البايولوجيا الجديدة .. عندما يلتقى العقل بالمادّة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

البايولوجيا الجديدة .. عندما يلتقى العقل بالمادّة

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(1)

- هنالك "مُسلّمات" قبِلنا بها وتعاملنا على أساسها فى مضمار العلوم، إلاّ أنّها غير صحيحة.
- هنالك "فرضيّات" فى مجال العلوم، وأفكار وقعنا بسببها فى إشكاليّات عديدة، وهى ليست صحيحة.
- الإنسان ليس محكوماً بجيناته، وإنّما بمعتقداته.
- نحن موجودون فى الواقع "خارج أجسادنا"، وليس داخلها.
- علماء اليوم مثل كهنوت الأمس، والفرق هو أنّ العلماء يلبسون ثياباً "بيضاً"، بينما يرتدى الكهنوت ثياباُ "سود"، والقاسم المشترك بينهم هو الحديث عن "مُسلّمات".


هذه عناوين عريضة لبعض ما ورد فى محاضرة الدكتور "بروس ليبتون"، إختصاصى بيولوجيا الخلايا بعنوان "البيولوجيا الجديدة - عندما يلتقى العقل بالمادّة"، والتى طرح فيها منظوراً مُغايراً لبعض مّا تمّ تداوله فى العقود السابقة على اعتباره "ثوابت" علميّة. وسوف أورد هنا وعلى حلقات، عرضاً لتلك المحاضرة الطويلة (150 دقيقة) يتضمّن محاورها الأساسيّة. وهى محاور تفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات جديدة، خاصّة فيما يتّصل بالعلاقة بين المادّة، والعقل، والوعى.

بدأ الدكتور "ليبتون" محاضرته بتحيّة الحضور ثمّ قال:
لقد كان عملى يتعلق أساساً باستنساخ الخلايا العضلية البشرية. فقد كنت أعمل مع المرضى المصابين بأمراض الضمور العضلى، وأقوم باستخراج الخلايا البشرية، محاولاً فهم الآليّات التى تتحكّم بالتجلّيات المَرَضيّة للخلايا. وكنت أقوم بذلك أثناء مزاولتى لمهنة التدريس بكلية الطب.
وبعد سنوات من البحث، بدأت أدرك بأنّ بعض معتقداتنا الحالية، ومسلّماتنا فى مجال الطب، ليست صحيحة على الإطلاق. أن هنالك "ثورة" تجرى الآن فى مضمار الرعاية الصحية، ولكنّنى، ومن منطلق عملى فى مراكز طليعيّة فى مجال الأبحاث العلميّة، رأيتُ بأن من الواجب تنزيل تلك "الثورة" إلى أرض العامّة من الناس، وأن الأمر الأكثرأهمية، هو أن يفهمها عامّة الناس. إنّ المعلومات التى سأقدمها لكم الليلة، هى معلومات مُعزّزة للذات بشكل كبير. وهى معلومات ستكشف لنا عن بعض "الفرضيّات" التى سأسمِيها لكم، وعن بعض الأفكار التى أوقعتنا فى إشكاليات، وهى أفكار ليست صحيحة على الإطلاق.
وبمجرّد فراغى من توضيح تلك المعلومات، ستدركون مدى ما كنتم عليه من قوّة، ومدى ما كنتم عليه من "محدوديّة" فى آن واحد. والسبب فى ذلك، هو تغيُّر اعتقادنا عمّا كنَّا نملك من قوَة.
إنّ هنالك معتقدات مهمة جداً كانت قد انتقلت من مجال العلوم إلى الساحة العامّة، عن طريق تحويل المعلومة العلمية إلى عبارات عامّة. وفى أثناء هذا الإنتقال، تم تحوير الكثير من المعانى، بحيث لم تعد لتلك المعلومات، أىّ علاقة بالحقيقة.
ربما يكون البعض منكم سمع بما يُدعى "التحديديّة الوراثية - Genetic Determinism". وهى تتمثّل فى الإعتقاد الشائع الذى يقول لك: "أنت محكوم بجيناتك". وفى خلال الساعة الأولى لهذه المحاضرة، سأكشف لكم حقيقة أخرى، وهى حقيقة تقول، بأنك فى الواقع، لست محكوماً بجيناتك، ولكنّك محكوم بِ"تصوّرك عن بيئتك". وسأوضّح لكم لاحقاً، كيف أنّ "التصوّرات" هى فى الواقع، عبارة عن "مُعتقدات".

أننا عندما نتحدث عن "الجينات" فإننا نتحدث عن الأمراض الوراثية، أو الميول الوراثية.
دعونى أولاً أوضّح لكم خطأً شائعاً وهو: لا شك فى أن هنالك ما يُعرف بِ"العيوب الوراثية"، وهى تؤثر فى حوالى 5% من السكان. وما أحاول توضيحه هو أنّ 95% من البشر يحملون جينات رائعة يُفترض أن تمكّنهم من العيش بشكل "طبيعى" من الناحية البايولوجية، ولكن بالرغم من ذلك، يُعانى بعضهم من الأمراض والأورام الخبيثة والموت المبكر وأمراض القلب. ونحن بطبيعة الحال، ننزع نحو تحميل " الجينات" المسئولية الكاملة عن كل ذلك. أمّا الآن، فقد اتّضح أنّ الأمر خلاف ذلك، وهو أن "نظمنا العقائديّة"، هى من يقوم بإختيار الجينات، وإعادة الكتابة على تلك الجينات.

وبينما كنتً أباشر عملى فى استنساخ الخلايا، كان جزءٌ من تجاربى يتطلب تدمير الحمض النووى للخليّة، ثمّ مراقبة سلوك الخلية بعد ذلك. والأمر الذى أدهشنى، كان مقدرة الخلية على الإستمرار فى حياتها بعد تدمير حمضها النووى. فإذا كان الحمض النووى هو المتحكم الأساس فى الخلية، فما الذى يتحكم فى الخلية إذاً بعد اختفائه.
وقد قادنى ذلك للإجابة على السؤال: "أين يقع الدماغ الحقيقى للخليّة؟"
وحينها، أصبحت غاية فى الحماس وقلت لنفسى: "ياإلهى .. هذا فهم للعلوم جديد كليّةً ". ثمّ بدأت التجوال وإلقاء المحاضرات عن ذلك. وكان بحق مثيراً للحماس، لأن الناس العاديين والأنداد والزملاء فى المهنة، كانوا جميعاً قد فهموا ما توصّلتُ إليه، إلاّ أنّهم كانوا منزعجين أيضاً لكوننا أنفقنا أموالاً طائلة حول معتقداتنا السابقة عن الجينات، وفى الأدوية، بحيث كان من الصعب عليهم التحوّل نحو منطقة وسطى، والبدء فى البحث عن معتقدات بديلة.

والشئ المهم، هو أننا نحن البشر، نفكر بأننا لو أخذنا كل تلك المعلومات "الأكاديمية" الجديدة ووضعناها داخل رؤوسنا، فسوف تتغير حياتنا بشكل مفاجئ، تماماً مثل "حبّة أكاديمية"، إذا ابتلعها الشخص، تغيرّت حياته إلى الأفضل، ولكنّ ذلك غير صحيح.
لذلك قلت: "كيف يمكننى التحدث عن تلك الدراسة العظيمة دون أن أقوم بتطبيقها أولاً فى حياتى؟". ثم قلت: "حسناً، دعنى أتوقّف عن ذلك الحديث من الآن فصاعداً، حتى يتسنّى لى تطبيقه على الواقع المُعاش أوّلاً."

والآن، وبعد مضى 15 عاماً فى ذلك العمل، لم يستغرقنى الأمر سوى أشهر قليلة لأتحقق من التغيير.لقد خرجت من ذلك العالَم، والذى لو طُلِب منّى أن أُطلق عليه إسماً، لأسميته "إنسى لأجلِ مصلحتك". والآن، فإنّنى أحيا فى "جنّة" قوامها العيش يوماً بيوم. ولكى نُدرك كيف أنّنا نملك نفوذاً عظيماً على مجريات حياتنا، وأننا لم نُدرك فيما مضى الكيفية التى يمكن لذلك النفوذ أن يؤثّر بها على حياتنا، فإننى سوف أزودكم اللّيلة بتلك المعلومات، وبإمكانكم أخذ هذه المعلومات معكم. ولكن، هنالك نقطة مهمّة، وهى أنه من واجبكم المشاركة بها، بنفس الطريقة التى توجّب علىّ المشاركة بها. وأن نبدأ بتفعيلها فى حياتنا، لأنّ بمقدورنا بالفعل تغيير مُعتقداتنا.

(يتبع ..)


-------------------------------------------
الدكتور "بروس ليبتون" إختصاصى بيولوجيا الخلايا، حاز على درجة الدكتوراة من جامعة فيرجينيا قبل أن ينضم لشعبة "التشريح" بكليّة الطب بجامعة ويسكونسن فى 1973. وقد تمّ استخدام إحدى التقنيات التجريبيّة فى زراعة الأنسجة، والتى قام بتطويرها الدكتور "ليبتون" وزميله الدكتور "شولتز"، ونُشرت فى مجلّة العلوم “Science”، تم استخدامها باعتبارها شكلاً نبيلاً لما يمكن أن تكون عليه الهندسة الوراثيّة البشريّة.

فى 1982، بدأ الدكتور "ليبتون" فى اختبار مبادئ الفيزياء الكمّيّة، والكيفيّة التى يمكن بها تطبيقها على على مفهومه بخصوص أنظمة معالجة المعلومات الخلويّة.

وقد كشفت البحوث التى أجراها فى كليّة الطب بجامعة ستانفورد بين 1987 و1992، عن أنّ البيئة، ومن خلال عملها عبر جدار الخليّة، تتحكّم فى سلوك الخليّة ووظائفها، ومن ثمّ تؤدّى لتشغيل أو إيقاف "الجينات". وقد أدّت إكتشافاتُه تلك، والتى جرت فى اتجاه مُعاكس للمنظور العلمى السائد الذى يقول بأنّ الجينات هى من يتحكّم بالحياة، أدّت لفتح الطريق أمام أحد أهم مجالات البحث فى يومنا هذا، ألا وهو "علم الجينات الخارجيّة - Epigenetics". وقد طَرحت دراستان علميّتان رئيسيّتان مُشتقّتان من تلك الأبحاث، تعريفاً للمسارات الجزيئيّة التى تربط بين "العقل" و"الجسد". وقد أثبتت دراسات عدة قام بها عدد من الباحثين الآخرين، صحّة مفاهيمه وأفكاره تلك.

ويقوم الدكتور "ليبتون" حالياً بمحاضرة المختصّين فى كلّ من الطب السائد والطب "التكميلى"، وكذلك الجمهور العادى، عن العلوم الطليعيّة والأكثر تقدّماً، وكيف أنّ تلك العلوم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبّ "الجسدى-العقلى"، وبالمبادئ الروحانيّة.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

شكراً ياعمر على العطايا السمحة

لكن ياخى زوّد الجرعة شوية لانو شحتفتَ روحنا أصلوا أننا أسياد رايحة حينما يتعلّق الأمر بالصحة وكدا

لا إسم عمّك بالانقليزى تجيب ولا عنوان المحاضرة كان نسأل عمّك قوقول ونرتاح من الشحتفة

أها جيب حبة أكاديمية تانية سريع وتتجازى خير. أصلو الايام دى انا مبسوط من تفاكير استاذ الشيخ التى تضيئ أمامنا نحن الحالمون جد جد.

مودتى

الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

سلام يا كرام
وشكرا يا عمر على فتح هذه الكوة. لقد استمتعت بتلخيصك غاية الإستمتاع وأرجو المواصلة.

وجدت محاضرة للدكتور Bruce Lipton مترجمة بالصوت إلى اللغة الألمانية، وفي الخلفية الصوت الأصلي. حتى الآن شاهدت الجزء 1 من 16.


https://www.youtube.com/v/xX0tOEz5MYA
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

أتممت مشاهدة المحاضرة [حوالي 155 دقيقة]. وجدت محاضرة أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية، ولكن الناطقة بالألمانية كانت أوضح في التصوير وفي الشرح.

هذا موضوع جميل جدا يا عمر ويستحق ما تبذله فيه من مجهود.

ياسر
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

شكراً لكم الأخوة الأفاضل: الفاضل وياسر ..

إسم المُحاضر هو "Bruce Lipton"، وعنوان المحاضرة "The New Biology, When The Mind And Matter Meet"
وقد بعث لى بها صديق من مصر فى بادئ الأمر طالباً ترجمتها للعربيّة لأفاجأ بأنّها ما كنتُ أبحث عنه..
وعلى العموم، أعتقد بأنّهاموجودة على أجزاء -كما ذكر الأخ ياسر- على موقع youtube

وهذا هو الجزء (2) من ترجمتها العربيّة:

والآن، سأطرح عليكم سؤالاً: ما الشئ الغريب فى هؤلاء النسوة؟

صورة

إنّه "أعمارهن" ..

فهُنّ فى طريقهن للخامسة والسبعين من العمر. إنّهنّ يمارسن الرقص كل ليلة فى مزالج "بالم سبرنج". حيث الحد الأدنى المسموح به للعمر، هو 55 سنة. وما يلفت الإنتباه فى هؤلاء النسوة هو أولاًً: الحيوية التى يتمتعن بها. فهُنّ لا يعانين من تلك الأشياء التى يعانى منها الناس عندما يتقدمون فى السن. فماهو إذاً ذلك الشئ الذى يمُدّهُنّ بكل تلك الحيوية؟ هذا هو السؤال الأساسى.

إن المفهوم السائد لدينا، هو أن "الجينات" هى المسئولة عن كل ذلك. لذلك. فتجدنا نتحدث جميعاً على صفحات الجرائد، والتلفاز والوسائط الأخرى، عن أن الجينات تتحكم هنا وهناك. وهو ما يفرض علينا فرضاً الإعتقاد بمفهوم "التحديديّة الوراثية". و"التحديديّة الوراثية" هى الإعتقاد الذى يقول بأنه فى لحظة الحمل، وعند التقاء الحيمن بالبويضة، يتم اختيار الجينات التى تُحدّد للشخص مسار حياته، ثمّ بعد ذلك، تبدأ حياة الشخص فى التجلّى، وفقاً لما تُمليه تلك الجينات.

حسناً، هنالك إذاً مشكلة. فإن كان هذا المفهوم صحيحاً، فسنُصبح نحن بالتالى "ضحايا" للعملية الوراثية، أليس كذلك؟ كيف يمكننا التخلص إذاً من تلك الجينات المُتّحدة مع أجسامنا؟ إنّ ذلك غير ممكن.
ثم أنّ هنالك شئ آخر أيضاً، وهو أنّنا سنصبح "غير مسئولين" عن أىّ شئ. فإذا كانت الجينات هى ما يُملى علىّ ما أقوم به، بينما ليس فى استطاعتى تغييرها، فما الذى سيمكننى فعله بحياتى، فيما عدا التأكد من حصولى على الأدوية المناسبة، والتى لن توفّر لى إلاّ "شعوراً" أفضل فقط خلال حياتى؟
إنّ "الإفتراض" القائل بأن الجينات هى من يقوم بالتحكّم، هو افتراض غير صحيح. إنّ هذه الجينات، لا تتحكّم فى "هويتى" إطلاقاً.

