إنعطاف المد: المسكوت عنه فى السّياسة الدّوليّة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

إنعطاف المد: المسكوت عنه فى السّياسة الدّوليّة

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


يقول المُتحدّث:

- المعلومات التى سأقدّمها لكم اللّيلة، ستنال فرصة الإنتشار حول العالم "حرفيّاً"، وذلك حتى يُدرك المزيد من

الناس، بأنّ ثمّة فرقاً بين مايُقال لنا عمّا يحدثُ فى العالم، وبين ما يحدث فى الواقع.

- الدين بالنسبة لى فى العديد من الحالات، هو "نقيض" الروحانيّة، وهو كان ولا يزال، يُستخدم كأداة للتحكّم

بالعقول والتّلاعب بها.

- كيف تتحكّم قلّة من البشر فى هذا العالم بعقول الغالبيّة، مُستغلّة النّزعة نحو "سلوك القطيع" لدى البشر.

- شركات الدّواء عبر العالم تُحقّق البلايين من الأرباح ليس بتوفيرها للصحّة، وإنّما باستثمارها فى الأمراض.

- إنّما تقوم به وسائط الإعلام، هو حمايةُ العُرف الإجتماعى، واستغلاله "كنقطةٍ مرجعيّة" يتمّ بموجبها الحُكم

على الأشخاص والأشياء.

- الحربان العالميّتان اللّتان وقعتا فى القرن الماضى، كان قد جرى تمويل جميع الأطراف فيها بواسِطة نفس

الأشخاص!.

- الفكرة التى بدأ تنفيذها تتمثّل فى "إنشاء حكومة واحدة للعالم" بحيث تتحوّل الدّول إلى محافظات أو وحدات

إداريّة.

- القول بأنّ "الدّيمقراطيّة" تُعادل "الحُرّيّة" ليس صحيحاً، والحُريّة ليست موجودةً فى الغرب كما يُشاع.

- المسكوت عنه فى سيرة الرؤساء الأمريكيين، والجانب الآخر للرئيس "كارتر".

- الطّريقة العجيبة فى إدارة الأمور عن طريق "صناعة" حزبين "متناقضَين" فى الظّاهر.

- إنّ السّجن الكبير الذى يعيش البشر بداخله، يتمثّل فى الخوف ممّا قد يعتقده الآخرون عنهم. ذلك، لهو

السجن الذى نعيش بداخله، وهو الكابح الأكبر لمقدراتنا.

- هذا العالم غارقٌ حتى عُنُقه فى الديون من أموال لاوجود لها، ولم، ولن تكون موجودة.

- الرئيسان الأمريكيّان اللذان شرعا فى محاربة نظام "الفوائد" على القروض، لقيا نفس المصير.

- زراعة الشّرائح الدّقيقة فى البشر، هى عتبة على طريق "التحكّم" المركزى، وقد قطع السّير نحوها أشواطاً

عديدة.

--------------------------

تلك كانت بعض النّقاط التى تطرّق إليها البريطانى "ديفيد آيك"، فى حديثه الطّويل، والذى امتدّ لساعتين وربع

السّاعة. وبالرّغم من أنّ هذا الحديث كان قد جرى قبل عدّة سنوات، إلاّ أنّه الآن يكتسب أهمّية أكثر، لكون ما

جاء فيه آخذٌ فى التجلّى فى مناطق عديدةً حول العالم، وقد يكون "السّودان" واحداّ منها، خاصّة إذا وضعنا

موقف الحكومة الأمريكيّة الحالى من الإنتخابات فى عين الإعتبار.

المُحاضرة بعنوان: The Turning of The tide - David Ike


موقع الفيديو على النت:

Youtube:
https://www.youtube.com/watch?v=4Ay2ktMM12k

Google Video:
https://video.google.com/videoplay?docid ... 196324215#

مُشاهدة مُمتعة ..
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

"إنشاء حكومة واحدة للعالم" تشتغل على "حمايةُ العُرف الإجتماعى، و استغلاله "كنقطةٍ مرجعيّة" واختراع ايدولوجيا من عيار "العالم غارقٌ حتى عُنُقه فى الديون من أموال لاوجود لها، ولم، ولن تكون موجودة" .....فى هذا السياق أرى وهم الدولار كفقاعة قادمة لا ريب فيها بعد ان طرشقت فقاعة العقارات ; ثم إعادة إختراع فقاعات أخرى تنطلى على الرعايا والسبايا جميعا وعلى جميع أشكالهم/ن وسحناتهم/ن , رعايا على مرئ من تمثال الحرية !!!...
واضح أنهم يستخدمون السحر والخرافات والعلم معا فى الجنوب والشمال لإنتاج المرجعيات وصيانتها ويوظفون التقنية والتدليس لتسويقها وتسويغها; سمهم جميعا, من الشيخ الورع "أغفر سخريتى"اسامة بن لادن لغاية امبراطور اليانكى !!!

التحدى الأكبر يا عمر هو تكوين (مقاومة واحدة فى العالم) تناهض هذا السخف , سخف "حكومة واحدة للعالم"... ياله من تحد ممكن (متل تماسك وتشابك الحروف باسمى) مادامت هذه الظلمات ممكنة بكلكلها الماثل المقيم.

شكرا لتوزيع الإضاءة..

مودتى

الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

تحيّاتى أخى الفاضل ..

من الواضح أنّ "الأنا" الجمعيّة البشريةّ هى من يمسِك بزمام الأمور فى شتّى بقاع العالّم تحت مًسمّياتٍ مُختلفة، وأحياناً "مُتناقضة". ولذلك تتشابه التّجلّيات على الرّغم من اختلاف "الآيديولوجيّات"، لافرق فيها بين من يدّعى الرأسماليّة من جهة، وبين من يدّعى الإشتراكيّة من جّهة أخرى، وبين من يّدعى "الطّريق الثّالث" من جهةٍ ثالثة. ولذلك ينطبق على الوضع البشرىّ الرّاهن ما كان أحد الفلاسفة قاله من قبل وهو أنّ كلّ الأنظمة الثّوريّة مع مرور الوقت، ترتدى ثياب الأنظمة ذاتها التى ثارت ضدّها.

"المقاومة الواحدة فى العالم" أخى الفاضل، لابدّ لها من الإرتكاز على ما يجمع البشر بعيداً عن تصنيفاتهم التى أوجدوها بعقولهم، والتى أوجدت مُجتمعات بشريّة قائمة على "التّمايُز" و"التّنافس"، ومن ثمّ "الإستعداء" ليس فقط بين المجموعات البشريّة المُختلفة، وإنّما حتى داخل كلّ مجموعة على حِده. وما يجمع البشر هو "بعدُهم الإنسانىّ" الذى لا يزال خافياً "أو مخفيّاً" إلى حدٍّ كبير، ولكنّه آخذٌ فى البروز. وهذا البُعد، ليس قاسِماً مُشتَركاً فقط بين البشر، وإنّما بينهم وبين كل مايشترك معهم فى الحيّز الوجودى بمافى ذلك الحيوان والنّبات والجماد.

ألسنا نرى الآن عملاً فى ذلك الإتّجاه؟
أليس الوعى البيئى المتنامى عملاً يصبُّ فى ذلك الإتّجاه؟
أليس الوعى بحقوق الإنسان "وإن على المُستوى النّظرى حتى الآن" هو عملٌ يصبُّ فى ذلك الإتّجاه؟
أليس الحساب العسير من قِبَل بعضِ الشّعوب، والذى أصبح من الصّعب على البعضِ من حكومات العالّم "المُتحضّر" الإفلات منه، هو أيضاً من الأعمال التى تصبّ فى ذات الإتّجاه؟

النّقطة المُهمّة جدّاً فى حديث "ديفيد آيك"، هى: "تنازل الأفراد عن إرادتِهم وحقّهم فى تفرّدهم" -اى أصالتهم- ما أدّى لتنازل الشّعوب بأكملها عن تلك الإرادة، وتفضيلها للعيش فى "المنطقة الخالية من المشاكل"، كما حدث لقطيع الأغنام الذى تحدّث عنه.

ولوحاولتَ المُقاربة بين ذلك وبين ما يحدُث فى السّودان مثلاً، لوجدتّ أن الكثير من النّاس هنا يقولون: "إذا ذهب النّظام، فمن سيأتى. سوف تنهار البلاد وسينعدم الأمن، وهذا ما لانريده". وهذا بالضّبط ما يُريده النّظام، بل ويستثمر فيه، ليس فى السّودان فحسب، وإنّما فى كلّ دول المنظومة "الياها".
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

الأخ الأستاذ الدرديري
سلام
وشكراُ علي رفدنا بالروابط الممتعة والمداخلات القيمة.
إستمتعت بمحاضرة الأستاذ آيك القيمة ، وأستطيع القول بأني أتفق مع مجمل ماجاء فيها.وقد لفت نظري بصفة خاصة محاولة تمييزه بين الدين والروحانية بوصفهما طرفي نقيض من وجهة نظر تطبيقية ، بمعني أن الدين كمؤسسة تشريعية قابضة ، تضع مناهج وضوابط السلوك البشري ، يقوم مقام الكابح ، وربما المعوق ، للحرية بوصفها صنو الروحانية ، أو سمتها الأساسية.
الأمر هنا دقيق ، ويحتاج لمفهوم إنقلابي نحو فكرة الدين كمؤسسة تشريعية يضعها في إطارهاالتاريخي ، وظروفها الموضوعية المحددة. فأي شريعة سماوية أو أرضية ، لا تضع الحرية الفردية المطلقة للإنسان موضع الصدارة ، هي شريعة غير دستورية ، أو لا إنسانية ، إن شئت . ولكن الدستور الإنساني الذي يكفل الحريات الأساسية ، سياسياُ وإقتصادياً وإجتماعياُ ، ومن ثم القوانين الدستورية التي تجعل تطبيقها ممكناً ، غير معروف بما يكفي ،ولم يدخل ، بالتالي ، إلي حيز التطبيق العملي التام لا إقليمياً ولا دولياً حتي الآن .ولكن علي الصعيد النظري ، نجد ذلك في الطرح المتقدم لشهيد الفكر الإنساني الأستاذ محمود محمد طه ، في ماأسماه بالرسالة الثانية للإسلام ، والتي تعتمد تطوير " شريعة المعاملات " لتفرد أكبر مساحة من الحريات الأساسية الثلاثة ، سابقة الذكر ، وتتيح بذلك ، الإنتقال من " القبض " إلي " البسط " أو من القيد إلي الحرية في السلوك البشري ، فكراً وقولاً وعملاً ، أوبعبارة المتصوفة ، الإنتقال من " الشريعة " إلي "الحقيقة " ، ولكن بالقسط ، دون إفراط ولا تفريط . وقد جاء في تفسير آية " إنك لمن المرسلين " في سورة يس ،إضافة للمعني الظاهر في الإرسال ، أن النبي صلي الله عليه وسلم ، مرسل من غير قيود أوعقد تكبل مسيرته نحو الإطلاق ، " والعقد هنا هي التعارض بين العقل الظاهر والعقل الباطن " وهذا"الإرسال" هنا يعادل " الروحانية " التي أشار إليها الأستاذ آيك ، في مقابل القيد ، أو المؤسسةالتشريعية الدينية . والتمييز بين الشريعة والدستور ،و بين الغاية والوسيلة،أوبين القيد والحرية في الفكر الديني ، يبتغي علي خير الوجوه في كتابات الأستاذ محمود ، وأنت بذلك عليم.
لفت نظري أيضاً تعليق الأستاذ الهاشمي في وصفه لمشروع الحكومة العالمية الواحدة :-

التحدى الأكبر يا عمر هو تكوين (مقاومة واحدة فى العالم) تناهض هذا السخف , سخف "حكومة واحدة للعالم"...


الثابت عندي أن نواة الحكومة العالمية موجودة سلفاُ، وبالفعل ، في منظمة الأممم المتحدة ، علي علاتها . وبما أن هذا الكوكب الذي نقطنه قد توحد جغرافياً ، بل تحولت خريطته الجيوبوليتيكية من عالم ثنائي الأقطاب إلي عالم ذي قطب واحد بإنهيار المعسكر السوفيتي ، فلا أري ما يمنع أن تكون الوحدة السياسية هي النتيجة المنطقية للثنائية. ولدينا في خلايا الأمم المتحدة ، كمجلس الأمن ، والجمعية العمومية ، والمنظمة العالمية للأغذية والزراعة(الفاو) واليونسكو ، ومنظمة الصحة العالمية ،والإتحاد الأوربي بسوقه وعملته الموحدة ، مؤشرات عملية علي إمكانية ، بل ضرورة ، قيام جهاز تشريعي وتنفيذي وقضائي موحد ، علي المدي القصير في ما أرجو ، يجعل إدارة هذا الكوكب أكثر أمناُ وإستقراراً .أما كيفية إستنباط فلسفة الحكم التي يدار بها ، فهذا شأن آخر ، بل أهم شأن ، ينبغي أن يتنافس فيه أصحاب الأفكار والمذاهب السياسية .
مع فائق التقدير .
سيف


" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

شكراً لك أخى الأستاذ سيف الدين، وعلى مُداخلتك الغنيّة

من الواضح أنّ هنالك تنامياً فى الوعى البشرى لم يسبق له مثيل، وهو "تطوّرٌ" قادمٌ من خارج أطُر الإدراك الحِسّى العقلى البشرى وأدواتِه التى أفرزت للكائن البشرى صورةً "مقلوبةً" عن ذاته، فتماهى معها ردحاً من الزّمان، وأطلق عليها "أنا"، مُستغنياً بها بعقله اللاّواعى فى مُعظم أوقاته، عن ذاته الحقيقيّة، تلك الذّات الإنسانيّة الواحِدة والمُوحِّدة، فيماوراء "الأنا" البشريّة، المُنقسِمة والمُقسِّمة. ولذلك، فالأنا البشريّة التى أسماها البعض " شيطاناً يحكم العالم"، بدأت تخوض ماقد يبدو معركتها الضّارية -وقد تكون الأخيرة- ضدّ طلائع الوعى " الإنسانى" الآخذة فى التمدّد، عابرةً ما كان من قبل حدوداً أوجدها العقل البشرىّ الخاضع لغرائزه الفطريّة إلاّ قليلاً، مُستغلاّ فى ذلك الإرث "الإنسانى" للبشريّة، فحوّل الروحانيّة والعلوم -وهى إرثٌ "إنسانىٌّ" بحت- إلى " أديان"، وجعل من "الإختلاف" فواصلاً للتجزئة والتمايز، ومن ثمّ التنافس والإستعداء، بدلاً من تركها لتكشف عن حقيقتها كدوال على التفرّد والأصالة، ليس فقط على مستوى المجموعات البشريّة، وإنّما على مستوى كلّ كائن بشرىٍّ على حده. أمّا مالم يقدِر عليه العقلُ البشرىّ "اللاّواعى" من تجلّيات البُعد "الإنسانى" كالفنون والآداب، لكونها لا تخضع لمقاييسه المحدودة جدّاً- فقد حكم عليها بالدّونيّة واللاّأهمّيّة، فى عالمه القائم على "المحسوس المادّى"، و"العائد المادّى العاجل"، وجعل أصحابها فى الدّرك الأسفل من المنظومة الهرميّة التى شيّدتها إبنتُه الوحيدة: "الأنا"، تلك الذّات الوهميّة، والصّورة "المقلوبة" عن الذّات "الواحدة" الكامنة فى صميم الكائن البشرى، والمُتجلّية لعين "البصيرة" فى كلّ ما عداه من كائنات، ومن أحياء وجمادات.

نعم، لقد بدأ "الّدين" بحسب المفهوم المُتوارّث، والقائم على "الإلزام" أكثر من "الإلتزام"، بدأ عدّاً تنازليّاً لبقائه، وهو بقاءٌ قد لا يتناسب إلاّ "عكسيّاً" مع التطوّر الرأسى المحتوم على البشريّة، والمُتمثّلة فى تحقيق الفرد للهدف الأساسىِّ من وجوده، ألا وهو "الكينونة".

و"الدّين" كإرثٍ "إنسانىّ" فى المقام الأوّل، تعرّض للخطف بواسطة الأنا البشريّة منذ بروزه على مسرح الحياة. ونتيجة لذلك، أُضيفت له "ياء" أو"نا" المِلكيّة الأنويّة فأصبح "دينى" أو "دينُنا"، والإله أصبح "إلهى"، أو "إلهُنا"، وكلّ ذلك فى مُقابل "الآخر" المُختلف، والذى يهتف أيضاً "دينى" و"إلهى". لذلك، تحوّلت تلك "الفلسفات" الرّوحانيّة ذات الطّابع الإنسانى فى كثيرٍ من جوانبها، إلى أدوات لتقسيم البُعد الإنسانى الواحد والجامع، إلى كياناتٍ بشريّة مُجزّأة ومُتباعدة. وكلّ ذلك يحدث بدافعٍ من كيانٍ هُلامىٍّ لا هُويّة له، كان ولا يزال يستغل المساحة الضّخمة من الّلاوعى فى حياةِ الكائن البشرى، بل نجح فى جعل ذلك الكائن يُقاتل نيابةً عنه لأجل الحصول له على "هويّةٍ" يفتقر إليها.
ولذلك، أصبحت أىّ مُخالفة للدّين، تُشكّل تهديداً لتلك "الأنا" التى تماهينا معها نحنُ البشر زمناً طويلاً ولازلنا، واعتبرناها "ذاتنا الحقيقيّة"، تلك التى تعجز أدوات العقل عن التّعبير عنها، ولا تستطيع فى أفضل حالاتها أن تفعل أكثر من مُجرّد الإشارة إليها.

لقد أدّى اختطاف الأنا البشريّة للدّين وللفظ "الإله"، إلى إساءة استخدام كليهما واستغلالهما لتحقيق مآرب أنويّة بحتة، ووضع الدّين -والإله- داخل أُطُرٍ عقليّةِ غير قابلةٍ للتطوّر بمفهومه الحقيقى، أى التطوّر فى سبيل تحقيق الكائن البشرى لإنسانيّته بنهج من الأصالة والتّفرُّد.

"الأمر هنا دقيق ، ويحتاج لمفهوم إنقلابي نحو فكرة الدين كمؤسسة تشريعية يضعها في إطارهاالتاريخي ، وظروفها الموضوعية المحددة. فأي شريعة سماوية أو أرضية ، لا تضع الحرية الفردية المطلقة للإنسان موضع الصدارة ، هي شريعة غير دستورية ، أو لا إنسانية ، إن شئت . ولكن الدستور الإنساني الذي يكفل الحريات الأساسية ، سياسياُ وإقتصادياً وإجتماعياُ ، ومن ثم القوانين الدستورية التي تجعل تطبيقها ممكناً ، غير معروف بما يكفي ،ولم يدخل ، بالتالي ، إلي حيز التطبيق العملي التام لا إقليمياً ولا دولياً حتي الآن".

نعم، والمفهوم "الإنقلابى" نحو فكرة الدّين كمؤسّسة تشريعيّة قد بدأ فى الظّهور وهو آخذٌ فى التوسّع على مُختلف جوانب الأرض. والمُهمّ هنا -وهو ما أشرتَ إليه- هو "إنسانيّة" تلك التّشريعات. فالتّشريعات هى انعكاسٌ لمستوى تماهى البشر مع الأنا البشريّة، أى مع البُعد اللاّواعى فى عقولهم. وبما ّان التطوّر البشرىّ كان ولا يزال سائراً فى سبيل التمدّد الإنسانىّ عبرالهيكل البشرى، فقد أصبح البشر اليوم أكثر "إدراكاً" بإنسانيّتهم من أىّ وقتٍ سابق. لذلك وعلى سبيل المثال، جاء الإعلان العالمى لحقوق الإنسان مُعبّراً عن العمق "الإنسانىّ" الذى استُنبط منه، ولذلك لم تجد الشّعوب على اختلاف مِللها ونِحَلِها أىّ مُشكلةٍ فى التوقيع عليه، وإن كان البون لا يزال شاسعاً بعد، بين "التّوقيع" و"التّطبيق". ومع ذلك، فهو خطوةٌ كبيرةٌ فى الإتّجاه "الرأسىّ" والحتمى للبشريّة.

لقد كان فكر الأستاذ محمود محمّد طه فى مُجمله، قفزةً هائلةً فى الإتّجاه الرأسى فى منظومة العقيدة الإسلاميّة، وهى قفزةٌ خرجت بالفهم الدّينى الذى تقوقع وتحجّر داخل أسوار العقل البشرى "الأنوى"، إلى رحاب الإنسانيّة ذات الوسع اللامتناهى. ولذلك كان أوّل من ثار عليه، هم جنود العقل الأنوى البشرى، الذين تماهوا مع ذواتهم الوهميّة المحدودة بعوامل الزمان والمكان، فانفصلت بهم عن بُعدهم الجوهرى الكامن فيهم، والكائن فيماوراء الزّمان والمكان.

"وقد جاء في تفسير آية " إنك لمن المرسلين " في سورة يس ،إضافة للمعني الظاهر في الإرسال ، أن النبي صلي الله عليه وسلم ، مرسل من غير قيود أوعقد تكبل مسيرته نحو الإطلاق."

أشكرك شكراً لاحدود له ياسيف على هذه الإضاءة الرّائعة من فكر الأستاذ محمود.

إنّ "الله فى خطابه لمُحمّد، إنّما يُخاطب "الإنسان" فيه -أى البُعد الثّابت فيه- وفى كلّ كائنٍ بشرىٍّ آخر دون إستثناء. والمقصود هو تحرير"الإنسان" من أسْرالحالة العقليّة "الشّكليّة" فى كلّ كائنٍ بشرى، وهو ما يُصبح مسئوليّةً فرديّةً فى المقام الأوّل، متى ما كان ذلك الكائن "مُدركاً" ببعده الإنسانى.

"الثابت عندي أن نواة الحكومة العالمية موجودة سلفاُ، وبالفعل ، في منظمة الأممم المتحدة ، علي علاتها . وبما أن هذا الكوكب الذي نقطنه قد توحد جغرافياً ، بل تحولت خريطته الجيوبوليتيكية من عالم ثنائي الأقطاب إلي عالم ذي قطب واحد بإنهيار المعسكر السوفيتي ، فلا أري ما يمنع أن تكون الوحدة السياسية هي النتيجة المنطقية للثنائية."

نعم، ليس هنالك ما يمنع أن تكون الوحدة السّياسيّة، هى النّتيجة المنطقيّة للثُّنائيّة.
ولكن ما حدث فى ظلّ غيابِ تطوّرٍ موازٍ فى وعى البشرِ بقدراتهم الفرديّة، هو أنّ الفرصة سنحت مرّةً أخرى للعقل البشرى "الأنوى"، للقفز على تلك المؤسّسات والسّيطرة عليها بدوافع الهيمنة والتوسُّع وفرض النّفوذ. فالمنظّمات المذكورة لايزال مُعظمها يُستخدم كمخلب قِط للقلّة المُهيمنة على قمّة "الهَرَم"، والتى تحدّث عنها ديفيد آيك فى محاضرته.

النّقطة المّهمّة فى حديث "ديفيد آيك"، والمتعلّقة بما ذكرتْ، تتمثّل فى أن يبدأ كلُّ فردٍ على حدة بمحاولة -ولو على سبيل التّجربة- للخروج من "القطيع"، أو تغيير "السوفتوير" الذى تمّ تركيبه فى دماغه مُسبقاً -كما ذكر الدّكتور "بروس ليبتون" فى "البايولوجيا الجديدة، بحيث يمكنُه الإتّصال بذاته بشكلٍ مباشر بعيداً عن التلقين والتّوريث، ومن ثمّ رؤيتة لنفسه وما حوله، بماهو أقرب إلى حقيقته.
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

وهذه ترجمة عربيّةٌ كاملة على حلقات، لمحاضرة "ديفيد آيك" بعنوان "إنعطاف المد"، لمن أرد قراءتها والإضطّلاع على ما جاء فيها بهدوء، ولمن لم يتمكّن من مُشاهدتها على الفيديو.

(1 من 7)

شكراً لكم ..
دُعابة: (تلك الأشياء هناك هى ليست كاميرات مراقبة أمنيّة موجّهة نحوى ، صحيح؟)

نعم، إنّها جزء من إنتاج فيديوى، لأنّ المعلومات التى سأقدّمها لكم اللّيلة، ستنال فرصة الإنتشار حول العالم "حرفيّاً"، وذلك حتى يُدرك المزيد من الناس، بأنّ ثمّة فرقاً بين مايُقال لنا عمّا يحدثُ فى العالم، وبين ما يحدث حقّاً فى الواقع.

وبطريقة ما، فإنّنى لا أقول "مساء الخير" فقط لأهالى "كارديقان و ويلز"، إحدى أجمل البقاع فى المملكة المتحدة -كما رأيتها بينما كنتُ قادماً بالسياّرة- ولكنّنى أقولها أيضاً للنّاس فى عدّة قارّات أخرى، ممن سيشاهدون هذا فى يوم من الأيّام. بعضهم سيكون أمريكيّاً، وبعضهم أستراليّاً. بعضهم عرب، وبعضهم يهود. بعضهم سـود، وبعضهم بيض.

ومع ذلك، فإنّ كلّ تلك العبارات، وكلّ رموز التقسيم تلك، هى ليست فى الواقع سوى "أوهام".
لأنّ أيّاً منّا هو الآخر. نحن جميعاً جزء من ذاتِ الوعى، وجميعنا نُمثّل جوانب من "الكُلِّى" الواحد. وهو ذاته "الكُلّى"، الذى نرى تجلّياتِه فى شتّى أشكال الحياة حول العالم.

إنّ التقسيمات القائمة فى هذا العالم هى فى عقولنا، إنّها من صناعتِنا، وستكون لذلك صلةٌ بما سأتحدّث عنه اللّيلة.
لأنّ تلك التقسيمات، وتلك "المُسلّمات"، وتلك العبارات مثل: "أنا على صواب، أنا أعرف كلّ الإجابات، لذا فأنت حتماً على خطأ" : تلك المواقف ظلّت تتعارك فيما بينها عبر العالم، وهذا ما أتاح الفرصة بشكل أساسى، لقلّة من البشر للتحكّم فى اتّجاه الحياة على هذا الكوكب، ليس كلّ ما يحدث على الكوكب بالطبع، ولكنّه توجيه الأحداث نحو مزيدٍ من تركيز القوّة، فى أيادى عدد أقل من البشر.

إنّه لأمرٌ مثيرٌ للإهتمام. تعلمون، فى بداية تسعينات القرن الماضى، حدث لى ما يشبه "الإنفجار" داخل رأسى، وبدأت أترنّح محاولاً التحقّق ممّا يحدث لى، لأنّنى وفجأةً، بدأتُ أرى العالم مختلفاً جدّاً، وبدأت أرى نفسى مُختلفاً. البعض يطلقون على ذلك: "صحوة روحانيّة". لكنّنى سأذهب لأحصل على بعض الفانيلاّت مكتوب عليها "فليخلّصنا الإله من الدّين".

إنّه لشئ مضحك، فأنت تتحدّث عن الروحانيّة، بينما يحسبك الناس تتحدّث عن الدين. وفى الغالب تكون الرّوحانيّة على العكس من ذلك -ليس دائماً وإنّما غالباً- والدين بالنسبة لى فى العديد من الحالات، هو "نقيض الروحانيّة".
وفى تعريفى الخاص للدين، أرى أنّ الدين، هو أقوى أدوات التحكم بالعقل التى تمّ اختراعها حتى الآن. وعلى الطّرفِ الأكثر تشدّداً منه، وُلِدَت "الفاشيّة المرَضيّة"، أى التلاعب بالخوف و"عُقدة الذنب" بهدف السيطرة.

