الأديب صلاح حسن أحمد ، ولعنة المهاجِر .

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

الأديب صلاح حسن أحمد ، ولعنة المهاجِر .

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

الأديب صلاح حسن أحمد ، ولعنة المهاجِر .

لكَم هذه الدنيا فارعة الغصون . من بين أوراق أفرعها تُطِلُ الشمس فَرِحة في رابعة النهار ، أو حين غدوّها عجُولة تأبى أن تستأنِس معنا الليل لبعثرة أشجانِه . بين هذا وذاك ، نَحرتنا المنافي . أمسكتْ بخياراتنا الصعبة تُشكِلها لدائن كانت بيضاء ناصِعة . نَقعتها الدنيا في زمانها الذي يُقطِّر حُموضة فاصفرَّت الأحلام مكتئبة من حُزن ، ولم تتبدى علينا ثمرات العُمر بمفاتنها لنقطُفها فرِحين مُستبشِرين .
أصدق أبيات شِعرٍ تصف ما نحن فيه هو قول أبو المغيث الحُسين بن منصور الحلاج :

إلى كَمْ أنتَ في بَحـــــرِ الخَطَايا .. تُبارِزُ مَنْ يَراكَ ولا تَراهُ
وَ سَمْـتُكَ سَمتُ ذي وَرَعٍ وَ دينٍ .. وَ فِعلُكَ فِعْلُ مُتَّبعٍ هَــواهُ
قال أخي السفير جمال عندما سألته :

ـ لمحت ( صلاح ) ذات صدفة في معرضٍ بعاصمة الضباب ، وعندما خفَّ الضجيج سألت عنه ، فعلمتُ أنه غادر مُبكراً ، ولم أره ثانية طوال مدة إقامتي هناك !.

حبيب مفقود من زمن العُمر الجميل :

أي عالم يا ( صلاح ) أرجفتكَ حُمَّاهُ يا مُسامِراً طيفي منذ ريعان الصِبا الباكر ؟. وجدتَ أنتَ الدثار حتى استحلبَ جسدك حبات العَرق، فغَسَلت الأملاح والخطايا وسَكن ضجيجكَ القديم المُخضب بالإبداع .

بعيداً عن (لندن ) هربت أنتَ إلى الريف المُجاوِر ! .
تتبعت الأقاصيص عنك من روائيين اختلطت أوصافك بدواخلهم ككأس نبيذ مُعتَق ..اندلق عليه كوب ماء . أفسده أو خفف وطأته ، فكُنتَ تارة جليساً تُبادِل الوِحدة الهمس ، في رُدهة تحتسي القهوة بإمتاع . تحوم لولبيات دخان التبغ من حول رأسك الأشيَّب ، في نزهة فِكرية تُجمِّع حبات مسبحة العُمر ، و تُنظمها بخيوط العنكبوت ، أو تارة تقرأ وبين يديك سِفر ثقيل الوزن على الكف و الأصابع .

ألم تزل اللُغات الثلاث يستمتِعنَّ بوجودك معهنَّ مُنفلتاً عن المألوف ؟ :

الفرنسية والعربية والإنجليزية يطلُبن أن تمرح بينهنَّ . تضع في جيب سُترة إحداهُن ورد المُناسبات السعيدة ، أو دبوساً مُذهب الطلاء للأخرى ، أو ورق سلوفان تلُف به النص لتحمله من العمل إلى المسكن للترجمة .

فقدنا إطلالتك البهية سيدي ، فعند مرآك تأتلِف السدوم في الآفاق، وتفعل الأكوان العاطفية فِعلها . لم أعهد قسوة للدنيا تَجرِّح الماس كسكين تُقطِّع الخُبز الرخو بلا صراخ .
تلصصت الخبر عنك :
يقولون حاذق أنتَ في بيت الترجمة بصحيفة ، صفحاتها تُجرِّب المهنة المُهاجِرة بإتقان . لا غرو فخبرتك متلألئة منذ أن كنت مُحرراً بمجلة (سودا نَّاو) الإنجليزية في سودان السبعينات من القرن الذي أفلّ .

