" دونكي ويرك "!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

" دونكي ويرك "!

مشاركة بواسطة حسن موسى »


وكنت تمسح رجلك بالزيت و تعرض للناس في "درب الترك" فإذا اتسخت بالغبار جعلت ليلهم أظلم من سجم الدواك
.


1

دونكي ويرك!
كمن عبد الله على " درب التـُرُك" يترقب عودة تجار البهائم ليشتري منهم حمارا لأمّه تستعين به على المسافات في غدوها و رواحها. طال انتظاره و عند المغيب مرّ رجل أشيب، سلّم و طلب الأمان.
ـ إن شاء الله خير !
قال الرجل: خير الحمد لله.
ـ ما عندكم حمير الليلة ؟
ـ الحمد لله بعنا كل شيء، الحسانية عاملين مهرجانهم بدري السنة دي، أولادهم جوا واشتروا حمير السوق كلها .
قال عبد الله : لازمنا حمار كويس يا شيخ العرب، مستعجل و ضروري.
قال شيخ العرب: و الله ما فضل غير حماري مربوط في البيت، بكره أنشاء الله أجيبه ليك هنا لو بتنتظرني.
أدخل عبد الله يده في جيب قميصه و أخرج حفنة من الأوراق الخضراء.
ـ هاك دي خمسين دولار، شيلها و بكرة الصباح أنا منتظرك هنا .
أخذ شيخ العرب الدولارات من يد عبد الله بيد مرتجفة و شكره بفرح و هو لا يصدق رزقه المفاجئ.
في صباح اليوم التالي، عند" درب الترك"، هلّ شيخ العرب وحده متردد الخطى حزينا مطأطئ الراس.
وقف عبد الله متحفزا و سأل بفضول ظاهر :
ـ وين الحمار يا زول؟
ـ و الله يا ولدي أنا متأسف، دا حكم القدر، الحمار مات في الليل! .
كاد عبد الله أن يصرخ"يا رب كينيا و الملايو!" [ تاج السر الحسن ] ، لكنه كظم غيظه قبل أن يقول لشيخ العرب:
ـ طيب رجّع لي دولاراتي، أنا ماشي أشوف عيال الحسانية لو يبيعوا لي واحد من حميرهم.
ـ و الله يا ولدي أنا متلوّم و خجلان داخل في أضافريني، الدولارات صرفتها كلها امبارح بالليل.
ـ اللهم طولك يا روح !" ما العمل؟" [ فلاديمير إليتش، دار التقدّم بموسكو ].
ساد صمت ثقيل و عبد الله يتأمل في الشيخ المتمسكن كما الخرقة البالية .
فجأة خطرت له فكرة فقال لشيخ العرب،
ـ أمشي جيب الحمار؟
ـ يا ولدي إنت ما مصدقني؟! أنا قلت ليك الحمار مات!
ـ يا زول بطّل الغلبة! أمشي جـُر جتـّة الحمار وجيبو هنا، الباقي مش شغلك !.
تحت إلحاح عبد الله توجه شيخ العرب قاصدا داره تعصره الحيرة ،و ربط جثة الحمار بحبل وسحبها حتى "درب الترك" حيث كان عبد الله ينتظر، و حين وصل سلّم عبد الله طرف الحبل و قال:
ـ عبد الله يا ولدي أن سـألتك سؤال واحد ما بتزعل؟
ـ شنو؟
ـ داير تسوّي شنو بحمار ميّت؟
ـ إنت مالك ؟ حماري و أنا حر فيه! داير أسحب عليه يانصيب!
ـ لكن يا عبد الله ما ممكن تسحب يا نصيب علي حمار ميت!
ـ الناس حتشتري تذاكرها على حمار و لو أنت مسكت لسانك عليك مافي زول حيعرف إنو الجائزة حمار ميّت.
ـ حاشا يا ولدي، أنا لا اتكلمت و لا سمعت و لا شفت حاجة.
ـ يللا ، اقطع وشـّك من هنا..أنتو اللينينية دي إلاّ يكتبوا عليها يافطة!
هرول شيخ العرب مبتعدا تتبعه غمغمة بين الإعتذار و العجب من أمر هذه البيعة السوريالية.
بعدها بشهر مر شيخ العرب بـ "درب الترك" و وجد عبدالله جالسا يحتسي قهوته فسلّم و طلب الأمان. كان عبد الله رائق المزاج فأذن له و دعاه ليتناول قدحا من القهوة.
أخذ شيخ العرب رشفة و وضع الفنجان ثم نظر لعبد الله و قال:
ـ يا ولدي سويت شنو مع الحمار ؟
ـ زي ما قلت ليك ، سحبت عليه يانصيب و بعت خمسمية تذكرة بسعر دولار للتذكرة و كسبت خمسمية دولار.
ـ و مافي زول اشتكى لمن قلت ليهم الحمار مات؟!
ـ طبعا الحمار الفاز باليانصيب اشتكى فعوّضته دولاره و سكت. حمار عاقل.
ضحك شيخ العرب في نهاية الحكاية ثم استغفر و ختم بأن عبد الله تاب عن الجلوس في "درب الترك" و استقر في ديار الحسانية يبيع و يشتري في بيزنيس الحمير.
سألت شيخ العرب:
ـ هل اشترى حمارا لأمّه؟
ـ و الله يا ولدي مافي زول عارف إذا كانت... أفو!
رمقني شيخ العرب بنظرة متعجبة وتبسّم متسائلا:
ـ أوّع تكون إنت الزول الفاز في يانصيب الحـمـ ... و قبل أن يكمل عبارته
انفجر ضاحكا و علت قهقهاته ثم انتابته موجة من الضحك الهستيري و هو يتلوّى مبتعدا في غبار "درب الترك".


2
أشغال المعزّين
قال ثم من ؟ قال أمك.
قال ثم من ؟ قال أمك.
قال ثم من ؟ قال أمك...

عبد الله، أنت من اكثر الكتاب إظهارا لبر الوالدين، كونك تحرص على ذكرهم بالخير في كل مناسبة و تهدي لهم مؤلفاتك و تروي عنهم أطرف القصص حتى أنهم صاروا بعضا من أيقونات عالمك الأدبي. ولأمّك العزيزة، الحاجة جمال أحمد محمد،" زولة العملية "، مركز حظوة في الأدب العائلي الذي تبثه بيننا ، حتى أننا تعودنا على حضورها الحبيب، بل و شاركناك أمومتها اللطيفة في اكثر من مناسبة. [ " إيه إيه وا حلاتي دي مي عبد الله " في الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... e0b6#33000
و
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 7c4e61e0b6

]
و مؤخرا أوردت ذكرها في حكاية نعي "السيد" لأمك، التي سندت بها حجة التضامن مع مسلمات الشعب الأمّي و لو كلف الامر التراجع عن قيم الحداثة [ المساواة و الحرية و الديموقراطية و العدالة الإجتماعية ]. و تستعين على " الطليعيين " و " الجزافيين " بسند قوي وجدته عند الشاعر الراحل " حميد". تقول:
" و قد وجدتني لا أمل استعادة قصيدته في السيد محمد عثمان الميرغني.فمن الواضح أنه لا "يعتقد" فيه، و لكن من أجل وشيجة بيته بالمراغنة و كتل الختمية تكرم كل عين.
ربما عدّ بعض الطليعيين "وجد" الختمية بالمراغنة مجرد " وعي زائف"، أي آيديولوجية، و لكن ما أحلى الوعي الزائف ذاته عند الشعب [ كذا!]. و ذكرتني قصيدته في الختم مرثيتي للسيد علي الميرغني في 1968 التي عزيت فيها أمي و استعدت تاريخا كاملا من الندور و الأتربة المقدسة التي انهالت عليّ من بركة السيد قبيل الإمتحانات و المنعطفات .
أعجبني كيف تسللت اكليشيهات الختمية في القصيدة حتى " نحن نؤيد حزب السيد". فاقترابه من الختمية كان اعترافا بأنه ربما لم يفهم حقيقتهم ."
انظر الرابط:
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 7c4e61e0b6


أقول: أن المسافة التي تصونها أنت ياعبد الله عن "السيد" علي تختلف نوعا عن المسافة التي تصونها أمك عن نفس الشخصية.فأمك تقف مع جموع التابعين و المريدين التقليديين الذين تربوا على قيم المجتمع قبل الرأسمالي."هؤلاء الناس" يعتقدون في كرامات" السيد" و يرونه شفيعا و واسطة بينهم و الخالق، و ضمن هذا المشهد فهم يفوضونه عنهم في أمور الدين و الدنيا و يبذلون في سبيله كل ما يملكون. بينما أنت يا عبد الله ،يا ابن الثقافة الحديثة، افسدت المدرسة عقيدتك الموروثة في "السيد" ،ثم مسخك تأثير الفكر المادي لذلك المتمرد المنخرط في صراع طبقي غايته تدمير مؤسسة "السيد" باسم قيم الحداثة [ المساواة و الديموقراطية و الإشتراكية و العلمانية و حقوق الإنسان]. و فوق كل هذا أدركتك صناعة الأنثروبولوجي و جعلت بينك و بين مشاعر القبول بالسيادة سدا من المحاذير و التحسبات النقدية المنظورة و غير المنظورة. و بعد كل سنوات مسارك المفهومي البالغ الوعورة ، صرنا نقرأك، باسم المعزّة التي تكنها لأمّك،مستعدا لمشاركتها الأحزان على موت" السيد" العزيز، لا لأنك حزين بالفعل على رحيل " السيد" ، عدوك "الطبقي"، و موضوعك الأنثروبولوجي ، و إنما لأنك تريد أن تظهر تضامنك مع أمّك في مصابها، و لو أدّى بك ذلك التضامن للتنصّل من إلتزامات الحداثة التي قد لا تفهمها هذه الأم المكلومة بموت" السيد" .و قد أوقعك هذا التضامن الفادح في قياس أقرن غليظ، أي من حديه أزرط من الآخر، لأنك ، لو خرجت يا عبد الله في مظاهرة هاتفا " نحن نؤيّد موت السيد"، أو حتى أظهرت، أمام أمك المحزونه، لا مبالاتك تجاه موت "السيد" لأوقعك ذلك في عقوق الوالدين. و لو نحـْت مع أمك على موت "السيد" أوقعك تضامنك الأسري في "الغش الثقافي" الذي سبق أن آخذت عليه جماعة الشعراء الأفروعروبيين و آخرين في المتاع النقدي الثمين الذي بذلته لنا ضمن تفاكير أدب الهويولوجيا السوداني [ تحالف الهاربين] . أن القطيعة التي صنعتها ثقافة الحداثة بينك و أمك، [ و كلنا في الهم شرق! ] ،تنتصب بيننا و بين أهلنا الأميين سدّا من العنف الرمزي المصنوع من تناقضات التاريخ.و هي قطيعة نهائية لا سبيل لرتقها و مضايرتها بالأدب العشائري الموروث من ثقافة الأسلاف التقليديين من نوع " إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، لأن رأيك في ما يمثله " السيدّ" إجتماعيا قد فسد منذ أن ضايرته جانبا بذريعة صيانه الأمن الرمزي العائلي للبسطاء من اتباع " السيد" و التضامن معهم على البلاء بأحزان و تعازي مزيفة تعرف أنها قد لا تنطلي على فطنتهم. و حرصك الظاهر على الأمن الرمزي للبسطاء من أتباع السيد يموّه حبّا بلا حدود لخرافة " الشعب" التي يجسدها البسطاء الأميين المفتونين ببركات السادة. و عند مربط هذا الحب الفيّاض، الذي يتجاوز شخص أمك، ليشمل كافة جماهير الغبش المستبعدين تتقاطع تجليات ضعفك السياسي مع آيات منعتك العاطفية. و أنت يا صديق لست نسيج وحدك في هذا المقام، مقام الإلتباس بين تناقض السياسة و العاطفة ، و كما قلت لك فكلنا في الهم شرق.و لذا يلزم التنويه و التنبيه ، و لو احتاجت نضرب عليها جرس عديل! .
و لعلك في هذا الموقف البالغ الإلتباس تشابه ـ في بعض الوجوه ـ موقف استاذنا محمود محمد طه حين تضامن مع أهله، في رفاعة، ضد سلطات الإستعمار التي منعتهم من ختان بناتهم. و رغم أن سابقة اللبس السياسي و الأخلاقي بين محمود و أهل رفاعة و سلطات الإستعمار تطرح نسخة فريدة من نسخ التناقض بين حداثة رأس المال، من جهة، و حداثة قوى التحرر الوطني، من الجهة الثانية ، إلا أن تضامنك مع عشيرة الأميين في حزنهم [الحقيقي!] على رحيل" سادتهم" يوقعك في شبهة فسخ العقد المضمر بيننا نحن، جماعة التقدميين السودانيين المشغولين بصيانة نسختنا الخاصة للحداثة الإنسانية . و هو عقد سياسي و أخلاقي و جمالي يمثل الأساس الذي نشيد عليه المشروع الإجتماعي المشترك. و كما ترى فكل هذا يردنا للقولة المشهودة بأن "الجنة تحت اقدام الأمهات" و النار أيضا.. لعلك تشرح لنا كيف تعقلن كل هذا من منظور "شوفك الشامل" ؟
و أنا اسألك شرحا ولا أستعجلك، كوني اعرف ان كل اشغالك تقتضي المهلة و طوله البال، لكن كمان أمور العمل العام تراكمت علينا و نخشي على نضارة هذه المناقشة الثمينة أن تذبل على رف المُسَوَّفات . و بعدين برضو شايفين الموت العاير هذه الأيام صار لا يبالي بخططنا و لا يراعي أولوياتنا ، طالع ياكل نازل ياكل ، زي المنشار ، بينما الجماعة الطيبين ناوين " يستأجروا" فينا و يدفنونا في مقابر المسلمين كمان.
سأعود، عشان يانصيب الحمار دا ، داير ليهو جكّة طويلة .
غايتو " ربنا يجيب العواقب سليمة و يولـّي الأصلح ".
ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí
مشاركات: 552
اشترك في: الأربعاء يناير 27, 2010 11:06 am

