أشغال العمالقة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أشغال العمالقة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

أشغال العمالقة

1ـ شغل العارض:

في كلمة محمد المكي ابراهيم عن عبدالله بولا المريض أحزان ظاهرة تأجّلت ل " نيف و ثلاثين " عاما بعد لقاء الأثنين في المعرض الذي افتتحه الطفل محمد الجزولي في مكتبة المجلس البريطاني بأمدرمان في 20 مارس 1977.في ذلك الزمان كان افتتاح معارض التشكيليين حكرا لوزير الثقافة ،بالذات حين يسهم المجلس القومي لرعاية الآداب و الفنون في مساعدة الفنان العارض إما بتوفير مكان العرض(" صالة الدلاقين" بأرض المعارض في ميدان "أبوجنزير")،أو بترحيل الأعمال أو بتأطيرها. و يمكن القول أن حضور الوزير( اسمعيل الحاج موسى)، في إفتتاح معارض التشكيليين كاد يكون من بين الشروط التي يفرضها المجلس القومي للآداب و الفنون على العارضين البواسل.و في هذا يمكن استجلاء ملابسات التنظيم و الإفتتاح عند التشكيليين الذين عملوا في شعبة الفنون بالمجلس القومي لرعاية الآداب و الفنون في السبعينات (محمد عبد الرحمن أبوسبيب و الباقر موسى و آخرين).كان السيد الوزير يحضر في معية كبار موظفي الوزارة كوكيل الوزارة " كابوس" ،و مدير مصلحة الثقافة" محمد عبد الحي" و رئيس المجلس القومي للآداب و الفنون " قيلي" ثم" مبارك المغربي"، و عدد من الصحفيين و المصورين الذين يصورونه بجانب الفنان العارض أو، وهو يتأمل في المعروضات أو يتجاذب اطراف الحديث مع بعض الزوار الكرام إلخ.
كانت و زارة الثقافة في زمن اسمعيل الحاج موسى قد انتبهت للفن التشكيلي كوسيلة بروباغاندا زهيدة التكلفة،و حفزها ذلك على تنظيم المعارض الكبيرة من خلال شكل مهرجانات الثقافة التي كان المعرض عمودها الفقري. و "في اطار مهرجان الثقافة الثالث تم تنظيم ثلاثة معارض تشكيليةأثنان بقاعة الصداقة هما معرض الفنان و الأفكار[10 فنانين] و معرض التراث و المعاصرة [ 51 فنانا] ثم معرض اسهامات الخريجين خلال الخمس و عشرين عاما الماضية .."( أنظر تقرير حامد الباشا في مجلة الثقافة السودانية، فبراير 1981)..ربما لأن المعرض، كوسيلة بروباغاندا، يمتاز على غيره من الوسائل كالفنون المشهدية و الموسيقية و المحاضرات و الندوات بكونه يمتلك ديمومة في المكان و الزمان تزيد من فاعليته كوسيط إعلامي. ناهيك عن كون معرض الفن التشكيلي في خرطوم السبعينات لم يكن مجرد حدث محفلي محدود بصالة العرض.معرض الفن التشكيلي كان حدثا محفليا يؤمّه الناس المزعومون "عاديون"، من خارج عشائر التشكيليين و من وراء قبائل المثقفين ، لأنهم كانوا يجدون فيه وجها جديدا من وجوه التعبير الإجتماعي و السياسي الحر و المستقل عن فضاء الخطاب الأيديولوجي الذي كانت أجهزة الإعلام المايوي الرسمي تحتله و تلوثه بالبذاءة السياسية و بالأكاذيب. كان معرض التشكيل في ذلك الزمان مساحة حرية جديدة، استثمرها التشكيليون الديموقراطيون و هم على وعي بطبيعتها المركبة.فالمعرض لم يكن يقتصر على فعل العرض وحده عند هذا النفر من الفنانين الفصحاء الذين لم يكتفوا بمقولة الفنان الذي" يعمل في صمت".لا، كان المعرض هو مكان لعرض الأعمال و لكنه في الوقت نفسه كان منتدى للنقاش. و كان من الطبيعي أن يقوم العارضون بتنظيم ندوة أو إرتجال حلقة نقاش بعد الإفتتاح.و المناقشة، التي تفيض غالبا عن ماعون الرأي التشكيلي، لتشمل الرأي السياسي، كانت تجد طريقها للنشر ـ كـ " فن ساكت" ـ في صحف الإتحاد الإشتراكي.و تجربتي الشخصية كمشرف على صفحة " ألوان الفن" بين 1975 و 1978( بفضل تواطوء حميم من أستاذنا الفنان عز الدين عثمان ) في جريدة " الأيام"، كشفت لي عن قطاعات مهمة من القراء غير المتخصصين ممن كانوا يتابعون مناقشات التشكيليين على صفحات صحف الإتحاد الإشتراكي لأنهم وجدوا فيها مساحة حرية فالتة عن قبضة الإعلام الرسمي للنظام.و أظن ان قبول سدنة النظام المايوي "للتجاوزات السياسية" للأدب النقدي للتشكيليين لم يكن من باب الغشامة السياسية.فقد كانت المناقشة " السياسية" مقبولة على مضض، و لعلّهم احتملوا شرب المضاض التشكيلي على أمل أن يستتب لهم ، مع الوقت ،أمر الهيمنة على هذا النفر الجامح الفنان من فلول الحركة الديموقراطية المعارضة.و لعل القوم كانوا يستعجلون تفعيل المؤسسات الثقافية الفارغة التي فبركوها ضمن طموح السيطرة على الحركة الثقافية و توجيهها ،حتى و لو تم ذلك التفعيل بواسطة عناصريسارية معارضة.و قد اجتهد اسمعيل الحاج موسى و محمد عبد الحي زمنا في التأسيس لـ " مصالحة وطنية " بين التشكيليين المتعارضين حتى يتأتـّى لإتحاد الفنانين التشكيليين أن يصبح حقيقة قبل " مهرجان الثقافة" الذي كانت وزارة الثقافة تعوّل عليه كثيرا في استقطاب المبدعين لصالح نظام مايو، في فترة ( النصف الثاني من السبعينات) سادت فيها مساعي " المصالحة الوطنية" وسط سدنة نظام مايو.و في هذا السياق كان جمهور التشكيليين الديموقراطيين يتحركون في هامش الشرعية الضيق ضمن فضاء العمل العام و هم على وعي تام بالمضمون السياسي لحركتهم كحركة معارضة لنظام النميري. في ذلك المعرض الذي افتتحه محمد الجزولي "عرض بولا حوالي الثلاثين عملا نفذت على الورق بالحبر الملون و بأقلام "الفلوماستر" الملونة و بالألوان الزيتية.و كتب بولا ـ في كلمته المطبوعة في دليل المعرض ـ أن الأعمال التي عرضها تمثل جزء من مساهمته الشخصية " في عمل جماعي تشرع فيه مجموعة من الشبان السودانيين تتحرك من مفهوم للعمل الخلاق يتجاوز روح التخصص الضيقة الأفق ليغطي كافة نواحي المعرفة اللازمة لعمل خلاّق ذي طبيعة كلية".." ذلك ان النشاط الذي لا يعرف مكانه في البناء المركب للمعرفة الهادفة للتغيير يصبح بلا غاية"( المعارض الأخيرة، عرض ح. موسى، مجلة الثقافة السودانية، مايو 1977).
و ضمن هذه الملابسات يمكن فهم المرامي السياسية لحادثة إفتتاح محمد الجزولي لمعرض بولا. فقد كان محمد الجزولي ، بسنواته الثمانية حاضرا بيننا ، كما يحضر الأطفال وسط الكبار، و نحن نقضي بعض نهاراتنا أو أمسياتنا في بيتهم( قل في بيوتهم) بأمدرمان.و علاقتنا بكمال الجزولي كانت علاقة عمل عام و تضامن، تطور الى مودّة حميمة دمجتنا ـ نحن اصدقاء كمال ـ في هذه الأسرة المتواضعة الحال، التي كتب عليها ـ مثل كثير من الأسر السودانية ـ أن تحمل هم المعارضة الديموقراطية في وجه دكتاتورية النميري ببسالة عالية. إن إفتتاح محمد الجزولي الشقيق الأصغر لكمال الجزولي، لمعرض بولا في مكتبة المجلس البريطاني بأمدرمان، لم يكن بدعة فنية تضاف لحساب " الفنون جنون" السيء الصيت.لكنه موقف سياسي معارض فحواه التنائي بالتظاهرة الفنية عن تغوّل السلطات ممثلة في هذا الوزير" الشاب" الهميم الذي لم يكن يترك شاردة أو واردة محفلية تمر دون أن" ينط فيها".و من مشهد بولا، فشخصية محمد الجزولي ـ بما تنطوي عليه من براءة و من شقاوة طفولية طليقة ـ كانت تمثل النقيض الكامل لشخصية "معالي السيد الوزير" و بطانته الرسمية و حراسه و توابعه من الإعلاميين و المستفيدين.و بجانب هذا النقيض المشاتر كنا نتشرف بالوقوف كفنانين مهمومين بالعمل العام.
أقفل قوس حادثة إفتتاح معرض بولا هنا و أعود لأحزان شاعرنا العظيم (ايوه " العظيم ") السابق ،التي أثارها مرض بولا.( كما لو كانت هذه هي أول مرة يمرض فيها بولا في ال" نيف و ثلاثين" عاما التي انقضت منذ المعرض المشهود).

2ـشغل الغائب:

قلت في مستهل كلامي أن في كلمة محمد المكي ابراهيم عن عبدالله بولا العملاق السوداني " أحزان ظاهرة" ، لكن المتأمل في ما بين السطور يقرأ بسهولة أحزان الشاعر الخفية التي هيجها مرض بولا.
و الأحزان ظاهرة في عبارة الشاعر حين يكتب عن البلاء الذي اصاب بولا
:
"هذه المرة ( بعد نيف و ثلاثين على ذلك الإفتتاح) عدت من مكان العمل غضبان أسفا، و على مائدة العشاء قلت لأهل البيت:أن بولا مريض فوجموا.."

