم الإستمرارية الثقافية السودانوية، رغم قدرته على جلب الطمأنينة للنفس الوطنية الملتاعة من شرور الكولونيالية و النيوكولونيالية المتعولمة، إلا أنه ، في تحليل نهائي ما ، ضار على أكثر من وجه :
على المستوى القريب، فالمفهوم ضار سياسيا، كونه يتجاهل بداهة البعد التاريخي للثقافة كظاهرة رهينة بواقع الصراع الإجتماعي في مجتمع بعينه.و على المستوى الأبعد ، فهو ضار معرفيا، كونه ينفي عن الثقافة السودانية " أهم عناصر أصالة و حيوية الثقافة: توترها الداخلي و احتشادها بعناصر الصراع و الحركة و النقد و التصادم و المواجهة إلخ، مما يمكن تسميته بجدلية القطع و التواصل في الثقافة الحية..". و العبارة مقتطفة من مقالة بولا في نقد مفهوم الإستمرارية عند أحمد الطيب زين العابدين و المعنونة:"ملاحظات منهجية نقدية من وحي السيمبوزيوم:" الفنانون الأفارقة :المدرسة ، المرسم و المجتمع"[ و هي الورقة التي قدمها أحمد الطيب زين العابدين ضمن تظاهرة آفريكا 95 في منتدى مدرسة الدراسات الشرقية و الأفريقية بجامعة لندن ، 1995]،(أنظر " جهنم" رقم 4 ، أكتوبر 97).
و " السودانوية " لم تلق الرواج الذي عرفته منذ منتصف السبعينات في القرن الماضي، إلا لأن سلطات الطبقة الوسطى العربسلامية ، ( أو لو شئت فقل: " أهل الحواضر العربسلامية " بطريقتك)، وجدت فيها نوع من حصان طروادة لتهريب مشروعها السياسي العربسلامي بذريعة بناء هوية وطنية جامعة لكافة شعوب السودان في إطار العروبة و الإسلام.
و لي ملاحظات في هذا الصدد ، نشرت وسط غلطات مطبعية غليظة، في مقالة بعنوان " شبهات حول الهوية"، في مجلة" كتابات سودانية"، أعادت جريدة الخرطوم ـ أيام أخونا أحمد عبد المكرم ـ نشر جزء منها ( و بضبّانتها).

المنهج أبوخروم:
و في تحليل نهائي ما ، فربما كنت أنت محقا في ضرورة طرح نقدي منظّم بشكل أكثر كفاءة من ما هو حالي في صدد الإشكالية السودانوية و مكوناتها.و فولة كهذي هي بالضرورة من نصيب كيّال غيري.كوني أرتب أولويات بحثي على أساس المنهج " أبوخروم" ، حسب عبارة تكرّم علي بها الصديق عبدالله علي إبراهيم " المناهجي"(و" المناهجية "أو" المناهجاب" قبيلة من حراس مناهج البحث و تصانيفه، يعود لهم فضل صيانة أقاليم البحث " الأكاديمي"، إلا أن نفوذهم ضعيف و خرائطهم تعوزها الدقة في أرض البحث " الفني". و في ذلك نعمة للفنانين مثلما فيه ـ في بعض الأحايين ـ نقمة و الله أعلم)، و هو يؤاخذني على ما اعتبره " آنامولي" في منهج مقاربتي لظاهرة الكتابة الوسمية الجمالية على مسند الجسد.
كتب عبدالله في رسالته(فاكس بتاريخ 10 أكتوبر1999)
"
أخي الأعز حسن،
قرأت باستمتاع و عناية كلمتكم في مؤتمر حيدر بالقاهرة، و قد كلمني عنه من شوّقني و جعلني وددت لو كنت من بين حضوره، فالصفوة تحاول الثقافة بعد طول تمنّع. هذا إقرار عجيب و تواضع.انني سعيد أن تفرد قلمك الخصيب لمنزلة الجسد فينا. حاولت ذلك بحياء ، ناظرا إلى جسد الشهيد محمود محمد طه،و النقوش الغربية، الصديقة و غير الصديقة ، و التي بين ذلك قواما.واستصحبت فوكو، شبقي السري الجديد، و انكشف لي مستور كثير. و لذا أحببت قلما كقلمك نستعين به على كشف بهاء وعورة الجسد عندنا.
ـ أزعجني البحث منهجيا في واحدة هامة: لقد قررت ببسالة غير مبررة أن الكتابات في الجسد ، و الجسد و الحداثة نادرة، و استبحت الأمر لنفسك استباحة، و صرفت الكتابات الأنثروبولوجية و التوثيقية صرفا.
ـ وددت لو اعتنيت بالأمر في مراجعتك البحث، فستجد بين طيات التوثيق قبسات و نظرات متقطعة و متفاوتة الخطر.قليلا أذكر "جيم فارس " عن زينة النوبة، و هو الكتاب الذي صارع، من فوق استنتاجاته ، الألمانية النازية" رافينشتال"(؟).و قد تجد في شعر الحقيبة و نقدته[ خطاب [دسكورس الحقيبة] مؤشرات لأفكار العاديين من الناس و غيرهم، عن توطين جديد للجسد في وقائع الغزل و التشهّي.
ـ وددت لو نظرت " السكة حديد قرّبت المسافات" و التي هي نجوى الجسد الأنثوي في هجير لظى الهجرة عن القرى..
ـ إنني ، باختصار ، أود أن أرى عودتكم الثانية للمقال تعنى بـ
Gathering

بحثك في أصل المادة التي هو فيها. و أملي أن لا تستبق النظر في المادة بالحكم على جوهرها و عددها.
ـ كتاب يوسف فضل [ الشلوخ] توثيقي و منهجي معا.فهو يقع ،آنثروبولوجيا، في باب المنهج الوظيفي.وددت لو استصحبت هذه الوظيفية في تقويمك له.
ـ أعجبني قولك : " رجال و نساء تعلموا أن يفاوضوا حيزا لوجود الجسد ضمن فوضى الحداثة و التقليد" و حديث أمك و رهطها مراجع جبّارة.
ـ لقد قررت أيضا، بغير تحفظ ، أن النساء لا دخل لهن في " الفكرة الجمالية كمرجع ثقافي إجتماعي"، و هذا تقرير عسير في وقت تتساوق فيه دراسات الأنوَثَة عن مَلَكات جمّة للنساء في أوجه مرجعية إجتماعية شتى، حتى في أمور ظاهرها للرجل،و خاصة في المجتمعات العربية والإسلامية.
ـ أطربتني فكرتك عن الشلوخ/ النافذة ، و لكن كون أجساد الرجال و النساء معا عرضة لهذه الكُوَى تجعل من خطر الفكرة التحليلي مشبوها نوعا ما.
ـ ربطك بين الإسلام و النوافذ عليه مآخذ:
1ـ الفكرة الأقوى بين دارسي الشلوخ أنها أقدم من الإسلام( يوسف ، سبولدنق و فيلم بازل دافيدسون) و هذا لا يمنع أن يكون الإسلام قد ألحق الشلوخ بنظمه.
2 ـ لماذا يتشلّخ" اليوروبا" شلوخا سودانية جدا ، جعلتني يوما أجري كالأبله خلف أحدهم في مكتبة جامعة هوارد لما بدا لي أنه شبيه جدا بعمي سالم أحمد طه ـ والد أسامة المخرج ـ؟
3ـ لماذا يتشلخ النوير و الدينكا؟
4ـ لماذا لا يتشلخ العرب و الماليزيون و الباكستانيون و الشيشان؟