التصحيف اللزم

مشاركة بواسطة ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí »

هذه، ياحسن،تحتاج الي إشهار الايمان علي رؤوس الاشهاد، مع التصحيف اللازم لإعدال ما اعوج؟
ننتظر عودتك هذه المرة محتقبين محاذيرك من مفاجآت درب الترك
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

كتابة بالغة الجمال ، تذكرنى بحسن موسي الشاب . ما تزعل يا فردة دى بس على وزن اطياف ماركس . الله يدينا خيرك
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شباب ماركس

مشاركة بواسطة حسن موسى »

النور [ يا ضي اللمبة الما خلوني نصنقر جنبه ]
لا بد أننا سنلتقي في واحدة من تلك المناسبات و الجايات أفضل من الرايحات.
شكرا على التصحيف.
محمد عبد الخالق
يا زميل الشباب " حرارة قلب " زي ما قال قريبي الأمي الحكيم.
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سيرة " الأفندي المضاد "

مشاركة بواسطة حسن موسى »


3
شغل" الأفندي المضاد "

عبد الله ،
كنت تمسح رجلك بالزيت و تعرض للناس في "درب الترك " فإذا اتسخت بالغبار جعلت ليلهم أظلم من سجم الدواك. لكن " درب الترك " انمسخ اليوم " بولفار " واسع يؤمّه خلق كثير من المتظاهرين الغاضبين الذين يمنعهم الإزدحام من الإنتباه لرجلك الممدودة على الرصيف. هؤلاء الناس، الذين ضاقوا المُرَّة مع " هؤلاء الناس " ، تعودوا على الرؤية في الظلام الدامس من كثرة إنقطاع التيار مع المثقفين "المعاردين"، و حتى "سجم الدواك" داك ذاتو كايسين ليه و ما لاقينه . الأولاد و البنات القرفانين المناكفين الذين يستعينون بقوة العين و بفيس بوك ،على شتارتهم البلاغية البادية ، ينظمون الأولويات على منطق الطوارئ و لا يبالون إن غبّروا عليك أم لا ، فاسحب رجلك المدهنة عن طريقهم حتى لا يطأها المتدافسين و بعدين نبقى في حكاية غلطان منو؟ غلطان المرحوم ، و غير ذلك من كلامات المؤرخين.


قال معلّق من فئة" الأعدقاء" ، حيره التناقض الذي بدا له في بعض مواقفك السياسية و اضجره التركيب في شرحك : " ياخ عبد الله دا يشرّك و يحاحي بس ماسك العصاية من النـُّص "، فقلت له " يا فلان عبد الله ماسك العصاية من النـَّص "،[ بفتح النون المشدّدة ]، و مسك عصاية الخلاف من نـَصَّها يشرّفه و يشرفنا كلنا لأن النـَّص بيـِّنة قوية و ثمينة عليها نتفاكر و نتعارف و نحيا و نموت، و أهلنا قالوا يوم الحساب كل شي مكتوب . لكن الجري وراء نصوصك رياضة متعبة لشخص مثلي مقطوع بعيدا عن فراديس الأرشيف التي نحلم بها و معارض الكتاب و المكتبات التي نسمع بها و نمنـّي النفس بزيارتها ذات يوم، و غايتو البركة في " قوقل" الذي يطوي بنا الدنيا و نحن هاهنا. شايف؟

و أنا أنبش في ثنايا الأضابير و بين طبقات الأسافير، عثرت ـ أكثر من مرة ـ على تفاكير مشوِّقة و نادرة لك، أغرتني أصالتها بالتوقف عندها و العكوف عليها و لو من باب " قد عين الشيطان "، لكني ، و قد سبق السيف العذل ، ورّطت نفسي في هذه المناقشة الملولوة المشربكة الأطراف فآليت عليّ أن أمشي فيها حتى نهاية المضمار لا ألوي على شيئ، على أمل أن أعصر عليك و أستفز " غبينتك " المسوّفة [ في مكان ما ] فتجود علينا بتلاوين من تفاكيرك السديدة التي تخرج [ من راسك و ليس من كرّاسك ] فنستفيد و يستفيد قرّاء سودان فور أول بين عيال المسلمين. و أنا ابحث، عبر خاطري تساؤل ابتدائي: هل يستحق أمر عبد الله كل هذا العناء؟
هل يستحق عبد الله أن نتقصى تفاكيره في كل "جحر ضب خرب في خشم بقرة هالكة" لفرزها و تحليل مضامينها و بذلها على الملأ ؟ هذا السؤال مهم لأن تفاكيرك، ناهيك عن المشقة المفهومية التي تتلبس من يتقصّى مراميها، فهي تقتضي وقتا. هذا الوقت الغالي، المخصوم بالضرورة على وقت الغوايات الأخرى ، يقيّم في منظور تنظيم الأولويات التي تنتصب امام كل باحث بطريقة مختلفة. هكذا ـ على الأقل من منظوري ـ أتعامل مع مطالبات الأصدقاء و الأعدقاء التي تلحّ عليّ في التعريج عليك كلما جرى قلمي بنقد فلان أو علان من أعلام المشهد الثقافي السوداني.و الحديث عنك ، من مشهدي ، هو حديث ذو شجون لا تحصى لأنك صديق و خصم فكري عالي المقام.وتداخل الصداقة و الخصومة بيننا حظوة أحرص عليها و أصونها من طوائل العجلة و الإنفعال.طبعا كلامك ياعبد الله يستحق التقصّي و التمحيص، و قيل الإعجاب بعد الإحترام ، فأنت تقيم بيننا كنوع فريد بين المثقفين السودانيين. و فرادتك باب واسع يستحق التأني في أكثر من وجهة، لكني افضل تلك الوجهة التي بدت لي أكثر خصوبة من غيرها، وجهة الإنخراط الواعي في شواغل العمل العام الذي أكل منك جل سنوات عمرك و جعلك " أفندي مضاد" لأحد أقوى أيقونات النجاح الإجتماعي في سودان منتصف القرن العشرين، أعني أيقونه " الأفندي" الذي يثري من جاه الدولة و يتقوّى من قوتها و يبطش باسمها.كل هذا المسار الوجودي المتفرد ، الذي بدأ من رفقة حزب عبد الخالق محجوب لينتهي في رفقة حزب "عليعروة" ،هو أمر محيّر و فتـّان في تركيبه كونه، رغم أنه أوقعك أحيانا في شر أعمالك ، فهو قد اوصلك اليوم لمقام أكثر المثقفين السودانيين تأثيرا في ساحة المناقشة السياسية السودانية ، و لا جناح عليك كونك ـ في ملكوت النـَّص ـ قمين بعقلنة أكثر المواقف غماسة فتؤنـّق الارتباك و ترتق الثقوب المفهومية بخيوط البلاغة الملونه و تبذلها للجمهور المفتون بسحر الساحر العالم المتمكن من موضوعه. و أهو أنحنا فاتحين خشومنا راجينك ، و "كان كترت جريمة و كان حصّلت غرامة ".
و على سيرة " رفقة حزب عبد الخالق "، فهذا المقام محتاج لشرح و تحليل قد يطول ، لكن ما عندنا [ و ما عندك ] حيلة غير الشرح و التحليل، و هذا هو العمل الصالح الذي نورثه لعيالنا الواقفين يهتفوا في "درب الترك" : الشعب يريد تغيير الحياة.
" الحِزِبْ " بكسر الزاي في تعبير اليساريين السودانيين تدل على حزب الشيوعيين السودانيين ، مثلما تدل عبارة "الأستاذ" عند "الإخوان الجمهوريين" على الاستاذ محمود محمد طه . و هذا بعض من ألية الأيقنة الأدبية التي تخرج بالعبارة العادية من سياقها المعجمي التقليدي و تخلّقها على صورة المدلول الجديد الذي تتمخض عنه ملابسات الحياة الواقعية.أقول قولي هذا و أنا عارف بأنه يورطني في مشقات تسويغ زعمي بكون " الحزِب" [بكسر الزاي] تنطوي على خصوصية مغايرة لـعبارة " الحـِزْب " [ بتسكين الزاي ] الموجودة في معاجم العلوم السياسية.فالمعجم يكتفي غالبا بالوجه الأول، السائد في حينه، من وجوه الفكرة و لا يجري وراء إنمساخاتها المفهومية التي يجود بها التطور التاريخي .
الحزب في تعريف المعاجم مؤسسة سياسية منظمة على مشروع سياسي غايته الوصول للسلطة أو البقاء عليها.و هو مشروع جمعي يتضامن عليه عدد من الأشخاص و يتوسلون لتحقيقه بوسائل شتى بينها الإنتخابات الديموقراطية و بينها القوة العسكرية.
]، بينما الحزِب الذي في الواقع السوداني يطرح فكرة هذه الجماعة اللينينية العربسلامية المتضامنة على حلم طوباوي قوامه العدالة و الديموقراطية و الإشتراكية وصولا لديكتاتورية المستضعفين والسعادة الشيوعية النهائية. و تضامن هذه الجماعة الحداثية على مشروع سياسي معارض للممارسة السياسية التقليدية [على نموذج الطائفية ] هو بمثابة المسند الذي تعرّف عليه هويتها الآيديولوجية.و هي ،في الغالب، هوية جماعة عربسلامية حضرية ، متعلمة و عاصمية، و قيل من العشيرة العرقية و الفكرية و السياسية المعرّفة بـ" أولاد أمدرمان"[ في الأربعينات التي تكوّن فيها الحزب لم يكن لـ "أولاد الخرطوم" شجرة نسب يُعتد بها

!]. و في مشهد خرافة أم درمان كـ " آليغوري " لتمازج الأعراق و الثقافات السودانية ساغ للشباب الأمدرمانيين،[ بالميلاد و بالأنتحال ]، الذين قادوا عمل الحزب، ساغ لهم أن ينطقوا باسم الفقراء و باسم طليعة الطبقة العاملة السودانية و باسم الشعب السوداني، و أن يشكـّلوا " في مصهر روحهم " ضمير أمتهم الذي لم يخلق بعد[ محمد عبد الحي !]، أمّة التمازج السودانوية الغائبة في الواقع و الحاضرة في ثنايا الإرادة الشاعرة .و قد تمكن الشباب الناهض في حلقات الماركسيين الرواد من غرس نبته الفكر المادي الحداثي بين القطاعات المتقدمة من عيال المسلمين في حواضر السودان . بل أن مساهمتهم تجاوزت مقام المُناولة المحايدة لمقام الإنخراط الواعي في المواجهة السياسية بأدوات الحداثة و مناهجها التي كانت مبذولة أمامهم كجزء من " غنيمة الحرب" التي خسرها جيل الآباء في كرري. فتجسد نضالهم في أشكال تنظيمية جديدة مثل " الحركة السودانية للتحرر الوطني" [ حستو] 1946 [معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، محمد سعيد القدال ،ص 33 ]