لكن أحزان الرجل تبدو أيضا في التعبير غير المباشر عن واقع الحياة في المنفى، و المنفى عند بعض الكتاب بلاء و بؤس وجودي عظيم (وعند مولانا جيمس جويس هو بعض من " أسلحة الكاتب").و قد لمست ذلك في العبارات من شاكلة " حين كنا في الوطن"، بدلا عن " حين كنا في السودان" أو " حين كنا في الخرطوم".فعبارة ال" الوطن" تنطوي على محمول درامي يصعّد المكان لمقام قداسة لا تدركه المسميات الجغرافية العادية مثل" السودان" أو" الخرطوم"( وين في الخرطوم؟في حي المطار أم في الرياض أم في الدروشاب؟).فـ "الوطن" محفل رمزي واسع يختلط فيه الحابل بالنابل في هيصة سودانوية سعيدة تستبعد أي فرز طبقي بين السادة و المسودين .
هذا " الوطن" الأسطوري ينمسخ ، بسحرشعر العبارة المحنـّكة، لنوع من "دريب قش" يسلكه الشاعر لعودة ، متعسرة ، لوطن أسطوري كان يسكنه عبدالله بولا" العملاق السوداني". بالتبادل مع شخص "الشاعر الدبلوماسي" ـ و قيل : " معالي الوزير" عديل ـ.
قال:" كنا نتبادل الغياب و الحضور عن الوطن إلى أن جاء هؤلاء الناس و خرجنا كلنا من البلد ـ هو إلى فرنسا و مدينة النور، و أنا إلى ما وراء بحر الظلمات"،
" نور" شنو يا بني آدم ؟ و الله كان عرفت المُرّة الضاقها بولا في باريس أيام كنت إنت شغال وزير في سفارات " أولئك الناس" و تشاشات " هؤلاء الناس"، ما كنت حتقول " مدينة النور" و مش عارف إيه و نوع الكلام الشاعري بتاعك دا:
" كنا نتبادل الغياب و الحضور عن الوطن".
و بعدين يا شاعر يا دبلوماسي( و متى كان الشاعر دبلوماسيا؟)، إنت و
" الغياب" بتاعك معلّقين من عصبتكم، لكن بولا القدامنا دا ما غاب و لا يوم عن الإشتغال بمصائر الناس الإنكتبت عليهم معايشة كُرَب سلطات الإستبداد في السودان، نفس سلطات الإستبداد التي احترفت أنت تمثيلها( الدبلوماسي؟) بالسنين حتى أدّى بك الإحتراف لأن تتبرّأ ـ وعلى رؤوس الأشهاد ـ من ذلك الشعر العظيم (أيوة "العظيم") الذي حفظناه مع بولا ( و آخرين) " عن ظهر قلب"،تبرأت منه بذريعه أنه " شغل شباب" ساكت.و صدقني ،ففي هذه اللحظة لتي أكتب فيها هذا الكلام، أقاوم رغبة شريرة في أن أرصّع غضبي بإقتطافات مسمومة من إهاناتك الشخصية لابن الملوّح. و أنت أدرى يا صاح، كم كان شعر " أمتي" " شغل شباب" حقيقي، في معنى "الشباب من كل الأعمار" و ليس في معنى " شغل إتحاد الشباب السوداني" الستاليني إياه. لكن مُزازاتك بأشعار تنصّلت عنها لا يؤدّي، و أولويتي هنا تتركز في السعي لفهم المكيدة الملتوية التي اتبعتها في الإنتفاع بحادثة مرض بولا الأخير لخدمة أجندتك الخاصة و أنت ـ معنا ـ في فضاء العمل العام.
و الإلتواء مركب من طرف غميس شيطاني و من طرف بسيط ساذج،
و لو بدأنا بمعالجة طرفه البسيط البريء، و لو شئت قل : البدائي ، من بدائية ذائقتك البصرية التشكيلية التي سوّغت لك أن تصرّح في براءة بأنك رفعت لوحات بولا،" ذلك الموهوب"، في صالونك" جنبا إلى جنب لوحات عصام عبد الحفيظ و سليمان العريفي". و هذه تستحق عليها عبارة أمي المشهودة :" يا النبي نوح".. لا من باب الزراية بفنانين مثل عصام عبد الحفيظ و سليمان العريفي،حاشا، فهم أصدقاء قبل أن يكونوا تشكيليين ، و لكن من باب المعزّة التي قلت أنك تكنّها لعمل بولا.ذلك أن " الكتوف ما بتلاحقن" حين تبيح لنفسك صف بولا و عصام و سليمان" جنبا إلى جنب" كما تقول، و أظن ان الفنانين المذكورين قادرين على تقدير المسافة بين طبيعة أعمالهم و طبيعة أعمال بولا(لمعلوميتك الفنان سليمان العريفي كان طالب في كلية الفنون أيام كان بولا يدرّس فيها الرسم).و أنا شخصيا املك في مكتبتي تسجيلات غنائية لبعض ناشئة الفنانين المجتهدين مثلما املك تسجيلات لفنانين من وزن محمد الأمين. لكن لو عنّ لي أن أجهر بتقديري لآثار محمد الأمين فلن أتجاسر أبدا أن أقول له: و الله يا أستاذ محمد الأمين عندي أغانيك" جنبا إلى جنب" مع أغاني الأستاذة " ندى القلعة".شايف؟
و براءة الإلتواء الذي تنكّبته، بسبيل تكريم بولا و ترفيع قدره ،لأعلى درجات سلم النجاح، إنما يمثـُل في هذا الطموح المريب الذي اعرته لبولا و بولا منه بريء.فأنت تشهد بأن بولا قد " أوتي من قوّة العارضة و مواهب الجدل التي كان يمكن ان تجعله في طليعة المحامين أو طليعة المشتغلين بالدبلوماسية متعددة الأطراف لو أنه اختار ان يدخل أيا من تلك المجالات"، لكن ، يا للحسرة.. فبولا ليس محاميا كبيرا و ليس دبلوماسيا حريفا و ليس طبيب شهيرا أو رجل أعمال وجيه أو جنرال مغوار .. إلى أخر أيقونات النجاح الإجتماعي السائدة في خيال الطبقة الوسطى الحضرية في السودان.للأسف الشديد فبولا ليس سوى فنان تشكيلي مارق للريبة و التلاف، ينظّر " في مجال الشعر كما في مجال التاريخ الثقافي" و إن كانت له ـ كما تقول :"نظرات ثاقبة في النظر إلى موضوع الهوية السودانية". و بعدين يا صفوة إنت المنعك منو تكون " في طليعة المشتغلين بالدبلوماسية متعددة الأطراف"؟. و هل يمكن فهم معارضتك المتأخرة لـ " هؤلاء الناس" بكونهم ، ببساطة محرجة، قطعوا علي الشاعر الدبلوماسي و المفكر السودانوي فيك، قطعوا عليه درب الطموح الدبلوماسي المتعدد الأطراف( طرف أدبي وطرف سياسي و طرف وظيفي و طرف مالي و طرف إجتماعياتي مما جميعو)؟ و متى كان امتهان الدبلوماسية مجرد صنعة محايد مبرّأة من شبهات السياسة؟.
هذه و الله غشامة كبيرة من طرف شاعر ألمعي قادر على تجاوز ذاته الشاعرة لينتشر ، كما تقول : " على كامل الفضاء الثقافي"و لينظّر "في التاريخ الثقافي ثم في السياسة و في الإقتصاد التنموي".
لكن دا كلُّو كوم و تنظيرك الفني كوم ،فقد بلغت بك البراءة أن تحجز للوحات بولا، التي وصفتها بـ" المتميزة"،خانة " أساسية" في مستقبل الفن السوداني، و ذلك لانك تراها كـ " لبنات اساسية في متحف الفن السوداني الحديث" ، و ذلك رغم اعترافك قبلها بأنك تفتقر إلى" المعرفة المتفوقة بشئون الرسم و التلوين"..كما جرت عبارتك:" و أنا لم ادرس الفنون و ذائقتي البصرية بدائية على أحسن الفروض".
طيب يا خي وكت إنت عارف معرفتك متواضعة و ذائقتك بدائية، مالك و مال طوب( اقرأ :لبنات) متحف الفن السوداني الحديث؟.


3 ـ شغل الدبلوماسي:

المهم يا زول، لا أطيل عليك في تعداد وجوه الغشامة الغليظة التي تتلبس المكيدة الوجودية التي هدتك للإنتفاع بحادثة مرض بولا، فبدأت باعلان تضامنك معه في محنته و أغرتك سماحة العملاق السوداني و كرم الفنان الرقيق المهذب الحساس ـ كما اغرت " حكمة بولا" غيرك في السابق ـ فتماديت و" كفـّنته ميتة" سائبة ونعيته بالمرّة، و كمان" فتحت البكا"و جلست تستقبل جموع المعزين الذين يتسقـّطون كل مناسبة تصلح للم شمل سودانيي الأسافير الذين أرهقهم الشتات في الخارج و ضعضعتهم النزاعات الدامية في الداخل. فتقاطروا يتثاكلون و يتناوحون و لا يبالون بشيء عدا متعة الأنخراط في هذا الـ "هابيننغ" المسرحي العجيب .و هل ثمة "بيت بكا" أكثر كفاءة من ذلك البيت الذي عُمُده عملاق الفن في دور الميت وعملاق الشعر في دور نائحة الـ" بيتـّا"
Pieta
السودانوية؟

