مشاهد من أحوال الزنوج حول العالم

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاهد من أحوال الزنوج حول العالم

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحايا للجميع،

لا أنوي التعليق كثيرا في افتتاح هذا الخيط، إذ أنوي هنا أن أضع عددا من الفديوهات، من حول العالم، تعكس حالة المواطنين والمهاجرين الزنوج في بقاع شتى من بقاع العالم.. الهدف هو إلقاء الضوء على ظواهر العنصرية، والإقصاء، وصعوبات العيش، التي يواجهونها.

نبدأ الخيط بالزنوج في العراق:



[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/tbsB4Bm-lAc


[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/rDnGtJxJ4uU
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

والزنوج الباكستانيون.. هل سمعتم بهم من قبل؟
عقود من التهميش والاضطهاد


[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/Lxaz6hBxf3I
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

السكان الأصليون في استراليا، وفي بابوا الغربية (West Papua)، سحناتهم الزنجية واضحة لا تخطئها العين، والدراسات تعود بأصولهم لهجرات قديمة جدا من القارة الافريقية (وفرق المقدار هنا في زمن الهجرة فقط، فكل البشر حول العالم اليوم هم نتاج هجرات تاريخية من افريقيا الام).. ما تعرض له هؤلاء من اضطهاد وتمييز في بلدانهم هو نفس قصة الاستعمار، في نسخاته العنيفة، بيد أنها قصة مستمرة لليوم.

تم ضم بابوا الغربية إلى اندونيسيا رسميا في 1969، في استطلاع تقرير مصير شابته الكثير من دلائل القهر وعدم النزاهة، ومنذ ذلك الحين لليوم تمارس السلطات الاندونيسية قمعا منظما لسكان بابوا الغربية الاصليين، خصوصا المطالبين بحقوقهم والعاملين على استقلال بابوا الغربية.. الكثير من المجازر والانتهاكات ارتُكبت، وما زالت تُرتكب.

بابوا الغربية أرض خضراء وغنية بالثروات الطبيعية، والسلطات الاندونيسية تستفيد اليوم من استغلال هذه الموارد، بالتعاون مع الشركات العالمية، استفادة جمة.. التعتيم الاعلامي الشامل، المقصود، بخصوص قضية بابوا الغربية قوي جدا، لكنه مؤخرا صار يحوز انتباها عالميا متناميا.

قناة الجزيرة الانقليزية تقدم فِلما وثائقيا صغيرا عن القضية:

"نحن نتعرض للتهميش في بلد غنية الموارد تحت حكم استعماري. نحن نبكي لأن قبائلنا على حافة الانقراض بسبب الاستغلال الاندونيسي".


[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/EQqjqZR0RJ0
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

والزنوج في اليمن.. ما زال إرث الاستعباد واقعا اجتماعيا واقتصاديا..

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/dgVLoKO-A-s


[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/T7_HSfHi3hA
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

البرازيل: ديمقراطية عرقية؟

- البرازيل هي ثاني أكبر دولة "في العالم" من حيث عدد السكان الزنوج، ولا تسبقها إلا نيجريا، أي أن البرازيل تتفوق على بقية البلدان الافريقية نفسها في عدد السكان الزنوج بها.. ذلك لأن عدد العبيد الافارقة الذين نُقلوا لأمريكا اللاتينية - وبدون مبالغة - عشرات أضعاف أولئك الذين نُقلوا لأمريكا الشمالية، في حقبة تجارة العبيد عبر الاطلنطي.. كما ان البرازيل هي آخر دولة في غرب الكرة الأرضية من حيث إبطال نظام الرق.

- تأثير الثقافة الافريقية في البرازيل جميعها واضح جدا، وتعداد السكان الزنوج في ولاية مثل باهيا (Bahia) حوالي 84%، لكن لم يحصل في تاريخ هذه الولاية أن حكمها زنجي، وهذا يقف في تناقض واضح مع ادعاء السلطات البرازيلية أنها بلد تعايش عرقي ديمقراطي (racial democracy).

- الطلبة الزنوج في الجامعات نسبتهم قليلة جدا، مقارنة بنسبتهم العامة بين السكان، وهناك ظروف تهميش اقتصادي واجتماعي تحرمهم من مواصلة تعليمهم، وحتى حين يدخلون الجامعات يجدون الاقصاء من الطاقم التعليمي نفسه، حيث يقول لهم بعض البروفيسورات ان سكان الاحياء الفقيرة غير حقيقين بدراسة مواد مثل الفلسفة، لأن لديهم "عجز فكري" (intellectual deficit).

باختصار، فإن ما عاناه الزنوج في أمريكا الشمالية، برغم بشاعته التي كثيرا ما تفوق الوصف والتوثيق، إلا أنهم كانوا أسعد حظا، بشواهد كثيرة، من الأغلبية التي انتهى بها المطاف في أمريكا اللاتينية.


[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/CBNUOsrIiAs

الوثائقي أدناه حلقة من عدة حلقات تناولت أحوال السود في أمريكا اللاتينية؛ كل حلقة تناولت دولة (المكسيك، البرازيل، كوبا، الخ).. الحلقات لا تتحدث فقط عن الاضطهاد العنصري، بل عن التجربة الزنجية في أمريكا اللاتينية عموما (تاريخا، ثقافة، سياسة، الخ) :

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/C11gIwOh2xs
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

المهاجرون واللاجئون الزنوج في اسرائيل:

ما جاء مؤخرا في الأخبار، حول احتجاج الاسرائيليين على كثرة المهاجرين الافارقة، له جذور أعمق من هذه.. الاثيوبيون اليهود، يعانون تمييزا عنصريا في اسرائيل منذ عقود، وعموم حالهم أقل وضعا، اقتصاديا وسياسيا، من أي مجموعة اثنية يهودية اخرى.. هذا التاريخ يدل، فيما يدل، على أن ما جرى للاجئين الافارقة في اسرائيل مؤخرا، ليس مجرد احتجاج على كثرة اللاجئين لأن اسرائيل غير قادرة على التكفل بهم، بل هناك أسباب أخرى، والعنصرية تفوح منها.

بطبيعة الحال فإن وضع الاثيوبيين اليهود ليس مثل اللاجئين الافارقة، السودانيين والارتريين وغيرهم، لأنهم مواطنين يهود، ولأنهم أتوا لاسرائيل عن طريق السلطات الاسرائيلية نفسها، كواحدة من عمليات إعادة توطين اليهود من حول العالم في اسرائيل.. هذا يجعلهم قادرين على مواجهة التمييز العنصري أكثر، والتعبير عن حقوقهم اكثر، لكن هذا لا ينفي المعاملة العنصرية التي يواجهونها من شرائح المجتمع الاسرائيلي المختلفة.

هذا فديو عن احتجاجات اليهود الاثيوبيين في اسرائيل:


[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/63gMMsDOm8Y

أما عن اللاجئين الافارقة، فهذا تقرير مصور من مركز تنمية اللاجئين الافارقة، الاسرائيلي، للجنة الأمم المتحدة لإنهاء التمييز العنصري:

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/cUivyO5T_34

وهذا فديو آخر يعكس بعض الاصوات الاسرائيلية في الشارع:

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/8n-y24SzbCY

موضوع اسرائيل من الأمثلة الكبيرة، لأن اللغة والممارسة العنصرية لا تجتهد كثيرا في إخفاء نفسها ، لكن رغم ذلك تصر اسرائيل وتؤكد بأنها لا يمكن أن تكون مكانا للعنصرية، بل ويتحدث رئيسها، شيمون بيريز، بثقة عن ان اسرائيل هي من الدول القائدة في محاربة التمييز العنصري!