لا يخفى على أحد أني [ مثلك و مثل آخرين] اكتب عن حزب الشيوعيين متطفلا على حق اعضاءه النظاميين في صيانة خصوصيتهم السياسية كتنظيم، فالحزب الشيوعي السوداني ، مثله مثل غيره من المنظمات اللينينية ، منتدى مقفول للأعضاء المنظمين .و في هذا المنظور يملك أي شيوعي نظامي أن يشيح بوجهه بعيدا عن كلامي في الحزب بذريعة كوني شخص غريب على الجسم التنظيمي و كفى الله المؤمنين شر القتال. لكننا كلنا على يقين من أن العدد الأكبر من " المؤمنين" الشيوعيين النظاميين يهتم بنوع الكلام النقدي الذي يمكن ان يصدر من أشخاص مثلنا في خصوص عمل الحزب. ذلك أن هذه الفئة الموصوفة بعبارة "أ شخاص مثلنا " في عبارتي اعلاه ، تكسب مشروعيتها من واقع العلاقة الخاصة التي صنّاها مع أعضاء الحزب ضمن مسارات العمل العام، و من واقع الثقة المتبادلة التي انبنت بيننا، بالتقادم، و بالتعوّد أيضا ،على دروب العمل المشترك و على ضوء الرؤى الفكرية المتداخلة. و فوق هذا و ذاك يجدر التذكير بأن مآلات حزب الشيوعيين ضمن مشهد السياسة السودانية أهم من أن نتركها للشيوعيين النظاميين وحدهم.[ و شرحه بالنسبة لمآلات حزب الإسلاميين ] و في هذا الأفق فأنا أعرّف فلسفتي الوجودية ضمن سقف المشروع الشيوعي، و أرى نفسي كناشط ديموقراطي يتوسّل للمشروع الشيوعي بوسيلة النشاط الإبداعي ، بل أكاد اجزم باستحالة إدراك المشروع الشيوعي بغير وسيلة الأبداع. وبهذا فأنا حليف ستراتيجي طبيعي للشيوعيين على تباين مدارسهم، و بصفتي هذه فأنا أتوقع من الشيوعيين السودانيين [ و غير السودانيين] العناية بوجهة نظري النقدية في الخيارات السياسية التي يجترحونها ضمن سياق العمل العام لأن عواقب خياراتهم السياسية تمسـّني بطريقة أو بأخرى.. و أعني بـ "العناية" إحسان الإستجابة ، [حتى و لو شابت طرائقي الأدبية بعض " اللطائف" الأسلوبية التي تضطرني إليها صناعة الكتابة .فنحن في نهاية تحليلي إنما نقيم، و نحيا و نموت، في مقام دين الأدب، و لا حياء في الأدب، أو كما قال..].
و عليه فأنا متمسّك، أولا، بضرورة صيانة وجود هذا الحزب الشيوعي السوداني المستهدي بفكر ماركس داخل فضاء السياسة السودانية ، لا لأني أنتظر من الشيوعيين السودانيين تنظيم ديكتاتورية البروليتاريا و تجسيد اليوتوبيا الشيوعية في البلاد، و إنما لأن الشيوعيين السودانيين وقفوا و يقفون في فضاء الثقافة الحديثة كمدرسة فكرية في السياسة السودانية يتوسل بها ابناء و بنات الشعب للعبور نحو رحاب الفكر المادي الذي أرسى دعائمه الرجال و النساء الذين صانوا معاني الحداثة الإنسانية ضد حداثة رأس المال التي تمجد شرع الغاب و تنحط بمعاني الحضارة الإنسانية. لقد نجح الشيوعيون السودانيون ،في ديمومة جيل واحد، أن يجعلوا من الحزب الشيوعي أول جماعة فكرية تحررية منظمة تعمل كمؤسسة سياسية وفق مبادئ الفكر المادي الحديث. و في هذا المنظور طرحت تجربة الحزب الشيوعي دروسا و نماذجا للفعل السياسي احتذتها معظم المنظمات السياسية الموازية في فضاء السياسة السودانية.كل هذا الشرح لا يغيب على فطنتك يا صديق ، لكني مضطر لبذله هنا لإضاءة المناقشة التي تتجاوز "جيوبوليتيك الصداقة" القائم بيننا نحو رحاب التفاكر النقدي في ما ينبغي على المبدعين الديموقراطيين [ و على غيرهم ] عمله أزاء التحولات المنظورة و غير المنظورة داخل حزب الشيوعيين السودانيين، سيّما و أنت من النفر الشيوعي الذي انتبه للفاعلية السياسية النوعية للمبدعين و حفـّز حزب الشيوعيين السودانيين لتطوير " حساسية شيوعية " تجاه ما سميته آنذاك بـ " جبهة الإبداع"، حسب البلاغة اللينينية السبعيناتية. فماذا تصنع اليوم مع سؤال" الحساسية" على ضوء المناقشة الأخيرة التي دمّمت الخواطر على أثر واقعة "جائزة الطيب صالح العالمية " لشركة زين للإتصالات؟ و ماموقع مشاركتك في لجان هذه الجائزة من ما كنت تجود به من تفاكير في خصوص علاقة الكاتب و السلطة اليوم يا عبد الله ؟
......
و على سيرة هذه الجماعة الغميسة التي اسميها "جماعة التقدميين السودانيين"، أو/ و "جماعة المبدعين الديموقراطيين" [ و لو شئت قل: " حزب الفن "] و التي تمور اليوم بكافة الأنواع السياسية التي تولدت في كنف التجربة الشيوعية السودانية، يتولّد في الخاطر أكثر من سؤال حول طبيعة العلاقة التي صنتها أنت مع هذه الجماعة في الفترة التي توليت فيها الإشراف على " جبهة الإبداع " باسم الحزب .و هذا كله مما يطول شرحه لكني ابدأ بما بدا لي أكثر مركزية في منظور المناقشة الجارية اليوم بذريعة نقد العلاقة بين المبدعين و السلطات.و أستهل بالتنبيه بأني حين أتحدث عن المبدعين و السلطات فحديثي يعني المبدعين السودانيين المنخرطين، بطريقة أو بأخرى ،في المشروع الديموقراطي، و الذين هم ـ بهذه الصفة ـ بجدون أنفسهم في حالة معارضة طبيعية مع السلطات السياسية التي لا تضع الهم الديموقراطي على رأس أولوياتها.
عبد الله ، لا أدري ما إذا كنت تذكر هذا الأمر لكن ذاكرتي ما زالت تحفظ لك قوله قلتها في نهاية السبعينات، و نحن نثرثر في موضوع خروجك من الحزب الشيوعي ، و فحواها أنك دخلت الحزب أثر غضبة و خرجت منه أثر غضبة أخرى. هذه الفكرة، فكره الإنخراط في العمل العام مع الشيوعيين السودانيين أثر غضبة، لاقت في نفسي هوى لأنها تموضع الإنخراط في العمل العام في مقام الخيار الوجودي الذي يحفزه ذلك الدفع العاطفي المتفرد الذي يسميه الأهالي بـ " الغبينة". و قد جاء في حكمة الشعب أن " الدُّواس بلا غبينة ماعنده طـَعـَم". و لعل قولتك تلخـّص بشكل بليغ الأسلوب الذي انخرطت به طليعة عيال المسلمين المغبونين على واقع الإستعمار ، في هذا الحزب الأممي الماركسي اللينيني الذي يدعو لحرية الشعوب و يبشر بدكتاتورية البروليتاريا كأ قصر طريق لبناء الجنة في الأرض، سيـّما و "السادة" الوطنيون الذين ورثوا زمام السلطة من الإستعمار استمرأوا رعاية مصالح المستعمرين لقاء الفتات.
و رغم النقد التاريخي الذي بذله الشيوعيون الرواد حول "كساد الفكرة الوطنية" إلا أن الحزب الشيوعي هو حزب" وطني" من واقع كونه حزب المثقفين الوطنيين، المغبونين على تردّي أحوال الوطن، بين عيال الطبقة الوسطى العربسلامية.وأنا أقول " حزب مثقفين " [ يا زول قول " حزب بورجوازية صغيرة" عديل و سجن سجن غرامة غرامة ] لأن صوت العمال و المزارعين و الحرفيين الذين لا يحملون دبلومات أو شهادات عليا فيه خافت ، و قيل غير مسموع بالمرة في حزب الطبقة العاملة. و كون مفهوم " الطبقة العاملة" قد تطوّر في النصف الثاني من القرن العشرين ليشمل القطاعات المؤهلة من الطبقة الوسطى المضطرة لبيع قوة عملها ، فهذا الواقع السوسيو سياسي ساعد نظريا في تعزيز مواقع حملة الدبلومات العليا داخل الحزب و أكسب التناقض بين العمل و رأس المال مدلولا جديدا ضمن منظور الصراع الطبقي في زمن العولمة. طبعا "فـُولة" عواقب تطور مفهوم العمل على تعريف و فرز أساليب العمل الجديدة تفيض عن سعة ماعوننا الراهن ، لكني اكتفي منها بملاحظة أن الحزب الشيوعي اليوم حزب صفوة تتذرّع بالأدب اللينيني لتبرير إنتحال معاناة الفقراء و لصناعة الثورة باسم المستبعـَدين. و لا جناح على صفوة البورجوازيين الصغار الماركسيين ، من جهة،على انتحال معاناة الفقراء، لأن الفقراء في السودان يتامى من أي عناية سياسية حقيقية ، ومن الجهة الأخرى، لأن هذه العناية السياسية الفريدة التي تتوسل بالأدب الشيوعي تملك ان تصبح قنطرة مواتية نحو عقلنه تناقضات المصالح، بين الفقراء و الأغنياء في السودان، مع التناقض الكبير بين العمل و رأس المال على مشهد العولمة. فنحن موجودون في العالم كجزء من كل ، متناحر و متكامل، لا سبيل لتجاهله ، فضلا عن كون معرفته و الإحاطة بظروفه اصبحت فرض عين على كافة المشتغلين بالعمل العام ، و الذين ستدفعهم ملابسات السياسة لبناء أحلاف مع جهات و مؤسسات عاملة خارج جغرافيا "الوطن". طبعا "الجناح" حاصل في مقام الإلتباس الآيديولوجي المخيّم على ذلك النفر الشيوعي السوداني الذي ينخرط في المشروع الماركسي باسم الغبن الأخلاقي أو باسم الإحسان الديني بدون مراعاة أي مسافة نقدية بينهم و بين مفاهيم الفكر المادي التي يقوم عليها أدب ماركس.و هي مفاهيم تعقلن التغيير الثوري ضمن افق اوسع من أفق الغبينة المؤقته أو الإحسان الديني .و لنا في هذا المشهد مناقشة لم تكتمل بعد في صدد " أنسانية ماركس " نطمع أن تعرّج عليها فنستنير بتفاكيرك و ينوبك ثواب و أجر عظيم. [ أنظر الرابط:
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 9d14#48678

]
و أنا أنتظر أن تضيئ لنا ملابسات إنمساخك من طور الكاتب اللينيني الملتزم بخط الحزب لطور الكاتب العاصي المتوجّس من قرب المؤسسة الحزبية، أو كما جاء في كلامك على موضوع علاقة " الكاتب و السلطة" في " الصحافة"
في الرابط
https://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=57026


الكاتب قبالة الحياة:
".. نشأت على مسألة الكاتب الملتزم، وكانت هذه المسألة قريبة من الكاتب المطيع (صوت الحزب أو صوت الطبقة) او (المُحرش) على الخصوم، وكان هذا الدور مقبولاً، وقد نظرنا الى من نشأوا في ظله وازدهروا مثل «ناظم حكمت» بالتالي نشأنا وسط هذه العلاقة الحميمة مع الجماهير والحزب والطبقة العاملة، وكان ذلك هو المبحث عن الحق والفضيلة. ولكنا كنا نعرف ان الحزب او الحركة الجماهيرية ليست مؤتمنة علينا، إذ نبهني كتاب «الكاتب والحزب الشيوعي» لمثل هذه المسائل. ومع تطور الزمن أصبحت أفهم أن وضع المثقف في علاقته مع السلطة، يمكن أن يتسع لأكثر من أن السلطة هي الحكومة فحسب، خاصة أثناء خلافي مع الحزب الشيوعي، الذي دخلت إليه بالأصل متحفظاً باعتباري كاتباً، رأى وقرأ كثيراً من غلواء الحزب، "
في هذا الشرح نفهم موقف الكاتب الحزبي" الملتزم" صوت الفقراء، المهموم بتسليح الطبقة العاملة بسلاح الوعي الثوري، على زعم لينيني فحواه أن الطبقة العاملة تفتقر للوعي الثوري بحكم تردي شروط حياتها و استفحال بؤسها المادي و الروحي. و أنها تنتظر المثقف الثوري الذي يبرّها بالوعي الثوري .طبعا في ذلك الزمان،" الجميل؟"، لم يكن في متاعك المفهومي أي شك في الطبيعة الطبقية لهذا " الوعي الثوري " الذي كنت تحقن به جسم الطبقة العاملة بمباركة الحزب، حتى نبّهك كتاب " الكاتب و الحزب الشيوعي " لمثل "هذه المسائل".و من يتأمل في هذا الحديث يلمس البعد الديني التبشيري الذي يتلبّس المسعى اللينيني في عمل الناشط الحزبي الذي كنته ، و اللينينية عقيدة دينية بحكم كونها تبشر برسالة الخلاص الطبقي و تفترض في المبشرين الجهاد لحمل الوعي الثوري لتفعيل جسم الطبقة العاملة الغشيم الذي ينتظر المثير الثوري الذي سيهديه سواء السبيل نحو التغيير الجذري للمجتمع، في ما وراء المقام الكلاسيكي للحركة المطلبية .
وأراني أقرأ في " الصحوة" الفكرية التي ادركتك بفضل " كتاب " ، خلاصا دينيا جديدا من العقيدة اللينينية البائدة.فكأنك ترقى على درج من الكتب فتتخلص من كتاب قديم و تعلو بكتاب جديد و هكذا "دواليبك"! فماذا يا ترى بعد " فوكو" عليه الصلاة و السلام؟
و في طورك الأخير، طور الكاتب العاصي المتمرد على سلطة الحزب ،أراك تحمّل " ميشيل فوكو " شرفا لا يدّعيه حين تنسب إليه فضل تحريرك من رؤية السلطة في تجسيد الحكومة وحدها، لأن مساهماتك العالية في نقد سلطة اللغة [ الماركسية و مسألة اللغة في السودان ] و في ديموقراطية الثقافة [ نقد الآفروعروبية ] التي أنجزتها في السبعينات،أي قبل أن تتعرف على ميشيل فوكو، كانت ، في نظري الضعيف ـ فوكالدية قبل فوكو. و كان ما نخاف الكضب يا عبد الله ، فأنا أرجّح ان حماسك المشروع للقيّات ميشيل فوكو المفهومية إنما يكمن في كون الرجل، بما في وفاضه الفلسفي و الوثائقي العامر، اضاء لك لقيّاتك المفهومية بضوء باهر عماك عن رؤية أصالتها.. و الله أعلم. [ طبعا دي إلاّ تصُرّها و تركنها على جنب حتى عودة متأنية لتركة سيدنا فوكو، كرّم الله وجهه . و لو كان لي من عزاء في هذه المناقشة فهو في أن شغفك بفوكو يحفزني على نفض الغبار عن القراءات القديمة فاصبر علي ]
تقول :
".. ثم اطلعت بعد ذلك على كتابات «مشيل فوكو» حول السلطة وكيف انها شائعة، وذلك ما حررني من ان اكون في موضع من يرى ان الحكومة هي الخصم الوحيد الذي يستحق الزجر. وانه لا يمكن أن يهدأ لي خاطر وهناك سلطة، أي سلطة سواءً كانت الاسرة ام الحزب ام الطريق الصوفي ام غيرها، تبتذل إنسانها أو تبتذلني انا أو قلمي او تبتذل أي معنى من المعاني. ولعل هذا خلاف كبير مع بعض زملائي الآن، إذ عندما يطرحون موضوع السلطة، يريدون الحكومة فحسب. وانهم -هؤلاء الزملاء- اذا لم يشاهدوك وأنت في حالة خصومة مع الحكومة، فإنهم يعدونك مصالحاً ومستسلما .."