لا أدري ما الذي هداك لبولا، و أرض الله الواسعة عامرة بالمرضى و المحتضرين و المتماوتين المستعدين لكل شيئ بسبيل أن "يكفنهم" شاعر دبلوماسي عملاق من شاكلتك؟ هل لأن التضامن مع العملاق السوداني المريض استثمار عاطفي" بوليتيكلي كوريكت" يمكن ان يتلاقى عنده السودانويون فيما وراء تناقضات السياسة؟ أو كما قال خالد كمتور، الشاب الذي اورد مقالتك عن بولا في " سودانيزأونلاين"، منتهرا أحمد الأمين أحمد من داجنة س .اونلاين :
" بولا ، شفاه الله ، يلازم سرير المرض، فما الداعي للحديث حول النقد الآيديولوجي أو غيره.. إنه الآن بحاجة للدعاء و لوقفة سودانية أصيلة عهدناها في أهلنا و في حاراتنا و أحيائنا و في بيوتنا و عند امهاتنا و آبائنا" إلى أن يخلص إلى" و هكذا عودنا السودان دوما أن نتقابل و نتلاقى في الشدلئد و المحن و إن اختلفنا".و خالد كمتور معذور ، فهو يجهل أن أمر شفاء بولا لا يكون بغير" النقد الآيديولوجي".لكني لا أفهم لماذا تحتاج أنت الشاعر الدبلوماسي المرموق الذي يتمتع بإجماع السودانويين قاطبة إلى الإستثمار العاطفي في صورة العملاق السوداني المريض التي اصطنعتها لبولا اصطناعا و انت لا تدري من امره إلا القليل من لقاءاتكم الشخصية التي " تحصى على أصابع اليد" خلال العقود الثلاثة الماضية؟ ما حاجة شاعر " أمتي " " لوقفة سودانية أصيلة " بذريعة بولا العملاق السوداني المريض؟ترى هل هي مجرد الرغبة ( المشروعة) في وصل ما انقطع من علائق رمزية بين الشاعر و أمّته؟ أم هناك أجندة سرية يحفزها طموح سياسي " سودانوي" في المستقبل القريب(إقرأ: في الإنتخابات المقبلة)؟..
تقول أن الفضل في لقاءاتكما الفكرية ، بولا و أنت ، يعود " إلى اهتمام عبد الله بولا بديوان" أمتي" و إلى القراءة المستوعبة التي اكرم بها ذلك الديوان ".." فكان ذلك من ضمن الأسباب التي أكسبت ذلك الديوان سيرورته بين أجيال السودانيين "، لحدي هنا " نو بروبلم".لكن المشكلة هي كونك ، في منتصف التسعينات، تنصّلت من شعر " أمتي" على زعم أنه" شغل شباب". و هذا الموقف يفسد عليك ، كما يفسد علينا كلنا منفعة قراءة بولا لشعر "أمتي". ـ و حين أقول: " يفسد علينا كلنا" فضمير الجماعة يعود إلينا نحن الذين نبهنا بولا لمرامي شعر "أمتي" فاحتفينا به و حفظناه و جعلناه زادنا في الأيام الصعبة، بل و تغاضينا عن تلك المواضع المغموسة في أشتباهات الموقف الإجتماعي لشاعر ينطق أحيانا بلسان طبقته ـ.وكان مكضبني هاك اقرأ رسالتي لبولا في 8 يناير 1996 و فيها تعليق على مقابلتك المشهودة مع أحمد عبد المكرم في جريدة الخرطوم بتاريخ 28/9/1995 .
" دوميسارق في 8/1/1996
".."كانت خيبة أملي كبيرة في المستوى الذي صاغ به محمد المكي ابراهيم إجاباته على أسئلة أحمد عبد المكرم، في " الخرطوم " (28/9/95) ـ ذلك أن إجاباته كانت مكتوبة ـ فقد جاء الحديث ملفوفا في غشاء الكلام البسيط. و يبدو أن شاعرنا(السابق؟) يعاني من داء الـــ
" كلموفوبيا".و هو مصطلح علمي ـ من إختراعي ـ لتسمية ذلك الداء العضال الذي يصيب أهل صناعة الكلام و العارفين بتبعات الكلم الصالح فيجهدون في تجنـّب الكلمات ذوات العواقب ( و كل الكلمات ذوات عواقب) فيقنعون بـ "الكلام البسيط "، على أمل أن يموّهوا من وجودهم ككائنات متكلمة وسط غابة الثرثرة العامة.. و هيهات".."
المهم يا زول ، كان ود المكي يعتذر في مقابلة عبد المكرم أنه : لم يكتب حرفا واحدا في صدد الفكر السوداني منذ أن أكمل كتابه " أصول الفكر السوداني" في الستينات.فتأمل في ضلال ما بعده ضلال.لماذا؟ هل لأن الفكر السوداني قد اكتمل و رفعت عنه الأقلام بعد كتاب شاعر " أمتنا" التي " تحك عجيزتها بأطراف السهول"(يا له من رجل)، أم لأن شاعرنا المفكر السوداني قد "قطّ" كما تقط البئر في بلاد الظمأ؟
يبدو لي أن التفسير الوحيد الممكن لإعتذار ود المكي عن الخوض في شؤون الفكر السوداني هو أن الرجل استمرأ التقاعد الفكري ضمن خدر العربسلامية البائدة التي أدّت بالحلم السناري في شعاب كابوس الخلافة النميرية.قبل أن يوقظنا حجّاب" محاكم الطوارئ" من نومة
" أهل الكشف" الصوفي.
لقد صار شاعرنا ـ و أنا أصر على ضمير الجماعة طالما حفظنا للرجل كلماته أيام كلية الفنون ـ يستجدي " الرضاء العام " على صفحات الصحف الراضية المرضية بمعونة محررين "من شاكلة" عبد المكرم( كدت أكتب رسالة لعبد المكرم ابتدرها بـ " ابننا العزيز أحمد عبد المكرم"، و لم لا؟فإذا كان ود المكي يحجز لنفسه موقع الأبوّة حين يتحدث ، في حسرة ، عن عقوق "أحد ابنائنا"، إذن فليمد أبا حنيفة رجليه. و لا أظن أن الفارق في العمر بين ود المكي و شخصي يبرر أبوّته المريبة .و حين أقول " شاعرنا"، فأنا أجمل الرجل في جيلنا، بل في شلة صحابنا المهرجين و الملهمين ممن جابوا الصخر بالواد وراء هم الخلق في سبعينات التشكيل إياها.
شاعرنا؟ أيوه شاعرنا، و أنا أستعيد ضمير الجماعة الخارجة على الأعراف و التقاليد و العادات السمحة إلخ.أستعيده بكل ثقل الحسرة التاريخية لرجل كنا تكن له أكثر من مجرد الإعجاب و لا نمل ترديد كلماته كالراتب أو كالأوراد.كان ود المكي شاعرنا في خروجه على عادات الشعر( القديم و الحديث معا) و على عادات الفكر ضمن حيز الخروج الذي سوّغته ثورة أكتوبر.
و كنا نشاركه في ضمير المتكلم حين يقول: " أنا":
"و أنا لا حضن سوى الشارع
يتلقـّفني يتلقـّف أجدادي الشعراء.."
و حين يقول:" نحن":
" نحن جدّفنا على الخالق قبل الخلق و التكوين من قبل الخطيئة..".
شاعرنا صار يتملص من تبعات الخصومة ناعتا لها بأنها " شغل شباب" فتأمّل.
شاعرنا؟
لا يا صاح، النار لم تلد الرماد أبدا ، و أعذب الشعر ليس أكذبه ( و لو مكضبني شوف قصيدة صلاح أحمد ابراهيم الكذابة في مدح شيخ أمارة قطر و حاشيته).
نعم، أقول " شاعرنا" و يقف ضمير الجماعة في الحلقوم كالغصّة من حسرة على الصحاب ـ من كل الأعمار ـ الذين فرّطوا في الحب و أهدروا وسامة الخروج على موائد معاويوية مزفرة ..".."
ترى ماذا جنينا حتى يرزئنا الله بسوء العاقبة في أعز رموز يفاعتنا الثورية؟ما زالت الذاكرة تحفظ أثر أمسية باريسية في الثمانينات ، مع بعض الصحاب في حضور صلاح أحمد ابراهيم[ الشاعر الدبلوماسي ؟].و أذكر أن بعض الصحاب من المعجبين بصلاح (حسن ع.ع.)ترجّاه أن يتلو شيئا من " غابة الآبنوس"، فاستجاب صلاح بكرمه المعهود و أنعم علينا بقراءة تجمّلنا بها في وجه الغربة الباريسية اللئيمة.كان شاعرنا الآبنوسي ـ السفير السابق ـ في حينها يسكن غرفة ضيقة متواضعة مثل غرف الطلبة، و كانت رقة حاله ـ و رقة حالنا ـ تخلق بيننا جميعا نوعا من رباط خفي يجعل منا كلنا أسرة كبيرة مركزها هذا الشاعر الخارج على القانون و النظام العام.مازلت أذكر تلك الأمسية في غرفة صلاح و الصديق الذي " طلب" القصيدة يسرّ لنا بأن أمنية قديمة قد تحققت له ذلك المساء.فسبحان مغير الأشياء من حال إلى حال.ترى أي شيطان أخرق من شياطين الشعر يملك أن يلهم شاعر الهبباي مثل هذا الكلام العجيب في مدح" سمو أمير البلاد المفدّى و ولي عهده الأمين حفظهما الله دائما"؟
و الله دي الشيطان زاتو ما يقدر عليها، و هاك اقرأ (و سد نحرتك من العفنة:

" من قلب سوداني لجميل قطر و القطريين"
"..و أخيرا و ليس آخرا، كيف لي أن أجازي جميلك الباذخ يا أخي مناط مودّتي، السفير الهمام و صاحب المهام الناجحة، عبد الرحمن بن حمد العطية، الذي يسّرت لي كل ذلك، و زكّيتني لدى خيار القوم و صفوة العرب ".." فقد اكملت يا أخي أبا أحمد نقصي بفضلك، و سترت فقري ببذلك، و وقفت على راحتي بتعبك، و دأبت على تذكيري خيفة السهو و التقاعس، و كنت بذلك أحرص على قدري و تمامي مني، فعل الحريص المشفق،ثم بالغت في الإشادة بي حين جحدني من بني قومي من جازفت بكرامتي من أجل أن تكون له كرامة، فزعزعت بذاك تجلّدي ذات يوم".."
و يا أهل الدوحة: أميرا ساهرا جليل الحكمة ماضي القرار، و ولي عهد سمحا بعيد الهمّة يبشر بتآلف و استقرار".."و لن يكف لساني عن الشهادة بذلك و الإشادة به عن استحقاق أصيل ما تحرّك لي لسان:
" يا دوحة الخير العميم يا قطر
و يا ذوي الفضل المنيف المفتخر
أهل المروءات غدت فيهم غرر
تواضعا و أدبا جمّا و عزما و فكر
وكرما مبادرا نفح الأريج في الزهر
و ولع بالصالحات يتنامى من صغر
عقبي دعاء مستجاب من " علي"أو " عمر"
أو أن أمواج الخليج انحسرت عنهم درر
أوليتكم عن مقه صادقة لا عن وطر
عهد ولاء راسخ مخضوضر داني الثمر
يدوم ما دمت و ما دام وفاء في البشر
أجزلتموني ودكم و ثقة دون حذر
و مددا حين تحاماني الرفيق و غدر
و زدتم زيادة الموسم والاه المطر
ما معن؟ما حاتم؟ما بدر بن عمّار الأغر؟
حتى إذا عدت استعدت ذكرياتي و الخبر
و مجلسا دارت به كاسات صفو و سمر
و مكرمات طوّقتني كأناضيد الزهر
أعرضها على الملأ طرا ، كما شيمة حر
إن أحسنوا أحسن، أو راعوا شكر
يرد بعض دينه ، و إن تآباه اعتذر.

يا قطر التي أكرمتني بأكثر مما فعل لي وطني ، و يا أبناءها الذين احتفوا بي".." لقد عدت إلى مستقري بسفارة دولة قطر بباريس مثقلا بالجميل ، جياشا بالمحبة، ألا رعاكم الله و أكرمكم، و رفع رؤوسكم في ظل سمو أمير البلاد المفدّى و ولي عهده الأمين حفظهما الله دائما، فشكرا شكرا.
صلاح أحمد ابراهيم
سفارة دولة قطر بباريس"
( نشرت بجريدة " الشرق" القطرية بتاريخ 20/4/1992).

أظن ان المشكلة مع الشعراء من جنس ود المكي و صلاح تتلخص في كونهم ، في لحظة من لحظات خروجهم، يبذلون لنا صياغتهم الشخصية للخروج فنصدقها و ننخرط فيها معهم حتى النهاية." حتى النهاية"؟ هل قلت " حتى النهاية "؟. لا ، بل أبعد من النهاية نفسها، ذلك أننا باستحواذنا على صياغتهم للخروج، إنما نحرق وراءناـ و وراءهم على وجه التحديد ـ
كافة الجسور و كل مراكب الرجوع، فلا يكون أمامنا سوى العدو و لا يكون وراءنا سوى البحر. و ضمن ثنائية العدو/البحر يملك فعل الخروج أن ينمسخ نوعا من مصيدة قاسية فيما لو عنّ للشعراء الرجوع أو التملّص من شعر الشباب او " شغل الشباب" حسب عبارة محمد المكي ابراهيم.
أحيانا يخطر لي أن الشعراء الذين ماتوا في شرخ الشباب إنما جنّبونا خيبات أمل من نوع خيبة الأمل التي تصيبك و أنت تقرأ قصيدة " خرية " من نوع ما كتبه مصطفى سند أو صلاح أحمد ابراهيم في مدح امراء النفط لقاء " عطية مزين" لا تسمن و لا تغني من جوع.و هل من عطية ، مهما عظمت، تسكت جوع الرجل الذي كتب غُبن الهبباي و الآبنوس في أمكنة أخرى عامرة بأنواع الخروج الأصيل: في جودة و في الجزائر و في كينيا؟
ماذا جنينا يا صاح حتى صرنا نحمد الله على موت الرجال ذوي الوسامة في شرخ الشباب خوفا عليهم من هوان أرذل العمر؟
ترى هل كان في وسع رجال كالتيجاني يوسف بشير أو خليل فرح البفاء بمنأى عن غواية الغوغائية العربسلامية لو كان الله قد مدّ في أعمارهم حتى تدركهم خلافة النميري/ الترابي؟
يا لي من شخص سيئ الظن و لا حيلة و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.."