أمّا "الروحانيّة"، فهى على الّنقيض من ذلك. إنّها إطلاقٌ الروح، والإحتفاء بالتفرُّد، لكوننا جميعاً جوانب من "كُلِّىٍّ" واحد، ولكنّنا فى نفس الوقت، جوانب "متفرّدة" من ذاتِ الكُلّىِّ.

إنّ من المُهمٌّ جدّاً، إحترام حق الآخر فى التعبير عن تفرّده بمنأىً عمّا قد يفرضه "آخرٌ" عبر منظومته العقيديّة، أو عبر منظور ذلك الآخر للصواب والخطأ، أو عبر منظوره للأخلاقى واللاّ أخلاقى، وهو ما تكمنُ أهمّيّته فى الكيفيّة التى تتحكّم بها قلّة قليلةٌ فى هذا العالم. وذلك، لأننا أصبحنا –فى كثير من الأحيان- خائفين إلى الحدِّ الذى أنكرنا فيه حقيقة كوننا "متفرّدين". وعندما فعلنا ذلك، تحوّلنا إلى قطيع "عقليّة القطيع"، وهذه العقليّة، هى الأداة التى يتحكّم بها القليلون فى هذا العالم .

سأذكر لكم مثالاً على ذلك، وهو مثال ذو قيمةٍ رمزيّة:
كنت فى جنوب إنجلترا قبل ثلاثة سنوات. وبينما كنتُ أعبر تلك المساحة الضخمة، بما فيها من تِلال تُشبه تلالاً من العصر الحديدى، كان هنالك قطيع هائل فيه المِئات من الخراف، لم أكُن رأيتُ مثله من قبل فى مكان واحد، وكان اليوم رائعاً. لقد كنتُ مستمتعاً بيومى. ثم وصل صاحب المزرعة فى شاحِنته الصّغيرة، وأعتقد بأنه لم لم يحرّك حتى واحداً من جِفنيه، بل وقف هناك متّكئاً على عصاه. وبسرعة، تمّت الإستجابة: واحدة، إثنان، أو ثلاثة من الخراف، استجابت لإيماءآت من جفونه على ما أظنّ، لأنّها بدأت بالسّير فى الإتّجاه المطلوب. وخلال دقائق معدودة، حدث ما يُشبه "نزوحاً جماعيّاً". المئات من تلك الخِراف كانت تسير خلف واحدةٍ منها كانت فى المقدّمة.

إنّ لدينا نحنُ ما يشبه ذلك. وقد فعلنا مثل ذلك بالأمس، وسنفعله غداً. كما أنّنا نفعل مثله اليوم. أمّا القِلة "الخارجة" مِنّا، والذين لم يستجيبوا فى الحال لما يمكنُ تسميته بِ"العقليّة الفوقيّة"، فقد تم حقنهم بجرعات إضاقيّة من الخوف بواسطة "كلب الحراسة". لقد أفلح هذا المزيج من الفوقيّة والتخويف، فى الإحاطة بكلّ هذا القطيع الهائل، وفى وقت قصير بدرجةٍ تُثير الضّحِك.

ثمّ وقفتُ هناك، وبدأتُ بالتّفكير –لكونى أقوم بذلك من وقت لآخر- بأنّنى إنّما أشاهد "الجنس البشرىّ" هنا. فهذه هى الطريقة ذاتُها التى يتعاملون بها مع البشر. إنّها فى الواقع، هى الكيفيّة ذاتُها التى يتحكّم بها قِلّة قليلون فى الجماهير. فهم لن يتمكّنوا من فعلها بالدبّابات على الطرقات، وبالجنود على الأبواب، لأنّ الجماهير كثيرة جدّاً، وسيبدو التّعامُل معها كمن يحاول دفع قطيع من الخراف بطريقة يدويّة، وهو ما لن يكون ممكناً. إنّك عندها ستكون بحاجة لرجل، وربّما لأكثر من رجل واحد لكلّ واحدة من الخراف، حتى تتمكّن من دفعها يدويّاً.

سيتوجّب عليك إذاً تنفيذها عبر "العقل"، إمّا عن طريق "التخويف"، أو عن طريق "التكييف العقلى" للبشر، بحيث تجعلهم يُفكّرون بالطريقة التى تُريد.

إذاً، فما حدث هو أنّه قد تمّت الإحاطة بالمئآت من تلك الخِراف، بواسطة شخص واحد، وكلبِ حراسة كانت مُهمّته "توزيع الخوف". وهذه هى الكيفيّة ذاتُها التى تُمارس مع البشر، ولكن وفقاً لمعايير بشريّة.

إنّ المُدهش حقّاً، هو المدى الذى وصلنا إليه فى التخلّى عن قوّتنا، وأعنى هنا قوّتنا الروحانيّة. وسوف أتطرّق للجانب الروحانى -وليس "الدينى"- فى النصف الثانى من هذه المُحاضرة.

فكلّما فى الأمر، هو استعادتنا لقوانا. لأنّنا إن فعلنا، فسوف ينتهى كلّ شئ. فالهرم التحكّمى الضخم الذى سأتحدث عنه اليوم، سوف لن يُصبح ممكناً. ولكنّنا عندما نتخلّى عن قوانا، فسنصبح ألعوبةً يسهُل التحكّم بها.
لقد تخلّينا حتى عن أجسادنا، وهذا أمر مُضحك. إنّ أجسادنا –بمعزل عن عقولنا- هى الشئ الوحيد الذى يمثّلُنا، فهى ملكٌ لنا، إلاّ أنّنا تخلّينا عنها. لقد ذهبت لإحدى المستشفيات الحكوميّة قبل مدّة قصيرة برفقة إبنى "جارول"، الذى يمارس لعبة كرة القدم، وكان قد تعرّض للإصابة فى يده أثناء اللّعب. لذا فقد ذهبنا إلى وحدة الطوارئ لنرى ما إذا كان قد حدث له شقّ فى العظم أو شئٌ من ذلك القبيل. دخلنا فى تلك الحجيرة، ثمّ جاء إلينا طبيب شاب، وكان شابّاً لطيفاً. ثمّ سحب الطّبيبُ يد إبنى وقال: "إنّها ليست مكسورة، والعلاج الأفضل لها هو (آرنكا - arnica)". وفى تلك اللحظة، كِدتُّ أسقط من على الطاولة. قلتُ لنفسى: هذا الطبيب يعمل فى مستشفىً حكومى، ويوصى بهذا العلاج "المثيلى – homeotherapy"؟
لذلك قلت له: "مالذى ستقوله السُّلطات إذا ما علموا بوصفِك لهذا الشئ؟" قال لى: "لا تُخبرهم بذلك". ثم قام بسَحبِ قنّينتين من جيبه وقال لى: "إنّ الناس يأتون إلى وحدة الطوارئ هذه، وهم عادة ما يكونون مُصابين بشئ ما، فأضع نقطتين من هذا العلاج على ألسنتهم، فيؤدّى لتهدئتهم" . إنّه علاج إسعافىٌّ على ما أظن. ثمّ قال: "لدينا ممرّضات فى هذه الوحدة، وأنا أقوم بعلاجهم بالطريقة المثيليّة هذه. ولكنّنى لا أستطيع معالجة المرضى العاديين إلاّ فى الخفاء".

إنّ شيئّا من مثل ذلك يحدثُ فى أمريكا، ويحدث فى تلك المناطق من العالم حيث لديهم ذات المنظومة التى تقول لنا ماذا نفعل، وماذا لا نفعل بأجسادنا، وكيف نعالجها وكيف لا نعالجها. لأنّنى وبينما كنت جالساً فى وحدة الطوارئ تلك مع ذلك الطبيب الشاب قلت لنفسى: "كم من البشر يدفعون أموالهم لتمويل قطاع الخدمات الصحيّة القوميّ، -أو وحدة معالجة الحطام البشرى التى انتهى إليها ذلك القطاع بالفِعل- لتمكينه من الإستمرار؟"
إنّ هنالك الملايين والملايين من البشر ممّن يفعلون ذلك كل أسبوع، وكلّ شهر، وهم يقومون بتمويل ذلك الشئ (قطاع الخدمات الصّحيّة).

كم من الناس يملك أن يُقرّر بأنّنا لن نتمكّن فى مقابل تلك الأموال، من التمتّع بالنطاق الواسع المتاح من المعرفة الإستشفائيّة؟ إنّها "عودة للعصر القديم". فبدلاً من ذلك، سيتمّ منحنا الخيار بين اثنين: "المبضع" أو "الدواء"، وهو ما يدرّ أموالاً طائلة لشركات الدواء متعدّدة الجنسيّات، والتى تحصد أرباحاً بالبلايين ليس عبر توفير الصحّة، وإنّما عبر الإستثمار فى المرض.

كم من البشر يملُكون ذلك القرار؟

إنّه عدد محدود نسبيّاً. ومن المحتمل أنّهم جميعاً مرتبطون بشبكة الشركات الدوائيّة المتعدّدة الجنسيّات.
إنّها لخدعة عظيمة. فإذا تمكّنتَ من التحكّم فى منظمة الصحّة الدوليّة، فعليك التأكّد من أنّ هنالك بيانات ستصدُر على شاكلة: "المنظمة الدوليّة تقول بأنّ العام القادم سيشهد وباءً لداء الحصبة، إحصلوا على اللّقاح، قم بتطعيم أطفالك، يالك من أبٍ سيّئ إن لم تفعل ذلك"

ثم يبدأ نفسُ الأشخاص الذين عملوا على ترتيب كلّ ذلك، بجنى الثروات.
.
إذاً، ما هى الأشياء التى ستفتح مجالاً واسعا أمامناً لرؤية ما يدور حقّاً فى العالم؟

إنّها تتمثّلُ فى إدراكنا بأنّ من يتحكّم فيما يبدو ظاهريّاً "منظّمات مختلفة"، هى ذاتها القوّة الواحدة.

إذاً، فتنازلنا عن عقولنا، وتنازلنا عن قوّتنا، هو ما أوجد الأداة التى يتحكّم بها قلّة من البشر فى العالم، وتلك "الأداة" هى ما يمكننى تسميته وبشكل جازم: "المناطق الخالية من الإزعاج" أو "مناطق الرّاحة".

إنّ جميع "المسلَّمات": المسلَّمات المسيحيّة، المُسلَّمات الإسلاميّة، المُسلَّمات اليهوديّة، المُسلَّمات الإقتصاديّة، والمسلَّمات السياسيّة – وهى أصل جميع المسلَّمات- إنّ جميع تلك المُسلَّمات، و"المنظومات" بشكل عام، هى عبارة عن "مناطق خالية من الإزعاج"، وأعنى بذلك، أنّ المساحة المُتاحة فيها للفكر والسلوك الذى يُعتبر "مقبولاً" أو "طبيعيّاً"، هى مساحةٌ صغيرةٌ جدّاً. فإذا خضعتَ لها –أى قبِلت بالبقاء داخل تلك المساحة- فسوف تُترك وشأنك، بعيداً عن "الإزعاج". سوف لن ينعتك أحد بالجُنون، وسوف لن يصفُك أحد بالخطير، وسوف لن يلاحقك أحدٌ بجريمة "الإختلاف" طالما كنتَ خاضعاً ومُذعناً.
أمّا إذا فكّرتَ وقلتَ لنفسِك: "حسناً، أنا فى الواقع قادرٌ على الإستقلال بعقلى، وهو عقل متفرّد، وسيُمكننى بالتالى الوصول إلى حقيقتى المتفرّدة، وإلى منظورى الفردى عن ذاتى وعن الحياة وعن كلّ شئ". إذا قُلتَ مثل ذلك، فسوف تقترب بشكل خطير من حافّة "المنطقة الخالية من الإزعاج". وإذا صمّمت على مواصَلة السّير، فمن المحتّم أنّك ستخطو نحو الخارج من تلك المنطقة، وعندها سيُقال: "إنّه مجنون، ياله من غريب، يالها من غريبة. إنّه خطير". إنّ غالبيّة البشر، لا يرغبون العيش فى هكذا "إزعاج"، ولا يُريدون لأحدٍ أن يُعاملهم بتلك الطّريقة.

فماذا سيحدث إذاً عندما توضع الأقنعة؟
عندما تنزل إلى الشارع فى أىّ وقتٍ من أوقات الذروة، فى أىّ مدينة فى العالم: لندن، نيويورك، سيدنى، أو أىّ مكان، وتُشاهد تلك المئات والمئات والآلآف من البشر وهم يمشون على الطرقات. إنّهم لا يعكسون للعالم حقيقتهم، ولا أحاسيسهم، ولا ما يُريدون فعله بحياتهم. إنّهم يلبسون "أقنعة"، وأقنعتهم تلك هى التى تقول: "هذه ليست حقيقتى، ولكنّها ما أعتقد بأنّه (مقبولٌ) لدى الآخرين، وذلك حتّى يتسنّى لى العيشُ فى "المنطقة الخالية من الإزعاج"".
وعلى أيّة حال، فإنّ ذلك يُعتبّر بالنّسبة لى "حرباً نفسيّةً" بين ذلك الجزء فينا والذى يقول لى: "إنّنى فى ذاتى، إنّنى حُر"، وهو الجزءُ الذى يريد أن يُعبّر عن تفرّدنا، وبين ذلك الجزء من منظومتنا النّفسيّة الذى يقول: "يا إلهى!". وهذا الأخير، يكمنُ من وراء الأمراض العاطفيّة والعقليّة، وبالتالى "الجسديّة" فى هذا العالم. وما نجم عن ذلك، هو "فصامٌ جماعى". حيث أصبحنا ليس فقط عبيداً للأفكار والسلوكيّات المفروضة علينا ككائناتٍ بشريّة، وإنّما أصبحنا كذلك، نقوم بدور "الشُّرطة" حيال كلّ من سوانا من "العبيد" الآخرين.

فإذا وقفتَ على حافّة المنطقة "الخالية من الإزعاج"، ثمّ بدّاتَ بالتّفكير وقلتَ لنفسك: "إذا أنا تماديُت فيما أقول وما أفعل، حتى لو اعتقدتُّ بصحّته، فسوف أُواجه المشاكل لكونى أصبحتُ مختلفاً".
إنّك لن تقف هناك لتقول لنفسك "إذا ّانا تماديتُ، فمالذى سيقوله بيل كلينتون عنى؟ أو "ماذا عن رئيس وزراء بريطانيا؟ مالذى سيقوله؟ ومدير بنك إنجلتره؟"
إنّنا لا نقول ذلك. فنحنُ لا نتحدّثُ عند تلك النقطة، عمّا إذا كان من واجبى التعبير عن تفرّدى ومُغادرة المنطقة الخالية من الإزعاج أم لا. إنّ ما نقوله لأنفسنا هو من قبيل: " يا إلهى، ماذا عن الجيران، ماذا عن أولئك السكّان فى أسفل الحانة؟ ". أى وبعباراتٍ أخرى فنحن سنقول لأنفسنا: "ماذا سيقول عنى الآخرون من عبيد الفكر والسلوك المفروض، عندما أقرّر الهروب منهم؟".

إنّنا نحنُ من نقوم بدور الشرطة فيما بيننا. فنحنُ نعيشُ فيما يُشبه زنزانة مملوءة بالسجناء، وعندما يجد أحدُهم فرصةً للهرب، يُسارع السجناءُ الآخرون نحو سدّ المنفذ عليه.

فإذاً نحنُ "العبيد" - أى السُّجناء لكلّ ما هو مفروض- ونحنُ "الشرطة" فى آن واحد. لأنّ ما يبدو هنا، هو أنّ كل واحد فينا يحاول أن يُخبر جميع الآخرين، بما هو الصّواب، وما هو الخطأ. وبما هو "الأخلاقى" وما هو "غير الأخلاقى". ويماهو "الأنسب" بالنسبة لهم، وبما هو المتوقّع منهم أن يقوموا به. وبما يجب عليهم القيام به، وماهم مُلزمون بفعله. ونتيجة لذلك، نجد أنّ بعضَنا يتحكّم بالبعض الآخر، ولكن دون درايةٍ منّا بذلك.

أمّا بداخل تلك المنطقة "الخالية من الإزعاج"، فهنالك الكثير من "التحكّم" و"التّلقين". إنّ من المُمكن تشبيه تلك المنطقة الخالية من الإزعاج بالسّاحة العامّة. فإذا نظرت لوسائط الإعلام – وهى عبارة عن "قوّة شرطة جماعيّة" خاصّة بالمنطقة الخالية من الإزعاج، لأجل التصدّى لكلّ من يجرؤ على الخروج علانيّة من تلك المنطقة- وتُصرّح للنّاس بأنّ الإعلام "موجّه"، وأنّه جزءٌ من عمليّة "التحكّم"، فسيعتقدون بأنّك تقصُد بذلك، أنّ هنالك شخصاً ما "يتحكّم" فى كلّ غرفةٍ من غُرف الأخبار حول العالم، وأنّ ذلك الشّخص يقف وراء الصحفيين ليقول لهم: "لا، لا، لايمكنك أن تكتب هذا، عليك أن تُعدّل هذا، هذا ما آمرك به، أكتب ذلك، حسناً، هذا جيّد".

ولكن ليست هنالك حاجة لكلّ ذلك. فطالما أن التركيبة –الحالة العقليّة- موجودةٌ كما هى، فإنّ الوسائط الإعلاميّة ستُزاول عملها دون حاجةٍ لتدخّل. ومع ذلك فإنّ هنالك شخصيّاتٍ أساسيّة، كأصحاب المؤسّسات الإعلاميّة وبعض الموظفين، ممّن تورّطـوا نوعاً ما فيما سوف أتحدّث عنه الليلة.

ولكن، ماهو الدّور الذى تقوم به وسائط الإعلام بشكل عام؟

(يتبع) ...
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(2 من 7)

إنّما تقوم به وسائط الإعلام، هو حمايةُ العُرف الإجتماعى واستغلاله "كنقطةٍ مرجعيّة" يتمّ بموجبها الحُكم على الأشخاص والأشياء. وبعبارات أخرى، فإنّ وسائط الإعلام تعمل على حماية كلّ ما يُنظر إليه فى "المنطقة الخالية من الإزعاج" على أنّه "أمرٌ واقعيّ".

مثال:
لو أنّنا كنّا نمتلك قبل قرون قليلة ماضية، ما نمتلكُه اليوم من أجهزة الإعلام، لكانوا أصدروا حُكماً بالجنون أو سوء السّلوك، على كلّ من قال بأنّ الأرض كرويّة ودائرية، وذلك لأنّ معيار "الواقعيّة" وفقاً لحُكم "المنطقة الخالية من الإزعاج" فى ذاك الوقت، كان يقول بأنّ الأرض مسطّحة. وبعد أن انهارت تلك "الواقعيّة" بفضل الأدلّة القويّة، ثم تحوّل "العُرف" السائد داخل "المنطقة الخالية من الإزعاج" ليقول بأنّ الأرض كرويّة، أصبح "مجنوناً" وبشكلٍ مُفاجئ، كلّ من يقول بأنّ الأرض مسطّحة.

لذلك، فإذا قام اىُّ شخص بالتصرّف بشكل خارجٍ عمّا يعتبرُه العامّةُ "مألوفاً" فى ذلك الوقت، فسوف تحكم عليه وسائل الإعلام على الفور، بالجنون أو بسوء السلوك، وذلك لأنّ "النُّقطة المرجعيّة" فيما يتعلّق بسلامة العقل والواقعيّة بالنّسبة لتلك الوسائل، هى "ما يقول به العُرف".

وهناك عدّة تقنيات أساسيّة تُسخدَم فى التحكّم بالعقول. وتلك التّقنيات، هى أدوات دعائيّة بالغة القوّة. أمّا أكثرها فعاليّة وقوّة، وما يجرى تطبيقه علينا فى كلّ وقتٍ من الأوقات، فهو ما أُسميه "الحلّ المبنى على ردّة الفعل تجاه المشكلة". إنّ تلك، هى تقنية خاصّة بالتحكّم فى العقول. وهى لا تُسخدمُ فقط لمنع الإعتراض على أهداف الفئة المُتحكّمة، ولكنّها فى واقع الأمر، تدفع بالناس لأن "يُطالبوا" تلك الفئة، بأن تفعل ما تُريد أن تفعله!.
هل ترغب قى مُشاهدة تلك التقنية، والكيفيّة التى تعمل بها؟ ..
عليك إذاً بمشاهدة الأخبار، وقراءة الصحف، ولكن تحت إضاءةٍ مختلفة بالكامل. وعندها ستشاهد تلك التقنية وهى تؤدّى عملَها.

وهذه التّقنيةُ تلك تعمل كما يلى:

عليك أوّلاً أن تبدأ بخلق مشكلةٍ ما فى العالم -بطريقة سرّيّة- مع التأكُّد من أنّ أحداً ما فى الساحة العامّة –أى فى مُستوى العقل العام- سوف يُتّهم بالتسبُّب فيها. ربّما تكون تلك "المُشكلة" إشاعة عن العملات، أو عن انهيارٍ فى الحكومة. وربّما تكون المشكلة فى وجهها الأكثر تطرُّفاً، حرباً من الحُروب. علماً بأنّ الحربين العالميّتين اللتين وقعتا فى هذا القرن –أى القرن العشرين- كان قد جرى تمويل جميع أطرافها من قِبَل نفس الأشخاص، وهذا ما تمّ إثباتُه. فقد كان الأشخاص الذين قاموا بتمويل الحُلفاء فى الحرب العالميّة الثانية، بالإضافة لتمويل الإتّحاد السوفيتى، هم ذاتُهم الأشخاص الذين موّلوا هتلر عبر قروض أمريكيّة عُرفت وقتها بِ"خُطّة يونج" وخُطّة دورز"، وكذلك عبر الشركات الألمانيّة التّابعة لشركات أمريكيّة متعدّدة الجنسيّات.

فلماذا يفعلون ذلك؟
لماذا يسعى أىّ كائن كان، لتمويل جميع الأطراف فى حربٍ من الحُروب؟
ماهو الوجه الحسَن لتلك الحروب؟

أوّلاً، تُحقّق الحُروب فى مُستوىً من مستوياتها أموالاً طائلة، خاصّةً إذا كنتَ أنتَ من يمنح القروض لجميع الأطراف، ويبيع لهم الكثير من الأسلحة وكلّ الأشياء الأخرى. ولكن السبب الرئيس للحرب، هو "تغيير طبيعة مجتمعات ما بعد الحرب". وما شاهدناه فى الحرب العالميّة الأولى وفى الحرب العالميّة الثانية، كان بمثابةِ أمثلة عالميّة ضخمة عن "الحل المبنىِّ على ردّةِ الفعل تجاه المشكلة". وقد جرى ذلك على النحو التالى:

تُطبخُ "المشكلة" بشكل سرِّى، ثم تُستخدم الوسائط الإعلاميّة لأجل "تعبئة الرأى العام" فيما يتعلّق بتلك المشكلة التى تمّ صُنعُها صناعةً، إلى الحدّ الذى يدفع بالرأى العام نحو التفوُّه بعبارات كلاسيكيّة من قبيل: "شئٌ ما يجب أن يُفعل"، و "هذا الوضع يجب ألاّ يُترك ليستَمِر"، وهى عباراتٌ عادةً ماتكون متبوعةً بِما معناه "إنّنى أتنازل لكم عن قوّتى"، و "ماذا سيفعلون تجاه ذلك؟"

وفى تلك النقطة، سيتّجه أولئك الذين خلَقوا المشكلة، ثم أوجدوا الجهة التى ستُوجّه نحوها أصابع الإتّهام، وقاموا بتعبئة الرأى العام، سيتجّهون علناً نحو الساحة العامّة، أى فى البرلمانات حول العالم، وفى الصحف وعلى التلفاز ليطرحوا بأنفسُهم، حلولاً للمشكلات التى أوجدوها. وفى هذه الأثناء، سيدفعون بأعدادٍ ضخمة من البشر "للمطالبة" بتطبيق الأشياء التى سعى هؤلاء لتطبيقها.

فإذا كنتَ -على سبيل المثال- ترغبُ فى وضعِ المزيد من كاميرات المُراقبة على الطرقات -وهى تتواجد فى كلّ مكان فى بريطانيا- وكنتَ ترغب فى تواجُد المزيد من أفراد الشرطة المسلّحين، وفى المزيد من القوانين السلطويّة، وفى المزيد من تقويض الحُريّات، ولكنّك ترغب فى أن "يطالبك" الجمهور بأن تفعل ذلك، فكلّ ما عليك فعلُه، هو رفع مستويات "الخوف" من الجريمة لدى الجمهور.

إنّ ما عليك فعلُه هو إمّا أن تترك المجتمع ليتفكّك بحيثُ يرتفع مستوى الجريمة فيه، أو أن تتأكّد من أنّ مستوى الجريمة سيتمُّ تسجيله بأعلى ممّا هو عليه فى الواقع. عليك أن تدَع الناس يخافون، وأوّل ما سيفعله النّاس عندما يكونون تحت وطأة الخوف، هو أنّهم سيبحثون عمّن سيحميهم ممّا يخيفهم. إذاً، دع الناس يخافون من التعرُض للسرقة، دع الناس يخافون من التعرُّض للأذى على الطريق، وسوف "يطالبونك" بمصادرة حرّياتهم. سيطالبونك بوضع كاميرات المراقبة على الطرقات، وبالمزيد من القوانين السلطويّة.

لقد كان علىّ أن أقدّم برنامَجاً على راديو البى بى سى، القناة الخامسة فى السنة الماضية. وكان لدىّ موضوع بعنوان "الكاميرات على الطرقات". إنّ هذه الأشياء –الكاميرات- مُنتشرةٌ فى كلّ مكان كما تعلمون. سيقولون لك: "هل تريد أموالاً لمساعدة المشرّدين؟ لا، الإقتصاد ليس جيّداً بما يكفى، عليك بالإنتظار حتى تحصُل على مثل هذه الأشياء. هل تريد كاميرات مراقبة على الطرقات؟ حسناً، هذا هو "الشيك"."
وقد كان هنالك رجلٌ يعمل فى مجلس المدينة فى "أنجيليا الشرقيّة" وقد قال الرّجل: "بأمانةٍ أقول، أنّ معدّل الجريمة فى مناطقنا لا يستدعى وجود كاميرات على الطرق، ولكنّ المواطنين هناك اعتقدوا بعكس ذلك، فلذلك، قمنا بتركيبها هناك حتى يتحصّل المواطنون على شعور أفضل":

إنّه "الحلُّ المبنىُّ على ردةِ الفعل تجاه المشكلة !"

ولدينا هنا مثال ملائمٌ جدّاً حدَثَ فى السنوات القليلة الماضية: البوسنة.
لقد كان الهدف من عمليّة التحكّم منذ أمد بعيد، هو جعل سكّان العالم -أو مُعظمهم- يستحسنون فِكرةً بعينها، أو يرونها "الخيار الأوحد" فى ظلِّ ظروف بعينها، وهى ظروفٌ تمّت صناعتُها بإحكام شديد. والفكرة هى "إنشاء حكومة واحدة للعالم" بحيث تتحوّل الدّول إلى محافظات أو وحدات إداريّة. وإنشاءُ بنك مركزى عالمى يتولّى إدارة جميع المعاملات الماليّة على ظهر الكوكب. وإنشاءُ عُملة عالميّة ليست بمعدنيّة أو ورقيّة، ولكنّها عبارةٌ عن "مجتمع إلكترونى لانقدى"، ما سيكون له مضامين أساسيّة فيما يتعلّق بالحريّة كما سوف نرى هذه اللّيلة. وكذلك، جيش عالمى تحت قيادة مركزيّة، مع تفكيك جيوش الدول تحت ذريعة "تحقيق السلام"، وسكّان يحملون رقائق دقيقة فى أجسادهم بحيثُ يتمُّ توصيلهم بحاسوب عالمى. وهذه الأخيرة قد تبدو غريبة للبعض عند سماعها لأوّل وهلة، ومع ذلك، فقد أصبحنا قريبين منها بشكل يدعو للضحك. كما أن التقنية ذاتها موجودة بالفعل.