ـ لماذا قارنت بين الحناء ، التي هي ممارسة عامة، في السودان المسلم و بين الحناء عند شواذ( من حيث العدد شواذ بالأحرى) من فناني أوروبا؟
خطر لي أن المقارنة قد تستقيم إذا قارنت الحناء المسلمة العربية و البودرة و أحمر الشفايف و طلاء الأظافر في الغرب.
ـ لم يقع لي
Trashing
عبد الحي و المجذوب و صلاح في جملة واحدة ، إلى من يهمه الأمر سلام.وددت لو وقفت على أمرهم بشيء من النقد و الود.
وددت عموما لو قللت من آيات ظرفك و عباراته في حديث يبدو أنه ينتهي إلى كثافة أكاديمية عالية.
ـ انني أقدر أن الورقة كانت لـ " المديدة حرقتني" الفكرية، و ربما سمعت عنها من هم أفضل تأهيلا مني في جوانب أمسّ بها، و آمل أن أرى تحليلها الثاني قريبا.
عبدالله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المنهج أبوخروم (تاني)

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتي الجسد34

و رسالة لعبد الله

17/12/1999
عبد الله سلام جاك
و لو أكل.. إلخ.
نعمت بالحديث معك البارحة، و أعادتني ملاحظاتك المنهجية الصائبة للتأمل في بعض الأفكار التي عالجتها الورقة في شأن العلاقة بين الرجال و النساء، ضمن مشهد الجسد الجمالي.و أعادني كل هذا للتأمل في مسألة الأولويات التي نرتـّب عليها واجبات الوجود ضمن فوضى الموجودات.أذكر أنك في رسالة سابقة ، في صدد الطيب صالح، آخذت علينا أننا" مسكنا أقلامنا" و صمتنا عن إضاءة إبداع الرجل في السبعينات.و أننا سلقناه" بألسنة حداد" حين تورّط في بعض " غشامة الأدباء" إلخ. و هذا صحيح. و حتى اليوم ، ما تزال تراودني ، من حين لآخرن فكرة الإنقطاع لدراسة " هم الشكل " عند الطيب صالح باعتباره حالة رائدة في أدب العرب الحديث.لكن الأمر ، فيما أرى، كان أمر أولويات. فقد بدا لي أن " للطيب صالح ربا يحميه" ـ كما الكعبة ـ و أنه من الأجدى لنا أن ننجض أمر التشكيل الذي كان و ما يزال على درجة عالية من الهشاشة النقدية التي تتيح للسلطات في السودان ، و في خارج السودان ، أن تستفرد به و تعيث فيه بلا تبعة.و أظن أن التشكيل ينطرح اليوم ـ في زمن إضمحلال الأديان و الآيديولوجيات ـ كآخر ديانة مستساغة يمكن للسادة أن يهرّبوا من قناتها أعظم و آخر مقدسات المجتمع الرأسمالي: حق الملكية الفردية لمصائر العباد. و في سوء ظني العريض ، أن فن التشكيل، ضمن التقليد الأوروبي كما تمثلناه في مدارس الفنون، إنما يمثـّل أرقى أشكال الوثنية الجديدة التي اخترعتها ثقافة رأس المال.فهو يسوّغ للناس أن يشيّئوا جمالية الحياة و يحنطوها في هيئة شيئ/ جماد ثابت لا يتغير.شيئ لا يحيا و لا يموت، شيئ " تحفة " لا يأتيه الباطل من أي مكان من اللحظة التي ينخرط فيها ، ضمن منطق السوق، كموضوع للإستثمار.و بالذات في زمن الأزمة (المالية) حين يتجاوز الذهب المتكنـّز في أيدي القلّة قيمة البضاعة العادية التي تغمر السوق ، إلى آخر كلام ماركس عليه السلام.