4 ـ شغل الشاعر السابق :

المهم يازول، يبدو لي أن رجوعك لـ" شغل أمتي"، الذي تنصّلت منه في التسعينات، يوكّرك في حالة نموذجية من حالات القياس الأقرن الذي يكون طرفه الأول حار بينما طرفه الثاني لا يُنكوى به، فكأنك " مايكل جاكسون" يفاوض بسبيل تغيير جلده الأبيض ليصبح أسودا مرة ثانية. شفت كيف؟
بل أنت ، فيما يبدو لي (تاني)، تراهن على رصيد المحبة الصافية و الود المقيم، عند عبد الله بولا( و لو شئت إقرأ:الأب تيريزا)، لتسويغ عودتك المتأخرة لديوان " أمتي".بل أنت تتمادي و تمنح بولا حق الشراكة في أثر ابداعي تمخضت عنه فرادة نفسك الشاعرة التي لا تقبل القسمة و لا الجمع. حين تكتب:
" و لكن حسه النقدي الرفيع و تعليقاته الذكية اعطتني الإحساس بأنه شريكي في إنشاء ذلك الشعر و تخليقه و أنه بوسعي أن أركن إلى فهمه العميق و قدرته على شرح ما يستغلق منه للآخرين نيابة عني"
نصيحة لوجه الله : لا تركن إلى" فهمه العميق"، فهو غير مأمون العواقب بالنسبة لشاعر يتحرك في فضاء العمل العام متأبطا أجندة خاصة غميسة مثل أجندتك.
و في نظري الضعيف ، فأنت ما زلت عند موقفك القديم من متاع"أمتي" الذي يبدوأنك تحمله ـ على مضض ـ كما" جنازة المسجون".و جنازة المسجون لو جيت تشيلها مع المساجين الذين يحملونها، مكرهين، سبعة خطوات ـ مقابل سبعة خطوات موعودات في الجنة ـ فسيتباعدون ويتركونك تحملها عنهم لغاية المقابر هم يتمنون لك من الله براحا واسعا في الجنة.
و في نظري الضعيف(تاني) أشك في أن بولا بـ "فهمه العميق" يخاطر بقبول شراكة مريبة ، كمثل الشراكة التي تبذلها له في متاع مخاتل مخاطل مثل متاع الشاعر.و في نهاية تحليل ما،أقول : بالرغم من أرتباط كلمات " أمتي" بالتاريخ الشخصي لكل منا، فلا أحد بيننا يملك ان يفرض عليك أن تتمسك بكلمات صنعتها و أنت طالب في الجامعة، و أنت حر أن ترميها في الكوشة أو تدفنها في حفرة أو تحرقها أو تعمل منها مربّة كما يعبر أهلنا الفرنسيس
Tu peux en faire une confiture
.و في نهاية تحليل آخر، لا أخاطر مخاطرة مهلكة لو قلت: بل لك مطلق الحرية في أن تبعثها للحياة من بعد موت و تعيد تسخينها قبل ان تبذلها للناس من جديد."نو بروبلم".. بس المشكلة تبدأ لما تقول : بولا ممكن يتولى مسئولية شعري " نيابة عني".
و في نظري الضعيف (تالت) يبدو موقف الإلتواء الغميس الشيطاني في سعيك لمنح بولا فرادة نفسك الشاعرة فتوليه امرك ولاية كاملة و تبيح له ان يكونك و يكون الحال واحدا.و بالمقابل ـ مافيش حاجة بالمجّان ـ تسوّغ لنفسك ان تستحوذ على فرادة نفس الرجل فتكونه و تمزج روحك في روحه "كما تمزج الخمرة بالماء الزلال" فإذا أنت هو في كل حال.( الحلاج). و جدول المقارنات بين الملامح المتقابلة للفنان العملاق و الشاعر العملاق يكشف عن صورة شخص واحد" بيني و بينه وجه شبه كبير".هذا الشخص صفاته كالآتي:
1 ـ جوّد الكلاسيكيات قبل ان يتصدى للخلق الحديث :
(الفنان):"فأبديت عجبي لكونه متمكنا من قواعد الرسم الكلاسيكي"
(الشاعر):"فلا سبيل إلى قصيدة طليعية كقصيدة النثر ما لم يكن المنشئ قادرا على إنتاج الشكل الكلاسيكي للقصيدة".
2 ـ مهتم بسؤال الهوية:
(الفنان)و ( الشاعر) ندّان متكافئان في كونهما يقفان" على طرفي نقيض في مسائل الهوية".
3 ـ منتشر على كامل الفضاء الثقافي:
(الفنان): "يمثل بولا ما يمكن تسميته بالمثقف الشامل فهو منظّر كبير في مجال الرسم و التلوين و في مجال الشعر كما في مجال التاريخ الثقافي و له نظرات ثاقبة في النظر إلى موضوع الهوية السودانية".
(الشاعر):" فمثله تجاوزت ذاتي الشاعرة لأكتب في التاريخ الثقافي ثم في السياسة و في الإقتصاد التنموي".
4 ـ خياراته الفنية الصادقة تجد المعارضة و الإستنكار :
(الفنان):" خياراته الفنية ناشئة عن صدق و حرية إختيار و ليس عن عجز حرفي كما يروج أعداء الفن الحديث"
( الشاعر):" و مثله سمعت صيحات الإستنكار"
5 ـ مقل في أعماله الإبداعية بمعيار الكم "لكنها بالمقياس النوعي ليس لها من ضريع":
( الفنان):" و أنتج بولا لوحات فليلة بمعيار الكم أيضا"
(الشاعر)."فقد كتبت شعرا قليلا بمعيار الكم ".
هذه العلاقة الإندماجية التي فبركها الشاعر بتكلفة عالية (الإعتراف بقيمة شعر " أمتي") استهوت عددا من المعلقين الأسافيريين ففرحوا بها وباركوها وانتفعوا بها في صيانة صورة التضامن السودانوي السعيد بعيدا عن منغصات الآيديولوجيا.و المرور السريع على تعليقات النفر الذي احتفى بكلمة محمد المكي ابراهيم عن بولا يكشف عن انسياق القوم وراء هذا الوهم السعيد الذي بناه الشاعر السوداني العملاق على ظهر الفنان السوداني العملاق.فقد كتب عبد الإله زمراوي، في نفس بوست خالد كمتور، بـ سودانيز أونلاين(1/11/07):
"بولا من القامات السامقة في بلاديو شاعر الأمة السفير محمد المكي ابراهيم أوفاه حقه. التحية و التعظيم للمكي و بولا".
و كتب الموصلي في سودانيز أونلاين (2/11/2007):
"أحيي محمد المكي العملاق على مقاله البديع عن العملاق بولا"
و كتب خ عبود (2/11/07):
" كلاهما عملاقان.. شاعر أمة و فنان أمة.."
و ما رأي بولا في كل ذلك؟
كتب بولا في 8/7/2004 ، في رسالة للنور حمد ، ضمن موضوع للنور عنوانه:" مقالة عبد الله بولا عن التجديد في فكر الأستاذ محمود محمد طه":
"فأنا، كما تعلم، و كما أوضحت مرارا، شديد الخوف من الإحتفاء، و شديد الخشية من المحبة و التوقعات العالية التي يحيطني بها الأصدقاء، أحبهم بلا حدود و لكني أخشى من حبهم لي : أن لا أستحقه".
و بعد و قبل، فكما ترون ، فهذا الأمر الذي يبدأ في الحب و ينتهي إليه متشعب و مدغمس و يحتاج لأكثر من يد.و لا بد أننا سنعاود فلفلته في رسائل قادمة.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

مدرسة السقوط
أو الأبناء الذين أكلوا ثورتهم

بلى ياصديق ..
عشنا وشفنا عصر الردّات وزمن الجزْر ، وسمعنا الثورات التى أكلت بنيها وجماعات تسرق الثورات ومدرسة " الشباب" المشاغبين ، والأبناء يأكلون ثورتهم و"أمّتهم" وأمَتهم ، ينتبذون بها زمكاناً قصياً ثم يغتابونها و"يصلبونها فى جميزة البنك" –حقوق محمد محى الدين- ثم يمشون فى جنازتها ..
ألم يكتب ع.ع. أبراهيم الشهر المنصرم عدّة مقالات عن من ينعون ثورة اكتوبر ويسومونها الهوان؟؟

دعنى أسوق محكيّتين كدليل أعتباطى ترويان عن تيار أو مدرسة تخوض مع الخائضين فى وحل الردّة أياه.

مشهد تاج السر الحسن..

كنا جماعة فى شتاء 1985 الحزين – كونه أخذ شهيد الفكر- فى معيّة أستاذنا الوارف الدكتور عبدالمحسن صالح (خضّرالله ضُراعه) فى منزله بمدينة أم درمان ، الصديق منيف عبدالباقى وبدرالدين (لا أذكر أن كان معنا الصديق كباشى ، أم اعتذر عن الحضور) وشخصى وكانت الدعوة أحتفاء بأربعتنا. وكان أن التحق بالدعوة باكرا الشاعر تاج السر الحسن ، شاعر آسيا وافريقيا (هل نشر تاج السر الحسن أيضا مع الشاعر الفذ على عبدالقيوم؟) . ولعلّ الصديق عبدالمحسن رأى أن يعرّفه بمجموعة يفتخر بتدريسها كما ذكر فى تلك الجلسة.
المهم دار النقاش عن ساس يسوس والشعر والاكتوبريات ونميرى وأستوزاراته للنخب وسارع تاج السر بتأكيد الأشاعة التى سارت حينها بين الناس أنه كان مصطفى لأحد وزارات الثقافة وأن نميرى تحدّث معه حول نيّته فى استوزاره وكيف انه رفضها الخ..
وحين أستبدّ بنا نخْب أكتوبر الميمون وسلافها و"فخر ذاك الجيل!" قلنا نكافئ لحظتنا سماع نشيد "آسيا وأفريقيا" من خشُم سيدو ...غير أن الخشم كان معتّتاً وصديدياً.. كان تاج السر يخرج مجموعة أوراق من جيب جلبابه بيدٍ ويمنع بيده الأخرى نسائم الحوش الذى نتوسطه من أطفاء نار الشمعة التى تتوسّط أحد التربيزتين بعد أن أنطفات الكهرباء. واصبح يعدنا بقراءة قصيدة "طازه" وحارّة كتبها من توّه . حلف بدينو وأيمانو الاّ يقرأ آسيا وأفريقيا لأنه ببساطه لن يتشرّف بقراءة تلك القصيدة الناشز. وكنا ، صديقى منيف وشخصى نكيل له كيلا يستحقّه جملة بعد اخرى حتى فاض الكيل .
اقترحنا عليه ، والعواطف الأكتوبرية مجروحة تطلب ثأرا، بأن يدخّّل تلك القصيدة الدافئة فى موضع آخر. فلا شأن لنا بها ولاتلزمنا من بعيد أو قريب بعد أهاناته الشخصية لثورة أكتوبر، وأقتطفنا فى كيل غضبنا المضرى المستشرى بالطبع من"هام ذاك النهريستلهم حسنا" و"القيود اشتعلت جدلة عرس فى الأيادى" والقمح والتمنّى وكل جمايل ودالمكى الستينيّة المبذولة والتى التقطها ودالمكى بعدسة عقل حسّاسة وشفافه حينها.
همّ تاج السر بأنصراف سريع حين أنسرف الكيل وأنفضّ السامر باكرا ونحن نطمّن أستاذنا على ما لا يد له به.

و ..عبدالكريم الكابلى ....