إذاً، فلنأخذ جانباً واحداً من جوانب "الحلّ المبنى على ردّةِ الفعل تجاه المشكلة"، وهو الجيش العالمى، ثمّ نقوم بمقارنته مع ما حدث فى البوسنة. إنّ آخر ما يرغبُ فيه أولئك القائمون على تطبيق تقنية "التحكّم بالعقل"، هو أن يظلّ الوضع القائم فعّالاً، لأنّ ذلك سيعنى أنّه لن تكون لديهم ايّة "مُشكلة"، ما يضعُهم فى ورطةٍ حقيقيّة. إذاً، فقد كان عليهم التأكّد ليس فقط من أن قوّة حفظ السلام الأمميّة قد أصبحت عديمة الفاعليّة، وإنما هى أصبحَت كذلك فى وضع حرج > "مُشكلة".

وكلّما كانت الصور القادمة من البوسنة أكثر ترويعاً –كما حدث خلال السنوات القليلة الماضية- كلّما كان ردّ الفعل الشعبى والسياسى أكبر، وذلك على شاكلة: "إنّ شيئاً ما يجب أت يُفعل، هذا الوضع يجب ألاّ يستمر، ماذا سيفعلون حيال هذا الوضع؟". ثمّ ماذا كان الحل؟ جيش دولى قوامه ستّون ألفاً، وقيادة مركزيّة. لقد كانت تلك، هى القوّة المتعدّدة الجنسيّات الأضخم من نوعها التى يتم جمعها على الأرض منذ الحرب العالميّة الثانية، وكان ذلك بالتّحديد وفقاً لمُتطلّبات "التحكّم".

وسوف أطلعُكم لاحقاً على دليل إضافى، يُثبتُ أنّ ما تمّ بالتحديد، كان هو الهدف من وراء حرب البوسنة.
إنّ إشعالَ حرب هو أمرٌ سهل. (ليس هنا فى هذه الغرفة من يرغب فى القتال هذه اللّيلة؟ حسناً). ولكنّنى أستطيع أن أمشى بين الحضور. أستطيع أن أبدأ قتالاً مع شخص ما، وهو سيُدافع عن نفسه. سوف يتقدّم أشخاصٌ آخرون من بين الحضور لمساعدته. وفجأة سيجد الحضور الذين لم يكونوا يرغبون أصلاً فى القتال، سيجدون أنفسهم فى وسط الفوضى والتلويح بالقبضات والأكف والأيادى فى كلّ مكان. قُم بتطبيق ذلك على المستوى الدولى مع الجيوش، وستجد أنّ إشعال حرب هو أمرٌ سهل.
ولكنّك لكى تحافظ على استمراريّة الحرب، ستكون بحاجة للمال:
الأشخاص أنفسُهم يسيطرون على المال!.
ولكى تحافظ على استمرار الحرب، ستكون بحاجة للسلاح:
الأشخاص أنفسهم يسيطرون على السلاح!.

والكيفيّة التى يتمّ وفقاً لها إنجاز كلّ ذلك، وبواسطة أشخاصٍ قلائل فى القمّة، هى كما يلى:
إذا نظرت اليوم لأىّ منظّمة، إذا كانت تلك المُنظّمةُ جامعة، أو مدرسة، أو حكومة، أو مجتمع سرّى، أو شركة متعدّدة الجنسيّات، أو أىّ نوع من الأعمال، فستجد أنّ لها تركيبةً "هرميّة". إنّ "الهرم" هو أساس تركيبة مجتمع اليوم. وأعتقد بأنّنا فى الواقع نتحرّك فى خضَمّ "الصحو الروحانى" الماثل الآن، من "الهرم" إلى "الدائرة"، وهى شئ مختلف جدّا من حيث الطريقة التى يُمكن للنّاس بها أن يُساهموا فى المجتمع.

إنّ الوضعَ الهرمىَّ يحدث كما يلى: فى أىّ منظّمة، يكون هنالك عدد قليل جدّاً من الأشخاص على قمّة الهرم. وهؤلاء الأشخاص القلائل، يعلمون على وجه التّحديد، كل شئ عن تلك المنظّمة مثل ماهى أجندتُها، وما هى الأهداف التى تسعى لإنجازها. وكلّما اتّجهتَ نحو الأسفل نزولاً من تلك القمّة، فستلتقى بالمزيد من الأشخاص الذين يعرفون أقلّ فأقل عن تلك المنظّمة. فهُم يعرفون فقط الجزء الذى يتعلّقُ بهم. وكالة الإستخبارات الأمريكيّة المركزيّة “CIA”، تُطلق على ذلك النّظام، نظام "تقسيم المقصورات - compartmentalization" وهو يعنى أن تحجب عن جميع الأشخاص الآخرين فى النظام الهرمى، الكيفيّة التى يرتبط بها ما يفعلونه –والذى قد يبدو عفويّاً فى ظاهره- بما يفعله آخرون فى نفس الهرَم، بعفويّة ظاهريّة، وذلك بغرض إنتاج أنماط غاية فى الخُبث.

كنت أتحدّث إلى رجلٍ عمل لعشرين عاماً فى محطّة للتنصّت فى رئاسة الإتصالات الحكوميّة فى "شيلتون - Shelton" حيث قال لى، إنّ مبنى المحطّة قد تمّ تركيبه على أساس نظام "تقسيم المقصورات". فإذا عمِلتَ فى رئاسة الإتصالات الحكوميّة، فسوف تكون لديك بطاقة إلكترونيّة تسمح لك بالدخول فقط إلى الجزء الذى تعمل فيه، وسوف لن يُمكنك الذهاب إلى أىِّ مكان آخر. إذاً، فالأشخاص الوحيدون فى ذلك المبنى الذين يعلمون كلّ شاردةٍ وواردةٍ فيه، والكيفيّة التى ترتبط بها الأشياء ببعضها، وكلّما يحدث فى الحقيقة، والنمط الحقيقى الذى تحدث وفقه الأشياء، هم أشخاص قليلون جدّاً فى قمّة الهرَم. وتلك، هى الكيفيّة التى يجرى بها العمل بشكلٍ دائم.

الماسونيّون الأحرار، هم مثال كلاسيكى لذلك النِّظام (نظام التحكّم الهرمى). وإذا قُلتَ بأنّ لتنظيم الماسونيّين الأحرار السرّى دوراً فى ذلك النّظام، فسيعتقد الناس بأنّك تقصد من ذلك، أن كلّ "ماسونى حُر" يسعى للتحكّم بالعالم باتجاه ديكتاتوريّة عالميّة، وهذا شئٌ مضحكٌ جدّاً. فهُم بالطّبع لا يفعلون ذلك. ولكنّك إذا نظرت فى تركيبة "الماسونيّة الحرّة"، فستجد إنّ الغالبيّة العظمى من الماسونيين الأحرار فى هذا العالم -وهُم أولئك العوام منهم الذين يرتادون الصّالات ويظهرون بمظاهر مُعيّنة- لا ترتقى أبداً إلى مافوق المراتب الدنيا الثلاث. أمّا فى الجناح الإسكوتلندى لتنظيم الماسونيّة الحُرّة، والذى يخترق الكثير من الأنظمة السياسيّة فى العالم، وخاصّة فى أميريكا و مناطق أخرى، فهنالك ثلاثون درجة أخرى أعلى، وصولاً للدرجة الثالثة والثلاثون، وهى درجاتٌ لايقترب منها معظم الماسونيّين الأحرار. وهنالك ثلاثة عشرة مُستوىً آخر أعلى، لا يُعترف بوجودها رسميّاً، وهى ما يُطلق عليها البعض "الطبقات المستنيرة". وفى هذه المُستويات الأخيرة، يقطُنُ المجتمع الماسونى السرّى فى كونٍ يختلف عن الكون الذى تقطنه الغالبيّة العظمى من الماسونيين الأحرار فى أسفل المنظومة: إنّه "نظامُ تقسيم المقصورات"، وتلك هى الطريقة التى يعمل بها.

إذاً، فإنّ كلّ واحدة من تلك المؤسّسات التى تتحكّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّم فى توجيه العالم فى حياتنا اليوميّة، هى منظومةٌ "هرَميّة". فالنظام المصرفى نظامٌ "هرمى". إذا دخلتَ فى أحد البنوك المحليّة، فإنّ الشخص الذى ستقابله على الكاونتر، لن يعرف ما يجرى حتى فى مكتب المدير المُجاور له من النّاحية الخلفيّة، ناهيك عمّا يجرى على مستوى مجلس الإدراة وما فوقه.
إلتقيت بشابٍّ الأسبوع الماضى سبق وأن عمل فى أحد البنوك، وهو الآن متقاعد. لقد عمل ذلك الشّاب فى أحد البنوك البريطانيّة الكبرى، وكان قد ارتقى فيه إلى مستوى عالٍ جداً. وبعد أن سمعنى أتحدّث، حضر لمقابلتى بعد ذلك وقال لى: "أتعلم، إنّ ما قلتَه صحيح، إذ أنّنى كنتُ قد رُقّيتُ إلى مرتبة عالية جدّاً فى هذا البنك، ولكن كانت هنالك مرتبة أعلى منها لا يصل إليها إلاّ من يختارهم أولئك النّخبة القليلون".

إذاً فالنظام البنكى هو "هرَم" يتمّ الصّعودُ فيه نحو القمّة. شبكة الإستخبارات فى العالم هى "هرَم" كذلك، صعوداً نحو القمّة. أمّا فى تلك القمّة، فهنالك جميع وكالات الإستخبارات الرئيسيّة: الإستخبارات البريطانيّة، الموساد، السى آى اي. وكلّ تلك المُنظّمات حول العالم، هى نفس المنظّمة. إنّهم ليسوا هنا، ولكنّهم هناك. شبكة الشركات متعدّدة الجنسيّات هى أيضاً "هرَم"، وكذلك وسائط الإعلام العالميّة. وهنالك "هرَم عالمى" يعمل بداخله كلّ هؤلاء، وهو الذى تلتقى بداخله كل تلك المنظّمات (البنوك، الأعمال، الإعلام، ..) وتتّحدُ جميعُها فى قمّة واحدة. و كما قد يتوقّع البعض، فقد لا توجد هنالك أكثر من ثلاثة عشرة أسرة -13 شخصاً- على قمّة الهَرَم. وهؤلاء، يمتدّ نفوذهم عبر تلك المستويات المختلفة نزولاً نحو القاعدة، بهدَف تطبيق سياسةٍ أساسيّة واحدة. تلك السياسة، هى الدّفع بالعالم نحو المزيد من "تركيز القوّة" (أى جعلها مركزيّةً أكثر فأكثر).

وفى داخل ذلك الهرَم العالمى، هنالك سلسلة من المنظّمات التى –بحسب تجربتى- لم يسمع عنها معظم الصحفيين على الإطلاق. ولكنّها من خلال عملِها بروح الفريق، تُشكّل نواةً لحكومة سريّة للعالم. إنّ هذا يحدث على مُستوىً أعلى من مستوى كلينتون والجنرالات والقيادات العسكريّة. وهم بالتأكيد، يتلاعبون بالأحداث، بغرض ضمانِ وصول منسوبيهم إلى مواقع القوّة.

وهنالك تلك "الخُرافة الصغيرة"، والتى يعمل السياسيّون ووسائط الإعلام على استمراريّتها. فالسياسيّون يمشون على منصّة العالم، وكأنّهم أصحاب القرار النّهائى فيما يتعلّق بالقوّة على مستوى العالم. لذلك، تبدأ الكاميرات بالدّوران بفلاشاتها حول العالم عندما يتحدّث أحد الرؤساء، وهو ما ينطبق كذلك على رؤساء الحكومات. فالأجهزة الإعلاميّة تُقدّم العالم، وكأنّ الرؤساء ورؤساء الحكومات، هم أصحاب الكلمة الأخيرة وصنّاع القرار فيه، ما يعنى أنّ أولئك الأشخاص فيما "فوق مستوى الرؤساء" -وهُم صنّاع القرار الحقيقيين فى الواقع- يبقون بعيداً عن بؤرةِ الضُّوء، ولايجرى الكشفُ عنهم بواسطة أجهزة الإعلام الرئيسيّة، حتى يتمُّ اعتبارهم "غير موجودين".

ومع ذلك، فمن ذا الذى يقرّر من سيُصبح رئيساً للولايات المتّحدة الأمريكيّة، أو حتى من يترشّح لمنصب الرئيس؟ إنّ أولئك الذين يتحكّمون بالمال، هُم من يقرّرون من يترشح لمنصب الرئيسي، وكذلك الذين يتحكّمون بالإعلام، علماً بأنّ الأشخاص أنفسهم، هم من يتحكّمون بالجهتين (المال والإعلام). لذلك، فأولئك الأشخاص لا يُحدّدون فقط المرشّح "الجمهورى"، ولكنّهم يحدّدون أيضاً المرشّح "الديمقراطى". وهذا يحدثُ أيضاً حول العالم.

(يتبع) ...
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

الاعزاء عمر وسيف الدين
اريد أن أؤكّد على إشكاليات الامم المتحدة المتمثّلة فى:
- نفوذ وهيمنة (النادى النووى) شبه المطلقة علي قراراتها ، وهى حقيقة الأعضاء الخمسة الدائمين ذوى الفيتو الجائر والذى استخدمته امريكا مثلاً لإبطال 32 قرار ضد اسرائيل!!
- كون المؤسسة أساساً مؤسسة حكومات وليس قاعدية الطابع او نابعة من المجتمع المدنى
- حقيقة ان كل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية فى يد مجلس الأمن ، لاحظ ان الدول الخمسة فى مقدمة تجار السلاح فى العالم.
- احد خيبات الامم المتحدة العنف على سكان West Papua (الأصليين for a lack of a better expression ) تحت بصر الامم المتحدة ، دا اذا غضضنا النظر عن سخرية أن تعيد الامم المتحدة انتخاب السودان فى مفوضية حقوق الانسان !!!! أو الأظرط من ذلك أن يترأس بنى آدم مثل القذافى رئآسة المفوضية!!!!

قصدت عن تحالف قوى لها مصالح فى مقاومة راس المال المعولم ومؤسساته . لا أود على كل حال فى الواقع المذرى الحالى من استثمار الانقسامات الاثنية والحروب وإضعاف حركات المقاومة من سلب الامم المتحدة من بعض انجازاتها طبعاً .

أريد أن أؤكّد أيضاً على ضرورة البناء على الانتصارات التى حققتها الشعوب حتى الآن كما تكرّكم عمر بذلك من:
"الوعى البيئى المتنامى" كعمل يصب فى ذلك الاتجاه و"الوعى بحقوق الإنسان "وإن على المُستوى النّظرى حتى الآن" و"الحساب العسير من قِبَل بعضِ الشّعوب، والذى أصبح من الصّعب على البعضِ من حكومات العالّم "المُتحضّر" الإفلات منه، هو أيضاً من الأعمال التى تصبّ فى ذات الإتّجاه " كم ذكر عمر.

كما تشكر مرة أخرى ياعمر على ترجمة الفيديو الرصينة لتعميم الفائدة.

مودتى

الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


الشّكر لك أخى الفاضل على إضافتك المُهمّة ..

والنّقطة التى أشرتَ إليها فيما يتعلّق بالأعضاء الخمسة "الدّائمين" هى نقطة بالغة الأهمّيّة، من حيث أّنها على المستوى السّياسى، تكشف الكثير عن زيف الشّعارات التى يرفعها على وجه الخصوص، ثلاثة من أولئك الأعضاء وهم: بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتّحدة الأمريكيّة، باعتبارهم الأعضاء الأكثر "تشدُّقاً" فى الحديث عن الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان.

فكيف يُمكن الحديث عن ديمقراطيّة حقّة إذا لم يكن الأقوياء هم من يُشرفون على تطبيقها ليس فقط على الصّعيد الدّاخلى فى بلدانهم، وإنّما على المستوى الدّولى أيضاً؟

اليس صحيحاً القول بأنّ الحرب لاتزال قائمةً لأنّ العالَم لايزال محكوماً بما أسفرت عنه الحرب العالمّية الثّانية من اتّفاقات بين الدّول "المُنتصرة" فى الحرب؟ بمعنى أنّ ذهنيّة "الإنتصار" هى الفيصل الفعلى فى العلاقات بين الدّول؟

نعم، المؤسّسات القائمة والقابعة على قمّة هرم المنظومة البشريّة هى "حكومات" ولكن فى الظّاهر فقط، لأنّ هنالك من يُحّدّد من وراء الكواليس -أى بعيداً عن الأضواء والإعلام- من يرأسون تلك الحكومات، خاصّة فى الدّول "المؤثّرة"، بل ومن يترشّحون لرئاستها كذلك. وكلّما يُقدّم لشعوب تلك البلدان، حتى فى أمريكا وبريطانيا، لايتعدّى أن يكون وجبةً من "إشباعٍ حِسّى" عبر ضجّة إعلاميّة واعدةٍ بالتغيير.

وعلى سبيل المثال، فقد تفاءل الكثيرون ليس فى أمريكا فقط، وإنّما حول العالم، بانتخاب "أوباما" رئيساً للولايات المُتّحدة الأمريكيّة -وكنتُ منهم كالكثيرين من أبناء وطنى- على الرّغم من شعورٍ خفى داخلى منعنى من الإفراط فى التّفاؤل. فمالذى حدث بعد أنّ بدأ الرّجل بهمّة ونشاط ما بدا وكّانّه تغيير حقيقى سيطرأ على قضيّةٍ شاءت لها الولايات المتّحدة أن تكون قضيّةً "مزمنة"، ألا وهى "الإحتلال الإسرائيلى لفلسطين"؟

بعثوا إليه بضيفين "غير مدعوين" فى حفل عشاء فى البيض الأبيض، بعد أن تمكّنا -أو بالأحرى تمّ تمكينهما- من اجتياز جميع الحواجز الأمنيّة "المُستحيلة" والمضروبة حول ذلك المكان. ولأنّ الرئيس "أوباما" كان "لبيباً"، فقد فهم الإشارة، لأنّ اللّبيب كما يُقال، "بالإشارة يفهم". وقد وصفت أجهزة الإعلام الحادث بانّه "خطأ أمنى".

فى الديّمقراطيّة الأمريكيّة، يكفى نائبٌ تمّ انتخابُه لمجلس النوّاب، من مواطنين يُفتَرض أنّهم "أحرار"، يكفيه أن "يُشكّك" فى مصداقيّة الرّواية الحكوميّة لأحداث "سبتمبر"، حتى يواجه المتاعب، وقد يفقد مقعده نتيجة لذلك، كما حدث بالفعل لنائبةّ -لا أذكر إسمها- تحدّثت عن تواطؤٍ من جهاتٍ أمنيّة فى تلك الأحداث فى عهد الرئيس السّابق "بوش الإبن".

إنّ فاقد الشئ لا يُعطيه.

والمنظومة الهرميّة التى كانت ولاتزال تتشكلّ بطريقةٍ تلقائيّة حيثما وجدت التّجمّعات البشريّة، نتيجةً للتماهى البشرى الفطرى والغريزى بالعقل المُفتقر للوعى فى حالته "العاديّة"، والقابل للتهيئة والبرمجة والتسيير عبر الكبس على أزرار "الخوف" فيه، لابدّ لها من التفكّك، لتقوم على أنقاضها المنظومة "الدائريّة" -والتى أشار إليها ديفيد آيك فى حديثه- والتى يقف البشر كُلّهم على بُعد واحدٍ من مركزها وفقاً لإنسانيّتهم، لا أن تنبنى على نظام "القوى ياكل الضّعيف" كما هو الحال فى المنظومة الهرميّة الحالية، علماً بأنّ الأقوياء حقّاً هم أولئك الذين يوجدون فى قاعدة الهرم وليس قمّته، إلاّ أنّهم ليسوا مُدركين بحقائقهم.

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(3 من 7)

لقد بدأ تشكيل هذه المجموعة من المنظّمات، بُعيد تأسيس أحد المُجتمعات السّريّة فى بريطانيا. وذلك لأنّ بريطانيا كانت تُعَدُّ مركزاً حقيقيّاً لتلك المُجتمعات. كان هنالك مجتمع سرّى يُدعى "المائدة المستديرة"، ومن ضمن أعضائه رجل يُدعى "سيسل رودس"، وهو الذى سُمّيت روديسيا (زيمبابوى حالياً) بإسمه.

وفى عام 1919 فى مؤتمر السلام بفرساى، إلتقى الأعضاء الأمريكيون فى مجتمع "المائدة المستديرة" السرّى ذلك، وهم اللاّعبون الأساسيّون الذين خاضوا الحرب العالميّة الأولى من وراء الحكومة الأمريكيّة، والذين اعتُبِر وجودُهم هناك " صُدفةً محضة!"، إلتقوا فى فندق "ماجيستك" بباريس بأعضاء بريطانيين فى ذاتِ المجتمع السرّى، والذين كانوا أنفسهم أعضاء أساسيين فى حكومة الحرب البريطانيّة أثناء الحرب العالميّة الأولى، فيما اعتُبِر أيضاً "مُصادفةً أخرى!". لقد قرّر هؤلاء البدء فى تكوين منظّمات فرعيّة تعملُ معاً من أجل تأسيس "حكومة العالم السريّة"، أو جزٍء كبير منها. وقد أُنشأت أولى تلك المنظّمات فى لندن فى 1920 وتدعى "المعهد الملكى للشئون الدوليّة"، وتعرف أيضاً بِ"شاتوم هاوس- ”Chatom House .

ومرّة أخرى، إحتوت تلك المنظّمات أو "الهرميّات" على أشخاصٍ لا يُدرك معظمهم أجندتها الحقيقيّة. وقد تمّ طرح كلّ تلك المنظّمات على العالم وفقاً لتسمية ظهرت قبل 20 عاماً وهى "لِجان إستشاريّة"، أو "منظّمات حواريّة".

وفى العام 1921، ظهرت المُنظّمة الثّانية من تلك المنظّمات، وهى "النسخة الأمريكيّة" من المعهد الملكى البريطانى وعُرفت باسم "مجلس العلاقات الخارجيّة". والآن، وابتداءً من العام 1921، كان كلّ رئيس للولابات المتّحدة الأمريكيّة تقريباً، عضواً بمجلس العلاقات الخارجيّة الأمريكى. أمّا المعهد الملكى للشئون الدوليّة، فيعمل للسّيطرة على السياسة الداخليّة، وأكثر منها الخارجيّة لبريطانيا. وليس من المُهم من يحكم فى بريطانبا، العمّال أم المحافظون، لأنّ الأشخاص أنفسهم، هم من يُديرون العرض، وهو الأمر الذى بدأ يتّضحً شيئاً فشيئا. كما أنّ مجلس العلاقات الخارجيّة فى أمريكا، قد وُجد لأجل التحكّم والتلاعب بالسياسة الأمريكيّة، وخاصّة الخارجيّة منها، و كذلك السياسات الأخرى.

بعد الحرب العالميّة الثانية، عندما كان لدينا تركيز أكبر للقوّة، وذلك بسبب وقوع حربين فى ذلك القرن. ثمّ ماذا حدَث؟: " إنّ شيئاً ما يجب أن يحدث، هذا الوضع يجب ألاّ يستمر، مالذى سيفعلونه بهذا الخصوص؟"
إذاً، فبعد الحرب العالميّة الأولى، أصبح العالم أكثر مركزيّة من حيث القوّة. أمّا بعد الحرب العالميّة الثانية، فقد صار العالم أشدّ مركزيّة من قبل. إذاً، فتلك هى اللّعبة، وتلك هى الفكرة، وذلك هو الهدف.

فى 1954 ظهرت منظّمة هى اليوم من ضمن المُنظّمات الأساسيّة فى تلك الشبكة وتُدعى "مجموعة بيلدربيرج - Builder-Berg group". وقد احتمعت تلك المجموعة رسميّاً للمرّة الأولى فى عام 1954 فى فندق "بيلدربيرج" بهولندا، برئاسة عضو فى العائلة المالكة الهولنديّة يُدعى الأمير "بيرنارد". ولهذا الأمير سيرةٌ ذاتيّةٌ مُثيرةٌ للإهتمام. فقد كان –وفقاً لمنشوراتٍ عديدة- عضواً بالأجهزة السريّة فى فترة ما قبل الحرب، كما عمل لصالح المخابرات الألمانيّة أثناء الحرب، ثمّ أصبح المالك الرئيس لأسهم شركة "شل للبترول" بعد الحرب. والرئيس الحالى لمجموعة بيلدربيرج هو اللورد كارينجتون، الوزير البريطانى الأسبق، والذى كان وزيراً للخارجيّة عندما ارتُكبت تلك الأخطاء التى أدّت لحرب الفولكلاند، ثمّ استقال نتيجة لتلك الأخطاء، ثمّ تمّ تعيينُه أميناً عامّاً لحلف الناتو –يالها من وظيفة جيّدة إذا كان بوسعك الحصول عليها- فاللّورد كارينجتون ورفيقه "هنرى كيسنجر" يظهرون فى كلّ مكان. إنّهم إثنين من أفضل رجال المهمّات فى عمليّة التحكّم هذه، ولكنّهما ليسا فى قمّة الهرَم. أمّا كيسنجر، فقد كان قريباً من تلك القمّة. إنّهما الشخصان اللّذان يقومان بالتحرّك لإحكام ما تقرّر من سياسات، وذلك بأن يلعب أحدُهما ضدّ الآخر وهكذا.

إنّ "مجموعة بيلدربيرج" مثل سائر المُنظّمات الأخرى التى تحدّثتُ عنها، تضمّ فى عضويّتها شخصيّات القمّة، وأعنى "القمّة فى السياسة الدوليّة" –وهذا لاعلاقة له بِ"فريد جون" النائب عن "مارجاى"، أو رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهوريّة أو زعامة المعارضة- . إنّ ما أقصده هو شخصيّات القمّة فى النظام المصرفى العالمى، وشخصيّات القمّة فى شبكة الشركات متعدّدة الجنسيّات، وفى المنظومة العسكريّة العالميّة، والأمين العام لحلف الناتو -وهو بالتأكيد من ضمن تلك الشّخصيّات، لأنّ هذا المنصب هو من صلاحيات مجموعة "بيلدربيرج"- بالإضافة لشخصيّات القمّة فى الإعلام العالمى.
وبمجموعة بيلدربيرج لجنة للتّوجيه تجتمع عادةً فى بريطانيا بصورةٍ شهريّة لمناقشة السّياسات، وللمحافظة على سير هذا البرنامج، أى "برنامج تركيز القوّة" باتجاه حكومة عالميّة، والتى يُعتبر الإتّحاد الأوروبّى–ويا للمصادفة- عتبةً فى الدّرج نحو تحقيقها.