السلطات الرسمية الإسرائيلية، وبعض الأصوات التي تدعي المدنية، تحتج على التواجد الزنجي لسببين معلنين:
1- أن إسرائيل لديها طاقة معينة في عدد اللاجئين الذي يمكنها قبوله، وما فوق ذلك منهك لها ومهدد لـ"خارطتها الديمغرافية".
2- أن هناك مشاكل انتشار جريمة مرتبطة بهؤلاء اللاجئين، وعليه فهناك ضرورة أن تتخذ السلطات إجراءات تضمن حماية المجتمع الإسرائيلي من مصادر هذه الجريمة.

الحديث عن الجرائم التي يرتكبها هؤلاء اللاجئون إنما هو ذر للرماد في العيون (لكنه وصفة مجربة، وقد سبقهم إليها غيرهم)، لأن الواضح أن أغلبية هؤلاء لا يرتكبون جرائم، كما أن نسبة الجرائم وسطهم لا تفوق نسبة الجريمة وسط المواطنين الاسرائيليين أنفسهم،* وعليه فليس هناك سبب لوصم عموم اللاجئين الزنوج بالجريمة لأن عددا منهم ارتكبها، خصوصا وأن هنالك أيضا ظروفا اقتصادية واجتماعية واضحة تشير لدوافع تلك الجرائم، كما هو الحال عند عموم الشعب الاسرائيلي.. وبالتالي فحجة "انتشار الجريمة وسط هؤلاء الناس" هو غالبا حصان طروادة يبرر التنفيس عن سخائم النفوس، والكراهية الدفينة، ويستخدمها الكثيرون في دول أخرى (في أمريكا مثلا، وفي السودان نفسه، حين الحديث عن أبناء الجنوب وجبال النوبة مثلا).. التناقض الأكثر وضوحا هو أن حجة "انتشار الجريمة" هذه تُستعمل كمبرر لارتكاب جرائم أبشع بكثير في حق الجماعة المقصودة! فمن أين إذن يأتي ادعاء العُلوية الاخلاقية؟

من التناقضات التي تحيط بالنموذج الاسرائيلي أيضا تاريخ مواطني اسرائيل أنفسهم، حيث أن معظمهم حديثو عهد بالأرض، وقد نزحوا بعد تجارب مريرة عاشوها بسبب التمييز الاثني ضدهم (مارسته ضدهم نفس الشعوب التي يتماهون اليوم معها).. لدى اليهود تاريخ محسوس في مشاكل العداء نحو اللاجئين، فإسرائيل هي في الأصل دولة شكّلها اللاجئون.. لعل هذا مثال واضح، من أمثلة كثيرة، أن عند البشر ضعف خيال عام، بحيث ليست هناك قاعدة عامة تقول بأن من يمر بتجربة مريرة فإنه بالضرورة سيتعاطف مع غيره ممن يمرّون بها.

الموضوع برمته يختلف كثيرا من موضوع إدارة عدد اللاجئين حسب طاقة الدولة الاسرائيلية، فهذا الأخير موضوع سياسي-اقتصادي له أدواته الموضوعية ومنطقه الإداري المنضبط، ويمكن دعمه بحجج موزونة، لكن إطلاق العنان لمشاعر الكراهية لتعبر عن نفسها في المجال العام، وغض الطرف عن الممارسات غير القانونية بحق اللاجئين، هو شيء آخر تماما.

الكائن البشري، بموروثه من التجارب الاجتماعية التاريخية، يميل بطبعه لمن يشبهونه ويتوجس ممن لا يشبهونه، وهذا منبع العنصرية، وقد كانت العنصرية معترفا بها وبديهية عند شرائع التاريخ القديم (ومنها شرائع الأديان القديمة).. لهذا فإن العنصرية ليست حقا غريبة على الطبع الانساني، وانما الغريب على هذا الطبع هو أن ينظر للجميع كبشر مثله، أندادا سواسية، بغض النظر عن أجناسهم وسحناتهم وثقافاتهم.. إذن فمحاربة العنصرية إنما هي عمل فكري وأخلاقي وقانوني دؤوب، ولا يجب أن يُفترض كمعطى جاهز، أو كحالة ممكنة بجرة قلم وإدارة هيكلية بحتة، لا تتناول جذر المشكلة في النفس البشرية، وهذا ما يبدو جليا أن إسرائيل فشلت فيه، كما فشلت بلدان أخرى، حتى الآن.

_______
* هذه الوصلة عبارة عن تقرير رسمي عن الجريمة في اسرائيل، منذ 1999 إلى 2008:
https://www1.cbs.gov.il/www/statistical/crime08e.pdf

Conventional is neither neutral nor convenient
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

Very interesting ya Gussai

انا شخصياً متابعك فيديو فيديو

ومجهود يستحق المتابعة كون عمايل ابن آدم صاحب الجاه والامتياز فى العنصرية والعرقنة والأثننة والتهميش لا تُحد لا تُحد ، او كما قال المغنّى!!!

لاحظت ان هناك نمط وسلوك يعيد انتاج نفسه فى معظم التجارب وهو عابر للزمكان. دا لو اتربط بالثروة والسلطة حيعمل اطروحة مائزة وتستحق التأمّل
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و لي في الزنج أعراق معاندة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا قصي و مثله للفاضل
شكرا يا قصي على فتح موضوع الزنوج في العالم..
يا جماعة أنحنا في " امبراطورية الوسط" دي ما عندنا طريقة للفيديوهات لكن نراعي في الكتابة و نخمّن قصةالفيلم.
يا قصي مرة صديقتنا الفنانة " إيفا تيزاريو " التشيكوسلافية [ سابقا] حكت لنا أن العبارة التي يستخدمهاالتشيك في توصيف الغجر تترجم بـ " الزنوج ". مرة في فيلم ويسترن [ جون فورد كان ما نخاف الكضب ]فيه بيرت لانكستر و إدي ميرفي و أودري هيبورن التي كانت تلعب دور أختهم الهندية [ بالتبنـّي ] جاءت لحظة مواجهة عنصرية تم فيها توصيف الأخت الهندية بـ "الهندية المزنوجة "!من هنا أتساءل هل يجوز تصنيف الباكستانيين في بريطانيا و الأتراك في ألمانيا و المغاربة في فرنسا و الفلسطينيين في اسرائيل كزنوج؟
طبعا الإجابة راجيها سؤال جديد و هكذا..
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحايا للأستاذين الفاضل وحسن، وشكرا للمتابعة

عدت للتو من تظاهرة أمام قنصلية جنوب افريقيا (أزانيا)، نظمتها شبكة التضامن الافريقية مع عدد من الحركات العمالية في أونتاريو، كتعبير احتجاجي وتنوير عام عن المذبحة التي تعرض لها عمال المناجم الجنوب افريقييون في منطقة ماريكانا، والذين يعملون في شركة التنجيم العالمية، المتمركزة في المملكة المتحدة، لونمن (Lonmin).. هذه الحادثة التي أعادت أخيلة الناس بقوة لعهد الأبارتيد، وفتحت عيونهم بنفس القوة، وفي نفس الوقت، على واقع "الأبارتيد الجديد" - كما سماه عدد من الناشطين الجنوب افريقيين - المستشري في النسيج الاقتصادي والاجتماعي في ذلك الجزء من العالم.. هذه الحادثة المؤخرة مرتبطة جدا بموضوع هذا الخيط،

تحدث عدد من المتحدثين ، يا الفاضل، عن أهمية ربط الاضطهاد العنصري بتحليل "الثروة والسلطة"، كما ذكرت، ومن الواضح عموما أن الاضطهاد العنصري لا يتجلى في فراغ، وإنما عبر المظالم الفادحة في إدارة الثروة والسلطة.