أظنه فى صيف 1998 حينما أستضافته الجالية السودانية فى تورنتو فى جلسة استماع تحدّث فيها عبدالكريم الكابلى عن ثقافة سودانية ون ويى one-way مستقيمة وعرجاء فى آن ، وغنى لها بالعود من الشمال والغرب والشرق كناية عن تعددها .. وضِمن السائلين أبتدرته متسائلا وفى البال أغنيته السياسية المسوّسة (هل من اغنية غير سياسيّة؟) "مسكين القمر" والتى كانت صدىً فنياً باهتا ورخيصا لنبيح كلب أذاعة أمدرمان (جركاس؟؟) الصباحى ضد معارضة الفنادق وكان أبناء الوسط العربسلاميين حينها يُخرَجون أفواجا من العمالة "للصالح العام" ويدخلون أفواجاً فى بيوت الأشباح ودم التنظيف العرقى فى جبال النوبة لما يجف بعد.
كان يتبرّج فينا الكابلى متثقّفا ويختال وهو الذى يتقدّم أحتفالات الأنقاذ السنوية والتعبوية والجهادية.
سألته : أين الكابلى الذى أمامنا من "هبّت الخرطوم فى جُنح الدجى ؟" وأينه من القابضين على الجمر من رفاقه محمد الأمين وابو عركى؟ وأينه من آسيا وأفريقيا و"باندونغ" والملايو وكل الكلمات والمشاهد الفنية السينمائية التى نستدعى بها نيم ثورة أكتوبر ومتاريسها وركوض الأقدام فى ساحة القصر وحقل النار (الواحة التى حضنت روح نصّار) ، روينا ورودتك دم ثوار، شتلنا فضاك هتاف أحرار، وشلنا الشهدا مشينا ونهتف ... الرصاص لن يثنينا.. ... الرصاص لن يثنينا.. شلنا تلك المشاهد معنا فى جميع المراحل الدراسية والمظاهرات وطبقناها فى انتفاضة "بيان بالعمل" – شكرا هاشم صديق الصمد –
قلت له أينك من:
"أى صوت زار بالأمس خيالى
طاف بالقلب وغنى للكمال
واشاع النور فى سود الليالى
واذاع الطهر فى دنيا الجمال"
واضح أننى قد افسدت على الجميع سعادتهم فهمو يصفّقون بين رده على بدون لباقه بين الزبد وقلّة الأدب والبلاغة حول حبّه للمراة السودانية والتغنّى لها وخلافه ، و"رفس" المايكرفون بيده التى كانت تلعب فى الفضاء بلا وجهة محددة وقال أنه لا يفخر بآسيا وافريقيا ولن يغنيها فهى من طيش الشباب وزمن الضياع .. وحين شعر مقدّم الجلسة بان وقار الكابلى قد ذهب طلب استراحة..

فى زمن الأنحسار الأجتماعى الثقافى الكوكبى والمحلّى يتغرّب المنتج من حصاده والجسد من روحه الاّ من رحم ربى من ذوى الأفق البعيد.

هذان دليلان جزافيان من كثير فى الخاطر فأصحاب الصمود والرفاق يولّون الأدبار واحد واحد - ترا أنحنا مسردبين فيها أبدا ان شاء الله .

مودتى
الفاضل الهاشمى
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

نقد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

الاخ حسن موسى
مواقف كبارنا ود المكى وصلاح
تستحق الرد القاسى ودا قضايا الرحمة فيها ما بتجوز

لكن يا اخوى
دكتور عبد الله على ابراهيم
اصبح يروج لمواقف فكرية مناقضة لمواقفه السابقة
يؤيد حكومة الانقاذ ويصف البشير بالحكمة ويشيد بالقضاة الشرعيين ويهاجم جون قرنق ومحمود محمدطه

ويصمت قلمك عنه
بل كثيرا ما نجد فى كتاباتك استشادات واشارات لما يقول به د عبد الل

يا حسن يا اخوى
القبة طلع ما تحتا فكى

زى كتير من القبب الاخرى الزائفة
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


العزيز الدكتور : حسن موسى
تحية طيبة لك ،

أعلم مما سبق أن قلت لي أنك لا تُحب رداء الألقاب الأكاديمية في وجه صحابك ، فهي حجاب تكلف ، لكن مقام المقال وثِقل العمق الذي تناولت به مسألة مسيرة حياة ثقافية للشاعر الفخم :
محمد المكي إبراهيم ، وكما يقال في المثل :
( قبضتَ الفاتنة من خصرها ) ،
يجعل المرء يُعيد الكُرة للذين يحذقون اللعب بها ، فالرصد المنثور في المقال تُجبر من يختلفون معك إن كان هنالك من اختلاف ، أن يفسحوا لريح النقد من واقع الرصد أن تلتف حول حال المبدعين من مرحلة إزهار شبابهم و إلى مراحل العُمر ثم العودة لسيرة الآباء والأجداد وبدهشة أن الجميع قد مروا مرور الكرام على تُراث التديُن الشعبي في زمن صباهم ، واليوم يعودون إليه عودة جديدة .
صورة تحتاج استدعاء علم نفوس المبدعين وسيّر حيواتهم ، في الركض وراء أثر ثقافة الآباء بوساطة أبناؤهم المارقون في صباهم والعائدون بقوة عند بدء الكهولة لمآل آبائهم الثقافي ، ربما بدون تروٍ :
جسداً ونفساً وشعراً وتنصلاً من قِيم الشباب .

أما ما اقتطفناه من النص :


يبدو لي أن التفسير الوحيد الممكن لإعتذار ود المكي عن الخوض في شؤون الفكر السوداني هو أن الرجل استمرأ التقاعد الفكري ضمن خدر العربسلامية البائدة التي أدّت بالحلم السناري في شعاب كابوس الخلافة النميرية.قبل أن يوقظنا حجّاب" محاكم الطوارئ" من نومة"أهل الكشف" الصوفي


فإني أرى أن التصوف وأثره في الأدب والشعر والفنون جميعاً يحتاج دراسة وصبرا .

ولنا عودة إن تيسر .
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


أدونيس يعلن في محاضرة بالجامعة الأمريكية
موت الخيال
أحترم الإسلام ولكني أرفض المؤسسة الإسلامية

حسن عبد الموجود

ألقي أدونيس محاضرة مساء الأثنين الماضي بالقاهرة حول الإسلام والحداثة، مركزا علي تجليات فكرة التوحيد علي الصعيد السياسي التي جعلت من الحاكم إلها آخر أرضيا واحدا.. وقد امتلأت قاعدة إيوارت بالجامعة الأمريكية التي تستضيف أدونيس عن آخرها رغم تنظيم قسم النشر بذات الجامعة لنشاط آخر مواز، حيث احتفلت بصدور ترجمة عدد من الكتب بينها رواية 'نفتالين' لعالية ممدوح الفائزة بجائزة نجيب محفوظ العام الماضي و'غائب' للكاتبة العراقية أيضا بتول الخضيري.
الدكتور حمدي السكوت قدم علي أحمد سعيد رواية حكاية اختياره لاسمه 'أدونيس'.

تحدث أدونيس عن ثقافة التكفير التي قادت عملية الامتناع عن التفكير: حيث لا مجال للتساؤل إلا في إطار ما حلل، وهذا الذي حلل لا يشكل سوي قشرة العالم وزبده، الثوب حلل أما الجسد كله فممنوع، هو مادة للنبذ والإقصاء لتحويله إلي تراب وهو في أوج الحياة.
ثقافة الكذب ولدت ثقافة النفاق وصنعت للرياء مؤسسة، ومن هذه الملحوظة ينتقل أدونيس إلي تأويل النص الديني الذي يفصل بينه وبين الحياة وبدلا من أن يكون النص فضاء تجعل منه خندقا وبدلا من أن يكون محيطا يصير غديرا. هذا التقييد للنص ينبع من التعامل معه بوصفه حقائق، لا بوصفه إبداعا يحمل الحقيقة داخله، وبهذا لا يكون أمام قارئه سوي التحول إلي صخرة جامدة، وليس مع هذا سوي موت الفكر، ولموت الفكر اسم آخر هو موت الإنسان.
وأضاف: نعم إن كانت هناك حقيقة فهي موت الإنسان وحريته لا النص لأن حامل الحقيقة هو الإنسان لا النص، أخطر ما في النص الحقيقة التي تحوله إلي نص حزب، نص نظام، نص جماعة، نص أمة، وفي هذا محو للذات والفرادة التي تتحول إلي ملك جماعي، وتلك هي الرؤية الوحدانية متجسدة في رؤية جمعانية باسم الواحد الأحد.
تساءل أدونيس: ما معني أن تحل هذه الرؤية محل التعددية؟ مضيفا: ذلك سؤال مفتاح أضاء في قراءة التراث العربي وجعلني أري القطيعة التي حققتها هذه الرؤية مع العالم التعددي قبلها، خصوصا أنها قدمت نفسها باعتبارها قلبت النظرة إلي الإنسان والعالم!


تجليات العنف


وقال أدونيس: العمل الأول الذي أنجزه موحدكم إخناتون هو قتل المخالف، التوراة قتلت باسم الرب، الكنيسة لم تسلم من عنف الرؤية الوحدانية، ونحن نري الآن تجليات عنف الوحدانية الإسلامية، المشكلة أن هذه الرؤية الوحدانية السماوية التي انتصرت انسحبت علي الأرض، وتطابق الواحد الأرضي مع الواحد المسماوي، وتم تمجيد سلطة الأرض باسم سلطة السماء، تمت ترجمة مبدأ الإله الواحد علي الحاكم الواحد بل ان الأول أخذ يزيح الثاني ويأخذ سلطته وطبقا لهذا صارت الغاية تضفي القداسة علي الوسائل. وها هم أبناء الوحدانية يتنابذون باسم الإله الواحد. وتقدم القدس نموذجا عاليا لهذا التنابذ: فالمدينة الأكثر قداسة للوحدانيات هي الأكثر وحشية والأقل إنسانية.
وأضاف: والناظر يبدو له أن الواحد علي ضفاف المتوسط لم يوجد إلاٌ أنظمة القمع والقتل.
يدافع أدونيس عن مبدأ الشك النيتشوي باعتباره طريقا للمعرفة فالشك كما الإيمان جزء من إنسانية الإنسان ومن حقوقه، وقال: وتبدو عبارة 'موت الله' التي استعارها نيتشه كأنها مجرد لعب لفظي، ذلك أن من مات في الواقع ليس الله وإنما الإنسان، فلم يمت الإنسان كما يموت اليوم..
وأشار إلي أن الموحدين نقلوا مبدأ 'الحاكم الواحد' وتفوٌقوا في ابتكار أساليب القهر باسمه، وربط أدونيس النقطة الأخيرة بمقولة لبورج شتاينر 'العلم لبٌي تطلع الإنسان إلي النظام والجمال والصدق الأخلاقي بشكل أفضل مما فعل الدين 'قبل أن يضيف: لقد تحول الإنسان إلي مجرد آلة لنقل ما هو ديني دون نظر وبحث، تحوٌل الإنسان إلي آلة في مسألة المعرفة.
وتساءل: هل هو كائن ينقل المعرفة أم كائن يشتغل عليها؟