وهنا سيتوجب علىّ المرور على فرضيّات ثلاث، لازالت العلوم تعتمد عليها. وهى فرضيّات خاطئة تماماً فى وقتنا الحالى. وهى:

الفرضيّة الأولى:

تقول بأن "العمليات البايولوجية"، تجرى وفق "الميكانيكا النيوتونيّة".
فما المقصود بذلك؟
المقصود -بحسب (المنظور النيوتونى)- أنّ الكون عبارة عن "ماكينة" مؤلفة من أجزاء "فيزيائية"، وإذا ما تمّ فهم الطريقة التى تتفاعل بها تلك الأجزاء بعضها مع الآخر، فسيمكن عندها فهم كل شئ عن تلك الماكينة. وبحسب ذلك المنظور، لا يوجد هنالك حيِّز للطاقة، وأنّ كلّ ما هو هناك، ليس إلاّ "أجزاء فيزيائية".
إذاً، وبموجب الإعتقاد فى الفيزياء النيوتونية، فإنّ الطب لن يتمكّن من التنويه بأنّ العملية البشرية تشتمل على "الطاقة".
أمّا الفيزياء النيوتونية، فقد أصبحت عديمة الصلاحية منذ 75 عاماً مضت، لكوننا دخلنا عصر الفيزياء "الكمِّيّة" فى العام 1925. ولكنّ الطب لا يزال قابعاً فى العصر البايولوجى النيوتونى!!. وسأتحدث عن ذلك لاحقاً فى هذه المحاضرة.

الفرضيّة الثانية

هو ما سأخصص له معظم الحديث خلال هذا الجزء من المحاضرة.
وهو يقول "أن الجينات هى التى تتحكّم فى التجلّيات البايولوجيّة."
حسناً، سأكشف لكم بالضبط عن الدليل الكيميائى الدامغ على أن الجينات ليس بإمكانها التحكم فى التجليات البايولوجيّة لسبب بسيط، وهو انّ الجينات لا يمكن لها "البدء" بتشغيل ذاتها، كما ليست قادرة على "إطفاء" ذاتها بشكلٍ تلقائى. فالجينات إذاً، ليست قادرة على التحكّم بنفسها، وهى بالتالى، لن تكون قادرة على التحكم بأى شئ آخر. وسأوضّح لكم لاحقاً، من أين يكون "التحكُّم".

الفرضيّة الثالثة:

"أن التطور الداروينى، هو الذى مهَّد الطريق لوجود المحيط الحيوى كما نراه الآن."
وهذا أيضاً خطأ فرضىٌّ آخر. والحقيقة أنّ العملية الداروينية ليست هى السبب فى وجودنا هنا، وهو الوجود الذى يُعزى بشكل أكبر، لما يُعرف بالعملية " اللاّماركية". والدلالة على ذلك تتضح فى كون الكائنات الحية تتوائم دائماً مع بيئاتها. وأن التغيّر البيئى يتبعه تغير فى الكائن الحى، بحيث يتوافق ذلك الكائن مع البيئة التى يعيش فيها.
و"البيئة"، تعنى البيئة التى تعيش أنتَ فيها، بما فى ذلك المنظومة العقائديّة التى تنتمى إليها. وهذه نقطة غاية فى الأهميّة، لأن ما اكتشفناه الآن، هو أن "الجينات" تتكيّف مع "المعتقدات"، وهذا الجزء يكتسب أهميّةً لكون المعتقدات تُشكّل جزءاً مُهمّاً من مفهومنا عن الحياة.
وأودّ أن أبدأ هنا ببيان "البعثة العلميّة" الأصلى، والمبنى على اعتقاد ساد فيما قبل عام 1600، وكان يقول بأن "الربّ" و"الروح" يتخللان العالم المادى. فقد كان هنالك علماء فيما قبل العام 1600 ، وكان ذلك البيان الذى أصدروه، هو ما عُرف بِ"بيانهم الرسالى"، وهو يدعونا لكى نتفهّم النظام الطبيعى بكامله، حتى نتمكّن من العيش فى تناسق معه.

ثم كانت هنالك فكرة جيدة وجميلة، تتمثل فى أننا إذا درسنا الطبيعة بحيث أدركنا كيف أنّ الأشياء جميعها يتكامل بعضها مع الآخر، فربما تمكنَّا عندها من العيش فى تكاملٍ أفضل مع تلك الأشياء، ولتمكنّا من تحقيق "البقاء" بطريقة أفضل ممّا نفعل الآن.


(يتبع ..)
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحياتي للأستاذ عمر والأستاذ الفاضل والاستاذ ياسر
وبعد، فهذا الفديو عجيب عجيب..

فرغت منه للتو، فهو على طوله (أكثر من ساعتين) ليس فيه شيء مكرور أو مجتر بلا معنى.. نسق واحد من البداية للنهاية، وكل ما فيه ممتع وشاحذ للتفكير بصورة مدهشة، سواء أتفقنا أم لم تنفق معه هنا أو هناك.

الربط هنا بين البيولوجيا والفيزياء والوعي (ما ذكرني نظرية الفاعلية أيضا يا الفاضل، وهي محط اهتمامنا هذه الايام)، لكنه نسيج ماهر، علمي وفلسفي وعند الذروة روحاني.

كثير مما قيل يمكن ربطه بمسائل تدور مناقشتها بكثافة هذه الأيام في هذا المنبر.. الطاقة وكثافتها التي تولد المادة، ودور المعلومات، وهل المعلومات تختلف نوعيا عن الطاقة أم هو اختلاف مقدار؟ هل النواة، والجينات فيها، هي دماغ الخلية ومضدر حياتها أم جزء آخر من الخلية؟ وما وظيفة النواة إذن؟ وهل الجينات حقا موروثة فقط ومتكونة فقط عبر الأجيال عن طريق الصدفة والانتخاب الطبيعي أم هناك عوامل أخرى تم إغفالها وتواترت على غير إثبات حقيقي في البيولوجيا الداروينية؟ إلى أي مدى تثبت التجارب العلمية المعملية قدرة الكائن الحي على تفعيل الجينات - وحتى تعديلها أحيانا - في دورة حياته؟ معنى "الرقمية" كفهم للنظام البيولوجي وفهم لسيرورة الحياة وحيوية الكائنات، وعلاقته بالفيزياء وافتراضات نيوتن وجديد ميكانيكا الكم وموقف الطب والبيولوجيا الحديثة المعاصرة من ذلك.. إلى أي مدى يمكننا فهم ودراسة مآلات الاكتشافات العلمية بخصوص أن جميع ذرات الكون، عضوية ولا عضوية، في حالة حركة دائمة، متعددة المستويات، وهي في هذه الحركة تشع طاقة وتستقبل طاقة بصورة تبادلية مستمرة مع المحيط الخارجي (البيئة)؟ ما مدى أثر العلاقة الفيزيائية الثنائية بين السالب والموجب على الكائنات الحية، حسيا ومعنويا؟ ثم ما الدور الذي يلعبه العقل - كموصل معلوماتي (communicator) بين ذرات الكائن الحي - في تحديد خيارات التكيف البيئي وتفعيل الجينات؟ أي ما الدور الذي تلعبه مداركنا (perceptions) على تكويننا الفزيولوجي؟ وماهو معيار الخطأ والصواب في هذا المستوى (معيار الخير والشر!)؟ وأخيرا وليس آخرا، إلى أي مدى يؤثر وعينا في حياتنا، فزيولوجيا ونفسيا وحتى في بيئتنا الخارجية؟

أكثر من ذلك تسرد المحاضرة جانبا من تاريخ الاكتشافات العلمية الطبيعية التي تم كبتها بواسطة المؤسسات المهيمنة ذات المعتقدات المخالفة في الأوساط العلمية وفي الحيّز المجتمعي، وتأثر هذه المعتقدات بأطماع بعض الجماعات ومخاوفها (ودور النزعة البرجوازية)، وكذلك تواجد العقائدية الغليظة حتى في الأوساط العلمية التجريبية، لدرجة استعمال عبارات دينية ضيقة في مهاجمة الاكتشافات الجديدة (مثل عبارة "الهرطقة")، فبرغم وجود اكتشافات موثقة تخلص لأن الجينات قابلة للتغيير المقصود في حياة الكائن الحي، ورغم الاكتشافات التي تشير لان المعلومات لا تصدر من حامض الـDNA فقط بل يستقبلها أيضا في الدورة الحياتية، ورغم البون الشاسع بين ما توصلت له الاكتشافات العلمية عموما وما يصل منها لعامة الناس ويسيطر على انطباعاتهم وعموم حياتهم المعاصرة؛ رغم كل ذلك فإن سخائم النفس البشرية تقف كأغلظ جدار بيننا وبين سعينا للحقيقة، وكذلك السعادة، سواء كنا نتحرك في إطار علمي أو فلسفي أو حتى ديني.. إذن ما الحل؟

هنا المحاضرة على جزءين:
الجزء الأول
الجزء الثاني
آخر تعديل بواسطة قصى همرور في الأحد مارس 07, 2010 9:41 pm، تم التعديل مرة واحدة.
Conventional is neither neutral nor convenient
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

قصي همرور كتب:ورغم البون الشاسع بين ما توصلت له الاكتشافات العلمية عموما وما يصل منها لعامة الناس ويسيطر على انطباعاتهم وعموم حياتهم المعاصرة؛ رغم كل ذلك فإن سخائم النفس البشرية تقف كأغلظ جدار بيننا وبين سعينا للحقيقة، وكذلك السعادة، سواء كنا نتحرك في إطار علمي أو فلسفي أو حتى ديني.. إذن ما الحل؟



شكراً قُصى، وما ذكرتَه فى هذه الفقرة من مداخلتك، يحمل "إجابة" على تساؤلك: إنّها "سخائم النفس البشريّة".
------------------------------------

(3)

- البيولوجيا القائمة على الأسس النيوتونيّة تتعامل مع الجسم البشرى باعتباره "ماكينة".
- العلوم القائمة على الفيزياء النيوتونيّة تتّجه للسيطرة على الطبيعة وليس للتعايش معها.
- الأبحاث العلميّة الطبيّة أدّت لوقوعنا فى "وحل دوائى" لكونها مدفوعة بشركات إنتاج الدواء.


لقد كان الجهد العلمى فيما مضى، منصبّاً على فهم آليات الكون فيما يتعلق بالطبيعة الروحانية لتلك الآليّات. ولكن، وحوالى العام 1600 -أى عند حدوث الثورة العلمية الحديثة- كان هنالك أشخاص مثل ديكارت، وإسحق نيوتن، وصلوا إلى الساحة ونظروا إلى الكون ثمّ قالوا: "ربّما كان هنالك إله، ولكننا لسنا بحاجة له لكى يوضّح لنا ما يحدث، لأنّ الكون يعمل فقط كما تعمل الساعة ". وحينها كان نيوتن قد استخدم رياضياته، وتمكن من رسم خارطة لحركة الكواكب والشمس، ثم قال بوضوح: "إنها ليست سوى ماكينة، وبإمكانى الآن، التكهّن بكلّما يتعلّق بها".

حسناً، هذا فيما يتعلق بعلم الأحياء (البايولوجيا)، والذى بدأنا النظر من خلاله للجسم البشرى ليس من منظور تأثير روحانى خارجى، وإنّما باعتباره "ماكينة"، وأنه وفقاً لهذا المنظور، شبيه بالكون. وأننا إذا فهمنا أىّ ماكينة، فسوف نتمكّن من إصلاحها وضبطها. ومن هذا المنطلق، نحَت العلوم منحىً مختلفاً. فبدلاً من محاولة التعايش فى انسجام مع كلّ ما فى الحياة -بحسب دعوة بيان البعثة العلميّة الأصلى الذى بدأت العلوم الحديثة فى تبنّيه حالياً- اتجهت العلوم للحصول على المعرفة، بهدف استخدامها فى "السيطرة" على الطبيعة، والتحكم فيها.
إذاً، فقد أصبح الهدف الأساسى للعلوم، هو "السيطرة" على الطبيعة والتحكّم بها لبلوغ "أهداف مُحدّدة".
يالها من "غبيّة" تلك الطبيعة التى يتصوّر البشر، أنّهم قادرون على التحكّم فيها!
إنّنا نحن البشر، كثيراً ما نحمل من الأفكار ماهو أكبر منّا بكثير، ومن الواضح، أنّ تلك، هى واحدة من تلك الأفكار.

أمّا إذا رغبنا فى التحكم بالطبيعة حقّاً، فعلينا أن ننظر إلى الخليّة البشرية.
وهنا سأتطرّق لنقطة مهمة تعلمتها من خلال أبحاثى فى الخلايا عندما كنت أقوم بتدريس طُلاّب الطب، وهى نقطة مثيرة للإهتمام.:
إنّ جسمك يتكوّن مما يتراوح بين 50 إلى 70 تريليون خلية.
فأنت فى الواقع إذاً، عبارة عن "مجتمع" من الخلايا.
لقد كنتُ أقوم باستنساخ خلايا الناس، آستخرجها منهم ثم أضعها فى قرص للزراعة. وفى بعض الأحيان، كانت تلك الخلايا تنمو بشكل أفضل فى قرص الزراعة، ممّا كانت تفعل داخل جسم الإنسان، ما يعنى أن البيئة تلعب دوراً ما فى تغيير تركيبة الخلايا.

ومع كل تلك "الماكينة" الرائعة، والتى نسميها "الجسم البشرى"، فليست هنالك وظيفة حركية فى الجسم البشرى، دون نظير لها فى كل خلية على حدة. إن لك جهازاً هضمياً، وجهازاً تنفسياً، وجهازاً إخراجياً، وجهازاً عصبياً، وكذلك توجد مثل تلك الأجهزة، فى كل خلية من خلايا جسمك على حده.

إنّ أهمية تلك النقطة، تتمثل فى أنّه بقيامنا بشطر الخلية البشريّة إلى قسمين، كنّا نأمل فى العثور على "الجهاز العصبى" للخليّة. ولكى نتمكّن من متابعة مهمّة "بعثة البيان العلمى" الهادفة نحو "التحكم" فى الطبيعة، فقد كان لزاماً علينا العثور على العضو الذى يباشر ذلك التحكّم على مستوى الخليّة، أى "المخ والجهاز العصبى" للخليّة.
ومع أنّنا نقوم بدراسة الكائن البشرى، إلاّ أنّنا وجدنا هذا الكائن يزداد تعقيداً. ولذلك تصوّرنا أنّنا إذا بدأنا بدراسة الخلية، فإنّ الأمر قد يكون أسهل بكثير.
إن معظم التقدم الذى حدث فى العلوم الطبية، ناتج عن دراسة الخلايا بشكلٍ منفرد. وذلك لأن وظيفة الخلية، وحياة الخلية المنفردة، تكاد تنطبق على ما يحدث فى الجسم بكامله.
ولكن كيف لنا أن نبدأ البحث فى الخلايا؟
إنّنا نستخدم العلوم، والعلوم التى نستخدمها لازالت تعتمد "الآلية النيوتونية". وهنالك ثلاثة جوانب للآلية النيوتونية وهى جوانب مهمة جداً:

الجانب الأول: "المادية":

بحسب الميكانيكية النيوتونية، فإنّ كلّ ماهو خاضع للدراسة ليس إلاّ "مادّة"، إذ أنهم لا يعتقدون بوجود أى شئ آخر سوى المادّة. فكلّ ما هناك، هو عبارة عن "أجزاء"، وكل ما هو جدير بالإهتمام هو "مادة". لذا، فإنّ النظر إلى الجسم البشرى، يعنى فى واقع الأمر، النظر إلى ذلك الجسم باعتباره "أجزاء".