يمكنني أن أحيلك، يا الفاضل، في عجالة، إلى كتابات شخصيتين افريقيتين تناولتا مسألة الاضطعاد العنصري والحقوق السياسية-اقتصادية بمنهجين مختلفين، لكن انتهيا لنتائج كثيرة متوافقة.. الأول هو ستيف بيكو، رائد حركة "الوعي الأسود" في جنوب افريقيا، والثاني والتر رودني، الافريقي الكاريبي الذي كتب كتاب "كيف قوضت أوروبا نمو افريقيا" (How Europe Underdeveloped Africa)، حين كان يعمل في جامعة دار السلام، تنزانيا.. بيكو صاحب تحليل محلي اجتماعي أصيل، تمت الاستفادة منه في تحليلات افريقية وعالمية أكبر (كما جرى لتحليل فرانز فانون)، أما رودني فصاحب تحليل اقتصادي-سياسي ماركسي السحنة (مع إضافات أصيلة).

على الصعيد السوداني، تعجبني ورقة الدكتور محمد سليمان، التي نشرتها مجلة احترام، العدد الثامن (اغسطس 2008)، وخلاصة أطروحة الورقة هي أن حرب الهوية تبدأ حربا حول الموارد، ثم تتخذ المؤسسات الاجتماعية من الهوية الاثنية أداة تعيد إنتاج هذا النزاع عبر الأجيال (وهذا، في نظري، تلخيص شديد لدرجة الإخلال، لكن العزاء أني أشرت لك لمصدر الورقة، لتراجع في محلها).. أما الاتجاه الذي أراه عموما الأكثر شمولا وتسديدا في تحليل مسألة الهوية والثروة والسلطة في السودان، فهو التحليل الثقافي الذي تروج له حركة كوش، وأحد روادها الأستاذ محمد جلال هاشم.

وسؤالك يا حسن واضح أن له ما بعده.. لكن دعني أزيدك أولا من نفس التيار الذي ذكرته:

1- الأغنية الشهيرة لجون لينون، التي تقول "المرأة هي زنجية العالم"
(woman is the nigger of the world)

2- قديما، حين كان الشعب الإيرلندي أكثر الأوروبيين عرضة للاضطهاد (والاستعباد أيضا)، اشتهرت العبارة "الإيرلنديون هم زنوج أوروبا" (The Irish are the niggers of Europe).

عبارة "nigger" لا تعني "زنجي" حرفيا، لكن مستمدة من كلمة زنجي (negroid)، ثم تم "ابتداعها" لتخصيص الازدراء والإمعان فيه.. هاتان العبارتان أعلاه - عن المرأة والإيرلدنيين - أعطتا وصف "زنجي" بُعدا آخر، أقرب للحالة الاضطهادية وأبعد من الحالة العرقية كمعطى بيولوجي موروث.. في الفديو أدناه يشرح جون لينون لماذا استعمل العبارة بتلك الصورة:

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/S5lMxWWK218

في مقابل هذا الاستعمال، ظهر استعمال كلمة "أسود" لتمنح الزنوج صورة مضادة وكريمة لأنفسهم، في الدياسبورا وفي الأرض الأم (كما استعملها ستيف بيكو ووالتر رودني، لكنهما أضافا للقضية بُعدا آخر، أكثر إنسانية وأكثر "سياسية"، كما أرجو أن أجد الفرصة للتوضيح لاحقا).

الشاهد - للإجابة على سؤالك - هو أن العبارة صارت تُستعمل من بعض الجهات لإبراز مدلولها الاضطهادي وليس أصل التمييز العرقي (فالعرق الزنجي، من الناحية الموضوعية، هو أحد الأعراق المعروفة في التصنيف العلمي للبشر، وهو أحد الأعراق الرئيسية الثلاثة وأقدمها: الزنجية والقوقازية والمنغولية).

لكن، من جهة أخرى، فإنه من المثير للاهتمام (يعني interesting) أن يكون مصدر هذه الكلمة، الدالة على الاضطهاد عموما، إنما هو تصنيف عرقي في الأصل؟ فهذا يقول شيئا عن الذاكرة الجمعية التاريخية، حتى لو يقل شيئا عن الاضطهاد العرقي بالذات.

باختصار: بينما من الواضح أن الاضطهاد، ذات نفسه، أوسع من مجرد التمييز العرقي، ولا يشترطه بالضرورة، إلا أن من الواضح أيضا أن أي اضطهاد مورس ضد جماعات إثنية كاملة كان مبنيا على فرضية "العُلوية العرقية" (التي تقول إن بعض مجموعات البشر أسمى من غيرها بصورة موروثة - عرقية).. أكبر تجسيدات هذه العُلوية العرقية، كمّا ونوعا، في العالم هو ما مورس تجاه العرق الزنجي، في التاريخ القريب، من جانب ما يسمى بالعُلوية البيضاء (white supremacy).

ما رأيكم دام فضلكم؟
Conventional is neither neutral nor convenient
إيمان أحمد
مشاركات: 774
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm

مشاركة بواسطة إيمان أحمد »

شكرا يا قصي

This is inspiring
أكثر ما أعجبني هو بدءك الموضوع ببلاد لا يتم الحديث عنها عندما نتحدث عن اضطهاد الأشخاص ذوي البشرة السوداء. شفت بعيوني في اليمن عمال نظافة الشوارع يعاملوا كالمنبوذين، وحكي لي بعض الناس إنه مازالت في اليمن العديد من المهن تعتبر "حقيرة" وتتوارثها عائلات "سوداء" مثل مهنة الحِدادة والحلاقة (المزين زي مابيسموه)، وهذه العائلات لايتم التزاوج معها من قبل "الأسياد". يعني لو جا عريس لبنت أسرة وقاله أهله حدادين ولا أبوه مزين، طوالي يعرفوا إنهم أخدام، ده طبعا بالإضافة إلى التمييز باللون. واليمن بلد فيها طبقات اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان. عرقية وقبلية وعشائرية يصعب على الغريب فهمها في كثير من الأحيان. وأجدها مثال حي ل
multi-layered hierarchical society

قضيت الشهور الفاتت في كينيا، ولاحظت حاجة ملفتة. البلد فيها أجانب كتير وخاصة أوروبيين وبيض؛ في السطح تجد مجتمع يختلط فيه الناس بجميع ألوانهم، لكن سرعان ما تكتشف إن المسألة فيها سوق جنس غزير: "رجل أبيض يملك المال + امرأة سوداء". وملاحظة تانية إنه مازال العامل الكيني خاصة في الوظائف الأقل دخلا يعامل الشخص الأبيض بخنوع لا تخطئه العين. شعرت بأنه ده نتاج سنوات مزمنة من القهر المستمر والاستعمار الذي أعتبر إنه لم ينته من كينيا بعد.