ألم تزل عذباً في تخيُرك فاكهة المعاني ، وطعوم الدسم المحشو بالرأي المُخالِف ؟

فقدنا البشاشة المِمراحة ، حين تُمسِك أنتَ أكتافنا بمحبة . تعزق مشاعرنا وتستنبت أنضر الغِلال منها و نشهد نحنُ أجمل مرايا الحقول حين تراها الأعين :

نسيمها العليل يُنعِشك و تُصافح خديكَ الرعشة . تتكسر الألوان زاهية عندما ينحسِر غطاء الشمس عنها ، وما عُمر المرء منا إلا طرفة عين أمام التاريخ . فمن تلك البرهة المُتسعة نرغب أن نلقاك مرة أخرى ، قبل أن نعبُر إلى الضفاف التي لا رجعة بعدها إلى النهر .

أتذكر الشاعر الذي تحدث عن فُسحة الأملِ ؟

أتراه كان يُخاطِرنا منذ زمانه القديم حتى أدركتنا معانيه ، و تَصيدتنا شِراكه ؟
لقد ابتلَّت كل المفارش التي كُنا نحسبُها مراقد دافئةً ، ولن ننام اليوم قبل جفافها . هاجمتني الخواطر ، وعصفت بي ريحٌ لن يستجمِع المرء نفسه من غلوائها .

يقولون أثمرت الدنيا كعادتها مِنك ومن شريكة العُمر في المهاجر طفلةً ..ثم صعدت الصغيرة الدرجات وثباً . ربما هي الآن في عمر الطلاقة والخيارات . نسيج هي ضمن الجيل الأول للأشواق المهاجرة . عُمرها بعُمر الزمان الذي فرَّقتنا مشاربه. أهو المَشيب في موضع الندى أم هو المصير المحتوم عندما تخضرّ الأوراق من جهة و تصفرَّ من الأخرى و تهوي الميتة إلى التُراب ؟.

لن تَصدُق الأقوال عليك ، فالسيف كما قال الشاعر القديم أصدق أنباءً من الكتُب. أين أنا إذن من ذلك المُهند كريم الصناعة ، لأرى انعكاس الوهج من بريقه وأنظر وجهكَ النضر مرة أخرى ، وأفزع للِقياك .

تلك أمنية رحيمة تأتي عند انعطاف العُمر . تركب مِنطاداً بين سماء الوعود ، بروقها تُسابِق الرعود ، وأرض تفترِش الانتظار .

عبد الله الشقليني
1/12/2005 م
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الجمعة ديسمبر 02, 2005 5:19 pm، تم التعديل مرة واحدة.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

بيكاسو؟
وينك يا زول؟
أنا عارفك بتكتب وين، لكن ما عندي وقت.
مشتاق ليك إنت واخوك.
عندي إيميلات كدي غويطة مع عبدالوهاب الصاوي، سعادة السفير الاخر.
يا زول شوف صلاح دا قالوا بطٌل بشد الطاء.
وبعدين ما خاصيهوا يكتب فيه الشقليني ولا يتشقلب فيه الكاتب.
وبرنامجو......سيبك من برنامجو.
هسع كتابتك السمحة دي مش بتحنن قلب الكافر؟
أقول ليك إقتراح إنت أعمل سيرش للبوست الأصلي في سودانيات
وأنا اخد منو مداخلة وأوسعها بطريقة تضطراهو إنو يتداخل ولو ب إسمايلى
شنو رأيك؟
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عزيزنا دكتور مدثر
محبة لك عبر السماوات

غرفتك في القلب فيها كل ما تشتهي الأنفُس ،
وأنت تأتيها في خاطري كل يومين أو هكذا نحصي
التـذّكـر . لقد فقدت الصلة بهذا المنتدى الفاره ، منذ السرقة المشهودة
وضاع مني الخيط . وصدفة... علمت وهاأنذا أدخل :

تذكرت الغائب صلاح أمس صدفة ، وأنا ( أخربِش ) في نغم صاغه
في 75 ، وحاصرتني مشاعر مختلطة وكتبت .

هذا هو ما تركنا من أثر منذ مسوّدتنا الأولى
حول الغاطس في قاع البحر ، حيث السفن الغارقة
وكنوز الزمن الغابر ، ثم نام نومة أهل الكهف .