الجانب الثانى: "التبسيطيّة":

إنّ الأجسام من حيث هى، تُعتبر أشياء معقّدة. وهنالك طريقة لفهم الأشياء المعقدة. وهنالك مفهوم فى الآليات النيوتونية يُسمى "التبسيطية". والتبسيطية تقوم على ما يلى: "إذا كان هنالك شئ معقَّد، قم بتفكيكه إلى أجزاء، ثم قم بدراسة الأجزاء كلاًّ على حدة. وبعد ذلك، ستتمكّن من جمعها بشكل منتظم، ثم ستفهم الكيفية التى تعمل بها، ومن ثمّ، ستفهمم الكيفية التى تعمل بها كلّ "الأشياء المعقدَّة".
والمقاربة التى كثيراً ما تستخدم هنا هى مُقاربة "الساعة". فإذا أحضرتَ لى ساعة معطوبةً، فسوف أقوم بتفكيكها إلى أجزاء، ثمّ سأنظر إلى الأجزاء كلّ على حده، ثمّ سأخرج الجزء المعطوب منها، وأستبدله بجزء جديد.

وهذا ينطبق على "جسمك" أيضاً. إذ بإمكاننا بحسب التبسيطيّة النيوتونيّة، تفكيكه لأجزاء، ومعاينة تلك الأجزاء. وإذا لم يكن جسمك يعمل بطريقة صحيحة، فسوف نستخرج الجزء المعطوب منه، ونضع مكانه جزءأً جديداً. وإذا تمكّنّا من وضع أجزاء جديدة بطريقة تمكننا من التحكم فى النتيجة النهائية، فإن ذلك سيقودنا إلى الجزئيّة الثالثة من الفلسفة النيوتونيّة وهى:

التحديديـّة

إذاً، إذا فهمتُ الكيفية التى تعمل بها الأجزاء كلّ على حدة، فربّما سأتمكّن من صنع جزء جديد، ومن ثمّ سأقوم بوضعه داخل الماكينة، وبالتالى سأتمكّن من التحكم بالماكينة عن طريق تغيير أجزائها.
والمثال البشرىّ على تلك "التحديديّة"، أن تأتى ألىَّ مريضاً مثلاً فأقول لك: "فى أىّ جزء من أجزاء جسمك يوجد الخلل؟" ثمّ أقوم بتثبيت دواءٍ معيّن فى جسمك، وفجأة تبدأ فى الشعور بالتحسُّن، وذلك لكوننا تمكنّا عبر تلك "التحديديّة"، من توقُّع نتيجة ما قمنا بفعله مسبقاً.
وكما تلاحظون فى التلفاز، هنالك دعاية من إحدى شركات الأدوية بمُعدّل واحدة فى كل خمسة عشرة دقيقة تقريباً. وهم لا يقولون فقط بأنهم قادرون على إصلاح أجزاء من مفاصلك الملتهبة، أو معالجة آلآمك وأوجاعك، ولكنهم يقولون لك أيضاً: "هل تمـرُّ بيوم سئ؟ هل تعانى من توتر بسيط؟ نحن نوفر لك الدواء."

وهذا الموضوع فى غاية الأهمية، وذلك لأن البحث الطبى بكامله مدفوع بواسطة شركات الدواء.
فشركات الأدوية هى المستفيد من تلك الأبحاث، والتى تتمّ وفق المفهوم السائد الذى ينصّ على أنّهم ومن منطلق فهمهم للكيفية التى تعمل بها الأشياء، فإنّهم يقومون بصناعة تلك الأجزاء، ثمّ يعرضونها عليك لشرائها.
ولكن هنالك الكثير من الأخطاء التى تحدث أثناء تلك العمليّة. وسأعطيكم مثالاً ضخماً من الواقع المعاش حالياً:
هنالك دراسة أجريت فى كارولينا الشمالية، وكشفت عن أنّ أكثر من 50% من الأطفال الذين تناولوا عقار "ريتيلين" لمعالجة "إضطراب إنعدام الإنتباه"، لم يكونوا فى الواقع يعانون من ذلك الإضطراب!
وبعبارات أخرى: إنّنا نبالغ فى وصف الدواء، والأدوية لا تقدّم لنا حلولاً للمشكلات. إنّ من واجبنا البحث عن حلول آخرى حتى يُمكننا الخروج من هذا "الوحل" الدوائى.

(يتبع) ...
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(4)

الأشياء فى البيئة، "تتكامل" مع ماهو موجود داخل الجسم بدقّة عالية

لذلك، أرى أنّ من واجبى أن أشرح لكم الكيفية التى تعمل بها الخلايا، وهى ليست شيئاً بالغ التعقيد. وإذا كان هنالك أىّ تعقيد، فهو ناجم عن "عدديّة" الأجزاء. والأجزاء التى سأتحدث عنها الآن هى "البروتينات".
إن هنالك حوالى 100,000 جزأً بروتينياً يتألّف منها جسمك، وهى شبيهة بأجزاء الماكينة. إنّ تلك الأجزاء يعمل بعضها مع البعض للقيام بالوظائف الحيوية. إنها لا تشبه الماكينات التى تعودنا على مشاهدتها، إذ أن أشكالها تبدو غريبة علينا لكونها ذات مظهر "عضوي"، فهى لا تبدو مثل الصفائح الحديدية والبراغى والمسامير والمزاليج فى الماكينات المألوفة لدينا.

صورة

صورة

إنّ "الماكينة البروتينيّة" هنا، ليست مجرّد مجموعة من البروتينات، وإنّما هى بروتينات فى حالة "تفاعل"، وهى هنا مثل "التروس"، بينما تقوم بعمليّات الهضم، والتنفس، وانقباض العضلات. أى أنّها تقوم بما تقوم به "الماكينات". وفى الحقيقة، يمكننى أن أستخرج بروتيناً من جسمك، ثمّ أضعه فى أنبوب للإختبار، فيقوم بأداء نفس تلك الوظائف. فبإمكانى إجراء عملية "هضم" داخل أنبوب إختبار، كما يمكننى إحداث إنقباض عضلى فى أنبوب إختبار أيضاً، والمقصود هنا، هو أن نكشف لك أنّ خلايا جسمك مصنوعة من مثل هذه الأجزاء المثيرة للإهتمام، والتى يُطلق عليها "البروتينات".

وبداخل كلّ بروتين، يوجد عمود فقرى، وهو ما يعطى البروتين شكله المميّز.
والبروتينات بصورة عامّة، تتشابه من حيث مظهرها، فهى تبدو كالمِسبحة، والأحماض الأمينيّة بمثابة "حبّات الخرز" فى تلك المسبحة.
فأين يكمن الإختلاف إذاً بين 100،000 بروتيناً مختلفاً يتألّف منها جسمك؟
إنّه يكمن فى طول السلسلة البروتينيّة وتسلسل الأحماض الأمينيّة فيها.
وبينما يتألّف عمودك الفقرى من فقارات، فإن البروتين فى المقابل، يتألّف من أحماض أمينيّة. وبينما تستطيع تغيير شكلك بالإنحناء أو الإلتفاف، فالبروتين قادر أيضاً على تغيير شكله، عن طريق تغيير شكل عموده الفقرى. أى أنّ البروتينات تشبه أناساً "متناهين فى الصغر". (الصورة أدناه)

صورة

والآن سأتحدث لكم عن حقيقة أخرى.
لاحظوا ذلك الشكل "العمود الفقرى" كما يبدو فى الجانب الأيسر من الصورة أدناه، ولاحظوا أيضاً الشكل فى الجانب الأيمن من نفس الصورة، وهو لنفس البروتين. الجسم ذو اللون الأصفر هو جسم "مُستَضد" – فيروس على سبيل المثال- أمّا الجسم ذو اللون الأزرق، فهو بروتين بشرىّ يُطلق عليه "الجسم المضاد". والمطلوب ملاحظته هو الكيفيّة التى تبدو بها تلك المستضدات، "مُكمّلةً" للأجسام المضادة. فهى تبدو وكأنّ أحدها "يكمّل" الآخر.

صورة

وإذا قمنا بإزالة البروتين فى اللّون الأصفر (الفيروس)، فإنّ "جيباً" أو "شقّاً" سيبقى على سطح البروتين البشرى (الجسم المضاد)ز وإذا اردنا أن نضع جسماً ما مرّةً أخرى على سطح البروتين البشرى، فسيتوجّب أن يكون له شكلٌ مطابق للبروتين الذى تمّت إزالته.
إنّ هذا يعنى أن الأجسام القادمة من البيئة –الفيروس فى هذه الحالة- يجب أن تكون ذات أبعاد وأشكال بالغة التحديد، بحيث تلتحم بشقوق مقابلة لها على أسطح البروتينات الموجودة داخل الجسم البشرى، والتى تُعرف بِ"الأجسام المضادّة". (الصورة أعلاه)

وما ينطبق على الأجسام المضادّة، ينطبق أيضاً على بروتينات أخرى موجودة فى الجسم البشرى وتُعرف بِ"الإنزيمات". فالإنزيمات تتكامل بدرجة عالية من التحديد، مع مواد أخرى تأتى من البيئة.

(يتبع) ...
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

الأعزاء عمر ، قصى ، ياسر

أشهد ان هذا علم عظيم وبدأت أقتنع به وسأستصحبه وتنمنى أن يقرأ ويسمع الشيخ هذا ال بروس ليبتون ثم يحكى لنا كيف سيتم استصحاب هذا الفتح ضمن الفاعلية. الجوهرى هنا هو
perception & the belief system or say the mind & the energy

الماتابع الشغل دا ناقصو كتير
حتى نسمع من مكتشف الفاعلية.

ياقصى استنفعت من الجزء الاول وسأواصل الثانى ...وقلنا نرفع البوست للآخرين

مودتى

الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(5)


والآن، ماهى الحياة، ومن أين تأتى؟

قاعدة: (الشحنات الكهربيّة المتشابهة تتنافر، والشحنات الكهربيّة المختلفة تتجاذب.)

إذا افترضنا بروتيناً ما يوجد على نهاينيه حامضان أمينيّان يحمل كلّ منهما شحنة كهربيّة سالبة.

صورة

هذه الصورة من مجلّة “Science” ويظهر فبها بروتين عضلىّ، وهو فى "وضع التوافق (1)" فى حالة "إرتخاء" لكون الحامضين الأمينيين على طرفيه يحمل كلّ منهما شحنة كهربيّة سالبة، وبالتالى فهما متباعدين، لذلك، فالعضلة فى وضعيّة "إرتخاء".

الجسم الكروى الأبيض فى الصورة يرمز لإشارة قادمة من البيئة، وهى ذات شخنة كهربيّة "موجبة"، وهى هنا عبارة عن جزيئ "الكالسيوم". فعندما يُضاف الكالسيوم بشحنته الموجبة إلى البروتين، فإنّه سيتّحد مع أحد الأحماض الأمينيّة التى تحمل شحنة سالبة، وهذا ما يؤدّى بالطرف الآخر للبروتين –والذى لا يزال سالباً- للتحرّك باتّجاه الطرف الذى أصبح "موجباً"، فيتّخذ البروتين "وضع التوفق (2)، ما يؤدّى لإنقباض العضلة.
وإذا ما قمنا مثلاً بإبعاد الإشارة الموجبة القادمة من البيئة (جزيئ الكالسيوم هنا)، فسوف يعود البروتين إلى شكله الذى كان عليه فى "وضع التوافق (1)".

إذاً، فالبروتين لن يتحرّك مالم يتلقّى "إشارة" ما من البيئة. والجسم هو من يتحكّم باستقبال تلك الإشارات القادمة من البيئة، والتى بدورها تدفع البروتين نحو تغيير شكله، وتغيير الشكل يعنى "الحركة"، والحركة تؤدّى لإحداث "سلوك" وظيفى داخل الخليّة مثل التنفّس والهضم والإخراج.

إذاً ،فالبروتينات لا تمنحك فقط "شكلاً فيزيائيّاً"، وإنّما تقوم أيضاً بأداء وظائف أعضائك.
وعندما تقوم بالنظر إلى نفسك فى المرآة، فإنّك إنما تنظر بذلك إلى "البروتينات" التى منحتكَ المظهر الذى أنت عليه. كما أنّك تكون مُدركاً بقدرتك على تغيير مظهرك واتّجاه حركتك، وذلك لأنّ البروتينات التى يتألّف منها جسمك، قادرة على التحرّك وتغيير الشكل.

خلاصة الأمر إذاً، هى أنّ الحياة تنتج عن "حركة البروتينات"، وإذا توقّفت البروتينات عن الحركة، توقّفت الحياة. كما أنّ البروتينات، هى الجزيئات الوحيدة القادرة على الحركة.

فإذا قمتُ مثلاً باستخراج "بروتينات" من خليّة ثمّ وضعتها فى محلول كيميائى داخل أنبوب للإختبار، وقمتُ فى نفس الوقت بوضع خليّة كاملة داخل أنبوب إختبار آخر، فإنّ البروتينات داخل أنبوب الإختبار سوف "تتحرّك"، إلاّ أنّ حركتها ستكون حركة "عشوائيّة"، ذلك لأنّ الأنبوب ليس "حيّاً" مثل الخليّة، والتى تتحرّك البروتينات بداخلها حركةً "موجّهة"، لأنّ الخلية قادرة على "التحكّم" بحركة البروتين، وتوجيهها لأداء وظائف معيّنة.

إذاً، فالتحكّم بالبروتين، سيعنى التحكّم بالحياة.
فكيف يمكن "التحكّم" بالحياة؟

إنّ البروتينات تتعرّض للتآكل مثلما تتعرّض أجزاء ماكينة السيّارة للتآكل أيضاً، والجسم يفقد يوميّاً تريليونات الخلايا والبروتينات. فإذا تآكلت أجزاء ماكينة السيّارة، فمن الواجب أستبدالها بحيث يمكن تشغيلها. ومن هذا المفهوم، جلس العالِم وفكّر ثمّ قال: "ما أسهل الطرق للتحكّم فى البايولوجيا؟" وأجاب قائلاً: "إذا تآكل البروتين الذى بقوم بأداء وظيفة ما، فسيمكننى استعادة الوظيفة عن طريق أستبدال البروتين المعطوب."

ثمّ خاطب العالِم نفسه قائلاً: "حسناً، تلك إذاً هى الطريقة الأبسط والأسهل للتحكّم فى البيولوجيا.
فإذا أمكننا العثور على بدائل للبروتين، فسيمكننا العثور على طريقة للتحكم فى الخلية."

لقد بدأ العلماء بالإتّجاه فى ذلك المنحى، مُنطلقين من فكرة كانت قد شقّت طريقها إلى مضمار العلوم منذ العام 1859، عندما قال شارلس داروين، بأنّ ميزات الشخص وشخصيّتة وسلوكه الفردى، تُعزى لِ"عوامل وراثيّة". ولكنّنا فى العام 1859، لم نكن نعلم شيئاً عن ماهيّة تلك العوامل الوراثيّة، ولم نتوصّل إلى ذلك إلاّ فى العام 1953.
إذاً، فقد كان العلماء يبحثون عن "العوامل الوراثيّة"، لاعتقادهم بأنّ العامل الوراثى هو الذى "يتحكّم" فى البروتين. وقد كانوا يعتقدون بأنّ الأنماط البروتينيّة المختلفة، تنبنى على أنماط الوحدات التى يتشكّل منها البروتين، والموجودة فى اللّولب المزدوج، الذى يتألّف منه الحمض النووى (الصورة أدناه):

صورة
الحمض النووى

إنّ الحمض النووى يستمدّ أهمّيته كعامل وراثى، من كونه غير قابل للتفكّك والتآكل. فبالإمكان مثلاً، إستخراج الحمض النووى من أحفوريّات عمرها 50،000 سنة، ثمّ وضع ذلك الحمض فى أنبوب إختبار، وستبدأ صناعة البروتين فى الأنبوب، معتمدةً على الحمض النووى كخارطة طريق. إنّ من الممكن جدّاً صناعة بروتين لحيوان مات قبل 50،000 سنة!
إذاً، فقد كان ذلك هو ما توصّلت له العلوم، وهو شئ مُتّفقٌ عليه حتى هذه اللّحظة، وهو ما يتمّ تدريسه فى المدارس.
لقد سمع الجميع بما يسمّى بِ"أسبقيّة الحمض النووى"، فناذا تعنى تلك العبارة؟

إنّها تعنى ما يلى: "طالما أنّ الجسم يتألّف من البروتين، فإنّ الحمض النووى هو ما يقوم بصناعة البروتين، وذلك عن طريق استنساخه لذاته فيما يُعرف بِ"الحمض الريبى النووى"، والذى يدخل فى الخليّة، حيث تتمّ قراءته هناك كخارطة أساس لصناعة البروتين"

فإذا كان "البروتين" هو ما يقوم بتحديد شخصيّتك، فإنّ الفضل فى ذلك، يعود للحمض النووى الذى يُنتج ذلك البروتين". إذاً، فأسبقيّة الحمض النووى تعنى أنّ كلّ ما يتعلّق بك، قد تمّ تحديده وحسمه مُسبقاً فى خارطة الأساس الموجودة فى الحمض النووى، وبالتالى فأنتّ لن تكون سوى "قراءة" لتلك الخارطة.