متابعينك وشكرا على الفيديوهات

إيمان

إيمان أحمد
مشاركات: 774
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm

مشاركة بواسطة إيمان أحمد »


Quoting Qussai

"أكبر تجسيدات هذه العُلوية العرقية، كمّا ونوعا، في العالم هو ما مورس تجاه العرق الزنجي، في التاريخ القريب، من جانب ما يسمى بالعُلوية البيضاء (white supremacy). "

I would like to link this to the notions of "purity", using the example of Israel and its concern over a possible change in its "demographic map"c

وَهْم النقاء العرقي سواء أكان ذلك في إسرائيل أو في اليمن يلعب دور كبير في تحريك مسألة التمييز.
آمل أن تتوسع قليلا ياقصي في ربط مسألة العرق بالسيطرة على مصادر الثروة والموارد، تتبعها السيطرة على السلطة. وحبذا لو أوردت بعض الأمثلة لتنويرنا، فالصراع العرقي يرتبط في أكثر الأحيان بالصراع الإقتصادي.



Iman

صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

عدت للتو من تظاهرة أمام قنصلية جنوب افريقيا (أزانيا)


قصي يا صديقي الإفتراضي... إنت "أزانيا" دي قبال ما يجوها الوايت بيبول (White people) السجم ديل ويسموها لينا تأريخياً "جنوب أفريقيا"، كانت يا ربي جنة ونعيم طبيعي يخلو من كل التناقضات؟. وكان الناس عايشين فيها خارج أطر الصراعات الإجتماعية، في تبات ونبات يخلفوا بنين وبنات ولا كيف؟ أم هي حمي أكتشاف الذات في اوساط ومختبرات مغايرة ؟. ولربما كانت نزعة من نزعات ادب ما بعد الكولونيالية.

موضوعة أنترست للغاية

وليد يوسف
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحياتي وشكري يا إيمان،

أرى أنك قد هيئت لي الفرصة أكثر للحديث عن أطروحتَي ستيف بيكو ووالتر رودني، بعد أن هيأ لي ذلك الهاشمي من قبل كبداية.. ربط قضية العنصرية بالسلطة والثروة مهم جدا، لأن حيز السلطة والثروة، وعلاقاتهما، هو الحيز الذي تُترجم فيه فرضيات العنصرية من مجال الخيال لمجال التطبيق (وهذه الترجمة هي التي تُبرز "الاضطهاد"، فالاضطهاد ليس مجرد تصورات ذهنية عن الذات والآخرين، وإنما ممارسة مادية).. وموضوع "وهم النقاء العرقي" ضمن هذا الإطار أيضا.

في الحقيقة أنا مطالب، في الأسابيع القادمة، بتحضير خطاب صغير عن مفهوم "الوعي الأسود" (Black Consciousness) عند ستيف بيكو، ومقارنته بمفهوم "القوة السوداء" (Black Power) عند والتر رودني، وربطهما بالجانب الخاص بممارسة الاضطهاد وأدب المقاومة من وجهة نظر "عموم-افريقية" (Pan-African).. هذا الخطاب يُفترض أن يلقى ضمن مناسبة تنظمها شبكة التضامن الافريقي هنا في تورنتو، بمناسبة الذكرى الـ35 لاغتيال ستيف بيكو على يد سلطات الأبارتيد.. سأحاول أن أستفيد من حوار هذا الخيط كفرصة للعصف الذهني لتحضير الخطاب.

هذه اعتبريها دعوة مباشرة يا إيمان - ودعوة لكل سكان منطقة تورنتو من أعضاء وقراء هذا المنبر - لحضور هذه المناسبة، يوم 21 سبتمبر، وأوافيكم بالتفاصيل - المكان والزمان - لاحقا.
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحياتي وشكري يا صديقي الوليد

من المؤكد ان النقطة التي ذكرتها - وهي بالمناسبة سؤال قديم متجدد - لا بد من تناولها.

إذا سمحت لي بإجابة مختصرة حاليا، سأقول إن مسألة وجود المظالم الاجتماعية والاقتصادية في أزانيا (وعموم افريقيا) ما قبل الأبارتيد وقبل الاستعمار وقبل الاستعباد، هي مسألة حقائق موثقة وبديهية.. من المؤكد أن افريقيا لم تكن جنة قبل الدخول الأوروبي الاستعماري فيها.

المشكلة ليست في "كيف كانت افريقيا" او "كيف كانت ستكون" بدون أوروبا، وإنما هي مشكلة التعامل مع المعطى التاريخي الحقيقي، لا الافتراضي.. المعطى التاريخي الحقيقي هو أن المظالم الفادحة التي تعانيها الشعوب الافريقية، "اليوم"، مرتبطة ارتباطا وثيقا، وموثقا، بتاريخ الاستغلال والاضطهاد الأوروبي.. عليه لا يمكننا أن نواجه مشاكل المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في افريقيا بمعزل عن هذا المعطى التاريخي المعاش، ولا بد، من ثم، أن نواجه قضاياه الماثلة أمامنا.. لو كانت افريقيا عاشت تجربة تاريخية مختلفة، وكنا اليوم نعيش في كون موازي (parallel universe) فيه أوروبا وافريقيا بدون تاريخ استعمار واستعباد واضطهاد، فمن المؤكد أننا سنكون أمام واقع مختلف جدا عن هذا الذي نعيشه اليوم؛ ولا أستطيع الجزم قطعا بأن هذا الواقع المختلف سيكون أفضل أم أسوأ، لكنه قطعا سيكون مختلفا.. هذه على العموم ليست مشكلتنا نحن اليوم، وإنما مشكلة أصحابنا في الكون الموازي، فليتناولوا هم مشاكلهم ونتناول نحن مشاكلنا.

طبعا أعرف أن هناك من يقول إن الحديث عن العنصرية والاضطهاد الثقافي ليس ذا قيمة، لأن المشكلة في جذرها "مادية" (بمعنى أنها قضية اقتصادية-سياسية ولا يصح تشتيت الجهود وتضييع الزمن في التركيز على غير هذا).. هذه حجة يكذبها الواقع، فيما أرى، لأن المسألة أكثر تعقيدا وعمقا من هذه المباشرة التبسيطية.. أي قوة اضطهادية في هذا العالم لا بد أن تخلق أيدولوجية تبرر بها سيرورتها وتخدر بها المضطهَدين - جزئيا أو كليا - من أجل اجتراح نظام اجتماعي مستمر وقادر على إعادة إنتاج نفسه (وهذا شبيه بحديث "الهجمنة" بتاع قرامشي)، ومن أجل تغيير هذا النظام الاجتماعي لا بد من بناء تصور أيدولوجي جديد(إن لم يكن بعد "أيدولوجية" كاملة)، يستطيع تخيل واقع مغاير، أفضل، يعمل من أجله هؤلاء المغايرون.. "أقوى سلاح في يد المضطهِدين هو عقول المضطهَدين"، كما وردت العبارة الشهيرة عن ستيف بيكو، وهو ما يؤكده الواقع؛ فلا بد إذن من رفض مسلمات المعطى الحالي كيما يتم العمل من أجل احتمال مستقبلي مختلف.. هذا "الرفض" إنما هو عملية عقلية واعية - إقرأ ثقافية ونفسية - في بدايتها (فحتى الذين ينخرطون في عملية تغيير اجتماعي - ماركسي؟ - يفترض أن العلائق الطبقية المادية الاقتصادية هي منبع كل مشكلة، إنما ينحازون أولا لهذه "الأيدولوجية الرافضة" قبل أن ينخرطوا بصورة واعية في عملية التغيير الاجتماعي).
Conventional is neither neutral nor convenient
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »

سلام يا قصى

طبعا اخوى الكاشف حسن موسى وانا فى بلاد العم افـو والفيديو محجوب هنا.