مَنْ هاجَ و من حاجّ المنهج؟
نهايتو، كانت أولوياتي قد ترتـّبت على هم التشكيل لأسباب أوّلها أنني وجدت نفسي في أرض الرسم ، كما تجد السمكة نفسها في الماء، و أظن أن الرسم أعانني كثيرا في تأسيس خصوصيتي و توطيد عزلتي و أنا يافع أحيا في بيت كبير مزحوم بأشخاص مختلفي المشارب. و كنت أنعزل بالرسم عن الآخرين كما كنت أتواصل به معهم.و من قناة الرسم شرعت أستكشف معارف شتى تفرعت بي فروعها في أراض طيرها العجمي ينطق أحيانا في لغة الضاد.أقول هذا و أنا أتأمّل مناقشتنا البارحة في مسائل مناهج البحث السوسيولوجي. فقد قادتني ضرورات الإستبصار في الرسم ، من خلال تراكب اشكاليات مختلفة ، بعضها فلسفي(الهوية الثقافية)و بعضها تشكيلي( مسند الجسد)، قادتني لمشارف أرض تقوم أنت على حراستها بحدب يثير إعجابي بقدر ما يحرّضني حرصك على تحرّي الثغرات و المداخل المنسية فيها، و كل ممنوع مرغوب ، كما تعبّر بلاغة السلطات.و قد بدا لي أنك ـ رغم أنك وصلت لمنهجية البحث " العلمي " من أرض القصة (و أنت دخيل مثلي في تحليل نهائي ما )،بدا لي أنك توصلت لقاعدة (لائحة) تدبّر عليها مرور الغرباء الوافدين من الخارج من شاكلتي ـ أو هكذا تهيأ لي ..فأنت تقبلني في أرض البحث "العلمي" في واحدة من إثنين: يا إمّا أكون " فنان" (فرنسي) صاحب حدس ـ و قيل " صوفي" صاحب " رؤية" تمكنني من اختراق حجب الغيب، و إدراك الجوهر المكنون في الأشياء بـ " علم الذوق"، و في الحالة دي تسوّغ لنفسك أن تتغاضى عن " الشتارة" المنهجية في مبحثي و تقبله على علاته و تجد له خانة على هامش البحث العلمي الجاد.و يا إمـّأ كمان أبقى باحث عديل، زيّي و زي الناس أتقيد منهجية البحث العلمي المعرّفة بـ " ال" ما، و أمشي على العجين ما ألخبطه. قالوا : وحده المؤذن يقوم يوم البعث لابسا سروالا بينما بقية خلق الله ماشين أمفكـّو( فهلاّ أفسحت مكانا للإستثناء يجعل قاعدتك أكثر علمية و أشد إحكاما كونها تفسح للحدس براحا؟أقول هذا و أنا أضمر زعما دوغمائيا ينكر إحتمال وجود" حدس" أو رؤيا" أو " ذوق" لا يموّه وراءه منهجا علميا متماسكا ، دون أن يعني تماسكه اكتماله، فالكمال لله وحده لحسن الحظ).و أقول هذا كوني لمحت في اصرارك على إتساق " علمية " منهج البحث مأخذا على عدم إكتمال منهجي كونه لا يسع التقريرات الشواذ(آنامولي)و لا يفسّرها. و أنا أرتاب بالمنهج العلمي العلموي " الكامل" الذي يستلهم اسلوب البحث العلمي المعاملي و خطابه المتخلّق في مجالات " العلوم " المزعومة " بحتة" بغير نقد.و أنت تعرف أن أهل العلوم العلمية لم يفدوا من كوكب علمي، و إنما تكونوا مثل بقية خلق الله، على جملة من الأساطير الثقافية و المسبقات التي ألهمتهم، قبيل قرون، أحداس و مساع علمية " مشاترة"، من نوع تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، مثلما تلهمهم اليوم مساع " علمية " أخرى في تسويغ إمكانية وجود حيوات في كواكب أخرى ، أهلها يزورون الأرض من وقت لآخر.
عبد الله ، لا أطيل عليك ، و لكني أراني مثل صاحب " فرانكنشتاين" في معمله، يباصر تحقيق حدس مجنون مشاتر ، فحواه إمكانية خلق إنسان من توليف أعضاء منتزعة من أجساد أخرى مختلفة.لكن الفرق بيني و صاحب" فرانكنشتاين" الذي كان يحيا و يفكر في حدود علم القرن التاسع عشر، هو أنني ، في معملي،أحتاز على جملة لقيات علم الجينات و وسائل الهندسة البيولوجية التي تكسب رؤيتي صفة العادية في مشهد العلوم المعاصرة.
نهايتو، يوم يتسنى لي منهج بحث علمي يسع كافة الشواذ مما لاحظته أنت فلن تبقى للبحث عندي متعة تسوى عناء المتابعة.[ و الباحث متابع أزلي]و طموحي هو أن يظل منهجي قابلا للتحول نحو المزيد من الإحكام ضمن " تفعيله"( يا لها من عبارة) في موضوعه( و العكس صحيح غالبا و الله أعلم). و بين المنهج و النظرية أراوح محملا بأحلامي و غوايات نفسي و غبنها العابر و فرحها الغايب في الروكايب إلخ... فبدون ذلك لا يكون بحث و لا علم و لا حلم و لا يحزنون.