إذاً، وبناءً على ذلك، فالحمض النووى ليس مسئولاً فقط عن تركيبتنا الفيزيائيّة، وإنّما عن أنماطنا السلوكيّة أيضاً، مثل العدوانيّة، والتوتّر، والسعادة، والسمنة، والإدمان على الكحول.
وإذا شعرتَ بالمرض مثلاً فى وقتٍ من الأوقات، فسيقولون لك، بأنّ لديك "جينات" هناك، وهى التى تتسبّب لك بكلّ ذلك.

(يتبع)...

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(6)

منظومة "العقيدة"

هنالك فكرة تقول، بأنّك إذا تمكّنت من فهم "الجينات"، ثمّ قمتَ باستبدال الجينات المعطوبة، فسيمكنك التاٌُثير على الصحّة. إنّها فكرة نبيلة وجميلة، وهى ما أدّى لظهور ما يُعرف بمشروع "الجينوم البشرى". لقد طُرحت ورقةٌ فى مايو الماضى فى مجلّة “Science” ذات التوجّه التقليدى، وكان موضوعها عن (النُويّة Nucleolus) وهى جسمٌ عصوى داخل الخليّة، حيث يوجد الحمض النووى. والموضوع المطروح يقول بأنّ النواة هى مركز القيادة بالنسبة للخليّة، فماذا يعنى ذلك؟
لقد ذكرتُ لكم سابقاً بأنّ لكلّ خليّة على حده، أعضاء تؤدّى وظائف مشابهة لما تقوم به أعضاء الجسم، وهذه الأعضاء فى الحليّة تسمّى "العُصيّات" أو “Organells”. وبما أنّ الجهاز العصبى هو مركز القيادة بالنسبة للجسم، فإنّ للخليّة جهازها العصبى الذى يتولّى مهام القيادة.

صورة
البايولوجيا التقليديّة: نواة الخليّة هى جهازها العصبى (الدائرة الحمراء)

البايولوجيا التقليديّة تقول بأنّ "النّواة"، هى مركز قيادة الخليّة (أى جهازها العصبى)، وذلك لأنّ النواة هى المستودع الذى توجد فيه "الجينات"، وبالتالى، فهى مركز التحكّم بالخليّة. وقد قادنا ذلك للإستنتاج بأنّهم يعتبرون "النواة" نظيراً "للدماغ".

فهل يُعقل ذلك؟

حسناً، أستمعوا لما سأقول، لأنّ كلّ ما قالوه سوف يتداعى الآن.
اليكم هذا السؤال البسيط والمنطقى: إذا قمتُ باستخراج الدماغ من أىّ عضوٍ حى، فما هى النتيجة الحتميّة لذلك الفعل؟ إنّها الموت.

ولكنّك إذا استخرجت النواة من الخليّة، فإنّ الخليّة لن تموت. إنّ بوسع الخليّة الإستمرار فى العيش لشهرين أو لأكثر بغير أىّ "جينات" على الإطلاق. بل أنّها ستظلّ قادرةً على الحركة، والأكل، والنمو، والتواصل مع أىّ خلايا أخرى قد تلتقيها. كما أنّ الخليّة بدون نواتها وجيناتها، ستكون قادرة على التعرّف على السموم واجتنابها.
بعبارات أخرى، فإنّ تغييراً لم يطرأ قط على "سلوك الخليّة" حتى بعد إزالتى لنواتها المحتوية على جميع الجينات. فهل يمكن القول بعد ذلك بأنّ "الجينات" هى مصدر "التحكّم"؟ هل يمكن للجينات أن تكون بمثابة "الدماغ" بالنسبة للخليّة؟

والشئ المُهمّ هنا، هو أنّ مفهموم "نزع النواة" عن الخليّة، قد جرى تطبيقه فى مستويات عالية جدّاً فى علوم البايولوجيا، ومن الواضح أنّ أولئك الذين يُطبّقونه، يعلمون جيّداً بأنّ الجينات، ليست هى من يتحكّم بالخليّة. ومع ذلك، فلابُدّ أنّكم جميعكم سمعتم عبر أجهزة الإعلام، بأنّ الجينات هى التى تتحكّم بالخليّة.

النتيجة هى إذاً أن "الإفتراض الثانى" الذى انبنت عليه العلوم، والقائل بانّ الجينات هى التى تتحكّم فى التجلّيات البايولوجيّة، هو افتراضٌ خاطئ.
ومع ذلك، فإنّ تساؤلاً مُهمّاً سيبقى: فإذا لم تكن الجينات هى التى تتحكّم بالخليّة، فمالذى يتحكّم بها إذاً؟

وقد قادنى البحث الذى أجريته فى العام 1985، بهدف الوصول لفهم العلاقة بين "الجينات" والخليّة"، قادنى إلى ما يلى:

إنّ هنالك خلطاً –وخاصّة فى الأوساط العامّة- بين مفهومين، وهما "العلاقة" و"السبب".
فالعلاقة تعنى "وجود رابطٍ ما"، فالجينات مثلاً، لها "علاقةٌ" بجسمك، وهذه حقيقة.
أمّا "السبب"، فهو "الفعل" الذى يؤدّى لنتيجة ما.

والحقيقة هى أن "الجينات" ليست "سبباً" فى حدوث إىّ شئ، ولذلك يُصبح الإفتراض المذكور آنفاً، إفتراضاً خاطئاً.
ولكنّك قد تجد موضوعاً يتحدّثون فيه عن توصّلهم لاكتشاف أحد الجينات التى لها "علاقة" بالسمنة، ثمّ يقولون لعدد من الآباء الذين ينتظرون مولوداً: "لقد أجرينا بذلاً سلّيّاً –للحصول على السائل الأمنيوتى- ثمّ قمنا بفحص خلايا جنينكم، ووجدنا أنّ لديه الجين –المورّث- المتعلّق بالسمنة، فماذا أنتم فاعلون؟"
لقدذكر 70% من الآباء أنّهم سيختارون إجهاض أجنّتهم، وبسرعة!

فهُم غالباً ما يفتتحون موضوعاتهم تلك بعبارة مثل: "إكتشاف مورّث جديد (يتعلّق) بالسرطان". إلاّ أنّهم وبعد حوالى فقرة واحدة من ذلك العنوان، تد عبترة مثل: "هذا المورّث (يُسبّب) السرطان"!
وهذا هو الخطأ. فالجينات لا تُسبّب أىّ شئ، وإنّما تُحدّد القابليّة للإصابة. أمّا أن يتمّ "تنشيط" الجينات التى تحمل القابليّة لإصابةٍ ما أو "إطفاءها"، فهو ليس من اختصاص الجينات.

فمالذى يتحكّم بالجينات إذاً؟

للإجابة على هذا السؤال، سوف أبدأ بالجزء الأول منه، وهو: مالذى يؤدّى لتنشيط الجينات؟
لأنّنى إذا توصّلت لمعرفة ما يتسبّب بتنشيط الجينات، فسأكون قد وصلت إلى حافّة الكشف عمّا يقوم بالتحكّم فى الجينات.

سوف أستخدم الورقة فى الصورة أدناه لأنّها تحتوى على عبارةٍ أنوى الإستفادة منها:

صورة

إنّ هذه الورقة تلجأ "للمجاز" فى التحدّث عن دور الجينات فى التطوّر. والمجاز فى مِضمار العلوم، يعنى أنّ على العالِم الراغب فى إجراء تجربة ما، أن يأتى أوّلاً بنظريّة، والنظريّة هى عبارة عن "فكرة"، والهدف من التجربة هو "اختبار" تلك الفكرة.
إذاًن فالنظريّة ليست "حقيقة". إنّها ليست سوى "اقتراح".

وعندما تمكّن كلّ من "واتسون" و"كريك" فى عام 1953 من العثور على "شفرة الحمض النووى"، خرجت نظريّة مفادها أنّ الجينات هى التى تتحكّم بالتجلّيات البايولوجيّة. لقد حدث هذا قبل أكثر من 50 عاماً. ولكنّ تكرار تلك العبارة مرّات ومرّات، أدّى لنسيان حقيقة أنّها إنّما كانت مجرّد نظريّة. ومع مرور الوقت، أصبح يُنظر إليها وكأنّها "حقيقة".
لقد قبلنا بها باعتبارها حقيقة، وكان يتمّ تداولها باعتبارها كذلك فى الكتب الدراسيّة فى كلّ مكان.

فهل تتحكّم الجينات حقّاً بأىّ شئ؟

هذه الورقة (الصورة أعلاه)، تكشف ما صرّح به العالِم "نيهاوت" وقتذاك إذ يقول:
((عندما تكون هنالك حاجة لأحد المنتوجات الجينيّة "بروتين"، فإنّ إشارةً صادرة عن البيئة التى يوجد فيها ذلك الجين –وليس لخاصيّة ذاتيّة فى الجين- تؤدّى لتنشيط ذلك الجين)).
إنّ عبارة " وليس لخاصيّة ذاتيّة فى الجين"، الواردة فى السطر الثالث من الصفحة، تعنى أنّ الجينات عبارة عن "خرائط أساس"، وخرائط الأساس ليست له خاصيّة "الفتح، أو الإغلاق"، لكونها مجرّد بيانات.
إنّ من يملك مفاتيح الفتح والإغلاق لأىّ خارطة أساس، هو الجهة التى تستطيع قراءة تلك الخارطة.
فما هى الجهة التى بإمكانها قراءة تلك الخارطة؟
إنّها "الإشارات البيئيّة".

كيف تعمل الجينات

صورة
صور لنواة من إحدى الخلايا، والنواة هى المكان الذى توجد فيه "الكروموسومات"
والكروموسومات هى التى توجد بداخلها "الجينات".

إنّ لكلّ كائن بشرىّ طاقمين من "الكروموسومات"، وهى التى توجد بداخلها "الجينات- المورّثات". أحد الطاقمين يأتى من جهة الأب، بينما يأتى الآخر من جهة الأم. أى أنّ كل فردٍ يحمل طاقمين كاملين من "البرامج" لصناعة كائن بشرىّ، بداخل كلّ خليّة من خلايا جسمه.
والسبب فى عرضى لهذه الشريحة، هو بروز تقنية جديدة لصبغ الكروموسومات.
إنّ النواة، هى التى تحتوى على الحمض النووى، وهذه حقيقة. ولكنّنى عندما أقوم بعمليّة الصبغ، فإنّنى لا أصبغ الحمض النووى، وإنّما أقوم بصبغ "البروتين". إنّ ما نسبته 50% من النواة، هو عبارة عن "بروتين". ولكنّنا عندما نقوم بعمليّة الصبغ، فإنّنا لا نتحدّث عن ذلك البروتين، وإنّما نركّز بدلاً من ذلك على "الحمض النووى".

وهم عندما يقومون بدراسة الحمض النووى، فإنّهم يكسرون النواة، ثمّ يقومون بعزل الكروموسومات والتخلّص من البروتين، ثمّ يبدأون بدراسة "الحمض النووى الخالص".
ولكن للحقيقة، لا يوجد هنالك شئ إسمه "حمض نووى خالص"!

فكيف يبدو الوضع إذاً داخل النواة؟ (الصورةأدناه)

صورة
البروتينات وهى تغطى الحمض النووى من الخارج مثل "الأكمام"

البروتينات التى فى الشكل تُعرف ب"البروتينات المُنظِّمة"، أى أن "التنظيم" هو ما تقوم به. وهى تُغطّى تحتها الحمض النووى الذى يحمل الشفرة الوراثيّة مكتوبةً على هيئة "جينات". وحتى يُصبح بالإمكان قراءة تلك الجينات، سيتوجّب على تلك البروتينات المنظِّمة أن "تنفتح" أو "تنغلق". فمالذى يمكنه أن يجعل تلك البروتينات "المنظّمة" تنفتح أو تنغلق؟
إنّها "الإشارات" التى ذكرناها آنفاً. وهى بحسب شحنتها -سالبة أو موجبة- تدفع بالبروتين لتغيير شكله ومن ثمّ "التحرّك". فإذا تحرّك بعيداً عن الحمض النووى الموجود بداخله، فإنّه "ينفتح"، فتُصبح قراءة الجينات ممكنة.

فمالذى يحب حدوثه للتأثير على البروتين المُنظّم، بحيث تُصبح قراءة الجينات ممكنة؟

صورة
(الصورة - خارطة التدفّق الحديثة)

خارطة التدفّق التقليديّة، والتى كان يتمّ ندريسها فى المدارس، لم تكن تحتوى سوى على الحمض النووى، والحمض الريبى النووى، والبروتين. وقد كان ذلك غير صحيح لكون الحمض النووى مُغطّى ببروتينات، إلاّ أنّهم كانوا "ينزعون" تلك البروتينات "التنظيميّة"، والتى كانت بمثابة "الأكمام"، بحيث يمكنهم قراءة الشفرة الجينيّة.
إذاً، فما عرفناه الآن، هو أنّ هنالك "إشارة بيئيّة" تعمل على إزاحة تلك الأكمام بحيث تُصبح قراءة المعلومات الوراثيّة ممكنة.
أنتّ إذاً، لستَ خاضعاً لسيطرة حمضك النووى، وإنّما لسيطرة "إشاراتٍ " قادمة من البيئة. وهو ما ذكره "نيهاوت" فى ورقته حيث يُفهم ممّا قال، بأنّك لاتكون تحت سيطرة جيناتك، مالم تكن هنالك "إشارة بيئيّة"، تؤّدى لتفعيل تلك الجينات.

ولكن، ماهى "البيئة" حيث تصدر "الإشارات"؟

الإجابة فى الجزء القادم ..

(يتبع) ....