ولكن قرأت النصوص وشكرا للمجهود الكبير وارجو المواصلة والصبـر..

لى رجاء واحد وهو أن تراجع البوست وتبدل كل كلمة زنوج أو زنجى بعبارة افريقى أو أسـود.. فكلمة زنجى نفسهـا فيها عنصريـة negger
Freedom for us and for all others
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحياتي وشكري يا أستاذ محمد عثمان.. ونطمع في المزيد من متابعتك

برغم أن كلمة "زنجي" كادت أن تصبح لفظا بغيضا، أو "نبزة" في حد ذاتها، جراء تراكمات تاريخية وثقافية صعبة، لكن كلمة (nigger) في الواقع لا تعني "زنجي" تحديدا، وإنما هي عبارة ازدرائية (derogatory term) لوصف الزنجي والزنجية، أما معادل كلمة زنجي في الانجليزية فهو (negroid or negro)، وهذا تصنيف عرقي موضوعي، مثل أن تقول قوقازي أو منغولي.. كلمة "زنجي" إذن ليست "كلمة بطالة" في حد ذاتها، وإنما هي تصنيف موضوعي.. الأستاذ محمود محمد طه كان يقول عن قومه "نحن زنوج، لساننا عربي".

هذا الخيط هو بالضرورة عن الزنوج تحديدا، وليس الافارقة عموما (فبعض الافارقة ليسوا زنوجا، وبعض الزنوج ليسوا أفارقة إلا لو رجعنا بهم أجيالا كثيرة للوراء، وإلا لو عرفنا الهوية الافريقية تعريفا ثقافيا وتاريخيا - وعرقيا؟ - معينا، وعموما هناك علاقة معقدة وقوية ومتداخلة بين "الزنوجة" و"الافريقانية"، لكن لفهم هذه العلاقة لا بد من التمييز بينهما).. كما أن وصف "أسود" ليس وصفا عرقيا، في واقع الأمر، وإنما هو وصف ثقافي-سياسي (وأنوي الإسهاب في هذه النقطة هنا قريبا).. لهذا لم يكن هناك بد من استخدام كلمة "زنوج" وليس غيرها.
آخر تعديل بواسطة قصى همرور في الاثنين أغسطس 27, 2012 10:39 pm، تم التعديل مرة واحدة.
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

النازيون ما زالوا موجودين، وما زالوا على كراهيتهم للأعراق غير الآرية (والعرق الآري مجموعة أصغر من العرق القوقازي الأكبر)، وخصوصا كراهيتهم للزنوج، كما ان كراهيتهم لليهود ما زالت مشتعلة.. أعدادهم وتنظيماتهم في أوروبا وفي أمريكا الشمالية، وفي جنوب افريقيا، ما زالت تقول الكثير وتفعل الكثير، وكلما تظهر اضطرابات اقتصادية وسياسية يتخذونها مبررا للترويج لمواقفهم وإثارة الفتنة العرقية.. مؤخرا فاز حزب النازيين الجدد في اليونان بـ21 مقعدا من أصل 300 في البرلمان، وهي أول مرة يحوز فيها على مقاعد برلمانية منذ نهاية الحكم العسكري عام 1974.

هذا فديو عن تجمع تنظيمات "الأمم الآرية" في هذا الزمن، في الولايات المتحدة الامريكية، وما يقولونه ملء أفواههم في الحياة العامة:

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/i9YAIVYwuVo

وهذا تقرير عن صعود النازيين الجدد في أوروبا (وفي الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من جرائمهم، ضد أشخاص وممتلكات):

[flash width=560 height=400]https://www.youtube.com/v/1V47RmCHcAQ
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

عودة لبيكو ورودني (وفانون أيضا)

اكتشفت، بعد تصفح، أني كنت قد كتبت مختصرات عن ستيف بيكو ووالتر رودني قبل أكثر من عامين في صالون الجمهوريين.. إضافة لهذين الاثنين، جاء ذكر فرانز فانون في نفس الخط.. المختصرات تتحدث عن حياة كل واحد من هؤلاء (سير مختصرة) إضافة لمختصر عن إنتاجهم الفكري.. يمكن للقارئ أن يتابع التشابهات بين إنتاجهم، ورفدهم جميعا لموضوع مقاومة الاضطهاد العرقي.. فإلى المختصرات:

في البداية أسرد سيرا مختصرة عن حياة كل واحد منهم، تعين القارئ على المقاربة الشخصية، ومن ثم أسرد مختصرات للطروحات الفكرية وميراث العمل العام لكل واحد منهم:

(1) سير مختصرة

فرانز فانون (Frantz Fanon)
(انتقل 1961 وعمره 36 عاما)


من مواليد مارتنيك، إحدى جزر الكاريبي التي استعمرتها فرنسا، من أسرة ذات أصول افريقية زنجية.. تخرج وعمل كطبيب نفساني في فرنسا بعد أن عاش فترة من الانتماء للقوات المسلحة الفرنسية والقتال في صفوفها ابان الحرب العالمية الثانية.. في فترة تواجده في فرنسا صدر له كتاب "جلود سوداء، أقنعة بيضاء" (والذي كان في الأصل رسالته للدكتوراة التي لم تر النور لأسباب خارجية) وفيه يتحدث عن اضطهاد الاستعمار للإنسانية وللثقافات، وفيه تناول دور فرض المستعمِر للغته على الآخرين في ترسيخ ذلك الاضطهاد؛ يقول في الكتاب: "أن تتكلم... يعني عموما أن تفترض ثقافة، أن تدعم ثقل حضارتها"، وذلك في إطار حديثه عن بداية التهميش بتحويل ألسنة الناس بفرض السلطة.. قالها بالفرنسية كدليل على أنه، في إطار محاولته منازعة الاضطهاد الفرنسي، ليس متحررا تماما من أثر ذلك الاضطهاد على هويته الحالية.. كانت هذه إحدى أولى الإشارات الجادة لمواجهة أصول الاضطهاد في القرن العشرين.

صورة

انتقل للعمل في الجزائر بعد فترة وجيزة، حيث حصل على وظيفة مناسبة هنالك كطبيب في إحدى المستشفيات.. في تلك الفترة عمل على تطوير أسلوب علاج نفسي يتصل بتحليل الخلفية الثقافية للمريض.. في تلك الفترة بدأت جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، ومن مشاهداته الشخصية لواقع الاضطهاد الاستعماري اتخذ فانون قرار الانضمام لجبهة التحرير، وبقي بها، فاعلا ومنظّرا، إلى أن وافته المنية في رحلة علاج انتهت في الولايات المتحدة وهو حامل لاسم "إبراهيم فانون".. في تلك الفترة – أي فترة عضويته في صفوف جبهة التحرير الجزائرية – أخرج كتابه المشهور، والذي صار إحدى الكتب العملاقة في أثرها على حركات التحرير حول العالم، "المعذبون في الأرض" (Wretched of the Earth).