وأظن [آثما بنسبة تسعة و أربعين في المئة ] ـ و" كل شي في الحيا جايز"ـ أن فوكو بريئ " براءة الذئب " من كل ما درعته له في رقبته ، و أن المسألة لا تعدو مجرد مناورة سياسية تستعين فيها بفوكو [ لا إيدو لا كراعو ] في منازعتك مع " هؤلاء الزملاء " الذين ينتظرون منك تأجيجا لا يفتر لخصام الحكومة، و الذين نعرف أن اسم فوكو يفعل بهم الأفاعيل كما حيّة موسى في بلاط فرعون. و هذا كله رجم بالغيب في حقك و في حق "هؤلاء الزملاء" جرّني إليه حرصي على النظر في "خشم البقرة" عسى و لعل.
لكن ما حيرني فعلا هو إصرارك على رؤية " سلطان المعارضة " على قدم المساواة مع سلطان الحكومة. وهي رؤية لا تليق بموهبتك الرفيعة المشهودة في فرز كيمان السياسة السودانية.
تقول:
" ..وبالنسبة لي خاصة في هذه الفترة المضطربة، أصبحت أحس بأن السلطان الذي يجب عليَّ منازلته منازلة حقيقية هو سلطان المعارضة باعتبار أن المعارضة هي التي تملك مفاتيح المستقبل، وإذا كانت مفاتيح المستقبل بأيدٍ صدئة وخربة، فلماذا نقاتل الحكومة؟ ونقاتلها ليأتي ماذا؟
إن ما أراه أن علي الكاتب أن يصدع بالحق في وجه أي سلطان، أن يصدع به إبتداء بالمعارضة التي أنت مطالباً بنقدها أكثر، باعتبارها ذلك المكان الوديع الذي يجب أن يكون مالكاً لشفرة المستقبل. ويجب بالتالي تنميتها -المعارضة- بخيال مختلف وبطاقة مختلفة .."
أها يا عبد الله لو تبعناك في هذا الرهان الغريب الذي يملّك المعارضة " مفاتيح المستقبل" فسوف نربح يانصيب الحمار الميّت أعلاه ، و ستردّ لنا دولارنا بأمانة تامة، و قد تعتذر لنا عن حكم القدر و تعزينا بأن الدنيا قسمة و نصيب. لكننا لن نتبعك في هذا الرهان للأسباب الآتية:
ـ أولا بالتبادي تحليلك قائم على خرافة معارضة ذات بأس مادي و نظري يجعل منها ند للحكومة. و هذا تحليل، ربما كان منطقيا مع تلك المعارضة البائدة التي انبنت، ذات يوم، على تحالف المعارضين الأقوياء المسنودين بالسلاح في " زمن جميل " فات و غنـّايو مات!زمن تضامن المعارضين المسلحين و غير المسلحين ضد نظام الإنقاذ باسم الديموقراطية. لكننا صرنا اليوم في زمن مغاير لم يبق لنا فيه من قلعة المعارضة سوى أطلال تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد. و ذلك بعد أن أخذ كل معارض شليـّته من دار أبونا الخربانة. فعن أي معارضة تتكلم يا صديق و نحن نري غلاة معارضي الأمس " يتغرّضون " مع الحكومة الجائرة العائرة في برلمانها و في مجلس وزرائها و في رئاسة جمهوريتها و في أجهزة أمنها و غير ذلك من أجهزتها الرسمية و الأهلية؟!
يا عبد الله لو كنت تعتبر أن هؤلاء الناس" المستفيدين " هم المعارضة التي "تملك شفرة المستقبل" فليسعدوا بنقدك، لأنه عندهم "كمن يبول في كمنجة" حسب مثل أهلي الفرنسيس الذي طالما حيرني:
Pisser dans un violon !
يعني نقد " في التنك " ساكت!
ما العمل إذن؟ مندري ثمّ مندري!؟
ربما كان العمل على بناء معارضة حقيقية هو الأولوية الراهنة. بعدين نشوف لو بقى عندها دبارة لأي شفرة. و بناء المعارضة يبدأ من ما هو موجود على ارض الواقع السياسي. فكيف ترى المعارضين الموجودين على ارض الواقع السياسي اليوم؟ من هم؟ أين هم؟كيف هم؟ و كم هم؟
يا عبد الله لقد عهدنا فيك التفاؤل[ و أنت القائل " تفاءلوا بالوطن تجدوه "!] لكننا حين نقرأك تقول :
".. وإذا كانت مفاتيح المستقبل بأيدٍ صدئة وخربة، فلماذا نقاتل الحكومة؟ ونقاتلها ليأتي ماذا؟ " فرهانك متشائم لأقصى حدود التشاؤم [ و أحسن منه يانصيب الحمار الميت ] لأنك لا تتصور مفاتيح مستقبلنا في غير الأيدي الخربة، و فوق تشاؤمك ، فأنت تثبـّط من همم المعارضين الشباب اليتامى الذين يقفون كل يوم في وجه الغول و هم عزّل من السلاح و من العتاد و من النظريات و المفاهيم و النصائح الثورية أياها [ مما في جرابك المفاهيمي العامر].. يا عبد الله هل خطر ببالك أن هؤلاء الواقفين و الواقفات في وجه الغول ، إنما يفعلون هذا، لا ليأتوا بحكومة جديدة أو يصنعوا ثورة إشتراكية و مش عارف إيه ..و إنما ليكفـّوا عن أنفسهم الأذى المباشر الواقع عليهم من الحكومة الحالية ؟
عبد الله
أقول قولي هذا و استغفر الله لنا كلنا و انتظر منك غبنا أو/و إحسانا تكون عاقبته إضاءة مواقفك من حزب الشيوعيين السودانيين.ذلك لأني أراك ضالعا بكليتك في أشغال حزب الشيوعيين ، حتى في المواقف التي تبدو فيها الأكثر تباعدا من زملاء الأمس.و لعلّك ـ في مكان ما ـ مازلت ذلك " الأفندي الحزبي " الشغوف بصيانة آلة الأحلام الثورية السودانية ضد حداثة رأس المال المتعولم التي تعيث فسادا في بلادنا و هي متسربلة بسرابيل التقليد الديني و العرقي.
و كان مكضـّبني هاك اقرأ كلامك :
".. أنا عزيز الجانب من جهة القبيلة و الطائفة و لكنني لم استدعهما طوال شغلي السياسي و الفكري لأنهما لا يمتان بصلة لنوع السياسة التي شغفت بها
و لا يخدمان المستقبل الذي أردته لبلادي "
الرابط
:
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... e0b6#33000
سأعود
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

ررر

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

القدم
ليهو
رافع
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الراجل بمسكوه من نـَصّه

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد سيد أحمد
يا زول عبارتك دي ما فهمتها، إنت قاصد شنو؟
ياخي أسخى و اشرح لينا قصدك بأكتر من كلماتك التلاته الفوق ديل.و انت زول بتاع مسرح و نقد و كدا، و المسرح دا ـ زي ما عارف ـ كله شغل في النصوص . و أنا بقول ليك الكلام دا عشان أنحنا هنا ما بيناتنا وسيلة للتواصل غير النصوص ، و النص بالنص و السن بالسن و العين لا تعلو على حاجة !
أنت يا محمد ما سمعت بالمثل الشعبي " الراجل بمسكوه من نـَصّه "؟ أها مسكة زول صاحب نصوص زي عبد الله علي ابراهيم ما بتبقى ما لم نقعد نذاكر في نصوصه و النصوص ذات العلاقة بنصوصه.و شغل المذاكرة دا ياهو المؤخرني من العودة لهذا الخيط .
شايف أخونا[ الكاشف ] محمد عبد الخالق ـ في انتظارأن يكفيه الله شرّي ـ اختار أن يردّني ـ بكلمة و غطايتها ـ لذلك " الزمن الجميل " حيث كنا كلنا" شباب و رياضة " ـ على قول دعاية " توتو كورة" [ طبعا " توتو كورة" دي نوع الحاجات المابعرفوها الأولاد و البنات بتاعين فيس بوك و تويت و...] ـ.يا محمد عبد الخالق لو كتابتي دي عجبتك طيب المزعـِّلك شنو من كلامي لبشرى الفاضل بهناك؟!


سأعود
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام يا حسن
وانت ضليع فى الامثال
الاصيلة والمنحوتة والمنجورة والمؤلفة كما قلوب النصارى
المثل المعروف
القدم ليهو رافع
دا حولتو لعبارة كيف

د عبد الله
كتاب ومثقف وانثربولوجى ونصوصو صعبة وغير متاح استعابها للعامة والسابلة

دا مبذول ومنشور ومنثور باقلام من هم
اقل من قامتك الكبيرة

تعرف يا حسن زمان لمن قريت ليك كلامك الحار والشجاع جدا عن الطيب صالخ
ولم تخشى ان تقول ما تريده و ما تعتقد انه الصواب
انا قلتا
الزول دا كبير عندو الجمل


اها باعتبارى بتاع مسرح ونقد وحاجات تانية وكدا

اقول ليك
فى انتظار البترول
دا اسم مسرحية
ما مثل
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

اخونا حسن موسى

الذى زار الشارقة ولم نسعد بلقياه



المرة دى بالنحوى نقول ليك

ما للجمال مشيها وئيدا
اجندلا يحملن ام حديدا
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

كلو بدربو يا ابو الحسن اخوى الكاشف ، وانا برضو بامسكك من نصك زى الترتيب، بل قل من نصوصك المتعددة . ايوة دا عجبنى وقلت كلمتى وغطايتها فيهو ويا زول انا ما متكافى شرك . اما الكلام عن بشري الفاضل فهو لسة مفتوح وانت كان عندك فيهو جديد امش اكتبو هناك وانا بجيك من تانى . واحتمال لو دخلتا فيهو موقف الشاعر الفقيد محمد الحسن سالم حميد تضيف ليهو حاجة جديدة للناس العندها موقف من المشاركة في مناسبات الشركات مثل زين للاتصالات .
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


صديقنا فخم العبارة العامّية الفصيحة التي قد لا يعرف مجاهلها عامّة قراء العربية : حسن محمد موسى

أعاني عُسرة تجريدك من الألقاب ...... ، وقد علمت منك أنك لا تُحبها ....،
هنالك الكثير من المصطلحات الثقافية ، في مد سواعد قراءة المنتج الكتابي لبروفيسور عبد الله علي إبراهيم . بحثت في ملف له بالصوت والصورة عن محاضرته التي كانت في مدونة " الأمريكيين السودانيين " في عدد (7) فيديوهات باسم :
( أنا ماركسي ولا أرى في الشريعة من بأس )
لسوء الحظ فقدت وصالها ولم أستطع لها من سبيل ، وهي محاضرة قدمها قبل ثلاثة أو أربع سنوات لا أذكر بالضبط .
وهي تكشف بوضوح رؤيته ، حول كيفية مزاوجة الغرائب " الماركسية " و " الشريعة " ، وهي محاضرة ثرية تُكشف الكثير الذي يسهم في التعرف على أفكار البروفيسور عبد الله .
ملاحظة :
- أرى أن عنوان الملف " مموهاً " لا يقود لقراءة الملف ، لاختلاف كبير بينه وبين محتواه .
- لديك سيدي ملكة القص بادية ملامحها ، بجمال وجلال خلاق ، لماذا تتركها تابعة لحوار حول الثقافة والنقد ؟

لك التحية ولأضيافك وضيفاتك الأفاضل مثلها
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الصديق وقت الضيق و وقت السعة ايضا!