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(7)

دُماغ الخليّة ليس فى نواتها كما كان سائداً، فأين هو إذاً؟

وإذا لم يكن دماغ الخليّة فى نواتها، فما هى وظيفة النواة إذاً؟


هنالك بيئتان تؤثّران علينا جميعاً. بيئة "داخليّة" تقع تحت جِلدك –أى داخل جسمِك- وهى حيث تقوم أعضاء جسمك بأداء وظائفها مثل المحافظة على تركيبة دمك، ودرجة حرارة جسمك، ومستوى السُكّر فيه، وكمّية الغذاء المتاحة، والمعلومات المتعلّقة بكلّ ذلك.
وهنالك "بيئة خارجيّة"، وهى ما يقوم بالفعل ب"التحكّم" بكلّما يحدث فى البيئة الداخليّة، وهى التى يتوجّب علينا "التكيّف" معها. ولكن، ولكى يُصبح ذلك "التكيّف" ممكناً، فإنّ "تغييراً" فى الجينات الخاصّة بنا لابُد وأن يحدث، بحيث تتوافق تلك الجينات مع الإشارات القادمة من البيئة. فتلك الإشارات، هى التى تدفع الجينات للقيام بعملها.
وللتعرّف على الكيفيّة التى تستقبل بها الخليّة الإشارات البيئيّة، سيتوجّب علينا الإجابة على هذا السؤال:

أين يوجد "دماغ" الخليّة؟

والإجابة: "فى "غشائها". إنّ غشاء الخليّة، هو بمثابة الطبقة الجلديّة بالنسبة لها.
ولكن، ماذا عن نواة الخليّة؟ لقد كنّا فيما سبق، نعتقد بأنّ النواة هى "دماغ" الخليّة.
إنّ النواة، هى "الغدّة التناسليّة" بالنسبة للخليّة، لأنّ ما تقوم به هو صناعة البرامج ووضع خرائط الأساس لإستبدال الأجزاء بأجزاء جديدة، أى أنّ النواة، من حيث كونها "غُدّةً تناسليّة"، قإنّ وظيفتها هى "التكاثر وإنتاج الأجزاء".
فالنواة إذاً، ليست هى "الدماغ" بالنسبة للخليّة.
ودماغ الخليّة هو غشاؤها. (الصورة)

صورة

وما يجب علينا فهمه، هو أنّ غشاء الخليّة يُعدّ من أكثر التركيبات بدائيّة من منظور علم الأحياء. فأكثر الكائنات الحيّة بدائيّة ليس لها سوى غشاء واحد فقط، ولا تملك شيئاً سواه، كما أنّ كلّ وظائفها الحيويّة تجرى بداخل ذلك الغشاء. فإذا استطعنا أن نفهم غشاء الخليّة، فسوف نفهم الكيفيّة التى يعمل بها.

وسأشرح لكم فيما يلى، الطريقة التى يعمل بها غشاء الخليّة:

صورة
(صورة لخلايا فى قُرص للزراعة)

أما إذا ما قمتُ بإحداث قطعٍ طولى عبر سطح إحدى الخلايا، فسيكون المشهد كما فى الصورة أدناه:

صورة

فسطح الخليّة شبيه بهذا الشكل، وهو متعدّد الطبقات (الصورة أعلاه) ويفصل البيئة الخارجيّة، عن البيئة الداخليّة للخليّة. وكما ترون، هنالك فى الوسط –باللّون الأصفر- ما يُشيه مادّة زيتيّة، وهذه ما يجعل من غشاء الخليّة حاجزاً يفصل بين داخل الخليّة وخارجها، بحيث أنّ الماء لن يتمكّن من المرور عبر الغشاء، وبالتالى لن يتمكّن الماء من حمل أىّ معلومات بين جانبى الغشاء.

إذاً، فالخليّة فيما تحت الغشاء، معزولة عن البيئة فى الخارج.

ولكنّ، يبدو أنّ ما نراه هنا، لا يقوم بأىّ "وظيفة" عدا الحماية ..
فأداء "وظيفة"، يتطلّب وجود "بروتين"، لأنّ الحركة من خصائص البروتين.

نعم، هنالك بروتينات (تُشبه المسبحة)، وهى تنغرس بخرزاتها داخل غشاء الخليّة (الصورة أدناه):

صورة

وهنالك نوعان من البروتين فى غشاء الخليّة: النوع الأوّل يُسمّى "المُستقبِلات"، وهى فى ذلك تُشبه أجهزة الإستقبال الحِسّى فى الجسم كالجِلد والأذنين والأنف، بالإضافة لحاسّتى الذوق واللّمس. فكما توجد كلّ أجهزة الإستقبال الحسّى للجسم فى الغشاء الجلدى (وهو يشمل الغشاء المُخاطى أيضاً)، فإنّ أجهزة الإستقبال الحسّى للخليّة، توجد فى غشائها، على الرغم من أنّها ليست على نفس النمط الذى تتميّز به أجهزة أجهزة إستقبال الجسم.

وهذه البروتينات المُستقبِِلة، تتميّز بوجود "هوائيّات" على أسطحها. (الصورة):

صورة
(البروتين المُستقبِل)

ولكلّ الأشياء التى تستقبلها الخليّة، يكون هنالك بروتين "مُستقبِل" مختلف، مزوّد بهوائى مُختلف أيضاً.
فهنالك بروتين مُستقبل يتعرّف على هورمون الإنسيولين مثلاً، كما أنّ هنالك بروتيناً آخر للجلوكوز، وآخر يستقبل الفوتونات الضوئيّة.

إذاً، فكلّ ما يمكن للخليّة رؤيته، يكون له "بروتينه" المستقبِل الخاص به، وهذا البروتين، موجود داخل الخليّة، ولكلّ بروتين "هوائيّه" الخاص به.
فالمستقبلِات هى ما يقوم باستقبال الإشارات. أى أنّنى عندما "أرى"، فإنّنى إنّما أرى من خلال "مُستقبِلاتى"، وعندما تصل إلىّ أيّة إشارات، فسيتوجّب علىّ أن أسلك سلوكاً محدّداً إستجابةً لتلك الإشارات.

فماذا يحدث عندما تصل إشارة بيئيّة إلى أحد البروتينات المُستقبِلة؟
الإشارات بحسب شُحناتها، تؤدّى لحدوث تغيّرات فى شكل البروتين- كما سبق توضيحه - تُعرف بالتغيّرات التوافقيّة. وهنا يتّخذ البروتين المُستقبل وضعيّة معيّنة. وعندما تختفى الإشارة، يعود البروتين إلى الوضع الذى كان عليه أوّلاً. (الإشارة تتّصل بالبروتين المُستقبل عبر هوائيّه).

والمجموعة الأخرى من البروتينات الموجودة على غشاء الخليّة هى أدوات "الإرسال"، و تُعرف باسم "القنوات" –الصورة أدناه:

صورة
(بروتين القناة)

وهى -أى بروتينات القنوات- فتوجد طافيةً داخل غشاء الخليّة.
و"القناة" هنا بمعنى "الجِسر". وفى حالة الخمول، تكون القناة "مًغلقة" ولاشئ سيمكنه المرور عبرها. أمّا فى حالة النشاط، فإنّ القناة ستنفتح، لتُصبح نفَقاً يوصل ما بين طرفى غشاء الخليّة.
أمّاالإشارات "الخاطئة"، فلن يُمكنها المرور عبر تلك القنوات. فتلك القنوات إذاً، تقوم بتنظيم عمليّة الدخول عبر غشاء الخليّة عن طريق الإنفتاح والإنغلاق.

إذاً، فقد رأينا كيف أنّ الإشارات البيئيّة تصل أوّلاً للبروتينات المستقبِلة عبر هوائيّاتها، ما يؤدّى بتلك البروتينات لتغيير تركيبتها، ثمّ علمنا بأنّ هنالك بروتينات تعمل كأجهزة إرسال (إلى داخل الخليّة)، وهى "القنوات" التى تنفنح وتنغلق بحسب الإشارة القادمة من البيئة.

والآن، سنضع هذين النوعين من البروتين جنباً إلى جنب، وسوف نرى ما يحدث (الصورة):

صورة

هنالك البروتين "المُستقبِل" بهوائيّه – على يسار الصورة أعلاه – وهو بقوم بمسح البيئة من حوله هوائيّاً.
وهنالك البروتين –باللّون الأخضر- داخل الخليّة، ويبدو مثل أنبوب ناعم، ويُطلق عليه بروتين “G”. وهذا البروتين “G” لن يتمكّن وهو فى حالته الراهنة من الإرتباط بأىّ من البروتينين الآخرين، إلاّ إذا كان هنالك مؤثّر قادم من البيئة خارج غشاء الخليّة. وعندما يكون هنالك مؤثّر –إشارة بيئيّة- فسيؤدّى ذلك إلى تغيير شكل البروتين المُستقبِل –بالأزرق- فيتمكّن بذلك البروتين “G” وهو داخل الخليّة، من الإرتباط مع البروتين المُستقبِل، ومن ثمّ إيصاله بالبروتين "القناة" –فى اللّون البرتقالى على يمين الصورة- ما يؤدّى لتوليد إشارة أخرى وبثّها من ثمّ إلى داخل الخليّة، على هيئة "عمل" أو "سلوك" يحدث داخل الخليّة. وهذا العمل -أو السلوك- هو ما يُطلق عليه لفظ "وظائف الأعضاء".

إذاً، فمُلخّص ما سبق، هو أنّ هنالك "مؤثّراً" قادماً من "البيئة"، وقد تم استقبال ذلك المؤثّر بواسطة البروتين المُستقبِل -عن طريق هوائيّه- ثمّ أدّى ذلك لاستجابة البروتين الآخر "القناة"، أو ما يُقابله فى داخل الخليّة.
فإذا وضعتُ كلّ ذلك جنباً إلى جنب، فماهو الإستنتاج الذى سأتوصّل إليه؟

الإستنتاج هو: البايولوجيا = الإستجابة للمؤثّر.

صورة

والمؤثّر هو "الإشارة" القادمة من "البيئة"، سواء كانت بيئة داخليّة (داخل الجسم)، أم خارجيّة.، حيث يتمّ تجميع تلك الإشارات بواسطة البروتينات المُستقبِلة، ما يعنى أنّ تلك البروتينات، هى ما يقوم بِ"قراءة" البيئة.

والإستجابة هى "السلوك" الناتج عن تلقّى الإشارة البيئيّة، بعد مرورها عبر وسائط بين البروتينات المُتلقّية، والخليّة، وبروتينات "القناة" هى واحدة من تلك الوسائط.

إذاً، فما يحدث هو أنّ الإشارات البيئيّة، تؤدّى لإحداث "سلوك". ولكن ماذا سيحدث إذا لم تكن هنالك "إشارة بيئيّة"؟ لاشئ سيحدث، أى "لا سلوك". وهذه نقطة مثيرة للإهتمام.

لقد ذكرتًُ لكم فيما سبق، أنّ بإمكانى أن أستأصل النواة من الخليّة، دون أن يؤدّى ذلك لتغيير فى سلوك الخليّة على الإطلاق. أمّا إذا قمتُ بإزالة الهوائيّات من الخليّة، فسوف تُصبح الخليّة "عديمة السلوك".

والآن، توقّفوا هنا، ثمّ فكّروا فيما يحمله ذلك من مغزىً عميق.

(يتبع) ...

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(8)

- إنّ كلّ ما يصدر عنك من "سلوك"، لا يبدأ من داخلك، وإنّما هو فى الواقع، إستجابة لإشارات قادمة من "الخارج".
- الخلايا السرطانيّة هى تعبير عن "تفكّك" المجتمع الخلوى الذى يتألّف منه الجسم.
- هنالك من الخلايا ما يُفضّل العيش خارج الجسم بدلاً من داخله تحت ظروف مُعيّنة.


إذاً، فإنّ أىّ سلوك صادر عنك، لن يكون إلاّ انعكاساً لإشارات تلقّيتَها من البيئة.
وهنا سأقول لكم، وبدون مقدّمات، أنّ السلوك الصادر عنك، لا يأتى من داخلك، وإنّما هو بشكلٍ كُلّى، استجابةٌ لما تراه أنتَ فى الخارج.
إنّ إدراكاً كهذا من شأنه أن يُحدث تغييراً فى حياتك.
إنّ هنالك الآلآف من أدوات الإرسال والإستقبال مثل تلك التى رأيتموها، هى التى تباشر التحكّم بالخليّة، وذلك لأنّ أىّ منها قادرة على تنشيط وظيفة من وظائف الخليّة.

والآن إليكم هذه التساؤلات:
"البروتين المُستقبِل"، هو الذى يُمثّل "الإدراك بالبيئة"، صحيح أم خطأ؟
عندما تبدأ "بروتينات القناة" -أو ما يقابلها من البروتينان التى "تُرسل" الإشارات" إلى داخل الخليّة- فى إحداث ردّ فعل طبيعى للإشارة، فإنّها تُحدثُ أيضاً "إحساساً طبيعيّاً –فيزيائيّاً" داخل الخليّة، خطأ أم صواب؟

حسناً، هذا هو الشئ الذى يتحكّم بالخليّة، أو، على الأقل، بالوظائف داخل الخليّة: (الصورة)

صورة

والإجابة هى: "الإدراك الحسّى". وهو يعنى الإدراك بالبيئة عن طريق "الحواس الطبيعيّة".
فأنتَ إذاً، لستَ بخاضعٍ لسيطرة جيناتك، وإنّما لسيطرة إدراكك الحسّى بالبيئة.
فالإدراك الحسّى، هو الكيفيّة التى تقرأ بها بها البيئة من حولك، ما يستدعى قيامك بسلوك محدّد. فإذا كان السلوك الصادر عنك متوافقاً مع تلك البيئة، فسوف تعيش بشكلٍ متناغم معها. أمّا إذا كان ذلك السلوك بعيداً عن السياق البيئى، فسوف تعيش منفصلاً عنها، وهذا سيتسبّب لك بالكثير من المشاكل العصبيّة.

إنّ الخلايا تتجمّع لتكوين مُجتمع "متعدّد الخلايا". فما أهمّيّة ذلك إذا كان بوسع أىّ خليّة على حدة، أن تقوم بما يجب عليها فعله بعد قراءتها للبيئة المحيطة بها؟
إنّ شيئاً لابُدّ من أن يحدث حتى يمكن للخلايا العيش فى مُجتمع واحد.
فالمجتمع، يعنى "الإتّصال"، ويعنى "التماسك"، وهذا يعنى أنّ الخليّة لن تتمكّن من القيام فى المجتمع، بما كانت تقوم به وهى منفردة، بل سيتوجّب عليها القيام بما هو مُتّفق عليه فى المجتمع، وهذا جزء أساسىّ من الصفقة.
وإذا تخلّيتُ عن استقلاليّتى، فسأتخلّى عنها لكى أتمكّن من العيش فى المجتمع، والسبب فى انضمامى للمجتمع، هو أنّنى سأحصل على فرصة أكبر فى البقاء، مع أعضاء آخرين يعملون سويّةً.

فإذا امتنعت الخليّة عن الإنصات لصوت المجتمع، فإنّ هذا سيعنى أنّها لم تعُد عضواً فيه.
والخلايا السرطانيّة، هى خلايا انسحبت بنفسها من المجتمع. وعلى الرغم من كونها لاتزال موجودة بداخله، إلاّ أنّها لم تعد تُنصت لصوت ذلك المجتمع، بل قرّرت أن تمارس عملها بطريقتها الخاصّة.

ولكن، لماذا تخرج بعض الخلايا عن مجتمعها؟
الإجابة يسؤال آخر: لماذا يكون هنالك أناسٌ دون مأوى؟ لماذا يكون هنالك أناسٌ دون عمل؟ ولماذا يرزح بعض الناس تحت نير المُعاناة؟
فإذا لم يحصل الناس على المساعدة من مجتمعاتهم، قسيتوقّفون عند نقطة ما ويقولون: "لماذا أستمر فى العيش على هذا المنوال؟"
وهى ذات النقطة التى تصل إليها الخلايا السرطانيّة، عندما يبدأ المُجتمع الذى تعيش فيه بالتفكّك.


حسناً، فلنشاهد الآن عدداً من الخلايا وهى تتحرّك كمجموعة، وسأريكم الكيفيّة التى يحدث بها التواصل بين تلك الخلايا، مُستخدماً صبغة من نوعٍ خاص (الصورة أدناه):

صورة
(خلايا تتحرّك كمجموعة)

والصبغة المستخدمة هنا هى من مادّةالفلورسنت، وبإمكانكم رؤية الروابط العصبيّة بين تلك الخلايا حيث تبدو الصبغة متوهّجة. إنّ الوميض الذى يظهر فى الصورة، ينجم عن النشاط العصبى لكلّ خليّة من تلك الخلايا.