إنكار المعرفة


وانتقل إلي القول بأن الموروث الديني خاصة الإسلامي يعلمنا أن القائل رأيه في الدين مخطيء، يقول الطبري 'لا معرفة في الدين إلا بالنقل'، إذن المعرفة لا تجيء من الذات وإنما من النص الإجماعي، وبهذا تكون اعتقادا لا انتقادا، وهي جماعية لا ذاتية، وإن كان الإنسان يعرف فلابد أن يشك، ولهذا فإنٌ الناقل آلة حاضرة بلا حضور في زمان تكراري، هيراقليدس يقول إنك لا تسبح في النهر الواحد مرتين، الآلة تسبح في ذات النهر إلي ما لا نهاية.
انعدام الذاتية عنوان آخر لثقافة بحاجة إلي تغيير، يقول أدونيس: نحن نولد عربا ومسلمين في واقع ينكر المعرفة نكرانا تاما، لأنها كاملة ونهائية بل وخاتمة المعرفة لأن نبينا خاتم الأنبياء، نبوته هي خاتمة النبوات، الأكثر كمالا، والمعرفة بالتالي هي الأكثر شمولا، ولهذا لا يضيف المؤمن إليها، فقط يفسٌر ويوضٌح ويطٌبق بانيا ما يحضر علي ما مضي، الحقيقة هكذا توجد في النص واللغة وليست في الشيء والمادة، ولهذا ليس للإنسان أن يضيف، فالنص ثابت والعالم متغير. ليس الإنسان من يمتلك النص، بل النص يمتلك الإنسان والعالم معا. وكل موجود في ذاته فذاته له، أما الموجود في آلة فذاته في غيره. ولذلك فإن مشكلاتنا لا تناقش في ذاتها: مشكلتنا الجنسية ليست جنسية بل أخلاقية دينية، كذلك كل شيء حتي الفن.
في هذا الإطار كما يقول أدونيس يمكن أن نعطي اسما آخر للاتباعية وهو 'اللاذاتية'، ذات المسلم موضوع تكوٌنه التعاليم الدينية بمعني أن الخارج الشرعي هو الذي يكون الداخل الذاتية للمسلم..
هكذا لا يكون دوره العقلي الكشف عن حقائق النص/ الوحي أو أن يستقصي العالم إنما يفسر وفقا لمعطيات النص.
هكذا أيضا لا تعرف الاتباعية عذاب الأسئلة، فليس أمامها إلا اليقين، والطمأنينة، النفس لا ترفض ما آمنت به وفق هذا، ثمة نوع من القتل العرفي للنص وصل إلي مرحلة أن يكون جزاء النفس المرتدة.. التقل، من هنا لا نجد في هذه الثقافة مجالا للذاتية الفردية تتحرك فيه، الذاتية تصب في الجماعة الأم، خروجها خروج من الأمة ذاتها، وربما أن اللا تدين نزعة في الإنسان مثلها مثل التدين تبدو كأنها تحارب الطبيعة ذاتها، آلة لطمس الحرية والذاتي.
وقال: الإنسان بحسب التأويل السلفي يولد كأنه نقطة أو كحرف في كتاب هو الأمة، نمط خارجي من الوجود وله عقل يخدم حصرا هذا النمط، يقول الفارابي كل موجود في آلة فذاته لغيره، وكل موجود في ذاته فذاته له، وفي هذا يبدو الدين كما يعلمه الأتباع ليس حقل معرفة، حقل بحث وتعقل واستبصار، وإنما مجرد حقل أوامر ونواه..


مجرد ظاهر


ويري أدونيس أن ثقافتنا تأذت بسبب نبذ عالم الحدوس والشطح ونفي الباطن، فلا حقيقة إلا للظاهر ولا حقيقة إلا في النص وحده، وهذا الطمس للداخل حوٌل النص الي أسطورة بثلاثة معان.
أولا: استحالة نقده كما فعل مفكروا الغرب بالمسيحية.
ثانيا: تكرار النص يوميا كحكاية يحكيها المسلم نفسه أو يتلقاها عن الآخرين وتمجيد الأمية اقتداء بأمية النبي.
ثالثا: الممارسة الدينية في تجليها للآخرين، معظم العبادات ظاهرة وجماعية، أليست هناك تجربة فردية حميمة بين الإنسان وربه؟ أين هي وما يكون معني الإنسان إذا كان مجرد ظاهر؟ ألا يكون الظاهر دليلا علي الشك بوجود الداخل؟ ما معني أن يكون الإنسان مجرد طقس صوتي؟ ألفاظ وحركات؟ ألهذا نلحٌ علي الظاهرة ونرفض الباطن؟
وأضاف: نفي الداخل انعكس علي 'الشعري' فشطر القصيدة إلي شكل ومضمون وبقدر ما يكون المضمون متطابقا مع الظاهر يكون عاليا، وبقدر ما يكون متطابقا مع الداخل معبرا عن تجربة الإنسان الخاصة يكون منحطا وفيه فحولية ورجعية كما يقول النثٌار العرب، أو كما يقول بعض النقاد الذين يخلطون بين الفردية والذاتية، وهكذا كان أفضل الفن ما يقلد الأوائل الكاملين، ولن يكون التقليد الكامل كاملا أبدا..
وقال: الثقافة السائدة امتداد لثقافة الفقه، وسنري هذا منعكسا علي نظريات النهضة، والأيدولوجيات والأحزاب، فهي تسير وراء الاتباعية وتلغي الذاتية، أي انها ترفض الرأي الذاتي وفي ذلك تتساوي أحزاب اليسار واليمين في الوطن العربي، جميعها تلغي ال'هو' في سبيل ال'هم' و'الأنا' في سبيل ال'نحن'، هذا هو تقليد الأوائل، والحال أن تقليد الشعر الكامل لا ينتج بالضرورة شعرا كاملا، الجماعة قد تخطيء كما يخطيء الفرد، والتاريخ الإنساني يشهد علي ذلك، ولا تقاس صحة المعرفة بمقياس عددي، الجماعة ليست عقلا واحدا لكي تصل لحقيقة واحدة والمسلمون أنفسهم وصفوا الجماعة قبل دخولها الإسلام بأنها 'كانت ضالة'!


ميراث الأوامر والنواهي


ويعتقد أدونيس أن الفرد العربي يعيش رهين محبسين: محبس التأويل الوحداني ومحبس التأويل السلفي الذي يؤدي الي محو الذاتية. ومن حاولوا الخروج علي هذا همشوا وسجنوا وقتلوا، والمسألة قائمة حتي اليوم ولن يكون المسلم حرا إلا إذا خرج من المحبسين. وعندما نقول انعدام حرية إنسان يعني انعدام وجوده.
وفصٌل كلامه قائلا: وهما محبسان قديمان تمت محاولات كثيرة لاختراقهما قام بها متصوفة وشعراء، وماذا تم فعله معهم؟ نبذوا، كفٌِروا، قتلوا بتهم الهرطقة والإلحاد والردٌة تبعا للظروف والحال..
وأضاف: ولاتزال الحاجة لاختراقها ملحة، يتعذر أن تنشأ ثقافة عظيمة دون هذا الاختراق، من المستحيل أن يكون المسلم هو اللغة والعقل إلا إذا خرج منهما، وأفصح عن نفسه دون قيد وتحدث في أي موضوع، سماوي أو أرضي، هنا يكون الإنسان موجودا، لا حرية للإنسان تعني ألا وجود له، كل فرد لا يملك لغته الخاصة وطريقته التعبيرية الفريدة لا ذاتية له، فكيف تقدر اللغة اللاشخصية أن تعكس ذاتيته؟
كيف يمكن أن نفهم الجنسي والديني والسياسي بدون لغة ذاتية؟
وقال: لايزال الفرد المسلم العربي في بنيته العميقة كائنا دينيا سلفيا يرث أكثر مما ينتج، يعيش دينه بوصفه أوامر ونواهي، وفي هذا ما قد يفسر انعدام التجارب الإنسانية الكبري في العالم العربي، والتساؤلات الإبداعية الكبري.. هناك مليار و300 مليون نسمة يمثلون 5/1 البشرية ليس فيهم مفكر واحد يقرأ نصه الديني قراءة متفردة، أشعرأنني أنهار فعلا كلما فكرت في هذا، ولكن ربما يفسر ذلك الأمر الأسباب التي تجعل المسلم السلفي ضد، ونقيض،الخيال، كأن علي الفرد أن يعيش كمثل تمثال علي صورة النص، لا يتحرك، لا يتغير حتي يأذن الله، هكذا يبدو كل شيء في عالم يتحرك بدون ذاتية، كل شيءنقض لحضارة البحر المتوسط الذي نشأت فيه الأسئلة الكبري، والفرضيات، والفتوحات، نقض للطبيعة والذكورة والأنوثة واللذة والحياة وللأرض ساحة وبيتا..


خلل في الرؤية



وتابع: وقد شهدنا لحظات أدي التأويل إلي تحويل الوحدانية إلي قوة وهيمنة، ففي زمن الحروب الصليبية نفي الإنسان وتم تحويل الله إلي قائد عسكري. كان خلل في الرؤية الوحدانية للإنسان والعالم، وهو خلل يكمن في الرؤية من داخلها، وليس بفعل عوامل خارجية كما يري بعض المفكرين، وفي محاكم التفتيش أصبح الإنسان الخارج علي النص خارجا علي الوحدانية..
لقد تم إخضاع الفكر أيضا لمعايير الحلال والحرام.. لقد بدأت الوحدانية سلطتها بالبطش، كأنها طاقة منذورة لتعطيل الحياة..
ولقد كان بورخيس يري في اللاهوت نوعا من الأدب العجائبي، ولو جاء اليوم لمرآة عملا غرائبيا، ولكن علي كل حال هناك الأمل، والأمل أساسا في قدرة الإنسان علي طرح الاسئلة ، ومناقشة الداخل لتحرير كرة الإنسان الواقعة بين مطرقة السياسة وسندان اللاهوت..


اسئلة



الدكتور حمدي السكوت بعد انتهاء المحاضرة فتح الباب للأسئلة والمناقشات وطلب أدونيس أن يستمع إلي كل الاسئلة دفعة واحدة قبل أن يبدأ في الإجابة عليها.. أحمد عبدالرحيم 'كلية أصول الدين جامعة الأزهر'قال له اسمح لي ان أقول أنك تعتمد علي مقدمة غير صحيحة وهي أساس كثير من كلامك، لقد قلت أن المفسرين نظروا إلي القرآن باعتبارات الواقع العام وفي سبيل ذلك أبعدوا جانب الخيال والذاتي وهذا غير صحيح لأن الفقهاء والمفسرين لم يغفلوا جانبا واحدا من جوانبه وأشبعوه بحثا ودراسة، في الفقه، اللغة، البلاغة، الإشارات، أما كلامك عما تناوله الفقهاء والأقدمون وهل هو يتناسب أو لا يتناسب مع زماننا فأتفق معك فيه..
الأمر الآخر والكلام لايزال لأحمد عبدالرحيم هل تتفضل بذكر ملامح ماتراه مناسبا لزماننا؟ ثم ألا تعتقد أن قراءة ابن عربي تؤدي بنا للقول إن محاولاته كانت خروجا علي النزعة الوحدانية؟
سؤال آخر من حمد السوري: هل ظهور الطوائف الدينية المختلفة كان محاولة للتفاعل مع مستجدات الزمن رغم أنها غرقت بدورها في الموروث والأطر الحديدية؟
وسأل أحد الحاضرين :هل يمكن أن يتحقق تحرير الإنسان؟
صاحب السؤال أضاف، كل ما حررك قيدك، محاضرتك علي عذريتها ملآنة بالقيود، قيدتنا بطرق ومناهج، لا يمكن أن يتحرر الإنسان، حتي الصوفية كانوا يسعون لتحرير الإنسان ليتحدوا بشيء أعلي..
وسأله سعيد الوكيل: هل ما تتحدث عنه يؤثر علي ثقافة بعينها؟ وكيف مثل عائقا أمام الشعرية العربية؟
وسأله صلاح عبداللطيف: ما المقصود بالوحدانية؟ ومارأيك فيها؟
وقال له عبدالسميع زين الدين: من المدهش أن نسمع صوتك في القاهرة الآن بعد أن حصد الإخوان عشرات الأصوات، ولكن لا جدوي أن نهدم المعبد ونجلس وسط الأنقاض، حتي لو حاولنا أن نبنيه سيكون قبيحا!
وسأله محمود الربيعي: ماذا لو وجد الشاعر نفسه في حالة تصالح حقيقي مع هموم الجماعة؟ أيعبر عما يجري فيكون صادقا أم يبحث عن ذات أخري كما تقول؟
وسأله محمود سعيد: ما المقصود بالتأويل عند أدونيس؟ ألا يعني إعمال العقل؟
وسأله شخص لم يعرف نفسه: أنت تنكر الله.. هل أنت أسير وحدانية الحداثة..
وسأله آخر: هناك مجتمعات غربية تتعايش فيها الأديان ووصلت إلي محصلة الحداثة، وأخري مثل الاتحاد السوفيتي تخلصت من الدين ولم تلحق بركب الحداثة.. هل هناك أسباب واضحة لذلك؟