مشاركة بواسطة حسن موسى »

عبد الله بيكاسو الشقليني الصديق وقت الضيق و وقت السعة ايضا..
سلام
و ألف حمد الله على السلامة.
كنت أمنـّي النفس بلقياك والتجمّل بالحديث معك "عينك عينك" في الشارقة و لكنك مرقت في السودان ذلك البلد المحزون على طور السنين، فشكرا على عنايتك بهذا الخيط. أما عن الألقاب، فإن كان لابد منها، فاعلم أنني اكتفي منها بلقب " الصديق " و هو أقواها بحكم الصداقة التي بيننا منذ آلاف السنين و هو أخطرها أيضا بحكم العواقب غير المنظورة التي تترتب عليه غالبا. و أما عن كتابات الصديق عبد الله علي ابراهيم فهي تشغلني منذ فترة و أجد في متابعتها متعة أدبية و سلوى فكرية ، لكني لم أعثر بعد على ملف محاضرته التي أشرت إليها.و على كل حال فقولته " أنا ماركسي و لا أرى في الشريعة من بأس " تجوز عندي كما الطبيب الذي لا يرى في الطب البلدي من بأس و لا جناح [ طبعا الجناح حاصل عند انصار الطب الشرعي الذين لا يطيقون الطب الماركسي و لا أي طب آخر!]، فالماركسية كشريعة تلتقي مع شريعة الإسلام في عدة مرابط بينها مربط رفض النظام المصرفي العالمي الذي يقوم عليه منطق رأس المال و مربط رفض نهب خيرات الشعوب و خلافه.و لعل هذا هو ما يحفز آيديولوجيي النظام النيوليبرالي العالمي على استعجال المسلمين " المعتدلين " لـ "لبرلة " شريعتهم حتى يتيسر دمج مجتمعات المسلمين في اقتصاد رأس المال بدون مقاومة. هذا الواقع الجديد، أعني واقع السعي للبرلة الشريعة، يفتح الباب على الشريعة كمفهوم طبقي في صيغة الجمع.وبكرة ، بعد أن تتمكن آلة الإسلامولوجيا التابعة لمنظومة حلف شمال الأطلنطي من إحكام نسختها من الشريعة " المعتدلة " ، فسنرى كل زول يغني لشريعته و سيكون عبد الله الماركسي مطالبا [ زيه زي غيره ] أن يفرز شريعته من شرائع الجماعة الطيبين ..و على كل حال فشقاق الشرائع الطبقية ليس جديدا على المشهد السياسي السوداني.و الأدب الذي أورثنا اياه الاستاذ محمود في نقد شريعة السلفيين ،باسم " شريعة محمد " هو خطوة رائدة في مسعى فرز الشرائع بين المسلمين المعاصرين.
أما عن استكثارك "ملكة القص" على " حوار الثقافة و النقد " فلا أوافقك عليه و سأعود لهذا بتفصيل في مقام آخر.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


الصديق حسن
ما أجمل هذا التداعي الذي ينسج حبائل جديدة في استخراج المكنوز من العبارات القصيرة .
لا نزال نختلف حول القص لحين نتحاور بشأنه فيما تُجلب من دعائم .

تحياتي لك وقد حاولت منهجاً في القراءة في سودانيزأونلاين :

قراءة في مقال بروفيسور عبد الله علي إبراهيم " نقد اليد الطهور " وأريد رأيك ، وقد كتب ب. عبد الله مشاركتين في الملف
نقلهما لنا " المنصور المفتاح " وسيط عبد الله لسودانيزأونلاين : وهذا هو الرابط :


https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1333223858
محمد عبد الجليل الشفيع
مشاركات: 155
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 11:11 am

مشاركة بواسطة محمد عبد الجليل الشفيع »

".. ثم اطلعت بعد ذلك على كتابات «مشيل فوكو» حول السلطة وكيف انها شائعة، وذلك ما حررني من ان اكون في
موضع من يرى ان الحكومة هي الخصم الوحيد الذي يستحق الزجر. وانه لا يمكن أن يهدأ لي خاطر وهناك سلطة، أي
سلطة سواءً كانت الاسرة ام الحزب ام الطريق الصوفي ام غيرها، تبتذل إنسانها أو تبتذلني انا أو قلمي او
تبتذل أي معنى من المعاني. ولعل هذا خلاف كبير مع بعض زملائي الآن، إذ عندما يطرحون موضوع السلطة، يريدون
الحكومة فحسب. وانهم -هؤلاء الزملاء- اذا لم يشاهدوك وأنت في حالة خصومة مع الحكومة، فإنهم يعدونك مصالحاً
ومستسلما .."

إعلان متابعة فقط
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

ررر

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

أنا عزيز الجانب من جهة القبيلة و الطائفة و لكنني لم استدعهما طوال شغلي السياسي و الفكري لأنهما لا يمتان بصلة لنوع السياسة التي شغفت بها
و لا يخدمان المستقبل الذي أردته لبلادي "


الزول لمن يقول

اناما بقول انا كدا وانا كدا
مؤكد بيكون قال

اها
نفكك يا قول فوكو

عزيز الجانب من جهه القبيلة
يعنى ود قبائل
من جهه الطائفة
ود خلفاء

يعنى
عربى
مسلم

هسا الكتور دا جاب شنو جديد

ما الحاكم



ين الان بيقولو كلام زى دا
والطيب مصطفى بيقول
\وحسن مكى بيقول
واسحاق احمد قضل
وحسين خوجلى
والشاعر الشعبى الامس بيقول فى التلفزيون يا سلفا يا بتاع المريسا


ال عزيز جانب ال
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كلنا أولاد بلد نقعد نقوم على كيفنا!!

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد سيد أحمد..
أنا عندي عمة و جلابية و ملفحة و مركوب اصلة زي بتاعاتك ديل لكني لم استدعيهم طوال شغلي السياسي و الفكري لأنهم لا يمتـّون بصلة لنوع السياسة التي شغفت بها و لا يخدمون المستقبل الذي اردته لبلادي. و لو عاوز تفكيك زيادة ما عندنا مانع .شايف؟
ياخي الصبر اليبل الآبري!
سأعود
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رررر

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام يا حسن اب جلابية

انا عمتى وجلابيتى
اصلو ما ادونى احساس انى عزيز الجانب لا من الجهه دى لا من التانية
و لا بتفاخر بيهم على زول

انا عزيز الجانب من جهه الطائفة والقبيلة

نوع الكلام الزى دا بيصب ماء الحياة فى شجرة نسب الغول



ابرى شنو يا حسن

والله بوستك دا لو من يوم ما بديتو
زرعنا شتلة كان نبتت
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

آبري سودان الجميع !

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد سيد أحمد
يا زول الآبري بتاع سودان الجميع دا ما بنبل بهين، غايتو اعتبره زي "درب السلامة" الذي هو" للحول قريب" كما جاء في حكمة الشعب. و بعدين كمان أنحنا كتابة الأسافير دي بنعملها في وقتنا الباقي في حساب يوم العيشة، فاصبر عليّ يا أخا العرب [ شايف "أخا العرب" دي أنا مفكـّكها في عمتك و ملفحتك و جلابيتك " و صديرية و سروال و مركوب "! إلى آخر كلام شعراء السودانوية البائدة]. المهم يا زول، كتابة الأسافير مشاكلها كتيرة معي، يعني في الوقت الذي يكتب فيه الكاتب لآلاف القراء المزعومين فأنه لا يكتب لقارئ بعينه.و أنا أحبّذ الكتابة لشخص بعينه ، و أجد في مخاطبة الأصدقاء [ و الأعدقاء] الذين أعرفهم ، بطريقة أو بأخرى ، حافزا و عزاءا معا على مشقات الكتابة . ربما لأني من واقع العلاقة أكتب و في خاطري استجابات قارئي المحتملة ، و التي قد أسقط عليها بعضا من أحوال النفس الكاتبة و يكون الحاصل المكتوب متأثرا بجدل السياق الكتابي.. و ربما كان في مثل هذا الموقف بعض من مثالب عادات الكتابة السابقة على عهد كتابة منابر الأسافير ، و على كل فالكتابة ، في كل الأحوال ، ما زالت مخاطرة جذابة و مهلكة لكافة أطراف العلاقة ، و الحمد لله على كل شيئ. و كما لا يغيب على فطنتك فأنا أكتب هنا مخاطبا عبد الله كصديق عزيز،أصرتني عليه آصرة الفكر في فضاء العمل العام فاستطبت حضوره في مشهد الثقافة السودانية عند تقاطع الفن و السياسة و نما بيننا الود المتبادل و الإعجاب كما ترى. و أنا أقول لك هذا الكلام لتنبيهك لضرورة صيانة مكاتيبك عن أمراض العجلة و الإستسهال و المزايدة و هذه نصيحة لله غرضها ترفيع مستوى هذه المناقشة حتى نتمكن جميعنا من الإحاطة بالتركيب الخلاق [ و بالبساطة ] في سيرة الكتاب من وزن عبد الله علي ابراهيم. شايف؟
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شغل الحزب الشبحي!

مشاركة بواسطة حسن موسى »



5
شغل "الحزب الشبحي"


عبد الله ،يا أخانا المقيم في سماوات الهم الشيوعي السوداني. قلت في نهاية كلامي السابق أني أراك" ضالعا بكليتك في أشغال حزب الشيوعيين ، حتى في المواقف التي تبدو فيها الأكثر تباعدا من زملاء الأمس.و لعلّك ـ في مكان ما ـ مازلت ذلك " الأفندي الحزبي " الشغوف بصيانة آلة الأحلام الثورية السودانية ضد حداثة رأس المال المتعولم التي تعيث فسادا في بلادنا و هي متسربلة بسرابيل التقليد الديني و العرقي." و هو قول يرد علاقتك بحزب الشيوعيين لصوره "العضو الشبحي" التي سبق لي ان أشرت لها في حديث سابق.[ أنظر الرابط

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... a1f48e401d


و " العضو الشبحي" مفهوم " نفسي/ عضوي" فحواه أن الشخص الذي يفقد ذراعه أو ساقه مثلا، يظل يتصرف حركيا و حسّيا كما لو كان العضو المفقود ما زال في مكانه. ".." لكن موضوعة " العضو الشبحي" في حالتك تنطرح على حدّين: فمن جهة أولى، جهة الرفاق النظاميين ، تمثل أنت كـ "عضو شبحي" اجتث نفسه من جسم المؤسسة لكنه ما زال حاضرا في مخيلتها في ثياب الشبح القيادي الشيوعي السابق ،[و أنت حاضر في ذاكرة الرفاق بحكم شبكة العلاقات الواسعة التي أورثتكها سنوات التفرّغ الطويلة بينهم، مثلما أنت حاضر بتفاكيرك المتنوعة في المنازعات التي تشغل اليساريين السودانيين داخل و خارج الحزب.]..
و من الجهة الثانية ، جهتك أنت القيادي السابق ، فأنت، بحكم مساهماتك النقدية المتصلة في قضايا الثورة السودانية ، ما زلت تصون ارتباطك بهذه الأم اللينينية التي خرجت من رحمها دون ان ترغب في قطع " حبل السرّة " الماركسي الذي يربطك بها."أو كما قال: ثم من ؟ قال :أمّك. قال: ثم من؟ قال: أمّك. قال..".
و أذا كان الشيوعيون النظاميون ما زالوا يحسون بالألم في جسم الحزب في الموضع الذي اجتثثت نفسك منه ـ و هو ما يحفزهم على ترصد حركتك و سكونك داخل ساحة المناقشة العامة ـ فاحساسك بالألم في جسم الحزب الذي خرجت منه ، كما تخرج الشعرة من العجين [ يا لها من عبارة!] ، يجعلك تثابر على ترشيد خط الحزب بنصائحك في لزوم ما يلزم ، و أحيانا في ما لا يلزم، فكأنك تدخل الحزب من جديد كما تدخل الشعرة في العجين.و الشعرة التي بينك و حزب الشيوعيين أزرط من" شعرة معاوية" إياها، ربما لأن لا مصلحة لأحد في إنقطاعها كما جاء في تصريح الأستاذ الخطيب، السكرتير السياسي للحزب، بفتح الباب لعودة الخارجين لحظيرة الإيمان: " أي شيوعي ابتعد من الحزب لأي سبب من حقه أن يسترد عضويته "
وكان ما نخاف الكضب فهذا الأمر يعنيك بطريقة أو بأخرى [ انظر حديث الخطيب في الرابط :
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 701bbd11bd

] و لو كنت مكانك لانتهزت هذه السانحة واستعدت عضويتي و رشحت نفسي لسكرتارية الحزب في الدورة القادمة و" العرجا لمراح ماركس"!
.و لا عجب فأنت من ذلك النفر الذي يقول نذرت حياتي للحزب كما يقول رهبان النصارى : نذرت حياتي للرب! و هذه قولة رهيبة تبعاتها الوجودية قد لا تطاق لغير الُمترهبنين. ولا أخاف الكذب لو قلت أن الحزب الشيوعي هو آخر معاقل رهبان السياسة" الذين تنادوا لنار القضية كالفراشات" ، كما جرت عبارتك في: " نقد قنديل سماوي " [في الرابط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... ad710fc4fd

] ففي تعقيبك على كلمة الصديق الشقليني في سودانيزأونلاين نقرأ :
" .. منذ خروجي منه [ الحزب] أو عليه لم أنقطع في التفكير ، لا التنكّد، في ما آل إليه حزب أعطيته صباي و شبابي بالكلية . ".." لقد نذرت حياتي لحزب متمثل للطبقة العاملة و سائر الكادحين "
الرابط:
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1333223858


و حتى انخراطك في خيار المصانعة أو/ و المصالحة مع نظام الأسلاميين، الذي يلومك عليه عدد من رفاق الأمس، يبدو لي ضلوعا في أعمال "خط الحزب" أكثر منه إنتهازا سياسيا بغرض الكسب الشخصي، و الحزب ما زال يصانع بنوابه في برلمان الأنقاذ و " يحاحي " بكوادره في برلمان الأسافير. و قد نوّهت أنا من قبل بطبيعة مصانعتك للإنقاذيين في مناقشة " أشغال العمالقة" في منبر الحوار الديموقراطي ، على زعم أن المصانعة ، حيلة العاجز ، كانت ، في بعض اللحظات السياسية العصيبة ،تكتيكا حزبيا فرضته ظروف البقاء. و بنيت تحليلي على واقعة كونك لم تنل أي كسب مادي او معنوي من مصانعتك لسلطة الإنقاذ. [ أنظر الرابط :
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... a1f48e401d
] . و طبعا سؤال طبيعة الكسب المادي في حساب العمل العام السياسي هو سؤال مشروع و لا حياء في دين العمل العام كما جاء في الأثر.