وما يحدث هو أنّ هنالك موجات "معلوماتيّة" تتدفّق لكون الخلايا متّصلة ببعضها. فالفعل الصادر عن خليّة واحدة، ينتشر فيؤثّر على بقيّة الخلايا. إنّ ما تُشاهدونه يُشبه تخطيطاً كهربيّاً لأدمغة الخلايا، وأنتم فى الواقع، تُشاهدون خلايا "تتحدّث" إلى بعضها. فالخلايا تعمل بشكل جماعى فى مُجتمعها، وعندما يبدأ المُجتمع بالتفكّك، تبدأ عوارض "المرض" بالظهور. فتفكّك المجتمع سيعنى بالنسبة للخليّة، أن الدعم المُجتمعى لها قد توقّف، وهذا ما يؤدّى بدوره لإنهيار ذلك المُجتمع.

إنّ لأىّ خليّة "دماغها" الخاص. فإىّ خليّة بوسعها –منفردةً- قراءة البيئة، ومن ثمّ تعديل وظائفها بحسب رؤيتها لتلك البيئة. أمّا عندما تُصبح الخليّة جزءاً من مجتمع خلوى، فإنّها "تتنازل" عن "نظمها العقيديّة" الخاصّة بها –أى منظورها الخاص فى التعامل مع البيئة- لصالح "قيادة مركزيّة".

صورة

أرجو هنا ملاحظة الخليّة –فى اللّون الأرجوانى- أسفل الصورة على الجانب الأيمن. (الصورة فى الأعلى).
وهى ذات الخليّة على يمين الصورة فى الأسفل:

صورة

وهذه الخليّة موجودة هنا ضمن بيئة تحتوى على مجموعة من الخلايا التى تُشكّل نسيجاً خلويّاً (بيئة النسيج). أمّا "بيئة السيتوبلازم"، فهى البيئة الداخليّة للخليّة، والواقعة تحت غشائها. (والسيتوبلازم يُطلق على كلّ ماهو موجود داخل الخليّة عدا نواتها).
فما هى الوظيفة التى تقوم بها هذه الخليّة هنا –أى بداخل المجتمع الخلوى؟

والإجابة هى، أنّ "الدماغ"، هو ما سُيحدّد لها الوظيفة التى يتوجّب عليها القيام بها، بالتنسيق مع جميع الخلايا الأخرى، بحيث يتحقّق النجاح لذلك العضو من الجسم الذى تتبع له الخليّة.
(تنويه: مجموعة من الخلايا = نسيج. مجموعة من الأنسجة = عضو، مجموعة الأعضاء = جسم)

إذاً، فالخليّة هنا لن تقوم بقراءة البيئة بطريقتها الخاصّة، وإنّما ستعتمد بدلاّ من ذلك، على "الجهاز العصبى المركزى"، لكى يمدّها بالمعلومات المتعلّقة بالبيئة.

والخلاصة هى، أنّ الخليّة -على يمين الصورة فى الأعلى- هى خليّة "ذكيّة"، لكونها قادرة على التكيُّف مع البيئة التى تتواجد فيها.

وعندما كنتً أقوم باستخراج الخلايا من المرضى، ثمّ أقوم بوضعها فى وسائط الزراعة، لاحظتُ أن تحسُّناً بدأ يطرأ على تلك الخلايا بعد أن تُركت بمفردها وكأنّها تقول لى: "يُمكننى العيش بارتياحٍ بمفردى هنا، دون أن أعود لأعيش بداخل ذلك النظام أبداً".

وعندما تكون الخليّة جزءاً من مجتمع خلوى، فإنّها لا تقرأ البيئة من حولها بشكلٍ مباشر، وإنّما تفعل ذلك عن طريق الدماغ، حيث بقوم الدماغ بعد تفسيره للمعطيات البيئيّة، بإخطار الخليّة بما يجب عليها إجراؤه من تعديلات، بحيث يمكن لتلك الخليّة العيش فى تلك البيئة حسب ما يراه الدماغ. وحتى هنا، فإنّ الأمر يبدو عاديّاً، ولن تكون هنالك مشكلة، إلاّ عندما يتعلّق الأمر بموضوع آخر، ألا وهو "الإدراك الحسِّى" الخاص بنا، وذلك لأنّ الإدراك الحسّى، هو الذى يتحكّم بالخليّة وليس الجينات.

(يتبع) ...
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(9)

- لقد ظلّ إدراكنا الحسّى يتعرّض للخداع، وهو مانعتمد عليه فى التجاوب مع ما حولنا

----------------------------------

سأطرح عليكم الآن بعض الأسئلة البسيطة، والمُتعلّقة بالإدراك الحسِّى، وبإمكانكم اعتبارها اختباراً لمقدرات الإدراك الحسِّى لديكم:

أُنظروا للصورة، ثمّ حاولوا بعد ذلك الإجابة على الأسئلة.

صورة

هل المساحة السطحية لِ (A) أكبر من، أم مساوية، أم أصغر من المساحة السطحية لِ (B)؟

ماذا كانت إجابتكم؟ "أصغر"؟ نعم، صحيح، إنّها سهلة جدّاً. ولكن، ماذا لوكانت الأشكال، أشكالاً غير نظاميّة كتلك؟

الآن سأطرح عليكم (4) أسئلة، ثمّ سأضطّلع على إجاباتكم:

صورة

السؤال (1): هل أمريكا الجنوبية أكبر من، تساوى، أم أصغر من أوروبّا من حيث المساحة؟
("تساوى" هنا تعنى "تقريباً")

صورة

وهذا سؤال آخر، وهو ربما كان أكثر صعوبة:
2) هل سكندينافيا أكبر من، تساوى، أم أصغر من الهند؟

صورة

3) ألاسكا، هل هى أكبر من، تُساوى، أم أصغر من المكسيك؟

صورة

(4) هل الشمال أكبر من، يساوى، أم أصغر من الجنوب؟

والآن سننظر فى الإجابات:

الإجابة (1): أمريكا الجنوبية أكبر بمرتين من أوروبا. هل كانت إجاباتكم صحيحة؟

الإجابة (2): عن إسكندينافيا والهند، الهند أكبر بثلاث مرات من أسكندينافيا. هل كانت إجاباتكم صحيحة؟

الإجابة (3): حسناً، دعونا نراجع السؤال الأسهل: المكسيك والاسكا، إنهما تقريباً متساويتان فى المساحة.

الإجابة (4): وأخيراً، الشمال والجنوب. الجنوب أكبر بمرتيّن من الشمال.

حسناً، هل حصلتم على تقدير 100% فى إجاباتكم؟
والمقصود بالإختبار هنا، هو قدرات "الإدراك الحسِّى" لديكم. ولكن، ما علاقة ذلك بالخرائط؟

الآن سننظر للخريطة (أدناه) وهى من صُنع الألمان:

صورة

والسؤال: ما هو الوسط "الحقيقى" حسب الخارطة التى لديكم، وماهى دلالة "خطّ الإستواء"؟

إنّ خطّ الإستواء، هو المنطقة الوسطى بين الشمال والجنوب.
ولكن، أين يقع خطّ الإستواء على تلك الخارطة، والتى تمّ تدريسها لنا منذ فترة الطفولة –وهى الخارطة التى رسمها الألمان؟

إنّه يقع على مدى "الثلثين" نحو أسفل الخريطة!
فإذا قمتُ بتعديل وضع خطّ الإستواء، وأعدتّه إلى "مكانه الطبيعى"، فسوف تُصبح الخريطة بالشكل الذى ترونه أدناه، وهى الخريطة التى تمّ رسمها بواسطة الأمم المتّحدة.

صورة
الخارطة المعدّلة التى وضعتها الأمم المتّحدة

إنّه ليس العالم الذى رأيتموه من قبل، صحيح؟

هل تذكرون "العالم الثالث"؟ ذلك المكان الصغير الواقع على نُقطة ما فى جنوب خريطة العالم؟
إنّ مساحة "العالم الثالث"، أكبر "بمرّتين" من مساحة العالم الأوّل!
إذاً، فقد تعرّض إدراكنا الحسِّى للخداع!، وهو ذلك الإدراك الذى بواسطته نستجيب لكلّ ما ندرك.
فإذا اعتمدنا تلك الخارطة (الأولى)، وكانت حياتك تتوقّف على إحرازك لِ(100) نقطة فى هذا الإختبار، فمن المُحتمل أن نجد عدداً كبيراً من الأموات فى هذه الغرفة!

(يتبع) ...

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(10)

- الإدراك الحسى كوسيط بين البيئة والخلية، لابدّ له من المرور عبر منظار "المُعتقدات".
- التقدّم فى السن "عقيدةٌ" قاتلة.
- التوقّف عن استخدام الدماغ، سبب رئيس فى الإصابة بالخرَف.


والمُهم معرفته هنا، أنّ "الإدراك الحسّى" هو "الوسيط" بين "البيئة" و"الخليّة".
ولكن، وكما علمنا، فإنّ الإدراك الحسِّى قد لايكون صائباً. لذلك، وبدلاً من عبارة "الإدراك الحسِّى بالبيئة"، سوف نستخدم عبارة "مُعتقدات"، وذلك لكون معتقداتك حول البيئة، هى ما يؤدّى فى النهاية إلى التأثير فى وظائف أعضائك. وتُصبح "المُعتقدات" ذات أهمّيّة بالغة لكونها تتّصل بِ"الجينات"، كما أنّ الشكل الذى تنبنى حوله حياتك، يرتبط بعلاقةٍ وثيقةٍ بما يدور فى رأسك. (الصورة أدناه):

صورة

(ملاحظة: الصورة توضّح أنّ الإدراك الحسّى بالبيئة لابدّ له من أن يمرّ عبر وسيط "المعتقدات" قبل أن تحدث الإستجابة له فى الجسم)
هل حدث أن كنتَ مريضاً فى أحد الأيّام وقلتَ فى نفسك: "يا إلهى، لا أستطيع النهوض"، ثمّ إذا بشخصٍ آخر بقول لك: "إنتبه، يجب عليك الحضور للعمل الآن، يجب عليك أن تفعل شيئاً"؟
ثمّ ماذا حدث بعد ذلك؟
لقد غيّرتَ اعتقادك عن نفسك، فنهضتّ ولبستَ ثيابك، وأدّيتَ عملك على الوجه الأكمل. ثمّ بعد أن عُدتَّ لمنزلك قلتَ لنفسك: "ربّما كان بوسعى الجلوس والشعور بالمرض مرّةً أخرى!"
والحقيقة هنا ، هى أنّ "الإدراك الحسِّى" هو ما يقوم باختيار الجينات، ولكن بما أنّ الإدراك الحسِّى قد لا يكون صائباً –لمروره عبر منظار المُعتقدات- فقد أُطلق عليه ذاته إسم "مُعتقَد".
إنّ نتيجة المعادلة تُصبح كما يلى: جيناتك ليست هى من يتحكّم بك، وإنّما "مُعتقداتك". وهنا نتوصّل إلى نقطة مهمّة:
هل تذكرون النسوة اللاّتى كنّ يرقُصن فى مزالج "بالم سبرنج" –الصورة الأولى فى الجزء الأوّل؟
إنّ شغف هؤلاء النسوة فى الحياة هو الرقص، ولا يحملن أىّ "مُعتقَدٍ" آخر، عدا حقيقة علمهنّ بأنّهنّ فى طريقهنّ للرقص، كما ليس لعامل "السن" أىّ أهمّيّة لديهن. فالتقدّم فى السن "عقيدة"، والمُشكلة فى هكذا عقيدة، تتمثّل فى أنّها ستقضى عليك. والسبب فى كون الإعتقاد بتقدّم السن اعتقاداً قاتلاً، يكمن فى أنّك إذا حدّثتَ نفسك عبر إدراكك الحسّى بأنّك "لم تعُد قادراً على القيام بأىّ شئ"، فستبدأ أجهزتك الحيويّة بإجراء التعديلات اللاّزمة لكى تُثبت لك "صِحّة اعتقادك".
وموضوع "التقدّم فى السنّ" يتعلّق بما يُعرف بِ"الإستخدام"، و"الإهمال". والتقدّم فى السن، هو أحد المُشكلات الخطيرة، والناجمة عن "الإهمال".
فإذا قلتَ لشخصٍ ما: "أنت متقدّم فى السن، أرجوك، لاتفعل هذا"، فسيقول لك: "حسناً، ينبغى أن أتقاعد"
لقد كان والدى يعمل لستّة أيّام ونصف اليوم أسبوعيّاً، ثمّ تقاعد، ثمّ توفّى بعد سنة واحدة من تقاعده، لماذا؟
لماذا يُصبح الناس على صلة وثيقة بالمرض بعد تقاعدهم؟
الإجابة: لأن ما "تعتقد" فيه وتوصله لجسمك هو من قبيل: "لقد انتهيت، لقد انتهيت".
وعندما نبدأ فى الظهور على أساس أنّّنا "انتهينا"، فإنّنا سنتوقّف عن القيام بأشياء كنّا نقوم بها. وعندما نتوقّف، فسوف يبدأ جسمنا بامتصاص مكوّناته، وسوف تحدث لنا أشياء مثل "هشاشة العظام". ولماذا بُصاب الكثيرون بهشاشة العظام عندما يتقدّمون فى السن؟
والإجابة: لأنّ الحدّ الأقصى للرياضة عند هؤلاء هو "فتح التلفاز وإغلاقه!"

فإذا جلستَ دون أن تُمارس أىّ رياضة، فسوف تبدأ أنظمتك بتفكيك نفسها، وليس ضروريّا أن تكون متقدّماً فى السن حتى يحدث لك ذلك. لقد كان عندى طفل فى العاشرة من العمر، وكان قد أُصيب بكسر فى ساعده. وضعتُ الجصّ حول ساعده، ثمّ قمتُ بإزالته بعد ستة أسابيع. وعند مُقارنتى بين أحجام العضلات فى ساعديه، وجدتّ أنّ حجم العضلات فى الساعد المُصاب قد نقص بمقدار النصف، كما تقلّصت كثافة العظم بشكلٍ كبير، وبدت عليه علامات "هشاشة العظام".

وخلاصة القول هى أنّ الطفل لم يكن يُعانى من هشاشة العظام ، وأنّ كلّ ما حدث، هو أنّه كان متوقّفاً عن استخدام ذراعه.
لقد بدأنا نسمع مؤخّراً، أنّ السبب الرئيس -أو العامل المساعد- فى داء "الزهايمر"، هو "التوقّف عن استخدام الدماغ"، وهو ما يحدث عندما يبتعد الناس بعضهم عن البعض. وعندما يتقدّم الناس فى السن، فإنّهم يتوقّفون عن التواصل فيما بينهم، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة المُسبّبة للخرَف.

فإذا توقّفتَ عن استخدام دماغك، وبدأتَ فى إغلاقة لاعتقادك بأنّك "انتهيت"، فإنّ دماغك، شأنه شأن العضلة فى الذراع المكسورة، سوف يبدأ فى التخلّص من خلاياه. والسبب فى ذلك هو أنّ ذكاء المنظومة الحيويّة متفوّقٌ بشكل كبير بحيث أنّه سيقول لك "إنّ الكفاءة هى أساس الحياة".
إنّنا نحن البشر، لانعرف شيئاً عن "الكفاءة" على الإطلاق، إلاّ أنّ خلايانا تعرف.
فالخلايا تعلم بأنّه لو كان هنالك عضو "خارج الإستخدام"، فإنّها ستتوقّف عن دعمه.
إنّ "حيويّة" أولئك النساء اللاّتى يمارسن الرقص (الصورة)، إنّما هى حيويّة منظومتهنّ الإعتقاديّة، وتتمثّل فى علمهنّ بأنّهنّ لم "ينتهين"، وهو ما يحافظ لهنّ على حيواتهن، ويحفظ لهنّ شبابهن.