هذا هو اللنك علنا نستدرج محبتك له ، فتصله
ويلين القلب من بعد جفوة

بيكاسو
عبدالله الشقليني

https://sudaniyat.net/Archive/viewtopic.php?t=757
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الجمعة ديسمبر 02, 2005 11:04 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


بيكاسو
كيف حالك يا صديق؟

هذا لحن يهب علينا من وقتٍ لوقت، كنسيم. يرن في الأذن صداه. أوتار صلاح، وصوت بيكاسو الشجي، وكلمات الراحل محسي. لحنٌ أغنيه أحياناً. وأسمع بولا يعزف نغماته على أوتار عوده في أحيان أخرى. فلنسمه لحن الصحاب.
صلاح ود سكينة يكتب. وله عمل آتٍ ليحتل مكانه في مكتباتنا. وفي المكتبات. وليعذرني صلاح إن أفسدت كلماتي بعضاً من عنصر المفاجأة. ولكني أردت أن أبسط جسراً بين صديقين.

سلام لك ولصلاح. لبنتيك وإبنته دينا.

ولي عودة
نجاة

صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



مصطفى مدثر
سلام

أها في انتظار كتابتك التي ستجرجر صلاح ود سكينة.
نجاة
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

يا فرحتي الكُبرى

أي عقد ثمين أرهن حياتي نظير أن أرى حباته الإنسانية :
بولا
نجاة
مدثر

يحق لي أن أسرق من شِعر حسين عثمان منصور ،
ومن أجراس المعبد : ( يا فرحتي الكُبرى )
حين قال :
دقت الأجراس في معبد الحب ونادت نادت الأفراح
ورقصت خمرة العُشاق في الكأس وراحت تسكر الأرواح
غني يا فرحتي الكُبرى وغَني ولتُغني في الليالي حبّنا
هللي يا ضحكتي السكرى ومنّي ولتمنِّي حُب قلبي والمُنا
وأنتِ

هذه السماء أمطرت من موائدها السِحرية من جديد
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

حقيقى أرمي من وراء هذه الكتابة أستدعاء قلم أو كاميرا أو موسيقى صلاح
حسن. وأنا عندما قلت إنه: بطٌل، تبادر إلى ذهني السؤال: بطٌل شنو؟
فهو شخص متعدد الإهتمامات وفي شغف عجيب. طبعا هذا كان في السبعينيات.
النص أدناه كتبته على عجل كمداخلة وقلت لو صلاح إستجاب يمكن أن أواصل
في إيراد أجزاء أخرى من نفس تلك التجربة التي يتناولها النص ليس فقط من
باب التذكر ولكن من باب توثيق جزء من تجارب المبدعين السودانين.
------------------------
هتك عذرية المسافة بين سنارة و قطعة فلين قلقة!

( في الكتابة عن صلاح حسن أحمد )

أهداء خاص للصديقين عبدالله بيكاسو و جمال محمد ابراهيم

ثمة تحوّل افتراضي في حياة صلاح حسن أحمد الأبداعية ولكنني بعيد عن
أن أسحب مزلاج باب أوصدته الريح،...نفس تلك الريح التي استنجد محجوب
شريف بحبيبته منها حين هتف: يا صبية الريح ورايا... أو لعلها تلك الريح
التي أبعرتنا شتات!
وعلينا أن ننتظر!
أن نتعلم أبجديات فن صيد السمك أو... ( كيف تهتك عذرية المسافة بين سنارة
وقطعة فلين قلقة!!)