وهنالك احتماعٌ للمجموعة يُعقد مرّةً كلّ عام فى مكان ما فى العالم، تحت سرّيّة مشدّدة. ولها قاعات إحتماع ضخمة تضمّ عدداً من الشخصيّات التى تتقاطر نحوها من شتّى أنحاء العالم. إنّهم يبذلون مجهوداً جبّاراً للإحتفاظ بسريّة الجهة التى سيجتمعون فيها، ناهيك عن الموضوغات التى سيناقشونها. وقد خالجنى شعور عابر بالدّهشة، عندما كنتُ أكتب كتاباً بعنوان "الحقيقة سوف تُطلق سراحى - "The Truth Shall Set Me Free "، وهو ما سأذكر أسبابه عندما أتطرّق للجانب الروحانى فى هذه المُحاضرة، وهو ما تسبّب بوضعى فى المكان المُناسب فى الوقت المُناسب، بحيث أصبحتُ أشاهدُ ما يحدث من أشياء، أو أقوم بجمع المعلومات.

ومن تلك الأشياء، كان هنالك شئٌ يتعلّقُ بمجموعة بيلدربيرج:

ففى يونيو الماضى، وجّهت لى دعوة لزيارة أحد أصدقائى، والذى كان يعمل مدرّساً فى سويسرا. وقد تم التّرتيب للزّيارة لمدّة تتراوح من 6 إلى 9 أشهر، كما تمّ حجز التّذاكر جميعها قبل مدّة طويلة من بدء الزّيارة. وقبل خمسة أيام من مغادرتى إلى سويسرا، وصلنى خطاب من أحد الصحفيين فى الولايات المُتّحدة الأمريكيّة، والذى كان يعمل لإحدى الصُّحف البديلة (أى ليست من صحف التيّار الرّسمى)، وكان قد نذر حياته لمطاردة مثل تلك المنظّمات، وخاصّة مجموعة "بيلدربيرج"، للكشف عن المشاركين فيها، وماهيّة أجندتهم، والأهداف التى يسعون لتحقيقها. ولكن حتى ذلك الصّحفى المُتفرّغ بالكامل لتلك المهمّة، كان فى الغالب ما يتأخّر جدّاً فى الكشف عن مكان إجتماع تلك المجموعة فى اليوم الذى سيُعقد فيه الإجتماع. إذاً، فما حدث هو أنّنى حصلتُ منه على هذا الخطاب وهو يقول لى فيه "لقد عرفتُ المكان الذى ستجتمع فيه بيلدربيرج لهذا العام، إنّه بمدينة بيرجنشتوك - Bürgenstock فى سويسرا". وقد حدَث أنّ ذلك المكان، كان يقع على ذات الطريق حيث كنتُ أقيم، وفى ذات الوقت الذى كنت فيه مقيماً هناك -شكراً لك أيّها الكون-
لذلك، فقد وصلتُ للمكان. وهو عبارةٌ عن ثلاثة فنادق، تقع على بُعد ثلاثة أرباع الطريق نحو قمّة ذلك الجبل فى "بيرجنشتوك". السعر: ألف دولار للغرفة فى الليلة الواحدة. والفنادق هى: "البارك The park"، و"القراند The Grand"، و"البالاسThe Palace ".

لقد بدت وكأنّها لمحة من أحد أفلام "جيمس بوند". فقد توقّعت مرور السيّارات المتسابقة بجانبى فى أىّ لحظة –أو شئ من ذالك الجو- وهنالك سيّارات "الميرسيدس" فى كلّ مكان. لماذا؟ لقد جال تساؤلٌ بخاطرى فى كلّ مرّة ألقَت فيها سيّاراتُ الميرسيدس تلك بضوئها حول أولئك الأشخاص، ولمعَت أكتافُهم، وبدلاتهم بصديريّاتها المزدوجة. فهل يعانى هؤلاء الأشخاص ضعفاً فى الذاكرة؟ لا أعلم، ولكن كانت عليهم بطاقات صغيرة كُتِبَتْ عليها أسماؤهم.

لقد بات واضحاً أنّ ثمّةَ شيئاً ما يجرى هناك. ولذلك، قرّرتُ الإستمتاع بالجو لفترةٍ من الوقت. ثمّ أخذَت الأشياء تبدو غريبة جدّاً، فأقرّر المُغادرة، ثمّ أعود فى اليوم الأخير من الأيّام الأربعة التى استغرقها اجتماعُهم. ولكن، ياله من فرق كبير. فالآن لايُمكننى الصعود على الجبل المؤدّى إلى الفندق، وذلك لأن الطريق قد تمّ إغلاقة بواسطة الشرطة السويسريّة، وبالتّحديد فى نُقطةٍ عند سفح الجبل. أمّا عبر الجبل، فقد كانت هنالك نقاط مراقبة عسكريّة. ووفقاً لما قاله الصحفى، كانت هنالك فى الأيّام الأولى لذلك الإجتماع، طائرات مسحٍ تحوم فوق الجبل. لقد كان ذلك الإجتماع، إجتماعاً لمنظّمة خاصّة يحضره عدد كبير من الشخصيّات التى نشاهدها فى الأخبار ونفرأ عنها فى الصحف كلّ أسبوع. وقد أتيحت لى الفرصة بالفعل، للتصويت لهؤلاء فى هذه الديمقراطيّة التى "يُفتَرض" أنّنا نعيش فيها. ومن قبيل المصادفة، إنّ إحدى أعظم "الخرافات" التى أشعر بأنّنا بحاجة لتجاوزها تقول بأنّ الديمقراطيّة هى الحريّة. لا، إنّها ليست كذلك. تلك "خدعة". فأن يحدّد خمسون شخصاً لتسعٍ وأربعين آخرين ما سيجرى فى حياتهم ليس "حريّةً". و كما يحدثُ فى نظامنا الإنتخابى فى بريطانيا، فإنّ (35) يحدّدون للآخرين ما سيجرى فى حياتهم. إنّ تلك قطعاً ليست "حريّة". لقد ارتبط مفهوم الحريّة بالديمقراطيّة حتى اصبح الواحد منهما يعنى الآخر. إذاً، "نحن نعيشُ فى ديمقراطيّة. إنّنا أحرار". ثمّ نحنُ نقبل بكلّ ذلك، بينما نحنُ نرزح فى واقع الأمر تحت نير الطُّغيان.

وعلى أيّة حال، فقداعتقدتُّ بأنّنى سوف أقوم بلعبِ دور "السائح الجاهل" فى "بيرجنشتوك"، وهو ما فعلته وبثقة عالية بالنّفس. وصلتُ إلى الإشارة عند حاجز الطريق، فإذا بأحد رجال الشّرطة يتقدّم نحوى، وقد علمتُ بأنّه شرطىّ سويسرى لأنّ ما هو مكتوب على ظهره كان عبارة "الشرطة السويسريّة". وبحسب ملاحظتى –حيثُ تمتّعتُ بقوّة ملاحظة تفوق الوصف فى ذلك اليوم- فقد كان ذلك الشُّرطى شخصاً لطيفاً، وكان يتحدّث الإنجليزيّة بطلاقة. قلتُ له: "أنظر، لقد أتيتُ إلى هذا المكان قبل بضعة أيّام، وتمكّنتُ من الذّهاب إلى هناك فى الأعلى، فماهى المشكلة اليوم؟.

لقد كان من الواضح جدّاً أنّ ذلك الشُّرطى، لم يكن يعرف ما يحدث بالتّحديد، ولكنّنى أذكر أنّه قال لى، أنّ ذلك الأمر "سرّىٌّ للغاية"، وأن لا أحد سيُسمح له بالذّهابِ إلى هناك قبل الساعة الخامسة، وبعدها فقط سيمكننى العودة إلى الفندق. وقد كان ذلك اليوم، هو اليوم الأخير للإجتماع.

لقد حدث لى شيئان، إحدُهما مثير للسخريّة، ويتمثّل فى ويتمثّل فى أنّنى كنتُ قادراً على إطلاع هذا الرجل (الشّرطى) بما كان يحدث هناك فى الأعلى، وبأسماء العديد من الأشخاص الذين كانوا هناك. فالأشخاصُ ذاتهم هم دائماً من يتواجدون فى ذلك المكان: اللورد كارينجتون، هنرى كيسنجر، ديفيد روكفيللر (من إمبراطوريّة روكفيللر، وهى مُشاركٌ أساسى)، وهنالك ممثّلون لمؤسّسة "روكشاير" يُشاركون أيضاً بشكل أساسى، بالإضافة لعدد من الشخصيّات الأساسيّة الأخرى مثل "أقنيللى" رئيس شركة "فيات"، وآخرون مثله، واللاّعبون الكبار فى النظام المصرفى العالمى، وفى الشّبكة السياسيّة وشبكات الأعمال.

والشئ الآخر الذى حدث لى، هو أنّنى وبينما كنتُ أحدّق فى عينى رجل الشرطة ذاك، كنت أرى فيهما نظام "تقسيم المقصورات"، لأنّه وكما ذكرت آنفاً، أنّ الرجل كان لطيفاً، ومن المحتمل انّ له أبناءً وأحفاد، وهو لا يرغبُ فى أن يورثهم ترِكةً من "طغيان عالمى". ولكنّه لا يعرفُ شيئاً عمّا يقوم بحمايته!. فكلّما قد قيل له هو مايلى: "هناك إجتماع سرّى للغاية، لا تدَع أحداً يمُرُّ من هنا حتى يتم إخطارك". وهذا هو كلّ ما يعلمه.

لذلك، وبالرغم من أنّ الرّجل لا يريد أن يترك لأطفاله ما لا يريد، إلاّ أنّ ما يُحاك فى صميم تلك المنظّمة هو بالتّحديد ما لا يريده لأطفاله، إلاّ أنّه لايعلم شيئاً عمّا يقوم بحمايته –وهنالك البعض من المُشاركين فى الإجتماع، ممّن هم أنفسُهم فى موقع الضّحيّة فى عمليّة التلاعب- لذلك، فقد كان الرّجلُ فى تلك الأمسية، يحجب عن العامّة بعضاً من أولئك الذين يريدون أن يتركوا لأطفاله مالا يُريده لهم على وجه التحديد.

إنّ لدينا فى "بيرجنشتوك"، وضعاً فى غاية السريّة. فهناك منظّمة سريّة -لجنة إستشاريّة !- تم إحضارهم بطائرات خاصّة إلى مطار عسكرى عند سفح الجبل، ثمّ حملوهم جوّاً من وراء نطاقٍ أمنىٍّ بطائرات مروحيّة، ثمّ أخذوهم بالسيّارات إلى ذلك المكان فى الأعلى. أمّا إذا كان موقفك هو الموقف الصحيح فى اعتبار الأشخاص المسيطرين على تلك المنظّمة، فسوف تندهش كثيراً عندما ترى كيف أنّ وضعك المهنى سوف يقفز عالياً إذا دُعيتَ لحضور واحدٍ من تلك الإجتماعات.

فى السبعينات، كانت هنالك شخصيّة مجهولة خارج بريطانيا إلى حدّ كبير. وكانت تلك الشخصيّة هى المتحدّثة باسم حزب المحافظين المعارض واسمها "مارجريت"، وكانت دُعيت لأوّل مرّة لحضور بعض إجتماعات مجموعة بيلدربيرج. ثمّ ارتقَت بعد ذلك لتصبح زعيمة ليس فقط لحزب المحافظين، وإنّما لبريطانيا –رئيسة للوزراء- وذلك خلال فترة الثمانينات، والتى شهِدت حدوث تغييرات فى المجتمع البريطانى عُرفَت وقتها بِ"التاتشريّة". وما يُلفت الإنتباه، هو أنّه كانت لدينا فى نفس الوقت على الجانب الآخر عبر الأطلنطى –بمحض الصدفة طبعاً!- ما أُطلق عليها "الريجانيّة"، والتى "صادف" أن كانت هى نفس السياسات الإقتصاديّة (التّاتشريّة) –أليست الحياة مُسلّيةً مع كلّ هذه المصادفات؟- إنّ من غير الممكن حدوث ذلك، لمجرّد أن هذين الشخصين عمِلا على التأكّد من وصولهما للسلطة فى نفس الوقت، وذلك لأنّ هذا النّوع من الإقتصاد كان مطلوباً على وجه الخُصوص خلال الثمانينات، كجزء من "خطّة التركيز" على المستوى العالمى.

وفى أميريكا فى العام 1991، دُعى حاكم أركنساس المجهول آنذاك، والمدعو "بيل كلينتون"، لإجتماع بيلدربيرج فى "بادن بادن" بألمانيا. وفى خلال عام واحد، كان هذا الرجل يخوض بنجاح إنتخابات الرئاسة الأمريكيّة. وفى العام 1993، كان هنالك شخص مجهول نسبيّاً، وكان المتحدّث عن الشئون الداخليّة بحزب العمال ويُدعى "تونى بلير"، كان قد دُعى لإحتماع بيلدربيرج فى اليونان مع "خصمِه" المحافظ المستشار "كينيث كلارك". وفى غضون عام واحد، أصبح تونى بلير زعيماً لحزب العمّال، ليُُصبح بعدها رئيساً لوزراء هذه البلاد. إنّها قفزة مهنيّة كبرى. إنّ آخر خمسة أُمناء لحلف الناتو –وأنا لا أعرف سوى هؤلاء الخمسة الأخيرين حيث لم أجد الوقت الكافى للبحث، ولكنّهم أكثر من ذلك- هم أعضاء بمجموعة بيلدربيرج. مانفريد فيرمر، جوزيف لُندز ، لورد كارينجتون، ويلى كلاوس، وخافيير سولانا. الدنماركى "أوفى يانسين" عضو فى بيلدربيرج. "رود لوبرس" رئيس الوزراء الهولندى السابق، عضو فى بيلدربيرج. رئيس البنك الدولى "جيمس ولفنسون" وعدد ممّن سبقوه، هم أعضاء فى بيلدربيرج. (ذلك "البنك الدولى" الذى أوجَدت سياساته الإستثماريّة فيما نسميه بدول العالم الثالث فوضى عارمة). أمّا إحدى أكبر سياسات بيلدربيرج منذ العام 1954فكانت إيجاد دولة أوربيّة عظمى ذات بنك مركزى واحد، وعملة واحدة، وتركيز السلطة السياسيّة، واحتواء الإتحاد السوفيتى السابق.
من هو صاحب الصوت الأضخم فى أوروبا اليوم والذى لايفتأ يقول: "يجب ألاّ نتأخر عن جدول الإنضمام للبنك المركزى والعملة الأوروبيّة"؟ إنّه "المستشار كول" من ألمانيا، وهو عضو قديم فى بيلدربيرج مثل العديد ممّن سبقوه كمستشارين لألمانيا. من الذى دخل بنا فى أوروبا؟ إنّه "إدوارد هيث"، العضو فى بيلدربيرج. ومن هم الذين ساعدوه على ذلك من حزب العمّال؟ إنّهم: هارولد ويلسون (بيلدربيرج)، روى جنكنز (بيلدربيرج)، دينيس هيلى (عضو قديم فى بيلدربيرج، وكان حاضراً فى الإجتماع الأول للمنظّمة فى 1954). من هم الذين أيّدوا الإنضمام لأوروبا والبقاء فيها من حزب الليبراليين –الحزب الثالث فى بريطانيا-؟ إنّهم "جو قريمان – عضو بيلدربيرج"، و "ديفيد ستيل – عضو بيلدربيرج"، و "باتى آشتون – عضو بيلدربيرج".

إنّ المناصب الرئيسيّة التى تتحكّم فى اتّخاذ القرار، والذى يدفع شيئاً فشيئاً نحو تركيز القوّة، هى مناصب مشغولة كليّاً أو جزئيّاً بأعضاء من تلك المنظّمات. ربّما كانت تلك مجرّد "مصادفة رائعة"، أو ربّما كُنّا نحن بحاجة لمعرفة ما يجرى إذا كانت لدينا عيونٌ هنا. وآخر تلك المنظّمات، والتى سأذكرها بإيجاز هنا، تُدعى "المفوّضيّة الثلاثيّة". وكما قد يدلّ أسمُها، فإنّها وُجِدَت لتنسيق التلاعب ذاته بين ثلاثة أجزاء من العالم: أميريكا، أوروبا، واليابان. وقد تمّ إنشاءُ تلك المُنظّمة فى 1972- 1973 بواسطة "ديفيد روكفيللر"، أحد الشخصيّات الأساسيّة فى مجموعة بيلدربيرج ومجلس العلاقات الخارجيّة، ورجل آخر يُدعى "بيرزنيسكى" وهو أحد رجالات الجامعة، وكان عضواً فى إدارة كارتر. وربّما كان لإدارة كارتر علاقة بهذا لأنّ المفوّضيّة الثلاثيّة هى مثال جيّد جدّاً للكيفيّة التى يتمّ بها التلاعب بالأحداث، فى الوقت الذى تعمل فيه كلّ هذه المنظّمات كجسم واحد. فالعديد من تلك الشّخصيّات تتمتّع بعضويّة عدد من تلك المُنظّمات فى آنٍ واحد.

لقد كان الهدف الأول للمفوّضيّة الثلاثيّة فى 1972- 1973، هو وضع أحد أعضائها فى البيت البيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكيّة فى أقرب وقت ممكن. وقد نجحت فى ذلك فى الإنتخابات التالية عندما أصبح "جيمى كارتر" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكيّة. لقد كانت إدارة كارتر بالنسبة للمفوّضيّة الثلاثيّة، مثل رحلة سنويّة يقوم بها أحد الأندية الرّياضيّة المرموقة. وقد كان عُمر المُنظّمة (أى المُفوّضيّة الثّلاثيّة) آنذاك 3 أو 4 سنوات.
والتر مونديل، نائب الرئيس كارتر، كان عضواً بالمفوّضيّة الثلاثية . وزير الحارجيّة سايروس فانس، كان عضواً بالمفوّضيّة الثلاثية. مستشار الأمن القومى –وهو منصب رئيسى فى أميريكا- هذه الرجل "بيرزنيسكى"، كان ممّن ساهموا فى إنشاء المفوّضيّة الثلاثيّة.

أمّا فيما دون ذلك المُستوى، فقد كانت إدارة كارتر مملؤةً بأعضاء فى المفوضيّة الثلاثيّة، ومجلس العلاقات الخارجيّة.

(يتبع) ...

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(4 من 7)

والآن، ولأنّنا "نملك الخيار فى أن نعيش أحراراً فى أرضِنا! "، فقد استبدل "الشعب" إدارة كارتر "الديمقراطيّة" بإدارات ريجان-بوش "الجمهوريّة"، والتى كانت أيضاً مملوءة بأعضاء فى المفوضيّة الثلاثيّة، ومجلس العلاقات الخارجيّة. ثم تمّ استبدال الجمهوريين بالديمقراطيين وذلك لأنّ لدينا "إنتخابات حُرّة!!". وإدارة كلينتون الديمقراطيّة مملوءة هى كذلك بأعضاء فى مجلس العلاقات الخارجيّة والمفوضيّة الثلاثيّة. سوف أُخبركم بما يُشبه ذلك فى الشوارع العامّة هنا فى بريطانيا: هنالك متجران للأدوات الكهربائيّة وهما "كاريز - Curries" ومنافسوهما "ديكسونز - Dixons". بعض الأشخاص يذهبون لديكسونز ويقولون: "اريد حسماً – أى تخفيضاً- إنّ الشّراء من ديكسونز هو مضيعةٌ للوقت، أنا لا أرغبُ فيهم، سوف أذهب إلى "كاريز" وأدفع لهم أموالى".

إنّهما –أى ديكسونز وكاريز- مملوكان لنفس الأشخاص!. إنّ أكبر مطعمين من مطاعم الطرق الجانبيّة فى بريطانيا "هابى إيترز – Happy Eaters" و"ليتل شيفس – Little Chefs" هما مملوكانِ لنفس الأشخاص. إذاً، فالمنافسة هى فى واقع الأمر "وهميّة". أسماء مختلفة على واجهاتِ المناجر، ونفس الأشخاص يجلسون من وراء عجلة القيادة. وهذا ما ينطبق أيضاً على السياسة الدوليّة.

وإذا تساءلتَ فقلت: "لماذا لا يُخبروننا عن اجتماعاتهم تلك عبر أجهزة الإعلام العالميّة؟ لماذا لا يُخبرونا عن تلك الإجتماعات التى تجد وسائل الإعلام البديلة (غير الرّسميّة) صعوبة فى الحصول عليها على الرّغم من أنّها تتمكّن من الحصول عليها فى نهاية المطاف؟، وعن الموضوعاتِ المشتركة بين أولئك الذين يشغلون المناصب الرئيسة فى العالم؟ كيف يمكن لأشخاص يبدون فى الظاهر خصوماً سياسيين، ويتجادلون فى العلن، أن يكونوا فى واقع الأمر أعضاء فى اجتماعٍ واحدٍ لمنظّمات لها أجندة مُثبَتَة فى السّعى نحو حكومة عالميّة، ومصرف مركزى عالمى، وجيش عالمى، وعُملة عالميّة، وسُكّان أجسادهم مزروعة بالرقائق الدقيقة؟".

إذا تساءلت فقلتَ مثل ذلك، فربّما كان تساؤلك "قابلاً للفهم".

وهنا سأطرح هذا الإحتمال. ربّما لا نسمع عن مجموعة "بيلدربيرج" وعضويّتها فى صحف "التيليجراف – TheTelegraph" فى بريطانيا، لأنّ مجموعة صحف التيليجراف مملوكة لما يُعرف بمجموعة "هولينجر - The Hollinger Group"، والتى يملكها رجل يُدعى "كونارد بلاك - Conrad Black"، وهو أحد أعضاء "لجنة التوجيه" فى مجموعة بيلدربيرج. ومن قبيل "المصادفة"، فإنّ من أعضاء مجلس إدارته "هنرى كيسنجر" و"اللورد كارينجتون". وربّما لا نسمع عن أىّ من هذه المنظّمات وأجندتها عبر قناة ميردوخ - Murdoch والتى إسمها "نيوز إنترناشيونال – News International" فى بريطانيا، والتى تملك مجموعة من الصحف وتليفزيون "سكاى – Sky TV" –ذى الصلة القويّة بالموضوع- وذلك لأنّ المدير التنفيذى السابق لمحطة "نيوز إنترناشيونال"، والعضو الحالى فى مجلس إدارتها هو رجل يُدعى "أندرو نايت - Andrew Knight"، وهو عضو "لجنة التوجيه المساعِدة" فى مجموعة بيلدربيرج.

وربّما لا يسمعمون فى أميريكا عن أىّ من تلك المنظّمات فى إحدى أكثر صحفهم نفوذاً -الواشنطن بوست- لأنّ تلك الصحيفة وعدداً ضخماً من المنظّمات الأخرى والإصدارات، هى فى الواقع مملوكة لِ"كاثرين جرام - Catherin Gram" -والتى امتلكت الواشنطن بوست منذ فترة "ووترجيت" وما قبلها، عندما كان أولئك النّفر منهمِكين بشدّة فى العمل على الإطاحةِ بنيكسون- وذلك، لأنّ "كاثرين جرام" هى عضو بمجلس العلاقات الخارجيّة، ومجموعة بيلدربيرج، والمفوضيّة الثلاثيّة.
وهنالك "أعضاء أساسيّون" داخل هرميّة "لوس أنجلوس تايمز" و"نيويورك تايمز" ومجموعة أخرى من الإصدارات الكبرى حو ل العالم الواقعة تحت سيطرة أو ملكيّة أعضاء فى تلك المنظّمات، ممّن لم تتطرّق أىّ واحدة من تلك الصّحف لذكرِهم. ألا يُعتبر ذلك مُثيراً للضّحك؟.

إذاً، فإنّ ما نشاهده هنا هو "منظّمات داخل منظّمات". ولذلك، فبينما يظهر العاملون فى النظّام المصرفى هنا وكأنّهم منعزلون عن النظام السياسى هناك، وعن أجهزة الإعلام، فإنّ هنالك فى الواقع "منظّمة مركزيّة واحدة" تقوم بالتحكّم بالسياسات وتنسيقها بين كلّ تلك المؤسّسات العالميّة غير المرتبطة ببعضها فى الظاهر. وهذا ما سيعود بنا مرّة أخرى لموضوع "البوسنة":

أعتقد –بشكل عاطفى- انّ البوسنة كانت مكاناً رهيباً طُبِّق فيه نظام "الحلّ المبنِى على ردّةِ الفعل تجاه المشكلة"، وقد كان ذلك هو ما أبرز إلى الوجود -أو كاد- نشأة الجيش العالمى الواحد. وما يثير الإهتمام هنا، هو مباحثات السلام الرئيسة فى البوسنة منذ أن بدأت تلك الحرب الفظيعة. فقد كان مفاوض السلام الأوروبّى الأول الذى تم تعيينه آنذاك، هو "اللورد كارينجتون"، رئيس المعهد الملكى للشئوون الدوليّة، ورئيس مجموعة بيلدربيرج، وعضو المفوضيّة الثلاثيّة. وقد تم استبداله كمفاوض للسلام عن الإتّحاد الأوروبّى باللورد "ديفيد أوين"، عضو مجموعة بيلدربيرج، عضو المفوضيّة الثلاثيّة، والذى حلّ محلّه "كارل بيلت"، رئيس الوزراءالسويدى السابق، وعضو مجموعة بيلدربيرج.

وفى الوقت الذى كانوا يعملون فيه نيابة عن الإتحاد الأوروبّى فى البوسنة،كان المفاوضون الأمميّون الذين عملوا إلى جنبِهم بشكل وثيقٍ جدّاً لمعظم الوقت هم: "سايروس فانس"، عضو بيلدربيرج ومجلس العلاقات الخارجيّة والمفوضيّة الثلاثيّة، والذى تم استبداله بالنرويجى "ثورفالد ستوتنبيرج"، عضو بيلدربيرج والمفوضيّة الثلاثيّة. وعندما فشلوا فى التوصّل إلى السّلام، هبط من السماء وسط زخم إعلامىّ عالمى، مفاوضُ سلام "مستقل!" وهو "جيمى كارتر"، أول رئيس أمريكى عضوٍ بالمفوضيّة الثلاثيّة، وعضو مجلس العلاقات الخارجيّة. ثم جاءت مجموعة الأشخاص الذين فاوضوا فى ما سمّى بإتفاقيّة دايتون، والتى مهّدت الطريق لوضعيّة "الجيش العالمى". وكان من ضمن هؤلاء مبعوث كلينتون "ريتشارد هولبروك"، عضو بيلدربيرج والمفوضيّة الثلاثيّة ومجلس العلاقات الخارجيّة، وكان تابعاً لوزير الخارجيّة آنذاك "وارين كريستوفر"، عضو مجلس العلاقات الخارجيّة والمفوضيّة الثلاثيّة، والذى كان بدوره يعمل تحت إمرةِ "بيل كلينتون"، عضو بيلدربيرج، ومجلس العلاقات الخارجيّة، والمفوضيّة الثلاثيّة. أمّا "الجيش العالمى" فى البوسنة، فتحت قيادة الأدميرال "ليتون سميث"، عضو مجلس العلاقات الخارجيّة. والشِّقّ المدنى من عمليّات ذلك الجيش، كان تحت قيادة "كارل بيلت"، عضو مجموعة "بيلدربيرج".
إنّنا نقفُ أمام خدعة عملاقة تحدث تحت أبصارنا. فنحنُ لا نعيش "ديمقراطيّة" فى هذا البلد (بريطانيا)، أو فى أميريكا، أو فى تلك البلدان الأخرى. إنّنا نعيش فى دولة "الحزب الواحد" حيث القوّة ذاتها تتحكّم فى كلِّ الأطراف، وذلك يحدث من على قمّة الهرم.