وهنا أعود فأقول لكم:
أنتم عبارة عن "ماكينات" مصنوعة من "بروتينات"، وهذه البروتينات تتحرّك فى إطار الإستجابة لإشارات.

غشاء الخليّة هو ما يتحكّم بالإشارات القادمة للخليّة، وهو يقوم بقراءة تلك الإشارات، ثمّ إرسالها إلى داخل الجسم، بحيث تؤدّّّّّّّّّّّّّى الإستجابة الناجمة عن ذلك، للتوافق مع البيئة.

الإشارات البيئيّة هى فى الواقع "إدراك حسّى"، وذلك لكون الإدراك بالبيئة، يحدث عبر أدوات الحسّ الطبيعيّة. ولكن، وكما رأينا من قبل، فإنّ الإدراك الحسّى قد لا يكون دقيقاً، ولذلك فهو أقرب لأن يكون "اعتقاداً" منه "إدراكاً حسيّاً".

إنّ "المُعتقدات"، هى التى تتحكّم بالجينات. وربّما تلاحظون هذا فى حالات عديدة، وخاصّة لدى أولئك الذين يُعانون من داء "السرطان" فى مراحله الأخيرة. فماذا يفعل هؤلاء؟
إنّهم "يغيّرون" منظومتهم الإعتقاديّة بالكامل ويقولون: "لن أقبل بما قيل لى، لقد جئتُ إلى هنا وسوف ابدأ حياتى الآن". وهم عندما يُقرّرون ذلك، فإنّهم يبدأون الإمساك بزمام الأمور فى حياتهم. ثم، ماذا يحدث لهم؟ حاول التكهّن بذلك. إنّهم سيبدأون فى الظهور أكثر بهجة وعافية.
فالواقع إذاً، هو أنّك لست واقعاً تحت سيطرة جيناتك، وإنّما تحت سيطرة إدراكك الحسّى.

وسوف أتحدّث فى الجزء الثانى من هذه المحاضرة، عن الإشارات القادمة من البيئة، وهذه الإشارات، ليست "فيزيائيّة" فقط (كما يعتقد أصحاب البايولوجيا النيوتونيّة المادّيّة)، وسوف أوضّح كذلك، كيف أنّ الطاقة تتشابه من حيث قيمتها، عندما يتعلّق الأمر بعمليّّة إطلاق الأنظمة البايولوجيّة، كما سأتطرّق أيضاً لموضوع "الجزيئات".

وسوف أتحدّث عن دور الآباء فيما يُعرف بِ"الأبُوّة الواعية"، وذلك بعد ان تمّ الإعتراف بأنّ مُعتقَدات الآباء، تتحكّم فى اختيار الجينات لدى أجِنّتهم. وهذا سيعنى أنّك إن كنتَ راغباً فى إنجاب طفل، فإنّ ما سأتحدّث عنه سيكون على درجة بالغةٍ من الأهمّيّة بالنسبة لك، لأنّه سيكشف لك عن أنّ الحياة التى نحياها اليوم، إنّما سبق وتمّ تشكيلها إلى حدٍّ كبير بواسطة "مُعتقدات" آبائنا.

وسأتناول فى الجزء الأكثر أهمّيّة من هذه المحاضرة، الكيفيّة التى يُمكن لمعتقداتك، أن تُعيد بها كتابة جيناتك.

-نهاية الجزء الأوّل من المحاضرة-

(يتبع) ...
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

متابعين ياعمر وتهانينا على المجهود المقدّر والترجمة المهنية الراقية (كونى سمعت الجزئين الذين وضعهما صديقنا قصى هنا)

لدى اقتراح أدناه وهو قابل للأخذ والرد عندك والآخرين وهو:

سأقوم بجمع هذه الترجمة فى كُتيب وارسالها الى أصدقائى الصغار فى السودان (اقصد ابناء وبنات اخواتى وأخوانى وأصدقائى وصديقاتى فى السودان) محاولة لفتح كوة من الفهم والمعرفة ...فرفرة من عقابيل وشراك السلالم التعليمية العقيمة التى تورث البلادة والتحجّر.

مارأيكم/ن دام فضلكم/ن؟


الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

الفاضل الهاشمي كتب:متابعين ياعمر وتهانينا على المجهود المقدّر والترجمة المهنية الراقية (كونى سمعت الجزئين الذين وضعهما صديقنا قصى هنا)

لدى اقتراح أدناه وهو قابل للأخذ والرد عندك والآخرين وهو:

سأقوم بجمع هذه الترجمة فى كُتيب وارسالها الى أصدقائى الصغار فى السودان (اقصد ابناء وبنات اخواتى وأخوانى وأصدقائى وصديقاتى فى السودان) محاولة لفتح كوة من الفهم والمعرفة ...فرفرة من عقابيل وشراك السلالم التعليمية العقيمة التى تورث البلادة والتحجّر.

مارأيكم/ن دام فضلكم/ن؟


الفاضل الهاشمى


شكراً لك الفاضل .. والطريق مفتوح أمامك
وكما لاحظت فى الجزء الأوّل من المحاضرة، أنّ الدكتور "ليبتون" طلب من الحضور مشاركته بنشر المعلومات الواردة فى المحاضرة للمساهمة فى بثّ الوعى بما يدور فى الحلبة العلميّة، والتى كانت -وربّما لاتزال- حٍكراً لفئة جعلت من العلم "ديناً" لا يسبُر أغواره إلاّ المقرّبون. خاصّة وأنّ تلك المعلومات، ذات صلة وثيقة بحياتنا اليوميّة، ويمكن لفهمها أن يُحدث تغييرات ضخمة فى العلاقة بين الفرد وذاته.
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(11)

- الذرّة ليس لها بناء "فيزيائى" وإنّما هى عبارة عن دوّامة من الطاقة
- كلّما نراه ونشاهده باعتباره "مادّة فيزيائيّة"، لاوجود له "فيزيائيّاً" من حيث التركيبة الذريّة
- كلمّا فى الكون مُرتبطٌ بعضُه بالآخر، ومن الخطأ النظر للأشياء باعتبارها "أجزاء" فقط.

------------------------------------------

سوف أبدأ فى هذا الجزء من المحاضرة، بالتحدّث عما يُعرف بِ"الإفتراض الأوّل":
وهو الإفتراض القائل بأنّ العمليّات البايولوجيّة، تعتمد على الفيزياء النيوتونيّة.
لقد تحدّثتُ عن ذلك من قبل حيث قلتُ أنّ الآليّات النيوتونيّة، تعتبر الكون "ماكينة ماديّة"، ولذلك، فليس هنالك ما ينبغى دراسته –حسب ذلك المنظور- سوى المادّة. وبحسب المنظور ذاته، فإنّ أىّ ماكينة مهما بلغت من التعقيد، فإنّنا إذا ما قمنا بتفكيكها ثمّ أخضعنا أجزاءها للبحث، فسيمكننا التوصّل للكيفيّة التى تعمل بها تلك الماكينة، بعد دراسة كلّ جزء من أجزائها على حده. وبالتالى، سيصبح بمقدورنا صناعة أجزاء جديدة، ومن ثمّ "التحكّم" فى عمل تلك الماكينة. وكان ذلك، يُشكّل المهمّة التى وضعتها "البعثة العلميّة" على عاتقها، بهدف التحكّم فى الطبيعة والسيطرة عليها.

وهناك موضوع متعلّق بما ذكرتُه، تكشف عنه مقالة نُشرت فى مجلّة “Science”، وهى مجلّة التيّار العلمى السائد، والتى تُعتبر المجلّة التقليديّة فى مجال علوم البايولوجيا الطبيّة، وسأفرأ عليكم ما جاء فيها:

يقول الموضوع:
((ربّما كان التحدّى الأكبر للنظريّة "التبسيطيّة - Reductionism" -وهى التى تنصّ على إمكانيّة فهم الأشياء المعقّدة عن طريق دراسة أجزائها المنفردة- قادماً من فكرة "المعلومة". والمعلومات هى عبارة عن "إشارات" يتمّ بواسطتها "التحكّم" فى البايولوجيا، حيث تُنقل تلك المعلومات لتُستقبل بواسطة "جزيئات"، وهذا ما يتوافق بالكامل مع مبادئ "التبسيطيّة" فى كلّ من الفيزياء والكيمياء.))

والنقطة التى يطرحها ذلك المقال، تتمثّل فى أنّ "المعلومات" فى البايولوجيا، موجودة فقط داخل "الجزيئات". وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ كلّ ما سأحتاج إليه لإحداث أىّ تعديلات فى جسمك، هو تزويدك بِ"جزيئات جديدة". إنّ هذا هو الأساس الذى تقوم عليه الصناعة الدوائيّة، والهدف منه هو مدّ الجسم بجزيئات جديدة.
ولكن، هل صحيح أن نقل المعلومات يحدث فقط بواسطة "الجزيئات"؟
حسناً، ربّما كان هذا الأمر صحيحاً بحسب قوانين الفيزياء النيوتونيّة القديمة، إلاّ أنّه ليس صحيحاً بمعايير الفيزياء الحديثة.

صورة

لقد قالت الفيزياء النيوتونيّة القديمة، بأنّ الكون مصنوع من "مادّة"، وهو فى ذلك يُشبه "الماكينة". ولكنّنا فى العام 1925، تمكّنّا من التوصّل لمنظور جديد عن الكيفيّة التى يعمل بها الكون، وهذا المنظور القائم على "الفيزياء الكميّة"، بقول بأنّ الكون يتألّف من "طاقة". فكلّما تنظر إليه وتُشاهده باعتباره "مادّة" فيزيائيّة، لاوجود له فيزيائيّاً من حيث "التركيبة الذريّة"، كما أنّ الذرّات ليست "فيزيائيّة" فى واقع الأمر. وسوف أعرض لكم هنا صورة إلكتونيّة مُصغّرة للذرّات:

صورة
(صورة إلكترونيّة مُصغّرة للذرّة)

أرجو الإنتباه لتلك الأزواج المُصغّرة من الذرّات فى الصورة أعلاه (الأسهم).
وهنالك حقيقة مثيرة للإهتمام: فإذا استخدمتُ كاميرا، ثمّ بدأتُ فى الإقتراب شيئاً فشيئاً من أىّ من تلك الذرّات، فسيكون بمقدورى الذهاب إلى أبعد مدى نحو الداخل فى تلك الذرّة، دون أن أتمكّن من رؤية أىّ شئ. أى أنّنى كلّما افتربت منها أكثر، كلّما "رأيتُ" أقل. والسبب فى ذلك هو أنّ الذرّة ليست كياناً "فيزيائيّا"، وإنّما هى فى الواقع، "دوّامة من الطاقة".

إذاً، فالذرّة ليس لها "بناء" حقيقى.

لقد تعوّدنا فيما مضى على شكل للذرّة –على يسار الصورة أدناه- وهى الذرّة النيوتونيّة:

صورة
(الذرّة بحسب الفيزياء النيوتونيّة)

أمّا الذرّة التى على يمين الصورة، فهى الذرة "الكمّيّة" –أى وفقاً لمنظور الفيزياء الكمّيّة-. وهذه الذرّة، ليست "غبر موجودة" كما قد يبدو، إذا أنّها موجودةٌ هناك بالفعل، ولكن لكونها ذرّةً "كمّيّة"، فإّنه ليست لها تركيبة فيزيائيّة، ولكنّها "طاقة" اتّخذت شكلاً "مادّيّاً".
والمهم فى الموضوع، هو أنّ عالَم العلوم الطبيّة، لا يزال يعتمد الآليّات النيوتونيّة. إنّه لا زال يقوم على الأسس "المادّيّة". أمّا وفقاً للآليّة الكمّيّة، فالمادّة ليست نقطة النهاية، بل "الطاقة" هى نقطة النهاية. وبحسب فيزياء الكم، لن تتمكّن من فهم الكون، إذا أهملت دور "الطاقة"، لأنّ الطاقة هى التى تتشكّل منها المادّة.

الإفتراض الثانى:
"التبسيطيّة" تقول، بأنّ بوسعى دراسة الذرّات والكيفيّة التى ترتبط بها فيما بينها، على اعتبارها ذرّات "فيزيائيّة".
والحقيقة هى أنّ الذرّات ليست كألواح الرخام بحيث يُمكننى القول بأنّ هذا اللّوح ينتهى هنا، وهذه هى حافّته، وأنّ هذه اللّوح منفصلٌ عن ذاك. فالذرّات عبارة عن "طاقة"، وليست لها أىّ حواف، ولذلك، فهى فى حالة تماسّ وتداخل دائمين. والذرّات التى يتألّف منها جسمك، عبار عن موجات من الطاقة، وهى فى حالة "تداخل" دائم مع الطاقة التى من حولك، وليست هنالك أىّ إمكانيّة لخروجك من مجال الطاقة هذا، كما ليس هنالك من سبيل لدراسة الفرد بمعزل عن "الطاقة".

ومن هنا، بدأت فكرة "التبسيطيّة" تنحى باتّجاه الفهم الجديد، والذى بدأت البايولوجيا بالتوافق معه، وهذا الفهم يُعرف بِ"الكُلّيّة".

و"الكُلّيّة" تقول بانّ كلّ مافى الكون مرتبط ببعضه. فمن غير الممكن النظر إلى جُزء واحد فقط باعتباره "جُزءاً معطوباً"، إذا أنّ ذلك الجزء فى واقع الأمر، يرتبط بجميع الأجزاء الأخرى. لقد بدأنا الآن فى التراجع عن "التبسيطيّة"، والنظر فى الأمور بمنظور "الكُلّيّة". ومن هذا المنظور، فالصحّة لن تعنى النظر فقط للمكوّنات الفيزيائيّة للجسم، وإنّما النظر أيضاً فى الكيفيّة التى يتعايش بها المرء مع البيئة من حوله. ومن هذا المنطلق، يُصبح الطبيب أو الممارس الصحّى، معنيّاً بشدّة بالتداخلات التى تحدث فى ديناميكيّات أسرتك، وديناميكيّات مُجتمعك، وديناميكيّات عملك، باعتبارها تُسهم جميعاً فى التركيبة الوظيفيّة لجسمك.

لقد كان النظر فى الأجزاء الصغيرة وإلقاء اللّوم عليها عملاً خاطئاً. كما أدركنا الآن بأنّ "التبسيطيّة" لا تُمثّل الطريقة الصحيحة لرؤيةٍ "علميّة كُلّيّة". ومن هنا بدأت فكرة "التصميميّة" بالتداعى بشكلٍ تام، إذ لن يُصبح بالإمكان، تحديد جميع الأجزاء التى تتداخل مع بعضها بحيث تؤدّى لحدوث شئ ما.
وهنالك نظريّة فى الفيزياء الكمّيّة تعتمد مبدأً يُعرف بمبدأ "اللاّ تأكيديّة"، وصاحب تلك النظريّة هو "هايزينبيرغ". وتقول تلك النظريّة: "كلّما حاولتّ قياس شئ ما بدقّة أكثر، فإنّ جوانباً من ذلك الشئ تبدأ فى الإختفاء"

صورة
(مقارنة: ميكانيكا الكم، والميكانيكا النبوتونيّة)

وبالتالى، فنحن لن نتمكّن فى الواقع من "تحديد" أىّ شئ على الإطلاق. لذلك، يجب علينا أن نحاول العيش بأفضل ما يُمكننا، دون التمسّك بفكرة "التحكّم" التام فى الكيفيّة التى نعيش بها على ظهر هذا الكوكب.

(يتبع) ...

عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »

(12)

- الذرّة قادرة على إصدار الطاقة، وهى قادرة على امتصاصها أيضاً، ولهذا مردودٌ فى الجسم البشرى.
- أن لكلّ ذرّة توقيعاً خاصّاً بها، وهو ما يُميزها عن بقيّة الذرات.
- إنّ الجسم البشرى قادرٌ على إصدار الطاقة، وهى طاقة يُمكن توظيفها.