*
قاد السيارة بذهنية مختبئة بين حيرتي وانعطاب مزاجه ولكننا وصلناها ووقفنا
بين فخذيها تلك الشجرة. تماما كما أراد.
كنت مرتديا عراقي أسملاني متسخ قطعه لي من رأسه.
أشرع الكاميرا بينما أنا، متلصصا بين أحجار شواهد القبور في مصنعها ذاك
الذي يطل بلا أبواب على خيبة الحصا والعشب عند حافة خور أبو عنجة
الغائب، أمني النفس أن لا يراني أهلى المورداب بين أفخاذ مجازية، ربما أكثر
من خشيتي أن يرونني بين أفخاذ أمرأة حقيقية!!
كانت الفكرة التي ينفذها صلاح هي أن "بطل" تلك السينماتوجرافيا الساكنة، يرى
في أحدى فانتازياته المعربدة فرعيّ شجرة كأنهما، فى إنفلاتهما صوب
مجرى الخور، فخذا أمرأة! وعلى ذلك يترتب تصاعد النشوة نحو إرتعاش
لم يتم. وأرجو تصديق هذه الجزئية من العمل، ذلك لأن الفيلم-اللقطات-
المتتابعة-العازم-عليه-صلاح، كان ساكنا...أم كان علىّ أن أقول: ليته!!)
قبل هذا الأفتضاح الفوتوغرافي عنّفني الشاعر كمال الجزولى أن قلت لصلاح
وهو يمرمط قميصا بالأرض ليكسبه رثاثة لائقة: ما هذا الأفتعال ياصلاح؟
أضطر كمال أن يشرح لى أن الفيلم-العازم-عليه-صلاح مهم لأنه ضمن حقيبته
التي يرغب القائمون بأمر معهد السينما فى الإطلاع على محتوياتها قبل أن
يعطوه جدول الحصص وكل ذلك الجاز!
يا للجحيم!
هل كنت سأفسد على صلاح بعضا من رزيوميهresume صوب سينما!
حاشاي!
لكن الجحيم كان مشوار السرعة الغاضبة داخل علبة الضفدع العابث، تلك الفلوكساوجن
البرتقالية وعينيه المكحلتين بغموض نيلى وشعره الخلاسي ذي اللمعة الكستنائية
تلك التي يشتاق المرء أن يرى إن كان سرطان الرماد العمري قد أحاق بها!
لا أعرف مصير تلك اللقطات الصامتة و ذلك السيناريو المغرق في معادلة اللحظة
النفسية بالصورة و الذاهب في سيرورة المتعة البصرية في انجرافها نحو شهقة!
تماما كما لا أعرف لماذا اختارني صلاح نقيض بطل anti-hero لذلك الحراك
المعبأ في أسود وأبيض، لكنني أحتجت عرقا أقل في تلك الأيام وإن أحتسيت أكثر!

مصطفى مدثر
أتاوا ليل 020904
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عزيزنا مصطفي
لك مني كأس طريق يمُدك دفئاً
وأنت تبعثر أوراق الماضي النضر ،
وأنتَ شريك في صُنعه

يقولون الرحيل هو الداء والدواء !
يقولون الرحيل مما حولك يُوسِّع المدارك . فعندما تضيق رحابة العيش يضطر المرء أن يركب ما يتيسر من السُبل ويغادر وطنه . ربما كان بالون دُنيا الوطن قد وصل منتهاه قبل أن يتفجر ، أو ربما هي مدية شفراتها المُسننة ترغب النحر دوماً ، والوطن على اتساعه لا يملُك الزاد ! .
ربما يحكي لنا صلاح تجربته في ( البي بي سي ) . كيف ثقُلت عليه الهموم ،وكيف تكشف الوجه الكالِح لرؤى بعينها تُسير ماكينة الإعلام هناك ، بل وفي كل الدُنيا . الاستثناء هو غير ما نرى .
حدثني دكتور عزالدين هلالي ( المسرحي ) أن صلاح رغب أن يلتحِق بالمسرح وكان رفيقاً له عند التقديم ،لكن شيء ما أحزنه ، و رحل بعد ذلك لجامعة الخرطوم . ربما كانت محبته المسرح بروحها المُنطلقة أفضل لها أن تكون خارج ملفات المأذون ! .
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

كأس طريق يا بيكاسو؟
إنت عايزهم يسحبوا رخصتي؟
الليلة السبت يا زول.
في إنتظار صلاح حسن، أو واحد من أصحابه
لك الود
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

الرائعة دوماً
الأستاذة نجاة

تحية وود وتقدير
وأنتِ دوماً تُجملين صورتنا على أضواء كاشفة .
ثم تذكرت حبيبنا بولا :