قبل سنوات قليلة مضت، كانت لديهم فى أميريكا إنتخابات ديمقراطيّة. وماحدث هو انّ جورج بوش (الأب) "الجمهورى" ، قد تمّ استبداله ببيل كلينتون "الديمقراطى". ولكن، ماذا حدث بالفعل؟
إنّ ما حدثَ هو أنّ جورج بوش (الأب)، عضو مجلس العلاقات الخارجيّة، والمفوضيّة الثلاثيّة، ويشغل المرتبة 33 فى تنظيم الماسونيين الأحرار، والمدعوم من جانب "روكفيللر"، قد تم استبداله بِ"بيل كلينتون" الديمقراطى، عضو مجلس العلاقات الخارجيّة، ومجموعة بيلدربيرج، والمفوضيّة الثلاثيّة، ويشغل المرتبة 33 فى تنظيم الماسونيين الأحرار، ومدعوم أيضاً من جانب "روكفيللر"!.

نحنُ "أحرارٌ" يا عزيزى! إعزف لنا النشيد الوطنى !! ..
دولة حزب واحد. عناوين مختلفة على واجهات المتاجر. ونفس الأشخاص يتحكّمون بكلّ شئ. وهذا هو السبب فى أنّنا عندما نقول جميعاً بأنّه ليس من المُهم من يدخل فى البيت الأبيض، فإنّهم سيظلّون يفعلون نفس الشئ. إنّهم بالطبع بفعلون ما يفعلون، لأن الأشخاص أنفسهم، هم من يحرّكون خيوط اللّعبة طوال فترة العرض.
ولكن، لا شئ سيُلخّص لى المدى الذى وصلنا إليه فى التنازل عن قدراتنا على التحكّم فى حياتنا، أكثر من "النظام المالى العالمى". إنّنى "أعشق" هذه العبارة!

وتتمثّلُ إحدى تقنيات "تشتيت الإنتباه" العظمى التى طُبّقت علينا، فى جعل أشياء بسيطة للغاية –كالنظام المالى العالمى- تبدو أشياء بالغة التعقيد. وفى كلّ ليلة تقريباً فى الأخبار، نجد هناك اقتصاديين يجلسون أمام كاميرات التلفاز وهم محاطون بشاشات الكمبيوتر، ويتحدثون بلغة لا نفهمها مثل: "اعتقد بأنّ سياسة المُستشار، هى سياسة M3!". لقد اعتقدتُّ بأن "M3" تلك، كانت ترمز لإحدى الطُّرق!. أو إنّها كانت "شروط الإقتراض بالنسبة للقطاع العام". وحينها يصبح إغلاقُنا لجهاز التلفاز عملاً مفهوماً.

ومع ذلك، يبقى النظام المالى العالمى كأبسط ما يمكنه أن يكون، ويُصبح مُمكناً تلخيصه فى جملة واحدة قصيرة: "تقوم بإقراض الناس مالاً لا وجود له، ثمّ تحصل منهم على فائدة فى مقابله". هذا هو كلّ ما فى الأمر، وهو ما سيترتّبُ عليه كلّ شئٍ آخر. إنّ هذا العالم غارقٌ حتى عُنُقه فى الديون من أموال لا وجود لها، ولم، ولن تكون موجودة، ونحن الذين نتحمّل كلّ ذلك. والسّجن الكبير الذى يعيش البشر بداخله –وسأتطرّق له فى إطارِ ردّة الفعل الروحانيّة تجاه مايحدث- يتمثّل فى الخوف ممّا قد يعتقده الآخرون عنهم. إنّ ذلك، لهو السجن الذى نعيش بداخله، وذلك هو الكابح الأكبر لمقدراتنا. ولذلك، عندما تسأل أحداً ما: "لماذا لا تفعل حقّاً ما تُريد أن تفعله بحياتك؟". فسيكون الردّ بلا أدنى اختلاف: "لأنّنى مُلزم بدفع الرهن العقارى يا أخى".

إذاً، فكلّما تمكّنتَ من إدخال عددٍ أكبر من الناس والأعمال والحكومات فى دائرة الديون، كلّما أصبح رفع تكلفة المعيشة بطريقة مُصطنعة أكثر سهولةً، وكلّما ارتفعت بالتّالى الضغوط على الناس لكى يستمرّوا فى خدمةِ النظام وكأنّهم مخلوقات آليّة أو مُستنسَخة، وذلك حتى يتمكّنوا من كسب المال اللاّزم لتأمين أساسيّات الحياة. إنّ هذا هو السبب فى كون النّظام المالى العالمى جرى تصميمُه على هيئة "سجن". فالبنوك تُقرِض ما يُعادل 10،000 جنيه أو أكثر، مقابِل كلّ ألف جنيه تمّ إيداعُها لديهم بالفعل. فإذا قرّر كلّ شخص الذّهاب للبنك غداً، وسحبِ كل ما تمّ إيداعه بإسمه –نظريّاً- فسوف يعلن البنك إفلاسه لعددٍ من المرّات تكفى لدخوله موسوعة جينيس للأرقام القياسيّة. إنّهم حتى الآن لم يستوعبوا ذلك. ولذلك، عندما تحصل على قرضٍ منهم ، فإنّهم يُدخلون فى حسابك المبلغ الذى حصلتَ عليه كدَيْن عليك. هذا هو كلّ ما يفعلون. وابتداءً من تلك اللحظة، ستبدأ أنتَ فى تسديد الفائدة على مال غير موجود فِعلاً. إنّ الناس يقولون: "لماذا تُصبحُ الحكومة الأمريكيّة مدينةً بتريليونات وتريليونات الدولارات؟"

إنّ هذا لأمرٌ مُضحك، كيف أمكن لها أن تفعل ذلك؟.

أمّا إذا عرفتُم الكيفيّة التى يحدُث بها ذلك، فستعرفون أنّها فى غاية البساطة، وهى الكيفيّة ذاتها التى تنطبق على ما يحدث حول العالم أيضاً:

خُذ عمليّةً مصرفيّةً واحدة فى يوم واحد فى أميريكا. ولنفترض أنّ الحكومة الأمريكيّة ترغب فى استلاف بليون دولار بالإضافة إلى ما حصلت عليه عبر الضرائب. والآن، بإمكان الحكومة أن تطبع أموالها الخاصّة خاليةً من الفوائد إن هى اختارت ذلك. ولكنّها إذا فعَلت، فسوف تسحب قدراً هائلاً من النفوذ (السُّلطة) من النظام المصرفى العالمى، والخاضع لنفس الأشخاص الذين يملكون القرار بشأنِ "من سيكون الرئيس فى أميريكا". لذلك، فإلحُكومة لن تطبع أموالها الخاصّة خاليةً من الفائدة. ولكنّها بدلاً من ذلك، ستُصدر على نفسِها إقراراً بالمديونيّة إلى تحالف من البنوك الخاصّة التى تُعرف –وبشكل مُضحك- لدى البنك المركزى الأمريكى، بنظام "الإحتياطى الفيدرالى". إنّ من المفترض أن يكون "النظام الإحتياطى الفيدرالى"، هو نفسُه "البنك المركزى الأمريكى". إنّه تحالفٌ من مجموعة من البنوك "الخاصّة". والرئيس الحالى للإحتياطى الفيدرالى هو "آلآن جرينسبان": عضو مجموعة بيلدربيرج، والمفوّضيّة الثلاثيّة، ومجلس العلاقات الخارجيّة، وهو قد تسلّم ذلك المنصب من "بول فولكر"، الذى كان يشغل المنصِب إبّان فترة "الريجانيّة - التاتشريّة". و"بول فولكر" هو عضو فى بيلدربيرج، والمفوضيّة الثلاثيّة، ومجلس العلاقات الخارجيّة.

إذاً، فالصّورة أصبحت واضحةً بالنّسبة لكم.

إذاً، فهؤلاء يكتبون بالنّيابة عن الحكومة، إقراراً بالمديونيّة موجّهاً إلى تحالف البنوك الخاصّة هذا، يطلبون فيه –على سبيل المثال- مبلغ بليون دولار، فتقوم البنوك عندها بإدخال مبلغ بليون دولار فى حساب الحكومة، وهذا هو كلّ مافى الأمر. وابتداءً من تلك اللحظة، سيبدأ دافع الضرائب الأمريكى -عبر الحكومة- فى تسديد الفائدة على مبلغ البليون دولار هذا. ليس هذا فقط، وإنّما تُعتبر هذه البليون دولار بشكلٍ قانونى، رصيداً للبنك المركزى (الحُكومى)، وسيُصبح وكأنّ لديهم بليون دولاراً حقيقيّاً فى أيديهم بالفعل. والآن سيُمكن للحكومة إقراض مبلغ 10 بلايين دولاراً أخرى لأىّ جهةٍ تريد، على أساس رصيدها من تلك الأموال التى لا وجود لها فعليّاً. إنّهم الآن سيقومون بإقراض الأموال، وسيحصلون على فوائد على مبلغ 11بليون دولار، وهى مبالغ لم ولن يوجد منها سنتٌ واحدٌ فعليّاً!.
فكيف لنا أن نصبر على ذلك؟ إنّ البعض قد يجادل قائلاً: "إنّ الوضع يجب أن يبقى كذلك، وإلاّ فإنّ النظام سينهار !".
"حسناً حسناً. ياهذا، إنّ جدار هذا السجن يُريد أن ينقض، إسحب الطابوق، هل تعلم، إذا قمتَ بإصلاحه فربّما لن يُمكنُك الخروج من هذا السجن، أين أفكاركم الآن".

إنّ هذا الأمر ليس بتدبيرٍ يتعلّق بالأسطول البحرى. إنّ هذا الأمر هو فى غاية الأهمّيّة بالنّسبة لحياتنا اليوميّة.

ولنأخذ منتجاً واحداً مثلاً، ولنفترض أنّه منتج غذائى، ثمّ ننظر فى الكيفيّة التى يؤثّر بها هذا النظام على سعرِ ذلك المُنتَج. فالمزارع الذى يُباشر بزراعة الغذاء فى الحقل أوّلاً، سيقوم باقتراض أموال لا وجود لها، وسيدفع فائدة عليها. إذاً، فإنّ ذلك سينعكس على السعر الذى سيطلبه فى مقابل سلعتِه. ونتيجةً لذلك، ستُصبح تكلفة كلّ ما يفعله المزارع أكثر ارتفاعاً. وهذا ينطبق أيضاً على شركة الترحيل من المزرعة إلى المصنع. فالمصنع الذى يُصنّع الغذاء، سيكون بلا أدنى شك مُقترضاً لأموال هائلة لا وجود لها، ويدفع الفوائد المترتّبة عليها، ما سينعكسُ على التكلفة والسعر. وهذا بدوره ينطبق على الترحيل من المصنع إلى المتجر، وهو ما ينطبق أيضاً على المتجر نفسه.

إذاً، عندما نقوم بوضع إيدينا على الرفّوف لشراء تلك السلعة، فإنّ سِعرَها سيكون أضخم بكثير بالمقارنة مع السّعر المفترض لها، وذلك لأن كلّ شخص على طول الطّريق فى مراحِل إنتاجها المُختلفة، سيكون مُلزماً بإضافة قيمة صغيرة لتمكينه من دفع الفوائد على مالٍ لا وجود له. ولذلك، نحنُ نقوم بشراء ثلاثة منازل، لكى ينتهى بنا الأمر لأن نسكن فى واحد منها، وهذا هو ما نفعله.

عندما ذهبتُ لبنك ناشيونال وستمنستر فى "دورهام" بشمال إنجلتره فى السنة الماضية، حصلتُ على واحدة من نشراتهم الإعلانيّة عن العقارات. كانت النّشرة مكتوبةً بالأبيض والأسود. فإذا حصلتُ على قرض لشراء منزل من ناشيونال ويستمنستر بقيمة (50,000) جنيهاً، فسوف أسدّد لهم مبلغ ،(152،000) جنيهاً، ما يعنى أنّنى سأشترى "ثلاثة" منازل، لكى أسكن فى النّهاية فى "منزلٍ واحد"، وهذا ما سينعكسُ على المدفوعات التى سأسدّدها عن الرّهن. وما سيترتّب على ذلك، هو أنّ الضغط الواقع علىّ لكى أستمر فى خدمة النظام بحيثُ أحصل على المال لتسديد تلك المديونيّة، سيكون ضغطاً هائلاً.
ولنرى ما هو المكتوب على نشرة "بنك ناشيونال وستمنستر" تلك؟ إنّ المكتوب هو:

( نحنُ هنا لكى نجعل الحياة أكثر سُهولةً! ).

(يتبع) ...
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(5 من 7)

لقد كانت تلك تساؤلاتٌ عظيمةٌ طرأتْ علىّ على أيّة حال. وقد تفتّحت علىّ هذه التساؤلات خلال السنوات الأخيرة الماضية. إنّنى لم آتِ إلى هذا الحياة قائلاً: "إنّنى أعرف كلّ شئ، وأعرف أنّنى قادرٌ على رؤية ما يحدث". فالمعلومات هى ما أدّى لتفتُّح بصيرتى خلال السنوات القليلة الماضية. وواحد من الأسئلة التى ظلّت تتردّد علىّ كثيراً، كان سؤالاً غايةً فى البساطة وهو: "من المُستفيد من كلّ ذلك؟". من المستفيد مثلاً من قبولى لرواية الأحداث حول إنفجار أوكلاهوما وأحداث أخرى عديدة؟ ومن المُستفيد من قبولى بأنّ هنالك منظمات إعلامية وحكومات رسميّة وموظّفين يُخبروننى بالرّواية الصحيحة للأحداث؟. من المُستفيد؟

أو، من المُستفيد من إنفجار أوكلاهوما نفسه؟

إن كلّ من يسعى نحو تركيز المزيد من القوّة فى أيدى أجهزة تنفيذ القانون فى أميريكا، قد استفاد من ذلك بالتأكيد. وكما قال بيل كلينتون بعد 24 ساعة من انفجار أوكلاهوما: "لقد أصبح واجِباً علينا تّخفيف القيود على التدخّل العسكرى فى مجالِ تنفيذ القانون الداخلى"!

إنّه "الحل المبنى على ردّةِ الفعل تجاه المشكلة"

لقد كان هنالك الكثير حول إنفجار أوكلاهوما، ممّا لم يتمّ تسليط الضوء عليه فى الساحة العامّة، ولكنّنى رأيتُ وسأقول لكم، أنّ الرواية الحكوميّة لتلك الأحداث، لم تكُن سوى مهزلة وكذبة بالكامِل.

وعلى أيّة حال، من هو المستفيد من شرائنا لثلاثة منازل لأجل أن نسكن فى منزلٍ واحد؟

فلنقُل بأنّ المنزل الواحد يكلّف 60،000 جنيهاً. البنّاء الذى يقوم بتنفيذ البناء على أرض الواقع لايستفيد من شرائى ثلاثة منازل فى مُقابل واحد، فهو سيحصُل على مستحقّاته من مبلغ ال 60،000جنبهاً، أى من المبلغ الذى دفعتُه مقابل شرائى لمنزل واحد. وكذلك الشّخص الذى سيقوم بتوفير مواد البناء للعمّال بحيث يتمكّنون من البناء، سيُدفع له من مبلغ ال 60،000ج. إنّ كل من سيُشارك فى بناء المنزل، سيُدفَع له فى مقابل شرائى لمنزل واحد. هنالك شخصٌ واحد فقط سيستفيد من شرائنا لثلاثة منازل –وأحياناً أكثر من ثلاثة منازل- فى مُقابل منزلٍ واحد منها. وذلك، هو الشّخص الذى يعمل على إقراضنا مالاً لاوجود له فى الواقع، ويحصل منّا على فائدة فى مقابله. ونحن من يتحمّل كلّ ذلك. فأُناسٌ قليلون قادرون على التحكّم فى الإتّجاه الذى يسير فيه العالم، بينما نتنازل نحن عن قوانا إلى تلك الدرجة البعيدة. إنّ هذا الأمر، لهو أمرٌ فى غاية فى السهولة.

وما يُلفتُ الإنتباه، هو أنّ هنالك رئيسين فى تاريخ الولايات المتّحدة الأمريكيّة، كانا قد اقترحا وشرَعا وبشكل مبسّط، فى تقديم أموالٍ خالية من الفوائد لا يتم اقتراضها من "تحالف البنوك الخاصّة"، ما أدّى لدخول نظام الفوائد فى ظلام دامس. وهذان الرئيسان هما "أبراهام لنكولن"، و"جون كينيدى"، وقد كان هنالك شئٌ مشترك حدث لهما بإمكانِكم تذكّره.
ولكن، ربّما كان الشئ الأشدّ فظاعة فى هذا الهُراء المتعلّق بالفوائد على الأموال، هو ما يمكننا تسميته "ديون العالم الثالث". لقد أدّت ديون العالم الثالث إلى صَلْبِ أعدادٍ غفيرةٍ من شركائنا فى الإنسانيّة، وما زالت تفعل كل دقيقة. إنّ ديون العالم الثالث، هى ديون على أموالٍ لا وجود لها، ولن تُوجد، ولم يسبق لها أن وجدت. وفى آخر مرّة طالعتُ فيها الأرقام، كان هنالك حوالى (400،000) طفلاً فى البرازيل، يموتون سنويّاً جرّاء الأمراض المتعلّقة بالجوع. وفى نفس الوقت الذى شاهدتُّ فيه تلك الأرقام،كانت البرازيل هى ثانى أكبر مُصدّر للغذاء فى العالم!. وكانت الأموال المُكتسبة من ذلك الصادر –أو جزءٌ ضخم منها- كانت تذهب فى خدمة الفوائد على أموال لم يسبق لها أن وُجدت. وقد تحدّث أحد الرسميين البرازيليين الذين قرأت عنهم مؤخّراً قائلاً: "إنّ مُعظم المبالغ المُتعلّقة بالدّيون على البرازيل، لم تختفى أبداً من على شاشات الكمبيوتر فى وولستريت".

لقد حانت ساعة "انعطافِ المد". فلِمَ لا تستطيع الحكومات أن تطبع أموالها الخاصّة بها دون فوائد، ثمّ تقوم بإقراضها لمواطنيها دون فوائد، بحيث نتمكّن نحنُ من شراء منزل واحد - بدلاً من ثلاثة- لكى نسكن فيه؟، وبحيث لا نُضطّر لتضخيم أسعار الأشياء كلّها بداعى أن كلّ واحد منّا مُلزم بدفع فوائد على أموال لا وجود لها؟
لماذا تنعدمُ الإرادة – وهو أمر يُمكنُ حدوثه- ولماذا لا يوجد من الأحزاب السّياسيّة التى لديها الفرصة فى تشكيل حكومة فى أىّ مكان فى العالم، ما يقترح تطبيق هذا الذى تحدّثنا عنه؟

والإجابة: لأنّ الأشخاص الذين يتحكّمون فى النّظام المصرفى، هم أنفسُهم من يتحكّمون فى النّظام السياسى فى تلك "الدولة العالميّة" ذات الحزب الواحد.

وهنالك شئ سأتحدّث عنه قبل أن أنظر فى الحلول، وهى حُلولٌ بسيطة جدّاً جدّاً. ذلك الشئ هو "السكّان المُرقّمون بالشّرائح الدقيقة". قد يبدو هذا الشئ غريباً كما ذكرتُ آنفاً، إلاّ أنّ تحقيقه بات قريباً جدّاً. فقد بدأنا بالفعل تركيب الشّرائح الدقيقة على الحيوانات المنزليّة كأمر طبيعى. الملكة (فى بريطانيا) لديها كلبان تمّ ترقيمهما بتلك الشّرائح، هل رأيتم ذلك؟.

فى العام الماضى، تمّ تركيب شرائح دقيقة على الكلاب وتوصيلها بالكمبيوتر -والأمير شارلس على الدّرب- التقنية المُستخدمة لتركيب الشّرائح الدقيقة على السكّان هى تقنية أخرى كبيرة للتحكّم بالعقول، وأنا أطلق عليها "تقنية الوصول إلى الهدف". والمثال الجيّد على ذلك هو "الإتّحاد الأوروبّى"، وكذلك فى أميريكا "إتّفاقيّة التجارة الحرّة لدول شمال أميريكا"، وهى منطقة تجارة حُرّة، على غرار الإتّفاقيّة التى أفضَت إلى "الإتّحاد الأوروبّى"، بالإضافة لما يحدث أيضاً فى منطقة تجارة حرّة أخرى فى منطقة المحيط الهادئ وأستراليا وتُعرف باسم "آبِك - apec". والفكرة هى الوصول إلى "حكومة عالميّة"، و"بنكٍ عالمى"، وكلّ ما إلى ذلك. والخطوة التالية للإتّحاد الأوروبّى، ستكون "الإتحاد الأمريكى"، والذى سيضمّ منطقة التجارة الحرة لشمال أميريكا هذه عابراً الأمريكتين من الشماليّة إلى أميريكا الجنوبيّة كنسخة أميريكيّة عن الإتّحاد الأوروبّى، والنسخة الباسيفيكيّة عنه. هذه ستكون هى الخطوات الثلاث فى اتّجاه الحكومة العالميّة.
وتقنية الوصول للهدف تلك، تتمثّل فى الكيفية التى تمّ طرحُها بها. فإذا نظرتَ للإتّحاد الأوروبّى، وبدأت من نهاية الحرب الأخيرة (العالميّة الثّانية)، فسوف يتّضح جليّاً ما نحنُ مُساقون إليه: بنك واحد، عُملة واحدة، ودولة عُظمى تحت تحكّم مركزى.

وسيصبح مفهوماً هنا ما كان سيقوله لى والدِى الذى شارك فى تلك الحرب: "المعذِرة، هل لى بكلمة سريعة هنا؟ لقد خرجنا للتو من السنوات الخمسِ الماضية بخسارة 55 مليون شخصاً قُتلوا، وجُرح أكثر من ذلك بكثير لأجل ألاّ يحدث هذا الذى يحدُث، ثمّ إذا بكَ تُطالبنا أن نفعل كلّ ما فعلناه دون أن نطلق طلقة واحدة؟ لابدّ أنّك تمزح، إذهب وخذ لنفسِك كوباً من الشاى".

إذاً، فمالذى يتحقّق من تقنية الوصول إلى الهدف؟

إنّ تلك التّقنية، وبالرّغم من معرفتها لوجهتها التى تتّجه إليها، إلاّ أنّها تُنفّذ على مراحل. وأوّل تلك المراحل هى أن تفعل ما يُمكن فعله، ثم تعمل على النّجاة بما فعلتْ, ثم تبدأ بالتحرّك فى الإتّجاه الذى كنتَ سائرأ فيه. وكلُّ خطوة يتمُّ خطوٌُها بموجب تلك التّقنية، تحدثُ باستقلاليّة تامّة عمّا عداها من خطوات، بحيث لا يُمكن لأحدٍ التعرّف على النّمط الذى تتّبعُه. إذاً، فما قد تمّ اقتراحه بعد الحرب العالميّة الأخيرة، لم يكن "دولة أوروبيّة غُظمى"، لأنّ الفرصة وقتها لم تكن مواتية لذلك. لقد كان الإقتراح آنذاك هو "سوقٌ مُشتركة"، أى مجرّد منطقة تجاريّة حُرّة، ولا شئ بشأنها يستحق القلق!. وبالمناسبة، إذا كنّا نحنُ قد امتنعنا عن الإنضمام إليها، فإنّنا كُنّا سنتضوّر جوعاً –فمن ذا الذى سيراهن على عدم الإنضمام إليها؟- ولذلك، بدأت بعض الدول الأوروبيّة بربط اقتصاديّاتها معاً فى منطقة تجاريّة حُرّة. لقد وقعنا الآن داخل الشبكة. فهناك اقتراحٌ قويٌّ جدّاً يقضى بأنّه فى حالِ انسحاب أىّ دولة، فستجد تلك الدّولة نفسها على المدى القصير، متورّطة فى فوضى إقتصاديّة عارمة.

إذاً، فنحن الآن موجودون داخل شبكة العنكبوت. وسيبدأ العمل فى تطوير منطقة التجارة الحرّة تلك إلى دولة أوروبيّة عظمى تحت سلطة مركزيّة. وستكون لدينا "مفوّضيّات" تباشر إملاءآتها على الدول الأعضاء فى المنطقة. ثم سيكون لدينا حديث حول "بنكٍ مركزى". وما يثير الإهتمام، هو أنّ أحد الأسباب التى كانت قد سيقت لتبرير "العملة الموحّدة"، كان الفوضى التى حدثت فى سوق العملات فى أوروبّا، عندما سقط الجنيه خارج المنظومة الماليّة الأوروبيّة، ما دفع الحكومة لإنفاق مبالغ مهولةً، مُحاولةً إبقاءه فى تلك المنظومة قبل عامين. إذاً، فقد كانت هنالك عملة واحدة فقط قادرةٌ على حلّ تلك المشكلة. وما يُلفتُ الإنتباه، هو أنّ الشخص الذى هاجم الجنيه (الإسترلينى) وتسبّب فى تلك الفوضى، كان من رجالات الصف الأول فى مؤسّسة "روسجايلد - Rothschild "، ويُدعى "جورج سوروس - George Soros"، وهو أحد المضاربين فى سوق العملات العالميّة. إنّ "جورج سوروس"، هو عضوٌ فى "مجموعة بيلدربيرج".

أمّا المستشار فى ذلك الوقت، والذى أنفق كلّ تلك الأموال ثمّ قام فى النهاية بسحَب الجنيه من المنظومة الماليّة لأوروبّا فقد كان "نورمان لوموند"، عضو مجموعة بيلدربيرج. لقد تطرّقتُ إلى ذلك عندما كنتُ أتحدّث فى السويد قبل بضعة أسابيع، حيث جاء إلىّ أحد الحاضرين وقال لى: ""لا أصدّق ذلك، عندما تذكر شخصاً مثل جورج سوروس، فما حدث هنا فى السويد قبل انضمامنا للإتّحاد الأوروبّى، هو أنّ جميع استطلاعات الرأى إعترضَت بشدّة على ذلك الإنضمام. ثم بدأ هذا الرجل جورج سوروس -عضو بيلدربيرج- بمهاجمة العملة السويديّة. حاولت الحكومة السويديّة الدّفاع عن العملة أثناء حكومة "كارل بيلت" -عضو بيلدربيرج- وانتهى الأمر إلى الفوضى، وبدأ خوفٌ عظيم فى الإنتشار فى النفسيّة السويديّة، وهو خوفٌ على شاكلة "يا إلهى! نحن بحاجة للحماية، ماذا يحدث هنا؟ لا يمكننا الوقوف وحدنا لنلعب لُعبة التّخمين، بينما يقوم هؤلاء بتمزيق عملتنا". بعد ذلك، إتّجهت استطلاعات الرأى (فى السّويد) نحو الإتّحاد اللأوربّى، وانقلبت رأساً على عقِب بحيث صوّتت الأغلبيّة بِ"نعم"، ثمّ تحقَّق الإنضمام""

فتلك إذاً هى "عتبات الطريق". إنّنا الآن فى وضع يبعد بضع سنوات ضوئيّة عمّا كنّا عليه عند انضمامنا بالفعل. والآن فقط سنجد من يقول لك: "أُعذُرنى، هل رأيت المدى الذى وصلنا إليه؟"

إنّ المُثير للإهتمام هو انّه بينما توضَع العتبات على طول الطريق إلى الأمام، فإنّ كلّ من يتصدّى لعتبات الطريق تلك، سيقع ضحيّةً للتلاعُب بحيث يُجبر على مواصلة المسير. كنتُ أتحدث فى الدنمارك، وكنت وقتها قد زرتُ منطقة السويد أيضاً. وكان ما فعلوه فى الدّنمارك عندما كان لديهم استفتاء، هو أنّهم صوّتوا فيه ضدّ إتّفاقيّة "ماستريخت"، أى ضدّ الإنضمام للإتحاد الأوروبّى. ثم قاموا بإجراء إستفتاءٍ آخر بعد مدّة ليست طويلة، حيث صوّت الدّنماركيّون فيه بِ"نعم"، سوف ننضم. وكما ذكر لى مُحرّرٌ فى إحدى الصحف القوميّة فى الدنمارك، بناءً على ما أخبره به أحد كبار مناصرى "ماسترخت" فى الدنمارك: "سوف نواصل إجراء الإستفتاءآت حتى نحصل على النتيجة التى نريد".