فانون معروف عموما بأنه من رواد منظّري حركة مناهضة الاستعمار في جانبه الثقافي، وقد تأثر بآرائه الكثير من قيادات مناهضة الاستعمار، ليس في افريقيا والدياسبورا الافريقية فحسب بل في عموم الارض.. كان فانون اشتراكيا عموما، ولم يرد عنه تصريح الانتماء لمدرسة اشتراكية معيّنة من التي كانت معروفة في تلك الفترة، لكنه كان على علاقة قوية بالشاعر المارتنيكي والناشط الماركسي إيمي سيزار كما بالفيلسوف الوجودي المعروف جان بول سارتر.

ستيف بيكو (Steve Biko)
(انتقل 1977 وعمره 31 عاما)


من مواليد جنوب افريقيا، بدأ بيكو في الظهور كشخصية مهمة في النضال ضد نظام الابارتايد منذ أن كان طالبا جامعيا (كلية الطب)، حيث عمل على تكوين تنظيم مستقل للطلبة غير البيض (منظمة طلبة جنوب افريقيا) حتى يستطيعوا فيه التعبير عن قضاياهم بمعزل عن سيطرة البيض على الاتحاد الوطني لطلبة جنوب افريقيا.. اختير بيكو أول رئيس للمنظمة الجديدة التي تطورت لتصبح "حركة الوعي الأسود" (Black Consciousness Movement).. كان بيكو المنظّر الرئيسي لتلك الحركة ويُعد اليوم الأب الفكري لها في جنوب القارة.

صورة

تعرّض بيكو لمضايقات عديدة واعتقالات وفترات حجز منزلي طويلة من قبل نظام الابارتايد، إلى أن انتهى الأمر لموته تحت وطأة التعذيب في سجون النظام، وقد ساعد موته هذا في كشف قسوة النظام وتعريته عالميا من دعاوي التوازن والانضباط، خصوصا وأن بيكو كان عموما يمارس مقاومته ضمن خط اللاعنف كخيار مواجهة أول، وحضرت جنازته أعداد غفيرة من الناس من ضمنهم سفراء بلدان غربية كانت على علائق دبلوماسية طيبة مع نظام الابارتايد حتى ذلك الحين.

كتب بيكو كثيرا في منشورات الطلبة وحركة الوعي الاسود، وبعد وفاته تم تجميع عدد من مقالاته القوية، والتي بها سلافة تنظيره الاجتماعي والسياسي، في كتاب بعنوان "أكتبُ ما أشاء" (I write what I like)، وهو نفس عنوان سلسلة من مقالاته الجريئة في نقد نظام الابارتيد ومؤسساته وشبيهاته.

والتر رودني (Walter Rodney)
(انتقل 1980 وعمره 38 عاما)


من مواليد قويانا، احدى دول امريكا الجنوبية ومن مستعمرات بريطانيا، ما جعلها أقرب سياسيا واجتماعيا لدول الكاريبي التي كانت مستعمرات بريطانية أيضا (كجامايكا وترنداد).. من أسرة عاملة ذات أصول افريقية زنجية، كان رودني نابغا في سلك التعليم الرسمي وحصل على منحة للدراسة في جامعة الوست انديز (University of the West Indies) وبعدها على منحة للدراسات العليا بجامعة لندن حيث حصل على الدكتوراة في الدراسات الشرقية والافريقية وعمره حينذاك 24 عاما، وقد كانت رسالته في التاريخ الافريقي.

صورة

درّس رودني في جامايكا وتنزانيا، وكان معروفا كدارس وناشط قريب من الفقراء والعمال، فكان يعمل بصورة دورية في توعية الكادحين بحقوقهم ومسائل السياسة والهوية في بلدانهم ومناطقهم، وذلك عن طريق السعي للوصول لهؤلاء في أماكن تواجدهم والحديث معهم بلغتهم التي يفهمونها والتواصل معهم بندية، الأمر الذي كان وما يزال صعبا جدا حتى على "المثقفين" المهمومين بقضايا هؤلاء.. بسبب نشاط رودني هذا تم حظره يوما من جامايكا بصورة قانونية أبدية، وكان ذلك سببا في حصول احتجاجات شعبية زاخرة قادها الطلبة والكادحون في العاصمة الجامايكية كنقستون.. قضى رودني أيضا فترة غير قصيرة في التدريس بجامعة دار السلام بتنزانيا، في أواخر الستينات وبدايات السبعينات، وفي تلك الفترة سافر حول افريقيا بكثافة وأصدر الكثير من الدراسات ونشط في كثير من مجهودات حركات التحرير في القارة حينها، وفي خضم نشاطه ذاك التقى بالكثير من قيادات حركات التحرير الكبار والصغار؛ احد الذين التقاهم وارتبطا بعلاقة هموم مشتركة كان جون قرنق ديمبيور، الطالب ثم القيادي الشاب حينها بحركة الأنيانيا.. كثير من أهل الحركة الشعبية اليوم، كياسر عرمان، يتحدثون عن هذه العلاقة ويهتمون بالمساهمة الفكرية لوالتر رودني كثيرا.

في تلك الفترة، في تنزانيا، كتب رودني وأصدر أعظم أعماله أثرا على حركة عموم افريقيا، هو كتابه "كيف قوضت أوروبا نمو افريقيا" (How Europe Underdeveloped Africa)، وبهذا الكتاب أصبح عند الناس وثيقة سردية وتحليلية مثبتة لما دار بأخلاد الكثير منهم عموما بصور مشتتة وغير متناسقة لفترة طويلة سابقة، وهو علاقة أوروبا القوية بتخلف افريقيا ودور افريقيا في "تحضر" اوروبا بنفس القدر.. كتابات رودني الأخرى معروفة لقرائه، وأسلوبه التحليلي المستمد من المادية التاريخية الماركسية – مع اهتمام أصيل بموضوع الاضطهاد العرقي والاثني ونظرة مختلفة له عن الخط الماركسي العام – جعله من أقوى منظّري حركة عموم افريقيا (Pan-African Movement) أثرا داخل القارة وخارجها في الدياسبورا الكاريبية والامريكية.

عاد رودني إلى قويانا في منتصف السبعينات بعد قبول منصب بروفيسور في جامعة قويانا، لكن الحكومة منعت حصوله على تلك الوظيفة.. قرر رودني البقاء في البلاد رغم ذلك وعمل على تنظيم حركة سياسية قوية للعمال فيها، فأسس "تحالف الشعب العامل"، فتعرض للمضايقات والتهديدات الفعلية إثر نشاطه هذا، واعتُقل مرة، إلى أن تم اغتياله بتفجير سيارته بقنبلة تحتها.

هذه محاولات سرد مبسطة لسير هؤلاء الثلاثة، وبعد هذا سأحاول سرد بعض معالم أفكارهم ومواقفهم في مسائل الاضطهاد الاثني.