لقد أخذنا سوياً درساً قاسياً يوم أحيينا حفلاً خيرياً
ساهراً في المدينة عرب في 1975 م
وذلك دعماً لبناء فصل لمدرسة بنات ،
وكنتُ أحد أصحاب الخُرتايات ( بالتجنُس )
تصوري أحيينا الحفل ( أنا وبولا وهاشم )
ومن يومها نزرنا أنفُسنا أن نتعلم العزف على العود .
فهي آلة ودودة ، صديقة ، تُفرِّغ أرياح الكآبة عندما تعصُف .
ربما كتبت عن تلك الذكريات لما لها من بريق ، وصاحب القدح المُعلّى

هو الإنسان الرائع دوماً .........بولا .
أمنيتي أن يكون دوماً بخير ،
وأن يكون قد أصبح نباتياً ،
فأعرف أن نفسه الشفيفة ستنقبِض
من الذبائح أياً كانت.

عفواً دلفت من العام إلى الخاص
دون سابق إنـزار

ودمتم في الخير جميعاً
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



العزيز بيكاسو،

كلماتك

لقد أخذنا سوياً درساً قاسياً يوم أحيينا حفلاً خيرياً
ساهراً في المدينة عرب في 1975 م
وذلك دعماً لبناء فصل لمدرسة بنات ،
وكنتُ أحد أصحاب الخُرتايات ( بالتجنُس )
تصوري أحيينا الحفل ( أنا وبولا وهاشم )
ومن يومها نزرنا أنفُسنا أن نتعلم العزف على العود.


ذكرتني بموضوعك الذي قرأته في العام الماضي بصفحة المقالات بسودانيز أون لاين، تروي فيه حكاية هذا الحفل الذي أحييتموه بمدينة المدينة عرب دعماً لبناء فصل بمدرسة البنات.
بدأ نصك عن هذا "النفير" لبناء فصل دراسي بمدرسة للبنات المدينة عرب، في عام 1975 بهذه الكلمات:

أهلاً بك أيها النهر القديم. الأنجم تتلألأ في صفحة مائك، والضوء يتكسّر. المساء عندك أهدأ، والفجر يتلصص عليك، وأنت لا تنام. تغسل أرواحنا حين نمّد أكفنا نشرب من اللجين. أفتح الآن معي بوابة الذاكرة:
هناك على المسرح :ـ
تلميذات المدرسة :ـ
أهذا أنت بُساط الريح ؟ . أقدمت أنت من الأحلام ؟


ثم واصلت:

الأقصوصة :ـ
من المدينة عرب ، استنجد أحد المعلمين من هناك ، وطلب العون لنفير يبني فصلا دراسياً لمدرسة بنات . تشترك فيه معظم تلميذات المدرسة ، في نشاط مدرسي خيري يغري بالمساهمة التي تحفظ الكرامة. حفل غنائي وليلة ساهرة بالمشاركة مع فرقة فنية قادمة من العاصمة ! .
عبد الله بولا من بربر ، وهاشم محمد محمد صالح من بورتسودان ، وعبد الله بيكاسو من أمدرمان ، اجتمعوا رغم التباين في سنوات العُمر ودروب المهن (معلم و طالب سابق في كلية الفنون وطالب جامعي ). لا شيء يربطهم بالمدينة عرب، بلغة الانتماء ضيقة الأفق، من جنس أو عرق أو طائفة أو حزب، أو النعوت التي تميز الآخرين، مما يصطلح عليه الآن بديناميت الفرقة والشتات ( العرق والدين واللغة والطائفة)
جلسنا سوياً ذات مساء ، وفاجأنا عبد الله بولا :
ـ بصراحة سوف نشترك جميعاً في ذلك العمل الخيري. وسوف نقدم نحن "النمرة" الغنائية. وتحدد الزمان وهو الخميس .
ـ ماذا ؟
ـ أنا وأنت وهاشم نكوّن من أنفسنا فرقة غنائية.
ـ نعم... نعم!، ( الثلاثي المرِح !).
ـ بالمناسبة أنا جاد في كلامي. أنا ضد الميكافيلية، ولكنني في هذا الأمر أرى أنه استثناء. الغاية أن نجمع مالاً لبناء الفصل. والوسيلة أن نجتهد لينجح العمل مهما كان ضعفه الفني. الحالة الاجتماعية هناك تسمح بالنجاح، إذ لا توجد منافسة!
ـ و الغناي؟
ـ إنتَ طبعاً... ونحن حنساعدك. أنا عازف طبل ممتاز وهاشم عازف عود يحتاج لبعض التمرين ولا شيء غير ذلك. غدا نركب الزلط للحصاحيصا ومن هناك يقابلنا صديق معرفة من جماعتنا ناس الفنون ، متفق معانا يا خدنا للمدينة عرب و حنصل العصُر. البروفات قبل الساعة سبعة مساء، الفواصل النهائية من الحفل لنا، حتى نستعد. إنت تحفظ البتقدر عليهو ومع البروفة الأمور بتمشي. الموضوع بالمناسبة أبسط مما تتصور.
ـ طيب وين النفير في الموضوع دة ؟
ـ تذكرة دخول الحفل خمسة قروش .
ـ بصِحَك يا بولا !
ـ ليه لا ؟ جننتونا بالوطنية، أهو دة المحك. أجمل إبداع عملوهو أهلنا (النفير). التلميذات ديل لازم يَقرَن ، ونحن ما عندنا قروش نتبرع. أنا ( الفيني مكفيني) ، لكن عندي البوصلنا الحصاحيصا. أنا عرفت أنهم مجهزين لينا (عود) ، وحانبيت هناك ونرجع الصباح. مواصلات الرجعة على ناس المدينة عرب.
ـ إنت ما تغني معانا يا بولا، ما رأيك ؟
ـ إنت داير الناس تسُكنا بالعكاكيز !
ـ قالوا زمان صوتك كان جميل و رهيب.
ـ دة التقليد من زمان بوظ صوتنا، عموماً الموضوع جاد. يا تبقوا يهمكم الإنسان البسيط و تعليمو أو تبقوا كارثة على بلدكم، وما تستحقوا أي تعليم إندفع ليكم تمنو، زيكم وزي الكلاب السعرانة الحايمة في الشوارع دي.
السفر على بساط الريح :
ثلاثتنا على سرج سابحٍ في الريح . السماء غطاؤنا ، والطريق يطول إلى الأفق . من يغني للطفولة؟ ومن يحكي لمجلسها الحكاوي، حتى تنام على أكتاف المحبة غصناً صغيراً أخضرا ؟ ركبنا بُساط الريح، قلنا للبراءة لا تبكي. اليوم نفرش الرمل بأيدينا، ونكتب الأبجدية الأولى :ـ
( النون) للنرجس الفواح .
(السين) للسماء التي تمطر للنماء.
( الباء ) لبسمة المحبة، أرفدت الجذور و ناطحت السماء.
هبطنا المدينة عرب:
الحفظ والتمرين كان عسيرا. دوزنة آلة العود كانت العُقدة التي لم نجد لها حلا، فقد تطفلنا على فن الغناء أيما تطفل، وتلك هي الحقيقة الصارخة. لا شيء يربطنا به سوى أننا نحبه مثل الجميع. و نحن نعلم أن المحبة وحدها لن تصنع فناً يُقدم للآخرين. تجربتنا محدودة ضمن بعض الأصدقاء، لن يتعدى عددهم أصابع اليد، فكيف الحال أمام الجمهرة، بل الجماهير، إنها ورطة! و سوف نصبح فاكهة المساء لأهل القرية، أو ربما كارثة المساء !. هل حقاً الغاية تبرر الوسيلة؟! طرأت فكرة، وبدأنا إنجازها دون تفكير. بعد أن علمنا أن القرية عن بكرة أبيها تنتظر البعثة الفنية، التي هي (ثلاثتنا)! ، فمن شدة التوتر انقلب الخوف إلى ضده وأصبح إقداماً جسوراً في اللحظة الحاسمة. فقد قمنا بتدريب ثلاثة من تلميذات المدرسة ليقمن بدور كورال للفرقة الغنائية ونحن نسابق الزمن، لنستعيض بهن عن الأوركسترا، وأشتركن معنا في العمل.
وسط التصفيق والصفير، وجدية عازف الطبل (عبد الله بولا)، بدأنا نطمئن. للإيقاع سحره، فهو يلهب إحساس الجمهور، ويخفي المستور. جاء عزف هاشم من بعد، واكتمل المطلوب ونجحنا. أنجزت المهمة، شكلاً وموضوعاً. غشت الجميع موجة من هستيريا الفرح. وحق للقرية أن تفرح فقد انبعثت السعادة من دواخل أهلها، فالنفير جزء متأصل من سلوك أهل القرى. التلميذات وقد أبدعن، وكل هؤلاء صنعوا النجاح ، وما كان بيدنا شيء سوى عصا قائد الأوركسترا لينجح النفير.
أقمنا حفلاً صغيراً قبل النوم احتفاء بالنجاح، وتحلّق حولنا لفيف من الأصدقاء والرفاق والإخوة من المدينة عرب. التطريب بمشاركة الجميع، نسيج من الأصوات، بلحمة تلامس شغاف القلوب. في الصباح غادرنا القرية في هدوء بعد أن تلفحنا بحقائب الكتِف. بعض الأطفال يلوحون لنا بأيديهم في وداعنا، وكان ذلك هو الثمن ، وما أغلاه من ثمن، وما أروعه من مشهد. رغم بساطته حمل الوفاء بلا زيف.
هذه هي البوابة العتيقة، الزمن وقد خفف من بريق نقشها. اطرق معي وانتظر، ترى بيوتاً عامرة بالمحبة، فلنعُد أدراجنا نلثم عطرها. أين أنت أيها الماضي؟ من يغطس في حوضك يخرج مُشرقاً، إلا أن الحاضر قد سدّ علينا كل منافذ الرجوع.