إذا، فتلك هى الكيفيّة، وذلك لأنّنا نعيش فى "بلاد الأحرار". وتلك هى التقنية، وهى التى تُستخدم للوصول إلى هدفٍ هو "السكّان المُرقّمون بالشرائح الدقيقة". أمّا العتبة الكبرى على الطريق نحو ذلك الهدف، فهى "المجتمع الخالى من الأموال النقديّة". فالعملات المعدنيّة والأوراق النّقديّة، ربّما لا تبدو كمُدافعٍ قوىٍّ عن الحريّة، إلاّ أنّها فى واقع الأمر كذلك، وهذا هو السّبب:

إذا ذهبتَ إلى أىّ متجر أومرآب أو ما إلى ذلك، ثمّ أعطيتَهم أموالاً إلكترونيّة –بطاقة إئتمان- فإنّهم سيقومون بتمريرها خلال تلك الآلة، وقد يقولون لك فى بعض الأحيان: "للأسف، الكمبيوتر يمتنع عن قبول بطاقتك". وإذا رغبتَ فى تسديد فاتورة، فربّما ستندهش قليلاً، ولكن إن كان لديك بديل فى تلك اللحظة فسوف تقول: "حسناً، سوف أدفع نقداً". فماذا سيحدث إذا لم يكن هنالك نقد، بينما يمتنع الكمبيوتر عن قبول الدّفع الإلكترونى عن طريق بطاقتك الإلكترونيّة، أو الشريحة الدقيقة التى يخطّطون لتطبيقها؟

سيكون الكمبيوتر -أو من قام ببرمجته- هو من يقرّر ماذا، وأين تشترى، وما إذا كنت ستشترى أصلاً.

إنّ تلك هى الفكرة. وهنالك شئ واحد فى كلّ ما ذكرتْ، هو الأكثر جدارةً بأن يُرفَض حسَب رأيى المتواضع. ذلك الشئ، هو "زراعة الشرائح الدقيقة فى البشر". وذلك، لأنّ التّبِعات المترتّبة عليه ستكون هائلة. وهناك بعض المختصيِّن فى الإلكترونيّات ممّن رأوا شيئاً من ذلك القبيل يبرُز إلى حيّز الوجود، فبدأوا يتحدّثون علناً.

كنت قد قرأتُ بعض الموضوعات لرجلٍ أمريكى يُدعى "كاول سانتوس"، وهو عبقرىّ إلكترونيّات، وكان يتحدّث بنفسه عن تجربته الشخصيّة عن حضوره لإجتماعات فى أميريكا وأوروبّا كان من ضمن حضورها "هنرى كيسنجر" و"وكالة الإستخبارات المركزيّة"، حول زراعة الشرائح الدقيقة فى البشر، حيث أشار بأنّهم لم يكونوا يتحدّثون عمّا إذا كان الفعل نفسُه صحيحاً أو اخلاقيّاً، ولكنّهم كانوا يتحدّثون عن "كيفيّة إقناع النّاس" بذلك الفعل.

وكما أشار الرّجل، فإنّه وبمجرّد أن يٌُصبح البشر مُرقّمين بالشرائح الدقيقة، فإنّ الرسائل المتبادلة بين الشريحة والكمبيوتر، لن تكون وحدها دافعاً للإنزعاج، وإنّما سيكون الدّافع للإنزعاج، هو ما قد يأتى فى الإتّجاه المعاكس (أى من الكمبيوتر إلى الشّريحة). ووفقاً لما يقول، فإنّ هؤلاء سيكونون قادِرين عبر تلك الوسيلة، على خلق "هستيريا جماعيّة"، و"اكتئآب جماعى"، وعلى التلاعب بعواطفنا بطريقة عكسيّة، وعلى "عزل" الشّرائح الخاصّة بأشخاصٍ بعينهم.
لقد تشكّلت لدىّ فكرة حول الإحتمالات، عندما أدركتُ الكيفيّة التى تعمل بها شبكة "سكاى" التليفزيونيّة. (تعلمون عن شبكات التلفزة الفضائيّة التى لدينا هنا فى بريطانيا). فإذا رغبتَ فى الإشتراك فى شبكة "سكاى"، فعليك بإرسال مبلغ من المال، وسيُرسلون إليك بطاقة، وهى بطاقةٌ مبرمجةٌ لفكّ شفرة القنوات التى اشتريتها -عمليّة بسيطة- ولكنّك إذا رغِبتَ فى المزيد من القنوات التى لم تكن قد دفعتَ فى مقابلها قبل استلامك لبطاقتِك، فربّما تعتقد –وهو ما اعتقدتُّه- بأنّك بحاجةٍ لإرسالِ المزيد من المال إليهم، وأنّهم سيرسلون إليك بطاقة أخرى مبرمجة لفكّ شفرات القنوات التى ترغبُ فى إضافتها. ولكن لا، هذا لا يحدث. إنّ كلَّ ما عليك فعله هو أن ترفع سمّاعة الهاتف لديك، ثمّ تتّصل بالأرقام الخاصّة بهم –فى اسكوتلندا على ما أعتقد- وسيقولون لك: "نعم، حسناً، ماهى القنوات التى ترغب فيها؟". فتقول لهم مثلاً: "كل قنوات الأفلام الثانية"، وسيقولون لك "إضبط تلفازك على القنوات التى ترغب فيها، فتقول لهم: "لا, ولكنّها لا زالت مُشفّرة". وبينما لا تزال مُمسكاً بسمّاعةِ الهاتف سيقولون لك: "حسناً، قل لى الآن ماذا يحدث على شاشتك؟". الآن، هاهى القناة ظاهرةً أمام ناظريك، وهذا هو كلّ ما فى الأمر. لذلك فكّرتُ وقلتُ لنفسى: "كيف يفعلون ذلك؟".

إنّ ما يفعلونه هو أنّهم يُرسلون الأشارة من ما يسمّونه "التقنية المركزيّة"، ثم تصل الإشارة إلى أىّ قارئٍ للّشفرات مُتّصل بمنظومة سكاى، ولكن فقط تلك البطاقة التى لديك، بالرّقم المسجّل عليها، ستستطيع التقاط الإشارة. إنّهم يُعيدون برمجة البطاقة بحيث يُمكنُها استقبال القناة الجديدة، والتى ستظهر أمام عينيك. فإذا اعتقدتَّ بأنّ هنالك نوعين من العلوم فى العالم، منها ذلك النوع الذى يُدرّس فى الجامعات ويظهر على شاشات التلفاز، وهنالك نوع آخر على بُعد سنوات ضوئيّة فى المُستقبل، وهو "العلوم السريّة"، فإنّ ما يستطيعون فعله فى الواقع، بالمقارنة مع ما نراهم يفعلونه بأشياء مثل تليفزيون سكاى، هى أشياء أكثر تقدّماً بكثير.

قرأتُ كتاباً بعنوان "ثورة الإنسان الآلى"، وتحدّثتُ عن فكرة "زراعة الشرائح الدقيقة فى البشر"، على الرغم من أنّنى كنتُ مندهشاً من السرعة التى يجرى بها تطبيقها. فتحتُ قناة البى بى سى قبل أشهر قليلة وشاهدتُّ برنامجاً عنوانه "عالم الغد". لقد كانت لديهم مادّةٌ عن زراعة الشرائح الدقيقة فى البشر. وما ذكروه هو أنّ هنالك "مشكلة" فى السجلاّت الصحيّة، ففكّرت وقتها وقلت: "إنّ شيئاً ما يجب أن يُفعل!". والمشكلة كانت على ما يبدو هى أنّهم لا يحتفظون بالسجلاّت الصحيّة لمدّة كافية. ولذلك كانوا يقترحون زراعة شرائح دقيقة فى البشر تحتوى على معلوماتهم الصحيّة لتُمكّنهم من تجاوز هذه المشكلة!.

وحتى لو أنّنى لم أدخل الجامعة أبداً، فسأكون قادراً على رؤية حلٍّ لمشكلة عدم الإحتفاظ بالسجلاّت الصحيّة لمدّة كافية. والحل هو: "إحتفظوا بها لفترةٍ أطول، وهذا هو كلّ ما فى الأمر". إنّ ذلك سيكفى لوضع الأمور فى نصابها. ولكنّهم سيقولون لك: "لا لا، هذا تبسيطٌ مُجحف، يجب علينا زراعة الشرائح فى السكّان". والسّبب الآخر الذى ذكروه، هو أنّ الأطباء يرغبون فى الوصول للسجلاّت الطبيّة إذا تعرّض النّاس للحوادث. "إذاً، عليكم ترقيمهم بتلك الشرائح، إبدأوا العمل الآن".

أنا لا أعرف عنكم شيئاً، ولكنّنى عندما كنتُ طفلاً كانت أمّى تقول لى دائماً: "عليك بارتداء ملابس تحتيّة نظيفة يا "ديف - Dave"، فربّما تعرّضتّ لحادث". إنّ أسوأ كابوسٍ بالنّسبة لأمّى، لم يكن تعرّضى لحادث، وإنّما تعرّضى لحادث بملابس تحتيّة مُتّسخة. هذا هو الكابوس الأسوأ بالنسبة لها. ولكنّنا منذ تلك السنوات وحتى الآن، حقّقنا تقدّماً كبيراً نحو العالم الحديث. والآن ستقول لى أمّى: "تأكّد من وجود الشريحة الدقيقة عليك يا ديف، فربّما تعرضتَّ لحادث"
وعلى أيّة حال، كان هنالك برنامجٌ تمّ بثُّه فى الرابع من أبريل تقريباً، حيث استُضيفت سيّدةٌ كانت أُجريت لها عمليّةٌ جراحيّة، وتمّ زرع شريحة دقيقة فى جسمها، وهى شريحةٌ تحتوى على بيانات سجلّها الطبّى. وبعد العمليّة قالت السّيّدة: "إنّها مريحة جدّا، سوف أذهب لألتقى بكم الآن على طاولة الكشف فى الغرفة الأماميّة".

ثمّن ماذا حدث؟ هل تعرفون ذلك الشّئ فى المراكز التجاريّة، والذى يقومون بتمريرِه على "الباركود"؟. دخل الطبيب وأمسك بواحدة مثلها، ثمّ قام بتمريرها على جسم المرأة من الأمام، فظهرت على الشاشة المعلومات الطبيّة الخاصّة بتلك المرأة. وفى نهاية الحلقة من ذلك البرنامج، جاء المقطع الأهم الذى لم يكن طويلاً، والذى قدّمه المدير الإدارى للشركة المُنتجة لتلك الشريحة. وما قاله لم يكن سوى البداية، وهو: "إنّ بإمكاننا أن نضع على هذه الشريحة المعلومات الطبيّة، والمعلومات الماليّة، وتفاصيل جواز السفر، وتفاصيل الأمن الإجتماعى، وسجلاّت السُّجون".

لقد كانت تلك هى الفكرة على وجه التّحديد، وكانت تسير فى تقدُّم مُستمر دون أيّة عوائق، لأنّ قوّتها العُظمى كانت تكمُنُ فى "سرّيّتها". وعندما تعلم بأنّ الكثير جدّاً من أجهزة الإعلام الرئيسيّة هى تحت سيطرة القوى ذاتها التى تسعى نحو تطبيق تلك الفكرة، فسوف لن تندهش عندما تعلم بأنّ النّذر اليسير منها فقط قد تمكّن من الخروج فى العلَن.
ولكنّنى أعتقد بأنّنا الآن نعيش فى زمن تحوّلٍ ضخم، وقفزة هائلة فى التطوّر البشرى. ولذلك، فإنّ طاقة التغيير، هى التى تدفع بأشياء مثل هذه إلى السطح. وأنّ سرّيّتها –مصدر قوّتها الأعظم- قد بدأت تتكشّف بعد إزالة الحجاب عنها.

(يتبع) ...
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(6 من 7)

إنّنى وبالتأكيد، لا أريد أن أبدو كمن يُصدر حكماً بالإدانة على الأشخاص الذين تحدّثتُ عنهم. وقد سمعتُ بعض الأشخاص الذين كانوا يتحرّون عمّا يجرى، ولكن دون توازن روحانى من جانبهم، وهم يقولون: "أعلم أنّنى سوف أفعل .. ". هذا "هراء". فالأشخاص المتورّطون فى عمليّة التلاعب تلك، قد بدأوا بالكشف عن "كينونتهم" فى هذا الوقت من رحلتهم الأبديّة. إنّهم يكشفون عن موقفهم من الحياة وعن حالتهم العقليّة. حسناً، ولكنّهم أيضاً حدّدوا مواقف مهولةً تجاهنا، وهو ما نعمل بجدّ لإدراكه، والتفكير فيه. إنّنى لا أتحدّث عن "كارينجتون" و"كيسنجر" و"روكيقيللر" بدافعٍ من الكراهيّة أو الإدانة، ولكنّنى اعتقد بأنّ من واجبنا أن نعلم بما يجرى، لأنّ بوسعِنا إيقافه. إنّ ما ذكرتُه للتو، هو فى الواقع من الأمور الكبيرة التى لها علاقةٌ بنا، وهو لن يتحقّق إلاّ بواسطتنا.

والحقيقة هى أنّنا تنازلنا عن حقّنا فى قوانا الخاصّة بنا، وعن تحكّمنا فى حياتنا الخاصّة بنا. وسوف أتحدث لمدّة قصيرة عن شئ قد يبدو بلاعلاقة على الإطلاق بما سبَق وتحدّثتُ عنه حتى الآن. والسبب هو أنّ هنالك إمكانيّة، وأنّنا نمثّل الأجيال التى ستدفع بعمليّة إزالة هذا الهراء، وتحويل هذا الكوكب من سجن إلى فردوس، وهو ما يجب أن يكون عليه فى الحقيقة.
عندما حدث لى ما يُشبه "الإنفجار" فى رأسى لحظة ظهور هذا "الإدراك" فى عقلى، متحدّياً به كلاًّ من "الدّين"، وهذه الكلمة "العلم"، كنتُ قد سمعتُ هذه العبارة: "نحن نخلق واقعنا الخاص بنا"، وقلتُ فى نفسى عندها: "نعم، إنّ هذا يبدو صحيحاً بالنسبة لى"، ولكن كان ضروريّاً إيجاد طريقة يمكننا من خلالها "التّطبيق". فليس هناك شئ إسمُه "ماوراء الإعتيادى - paranormal"، ولا شئ هناك إسمه "الفوق- طبيعى - supernatural "، فهذه لا وجود لها، وكلّما يحدث فى عالم المخلوقات، يحدثُ نتيجة للتفاعل بين نواميس الخلق الطبيعيّة وبين الطاقة. إنّ ما نُطلق عليه "فوق العادى" أو "ما وراء الطبيعى"، لا يُمثِّل إلاّ ما يريد "النّظام" وضعَه على طريقِك.

وإليكم هذه العبارة التى تُستخدم فى بعضِ الأحيان: "النقائض المتشابهة".

و"النقائض المتشابهة"، هى الأشخاص أو المنظّمات التى تبدو متناقضة فى الظّاهر، وقد تبدو فى بعض الأحيان بالغة التناقض. ومع ذلك، فهى فى الواقع تتبنّى نفس الموقف تجاه الحياة، ولكنّها ترتدى ملابس مختلفة. أنا أعشق عبارات مثل: "اليمين المتطرّف" و"اليسار المتطرّف"، كم أحبّ هذه العبارات!. فاليمين المتطرّف كما كان يتمثّل فى "أدولف هتلر"، كان مشغولاً بالتحكّم المركزى، وبالديكتاتوريّة العسكريّة، وبمعسكرات الإعتقال الجماعى. أمّا اليسار المتطرّف كما كان يتمثّل فى "جوزيف ستالين" - أى النقيض المُطلق لهتلر- فقد كان أيضاً مشغولاً بالتحكّم المركزى، وبالديكتاتوريّة العسكريّة، وبمعسكرات الإعتقال الجماعى. يا إلهى، كم هو رائعٌ أن يكون لنا "خيار" فى هذا العالم!.

و"النقائض المتشابهة"، يُمكن تطبيقُها أيضاً على الأديان والعلوم. وعلى الرّغم من أنّهما قد يبدوان على طرفى نقيض، إلاّ أنّها وبشكلٍ ما، متشابهَين تماماً. فهما –أى الّدين والعلوم- قادران على البقاء فقط عن طريق "إخماد المعرفة". ومع أنّ ما نُطلق عليه "العلم"، هى عبارة مُشتقّة من كلمة إغريقيّة معناها "المعرفة"، إلاّ أنّ غالبيّة علومنا هى إهانة لعبارة "معرفة"، لأنّ علومنا ليست معنيّة بالبحث عن المعرفة، مثلما هى معنيّة بالدفاع عن "منظومة مُعتقدات". إنّ علومنا ليست سوى "ديانة" أخرى من الدّيانات. "العلماء": إنّهم يرتدون ذلك اللون الداكن واللّباس الطويل، والمعطف الأبيض، إنّ تلك ليسَت سوى "ديانة".

أمّا "علوم العقل المفتوح"، فهى شئٌ مُختلف، وهى تمضى حقّا فى سبيل البحث عن "المعرفة". وشيئاً فشيئاً، سيتحدث الروحانى، والعالم -ذو العقل المفتوح- بنفس اللّغة. وهذا هو الطريق الذى سنسلكه فى هذا العقد وما بعده. أمّا الآن، فالعلوم السائدة تتولّى الدّفاع عن منظومة عقائديّة. لذلك، نجد أنّ لديها تلك القوانين الفيزيائيّة التى اعتمدَت عليها جميعها. وهذه القوانين الفيزيائيّة تقول، بأنّ كل هذا العالم هو نتيجة لحادثة كونيّة، وهو سائرٌ فى طريقه نحو النّسيان، وأنّ الحياة ليست سوى لحظةٍ دقيقة ثم تموت بعد ذلك. رائع، هذه أخبار عظيمة!!.

إذاً، فإنّ كلّما يمرّ به الناس من تجارب خارج ذلك النطاق (العلوم)، سيتوجّب التقليل من أهمّيته. ولكن الحقيقة هى أن قوانين الفيزياء كما كان يتمّ إخبارنا بها، هى فى واقع الأمر معيبة بشكل أساسى.

ولكن قد يقول قائل:
(("لا لا، لاتقل ذلك، هذه هى الفيزياء. إنّنى أسدّد منها رهنى العقارى، إنّها تمنحنى وضعاً فى الحياة، إنّها تمنحنى مصداقيّتى. لقد كنت أقول طوال حياتى بأنّ تلك هى حقيقة الأشياء، ولذلك، فسوف أقوم بالتقليل من أهمّية ما ذكرت. أمّا لأنّ كلّ أولئك الأشخاص لا زالوا يمرّون بتجارب ما قبل الموت، وتجارب الخروج من الجسد، وما إلى ذلك، هل أتعلم؟ لقد وجدّتّها، إنّ تلك ليست سوى تجاربُ "الفوق- طبيعى"، و"ما وراء الطبيعة")).

لا، ليس كذلك، إنّها "طبيعيّة" كالهواء الذى نتنفّسه.

وفى تلك المنطقة على ما أعتقد –أى منطقة الوعى خارج "قشرة البيضة"- سنستكشف الكيفيّة التى نخلق بها واقعنا الخاص بنا، أى ذلك الواقع الخلاّق الذى كنتُ أتحدّث عنه حتى الآن فى هذه الّليلة. وبالنسبة لى ولعدد متزايد من علماء العقل المفتوح، فإنّ كلّ ما فى عالم المخلوقات، هو الطاقة ذاتُها، وتلك الطاقة هى "الوعى". إنّها الشئ ذاتُه. إذاً" فالطاقة التى فى عقولنا وفى عواطفنا وفينا، هى ذات الطاقة فى كلّ حشرة، وفى كلّ شجرة، وفى كلّ نفَس نتنفّسه، وفى كلّ قطرة مطر. ومثلما أنّ الماء والسّحاب والثلج هى المادّة ذاتها فى حالات وجود مختلفة، فإنّ كل ما هو موجود من المخلوقات هو "طاقة الوعى" ذاتها فى حالات مختلفة من الوجود. إنّنا مثل قطرات من الماء، فى مُحيط من الوعى.
مُتميّزون ومُتفرّدون؟ نعم. ولكنّنا مع بعضنا نُشكّل "الكُل". إنّ كلّ واحد منّا هو الآخر. أنا أنت، وأنتَ أنا. أنا كلّ شئ، وكلّ شئ أنا. وهذا ينطبق على كلّ شخص آخر.

وهذا العقل العملاق اللاّمتناهى الذى نسميه "الله"، أو أىّ إسم آخر تريد إطلاقه، يعمل على تردّدات متعدّدة الأبعاد. إنّ المُلفت للإهتمام -لدواعى النفوذ الدينى- أنّ أىّ شخص عندما يتحدّث عن "الحياة الأخرى"، فإنّنا نتّجه بأنظارنا للأعلى، أى نحو "السقف المشتعل" أو ما يُشبه ذلك. (هل تريد أن تذهب للجنّة؟ عليك بإحضار سُلّم!!). أمّا بالنسبة لى، ولعدد متزايد من علماء العقل المفتوح، فإن الخلق ينقسم إلى تردّدات ذات اطوال موجات تتقاسم ذات المكان. فجميع محطّات الراديو والتلفاز التى يعمل بثُّها هنا فى هذه المنطقة، تحتل ليس فقط الحيّز المحيط بجسمى، وإنّما تحتلُّ كذلك، الحيّز الذى يشغله جسمى. إنّ لدينا موجات ذات أطوالٍ مُختلفة. لذلك، فإنّ محطّة الّراديو الواحدة، تعمل بمعزل تام عن جميع أطوال الموجات الأخرى –إلاّ إذا كانت تردّداتها مُقاربة لتردّدات محطّةٍ أخرى.

إنّ كلما هو موجود من المخلوفات، يتقاسم نفس الفضاء الذى الذى تحتله أجسامُنا وتحتلّه عقولُنا. (ماهى تلك العبارة التى تقول "إنّ مملكة السماء بداخلك"). إنّ كلّما هو موجود، موجودٌ بداخلنا. ولذلك، فعندما يدخل وعيُنا، أو فكرُنا، أو احساسنا، أو عواطفنا –أى ذلك الجزء السرمدى فينا- فى جسدنا الطبيعى (الفيزيائى)، وهو ما أسميه "بدلة الفضاء الجينيّة"، بحيثُ نبدأ المرور بتجربة الحياة الطبيعيّة هذه، وبعالم التردّدات ثلاثيّة الأبعاد هذا، فإنّنا لا نكون مُجرّد ورقة فارغة ليُكتبَ عليها إذ أنّنا "متفرّدون" مُسبقاً. إنّنا إنّما نُشكّل الحاصل الإجمالى لجميع تجاربنا، مُعبَّراً عنه بشكلٍ "مُتفرّد" فى كلّ واحدٍ منّا.

وقد لاحظتُ ذلك فى إبنى "جيمى"، وعمره الآن 3 سنوات. فقد كنتُ منفتحاً ذهنيّاً تجاهه، حيثُ كنتُ أراقبه وهو ينمو ويُسفر عن طبيعته الخاصّة به والمتفرّدة، وعمّا يراه مُضحكاً، ومايراه مُخيفاً، وكلّ هذه الأشياء المختلفة، من دون أىّ تأثير خارجى عليه. فهو لم يولد فى هذا العالم كورقة خالية ليُكتَب عليها. لقد وُلد فريداً. ونحن جميعاً متفرّدون. وذلك التفرّد يجرى بثّه فى الخارج كنمطٍ "كهرومغناطيسى". إنّ كلّ ما فى الوجود –بالنّسبة لى- هو عبارة عن "طاقة كهرومغناطيسيّة". ولذلك، عندما يتحدّث الناس عن "الإستشفاء الشّخصى"، فهم يتحدّثون عنه وكأنّه "الشيطان" أو "كشئ غريب جدّاً"، أو "طقوس خرافيّة"، هل فهمتم ذلك؟.

فما هو "الإستشفاء الشخصى"؟. إنّه ليس "الإستشفاء الإيمانى". إنّ "الإستشفاء الشّخصى" هو تمرير "الطاقة الكهرومغناطيسيّة" من شخص إلى آخر. إنّ ذلك مثيرٌ للإهتمام نوعاً ما. قرأتُ مؤخّراً كتاباً عنوانُه "عندما يلتقى العلم بالسحر - where science and magic meat"، وهو يتعرّض للأسس العلميّة لما يسُمّى بِ"ماوراء الإعتيادى - paranormal". وكان يشير إلى أنّ من بين ال 285 حلَقةً من حلَقات الحجارة المنتصبة، والمتبقية حتى الآن فى المملكة المتّحدة (The Stonehenge)، هنالك 235 حلقةً منها من نوعٍ واحد، وهى تقع جميعاً على، أو بالقرب من جبهات على سطح الأرض يتولّد فيها حقلٌ كهرومغناطيسى مُعيّن.

إذاً، فالقدماء لم يكونوا يعرفون ما يقومون به!!، وذلك لأنّنا "الآن" امتلكنا أحدث ما توصّل إليه العلم!!.
لذلك، فإنّنا عندما نُعبّر عن ذلك "النّمط المغناطيسى" الذى نتميّز به، فإنّما نُعبّر عن إحساسنا بذواتنا، وهو إحساسنا بِ"الواقع". هنالك كوميدى أمريكى ُيدعى "بيل هِكس - Bill Hicks"، وقد قدّم مُلخّصاً كاملاً عن موقفى من الحياة ومن كل شئ. وما سأقوله لكم الآن هو جملة بديعة قالها، فقد قال: "المادّة ليست إلاّ طاقةً تمّ تكثيفُها فى تذبذب بطئ. إنّنا جميعاّ عبارةٌ عن وعىٌ واحدٍ يمرّ بتجربةٍ ذاتيّة، ليس هنالك شئ إسمه الموت، والحياة ليست إلاّ حُلُماً، ونحن عبارةٌ عن تخيّلاتنا لذواتنا". وهذه الجُملة: "نحن عبارة عن تخيّلاتنا لذواتنا" هى الجُملةُ الأهم بالنسبة لى. إنّ ما نتخيّله عن ذواتنا، هو ما يتحقّق لنا كتجربة طبيعيّة، ثانية بثانية. وهذا "النّمط الكهرومغناطيسى" الذى يتّجه نحو الخارج، هو ما نُطلق عليه "المشاعر". إنّنا نستخدم فى كلّ يوم تعبيرات وكلمات لنوصف بها ذلك النّمط. فنحن نقول مثلاً: "لا أعلم شيئاً عن زميلنا ذاك، لقد دار حوار جيّد بيننا، ولكن كانت هنالك مشاعرٌ سيئةٌ تراودنى حياله". لأنّ الصوت – أى ما تسمعُه الأُّذُن- ربّما كان لطيفاً، ولكنّ هنالك شيئاً ما يتمّ التقاطُه على مستوى الطاقة دون الذرّى (sub atomic)، وذلك الشئ لايتناغم مع الصّوت المسموع. إنّها "مشاعر سيئة". وهنالك كلمة نستخدمها فى كلّ الأوقات: "الجو". فما المقصود به؟

إنّ الجوَّ هو حقل الطاقة داخل الغرفة، والذى تحوّل فأصبح سالباً، أو مثيراً، أو إيجابيّاً، أو سعيداً، أو أيّاً كان، بواسطة أنماط التفكير، والمشاعر، وتخيّلات الأشخاص الموجودين فى الغُرفة عن أنفسهم. إنّ أولئك الذين يذهبون لزيارة منازل قديمة ربّما سادَت فيها أحداثٌ كثيرة سالبه، أو يذهبون لزيارة موقع معركة حدَثَت قديماً، ربّما يقولون: "إنّها مُخيفة هنا، نحنُ لا نُحبّ هذا المكان، هنالك شئٌ ما". فنحنُ نقوم بالتقاطِ الطاقة - وهى طاقةٌ سالبة فى هذه الحالة- والتى نجمت عن المشاعر –أى أنماط التفكير- الخاصّة بالأشخاص الذين سبق أن تعرّضوا لأحداثٍ سالبة فى ذلك المكان.
"الجو": مباريات كرة القدم، المناسبات الرياضيّة. يُمكنُك أن "تلمس" الجوَّ" بأصابعك. "لقد كانت الإثارة بحقٍّ رائعة. أىّ إثارة؟ ما هذا الجو؟"

إنّ ذلك هو ما يقوم الناس بِبثِّه عندما يكونون عند ذلك المستوى من الشّعور.