(2) تنظيرهم وعملهم في مواجهة الاضطهاد العرقي والاثني

فرانز فانون

في البداية أعتقد أن من المفيد أن ننظر لتنظير فانون على ضوء انضمامه لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية، لكون هذه الجبهة معروفة بعضويتها "العربية" أكثر من الزنجية بكثير (وقد تحدث فانون عن هذا الواقع في الجزائر)، ما يقف كأكبر دليل على أنه ليس من أهل العنصرية الضيقة أو المضادة.

فانون كان مهموما بقضية التحرر من الاستعمار، وفي هذا كان أكثر اهتماما بقضية التحرر الثقافي من ربقة الاضطهاد المزمن الذي عاشته الشعوب المستعمَرة ورسخ في وعيها الجمعي والفردي، وكانت ثقافة الرجل الأوروبي هي العدو الأول (الموصوف بالرجل الأبيض، وهو وصف ليس من اختراع الزنوج بل من اختراع هؤلاء "البيض" أنفسهم ليميزوا أنفسهم عن الآخرين).. كان فانون يركز على الرفض الواعي لثقافة الرجل الأبيض ومؤسساته وهيكل مجتمعه قدر الامكان، وذلك الرفض الواعي لا يعني العودة لعهود ما قبل الاستعمار، إنما يعني استرداد الشعور بالكرامة والاستقلالية وإمكانية إيجاد حلول جديدة من نبع الثقافات المحلية.. فانون كان يرى أن الاستقلال السياسي الإجرائي إنما هو نقطة البداية للاستقلال الحقيقي من وطأة الاستعمار، وكثر نقده للفئات البيرقراطية والطبقات الوسطى التي ترث ثقافة المستعمر بعد رحيله العسكري وتبقى مولهة بتلك الثقافة، فتحاكيها وتتطاول بها على بقية فئات شعبها بصورة تجعل الاستعمار حيا يرزق في البلاد وإن كان المستعمِر قد ارتحل فعليا.

بالنسبة للاستعمار الفرنسي فالمعروف تاريخيا أنه تبنى أعنف أشكال السيطرة على الناس وتغييب ثقافاتهم، وفي الجزائر بالذات فإن قسوة الاستعمار الفرنسي موثقة وممتازة على معظم افريقيا، وقد عاش فانون ذلك الواقع كابن مستعمرة فرنسية وكطبيب نفساني في الجزائر كان يتعامل مع حالات كثيرة تجسدت فيها تلك القسوة القاهرة، نفسيا وجسديا، وعليه فإن سوء ظنه بالرجل الأوروبي كان كبيرا، وكان يرى المقاومة العنيفة له ليست حلا استراتيجيا فقط، بل فيها تحرر نفسي للمقهور الذي صار يشك حقا في إنسانيته بإزاء القاهر من طول وعرض ما عاش حال القهر ذاك.. عليه كان فانون يوصي بالمواجهة المباشرة لثقافة الرجل الأبيض (أي الرجل الأوروبي عموما)، لكنه كان أيضا مهتما بالإشارة لخطورة تقسيم جبهة المقاومين للاستعمار، فتحدث عن بعض النزاعات الاثنية بين "العرب والزنوج" في واقع شمال افريقيا عموما وقال إن مثل هذه النزاعات سطحية الأسباب ومدمرة للقضايا العليا التي يجب أن يتوحد من أجلها المستضعَفون في العالم عموما، بله في الجزائر وافريقيا تحديدا.

كما ذكرنا من قبل فإن فانون صار مرجعا لكثير من حركات المقاومة حول العالم، وليس في افريقيا أو ضمن الزنوج فقط، وبرغم ما يمكن أن نتفق أو نختلف معه اليوم فيه فإن الواضح أن نظرته كانت متجاوزة للعرقية الغليظة والعنصرية المضادة، بل كانت مهمومة برد المظالم للمقهورين وثقافاتهم أيّا كانوا، وكان يرى أن العالم لن يكون أفضل واكثر عدالة إلا لو انتصر هؤلاء المقهورون وعلموا الأوروبيين – وابنتهم امريكا – معاني جديدة في احترام التنوع وحقوق الإنسان التي يتشدقون بها ولا يمارسونها تجسيديا - كما قال - إلا في علائقهم ببعضهم البعض.

ستيف بيكو

أما بيكو فكان محصورا أكثر في الحالة الجنوب افريقية، ومن ورائها ينظر لحال افريقيا عموما، لكنه رغم ذلك لم يبن فلسفته في المقاومة على أساس عرقي.. نظام الابارتايد كان يقسم الناس بين أبيض وغير أبيض، أما البيض – وهم ذوو الأصول الاوروبية – فلهم صلاحيات المواطنة من الدرجة الاولى، اما غيرهم ممن سموهم "الملونين" و"الافارقة" (الملونون كانت فئة من المهاجرين والمستجلبين الهنود وعموم الاسيويين، والافارقة هم الزنوج السكان الاصليون) فهؤلاء تتفاوت درجاتهم حسب وضع البيض لهم (وكان الافارقة الأدنى درجة)، وقد كانت نظرة بيكو منذ البداية أن الملونين والافارقة يجب عليهم التوحد ضد البيض، لا لطردهم من البلاد أو لقهرهم قهرا مضادا، بل لاستلام السلطة الحكومة والثقافية من حوزتهم لتؤول للأغلبية وليكون هناك نظام عادل حقا بين جميع المجموعات التي شكلت شعب جنوب افريقيا حينها.. بيكو إذن منذ البداية لم يكن حاصرا نفسه على حقوق الزنوج من السكان الاصليين للبلاد، أو على ثقافاتهم فقط، وبهذا فقد كان منذ البداية متجاوزا لضيق التقسيم العرقي الذي كان سمة نظام الابارتايد برواده "البيض".

نظرية بيكو كانت في أن التحالف بين الناس على أساس العرقيات في أصله مرفوض جوهريا، لكن نظام الابارتايد، وغيره من الانظمة القهرية، حين تبني سلطتها، وتقديمها وتأخيرها لفئات الشعب، على أساس عرقياتهم فهؤلاء المظلومون لا يملكون في المواجهة المنظمة إلا أن يتوحدوا على أساس نفس القيمة التي ظـُلموا باسمها؛ معنى ذلك أن المقاومة المنظمة لنظام الفصل العنصري لا يمكن أن تكون مقاومة فاعلة من أجل حقوق المظلومين بسبب عرقياتهم إلا لو شكلوا عضوية مقاوماتهم بناء على شروط أحدها هذه العرقيات نفسها.. بيكو لم يكن معاديا للبيض الذين كانوا معارضين لنظام الابارتايد مثله، وكان على علاقة طيبة معهم، لكنه كان يرى أن ذلك لا يعني أن يعمل معهم تحت مظلة تنظيمية واحدة، فنضال المقهورين جانبه النفسي أكبر من الجانب السياسي، وفي هذا الجانب النفسي فالتسلح الصحيح يكون باسترداد الثقة الكاملة في النفس والقدرة على قيادة قضاياهم بأنفسهم، وهذا الأمر سيُهزم لو انضم للتنظيم بيض، إذ أنهم سيكونون عنصر تذكير، شاؤوا أم أبوا، للمقهورين بأن نجاح التنظيم مرتبط بوجود قيادات بيضاء مستنيرة فيه، ما يجعل التخلص من عقدة الدونية صعبا حتى داخل مثل هذا التنظيم.. بيكو كان مشغولا باستعادة السود (وهو وصف جامع عنده للافارقة والملونين عنده) لثقتهم بقدرتهم على الاستقلال الفكري وزعامة قضاياتهم وتنظيم أنفسهم فيما بينهم بصورة وافية، فاسترداد هذه الثقة ينبني عليه الكثير من جوانب الثبات والصمامة في ميدان المواجهة، وهي عوامل نفسية ضرورية لكسب قضاياهم.