و أنا أنتفع بمآخذك على ورقتي في شأن الجسد الجمالي ، على صعيد المنهجية و على صعيد النظرية ، كونها ملهمة و منعشة في آن. و حين نظرت في اعتراضاتك في خصوص موضوع الشلوخ" كثقب في جسد المرأة" ضمن الجماعة العربية الإسلامية، تبدّى لي بعض التركيب التاريخي و الفكري مما غفلت عنه بصيرتي.

الشواذ:
تقول بأن " الـ " آنامولي" الشاذ الذي لا تفسير له في سياق النظرية المعروضة" يقوم من كوني أفسر الشلوخ " كثقب ..على ضوء وجهات و حقائق نصوصية في الشعر العربي و الإسلام. و سيكون الـ " آنامولي( الأول): لماذا لم تولد هذه الوجهات و الحقائق النصوصية الشلوخ في الغالب من ديار العرب و المسلمين ،في حين تولـّدت في هذا الثغر من ثغور الإسلام؟لماذا اختار الدفع الإيري او الإيروسي أن ينفذ من خلال الشلوخ عند عرب السودان المسلمين، و لم يختر هذه النافذة عند عرب (أو مسلمين) آخرين يستقون من نفس الثقافة؟"
أسئلتك تؤشر عندي لشح المعلومات و الوثائق في شأن ثقافات العرب و المسلمين الآخرين، و هذا بعض من ضيق حال هذا المبحث الذي لا يكون تجاوزه بغير عمل جماعي لا يمون لباحث منفرد أن ينجزه و لو كان في قوة " هرقل" صاحب الأعمال السبعة الشهيرة.و وعيي بالفقر الوثائقي اللاحق بموضوعي حاضر على الدوام في معالجاتي المنهجية و استنتاجاتي التي أحسبها أدخل في الحذر و التحسب ـ عدا السهو و النسيان ـ بيد أن ذلك كله لا يزعزع " خرافة " مبحثي التأسيسية، من كون فعل الشلخ على مسند الجسد إنما ينطوي على رغبة ـ واعية أو لا واعية ـ في النفاذ لداخل الجسد، و يستوي في ذلك العرب مع غيرهم.و أن النفاذ لداخل الجسد ، وراء حجاب الجلد، إنما يقوم في الغالب لأسباب إيروسية إيرية، مثلما يملك أن يقوم على أسباب أخرى علاجية أو سحرية ( كالأسبار) او إنتمائية ( كشلوخ القبيلة او الطريقة) أو إقتصادية (كوسم الرقيق). و قد أشار يوسف فضل ـ عليه السلام ـ في تناوله لمعاني " الفصد" و " الوسم " و" الألعاط " و " التشريط"( الشلوخ ص 10) إلى بعض أشكال ممارسة الشلوخ عند العرب و إن سلّم بعدم انتشار عادة الشلوخ بين العرب بشكل عام.على أن يوسف فضل ـ الذي أعادتني ملاحظاتك لقراءته مجددا ـ يورد شرحا لمعنى الشلخ عند صاحب" تاج العروس بين جواهر القاموس" فيه أن " الشلخ فرج المرأة". فتأمّل في حال قوم بلغ بهم الأمر حد أن يرسموا على وجه الأنثى نسخة ثانية من " أعزّ ما تملك".هل هي رغية رجالية بدائية في ترميز الشلخ/الفرج كأقصر الطرق الإيروسية نحو داخل الجسد الأنثوي؟ أم أن الأمر ينطوي على مناورة ذكورية تستهدف سلب النساء قيمة السرية اللصيقة بأعزّ ما يملكن، و اللازمة لأي تأسيس محتمل للسلطة الأنثوية؟و هذا إشتطاط آخر أذهب فيه ، من حيث أن السرية تستدعي الندرة ، و الندرة شرط أساسي في تنظيم اقتصاد الرغبة بين الرجال و النساء، و من يسيطر على شروط الندرة يحكم.قالوا أن يزيد بن المهلّب قال: " وددت لو كان فرج المرأة في جبهة أسد حتى لا يصل إليه إلاّ شجاع"(تحفة العروس و متعة النفوس للتيجاني ص 141)[ و عندي باب يتخلّق كل يوم في مسألة السلطة بين الرجال و النساء ، قول خير].
أظن أن تقليد الشلوخ قديم في السودان ، قبل وصول العرب. و أظن ان العرب قد تبنـّوه و تمثـّلوه و تملـّكوه كعادة عربية و كدليل على العروبة ضمن منطق التداخل و التبادل الثقافي(إنتركلشورال) الذي تتوطد عليه علائق الأعراق المتجاورة و المتداخلة عبر القرون.و هذا يمكن أن يقال في شأن الخفاض عند عرب السودان، و لباتريسيا ملاحظات ـ في رسالتها ـ في صدد المقارنة بين طقوس الصراع بين البقارة الحوازمة و النوبا. فهي تستنتج أن الحوازمة ـ كعرب ـ تبنّوا عادة الصراع النوباوية، و أكسبوها شكلا طقوسيا عربيا ما يزال يحمل بعض ملامحه النوباوية القديمة.كما أن لها رأيا مشابها في مقارنة " مجلس" الشاي "مجلس البرامكة" بقعدة" الإنداية" عند النوبة.. و لو تسنى لي وقت ترجمت بعضا من ذلك للعربية فينتفع به غيري. و هذا يعيدنا لضرورة التضامن على مبحث الجسد فينتفع بعضنا بما يجد البعض الآخر..كيف العمل و اليد تتقاصر كل يوم و العين كذلك؟( حين أتعب أنا من مغالبة أمر الجسد أنقلب على أدوات الرسم ، ألجأ فيها من رهق الروح و الجسد حتى يستتبّ صفاء الخاطر، فماذا تفعل أنت؟).