وبينما تتّجه تلك المشاعر نحو الخارج وفقاً لأنماط مميّزة، فهى تجتذب إليها بمغناطيسيّتها وبشكلٍ دائم، مجالات أخرى من الطاقة تأتى إلينا على شاكلةِ أشخاص، وأماكن، وطُرق معيشة، وتجارب. وبهذه الطريقة، فإنّنا نخلقُ ثانية بثانية، أحداثاً طبيعيّة و تجارب طبيعيّة، هى صورٌ طبق الأصل عن تصوّرنا اللاّواعى لذواتنا فى أولئك الأشخاص والأماكن وطرق المعيشة التى نمرّ بتجربتها. إنّنا بذلك إنّما نخلق واقعنا الخاص بنا. وعندما أتأمّل ماضى حياتى من هذ المنظور، فإنّ ما يُدهشنى هو أنّ تجاربى الطبيعيّة خلال حياتى، كانت نسخة مطابقة لتصوّرى عن ذاتى فى ذاك الوقت. وحتى وقت قريب، كنتُ غاضباً حقّاً. لم أكن أعلم لماذا كنتُ غاضباً، إلاّ أنّنى كنتُ غاضباً. لا أعرف ما إذا كنتُ غاضباً من طفولتى، أو من والدى. ولكن ما أعرفه هو أنّنى كنتُ غاضباً.

فقد كانت حياتى فى تلك الفترة، عبارةً عن سلسلة من المواجهات. فحتى لو أنّنى كنتُ وقتها متواجداً فى حانةٍ أو فى غرفة وكنتُ مسترخياً فى الظّاهر، وأتناول مشروباً أو أىّ شئ، فقد كانت مشاعرى تنضح غضباً حتى وإن بدا علىّ الإسترخاء الظّاهرى. ولذلك، فقد كنتُ اجتذبُ إلىّ انتباه كلّ من كان قد مرّ بيوم سيئ، أو كلّ من حاصرته ظروفه. لقد كانت حياتى سلسلة من المواجهات الغاضبة الدّائرة بداخل تلك الحلَقة: أشعر بالغضب، ثمّ أشعر بالذنب لكونى غضبتْ، ما يؤدّى بدوره للمزيد من الإحباط، والمزيد من الغضب. ثمّ ربّما أدّى ذلك لتعرّضى للمزيد من المواجهات، ومن ثم شعورى بالمزيد من الذّنْب، وهكذا كانت تسير بى الأمور نحو الأسفل.

ثمّ توقّفتُ للحظةٍ وقلتُ لنفسى: "هل عرفتَ القاسم المشترك بين كلّ تلك المواجهات الغاضبة؟ إنّ ذلك القاسم المُشترك هو أنت". ثمّ بدأتُ أنظر لنفسى بشكل مختلف. أدركتُ بأنّنى كنتُ دائم الغضب لأنّنى لم أكن "مُنتبهاً" لذلك فى معظم الأوقات. ثمّ بدأت فى التخلّى عن ذلك السّلوك. إنّ المثير للإهتمام، هو أن مجرّد الإعتراف بالغضب، هو ما يؤدّى فى الغالب لزواله. وحينها، بدأ شعورٌ بالحُبّ يراودنى تجاه نفسى.

"ياللعجب! من المُفترض ألاّ تفعل ذلك. إذ ليس من المفترض أن تُحبّ نفسك".

إنّ النّاس عندما يقولون: "إنّه يُحبّ نفسه"، فإنّ ذلك ينطوى على "إهانة" للشّخص".
أمّا عندما يقولون: "يجب ألاّ تحبّ نفسك، يجب عليك أن تكون متواضعاً"، فإنّ ذلك يُعتبر نوعاً من الثّناء، أليس كذلك؟. فهم يقولون: "هل تَعلم، إنّه شديد التواضع على الدّوام. فهو يحتقر نفسه على الدّوام، إلاّ أنّه يُحبُّ العالم".
لا، ذلك ليس صحيحاً. فليس بوسعنا أن نحبّ الآخرين، إلاّ إذا تمكّنّا من أن نُحبّ أنفسنا أوّلاً. وذلك لأن ليس بوسعنا أن نمنح الآخرين ما لا نملكه. وما نتعرّض إليه من ضغوط طوال الوقت، يجعلُنا نشعر بالسلبيّة تجاه أنفسنا، ويولّد فينا تصوّراً يتّصف بالمحدوديّة تجاه أنفسنا. ولذلك، فالنّتيجة هى إنّنا نخلُق لأنفسنا تجارب حياتيّة محدودة.

عندما بدأتُُ بالتخلى عن ذلك الغضب، وبالشّعور بالحُبّ تجاه نفسى، تغيّرت حياتى. ولذلك بدأتُ عندها باحترامِ حقّى فى أن أكون كما أنا، وليس كما يصرّ الآخرون على ما يجب علىّ أن أكونه، أو أن أُذعِن لأساطير فيما يتعلّق بالخطأ والصواب. وبعد أن أصبح ذلك الشّعور هو شُعورى تجاه نفسى، بدأتُ أجتذب إلى حياتى أناساً أحبّونى ليس بسبب ما كانوا يرغبون منّى أن أكونه، ولكن لما أنا عليه كيفما كنت. وما أنا عليه، ليس إلاّ انعكاساً لتصوّرى عن نفسى.
لقد بدأتُ فى خلقِ واقع مُختلف. كانت لى صديقة ذات شخصيّة رائعةٍ جدّاً، ولكنّها كانت تبدأ كلّ جملةٍ فى حديثها بعبارة "المُشكلة هى كذا وكذا". فهى ترى الحياة "مشكلة"، وأنّ حياتها عبارة عن سلسلة من المشاكل. لذلك قلتُ لها فى آخر مرّة رأيتها: "لا تبدين فى غاية السّعادة، بل يبدو عليك الإرهاق". قالت لى "إنّنى عديمة الفائدة، أنا زوجة لا فائدة منها، كما أنّنى أمٌّ بلا فائدة، ليست لدىّ أى قدرات، وليس لدىّ ما أساهم به، إنّنى عديمة الفائدة، ومُرهَقة". قُلتُ لها: "حسناً، مالذى تسبّب بكلّ ذلك الآن؟". قالت "حسناً، لقد حصلتُ على ما فيه الكفاية، الجميع ينظرون إلىّ باحتقار". قلتُ لها: "لا، أنتِ التى تحتقرين نفسك. إنّ لديكِ تصوّراً عن نفسك بأنّكِ عديمة الفائدة".

لقد كانت هذه السيّدة محاطةً فى حياتها بأشخاصٍ ينظرون إليها بازدراء على الدّوام، وقد كانت هى التى اجتذبتهم إلى حياتِها عندما تحوّل تصوّرها عن ذاتها إلى تجربة مُعاشة.

إنّ إحدى الطرق الأكثر وضوحاً التى يحدث بها ذلك، تتمثّل فى جذبِنا إلى حياتِنا أكثر الأشياء إخافةً لنا. فالخوف ليس الإداة الأعظم للتحكّم فى الجنس البشرى فحسبْ، ولكنّه أيضاً الكابح الأعظم للتطوّر البشرى. إنّنا نظلّ مبتعدين عمّا يُخيفنا بغضّ النّظر عن مصدره. وما نفعله هو أنّنا وبطريقة لاواعية، نجتذب ما يُخيفُنا إلينا.

عندما كنتُ طفلاً،كنتُ أخافُ الكلاب. ومع خوفى ذاك، كنتُ أذهبُ إلى مبانى مجلس المدينة، ذلك البناء الضخم فى "لسيتر". وفى ناحيةٍ منه توجد المتاجر، وهنالك مساحةٌ خضراء بينهما. وكنتُ كلّما مشيتُ عبر تلك السّاحة العامّة، أجد نفسى مُحاطاً بالكلاب وهى تقفز وتثِب نحوى. فماذا كنتُ أقول لنفسى فى مثل تلك الظروف؟: "لماذا لستُ محظوظاً إلى هذه الدرجة، لماذا يحدث لى ذلك دون سائر الناس ". لقد حدث لى شئ مماثل فى منزلٍ لأصدقائى، والذين كانوا يملكون كلباً يدعى "برنس". دخلتُ فى منزلهم فقضم الكلبُ قطعة من معطفى! لقد كان أصدقائى يمشون عبر تلك الساحة الخضراء غير عابئين بالكلاب، وكانت الكلاب تتركهم وشأنهم. لذلك كنتُ أحدّث نفسى عندما كنتُ طفلاً قائلاً: "إنّنى سيئ الحظ، لماذا أنا؟ الناس جميعهم لا يحدث لهم مثل ذلك". ولكنّ ما كنتُ أفعله هو أنّنى كنتُ أجتذبُ إلىَّ ما كان مُعظم الناس يخشَون مواجهته.

إنّ ما يُثير الإهتمام، هو أنّنى وحتى وقت قريب كنت أعتقد بأنّ أكثر ما يُخيفنى هو الذهاب لطبيب الأسنان، والطيران، والتحدّث أمام الجمهور، والتعرّض للسخريّة، وهو مالم يحدث لى على الإطلاق فى هذا البلد. إنّ أسوأ كابوس بالنسبة لى كان يتمثّل فى أن تسقط إحدى أسنانى وأنا فى الطائرة أتحدّث إلى المسافرين الذين يضحكون فى سُخرية!. فلو حدث ذلك، لقُضِى علىّ فى الحال!.

ونتيجة لمواجهتى لكلّ تلك المخاوف التى ذكرتُها للتو، فإنّنى لم أعُد أخافُ أيّاً منها مُجدّداً. فالخوف كان ما أوجدُّته باختيارى. إنّ بإمكاننا الإختيار بين أن نخاف، وبين ألاّ نخاف. إذاً، فعمليّة إسقاطنا لتصوّراتنا عن أنفسنا فى الخارج، ثمّ اجتذابنا لانعكاسها الفيزيائى فى حياتنا، هو أمرٌ يقع فى لبِّ التجربة البشريّة. إنّ الحالة العقليّة الأكثر تدميراً –وهى الحالة التى ربّما تكون حالتُك- هى حالة: "أنا ضعيف". فعقليّة "الضحيّة"، دائماً ما تؤدّى لإنتاج "واقع الضحيّة". إنّ هذا العالم مملوءٌ بالضحايا، لأنّ هذا العالم مملوء بأناسٍ سبقت تهيأتُهم بحيث أصبحوا ينظرون لأنفسهم باعتبارهم "ضحايا"، أو "ضُعفاء"، أو "واقعين تحت سيطرة شخصٍ ما آخر".، ولذلك، فهم "يُجسّدون" ذلك الواقع فى حياتهم. لقد أصبحت "عقليّة الضّحيّة" بالنسبة للبعض، مُقيماً دائماً ولكنّه غير مشروعٍ داخل تركيبتهم النّفسيّة، ولن يكون لأىّ قلقٍ أو جهد تبذله مُحاوِلاً مدِّ يد العون لشخصٍ غارقٍ فى "وضعيّة الضّحيّة" ولسان حاله يقول: "كم أنا ضعيف، هنالك شخصٌ ما آخر يتحكّم بحياتى"، لن تكون لذلك الجّهد أىّ أهمّيّة. ومهما تُحاول مُساعدة شخصٍ كهذا، فإنّه سيبقى دائماً فى وضعيّة الضّحيّة، لأنّ الأفكار والمشاعر التّى يبُثُّها فى الخارج، ستجتذب إليه وبشكلٍ دائم، ما تعكسُه أفكارُه، ويتحقّق له ذلك كواقعٍ ملموس فى حياته.

إنّ التحوُّل الذى سيؤدّى لإخراج "الضحيّة" من مُستنقعه، وهو التحوُّلٌ الذى يكشف عن الأهمّية البالغة للرؤية الواعية، يتمثّل فى إدراك المرء بأنّه ليس "ضحيّةً"، وأنّ كونه ضحيّةً لم يكُن إلاّ تجلّياً لِ"أوضاع عقليّةً" ظلّت تُعيد إنتاج تصوّرٍ صاحِبها عن نفسه باعتباره "ضحيّة".

وفى اللّحظة التى نقول فيها: "إنتظر دقيقة، إنتظر قليلاً، فأنا لستُ رجُلاً –أو امرأة- آليّاً، أنا لستُ نَسخاً من آخر، كما أنّنى لستُ ضحيّةً. إنّنى إنا من يتحكّم بحياتى، ويجب علىّ الخروج من هذه الظروف التى أعيش فيها الآن، لأنّنى أنا الذى خلَقتُها، وسوف أبدأ بالخروج منها". وفى هذه اللّحظة، سيبدأ شعورُك بالتغيّر، بحيث يباشر باجتذاب تغيّرات نحوك. وقد يبدأ البعض وبشكلٍ مفاجئ، فى العثور على شئ من الحظ، وقد تبدأ مُصادفاتٌ مُدهشةٌ فى الحدوث فى حياتِهم. وعندها سيقولون: "لن يُمكنك التخمين أبَداً يا صاحبى. لقد حالفنى حظٌّ غير مسبوق. فقد جاء ذلك الشّخص إلى حياتى فى الوقت الصحيح بالتحديد، وساعدَنى فى الخروج من ذلك الظّرف الذى كنتُ فيه. هذا أمرٌ يصعُب تصديقُه."

لا، إنّ ذلك لم يكن "حظّاً" على الإطلاق. لقد كان "خَلْقَاً"، تمّ من خلال تغييرك لِ"الحالة العقليّة" لديك.

فإذا كنّا قادرين على خلق واقعنا الخاص عن طريق تصوّرنا لأنفسنا، فإن ذلك يصُبُّ فى صميم ما سبق أن تحدّثتُ عنه فى الجزء الأوّل، وهو الكيفيّة التى كان يتحقّق بها ما كان يتحقّق، وما تُرك لكى يتحقّق.

إنّ القصف الذى نتعرّض له طوال حياتنا، هو وابلٌ من رسائل عن "المحدوديّة"، وعن أنّنا "لايُمكننا أن نفعل هذا" -وهى عقليّة "لا استطيع، ولن أستطيع مُطلقاً"-. وكذلك وابلٌ من الخوف من "التجربة"، وذلك لأنّنا حُرِمنا من الكثير جدّاً من التجارب من قِبِلِ أُناسٍ ظلّوا يقولون لنا: "لايُمكنك أن تفعل ذلك"، أو "يجب عليك الاّ تفعل ذلك". لقد قصَفَت الديانات أنظمتنا النّفسيّة بعبارات مثل: "مُذنبون بالميلاد"! فيالتلك من بدايةٍ عظيمة للحياة!!

إذاً، فنحن نتعرّض لقصفٍ مُستمر بوابل من هذا الإحساس اللاّمحدود من "المحدوديّة":
"لا أقدر"، "لم أتمكّن ابداً"، "أنا خائف من ..".
ولذلك، أصبح لدينا تصوّر يتّسم بالمحدوديّة عن أنفسنا.

وأذكر أنّنى عندما نشأتُ فى تلك المنطقة السّكنيّة الضخمة، وكنتُ حينها "مُهيّأً" نوعاً ما لكى أعتقد بأنّنى ولكونى من "الطبقة العاملة"، فإنّ حياتى قد حُسِمت من حيث التّصنيف بشكلٍ أساسى. ولأنّ هنالك مجموعتين من البشر فى هذا العالم، وهاتان المجموعتان هما "نحنُ" و"هُم". ولكونى أنتمى لمجموعة "نحن"، وليس لمجموعة "هُم"، فقد كان هذا الأمر مُهمّاً بالنّسبة لى بشكلٍ أساسى، وكان فى صميم الوُجهة التى كان لابدّ لحياتى من أن تتّجه إليها. لقد وُلِدتُّ فى الطّبقة العاملة، ولذلك، فسوف أظلّ على الدوام "طبقةً عاملة"، ولن يكون هنالك مجال لأىّ تطوّر يُذكر إذا بقى الحال على ما كان عليه!. إنّها المحدوديّة، والمحدوديّة، والمحدوديّة، وهى التى تعبّر عن نفسها فى هذه العبارة العظيمة: "الرجل العادى، والمرأة العاديّة على الطريق".

إنّنى لا أعرف أىَّ شئٍ عنكم. فلم يسبق لى فى حياتى مُطلقاً، أن التقيتُ رجُلاً واحداً "عاديّاً"، أو امرأةً واحدةً "عاديّة". فكلّ من التقيهم، هم أناسٌ "غير عاديين"، ولكن تمّت "برمَجتُنا" بحيث أصبحنا ننظر لأنفسنا باعتبارنا أُناساً "عاديين". ولذلك فما نقوم به هو أنّنا نقوم يلعِب ذلك الدور بالتّحديد. فنحنُ نقراُ النص، ثمّ نقوم بأدائه فى فيلم الحياة، ذلك الفيلم المُجسّم والثّلاثىّ الأبعاد، فى هذا العالم الثلاثىّ الأبعاد. إنّنا نقوم بلعِب الدّور، ولذلك، فنحن نُجسّد ذلك الواقع، وهو واقع يتّسم بالمحدوديّة من قبيل "لا أستطيع"، "لم أستطِع أبداً"، "أنا شخصٌ عادى". ولذلك، فنحن الذين نخلق الظروف التى يُمكن فيها لأولئك الذين يعتبرون أنفسَهم "عاديين"، أن يقعوا ضحيّةً للتلاعُب من قِبَل أولئك الذين سبق لهم أن أدركوا حقيقة اللّعبة.

(يتبع) ...

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(7 من 7)

إنّ ما كنتُ قد رأيتُه فى تلك "المنطقة الخالية من المشاكل"، والتى تحدّثتُ عنها فى البداية، هو أنّ تلك المنطقة عبارة عن منظومةٌ "هرميّة" أيضاً. وقد كُنتُ مُهتمّاً بأن توجَّه إلىَّ الدعوة فى الصيف الماضى، لحضور الحفل التأبينى للكوميدى البريطانى "لارى جريسون"، والذى كنتُ قد عرفتُه بشكلٍ وثيق لفترة قصيرة. لقد كان رجُلاً مُضحِكاً جدّاً. وقد كان هنالك ممّا ذُكر فى ذلك الحفل، ما سيُلخِّص حقّاً كلّ ما ذكرت.

لقد كان "لارى جريسون" فى حدّ ذاته رجلاً متميّزاً. فالرجل الذى كان قد غادر غُرفة تغيير الملابس، هو نفسُه الواقف على الخشبة بعد أن فُتِحَت الستائر. فلم تكن هنالك شخصيّتان تحت إسم "لارى جريسون". وأذكُرُ أنّه قال فى إحدى المرّات: "فى الأسبوع الماضى، كان هذا الجانب الأيمن من جسمى مُتصلّباً بالكامل. أمّا هذا الأسبوع، فإن الجانب الأيسر من جسمى قد أصبح متصلّبٌاً بكامله. إذاً، لن يكون بوسعى الإنتظار حتى الأسبوع القادم، هل هذا صحيح؟". كان ذلك هو "لارى جريسون"، فقد كان شخصاً عظيماً.

وهنالك كوميدىٌّ آخر هو "روى هاد". وقد قام بتقديم عرضٍ عن حياة "لارى جريسون" فى ذلك الحفل التأبينى، وكان عرضه على شاكلة قصّةٍ كان "لارى جريسون" حكاها له. والقصّة كانت عن شئٍ ما حدَث عندما كان "جريسون" يجوب صالات العرض المُنوّع فى بريطانيا قبل سنوات مضت. وكان "لارى" يحكى قائلاً أنّه ذات مرّةٍ كان عليه أن يؤدّى مشهداً ذكوريّاً ليست فيه إلاّ امرأة واحدة. ثمّ قام بارتداء ملابسه. وقال "لارى" أن مُنتِج العرض كان رجلاً شديد الوطنيّة، ولذلك كان شعار الخاتمة الكبرى للعرض هو "أُحكُم بريطانيا". وقال أنّ ما حدث هو أنّ الرجال جميهعم حضروا وهم يرتدون ملابس "بحّارة". وبينما بدأ صوتُ الموسيقى بالإرتفاع، صعد الرجال جميعاً أحدُهم على كتِف الآخر على خشبة المسرح، وشكّلوا هرَماً، تاركين بُقعةً مستويةً على قمّة الهرَم. ثمّ تقدّم "لارى جريسون" مُرتدياً جُلباباً طويلاً، وممتشقاً سيفاً، وعلى رأسه خوذتُه، وممسكاً بدرعِه. ثم قاموا باستلامه وتسليمه من رجلٍ لآخر حتى وصل إلى قمّة الهرم.

قال "لارى جريسون": "بدَت الأمور وكأنّها تسير بشكلٍ طيّب، ثمّ لاحظتُ أنّ البحّار عند الركن الأيسر من قاعدة الهرم، كان قد خرج من الموضع المرسوم له. وكما قد يقول أىٌّ من قدماء المصرييّن، أنّ ذلك الموضع، هو من المواضع المُهمّة فى الهرم. ثم بدأ الرّجل يسعُل بشدّة حتى سقط بعيداً عن الهرم. وما حدث بعد ذلك هو أن الخشبة امتلأت بالبحّارة المُتساقطين." وقد كان "لارى جريسون" وقتها على ما يبدو مُرتمياً فى حضن شخصٍ ما فى الصفّ الثانى.

فماذا حدث هناك؟

إنّ "لارى جريسون"، والذى كان يرمُز للقلّة التى تتحكّم فى الكوكب، لم يفعل أىَّ شئ!
فكلّما حدث هو أنّ "رجلاً عاديّاً" -أو "امرأةً عاديّةً"- على الطريق، أُصيب بنوبة من السُّعالٍ الشديد، فانهار ذلك الشئ بأكمله. والسّبب هو أنّنا قد تمّت تهيُأتنا بحيث نسينا مكامن القوّة التى يرتكز عليها البناء الهرمى. إنّها ليست هناك فى قمّة الهّرم، وإنّما هى هنا فى قاعدته. ولكنّنا باعتقادنا بأنّها موجودةٌ هناك فى القمّة، تسبّبنا فى تجسيد ذلك الواقع الملموس من الأنظمة الهرميّة. فالنّاس يقولون: "هؤلاء الأشخاص، وتلك الصّفوة، وتلك النُّخبة العالميّة، إنّهم أقوياء للغاية".

لا، ليس كذلك، فالقوّة التى تُستخدم للتلاعب بالجنس البشرى يوماً بعد يوم، ليست إلاّ القوّة التى يتنازل عنها الجنس البشرىّ يوماً بعد يوم. هذا هو كلّ مافى الأمر.

إذا، فنحن مازلنا هناك، فى هَرَم "المنطقة الخالية من المشاكل"، هل هذا، صحيح؟ وأىِّ واحدٍ منّا يقف على أكتاف كلّ شخصٍ آخر فى تلك المستويات المختلفة من الهرميّة المُجتمعيّة. وكلّ مستوىً من هذه المُستويات يقول لِما تحتَه "لا تتحرّك. قف مكانك. أنا أعتمد عليك. هل تعلم، إذا تحرّكتَ نحو الخارج، فإنّ النّظام بأكمله سوف ينهار، وسوف تعُمّ الفوضى، والجوع و ...". فيردّ المستوى الأدنى من الهرم قائلاً: "حسناً حسناً، سأبقى فى مكانى".

وفى كلِّ مستوى من مُستويات ذلك الهَرم، يجد كلُّ شخصٍ آخر نفسَه خائفاً من الخروج منه، أو الإصابة بنوبةٍ من "السُّعال"، لأنّهم خائفين من تبِعات بقائهم خارج هذا السّجن. وهنالك فى قمّة الهَرم، ذلك البِناء المتماسك فقط بفضلِ الخوف، يوجد قِلّةٌ قليلون، يعملون على بثِّ رسائل عبر المُستويات المختلفة للهرَم فى الإتّجاه نحو الأسفل، وهى رسائل يطالبون فيها الهرَم بأكمله بأن يقبل بها كواقع. إنّنى، وكأىّ شخصٍ لا يتبع أىّ ديانةٍ أو عِلم، أو أىّ مذهبٍ روحانىّ أو "ماوراء الطبيعى"، أرى بأنّنا فى الحقيقة، نختلف اختلافاً تامّاً عمّا تمّ وصفُنا به. فنحن عبارة عن "وعىٍ" متعدّد الأبعاد، ولسنا مجرّد كُتُلاتٍ من اللّحم.

حسناً، تلك إذاً هى المشكلة- والمتكلّم فيما يلى هم القلّة المُتنفّذون على قمّة الهرم:
("إذا أدركنا بأنّ بأنّ ذلك الوعى متعدّد الأبعاد سيمكنُه التحكّم بحياته وبمصيره، فإنّ هذا سيعنى أنّنا لن نكون قادرين على التحكّم بهم، ولذلك سيتحتّم علينا "إقناعهم". هذا صحيح").
- حسناً إذاً. قم بتمرير هذه الرّسالة: إنّه "الشيطان".
- حسَناً. شكراً جزيلاً.
فيكون ردُّ الفعل فى أسفل الهرَم:
- هل كان ذلك حقّا هو الشيطان؟ حسَناً، هل هو "الشّيطان"؟

وربّما يُحاولون –أى القلّة المّتنفّذون- الإقتراب بطريقةٍ أخرى. فهم فى وضعٍ غاية فى الإضطّراب. والشئ الآخر الذى سيُرسلونه نحو أسفل الهَرَم سيكون:
"أنتُم أحرار، أنتُم أحرار" .. حوِّل.
فيكون ردُّ الفعل فى الأسفل:
- "إنّنا أحرار. هذا عظيم. نحن أحرار يا حبيبتى .. (حوِّل) .. نحن أحرار .. نحن فى ديمقراطيّة ..نعم ..هذا عظيم .. إنّنا أحرار .. لاحاجة بنا للسُّعال، فنحنُ فى ديمقراطيّة، ونحنُ أحرار."
-
ولكن، مالذى يقصدونه حقيقةً بهذه "الحُرّيّة"؟
إنّهم فى الواقع يقولون لنا: "أنتُم أحرار لتُشاهدوا "حفل منزل نول – Naul’s House party" (وهو -لمعلوميّة المُشاهدين فى مناطق أخرى من العالم- من البرامج التى تحتقر الذّكاء، حسب رأيى المتواضع).
إنّهم يقولون لنا: أنتُم أحرار لتُشاهدوا اليانصيب القومى حيّا على الهواء، وتُساهموا بذلك فى أحدث نوعٍ من أنواع الضريبة فى هذا البلَد. أنتُم أحرار لتفعلوا هذا. أنتُم أحرار لتُشاهدوا برنامج "المُجالدون – Gladiators"، و"دالاس – Dallas"، وكل تلك البرامج الأخرى، ولكن ليس أن تُعبّروا عن رفضكم بشكلٍ جماعى. أنتُم أحرار لكى تُضيفوا سنويّاً، المزيد من النقاط إلى أجهزة التحكّم عن بُعد التى لديكم، كما أنّكم أحرار فى الضّغط على أىِّ منها والتسبّب فى إهانة ذكائِكم بنسبة 99%. أنتم أحرار.