عبد الله الشقليني
27/05/2004



http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1086540872&rn=1
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



في ذلك اليوم ضحكنا كثيراً حينما حكى لي بولا كيف أن الحفل كان ناجحاً على الرغم من خروج هاشم من الزمن كم مرة. ولعله الآن يقرأ هذه "القطيعة".
نجاة

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عزيزتنا نجاة

ياه .. لقد نسيت
كنت قد وعدت نفسي بترفيع المقال ،
وانشغلت .
شكراً لك .
كانت أيام باذخة من أن الفطرة والتي احتكرها
المتدينون قد نـزعناها عُنوة وتجملت أنفُسنا بها
وذهبنا للمدينة عرب بفطرتنا ونقائنا

كان الهدف أغلى واجتهدنا في صناعة الوسائل ما استطعنا السبيل
وتوفقنا .. كان عرض التلميذات قبلنا أكبر حافزاً
للدخول في العمل الخيري العام .
تجربة تستحق كثير دراسة وتحقيق
كيف كنا ربما دون تدبر أننا :
من شرق السودان ومن شماله ومن وسطه
زرنا المدينة عرب ولا ننتمي لأهلها
وفعلنا ما فعلنا دون انتظار الثمن .

مدرسة صغيرة وكبيرة تقف في وجه من يريدون
تفرقة أبناء هذا الوطن مناطقياً وعرقياً وجندرياً
ليت بولا أسعفنا بمبحث تفصيلي
عن هذا الدرس الوطني الفخيم .

بيكاسو
ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß
مشاركات: 164
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:43 pm

مشاركة بواسطة ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß »

بيكاسو لقد حملتنا بعيدا فرحا وحزنا بكلماتك المغمسة بنداوة النيل وسماحة البلد ، ولسؤ حظنا أن الماضي يبكينا ويفرحنا لانه الاجمل ، فالتحية لصلاح حسن أحمد اينما حلّ ، والتحية لفرقة المدينة عرب (بولا وهاشم وبيكاسو) ولموسم الشوق الحلو..

بت فاطنة
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عزيزتنا الأستاذة نجاة :

تلقيت البريد الإلكتروني وكتبت كُليمَات له
من بعد أثر كتاب رقيق من صديقنا مصطفى آدم .

كقميص يُوسُف على بَصر أبيه يعقوب
في القص الديني :

ارتد البصر إلينا من جديد .
كتب لي صلاح قطرات من لُغة القلب .
قرأت وشبعت ، واستراحت النفس .

بيكاسو
أضف رد جديد