لو رجعنا لإعتراضك الأول فأنا لا أفسر الشلوخ ـ بوصفها منفذا نحو الداخل الأنثوي ـ كنتيجة للوجهات و الحقائق النصوصية العربية الإسلامية، ذلك لأن الشلوخ أقدم من العروبة و الإسلام في السودان ، من جهة، و لأن العروبة و الإسلام لك ينتجا أي ممارسة للشلوخ لدى معظم المجتمعات التي اعتنقت الإسلام و الثقافة العربية.
و لكني أعتقد أن الإسلام ، كأي بنية آيديولوجية تؤسس مفهومها للوجود على قاعدة الجسد ( و هذا باب جديد في أشغال الجسد في الإسلام ، قول يا باسط) وجد في السودان جملة من الممارسات الثقافية المعنية بالجسد، كان لزاما عليه أن يفاوض ضمنها براحا يستتب له معها نوعا من التعايش الثقافي لا يمنع الصراع لكنه يحضـّره و يمدّنه إن جازت العبارة.و في هذا المشهد تبنى عرب السودان الشلوخ و الخفاض كممارسات رمزية إسلامية مثلما تبنّوا بعض العادات الدينية المسيحية مثل طقس " الغطاس" (التعميد) على نحو القديس يوحنا مما فصّل فيه جيوفاني فانتيني في كتابه عن تاريخ المسيحية في السودان. (أما كيف و متى تم ذلك التبنـّي؟ فهذا " خرم " آخر أحيله لمباحث التاريخ و الآثار). و هناك باحثون يذكرون نتفا و أشتاتا في خصوص ما ورثه السودانيون من تقاليد عهود " الأموموية"(الماترياركا) حيث سادت سلطة النساء( و هذه فولة أخرى لا أقربها حتى يقيّض الله لها كيـّالا يناسبها)، بجانب أنك تعرف أن الحديث عن " الإسلام" هكذا، بوصفه كتلة ثقافية صمّاء، لا يستقيم. فنحن نحتاج لتحديد أي إسلام ذلك الذي أسهم بشكل رئيسي في صياغة الوجدان الثقافي الإسلامي للسودانيين. و هذه صعوبة ثانية(تاريخية)إلا أنها لا تنال من ثبات دوغمائيات بحثي الإبتدائية، من كون ظاهرة الإنشغال بالجسد، و الذي لا يقتصر على المسلمين وحدهم ،قد تطور، ضمن التنظير الآيديولوجي الإسلامي ،إلى باب مهم في تأسيس الهوية الذاتية للفرد المسلم و للجماعة الإسلامية كلها.فالشارع الإسلامي الأوّل،الرسول ، مؤسس القانون الإبتدائي، قد استلهم اتـّساق الجسد الإنساني، جسده،في تأسيس مستوى من الإتساق التشريعي على مستوى الجماعة الإسلامية ( سأعود لهذا لاحقا)، غير أنه[ الرسول] اتبع في ذلك هيكل التشريع التشريحي للجسد في التقليد اليهودي المسيحي ( الجسد الغلاف و الجسد المعبد و الجسد المملكة و الجسد الكون ).و أظن أنه ، في لحظة مهمة من تقنين العلاقة بين الرجال و النساء، طوّر المسلمون موضوعة الحجاب كمحور مهم في مباشرة المبادئ الحقوقية و تعريف الحقوق بين الممنوع و المباح، بين الداخل و الخارج ، بين الخاص و العام.(أنظر الورقة المرفقة طيّه في صدد " الجلد". و أظن أيضا أن المسلمون الذين طبعوا السودان بطابع الإسلام لم يدخلوا البلاد على أساس برنامج رسالي غايته نشر الإسلام و العروبة، و إنما كانوا " ناس معايش" أولوياتهم تنتظم وفق قانون البقاء ، بما يقتضيه ذلك من أحلاف و مفاوضات و معارضات ـ على المستوى المادي و على المستوى الثقافي ـ تسهم جملتها في تخلـّق الجماعة ككيان متميّز مطبوع بتاريخه الذاتي، تاريخ المكان و الزمان اللذين يحيا ضمنهما. و في هذا المشهد يمكن تصوّر أن أهل المجموعة العربية الإسلامية في السودان قد باشروا للجسد تدابير مركبة ، طرفها الأول في شرع الإسلام و طرفها الآخر في شرع السودان (كيف؟ مندري).
و التساؤل الذي يؤسس اعتراضك الأول يشبه عندي نوع التساؤلات العويصة الأخرى في صدد التحولات الثقافية التاريخية:
لماذا يقبل المنظرون الإسلاميون الإيرانيون تقليد التصاوير الإيراني الذي لا يكتفي بتصوير " ما له ظل " فحسب بل يتمادى لغاية تصوير شخص النبي نفسه ، في بعض المنمنمات الفارسية الشهيرة؟
و لماذا يقبل المنظرون الإسلاميون في مصر تقليد الإحتفاء بالميت و زيارة المقابر و الإحتفاء بالقبور؟
و لماذا يقبل الإسلام في الصين شرب الخمر؟
و لماذا ظلت النساء العربيات المسلمات في بوادي كردفان و دارفور يكشفن عن وجوههن و عن صدورهن في الأسواق دون أن يثير ذلك حفائظ المسلمين و يفسد عيهم دينهم؟( آخر مرة رأيت فيها نساء بقاريات كاشفات الصدور كانت في " سوق أبوجهل " في الأبيّض في مطلع السبعينات.و هي نفس الفترة التي اعتدى فيها بعض المهووسين الإسلاميين على محمود محمد طه أثناء محاضرة كان يتحدث فيها عن تجديد الإسلام في الأبيض. فتأمل في هذا الإسلام الذي يتجاوز عن عري النساء في الأسواق لكنه لا يتلاعب في عرى البصائر)..
على كل حال لا شيئ يلزمني بتوفير إجابة ناجزة لسؤالك في ما منع الشلوخ من الظهور في غير السودان من ديار المسلمين.و منهجي لا يضار كثيرا من وجود هذا " الخرم" الذي تراه أنت " آنامولي" في نظريتي، و الله كريم.و أنا أعمل بما أعلم عسى أن يورثني الله علم ما لم أعلم.و أظن أن الدفع الإيروسي الإيري قد اختار أن ينفذ من خلال الشلوخ النسائية في أمكنة بعينها من حواضر السودان العربي المسلم ضمن حقبة ، بل" حقيبة "، تاريخية معينة، لأنه لم يجد أي منفذ آخر للجسد المحجوب بخلاف منفذ الشلوخ.فما هي الفترة التي تسنـّى لذكور السودان العربي المسلم فيها إحكام قبضتهم على أجساد النساء، فضربوا عليهن حجابا كاملا شاملا حتى اقتضى الأمر فتح الثغرات في " ما بدا" من أجسادهن؟هذا يا سيدي سؤال لمؤرخي الجسد السوداني، لننتظرهم و هم سيأتون بالخبر اليقين (قطعا).
للباحث الجزائري محمد بن خيرة بحث مبتكر ، في العلاقة بين الجسد و القانون ، في المجتمع الإسلامي، عنوانه:" حب الشرع، دراسة في مفهوم الضوابط المعيارية للسلوك في الإسلام"( و ترجمتي للعنوان مؤقتة حتى أجد لها مخرجا أفضل)ـ
M.H.Benkheira,L’ Amour de la Loi, Essai sur la normativité en Islam, Press Universitaires de France, 1997.
و هو يرى أن الحجاب كموضوعة فقهية أمر متأخر لم يشغل الفقهاء المتقدمين كثيرا، بل هو يربط إنبعاث الإجتهادات الفقهية في الحجاب مع الفترة التي يدأت فيها الثقافة العربية الإسلامية تتخذ موقفا دفاعيا من جراء الواجهة الحضارية مع الغرب الأوروبي.و قد أغرتني مقولة بن خيرة بالبحث عن تأريخ لاستتباب الحجاب في حواضر السودان العربي المسلم ، ضمن تطورات التماس و المواجهة الحضارية مع الآخرين ( مع الأتراك العثمانيين الوافدين بموروثهم الفاطمي و المملوكي من شمال الوادي مثلا؟ أم مع البريطانيين الفيكتوريين بموروثهم المسيحي البيوريتاني؟لا أدري ن و لكن هذا دريب آخر للقش في مباحث تاريخ الجسد في السودان. و أظن أن كل تحوّل كبير يطال جسد المجتمع، يلهم الناس ميلا عفويا لتحصين جسد الجماعة و أجساد الأفراد و حجبهم عن الأذى المتوقع الذي يتهددهم و يتهددنا اليوم من جراء إنهيار الحداثة (السوفييتية) و استهلال العولمة ( الأمريكية) إلخ.و لو تأملت في شكل الحجاب الذي انبعث في الحواضر السودانية ، مع الصحوة" الإسلامجية "الأخيرة ، لوجدته ، بفضل الفستان "الماكسي" و البنطلون و الـ " توكة" و الإشارب"( يا لها من عبارات) أدخل في حجاب الراهبات الكاثوليك الأصوليات منه في حجاب المسلمين التقليدي الذي كانت تتخذه أمهاتنا في شكا " القنـّيعّ بالثوب التقليدي.
(هل تعرف زول في السودان يسطيع الحصول على نصوص القوانين و الأوامر و المنشورات الإدارية، التي أصدرتها السلطات في السنوات الأخيرة، في خصوص ضبط الزي و الحجاب في المدارس و المكاتب؟).و من يدري ؟ فربما كان اجتهادنا الراهن في التحجّب ما هو إلاّ بعض من مظاهر إنخراطنا في الحداثة الغربية بطريقتنا كمسلمين..يعني "بطريقة
شرعية"(تقرأ " بطريقة ملتوية") حديثة.