عبد الله ، يا أخانا الذي في الأيديولوجيا ،
تساءلت هذا الصباح و أنا أقرأ بعض ملاحظات المتداخلين في مناقشة "جائزة الطيب صالح العالمية"، تساءلت عن جدوى الإلحاح عليك في شأن دورك في تسويغ محفل "علي عروة" بين الأدباء التقدميين المعارضين[ بالغريزة] لكل تطبيع مع نظام الإنقاذ. و ربما كانت لترددي علاقة بكون إنخراطك في هذا الأمر العامر بالإشتباهات السياسية و الأخلاقية إنما تم على أساس نوع من ضمانة سياسية استشعرتها أنت في ذلك " العضو الشبحي " المسمّي بالحزب الشيوعي السوداني، الذي ما زلت تتداعى عليه بالسهر و النصح و تنتحل لنفسك أوجاعه و تتشكى من كل مصاب و فقد يلمّ به ، فكأنه عندك مثل ليلي ابن الملوّح التي صانها الحب عن طوائل الزمن وكأنها في كهولتها " لم تزد عن أمس إلا أصبعا ".و شرح كلامي يتلخص في زعمي بكونك، يا صديق ، ما زلت ملتزما بـ " خط الحزب ". أيوه "خط الحزب"، و لا جناح عليك، فقد كنت في حقبة عصيبة مشهودة، بين النفر الباسل الذي وطّن النفس على السهر على جسم الحزب، و تلك من نوع التجارب التي لا ينفع معها نسيان.أقول: كنت و مازلت يا عبد الله ملتزما بخط هذا الحزب اللينيني الذي لا يحيد عن المسار و لو كلفه ذلك أعظم التضحيات.هذا الحزب الذي استنبت مأسسة العمل التنظيمي الحديث بين عيال المسلمين، ما زال يعمل وفق الآلية اللينينية المجربة و التي يمكن تلخيصها بأن لا مجال للإرتجال أو القرارات الفردية ، و أن كل خطوة هي نتيجة تفاكر و قرار جمعي يلتزم به الجميع.على هذا الزعم أظن ـ غير آثم بنسبة 95 في المئة ـ بأن حزب الشيوعيين السودانيين قد انخرط في السنوات الأخيرة في مسار تطبيع سياسي مع نظام الإنقاذ .و رغم أن قيادة الحزب لم تكشف في أي وثيقة رسمية عن مضمون مسار التطبيع السياسي مع نظام الإنقاذ إلا أن المراقب العادي ـ على وزن " رجل الشارع العادي " ـ لا يحتاج لذكاء سياسي كبير لكي يتسنتج أن الحزب الشيوعي ضالع في نوع من "مصالحة سياسية" غير معلنه ،" كيري "، مع نظام الإنقاذ.و ربما لم يكن الحزب بحاجة للإعلان عن هذا التحوّل الكبير في سياساته لأن الأصوات المعارضة لسياسات التطبيع مع نظام الإنقاذ لزمت الصمت ، أو ربما فضلت حصر المناقشة في هذا الأمر داخل الحوش التنظيمي الذي لا يدخله الغرباء و لو كانوا من أصدقاء الحزب الديموقراطيين .و حين أقول : " هذا الأمر" فأنا أتحدث عن جملة من الإشارات و الشواهد و المواقف الرمزية ذات التبعات المرصودة في سياسات الحزب الشيوعي و التي تتناقض مع موقف المعارض المبدئي الذي يقفه الحزب من نظام الإنقاذ. و أعني بـ " موقف المعارض المبدئي " تلك المبادئ التي عبّر عنها مؤخرا الأستاذ محمد مختار الخطيب، السكرتير الجديد للحزب، حينما قال بأن الحزب يتمسّك بمبادئ الماركسية و اللينينية و يعمل لإسقاط النظام [ الرابط:
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 701bbd11bd
] و هو موقف يملك أن يضيئ باسلوب مغاير المقروئية السياسية و الرمزية لما سميته بـ " الإشارات و الشواهد و المواقف " المحيرة التي بثـّها حزب الشيوعيين على السودانيين في السنوات الأخيرة .
هذه الإشارات و المواقف تملك ـ بمرور الزمن ـ أن تهيئ الرأي العام المعارض على التعود على فكرة التطبيع و ربما تشجع دعاة" المصالحة الوطنية" على الإنزلاق منها، " أُمْ غُمـُتـّي "، نحو فكرة الوفاق مع نظام الإنقاذ بذريعة لم الشمل الوطني و صيانة وحدة الصف و خلافه. أقول: تصريحات الخطيب ،المتمسك بعروة الماركسية اللينينية الوثقى، تحجّم مساعي التطبيع كمجرد تيار من التيارات المتصارعة داخل قيادة حزب الشيوعيين السودانيين. فماذا أعني بـ " الإشارات " و " الشواهد "؟

و في مشهد "الإشارات" أذكر أننا قرأنا قبل فترة حديثا صحافيا[أجراه الصحافي خليفة بلّة] مع مسؤول حزبي من وزن الدكتورفاروق كدودة ،الذي كان يعرّف نفسه كـ " واحد من البشكّلوا الرأي العام " في الحزب ،" فيه تصريحات غريبة عن ثروته الشخصية و عن تلك الطبيعة السودانية الخاصة التي ترعى الود بين الأضّاد وتؤاخي بين محمد ابراهيم نقد الشيوعي و حسن الترابي الإسلامي، رغم إختلاف المصلحة الطبقية ، و ذلك لمجرد رغبة الدكتور أن يعرض على الخواجات هذا الوجه الإكزوتي من وجوه السياسة في السودان:
" .. انا قلت ليهم عندى مناسبة افتتاح بيت وعازم خواجات وهو فى الحقيقة انا داير اورى الخواجات وبالذات السفراء انو دة السودان "
أنظر الرابط:
https://khalifart.maktoobblog.com/158028/

. قال الدكتور كدودة قولاته تلك متظاهرا بأنه يعبر عن رأيه الشخصي كفرد و ليس عن رأي الحزب..و أشاح الشيوعيون النظاميون بوجوههم بعيدا و صمتوا و شلنا نحن عنهم " وش القباحة" !..

ثم مر علينا زمان رأينا فيه صورة تمثل محمد وردي العظيم يغني لعمر البشير و صحبه.و محمد وردي ليس موسيقيا فحسب ، إنه شخصية مفتاحية ذات وزن نوعي في تاريخ حركة اليسار السوداني ، بل هو نصب ثقافي ، عمره الفني الطويل و تجربته السياسية الثرة تتمازج مع اللحظات المهمة في تاريخ السودان الحديث.هذا الرجل الذي واجه كل الديكتاتوريات و هو في عز الشباب، بنى بأسه الرمزي الجليل في ذاكرة المقاومة الشعبية للإستبداد من خلال سلسلة طويلة من المواقف السياسية المشرفة. فما الذي يجعله يقبل الجلوس في معية آخر الطغاة ليرفّه عنه؟و ماذا يمكن لفنان كمحمد وردي أن يغني لتطريب السلطان الجاهل؟ هل يغني" أصبح الصبح" أم " أي المشانق؟"؟
ترى أي نوع من التوجيهات الحزبية، المكشوفة أو المضمرة، أقنعت محمد وردي بأن يفعل تلك الفعلة العجيبة؟ و ماذا جنى محمد وردي و حزبه من تطريب السلطان الجاهل؟ و أي منفعة تعود على حزب الشيوعيين من التضحية بمبدع من وزن وردي على مذبح الهشاشة السياسية السودانية الذي تضرب الفوضى فيه أطنابها ؟
و ما ذنب السودانيين حتى يتم التمثيل بأحد أفضل رموزهم الثقافية على هذا النحو المزري؟
بعد كدودة و وردي فوجئنا بالبشير في القطينة يشيد بمحمد إبراهيم نقد و يعانق فاطمة أحمد إبراهيم عناقا حارا لايعرف أحد بعد ما هو " حُكم الشرع " فيه.و إن كنت أشير لـ " حُكم الشرع " في شأن هذا العناق الحار فذلك لأني بحثت عن "حُكم الحزب" عبر وسائل اعلامه الرسمية و سألت أصدقائي الشيوعيين المنظمين و لم ينفعني بحثي في شيئ. [ بخلاف تلك الحكمة الإنتهازية التي تقول بأن" إختلاف الرأي لا يفسد لود السياسيين السودانيين قضية"! ].
ثم جرت مياه كثيرة تحت جسور العاصمة و" مّرت الأيام" و الشهور و الأعوام على نواب الحزب الشيوعي في برلمان الأنقاذ و هم" يناضلون" من أجل قضية الطبقة العاملة بلا بلا بلا و مافي زول من أصدقائي الشيوعيين النظاميين قال ليهم :
يا زملاء بُغـُمْ و كدا!
المشكلة هي أن هذه المصالحة " الوطنية؟ " التي لا تقول إسمها لم تمنع نظام البشير من الإستمرار في مصادرة حقوق الناس [ بما فيهم الشيوعيين] و قهرهم و تقتيلهم كلما شرعوا في التعبير سلميا عن مطالبهم.
لقد رحل الزملاء فاروق كدودة و نقد و وردي و غيرهم، لكن الأسئلة التي أثارتها اشاراتهم الآيديولوجية المشاترة في مشهد الحركة الديموقراطية ما زالت تنتظر التفحّص النقـّاد من طرف الحادبين على قضية الديموقراطية في السودان. أظن أن هذه الإشارات الآيديولوجية ، عند بعض مسئولي الحزب الشيوعي السوداني، و التي تناور، في بعض أشكالها، كما لوكانت مبادرات فردية و" دريبات قش " لا تعني المؤسسة ، إنما تعبر في ظني [ الآثم؟!]عن واحد من أمرين:
إمّا أن هناك حالة من الإضطراب الآيديولوجي و الإلتباس السياسي، داخل الدوائر التي تصنع القرار في الحزب، بحيث صار كل زول يجتهد بطريقته الخاصة، أو هي تعبر عن نوع من مكيدة سياسية كبيرة يعرفها الشيوعيون و يعملون عليها بجد للخروج بالبلاد من المأزق الراهن . و ربما كانت هذه المكيدة السرية من التعقيد بحيث تتجاوز مقدرتنا على الفهم، و بالتالي فالقوم لا يرون ضرورة لإشراكنا في المناقشة، و في كلتا الحالتين قضيتنا بايظة.فما العمل؟

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شغل الآيديولوجيا المخففة و شغل الآيديولوجيا المفخخة !