فنقول لهم: "شُكراً".

ولكنّك لستَ حُرّاً لتقول ما تعتقد به دون الوقوع فى المشاكل. أنتَ لستَ حُرّاً لتكون على حقيقتك، وتُعبّر عن حقيقتك. أنتَ لستَ حُرّاً لتعيش حياتك بالطريقة التى تراها مُلائمة، إذا كان ما تراه خارجاً عن "المألوف"، وهو ذلك المألوف الذى تمّ صُنعُه اصطناعاً. وأنت لستَ حُرّاً حتى لكى تسكُن فى منزل واحد، وأن تدفع لتسكُن فى منزل واحد، إذ يتوجّب عليك شراء ثلاثة منازل فى مُقابل واحد!

هنالك ثلاثة أشياء بالنسبة لى، أرى أنّها ستُغيّر كلّ ما كنتُ قد تحدّثتُ عنه اللّيلة، وتجعل حدوثه مستحيلاً، وهى كفيلة بتحويل هذا السّجن إلى فردوس. وهى لن تُكلّف حركةً واحدة من حركات التسيُّس الجديدة، ولا غُرفةً واحدةً مملوءةً بالدُّخان، ولا منظّمةً إرهابيّةً واحدة من مُنظّمات "القتال لأجل الحُريّة" –ويالتلك من عباراتٍ متناقضة- حتى يتغيّر هذا العالم إلى فردوس. فكلّ ما تُكلّفه، هو أن يكون كلٌّ منّا على حقيقته، ويبدأ بالتعبير عن تفرُّده. إنّها تحتاج مِنّا أن نبدأ "السُّعال"، ونخرج من هذا الهُراء. وهذه الأشياء الثلاث هى:

1) أن نحترم حقّنا الذّاتى فى التفرُّد، وفى التعبير عن ذلك التفرُّد.
2) أن نحترم وبشكلٍ حاسم، حقّ كلٍّ شخصٍ آخر فى التفرُّد، وفى التعبير عن ذلك التفرُّد.
3) أن لا يسعى أىُّ شخصٍ أبداً، لفرض مُعتقداته على أىّ شخصٍ آخر.

عندها سيحدثُ لدينا انفجارٌ هائلٌ فى القدرات الإنسانيّة التى ستتحرّر من سُلطان الخوف، الذى كانت ترزحُ تحته لأمدٍ طويل. وبما أنّه لن يكون هنالك من سيسعى لفرض مُعتقداته على أىّ شخصٍ آخر، فإنّ الإرادة الحُرّة لن تمتنع. فحالما احترمنا حقّنا الذاتى فى التفرُّد، فإنّنا سنتوقّف عن الإستمرار كعبيد فى خدمة الفكر والسلوك المفروض. وعندما نحترم حقّ كلّ شخصٍ آخر فى التفرُّد، فإنّنا سنتوقّف عن التصرّف كقوّة شُرطةٍ لحماية "المنطقة الخالية من المشاكل"، وحماية جميع "العبيد" الآخرين. وعندما نمتنع عن فرض مُعتقداتنا على اىّ شخصٍ آخر، فإنّ حُريّة الإرادة لن تُمنع عن أحد.

وياله من فرق كبير ذاك الذى سينجُم.

وإذا عُدنا مرّةً أخرى لرمزيّة "قطيع الخِراف"، حيث كانت هنالك المئات من الخِراف منتشرةً عبر سفح ذلك التل، ثم يصل المُزراع فى شاحنته الصّغيرة، وينزل منها، ثمّ يتّكئ على عصاه مُرفرفاً بحاجبيه، فتبدأ واحدة أو اثنتين أو ثلاثة من الخِراف بالتحرُّك فى اتّجاهه.

أمّا الآن، فقد أصبحَت "عقليّة الخِراف" مختلفةً جدّاً. فالخِراف الأخرى لم تعُد تتبع تلك التى فى المُقدّمة. إنّها الآن تحتفى بتفرّدها. إنّها تتبع ما فى قلبَها. إنّها تُعبرّ عن حقيقتها. ولذلك فهى تقول: "إنّ ذلك لمثيرٌ للإهتمام، هل تعلم، إنّهم يفعلون ذلك كلّ يوم وفى نفس الوقت. هذا غريبٌ جدّاً. أمّا أنا فلا، فقلبى يُحدّثنى بأنّ هذا هو الصّحيح بالنسبة لى. سأذهب من هُنا، فهنالك الكثير ممّا سوف أتعلّمُه، والكثير ممّا سوف أختبره. إنّ ذلك المكان، هو ما سوف أذهب إليه". فتقول لها الخِرافُ الأخرى: "حسناً، هذا جيّد. ولكنّنى سأذهب إلى هناك".
فمالذى سيفعله المزارع فى هذه الحالة؟

فالوضع فى نظره قد بات الآن أشبه بفوضى عارمة. وذلك لأن عقليّة التقديس قد تلاشت، وكلّ الخِراف الأخرى أصبحَت تقول لمن قرّر الخروج منها: "ربّما كنتَ مُحِقّاً فى الذهاب إلى هناك، طالما أنّك لن تتدخّل فى شأنى. إنّ هذا لشئٌ عظيم".
إذاً، فالمُزارع – والذى يرمز هنا لهذه المنظومة العالميّة- قد يتراجع عند تلك النّقطة لمُعتقده القديم ويقول: "سنُقاتلهم حتى الموت، ألقِ القبض عليهم، أطلِق عليهم كلب الحراسة". أمّا الآن، فالخِراف ذاتُها التى تُعبّر عن تفرُّدها، ولكونها الآن أصبحَت تملك قواها الخاصّة بها، ولكونها تعلم بأنّها قوّة لاحدود لها، ولأنّه ليس هنالك من يُمكن اعتبارهم "رجالٌ عاديّون" و"نساءٌ عاديّات" فى الطُّرُقات، وأنّ كلّ من هناك هم "أشخاصٌ فوق العادة"، ولأنّها الآن تتمتّع بكامل قواها، فقد تأكّد لها أنّ الخوف لم يكن إلاّ من صُنعها، وأنّ الخوف شعورٌ قابلٌ للإستفزاز، ولكنّنا نحنُ من يختار وليس سوانا، ما إذا كُنّا سوف نخاف أم لا. إنّه مُجرّد "إختيار".

إنّ أىَّ شئ هو مُجرّد "إختيار".
إذاً فإن قُلتَ لى:
"أعذُرنى، إذهب واحصُل لك على طاسة من الماء، أو بعض الطّعام للكلاب، أو أىّ شئ قد تُصادفه فى طريقك". فسأقول لك: "لا أرغب فى ذلك، ولن تستطيع إخافتى لدفعى للقيام بما تعتقد بوجوبه".

إنّ كلّ ما حدثَ فى المثال المذكور أعلاه، هو أنّ الخِراف نجحَت فى التّخلّى عن الخوف. لقد تخَلّتْ عن الخوف من كونها "مُتفرّدة" كما هى فى حقيقتها، فإدّى ذلك لتغيُّر الوضع برمَّتِه. وإذا تمكّنّا من تحقيق ذلك فى مجال التّجربة البشريّة ، فإنّ كلّ ما سبقَ وتحدّثتُ عنه اللّيلة، سيُصبح مُستحيلاً، وذلك حالما أمكننا التّعبير عن تفرُّدنا، وحالما توقّفنا عن إدانة أىّ شخصٍ آخر يقوم بالتّعبير عن تفرّده، لمجرّد أنّه يختلف عماّ نعتقد بأنّ من واجبهم أن يكونوا عليه.

وبالنّسبة لى، فنحنُ هنا فى مُقدّمة أجيال "كاسحات الجليد". فهنالك وعىٌ عالمى مُتنامى، وهو يؤدّى لتغيير فى طبيعة إدراك النّاس للحياة. وعندما أتأمّل النّاس، فّإنّنى أراهم يقفون –رمزيّاً- على قشرة بيضة. وهناك بداخل قشرة البيضة ، نوجد تلك المنطقة الضيّقة جِدّاً من وعينا التى نتعامل معها فى الواقع، فى هذا العالم الثلاثىّ الأبعاد. وتلك المِنطقة الضّيّقة جدّاً –والتى أُسميها "التّرس الأوّل"- هى مِنطقة يسهُل التلاعب فيها من خلال الرسائل التى تنهمر علينا عبر عيوننا وآذانِنا بشكلٍ مُستمر. أمّا خارج قشرة البيضة تلك، فهنالك وعيُنا المتعدّد الأبعاد، وهو ليس بكيانٍ ما خارجى، وإنّما هو بصرُنا أنفسنا، وهو بصرٌ مُتعددة الأبعاد، ومُستمرٌّ فى مالا نهاية له من الحب، والتفاهم، والحِكمة، والمعرفة. ولأنّكم تعرفون أنّ النّاس يقولون: "يجب عليك البحث عن الإستنارة". إنّنى لا أتّفق مع ذلك. فالإستنارة لم تبتعد عنّا مُطلقاً. إنّ "الإستنارة" و"الجهل" يتشاركان الفضاء ذاته تحديداً، إلاّ أنّهما يختلفان فى "التذبذُب"، وهذا هو كلّ مافى الأمر. وبحسب وجهة نظرى، فإنّنى أحسّ بأنّ ما يتوجّب علينا فعله ليس "البحث" عن الإستنارة، وإنّما إزالة الحاجز الذى يحول بيننا وبين الإستنارة، وذلك الحاجز هو "قشرة البيضة". إنّها قشرةُ بيض مصنوعةٌ من الخوف، والشّعور بالذّنب، والإستياء، وانعدام الإعتداد بالنّفس، والتصوّر البالغ المحدوديّة عن أنفسنا.

وعندما تبدأ قشرة البيضة تلك فى التصدُّع، وهى قد بدأت ذلك بالفعل بالنّسبة لأعداد متزايدةٍ من البشر، فإنّ الذّات مُتعدّدة الأبعاد، ستبدأ فى الإتّصال بالذّات التى عند مستوى "التّرس الأوّل". وفى تلك النّقطة، سنبدأ الإدراك بأنفسِنا وبحياتنا بشكلٍ مُختلفٍ جدّاً. إنّنى أشعرُ وبشكلٍ رمزى، بأنّ ما يحدثُ هو أنّ هنالك تغيُّراتٌ "ذبذبيّة" تستمرّ فى الحدوث حول الكوكب، كمرحلة طبيعيّة فى النطوّر البشرى. وهذه التغيُّرات فى الذبذبات، تؤدّى لتصدّع "قشرة البيضة" تلك، والتى هى عبارة عن طاقة ذات تردّد مُنخفض، وهى ذاتها "السّجن" الذى نعيشُ داخله.

ولذلك، فقد بدأ الضوء الصّادر عن الذّات مُتعدّدة الأبعاد –أى الذّات اللاّمحدودة- فى الدّخول ومعاودة الإتّصال بهذه النّفس الموجودة حالياً. وفجأةً، بدأَتْ تصلنى ما بين ألفين وثلاثة آلآف رسالة سنويّاً حتى الآن –وهو أمرٌ أحببتُه- من أناسٍ من مختلف ضروب الحياة، ومن مُختلف أنحاء العالم بشكلٍ متزايد، وهى تُشير كُلُّها إلى أنّ جميع أولئك النّاس على اختلافهم، بدأو يمرُّون بالتّجربةَ ذاتُها، وهى كما يقولون: "لقد بدأتُ أرى نفسى فى هذا العالم بشكلٍ مُختلفٍ جدّاً. لماذا لم أتمكّن من رؤية ذلك من قبل؟"

والأمر غايةً فى الوضوح. وهو لأنّ "قشرة البيضة" تتصدّع فى الوقت الحالى. لم يعد "التّرسُ الأوّل" هو من يتولى عمليّة الإدراك فى هذا العالم، وإنّما أصبحت "الذّاتُ متعدّدة الأبعاد"، هى من يتولّى ذلك. لقد بدأنا نُصبح "كُلاًّ" من جديد، وبدأنا نعود إلى ما نحنُ عليه فى الحقيقة، بعد أن كنّا قد نسينا من نحنُ فى الحقيقة.

لقد أخذَنا نحنُ طليعة أجيال "كاسحات الجليد" عن آبائنا وأجدادنا، ليس لأنّهم كانوا أناساً سيّئين، ولكن فقط لأنّهم كانوا يُمرّرون "البرامج" التى كانوا يعملون عليها –كما نفعل نحن جميعاً- والتى كانت بشكلٍ أساسى برامج من شاكلة "إجرى مع القطيع، لا تفتعل المشاكل، إبقى رأسك مُنخفضاً".
ولليابانيين فى ذلك مثل يقول "لا تكُن المسمار الذى يعلو فوق المسامير الأخرى، لأنّ ذلك سيكون أوّل مُسمارٍ يتلقّى الضّرب".

ونحن لن نقوم بالتّمرير لأطفالنا فقط، وإنّما لأنفسنا أيضاً –وهو فى الحقيقة ما يجب أن يحدث"هُنا" و"الآن"- أنماطاً من التفكير تنُُصُّ على ما يلى: "كُن أنت، مهما كُنت، واحترم حقّ كلّ شخصٍ آخر فى أن يكون كما هو". والنّاس فيما بين هذا وذاك هم أجيالُنا. فإذا استطعنا أن نتحرّر من خوفنا، فسنتمكّن من القضاء على الخوف فى العالم، لأنّ العالم هو مجرّد حاصل الجمع الكُلّى لتصوّراتنا عن أنفسنا. وعندما ننجح فى تغيير تصوّرنا عن أنفسنا، فإنّ ما نُسميه "العالم"، سيتغيّر بشكلٍ دراماتيكى. فالعالم هو نُسخةٌ فيزيائيّةٌ تتكرّر على مدار الثّانية، من تصوّرنا البشرى الجمعى عن أنفسنا. وعندما نتحرّر من إحساسنا بالمحدوديّة، ومن إحساسنا بالخوف، ومن أحاسيس من شاكلة "لا أستطيع"، فإنّ العالم لن يُصبح سجناً، لأنّنا نحنُ الذين خلقناه.

هنالك مُغنِّيةٌ رائعة فى هذا البلد، وهى ألمانيّة تُدعى "جيلا"، ولديها أغنية جميلة تقول: "نحن القوّة فى كلّ فرد، نحن رقصة القمر والشّمس، نحن الأمل الذى لن يخبو أبداً، نحن انعطاف المد".
فإذا تمكّنّا من أن نجعل المدّ ينعطف فى دواخلنا، بحيث يتّجه نحو الحُرّيّة بدلاً من الخوف، فسوف نجعل ذلك المد ينعطف نحو الخارج فى كوكبنا. وهذا كأىِّ شئٍ آخر، هو "اختيار" محض، وهو اختيار بين "الخوف" وبين "الحُب". إنّ ذلك هو كلّ مافى الأمر.

إنّنا نملك الخيار فى أن نخضع للخوف، كما نملك الخيار فى أن نكره. فالمسألة مسألة اختيار.
وفى المُقابل، فإنّنا نملك الخيار فى ألاّ نخاف، كما نملك الخيار فى أن نُحِبْ. ليس على غرار "أُحبُّك أبداً عزيزتى لكونك مُعجبة بى"، ولكن "أحبُّك لكونك موجوداً". "أحبُّك أيّاً كان". "أحبُّك بلا أىّ شروط".

وإذا كنتَ ترغب فى تغيير العالم، فسوف يجب عليك أن تبدأ بنفسك.

أمّا الخوف، والغضَب، والكراهيّة، والإدانة، والإملاء على الآخرين ما يجب أن يكونوا، فذلك هو طريقُنا نحو السّجن.
ولكنّ الفردوس فى الإنتظار، وهى تقع فقط على بُعد "فكرةٍ" أو "موقف"، وهو كلّ مافى الأمر. إنّها تبعد "اختياراً" واحداً.

الحُب. إذا نحنُ أحببنا بعضنا، وأحببنا العالم، فإنّ حياتنا ستتغيّر بشكلٍ جذرى، كما أنّ العالم سيتغيّر بشكلٍ جذرى. إنّنا نمثّل الأجيال –وقد يبدو هذا غريباً فى عالم اليوم- التى تؤمن بشَغف كبير باّنها ستغمر العالم بالحُب بما يجعل منه الفردوس الذى يجب أن يكون عليه فى الحقيقة، وما صُمِّم أساساً لكى يكون عليه.
إنّ تغيير العالم لم يعُد هدفاً "مُستقبليّاً"، أو أنّ العالم "سوف" يكون مكاناً أفضل للأطفال. فالتغيير "هنا، والآن"، ونحن نشهدُ ذلك.

وهنالك أغنيةٌ أخرى سأختم بها حديثى:
"بوسع الحُبّ أن يبنى جِسراً بين قلبِك وعقلك. بوسع الحُبّ أن يبنى جِسراً، ألا تعتقد بأنّ الوقت حان؟"
وهنالك المزيد والمزيد من النّاس عبر هذا الكوكب، ممّن سيُجيبون على هذا السؤال بِ"نعمٍ" صارخة. إنّنا نحنُ الأجيال التى ستُحوّل هذا العالم بالحُبّ إلى فردوس.

شكراً جزيلاً لكم.

(إنتــــــهى)


----------------------------------------------------------------

الحُبُّ ليس روايةً شرقيةً

بختامها يتزوج الأبطالُ

لكنةُ الإبحارُ دون سفينةٍ

وشعورنا أن الوصول محالُ

هو أن تظل على الأصابع رعشةٌ

وعلى الشفاة المطبِقات سؤالُ

هو جدولُ الأحزانِ في أعماقنا

تنمو كروم حولَهُ وغِلالُ

هو هذه الأزمات تسحقُنا معاً

فنموت نحنُ .. وتُزهر الآمالُ

هو أن نثور لأيّ شيءٍ تافةٍ

هو يأسُنا .. هو شكُّنا القتّالُ

هو هذه الكفُّ التي تغتالُنا

ونُقبِّل الكفَّ التي تغتال ..


(نزار قبّانى)

- مع تحيّات: [font=Tahoma]عمر الدرديرى خضر -

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


من الموضوعات التى تطرّق إليها "ديفيد آيك" فى مُحاضرته أعلاه " بعنوان إنعطاف المد"، كان هنالك موضوعٌ يتعلّق باستزراع الشّرائح الدّقيقة فى البشر، كمشروعٍ بدأ العمل فيه بالفعل، وبدأت ملامح تنفيذُه على الواقع المُعاش فى الظّهور منذ مُدّةٍ من الوقت. والمشروع كما يرى المُتحدّث، يقع فى دائرة الإستراتيجيّات البعيدة المدى، والهادفة نحو المزيد من تركيز السّلطة على المُستوى العالمى، فى أيادى قلّة مُتنفّذة تتربّع على قمّة هرم اتّخاذ القرار فى العالَم، وهى قلّةٌ تؤثر العمل بعيداً عن دوائر الأضواء.

وقد شاهدتُّ بنفسى فى برنامجٍ تلفزيونى قبل عدّة أسابيع، شخصاً فى إحدى البلدان الأوروبيّة، يظهر مُتباهِياً بعد أن زُرِعت فى ذراعه شريحةٌ دقيقة، وضعت بها جميع معلومات المُتعلّقة بحمضه النّووى!

فهل ياتُرى هو مشروعٌ حسَن النّوايا (حمض نووى وبيانات صحيّة وماليّة وما إلى ذلك)، أم ّانّه مشروعٌ ظاهره من قبله الرّحمة، وباطنه من قِبله العذاب؟

وفيما يلى عرضٌ مُختصر لمقال للكاتب "فيليب ديى Phillip Day"، يتناول تلك المسّالة من حيث بعدُها التّاريخى، وكيف أنّ العمل فيها كان ولايزال يسير بخُطىً حثيثة، وإن من وراء سُحُبٍ داكنةٍ من تّجهيلٍ إعلامىٍّ مُتعمّدٍ وكثيف. ولا عجب فى ذلك، فأصحاب القرار على قّمة الهَرم، هم ذاتُهم أصحاب الآلة الإعلاميّة الجبّارة –كما جاء فى المُحاضرة- والتى قلّ من تمكّن من الوقوف فى طريقها.



تاريخ الشّرائح الدّقيقة القابلة للإستزراع
"فيليب ديى"

"ألا تُسبّب الشّموليّة إزعاجاً بالنّسبة لك؟"

لقد أصبح العصر الحالى للمرّة الأولى عبر التاريخ البشرى، هو العصر الذى أصبح فيه التحكّم الكامِل بالسُّكّان مُمكناً، وذلك عبر استخدام أدوات التّتبُّع عالية التّقنية وأجهزة الكمبيوتر الفائقة. ومن الواضح أنّ التّكنولوجيا تتقدّم أكثر فأكثر، نحو التّمكّن من مُتابعة كلِّ شئ، من الجرد المُمَكنن، إلى الماشية، وانتهاءً بالبشر.

لقد تحقّق الإختراق فى السّعى نحو منظومةٍ مُنسّقةٍ للتحكّم، بتطوّر منظومةِ تحديد المواقع بالأقمار الإصطناعيّة (GPS) وتطبيقاتُها، والتى تمّ تطويرها بواسطة شركة "Trimble Technologies" فى كاليفورنيا.

ويمضى المقال فيقول:
لقد حقّقت منظومة تحديد المواقع بالأقمار الإصطناعيّة (GPS) قفزةً كمّيّةً بتطوير أيونيّات حيوية (Bionics) يُمكن متابعتُها بالقمر الإصطناعى بمجرّد زراعتها فى الحيوانات أو فى البشر. إنّ تلك الأدوات الفائقة الدّقّة والمُزوّدة ببطّاريّة "ليثيوم"، يُمكن اكتشافها جُغرافيّاً عن طريق "تحديد تردُّدات الرّاديو" على مدى بوصاتٍ فى أىّ مكانٍ على كوكب الأرض. لقد استُُخدم اللّيثيوم كمُزوّدٍ للطّاقة لتلك الشّريحة لكونه قادراً على الحصول على الطّاقة بشكلٍ ذاتىٍّ عبر التّغيُّرات الحراريّة التى تحدث فى الجسم المُضيف. ولذلك فإنّ الأمكنة المُفضّلة لزراعة الشّريحة هى ظاهِر الكف، أو مُقدّمة الرأس، لكونها الأماكن ذات التغيُّر الأكبر فى درجة الحرارة.
ولكنّ العيب فى "اللّيثوم"، يكمنُ فى تسبُّبه بعدوى عند ملامسته للأنسجة العضويّة المكشوفة.

صحيفة "الواشنطن تايمز" أوردت فى 22/5/1995 تقريراً مفادُه أنّ الأمير "ويليام" فى إنجلترا، والمُرشّح الثانى لولاية العرش البريطانى، قد تمّ وسمُه إليكترونيّاً (لأسباب أمنيّة) عندما دخل الجامعة فى "إيتون". وقد اكتشفت مجلّة "ريليفانس" الأمريكيّة أن هنالك تجارب لزراعة الشّرائح الحيويّة أجريت على أطفال فى إحدى دور الرّعاية فى فلوريدا.

وقد أعلنت شركة "سيماتيك" عن تطوير شريحتها فى العام 1993 (أى قبل 17 عاماً!)، وحجمها 1/200 (واحد من المائتين) من حجم الشّعرة البشريّة (0.35 ميكروناً). وأعلنت الشّركة عن أنّها بصدد إنتاج أداة بحجم (0.1 ميكرون). وهذه الشّريحة من "سيماتيك" ليست للزّرع، ولكن شركةً أخرى شريكةً لِِ" سيماتيك" هى "Texas Instruments"، قامت بتطوير الأداة القابلة للزرع.

وعلى الرّغم من أنّ الإستعمال الواسع النّطاق لتلك الشّرائح ظلّ محصوراً على الحيوانات كالمواشى لتسهيل مُتابعتها وعمليّات جردِها، وعلى الكلاب لمتابعة أوضاعها االصّحية والتّعرّف على الكلاب الضّالة منها، إلاّ أنّ الكاتب يقول أنّ وَسْم البشر بتلك الشّرائح كان ولا يزال جارياً منذ فترة من الوقت، حيث اقترح البعض وسم الأطفال لتسهيل مُتابعتهم إذا ما تعرّضوا للإختطاف، كما تمّ وسم بعض الجنود المتطوّعين إبان "عاصِفة الصّحراء" لرصد أدائهم بالأقمار الإصطناعيّة أثناء الحرب البرّيّة.

كذلك تم استعمال تلك الشرائح بشكلٍ تجريبى على المساجين الذين أُطلق سراحهم بشكلٍ مشروط، وعلى بعض مرضى "الزهايمر"، وعلى مُدانين بسرقة المتاجر، حيث كانت مُعظم تلك الشّرائح على هيئة " أسوِرة بايوميتريّة" أو "مُلحَقات عصريّة"، بحيث تتمكّن السُّلطات من رصد أماكن تواجُد حامِليها.

ويتساءل الكاتب: "فهل تبقّت إلاّ قفزةً صغيرة من "السّوار"، إلى زراعةٍ دائمةٍ فى اليد شاملةٍ لجميع السُّكان؟"

لقد ظلّ العُلماء يمزجون أدوات القياس الحيوى (Biometrics) بأجهزة كمبيوتر فائقة السّرعة إلى درجةٍ يصعب تصديقُها. فهنالك تكنولوجيا يُمكن بها تخزين أكثر من 3000 صفحة من المُستندات فى شريحةٍ قابلةٍ للزّرع. وهى معلومات يُمكن الوصول إليها بواسطة قمرٍ إصطناعى، أو بماسحات موصولة بأجهزة كمبيوتر لاستخدامها فى جميع الأغراض.
فإذا كانت السّلع التى ندفع ثمنها اليوم تُمرّر عبر ماسحة "الباركود"، فإنّنا قد ندفع غداً لمشترياتِنا ليس بالأوراق والعُملة المعدنيّة، ولكن ببساطةٍ بتمرير أكُفّنا على الماسحة، فيتمّ الخصم من حساباتِنا وفقاً لذلك.

المؤلّف التّقنى "ماكسويل لونجرين" كتب مُعلّقاً: "الجميع يُثنى على الجوانب الإيجابيّة للشّرائح الحيويّة القابلة للزّرع، ولكن لا أحد على حدّ عِلمى -فيما عدا أقليّة قلِقةٍ مُتنامية- يناقش قابليّتها التّدميريّة لسوء الإستخدام والتّحكّم. فى الماضى، لم يتعلّم الجنس البشرىُّ أبداً من دروس التّاريخ، وأخشى أنّ لاشئ سيتغيّر فى المُستقبل".

رابط الموضوع الأصل:
https://campaignfortruth.com/Eclub/23110 ... e%20ic.htm
We must not allow our creative protest to degenerate into physical violence. Again and again we must rise to the majestic heights of meeting physical force with soul force.

Martin Luther King
أضف رد جديد