تأويل الوحدانية



وبدأ أدونيس إجاباته قائلا: قسم من الاسئلة لو أصغي أصحابه إلي ما قلته في البداية ماكانوا سألوه، إنني هنا لا أنظر للنص الديني في ذاته، وإنما في تأويله السائد، لا أناقش الوحدانية كرؤية، إنما أنظر لتأويل الوحدانية وممارستها، أحترم جميع المؤمنين ومن لا أؤمن بإيمانهم، هذه مسألة بحتة ينبغي احترامها وإلا لن نكون أحرارا..
وأضاف: أناقش كيف يحول شخص إيمانه إلي مؤسسة يفرضها علي غيره، وعلي هذا المستوي قلت انني لا أناقش الإسلام وإنما الممارسة الإسلامية عبر التاريخ وحتي اليوم، ليس من حق إنسان أن يرفض دين أي إنسان، فكيف أرفض الإسلام، أنا أرفض التأويل الإسلامي، والمؤسسة الإسلامية، من حقي أن أرفضهما، وأنا أرفضهما..
وقال: هناك في الغرب لاتزال الوحدانية قائمة ومع ذلك نجحوا في إنجازاتهم الحضارية، فما الذي حدث، لقد كانت الكنيسة تسيطر علي المجتمع، ولكن بعد فصلها عن الدولة التي أصبح لها مؤسساتها حدثت النقلة، ونحن نطمح أن نقوم بمثل هذه الثورة فنفصل الدين عن الدولة، نحن لانزال نفكر ونكتب ونجسٌِيس ونتسيس والدين هو كل شيء بالنسبة لنا، في الغرب هناك مؤمنون وغير مؤمنين يتعايشون معا لأنهم منفصلون عن الدولة. وقال موجها كلامه إلي صاحب السؤال، صل معنا لكي نصل بمجتمعنا إلي هذا.. أما الاتحاد السوفيتي فلم يفشل في الحداثة وإنما فشل عسكريا وسياسيا..
وقال، إذا فكرنا بصوت عال سنجد أن التصوف كما يفترض هو أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام، لم يغير بعض الأفكار، وإنما غير محورا أساسيا وهو فكرة الله كمجرد. الإسلام يري الله نقطة مجردة لا علاقة لها بالعالم المادي كما نري ذلك في اليهودية، أما الكنيسة فهودت المسيحية وأسلمتها، دمجتها بالرؤي الوحدانية الأخري، قالت بأن الله يتجسد في الإنسان، وليس الإنسان يموت في سبيل الله، الله يموت في سبيل الإنسان، والمسيح مات كإله لكي يفتدي الإنسان، الإسلام استعار فكرة اليهودية، الله فكرة مجردة عالية في السماء لا علاقة لها بالإنسان، التصوف استعار التجربة المسيحية، الله يتجلي بكل شيء في العالم، ليس مجردا وإنما متجسد، أفهم هكذا كيف ترفض السلفية التصوف، لأنه نقض كامل لفكرة الالوهة.. وتساءل: للأسف أعرف مفكرين عربا لا يجرءون علي قول آرائهم ' لا أريد أن أموت في سبيل فكرة' 'لا أريد موتا مجانيا'، 'الحياة أغلي من الأفكار'.
وقال: إن ابن رشد صاغ التأويل الأوقع حيث قال 'إذا فهمنا الدين فهما صحيحا فإننا سنجد أنه لا يتناقض مع الواقع والحياة'..


تجاوز الخليل بن أحمد



وأشار إلي أن هناك عدة مفاهيم للجماعة في التأويل السلفي، مثل فكرة الجمهور، أنا أهدم هذه الفكرة، ليس هناك جمهور، نحن في هذه القاعة أفراد لكل منا عقله الخاص، وتجربته، كيف أجرد هذه القاعة إلي فكرة واحدة؟ الجمهور فكرة سياسية، أنا لي قراء، وأرفض احتراما للناس أن يكون لي جمهور..
وفيما يخص قضية القدم والحداثة قال: هذه قضية ينبغي أن نتخطاها، لقد تناولناها في مجلة شعر منذ نصف قرن، اللغة العربية أوسع وأغني من أن نحصرها موسيقيا في 16 بحرا، الخليل بن أحمد قام بعمل عبقري ولكن هذا لا يمنع عباقرة آخرين أن يقوموا بجمع بحور أخري، لقد كنا نهدف لإتاحة المجال أمام الشاعر المبدع أن يضيف إلي الكتابة الشعرية المعروفة إضافة أخري، فالإضافة لن تضر العربية إذا لم تخدمها، ستكون عامل إغناء ولو في حدود التجربة البحتة..
وأضاف، المجتمع العربي عرف الحداثة قبل مثيله الغربي، وهناك في العربية كتب عن القدم والحداثة، وقد قلت كثيرا إن مشكلة الحداثة عربية في الأساس..
وختم كلامه بقنبلة: ليس هناك شاعر أكثر حداثة من أبي نواس والنفري، أو أبي العلاء المعري، الأخير علي الأقل زلزل في شعره الأسس الفكرية التي يقوم عليها مجتمعه، أي شاعر حديث يزلزل مجتمعه اليوم؟!
نقلا عن اخبار الادب المصرية العدد647 4ديسمبر2005

وعلى سودانيز اونلاين

https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1133776075
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

قال الشاعر:

قف تأمل .. مغرب العمر وإخفاق الشعاع

وأبك جبار الليالي هدّه طول الصراع

وآ ضياع الحزن بالدمع على العمر المضاع

وهتاف القلب بالشكوى على غير انتفاع

ما يهم الناس من نجم على وشك الزماع

غاب من بعد طلوع وخبا بعد التماعى

طال بي سهدي واعيائي وقد حان اضجاعي

وإذا الراحة حانت بعد لأي ونزاع

فصدور الغيد سيان .. وأنياب السباع

ونقول:
أرحموا عزيز قوم ذل


وليد يوسف
السايقه واصله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أشغال العمالقة 2

مشاركة بواسطة حسن موسى »

أشغال العمالقة 2





شغل المجنون:

" أنا شاعر و الشعراء قليل في نظري، كثير في عرفهم.
أنا صادق فيما أدّعي و هم غير كاذبين،
أنا شاعر أطير بأجنحتي الأثيرية في الفضاء
محلقا في سماء الحرية مترنما بأناشيد الوقت،
منصرفة أذني عن أغنية الماضي و عن ألحان المستقبل،
فأنا شاعر الساعة
أنا شاعر بلا قيد و شرط ،
لا أعرف الوزن و لا أجيد القافية
و لا أستطيع أن أحرق عواطفي بخورا أمام عظمة الأمراء،
و أبهة الأغنياء و تيه الوجهاء.
أنا شاعر مجنون:
الشعر مظهر من مظاهر النفس، و أنا مجنون
فشعري جبّار مع الليل،
ثائر مع العواصف الهوجاء،
ظالم مع البحار،
قاس مع الموت.
أنا الشاعر المجنون
و هم العقلاء
لأني أطير بأجنحة غير أجنحتهم.
و أحلّق في فضاء غير فضائهم.
أنا أبتسم و هم يبكون، و أبكي حيث هم يرقصون و يعزفون...
هم الشعراء حقا،
يشعرون على مبدأ " أعذب الشعر أكذبه".
هم الشعراء الذين يعطرون تلك الأندية و المجتمعات بعطر عواطفهم المستعارة..
و أنا شاعر مجنون
أسكب ذوب شعوري أمام ابتسامة الزهور و نضارة الورد
و أدين بأنهم شعراء ينظمون الشعر المقيّد بالوزن و القافية،
هم الشعراء المقيدون
و أنا الشاعر الحر
و الشاعر المجنون"
الأمين علي مدني كرّم الله وجهه



شغل أبو البنات:
في الحوار الذي أجراه صلاح عثمان شعيب مع شاعر " البحر القديم" مصطفى سند لـ " ظلال" (1997) قرأنا عجبا:
"..
~ و لكن خصومك القدامى قالوا أنك سرت مع التيار، و أقصد تيار الإنقاذ؟
~ ياخي دعنا نتحدث بالصدق و بالصراحة أيضا..أين كنا نحن قبل الإنقاذ مباشرة؟".." كل المبدعين كانوا " مع " أو" ضد" إلا أنا و نفر قليل من الأصدقاء، كنا في حالة عدم استقرار ، نعاني من كل شيء.. من الكذب السياسي و من النفاق السياسي و من الضياع السياسي و من الفوضى و الهيصة السياسية و الوطن كان مضاعا و ممزقا و التمرد يدق أبواب الخرطوم. لم أكن ملتزما لأحد، لا فكريا و لا عقائديا و لا إجتماعيا.أرعى فقط أحزاني الخاصة و أنفثها شعرا.. و أنفر بشدة.. و أضيق بشدة أكثر أن أعمل مرؤوسا لأحد مهما كان هذا الأحد.
و عندما جاءت الإنقاذ فعلت معنا ما كنا ننتظر بالضبط، دعتنا لنشارك فيها بحرية مطلقة..قد تكون هذه الدعوة منها سياسة مرحلية، و قد نكون مرحليين لكننا ارتبطنا معها بشيئين: الدفاع عن وحدة و كرامة و قداسة تراب الوطن..إعلاء قيمة الفداء و الجهاد و تقديم الروح رخيصة في سبيل ذلك.".." و أنا الآن أساهم في العمل التشريعي و الرقابي راضيا مقتنعا، و يوم أحس بأنني فقدت هذا الرضا سأنسحب."
".."
~ لأول مرة ـ فيما أظن ـ تدخل المعترك السياسي، و نلحظ ذلك عبر عضويتك ، و آخرين من أهل الإبداع،في المجلس الوطني الإنتقالي السابق و الحالي.كمثقف كيف ولجت إلى هذا الباب السياسي.. و ماذا عن دورك في المجلس السابق و المجلس الحالي؟
~ تم تعييني عضوا بالمجلس الوطني الإنتقالي " بعد مشاورتي" في عام 1991.و ظللت أتمتع بتلك العضوية لمدة أربعة أعوام ".."و قد عملت في لجنتي التربية و التعليم ثم الثقافة و الإعلام. و أحسب أننا أنجزنا بعض الأشياء الرائعة.. كان آخرها هو إصدار تشريع ضخم باعفاء مدخلات الطباعة من الرسوم و الضرائب و كذلك الكتب و المجلات و الصحف و أدوات النشر الأخرى.
و بعد إنتهاء المجلس الإنتقالي تم تصعيدي لأمانة القطاع الثقافي و الإجتماعي لـ " المؤتمر الوطني". حيث رشّحت لخوض انتخابات المجلس الوطني ضمن قوائم الكلية القومية، القطاع الثقافي و الإجتماعي، و قد أسعدني أن أجد مؤازرة من إخوتي أهل الإبداع فتم فوزي و إنتخابي عضوا بالمجلس الوطني.. و أنا الآن عضو بلجنة الثقافة و الإعلام أعمل مع نخبة ممتازة من أهل الفكر و العلم و الثقافة و نحاول وضع قانون جديد للصحافة بعد أن وضح أن القانون السائد الآن لا يجد الرضا و القبول من الكثيرين الذين يعملون في هده المهنة، و التي تسعد بقدر ما تشقي.
و أعتقد أنني أؤدي واجبي ـ كعضو في المجلس الوطني الآن ـ بكثير من الشفافية و الإصرار على الإنتصار للعمل الإبداعي و الثقافي في كل مناحيه و أبعاده".