الكتابة النهائية:
نجي لـلـ " آنامولي" التاني في سؤالك:
" لماذا اختارت إيروسات أفريقية، مثل اليوروبا و النوير و الدينكا أن تنفذ إلى المرأة بالشلوخ ، في حين لم تختر ذلك ثقافات عربية اسلامية مماثلة للسودانيين؟"
أظن أن تفسير ذلك يكون في خيار الكتابة النهائية كمرحلة في تأسيس الهوية الفردية و الجمعية على مسند الجسد، فالشلوخ تنطرح على مسند الجلد الأسود كأحد أكثر أشكال " الكتابة النهائية" كفاءة لأن الوشم على الجلد الأسود لا يوفـّر مقروئية واضحة، بل و حتى الكي، بجانب صعوبات الإندمال التي يجرها، فهو في الغالب يتموّه ـ إن لم يضمحل ـ مع الزمن و تبدّل الجلد.

فاعلية النساء:
فيما يخص تعليقك على مسألة السلطة بين الرجال و النساء، كنت حسبتني أقنعتك بفكرتي من كون السلطة أصلا سلطة رجال في مجتمع رجالي أبوي في الجوهر و في المظهر، و أن النساء إنما يتربصن و ينهشن منها نتفا هنا و هناك في كل مرة تغفل فيها رقابة الرجال القابضين على السلطات.و أنت تعترض بكون توطيني النساء في دور الفاعلية ـ إن جازت ترجمتي لعبارتك "إيجنصي"
Agency
ـ بحكم كوني أعتبرهن ـ في علاقتهن بالرجال ـ فاعلات و أنهن ذوات رغائب جمالية مشروعة في الرجل أيضا.و دعمت اعتراضك بحديثي عن سعي النساء لأنـْوَثـَة الرجال في بعض المناسبات ( شلخ الرجل و حنـّته على يد النساء)، لكني ما زلت عند فكرتي الأولى، و إن شابها بعض التلوين، في تعريف توزيع السلطات بين الرجال و النساء ، و داخل كل مجموعة على حدة.و قد وقعت قبل أيام على نص مدهش للباحثة الإثنولوجية الفرنسية المعروفة " كامي لاكوست دو جاردان" في كتابها " الأمهات ضد النساء،دراسة في مفهوم الأمومة و المجتمع الأبوي في المغرب"(1985)، فيه تأملات عامرات بأكثر من دلالة ، على صعيد مناقشتنا. فـ " لاكوست دو جاردان" ترى للنساء في المجتمع المغربي سلطة سرية مموّهة ضمن بنية السلطة الرجالية، لكنها تتجلّى في بعض الطقوس و المناسبات بشكل موضعي ( الولادة و الزواج و الختان و الموت إلخ).فالمرأة تنتظر تحقق سلطتها من خلال فعل الأمومة،أمومة الولد لا أمومة البنت. فمن خلال أمومة الأولاد الذكور تبسط الأم سلطتها على أولادها و على مجموعة النساء الأخريات اللاتي يرتبطن بأولادها. و في السياق التقليدي ، الذي ينطرح فيه الزواج كحلف بين عشيرتين قبل أن يكون قرانا بين شخصين،تكون فرصة الأم في إختيار زوجة لولدها بمثابة فرصة لفرض سلطانها على مستوى العشيرة. و في الحقيقة فالأم التي أنجبت ذكورا قد أمّنت موقفها كفرد فاعل ضمن العائلة أولا،ثم هي تستخدم هذا الرأسمال(الولد) حين تجد له زوجة مناسبة لها هي. و بذلك تفرض سلطانها على زوجة ابنها، بل و على عائلة أصهارها كونها اختارت بنتهم (ص 55) ( و " غطـّت قدحهم" كما يعبر أهلنا في السودان). و من هنا فهي تملك ـ بشيء من كيد الحبوبات ـ أن تمدد من سلطانها عاى أحفادها أيضا.
على أن البنت التي تم تزويجها ـ غالبا بدون استخارتها ـ تجد نفسها مع رجل غريب لا تعرفه و لم تختره، رجل هو ابن أمه ، عدوتها الأزلية. و في هذا المشهد يبقى الرجل الوحيد المتاح لها هو ذلك الرجل الذي عليها ان تخرجه من رحمها: إبنها هو رجلها الذي اختارته و الذي أحبته و الذي بسطت عليه سلطانها فيتصرّف بمشيئتها لينال رضاها ( و الجنة تحت أقدام الأمهات)، و هو وسيلتها لبسط سلطانها على النساء الأخريات، و ربما على قطاع من الرجال الخاضعين لها ، من خلال خضوعهم لولدها.على أن هذا المظهر من مظاهر سلطة النساء يبقى، عند لاكوست دوجاردان،أحد دعائم سلطة الرجال من حيث كونه يصون بنى سلطة المجتمع الأبوي و يعيد انتاجها [ كون الأم تجبل ولدها على قهر النساء كأمر طبيعي.و على كونه يستحق وضعية السيد المطاع لمجرد كونه رجل، و هي تربية تستبعد البنت من إحتمال القوامة إلا كأم دورها أن تهيء ولدها لقهر النساء الأخريات].

يوسف فضل الفصل
في خصوص يوسف فضل الذي تراني أعده " القول الفصل" فأنت على حق ، و لكن ندرة مصادري في مسألة شلوخ السودانيين، تزكيه و تعلّي من قدره. و اني لأجلّ فضوله الكبير ، كونه انشغل بهذا الأمر(أمر الشلوخ) الذي لابد أن عدد كبير من الباحثين بين أبناء جيله يستصغره أو لا يحسبه بين المباحث الجليلة إياها.
شكرا على فاكسك و تليفونك فقد انتفعت بملاحظاتك كثيرا و أسعدني سماع صوتك من على البعد.
مازالت في الخاطر أشياء من نفس حتى و خلافه.
مودتي
( مرفق لك طرف من الكلام في موضوع الجلد فتأمل فيه و نورني بما ترى)
حسن موسى
صورة العضو الرمزية
الحسن بكري
مشاركات: 605
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:51 pm

مشاركة بواسطة الحسن بكري »

عزيزي حسن موسى،

وقع بيدي جزء واحد من بحثك حول الشلوخ منشورا "أظن بالصحافة؟". في مرحلة لاحقة أشرت إليه في مداخلة على عهد أيامي في "سودانيز فور أول" مما أثار فضول صديقتنا الاسفيرية أيامها أماني عبد الجليل "الجندرية" فرجتني أن أبعث لها صورة منه بالبريد العادي على عنوانها باليمن، وقد كان. أقول هذا متشكيا، بمسكنة ربما، من عدم كفاية ما وصلني من بحوثك قبل، وربما بعد، انطلاق هذا المنبر. كيف لنا الحصول على ما نشر، وما سينشر، من "جهنم"؟ حتى "كتابات سودانية" تحتاج إلى "لف ودوران"، فهي مجلة غير راتبة، لا تعلم كيف ومتى يمكنك العثور عليها.

وجدتني اتفق جزئيا، وعلى مضض، مع أستاذنا دكتور عبد الله على ابراهيم بخصوص الطريقة التي تتخذها منهجا في صياغة وترتيب بحوثك. قلت على مضض وجزئيا، لأنك تبتكر بنية جديدة في صياغة وترتيب البحث، وهي بنية أجدها في غاية السحر لأنها في وقت واحد تهدم "صنم" البنية التقليدية لانشاء البحوث العلمية، فتوفر للقارئ ابداعا متجددا، جذابا على مستوى هيكلة النص، وكذا توفر متعة هائلة أخرى على مستوى الإبداع المتعلق بلذة المضمون وقيمته العلمية. إنها كتابة لنج ببعديها الإثنين، الشكل والمضمون، علما بأن هذه البحوث لا يمكن وصفها "بالشعبوية؟ الجماهيرية؟ وأنا هنا أحاول عبثا سك مقابل لمفردة popularization ." يدفع هذا للتساؤل عن رسالتك للدكتوراة، كيف صيغت وفيم كتبت؟ الاتفاق على مضض مع بروفيسر عبد الله يجيء ضمن التساؤل عن إمكانية نشر هذه البحوث بالمجلات المحكمة أو تقديمها للمؤتمرات المتخصصة. وهذه مجالات و"براحات" ضرورية حينما يتعلق الأمر بالجدوى "العملية" لبحوث مثل هذه تتيح التراكم المنهجي للمعرفة وتمكّن من تدقيقها والتوفر عليها.