------------------------------------------------

لقد أحضرتُ معى هذه الورقة، وبها موضوع يتعلّق بالكشف عن الذرّات والجزيئات بواسطة الليزر (أنظر الصورة):

صورة
(العنوان: الكشف عن الذرّات الفرديّة والجُزيئات بواسطة اللّيزر)

"إن أىّ من الذرّة أو الجُزيئ، يطلُق الضوء ويمتصّه وفقاً لأطوال موجات مُحدّدة". هذا ما هو مكتوب فى السطر الأوّل من الورقة تحت العنوان العريض، فما معناه؟
إنّ هذا يعنى أنّ بإمكان أىّ ذرّة أو جُزيئ إصدار الطاقة. أى أن أىّ ذرّة عندما تهتز، فإنّها تُصدر بذلك تردّداً من الطاقة. ليس ذلك فحسب، وإنّما الذرّة قادرة أيضاً على امتصاص الطاقة. وهذا يعنى، أن كلّ ذرّة وكلّ جُزيئ فى جسمك، لا يقوم فقط بإصدار الطاقة، وإنّما يتلقّاها ايضاً. وتلك الطاقة التى يتلقّاها جسمك، تؤّدى لإحداث تغيّرات فى تركيبته.
فماذا يعنى ذلك على مستوى "الذرة"؟ (الصورة):

صورة

فلنفترض أن الجزء الأحمر من نواة تلك الذرّة –وهى نموذج نظرى للذرّة الفيزيائيّة القديمة- ذو شحنة "سالبة"، وأنّ الجزء الأخضر منها ذو شحنة "موجبة". فإذا وضعتُ "الفولتميتر" على على الجزء الأحمر (السلبى)، فما هى القراءة التى سأحصل عليها؟ سالبة أم موجبة؟
الإجابة: (موجبة).
وإذا وضعتُ الفولتميتر على الجُزء اللأخضر (الموجب) منها، فما هى القراءة؟
الإجابة: (سالبة).
أمّا إذا وضعتُ الفولتميتر فى نقطة وسطى بينهما فسأحصل على قراءة "متعادلة".
والحقيقة هى أنّنى إذا قمتُ بتحريك الفولتميتر فى اتّجاهات مختلفة، فسوف أحصل على فولتيّات مختلفة.

صورة
(الذرّات فى حركة دائريّة)

والحقيقة أيضاً أنّ الذرّات تتحرّك ذاتيّا، لذلك، لن يجب علىّ أن أفعل شيئاً لتحريكها، كما أنّها تتحرّك حركة "دائريّة".
وبما أنّ الذرّات تتحرّك بشكلٍ دائرى، فإنّنى إذا قمتُ بوضع الفولتميتر (كما فى الصورة أدناه)، فكيف ستكون قراءته؟ موجبة أم سالبة؟

صورة
الإجابة: (موجبة، سالبة، موجبة، سالبة، موجبة، سالبة، بحسب دوران الذرّة)

أمّا إذا حصلتُ على قراءة مطبوعة للفولتميتر، فسيتّضح أنّ لكلّ ذرّة "تردّداً إهتزازيّاً" خاصّاً بها (الصورة).

صورة

وهى –كما فى الصورة- تبثُّ ذلك التردّد عبر البيئة بكاملها، وذلك، لأنّ الطاقة لايُمكن حبسها عند "حافّة" بعينها.
وعندما كنّا فيما مضى نفرأ عن الذرّة فى كتب الكيمياء، فإنّكم ستذكرون ما كان لدينا من حساب ذرّى، وبنية ذريّة، والكثافة الذرّيّة.

أمّا إذا قرأتم عن الذرّة فى كتُب الفيزياء الكمّيّة الحديثة حالياً، فستقرأون عن "شحنتها الكهربيّة" وعن "فولتيّتها". فالذرّات تُقاس بالفولتات، والذرّات –كما شاهدتّم فى الصور أعلاه- لها موجات هى عبارة عن "تردّدات" من الطاقة، وكلّ ذرة تهتز وفق تردّد معيّن خاص بها. والذرّات لا تقوم فقط بإصدار الطاقة على هيئة تردّدات، وإنّما هى قادرة أيضاً على امتصاص التردّدات. وذلك لأنّه لايُمكن امتصاص الطاقة إلاّ بواسطة طاقة أخرى.

وفى هذا المُحلّل الطيفى (الصورة أدناه)، توجد جُزيئات لعناصر مختلفة، وفيه خطوط ملوّنة. والألوان هى عبارة عن "تردّدات إهنزازيّة"، وهذا يعنى أن لكلّ ذرّة توقيعاً، هو "التردّد الإهتزازى" الخاص بها، وهو ما يُميزها عن بقيّة الذرّات. وتلك هى الطريقة التى نبحث بها فى تركيبة الكواكب والنجوم. فالضوء الصادر عن أىّ منها، يمكن تفسيره باعتباره يعكس التركيبة الخاصّة بالكوكب أو النجم. إذاً، فقد أصبح بمقدزرنا قراءة النردّدات، والتوصّل من خلالها لفهم "المادّة" التى أصدرت تلك النردّدات.
الصورة أدناه تُظهر مسحاً إشعاعيّاً للثدى:

صورة
(مسح مقطعى للثدى يظهر فيه نسيج سرطانى)

سؤال: هل تلك هى صورة واقعيّة للثدى؟ لا. إنّها مسحٌ طبقى لمجال الطاقة فى الثدى. وهذا شئ مُلفت للإنتباه. فالطبّ لا يعترف بأىّ دور للطاقة، ولكنّه مع ذلك، يستخدم كلّ أدوات فيزياء الكم الحديثة، لتسجيل الطاقة وقراءتها. فأجهزة المسح المقطعى البوزيترونى (PET)، وأجهزة المسح المقطعى المحورى (CAT)، وأجهزة الرنين المغناطيسى (MRI)، وكلّ هذه الأشياء التقنيّة، تعتمد على "قراءة الطاقة".
فهُم فى المجال الطبّى يعلمون بأنّ المسح المقطعى المحورى (CAT Sacn)، سيحدّد معالم النسيج السرطانى فى مركز الصورة (أدناه):

صورة

فكيف لى أن أعرف أنّ ما أراه، هو النسيج السرطانى؟
الإجابة: لأنّ الطاقة الصادرة عن تلك الخلايا، تختلف عن الطاقة الصادرة عن الأجزاء الأخرى من الثدى، ولذلك، فإنّنى سأتعرف على خواصّ الخلايا، من خلال "الطاقة" الصادرة عنها.

ولكنّهم عندما يرون ذلك فى مجال الطب التقليدى، فإنّهم سيقولون: ((حسناُ، إنّ كل ّما يجب علينا القيام به، هو التدخّل فى ذلك العضو –فيزيائيّاً- ثمّ قطع ذلك النسيج وإزالته، ولن نستفيد من "الطاقة" إلاّ فى التشخيص فقط!))

وكما رأينا من قبل، فإنّ الذرّة لا تُصدر الطاقة فحسب، وإنّما تمتصّها كذلك.
ولذلك، وبدلاً من التدخّل فيزيائيّاً فى العضو المُصاب، سيكون من الممكن إعادة الطاقة إلى مكانها، وإعادة توازن الطاقة الخاصّة بالخلايا، بدلاً من تدمير الخلايا.

لقد سمعنا منذ مدّة طويلة عن "الطاقة الشافية".

فالبشر يُصدرون "طاقة"، وتلك الطاقة يمكن لها أن تؤثّر فى الخلايا. فلذلك، وبغضّ النظر عن اعتراف الطبّ بها، تعترف الفيزياء بطريقة تلقائيّة، بأنّ المادّة "الفيزيائيّة" تُصدر الطاقة، كما أنّها نمتصّ الطاقة ايضاً. وبذلك، سيمكننى التعديل فى تركيبة المادّة، مستفيداً من قدرتها على امتصاص الطاقة.

والحقيقة هى أنّه سيُصبح من الأفصل بالنسبة لنا، عبر نظرة بعيدة المدى، أن نفهم انّ بوسعنا استقطاب الخلايا التى تفتقر لتوازن فى طاقتها، وجعلها تكتسب طاقة موزونة وتتكيّف معها، وذلك عبر إعادة توجيه الطاقة نحو الداخل فى الجسم. وبذلك، سيحدث الشفاء، دون حاجة لفتح الأجسام وقطع أنسجتها.

ولكن، كيف يُصبح ذلك ممكناً؟ كيف سيمكننا إرسال الطاقة إلى الداخل، ومن ثمّ التأثير بها على المادّة؟

(يتبع) ...
عمر الدرديرى
مشاركات: 138
اشترك في: الخميس يونيو 18, 2009 9:37 am
مكان: الخرطـوم

مشاركة بواسطة عمر الدرديرى »


(13)

- كيف يتمكّن شخصٌ بصوته من كسر قدحٍ من الكريستال؟
- أجهزةالإستقبال الخاصّة بالخلايا لا تستجيب فقط للجزيئات، وإنّما للطاقة كذلك.


حسناً، ربّما سمع مُعظمنا عن الرجل صاحب الصوت القوى "ليفرت جيرالد"، والذى كان بوسعه أن يكسر قدحاً من الكريستال، إذا غنّى بنوتةٍ مُحدّدة بتوقيتٍ محدّد. لقد سمع الناس عن ظاهرة تكسّر الزجاج المصاحبة للغناء، فكيف يحدث ذلك؟ (الصورة):

صورة

فالذرّات فى قدح الكريستال، مثلها مثل سائر الذرّات، تكون فى حالة "تذبذُب" كما أوضحنا ذلك من قبل. فهى تتسارع وتتذبذب، وهى تفعل ذلك وفقاً لتردّدات مُحدّدة. فإذا كانت تتذبذب هنا بتردّدٍ مقداره (X) مثلاً، فإنّ الذرّات التى يتألّف منها قدح الكريستال، والتى ترتبط ببعضها بروابط ذريّة، سيتذبذب كلّ منها وفق ترددّه الخاص، ولكن مع المحافظة على تركيبة القدح.

والآن، سوف أمسك بشوكة رنّانة، وسأقوم بضبطها على نفس درجة التردّد الخاصّة بالذرّات المكوّنة لقدح الكريستال. وعندما أبدأ الطّرق بالشوكة الرنّانة، فإنّ الطاقة الصادرة عنها سوف تتّجه نحو الخارج. (الصورة):

صورة

فإن وُجدت فى القدح ذرّات لها "رنين توافقى" يمكنه التوافق مع الرنين الصادر عن الشوكة الرنّانة، فسوف تمتصّ تلك الذرّات، الطاقة الصادرة عن الشوكة الرّنّانة. (الصورة أعلاه).
ولكن، ما الذى سيحدث إذا صدَرت عن الشوكة الرّنّانة طاقة أكبر، ثمّ قامت الذرّات المكوّنة لقدح الكريستال بامتصاصها؟
إنّ ما سيحدث هو أن سرعة دوران ذرّات القدح الكريستالى سوف ترتفع بشدّة، ثم سيحدث الإنفجار!
إنّ القدح الكريسالى لن "ينكسر"، وإنّما "سينفجر"، لماذا؟
لأنّ وجود طاقة إضافيّة هائلة، دفع بذرّاته للتذبذب بدرجة جعلت تماسُكها ببعضها مستحيلاً، ما أدّى لاختفاء تركيبته برمّتها.

فالحقيقة إذاً، هى أنّ الطاقة يمكنها التأثير فى المادّة.
ولقد تمّت الإستفادة فى الواقع من ذلك، فى واحدة من العمليّات الطبيّة:

تعرفون عن تلك الحصوات التى تحدث فى الكُلى ويتوجّب العمل على إخراجها ..
نعم، فقد كان "إخراجها" هو الطريقة القديمة، فماهى الطريقة الحديثة؟
حسناً، فالحصوات الكُلويّة عبارة عن "كريستال"، والكريستال له ذرّات تتذبذب وفقاً لتردّدات مُحدّدة. والآن، بدلاّ من "إخراج" الحصوة، فإنّهم بُدخلون "مِسباراً" يقوم ببثِّ تردّدات معيّنة –كالشوكة الرّنّانة- وهى تردّدات تماثل التردّدات الخاصّة بالذرّات التى تتألف منها الحصوة الكُلويّة، حيث يتم تركيز تلك التردّدات بطريقة معيّنة. فمالذى سيحدث للحصوة الكُلويّة؟
سيحدث لها ما حدث لقدح الكريستال. أى أنّها ستنفجر.
ثمّ لن يكون هنالك أىّ داعٍ للقلق، لأنّ كل ما سيتمّ إخراجه بعد ذلك،سيكون كميّة صغيرة من الرمل، وليس صخرة بأكملها كما كان يحدث فى السابق.

ولكن، هل ينطبق ذلك على "البايولوجيا"؟
والإجابة: نعم، بالطبع.

وكما تشاهدون (الصورة أدناه)، هنالك شوكة رنّانة، وإلى جانبها يوجد أحد البروتينات "المستقبِلة"، وعليه الهوائى الخاص به، وهذا الهوائى يتذبذب وفقاً لتردّد محدّد.

صورة

ما يُقال فى الطبّ التقليدى، هو أنّ "الهوائيّات" تستجيب لِ"الجزيئات"، وهذا صحيح، ولكن فقط لأنّ الجزيئات لها تردّداتها الخاصّة بها. (الصورة أعلاه).

فإذا كان هنالك جزيئ ما، وكان يتذبذب على نفس درجة التردّد الخاصّة بالبروتين المُستقبِل، فإنّ ذلك البروتين سيبدأ بالتذبذُب عندما يبدأ الجزيئ بالتذبذُب. وعندما يتذبذب البروتين المُستقبِل، فإنّه سيتحوّل من وضع توافقىّ، إلى وضع توافقىّ آخر (راجع الجزء "5" من المحاضرة)، وذلك فى إطار استجابته لتلك الطاقة القادمة على شكل "ذبذبات".

صورة

وعندما أبدأ بطرق الشوكة الرّنّانة، فسيقوم البروتين المُستقبِل بامتصاص الطاقة الناجمة عن الشوكة، ومن ثمّ تتغيّر تركيبتُه فيتحوّل من الوضع فى (أ)، إلى الوضع فى (ب). (الصورة أعلاه).

والمُهمّ هنا هو أنّ مُستقبِلات الخليّة –أى البروتينات المُستقبِلة- هى التى تُطلق إشارة البدء فى العمليّة، وهى لا تستجيب للجزيئات فقط، وإنّما تستجيب للطاقة كذلك.

حسناً إذاً، فإذا كانت البروتينات المُستقبِلة تستجيب للطاقة، فلماذا لا يتحدّث الأطبّاء عن الطاقة؟
الجواب هو أنّنى حتى فى مجال عملى كأستاذ للطب، لم أكن لأتحدّث عنها بادئ ذى بدء، وذلك لأنّ مفهوم الطاقة لم يكن فى المنهج الدراسى آنذاك. إلاّ أنّنى، ومنذ بداية عملى فى الأبحاث، كنتُ قد عقدتُّ العزم على التوصّل لشئٍ ما. لقد كانت هنالك معلومات مدوّنة على أوراق عُثر عليها قبل خمسين أو مئة عام، ومع ذلك فقد كان يتمّ تكرار تلك المعلومات بشكلٍ مستمر. أمّا فى المجلاّت التى كان يُصدرها التيّار العلمى السائد والمُتشدّد، فقد كانت هنالك موضوعات عن "مجالات كهرومغناطيسيّة" لها تأثير على بايولوجيا الخلايا على كافّة مستوياتها.

(يتبع) ...
أضف رد جديد