إذن بيكو كان يرى أن التحالف الشامل لذوي العرقيات المضطهدة من الحاملين لراية استرداد الحقوق تحالف مبرر في مواجهة أنظمة تضطهدهم على أساس عرقياتهم هذه نفسها، وهذا لا يعني أنه يؤيد نظام التمييز العرقي نفسه ولكن استراتيجية المقاومة السياسية والاجتماعية تقتضي ذلك، كما وضع بيكو "صمامات أمان" فكرية ليضمن بها الا تنتكس حركة الوعي الاسود إلى مجرد حركة ذات نزعات عرقية، فكان واضحا في مبادئ الحركة أن تكون جنوب افريقيا في الهدف الاعلى بلدا تتعايش فيه جميع العرقيات، بما فيه البيض، على أساس قانون عادل وتمثيل متكافئ في مواقع السلطة، ولهذا كان يرى أن طموح الافارقة لأن يكونوا الاكبر تمثيلا في سلطة البلاد حق طبيعي من حقوقهم لكونهم الأغلبية في هذه الأرض التي هم سكانها الاصليون، ولا يعني ذلك غمط الحقوق القانونية لأي اعراق أخرى.

والتر رودني

نظرة رودني فيها الكثير المشترك مع فانون وبيكو، فهو كان يرى، مثل فانون، أن افريقيا عموما بحاجة لاستعادة الثقة بثقافاتها ومؤسساتها وعقولها المحلية التي قهرها الاستعمار (كما وقهرها عهد العبودة، كما يضيف رودني، بالنسبة لذوي الاصول الافريقية، العبيد سابقا، في جزر الكاريبي وفي الامريكيتين)، كما كان يرى، مثل بيكو، أن وصف "الأسود" ليس للافريقي الزنجي فقط، بل هو لكل مضطهد من قبل نفس الثقافة الاوروبية البيضاء التي أرادت فرض تفوق الاعراق المسماة "بيضاء" على بقية شعوب العالم، فعند رودني كان أيضا المهاجرون الهنود والصينيون، كما السكان الاصليون للكاريبي والامريكيتين، جميعهم "سود" بهذا التعريف (بل ووصف الفيتناميين أيضا بأنهم سود بتعريفه هذا، وكانوا حينها في حربهم الشهيرة في مقاومة الولايات المتحدة الامريكية)، وكان حريصا على أن يكون هذا التعريف مفهوما كذلك بوضوح، وفي سبيل هذا التوضيح اضطر لمواجهة علنية لبعض قيادات حركة "القوة السوداء" من امريكا الشمالية، وهم زنوج، ممن كان يرى فيهم رفاق قضية ولكن فهمهم ضيق لماهية "السواد" في تعريفه النضالي.

كان رودني أيضا يرى أن مسألة التصنيف العرقي لا يمكن تجاوزها اليوم برغم عدم موضوعيتها وعدم علميتها في الإطار الاجتماعي والقانوني، وذلك ببساطة، كما ذكر بيكو، لأن العدو القاهر (الرجل الابيض) هو الذي فرض هذا التصنيف على أرض الواقع، وليس لدى المقهورين خيار غير تشكيل مقاومتهم باعتبار هذا التصنيف.. ما يجدر بالذكر هنا أن رودني وبيكو كانا معاصرين لبعضهما بصورة كبيرة، فأفكارهما لم تكن في عمومها منتجة من واحد ومتبناة من الآخر، بل يصح أن نقول إنهما كانا ينظّران في نفس الوقت لنفس القضية، ووصلا فيها لاستنتاجات متشابهة جدا بدون سابق إصرار (مع عدم نفي الاطلاع المتبادل، او المتابعة المتبادلة، تماما، فهو احتمال وارد).

رودني كان يرى أن أصل مشكلة الاضطهاد الاثني مشكلة تاريخية، مرتبطة بالحروب والصراعات الاقتصادية والطبقية، وكل هذه حين تتكثف تتجسد في صور صراعات إثنية عامة، وعرقية غليظة.. من هذه النظرة كان رودني يتبنى التحليل الماركسي الذي يرى أن الصراع الطبقي هو أصل المسألة عموما، داخل بنيات المجتمعات نفسها كما في صراعها مع بعضها البعض، لكنه يتجسد في صور عدة ويتمدد مع الزمان ليتخذ هيئات تكاد تكون غير طبقية في أساسها (وهنا يختلف رودني عن التفكير الماركسي النمطي)، أي أن التعامل معها اليوم من أجل معالجتها لا يصح أن يكون بالأدوات الاقتصادية المعتادة أو حتى القانونية فقط، بل هناك جانب ثقافي ونفسي أصبح هو المحور ولا بد من معالجته هو تخصيصا لكي تكون المعالجة الاقتصادية والقانونية مستدامة.

خلاصة

كان هذا مختصرا لمواقف هؤلاء الثلاثة، الفكرية والعملية، بخصوص مواجهة الاضطهاد العرقي والاثني، ويمكن للقارئ أن يرى فيها خطا واضحا في مجافاة العنصرية المضادة والعرقية المنغلقة.. من غير الضروري جدا عندي الاتفاق معهم فيما اتوه ومارسوه، لكن من المهم أن نرى حجم نظرتهم المتقدمة في زمانها لقضايا حقوق الانسان والتعايش العرقي والاثني، فهم رغم تعرضهم وتعرض شعوبهم للاضطهاد باسم العرق لم يشتروا تلك الاكذوبة، وواجهوها في جوهرها ورفضوا أن يعادوا البيض معاداة عرقية كما فعل ذلك الكثير من البيض أنفسهم وهم يدعون أنهم رسل المعرفة والإنسانية لبقية العالم.
Conventional is neither neutral nor convenient
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

Gussai,

Alafendi wrote this on Sudanile. He claims the deceased Zinawe has adopted an ethnic democracy (compare to the claim of racial democracy in Brazil:


"يمكن أن نضيف هنا أن اثيوبيا في عهد زناوي لم تكن دولة ديمقراطية حسب معظم المقاييس، ويمكن أن توصف بأنها كانت دكتاتورية "ناعمة". هناك مظاهر ديمقراطية، من أبرزها الانتخابات الدورية وحرية الإعلام النسبية. وقد اعتمد الدستور الاثيوبي نموذجاً متفرداً من "الديمقراطية الاثنية"، حيث منحت كل القوميات والمجموعات العرقية حق الحكم الذاتي وتقرير المصير. وقد أقامت جبهة تحرير التغراي الحاكمة تحالفات مع النخب وسط كل العرقيات الأخرى، ولكنها ظلت تمسك في يدها كل خيوط السلطة، خاصة الهيمنة على الجيش والأجهزة الأمنية ومفاصل السلطة ومفاتيح الاقتصاد."

د. عبدالوهاب الأفندي


Look at your email. I sent you a pdf paper by a Jewish professor on ethnic democracy:
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
أضف رد جديد