مشاركة بواسطة حسن موسى »


6
شغل الآيديولوجيا المُخفـّفة وشغل الآيديولوجيا المفخـّخة


دا كلّه كون ـ والتصحيف مقصود ـ و موضوع حجوة امضبيبينة في سيرة الآيديولوجيا المخففة كوم تاني. ذلك أن عبارة " القشرولوجيا " تقرأ ،عند الكثيرين من معارضي آيديولوجيا اليسار الشيوعي، كترجمة متواطأ عليها لأدب ماركس. و في هذا المشهد صارت موضوعة" الأيديولوجيا المخفـَّفة" بمثابة السمسم السحري الذي سيفتح أمام الحزب مغاليق وعد الرواج الجماهيري الواسع الذي يحلم به الشيوعيون السودانيون.
ـ المناقشة الدائرة بشكل غير رسمي بين نفر من الشيوعيين عن فرص تحويل الحزب لما يسمى بـ " الحزب الجماهيري" المفتوح للجميع، بدلا من وضعية " الحزب الطليعي " الذي يصطفي عضويته بعد فحص آيديولوجي و يلزمها بجملة من الإلتزامات السياسية و الأخلاقية، هذه المناقشة هي الجزء الظاهر من جبل جليد الصراع الطبقي داخل الحزب الشيوعي، بين الماركسيين و طليعة البورجوازية اليمينية التي تحلم بتدجين الحزب الشيوعي بتجريده من سلاح الفكر المادي النقدي.و أنصار هذا الإتجاه يبنون حجتهم على أساس أن الحزب يمكن أن يصبح قوة عددية مؤثرة إذا نجح في إستثمار نفوذه الرمزي بين الديموقراطيين المتعاطفين مع سياساته و جذبهم للإنخراط في صفوفه بعد رفع العوائق " الآيديولوجية" التي قد تعترض إنخراطهم.و حساب "العوائق" واسع و متنوع لكنه يردنا في كل مرة إلى المطالبة بتخلي الحزب الشيوعي عن هويته الطبقية تحت شعار " تخفيف الحمولة الآيديولوجية". و هذه المطالبة تبدأ من مجرد "تغيير إسم الحزب " بمحو صفة " الشيوعي"، سيئة السمعة بين عيال المسلمين و بين هواة الليبرالية الجديدة الذين يكدّر عيشهم الحديث عن " صراع الطبقات " و عن " الدولة العلمانية "، لتنتهي عند لازمة " تخفيف الحمولة الآيديولوجية" بالتخلص من "الدوغمائية الماركسية و "الطهرانية الثورية" و غير ذلك من أمراض اليسارية.و دعاة " تخفيف الحمولة الآيديولوجية" ،وأغلبهم من الشيوعيين السابقين ، الذين يحلمون بحزب بدون آيديولوجيا على مزاعم بموت الأيديولوجيا أو على مزاعم بفسادها وعدم مناسبتها لواقع المجتمع السوداني ، وجدوا في أدب الخاتم عدلان ضالتهم و وافقهم الخاتم مثلما وافق شن طبقه. طبعا لا سبيل للإشاحة عن ملف الخاتم عدلان في خصوص " .. أوان التغيير" في هذا المشهد التاريخي البالغ التعقيد. لكني سأكتفي منه بصفته الأستهلالية كونه ابتدر اللعب على المكشوف و نطق بالصوت العالي عن مطالب كان كثير من الرفاق يتهامسون بها خفية.


و حين أتأمل في ما يجري باسم " الآيديولوجيا " ببصيرة الديموقراطي ، و قيل ببصيرة "الشيوعي غير النظامي " ، يدركني مزيج من الإشفاق و الحيرة و الحنق على الرفاق الذين صاروا يناضلون من أجل " تخفيف الحمولة الآيديولوجية " للحزب الشيوعي! حتى أضحت العبارة ، " تخفيف الحمولة الآيديلوجية " ، شعارا يلتئم عنده شمل نفر معتبر من اليساريين السابقين [ و السابقين الوشيكين ] الطامحين لتجريد حزب الشيوعيين السودانيين من أمضى اسلحته: سلاح الفكر المادي النقدي المستبصر في معطيات الواقع على هدي الميراث الماركسي. " هؤلاء الناس" الذين زهدوا في ميراث ماركس و تركوا حزب الشيوعيين السودانيين ، كانت أمامهم فرصة ابتدار حزب جديد بدون " حمولة آيديولوجية " ، و كفى الله المؤمنين شر القتال. لكنهم لم يفعلوا. بل أخذوا ـ كما يقول الصديق صدقي كبلوا ، في " موسم الهجرة إلى اليمين " ، يطالبون الشيوعيين السودانيين بطرح" الحمولة الآيديولوجية" بأسلوب يستغني بعصاب اليسارية المُزايِدة عن المحاججة العقلانية.و قد جسد الزميل السابق الخاتم عدلان أفضل نماذج "هؤلاء الناس" الذين يردفون الآيديولوجيا على بعير الماركسية فيلعنون الآيديولوجيا ويتأففون من أدب ماركس الذي يرونه تجسيدا شنيعا للآيديولوجيا ،و حجتهم أن الآيديولوجيا ماتت [ مع" نهاية التاريخ"] أو أنها صارت لا تناسب الواقع المعاصر، أو لأنها أصلا منفـٍّرة ،عسير هضمها على جماهير الكادحين بالذات في بلاد المسلمين إلخ. و هكذا نجد الخاتم عدلان، المثقف العارف الفيلسوف و الأيديولوجي القيادي الشيوعي ، "الواقع من السما سبعة مرات" ، لا يتحرّج من المطالبة باستبدال الحزب الشيوعي بمسخ سياسي غميس [ إقرأ " انتهازي"] سمّاه: " حزب عادي للإنسان العادي " كما لو كان في السودان شيء يمكن توصيفه بالعادية ، عجبي!
:" .. هذا المشروع سقط ونحن يجب أن نُفكر بطريقة جديدة وإنشاء حزب عادي للإنسان العادي، حزب يطلع بمهام النهضة الوطنية وتحقيق التنمية المتوازنة في البلاد والإستجابة لمطالب الناس، اليوم حزب غير مثقل بحمل أيديولوجي ثقيل مثل بناء الإشتراكيّة فالشيوعيّة. التي لا يمكن أن أتوجه بها إلى الناس في قريتي مثلاً للإيمان بها، أنا لم أكن أدعوا أهلي في قريتي للدخول الى الحزب الشيوعي لأنّ هذا يعني أشياءً ضخمة جداً لا أستطيع أن أناقشهم فيها دعك عن إقناعهم بها، لكن إذا كان الحزب خالياً من الأيدويولوجيا وموجهاً لخدمة الناس كما هم وفق احتياجاتهم الماثلة يمكن أن أدعوا كل الناس ويدخلوا زرافات ووحداناً في هذا الحزب، ليتحوّل الحزب إلى قوى جماهيرية كبرى كما كان يحلم عبد الخالق محجوب، لم تطبع هذه الورقة إلاّ بعد عام كامل بعد أن اضطررتهم الى ذلك وبعد أن وزعت منها عشرين نسخة خارج قنوات الحزب ووجهت الورقة بعداء شديد من القيادة والكوادر الأخرى. وتلك المنطلقات التي كنت أنادي بها ينادي بها الحزب الآن بعد أن غادر صفوفه مئات الناس يأساً من التغيير،.."
انظر بقية كلام الخاتم في الرابط
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=39225
عبد الله ،لا أريد ، هنا ، أن أكرر النقد الذي طرح في قراءات سديدات لبعض الديموقراطيين و الشيوعيين لأطروحات الخاتم عدلان و أكتفي منه بمآخذك النقدية [ في الرابط :
https://sudanile.com/2008-05-19-17-39-36 ... 57-59.html
] و أضيف عليها من مآخذ صدقي كبلو المنشورة في كتابه " موسم الهجرة إلى اليمين" و ذلك لحين عودة متأنية لتفاكير الخاتم . و تمحيص آراء الخاتم عدلان رغم أهميته إلا أنه، في هذا المقام على الأقل ، ليس في قمّة جدول أعمالي ، سيّما و الخاتم قد توصل لمغادرة حزب الشيوعيين و أسّس حزبا لحركة لتلك "القوى الحديثة" التي ألهمها عزّها الطبقي نفض طرفها من ميراث ماركس[ و هيهات !] و مداهنة" آيديولوجيا نهاية الآيديولوجيات" التي ترعاها آلة رأس المال المعولم.. و على كل حال، فمناقشة " أيديولوجيا نهاية الآيديولوجيات" مشروع مترامي الأطراف، يتجاوز حدود منازعة الخاتم عدلان مع الشيوعيين السودانيين ليغطي جملة من مجالات الفعل الإجتماعي ، من فلسفة علم الجمال لغاية علم الإقتصاد السياسي. و حين " أتشبّر" ـ أنا الفنان التشكيلي " صغير الجرم كبير الجرم .." ـ و أتطفـّل على مقام نقد إقتصاد السوق، فأنا أفعل ذلك على قناعة بكون نقد اقتصاد السوق صار "فرض عين" واجب على كل إنسان يعيش تحت طائلة رأس المال، و بالذات بعد سقوط نموذج الإقتصاد الليبرالي عقب أزمة النظام المصرفي العالمي 2008.و أنا أفعل هذا[ و "نحن نفعل هذا،أتعرفون لماذا؟" عمر براق ..] من موقع الفنان الموجود في عالم يلعب فيه اقتصاد السوق دورا مهما في التأثير على لا على الخيارات الجمالية للفنانين فحسب و إنما على الخيارات الوجودية لكافة المعنيين بالتغيير. هذا الوعي بضرورة تأسيس الموقف النقدي من آيديولوجيا السوق مغيّب أو مهمل عند نفر من أهل اليسار في السودان الذين يكشفون ، من وقت لآخر ، عن ميل عفوي للرضاء بقدر السوق على زعم أن "ليس هناك بديل آخر" لإقتصاد السوق. رحم الله رجلا قال : يا عمال العالم اتحدوا فلن تخسروا شيئا سوى أغلالكم.و في منطقة التطبيع و الرضاء بقدر السوق يتنافس المتنافسون في مداهنة سدنة رأس المال [ شوف رسالة أتحاد الكتاب السودانيين المخجلة لجورج دبليو بوش ].

[ و تخريمة على صدقي:
يا صدقي إنت الحاجة المسميها " الرأسمالية السودانية " دي شن نفرها؟! و ما هي مصلحتها في ما سميته بـالتحالف الطبقي العريض للقوى الوطنية الديموقراطية الذي سينفذ الثورة الوطنية الديموقراطية؟و هل هناك رأسمالية طيبة يمكن التحالف معها و رأسمالية شريرة يجب تجنبها ؟و ماهو موقع " الثورة الوطنية " من الإعراب تحت شروط التناقض بين العمل المحلي و رأس المال المعولم؟ و أنا بسألك لأسئلة دي لأنك وعدت ـ في " موسم الهجرة إلى اليمين " بالعودة بتفصيل لهذه القضية. و هي كما ترى اسئلة لها علاقة بالموقف من منازعة الأيديولوجيا في مشهد الحزب الشيوعي السوداني ]
ومطالبة عيال المسلمين للماركسيين السودانيين بتخفيف الحمولة الآيديولوجية للحزب تستمد مشروعيتها من خرافة "موت الآيديولوجيات" التي انطلقت، بين أيديولوجيي رأس المال ، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي و نهاية الحرب الباردة.و هي مناقشة تتجاهل بداهة " إنتاج الأيديولوجيات كشيئ طبيعي لا يمكن تجاهله ضمن واقع تقسيم العمل الاجتماعي الذي يصون التناقض بين العمل و رأس المال.فتحت شروط تقسيم العمل يملك الوعي أن يتصوّر أنه يمثل شيئا مغايرا لحال كونه وعي ناتج عن واقع الممارسة الإجتماعية. أي أن الوعي ينسلخ عن واقعه و يتلبّس واقعا متصوّرا".
Sylvain Auroux & Yvonne Weil , « Idéologie » in Dictionnaire des auteurs et des thèmes de la Philosophie, Hachette , 1991

و مشروع آيديولوجيي موت الآيديولوجيات يتلخـّص في مصادرة و محو الميراث النقدي الإجتماعي الذي راكمته التجارب الثورية للشعوب عبر القرون بذريعة ارتباطه بفكر آيديولوجي بائد عفى عليه الزمن و تجاوزته الأحداث ، ثم فتح صفحة جديدة لتعريف لائحة متفائلة للتدبير الإجتماعي الجديد.
داخل هذه الصفحة الجديدة السعيدة ينتحل المستبدون بالثروة و بالسلطة لأنفسهم حق القوامة على إدارة التناقض بين العمل و رأس المال ، و ذلك على أساس القوانين التي يعرّفونها هم. و على هذا الإنتحال يحتكرون المنابر الإعلامية و المؤسسات التعليمية و العلمية و يؤطرون المناقشة و يوجهونها بيد من حديد حسب مصالحهم.
و تحت شروط الهيمنة الطبقية الراهنة، يصبح حتى التساؤل البريئ حول مشروعية القوامة على تنفيذ اليوتوبيا الجديدة المعافاة من مرض الآيديولوجيا، يصبح أكبر تابو في سلّم المناقشات المحظورة على المستضعفين.