تجد الرموز الاجتماعية، الانثربولوجية، مبرراتها في سياقها الإنثربولوجي نفسه، تماما كما هو حال كل علامة سيميائية، ولديسوسيير أفضال وفتوح كبيرة هنا. أظن أن بعض ملاحظات أستاذنا دكتور عبد الله على إبراهيم بمحاولتها فصل وترحيل العلامة، الشلوخ هنا، من سياقها العربسلامي السوداني إلى سياقات آخرى ، تنطوى على بعض التبسيط وتعزل الظاهرة من واقعها الاجمالي الذي قمت أنت بدراستها ضمنه، إذ العلامة تكتسب دلالة جديدة في كل سياق جديد، أليس كذلك؟


حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المنهج أبوخروم (تالت)

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الحسن بكري
سلام
و " جهنم" يا زول حالها واقف من سنتين أو أكثر بسبب المشغوليات، لكنها في حيّز النية ـ و إنما الأعمال بالنيات ـ ( شفت العبارة دي مريحة كيف؟)..عندي نوع النصوص و التصاوير التي قد لا تطاق في مقام سودان الجميع و أدّخرها لجهنم و أنتظر فسحة في المجال و سعة في الحال .. و الله كريم.
شكرا على ملاحظاتك الرشيدة ، و قد أتفق معك ـ و مع عبدالله ـ "جزئيا و على مضض" و بعد لأي إلخ، في الكثير مما ذهبتما إليه.و المسألة و ما فيها هي أن الفيل ـ فيل منهج البحث ـ في الظلام ، يملك أن يختزل لذنبه أو لخرطومه أو لأذنه و أنت أدرى.و" منهج البحث زي عود الكبريت ما يولعش غير مرة واحدة " كما يقول المثل الشهير غير المعروف.يعني حكاية المنهج " قميص عامر" بقت مخاطرة جائرة في حق موضوع البحث و في حق الباحث في آن.و الله أعلم.
يشغلني سؤال المنهج في حركتي و في سكوني و لا أجد له إجابة ناجعة ، و أتفاءل بحيرتي وقد أثق فيها ( و هيهات)أكثر من اليقين الظاهر على صفحات " المجلات المحكمة " و " المؤتمرات المتخصصة" المتمسحة بمسوح العلم بالكضب و بالجد.و على كل حال "الحي بشوف" و الحساس يعمل العايزو.و كان لقيت براح نوّرني بما ترى في حكاية المنهج" أبو خروم دي" بالذات على ضوء إشكالية الجسد عند تقاطع السياسة و علم الجمال...
مودتي
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المنهج أبوخروم (كمان)

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد35

الفاضل،
لو رجعنا لحكاية منهجي" ابوخروم"، فأنا أعتبر أن صفة " الخروم" وقعت لي في جرح،كوني وجدت فيها توصيفا دقيقا لطريقتي الخاصة ـ و لنسمها " غير الأكاديمية" حتى لا نقول " غير العلمية " ـ في مباصرة منهجية البحث في صدد التركيب اللاحق بظواهر الجسد التشكيلي في السودان.أقول :" طريقتي الخاصة" من باب الفرز لا من باب الفخر.كوني أجدني أستلهم " طريقة " ملوِّن المائيات الذي تفرض عليه طبيعة الخامة و سعة الأدوات أن يباشر تخليق الصورة على أساس تعاقب و تراكب العشرات من طبقات الألوان المائية التي لا قيمة فيها لأي طبقة مفردة بمعزل عن الأخريات ـ كون كل طبقة لونية تعنى بجزيئ من الصورة و تهمل ما عداه ـ بيد أن تنظيم تراكب الطبقات الإجمالية على مواضع مختلفة من مسطح الصورة يتيح للعين تلقي الحاصل النهائي الذي يجسّد الصورة الكليّة.أعني العمل النهائي الذي يستحيل إرجاعه إلى أي من مكوناته المفردة. و تقنية تخليق الصورة المائية أمر مركّب، كونها تستفيد من قصور الأدوات و تجعل منه نقطة قوة.فعلبة الملوِّن المائي لا تحتوي على الأبيض ، كما هو الحال عند ملوِّني " الغواش" و ألوان الزيت و " الأكريليك".و الأجزاء المعنية بالأبيض في الصورة المائية هي في الواقع " خروم" في نسيج المُلوَّنةأ كون الملوِّن يستثمر بياض الورقة لصالح الصورة و يهيئ السطح الملوّن بحيث تندمج المنطقة البيضاء من الورقة( الخرم) في المنطق اللوني للصورة..
و هكذا يربط منهج تخليق الصورة المائية عضويا بين أدوات الملوِّن و موضوعه في آن.يعني " من دقنو و افتل لو"، شفت كيف؟
لا عليك يا صاح فهذي بعض من خطرفات الرسامين، لكن ما أقصده هو أن منهجي المتسمي بـ " أبوخروم" واع بخرومه. بل هو يبتدر البحث على قناعة بجدوى الخروم. و كون الطحن الأولي " دُراش دُراش"، فذلك لا يمنع الحاصل من العودة للرحي ، بسبيل سد الخروم في كل مرة بأفضل من سابقتها، ضمن سيرورة كفاح بلا نهاية على جدلية التأثير المتبادل بين الغاية ، غاية البحث، و وسيلته.
و ربما كان المبرِّر المضمَر للتصاوير المائية يتلخّص في مسعى الملوِّن لبناء الصورة على أساس الخروم البيضاء.فالصورة المائية تتأسس منذ البداية على وعي بالأبيض ، قل : على حساب الأبيض.فكأن المصور يداهن حضور الأبيض و يهيئ تراكم طبقات الألوان إحتفاءا بهذا " الخرم " الأبيض على طموح يجعل من خرم المساحة البيضاء قلبا و أساسا للصورة و الله أعلم..
و هذه الطريقة (المنهج) في تخليق الصورة هي طريقة يندمج فيها المنهج كوسيلة مع المنهج كغاية، فكأن البحث في جملته ما هو إلا بحث في المنهج ، بصرف النظر عن نوعية الموضوع و تطبيقاته الوظيفية المحتملة.
و أظن أن متعة صناعة التصاوير المائية إنما تعتمد على الإستدراكات بلا نهاية ، التي تستهدف بذل الحاصل الختامي كقرينة على إحكام المنهج و تملّكه.و قد جاء في مثل (غير معروف) من عنديّاتي:"المنهج سلاح و المنهج كفاح".
و لو نقلت هذه الفكرة ، أعني فكرة المنهج الذي يتأسس على عاهة الأداة و قصورها الطبيعي، لو نقلتها إلى منطقة التعبير الجسدي الحركي ( في الرياضة و بعض الرقص) فستلاحظ أن منهج الخلق الحركي الجسدي إنما ينبني على أساس قصور أداة الجسد عن التحقـّق الحركي الحر ضمن أبعاد المكان و الزمان الفيزيائية.فجسدنا في وضعياته الحركية يظل محكوما بقوانين حركة الأجسام و مقتضيات الجاذبية التي تمنعه أن يعلو في الفضاء حرا( كما الطير على الأقل) وتنتهي كل محاولات حركته الرأسية بالسقوط على الأرض.لكن" ود ابن آدم" لا يقنع بسهولة فيعاود الكرّة المرة بعد المرة. و ينتهي به الأمر بأن يجعل من مجرد تكرار المحاولة ( الطوباوية) وجها في التعبير الجمالي، أو كما يحدث في تنويعات رقصة " العرضة" التي أراها من مشهد منهجي كمحاولات مستميتة للتحرر من أعصى القيود التي تحد من حرية الجسد : قيد فيزياء حركة الأجسام في الزمان و المكان الأرضيين. و ليس صدفة كون الراقصين الذكور بين أهل السودان ـ على إختلاف التاريخ و الجغرافيا ـ " يعرضون" فتوّتهم بتحدّي قوانين الفيزياء.
الفاضل،
عفوك و لكني مضطر لقطع هذه التعريجة داخل أرض الرقص، و سأعود لذلك مرة أخرى ، ضمن ورقة قادمة أعدّها في خصوص " ألعاب الأطفال الجسدية التشكيلية في السودان"، و سيكون فيها حديث آخر في صدد فكرة " الجسد الحي الحيوان" التي استرعت انتباهك..
هل هذه طريقة أكاديمية في البحث؟ مندري.و على كل حال ،فكوني أتبنـّى منهج الملوِّن المائي " أبو خروم"، لا يعطيني الحق في مصادرة حق غيري من الباحثين على مباشرة مباحثهم على منهجية صمدية ، كما منهجية ملوّن الزيتيات الأكاديمي الذي لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه أو كما قال.و في النهاية طبعا " الحشـّاش يملا شبكتو" ، لكن يملاها بشنو؟
و خلاصة الأمر هو إن كانت أكاديمية المنهج تعني الإنغلاق في منطق قد يضحي بتعقيد الظاهرة باسم التنظيم المدرسي للأفكار، فأنا يا صاح خارج جنـّة المنهج و سقطها أو كما قال.و نحن قوم تقحّمنا أرض البحث " عنقالة " ساكت ـ بدون رخصةـ باسم الضرورات العملية التي فرضت علينا إختراع الإجابات البراغماتية لأسئلة الواقع الحي، فارتجلنا و باصرناو فشلنا في نواح و أصبنا في غيرها و ما زلنا ، و البركة فيكم..
سأعود
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



حاج أحمد زُجاجة مُعبأة بالأنوثة !



نقطُف من نص : (أُمسية مع الراحل/ الشيخ علي المادح ) ما يُيسر لنا أن نتحدث :

القطف من النص :

[ يُمسك ( حاج أحمد ) بعصاه يتوسط الباحة راقِصاً ، تدور العصا في هالة قُرص من حول رأسه و ( يَعرِضْ ) . قليلاً ثم تتكئ العصا قُرب خصره ، وبدأ ( رقص الحمام ) . زغاريد النسوة تشَق عنان السماء ، ونحن نغُوص في مقاعدنا الوثيرة تعصُف بنا الأشجان . اضطراب للنفس عظيم حين يموج جسد الشيخ الكهل بنضار شباب اليوم !. لم يكُن

(من تُقل المَرَجرَج و الخايض الوَحل ْ )
، بل غُصن يتلوَّى مع النسيم ! .]

لم يكن حاج أحمد مسخاً أو يتوسط قاسماً مشتركاً بين الذكورة والأنوثة أو حتى خصياً ، بل رجل مذكر مُكتمِل التكوين ويفيض كما يقول العامة !. بل له نظرة تُخيف أكثر من المُعتاد في نظر طفولتنا ، فلا سنه ولا صحابته يمكننا أن نجالسهم في صغرنا أو حتى نطَّوَف بقربهم ، فقد كان في عالم كبار السن الذين نتلصص على مجالسهم بمسافة متوارية عن الملاحظة ، يتضاحك حاج أحمد مع أقرانه عند السمر، وهو ما لا نراه في حياته التي نعتاد معايشتها . صورة تُناسب ( سي السيد ) الذي يعيش وسط السودان ! .

في المآتم والأفراح هو ورفاقه في العُمر يُثقلون علينا بخدمة الأضياف . الشارب عنده كثٌ مُبيَضّ ، والجسد متوسط الطول ، ضَمُر في مسيرة العُمر ، إلا أن قبضة يده كمخالب صقر . إن أمركَ وتراخيت فقبضة حديد يده كمقبض آلة . بينه وبين الأنوثة في زعم الخيال تجديفاً ما بعده تجديف . فكيف( لصاحب اللواء المعقود ) ومحبته القادمة من قاع الذاكرة التي شربت من صفات المُصطفى ما جمَّل الحديث عنه فأضحى المصطفى بجمال صورة ونقاء سريرة : نحت باهر في جمال ذكوري مُترف ، أخذ من ملامح النبي يوسف من ستر ومن خلف ظهر المراجع . ففي مُخيلة الضراوة البدوية الملامح للحاج أحمد هنالك جمال باهر لصورة رسول الله وخاتم النبيين ، فترتج العادة من حلاوة العبادة ، وترتخي شمائل الذكورة عند الحاج أحمد ساجدة عند مدح النبي الأكرم ولُغة التطريب الشجية لمُداح رسول الله .

من هز النخل يتساقط الرُطب الجَني :

من فارس تلتفُ عصاه لولبية من حوله ، و فتنة فارسٍ لا يُشقُ له غُبار في وسط الحلبة ، حتى تأتيه رياح الخضوع في انعطاف الطرب في حضرة ذكر صاحب المقام الرفيع فتنخفض الذكورة وتحني رأسها طوعاً ، وتستدعي مفاتن الخضوع الأنثوي الباهر ، فتتقمصه رياح شيطانية في قالب ملائكي لا يُثير حفيظة قرون الاستشعار الشرعية ، وينقلب الساحر من رقص ذكوري إلى رقص الأنوثة وهي تتثنى !. في جلال ينخفض الثور الذكوري للذبيحة في عيون الأشهاد . تستنفر الأنوثة التي جذبتها المُشاهدة وقد قدمت بعد اكتمال طقوس الإطعام من مآكل ومشارب تُليق بليلة المديح النبوي ، قدمت وقد استبد بها النصر المؤزر من أن الأنوثة ذاك الجسد المطمورة ألاعيبه وقد فاح من جسد ذكورة حاج أحمد وهي شاخصة تفوح وقد قاربت الستين من العُمر . يتماوج الجسد كغصن أخضر العود في طوره الأول يُراقص النسمة قبل الريح :

سنَّيت بالرسول ضوء الليالي السود
مصباح الظلام الفَضلو ما مجبود
صاحب اللواء المَعقُود
يوم هَول القيامة النار لِسانا يقود
جانا المُصطفى وخمَّدها لينا خمُود
صاحب اللواء المَعقُود
يوم وُضِع الرسول النور هِلال ضوى
حَاضرات فِي النِساء مَريَم معَ حواء
صاحب اللواء المَعقُود

وتنطلق الزغاريد ...

صورٌ من تآلف المؤنث والمذكر في شمس العلن ، تمُر مرور الكرام تحت أشرعة تعبُدية تُظللها ساكتة عن الحق هُنا دون أن تنبس ببنت شفة !!!!.
أضف رد جديد