عبد الله، يا أحانا الذي في الآيديولوجيا ،
أنت تعرف أن كل هذا الجرد يندرج في كشف حساب الصراع الطبقي الآيديولوجي في المجتمع السوداني المعاصر، و سأعود لنبشه في مقامه و" الحساب ولد وبت معا " كما تعبر حكمة الأهالي. و قد استدعيته هنا كتوطئة للتأمل في وجه جديد من وجوه الصراع الآيديولوجي الراهن داخل حزب الشيوعيين السودانيين ، و كذريعة ألتمس بها بعضا من حكمتك في فرز خيوط الصراع الطبقي المستعر بين الشيوعيين السودانيين ، مما تبدّى لي في حديث نشره الشفيع خضر في الأسافير قبل فترة يشرح فيه كيف تتعارض الآيديولوجيا مع الواقع [ "عندما تصطدم الآيديولوجيا بالواقع"2 ــ 2 ].أنظر الرابط
https://alrakoba.net/articles-action-lis ... -id-11.htm

أثار اهتمامي في حديث الشفيع خضر قربه المنهجي من الطريقة التي كان الخاتم عدلان يتعامل بها مع موضوعة الآيديولوجيا.
و الشفيع خضر، كما لا يخفى عليك، طبيب بدرجة " أفندي شيوعي " نذر حياته للعناية بالحزب .و هو يقف اليوم كأحد قادة الرأي البارزين داخل حزب الشيوعيين السودانيين.و رأيه يستحق الإهتمام لأنه يستقطب بالضرورة تأييد أو تعاطف قطاع معتبر من الشيوعيين النظاميين.
كتب الشفيع خضر، معلقا على خيبة أمل بعض شباب الحركة الإسلامية في مآل المشروع الإسلامي لنظام الإنقاذ في السودان، كتب يشرح اسباب انحطاط "حلم المدينة الفاضلة " الإسلامية الذي جذب الشباب المسلم في البداية للتعاطف مع المشروع السياسي لنظام الإنقاذ :
"..و في الحقيقة ،فإن الآيديولوجيا، أية آيديولوجيا، قابلة للتحوّل إلى وعي جماعي ، أو مجتمعي ، إذا ما كانت وقائع الحال تساعدها على ذلك. لكن من الصعب ان تصمد الآيديولوجيا في اختبار التطبيق و الممارسة عندما تحكم، أو تصل حملتها إلى السلطة ، إذا لم تعد اكتشاف نفسها من داخل الممارسة، من داخل الواقع و متغيراته، لا من داخل الآيديولوجيا نفسها ".
ذكرني هذا الكلام بقولة مشهودة لمولانا " ريجيس دوبري"، المفكر الفرنسي [ في كتابه" نقد العقل السياسي" غاليمار 81] ، تلخص تعريف الآيديولوجيا بكفاءة عالية أترجمها كالآتي :
" صارت الآيديولوجيا هي الإسم العلمي للشيطان و باسمها يتخذ ابليس من فضاء السياسة مقره الرسمي " .."
Régis Debray,Critique de la Raison politique(1981)
و من يتأمل في مقال الشفيع خضر يلمس أن شيطان الآيديولوجيا يفسد عليه شغل الماركسية و يحشره في زمرة المطالبين بحزب شيوعي" لايت" أيديولوجيا! فالآيديولوجيا في حديث الشفيع أعلاه تمثل كجسم مستقل يقبل على اختبار الممارسة كما لو كان يملك خاصية الوقوف خارج واقع الممارسة. كما لو كانت هناك ممارسة منزّهة عن الآيديولوجيا.
يقول الشفيع خضر ". لكن من الصعب ان تصمد الآيديولوجيا في اختبار التطبيق و الممارسة عندما تحكم، أو تصل حملتها إلى السلطة ، إذا لم تعد اكتشاف نفسها من داخل الممارسة، من داخل الواقع و متغيراته، لا من داخل الآيديولوجيا نفسها ". و هكذا ففي حالة فشل الآيديولوجيا" في اختبار التطبيق و الممارسة.." فالشفيع خضر يرى أهل الآيديولوجيا كمنبتـّين " أمفكّو " في وضعية غريبة لا سبيل لتوصيفها إلا كـ "مرحلة إنعدام الآيديولوجيا " ! .
و حين يكتب الشفيع خضر:
" ..و كما يقولون فإن السلطة السياسية هي البوتقة التي تحترق فيها كل الآيديولوجيات و المطلقات و يوتوبيا الجنة المثالية " فهو يبني كلامه على أساس أن فشل تجربة نظام الإنقاذ في الحكم باسم الإسلام يمثل " حالة العجز في تحويل اليوتوبيا ".." إلى واقع". لا أظن أن الشفيع خضر يجهل أن اليوتوبيا ماهي إلاّ بعض تجليات الآيديولوجيا ، لأن الآيديولوجيا، في ميراث ماركس [ و في مواريث أخر]، هي كل مركّب من المفاهيم و التمثلات التي تشكّل مفهوما لحقيقة العالم في الخاطر الفردي و الجمعي .على أساس هذا المفهوم يتخذ الفرد ، كما تتخذ الجماعة ،المواقف التي ترى أنها تتوافق مع مصالحها المادية و الرمزية.و ضمن هذا المنظور فالآيديولوجيا، داخل المجتمع الطبقي، هي وعي بالوجود ضرورته مستمدة من أسباب البقاء التي تستشعرها الطبقة ضمن شروط صراع المصالح الإجتماعية. و على كل حال فهاهو نظام الإنقاذ ما زال يحكم " باسم الإسلام " بينما هذا الشيئ الذي يسمّى بـ " الآيديولوجيات " ما زال يتلظـّى [ زي كباب السيخ ] و الجمل ماشي و ما سائل في زول!
الشفيع يتجاهل تعريف الآيديولوجيا كـ " مفهوم للعالم "، كأنثروبولوجيا ، و يستعيض عنه بتعريف الآيديولوجيا المعاجمي البسيط الذي يشرح أصل المصطلح الإغريقي :" إيدي : فكرة " و "لوغوس: علم "، الذي اجترح عليه فلاسفة القرن الثامن عشر " الآيديولوجيون" [ أنطوان دوتراسي و كوندياك ] مصطلح الآيديولوجيا كعلم دراسة الأفكار في ذاتها ، و ذلك في محاولة منهم لتجاوز التبعات الرمزية لمصطلح " الميتافيزيقيا" التقليدية. و حين يكتب الشفيع خضر:
" لقد أشار معظم الفلاسفة و المفكرين ، على امتداد القرنين الماضيين ، إلى الآيديولوجيا باعتبارها علم الأفكار " فهو يستبيح التركيب الأنثروبولوجي للمصطلح بطريقة تضمن له تبسيط المناقشة في مستوى التعارض البدائي بين الفكرة و الواقع المادي.
و من يحسن الظن بنوايا الشفيع يميل لتصحيح العبارة باستبدال مفهوم " الآيديولوجيا " بـمفهوم " النظرية " التي تصمد ، أو لا تصمد ، "في اختبار التطبيق و الممارسة ". لكن هذا التصويب لعبارة الشفيع خضر لا يعفينا من التساؤل : ما الذي أدّى بالشفيع خضر ، و هو الكاتب المثقف و المفكر السياسي الذي تربى على الادب الماركسي ، للوقوع في مثل هذا اللبس الغليظ الذي يطابق بين الكل المفهومي في الآيديولوجيا و الجزء الأداتي في النظرية ؟ هل هي رغبة سرية في رجم النظرية [ الماركسية] بتجريمها كآيديولوجيا شيطانية ؟ أم هو اعتقاد مبدئي أصيل في دخيلة الشفيع خضر بلا جدوى النظريات و الأفكار في مواجهة الواقع، و ذلك على زعم منسوب لهيغل بأن " الفكرة تنحط عندما تتحوّل إلى واقع ". هذا الإرتياب المبدئي في قدرة النظرية على معانقة الواقع يفتح الباب للتخلص من الضوابط و الموجهات النظرية التي يلتئم على أساسها جمع الرجال و النساء المنظمين على برنامج نظري مشترك للعمل العام، ويهيئ الأرض لهيمنة ثقافة التدبير البراغماتي [ براغماتي بتاع شنو يا زول؟ أقرأ :" ثقافة التدبير الإنتهازي" و سجن سجن غرامة غرامة! ].
لقد بدأ نقد الشفيع خضر لموضوعة الآيديولوجيا من عرضحال سريع لإنحطاط نظرية "المشروع الحضاري " الأسلامي التي أطّر بها الناشطون الإسلاميون حركتهم السياسية و استفرادهم بالسلطة في السودان، ثم انتهي بتعميم نقده لآيديولوجيا الإسلاميين على التجربة الإشتراكية في قفزة بهلوانية محيرة يخلص منها لعدم موائمة "الآيديولوجيا الإشتراكية" مع الواقع. هنا يكتب الشفيع خضر:
".. و حتى لا نتهم بالإزدواجية أو الإنتقائية أو غير العلمية ، نقول ، في سياق مختلف ، أن فكرة الإشتراكية نجحت في أن تلهم ثورات الشعوب و حركات التحرر الوطني ، و تزويدها بمعنى عميق لنضالاتها و تضحياتها ، بل ظلت الإشتراكية محركا أساسيا لتاريخ البشرية الراهن. لكن تحوّل الآيديولوجيا الإشتراكية إلى واقع مجسد في المعسكر الإشتراكي ، أفضى بالممارسة إلى صورة مغايرة تماما، و أدخل الفكرة في باب الإنحطاط المروّع ، ممثلا في الدولة الشمولية الديكتاتورية التي انفض الناس من حولها فانهارت، دون أن يعني ذلك انهيار الفكرة.و هذا موضوع آخر يمكن أن نتناوله في مجال آخر. لكن ما نود أن نقوله هنا أن الآيديولوجيا، أية آيديولوجيا،تمثل على الدوام شكلا من أشكال التمثـّل المثالي للواقع .و هي كما كتب و عبّر أكثر من مفكر و فيلسوف ، ستظل دائما بعيدة عن أن تترجم نفسها حرفيا في تجربة سياسية متحققة. إن المسافة بين السياسة و الآيديولوجيا تظل، دائما شاسعة، و يمثل جموحها تعبيرا عن حاجة طبيعية من حاجات بناء الشرعية.و هي، لذلك السبب، تزدهر في الطور الدعوي التعبوي التحريضي و تشحب و يصفر لونها في طور الممارسة العملية." و هكذا تنحط الآيديولوجيا من مقام " النظرية " لمقام" البروباغاندا" التحريضية التي تشحب و يصفر لونها فلا يُرجى منها حتى مريسة تامزينها!.
المقارنة التي يقيمها الشفيع خضر بين فشل تجربة الأسلاميين في السودان و فشل التجربة الإشتراكية ، و التي تضمر أن التجربتين تعانيان من نفس داء الفشل الآيديولوجي، هذه المقارنة مجحفة في حق المناقشة أولا مثلما هي مجحفة في حق كل تجربة، و ذلك لأنها تنطوي على خطل منهجي غير متوقع من طرف قيادي تربي على عادات التدبير الفكري الماركسي، فالشفيع هنا يضرب عرض الحائط بمجمل الظروف التاريخية و السياسية التي خلّقت كل تجربة. و عجلة الشفيع الظاهرة لدفن التجربة الإشتراكية مع التجربة الإسلامية في حفرة الآيديولوجيا المشتركة تثير أكثر من سؤال حول ما حفزه على كتابة هذا المقال؟ هي هي مجرد الرغبة في مواساة " القطاعات الواسعة في قاعدة الحركة الإسلامية " عن الإحباط الذي أدركها بانحطاط " حلم المدينة الفاضلة " الذي كان في صلب " المشروع الحضاري" الإسلامي؟ أم هي محاولة للتملـّص من تاريخ الحركة التقدمية المستهدية بفكر ماركس من وراء ساتر نقد الآيديولوجيا؟ أم هو خطاب موجّه للجماعة الطيبين في الحزب الذين يتوسم فيهم الشفيع تضامنا على استئصال ميراث ماركس من حزب الشيوعيين السودانيين و الإسترخاء على مرتبة ذلك " الحزب العادي للإنسان العادي " الذي كان يحلم به الخاتم عدلان؟ مندري؟!
عبد الله، يا أخانا الذي في سماوات الحوار الأسافيري..
كما ترى فمنازعة الآيديولوجيا لن تنتهي عند حديث الشفيع أعلاه، و لا بد أن الديموقراطيين و الشيوعيين داخل [ و خارج ] الحزب سيضطرون للخوض في تفاصيلها بطريقة أو بأخرى، آجلا أم عاجلا .ولو كان لنا من عزاء في هذا الأمر الغميس[ و هيهات ] فهو في الأدب الذي سيرفد نهر التفاكير اليسارية السودانية بشيء الوعي النقدي الضروري لأي نهضة حضارية.. أقول الحزب الشيوعي مهم في المشهد السياسي السوداني ، و قيل في المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط و إفريقيا ، لا لأنه " أقوى حزب شيوعي في المنطقة " كما يشاع، فالمنطقة لا تعرف الأحزاب الشيوعية، أما لأنها لم تقم أصلا أو لأنها قبلت التذويب في المؤسسات السياسية المستبدة لأنظمة الطبقة الوسطى،و لكن الحزب الشيوعي السوداني مهم لأنه حزب متمسك بالفكر المادي، نسخة ماركس رضي الله عنه، و هذه الخصوصية الآيديولوجية تمكنه من أن يطرح ذاته نموذجا أصيلا لمناهج العمل السياسي المؤسسي الذي يستشرف آفاق الحرية و الديموقراطية على وعي نقدي بطبيعة الواقع السياسي المحلي و العولمي.

أقول قولي هذا و استغفر الله لنا جميعا و الحمد لله على كل شيئ و كدا..

نص الشفيع عن الآيديولوجيا في موقع الراكوبة
على الرابط
https://alrakoba.net/articles-action-lis ... -id-11.htm

سأعود
أضف رد جديد