"~ لماذا تنكرت لتجربتك في الشعر الغنائي مع الفنانين: صلاح مصطفى الذي غنى لك أجمل الأغاني التي منها" أكتب لي يا غالي الحروف"، و محمد ميرغني الذي غنى من كلماتك" عشان خاطرنا"؟
~ لقد كانت تجربة محدودة جدا.. و لم يثمر عنها الكثير.. و قد خشيت على نفسي ،كشاعر فصيح، أن أنسب إلى شعر الغناء فقط ـ و ذلك كاد أن يحدث ـو أنا أحب شعري العربي الفصيح و أجتهد كثيرا أن أقدم عبره إضافات للقصيدة العربية الجديدة.. و هو شعر ظهر في الدواوين العديدة التي أصدرتها، و ما كان ذلك ليحدث لو أنه كان باللغة العامية رغم حيويتها و خطورتها في الإنتشار و التأثير المباشر الحاد.
ثم أنني لا أرفض إطلاقا أن يغني من يريد أيا من شعري الفصيح .. و مجموعاتي الشعرية مليئة بقصائد العاطفة.. و بالغنائيات و الوطنيات.و لكنها مكتوبة بالفصحى عبر تناول فني معين.
و بعد ..أنا رجل أبو بنات أيضا.. و أستحي كثيرا أن يشار إلى أغنياتي المكتوبة للغناء بمستوى مباشر و خاص و ببعض العبارات العاطفية الشبابية"

شغل" الكبار".

الأخ محمد سيدأحمد
تسألني لماذا سكت قلمي عن مؤاخذة عبد الله علي ابراهيم على ما اعتبرته في مقام التواطوء السياسي مع نظام الإنقاذ و على هجومه على قرنق و على محمود محمد طه بينما أنا آخذ على محمد المكي ابراهيم إنكاره لشعر شبابه؟
قبل مباشرة الإجابة تلزمنا وقفة عند الإضمار الماثل في ثنايا العبارة: " مواقف كبارنا".فضمير الجماعة يغطي مجمل أعلام حركة الحداثة في السودان بدون فرز.أعني بدون فرز بين المبدعين( في حزب الفن) و الناشطين السياسيين ـ ولا يغيب على فطنتك أن حكاية " حزب الفن " دي دايرة ليها جكـّة براها فاصبر علي ـ.
أقول : أن عبارتك " كبارنا" تبيّت إضمارا لا يفرز بين كبار مبدعينا و كبار ساستنا.و ربما أمكن تفسير غياب الفرز بتداخل الحدود بين الممارسة الإبداعية و الممارسة السياسية عند عدد من مبدعينا الذين يتعاطون السياسة و عدد من سياسيينا الذين عرّجوا على أرض الإبداع في لحظة من لحظات مسارهم السياسي ، ناهيك عن ميل المؤسسة السياسية الطبيعي للإنتفاع بالثقل الإعلامي للمبدعين حين تتبدّى فرص تكريسهم ـ بشكل أو بآخر ـ كأيقونات سياسية في مقام" شاعر الشعب" أو " فنان الأمة " أو " صوت الجماهير" إلخ.
و اللبس بين" حزب الفن" و حزب السياسة باب كبير في كتاب التاريخ السياسي الحديث ، ربما لأن هذا التاريخ الذي تأسس ضمن ملابسات النضال ضد المستعمر، إنما انكتب في السودان بأقلام أشخاص كانوا يمارسون السياسة كنوع أدبي( رومانتيكي) مثلما كانوا يمارسون الخلق الأدبي كنوع سياسي ( طوباوي )فقبل" القيود" التي " اشتعلت جدلة عرس في الأيادي " كتب إدريس جمّاع في ديوان " لحظات باقية" عن طغيان الحاكم العام البريطاني الذي مسخ البلاد سجنا كبيرا للوطنيين:
"
طغى فأعدّ للأحرار سجنا و صيّر أرضنا سجنا مشاعا
هما سجنان يتفقان معنى و يختلفان ضيقا و اتـّساعا ".

إلى آخر كلام الشعراء لو كان لكلامات الشعراء آخر.
ولو جاز لي القول بأن حركة العمل العام السياسي قد استفادت كثيرا من طاقة المبدعين الأدباء و حماسهم الوطني ، فمن الصعب الإقرار بالعكس.
بل أن عادات الخلق الأدبي المنخرط طوعا في ضرورات العمل العام السياسي قد ساهمت ـ بطريقة أو بأخرى ـ في إفقار الممارسة الأدبية و حجبها عن التوغل في دروب المغامرة الوجودية للكاتب كذات ناطقة عن فرادة النفس المبدعة.
ترى هل يصلح هذا الكلام كتفسير لكون أدباء السودان ظلوا ـ لأجيال ـ يحتفون بصيغة الـ " نحن" و يتجاهلون صيغة الـ " أنا" ؟
هل يصلح هذا كتفسير لكون كتاب السودان ظلوا ـ لأجيال ـ ينطقون عن جسد الـ " أمة " الخيالي أدبا يحجب جسد " الزول" الفرد و يغمطه و يزدري به، بل و ينفيه من ملكوت الواقع الحي الحيوان؟
و هل يمكن القول بأن كل هذا الإحتفاء المفرط بصورة الـ " نحن" المجيدة ما هو إلا مكيدة بائسة من طرف أولاد المسلمين للهرب من مواجهة شقاء صورة الـ "أنا" المقهور المسحوق المدمّم؟
و هل يمكن تفسير حظوة كاتب كالطيب صالح بدون التأنـّي عند حساسيته الأدبية عند تقاطع نص الجسد و جسد النص؟ و بدون الإشاره إلى خروجه من مقام جسد نص الجماعة،الذي هو مقام نص جسد الجماعة الحضرية العربسلامية المتصلب المعسّم الذي" لا تملك الخمر لبه و لا يثقب سمعيه اليراع المثقّب"؟(البارودي)
مندري؟
لكن لو عدنا للتعارض بين حزب الفن و حزب السياسة ضمن المشهد السوداني للمسنا بسهولة أن أهل السياسة إنما يلجأون لأرض الفن حين تضيق بهم أرض السياسة أو حين تنبهم أمامهم دروبها. و الأمثلة كثيرة. فأكثرنا لم ينس لحظات القهر البوليسي الحالكة بين 1972و 1973 التي كابدها الديموقراطيون المتعاطفون مع الشيوعيين السودانيين.في تلك اللحظات انكمش كل حضور الأدب السياسي الواسع للحزب الشيوعي السوداني المستشري في المشهد العام منذ " ثورة اكتوبر 64، انكمش لبضعة وريقات تحوي كلمات محجوب شريف،كلمات شاعرات وقفن سدّا باسلا ضد طوفان البروباغاندا الإنتقامية التي غمرت الإعلام الرسمي و طالت بعض أعلام الأدب و الفن الغنائي و المشهدي و محقت كرامتهم و سحقتها سحقا في بعض الحالات. كان الناس يتناسخون كلمات محجوب شريف العنيدة تلك بحدب و يمرّرونها خلسة، من يد ليد، كمثل شمعة ممنوعة بأسها الرمزي مجدول من بساطة شكلها الشعري و من هشاشة وسيطها المادي، مرة منسوخة بالكربون و مرات منسوخة، بتضامن أكثر من يد، على ورق الدفاتر المدرسية الرخيص. و في منتصف السبعينات تبنّى الحزب الشيوعي استراتيجية إستغلال أشكال العمل العام المشروع لتنظيم المقاومة السياسية ضد نظام النميري. في ذلك الزمان لعب المبدعون الديموقراطيون المتحركون في مجالات الفن الغنائي و الفن التشكيلي و الأدب و المسرح دورا كبيرا في صيانة " جبهة" الإبداع بعيدا عن متناول أجهزة البروباغاندا المايوية.و قد جاءت وثيقة الحزب " نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع و المبدعين"، و التي صاغها قلم عبد الله علي ابراهيم( قومسير الحزب السياسي المتفرغ لـ " جبهة الأبداع")، جاءت تحمل تعريف الحزب الشيوعي للعلاقة مع المبدعين و لدور "جبهة الإبداع" ضمن مشهد العمل العام السياسي الذي يهيمن عليه
" كساد الردّة".و قد توصّلت ورقة " نحو حساسية.." (في أبريل 1976)،و
" بإطمئنان"، إلى الإقرار بأن " جبهة الأدب و الفن إجمالا ، تتخطى حاليا الإنعكاس الخصوصي للردة وسطها. فهي تبطل سياسيا مشروع الردة الديماغوغي الذي افترض، و ما يزال ،تطور هذه الجبهة في غير شروط الحرية..".و في الوثيقة توجيه للشيوعيين بمظاءرة المبدعين و دعمهم في وجه السلطة السياسية، بناءا على قولة ماركس: " الشعراء بحاجة إلى فيض إعزاز". و قد قرأت للصديق الفنان صلاح حسن عبد الله في موقع " سودان أرتيستس غاليري" أن الحزب الشيوعي أصدر جزءا ثانيا من و ثيقة " نحو حساسية" و أن الصديق الفنان أحمد البشير الماحي ساهم في إعداد جزء ثالث من نفس الوثيقة في الفترة التي غادر فيها عبد الله الحزب الشيوعي في نهاية السبعينات.

و" إعزاز" المبدعين في منظور الحزب الشيوعي إنما ينبني ـ من جهة أولى (جهة لينينية) ـ على مبدأ العناية بـهذه الـ " جبهة" ذات المردود السياسي النوعي الثمين في بلد كالسودان، قدرة مبدعيه على بناء علاقة ثقة مع الناس تفوق بمراحل قدرة سياسييه. و من الجهة الثانية، فعناية الشيوعيين بالمبدعين و إعزازهم إنما تقوم على بداهة القربى العضوية لقوم تمخض عنهم رحم واحد هو رحم حركة اليسار في السودان.ذلك ان معظم الكتاب و الفنانين في حركة الثقافة الحديثة إنما شبّوا (و شابوا) في ظل الخطاب الطوباوي اليساري الذي استنبته الشيوعيون السودانيون و صانوا لبُعده المحلي جسورا و أنفاقا متنوعة مع حركات التحرر العالمية ،و هو حال تشهد عنه "حفريات" الذاكرة الديموقراطية في تجربة الشعب الذي ما زال يطرب لـ " تحية آسيا و أفريقيا"( و إن تملص عنها شاعرها و مغنيها كما روى الفاضل الهاشمي).
إعزاز المبدعين ما هو إلا واحد من دروس العمل السياسي الحديث التي بذلها الشيوعيون السودانيون لحلفائهم، مثلما بذلوها لخصومهم، في المؤسسات السياسية السودانية.ورغم أن نظام النميري كان هو أول من ثبّت " إعزاز" المبدعين في أداء مؤسسات الدولة إلا أن نظام النميري لم ير في إعزاز الدولة للمبدعين أكثر من بُعد المكيدة السياسية ذات العائد السياسي السريع ، كون الدولة البوليسية تنتفع بالتكريم الدوري للمبدعين ، من جهة أولى، في ترميم التردّي اللاحق بصورتها كدولة ديكتاتورية عسكرية دموية، مثلما تنتفع بع، من جهة ثانية، في رشوة رموز الحركة الإبداعية بالأوسمة و الأنواط و العطايا و المناصب التي يجود بها رئيس الدولة بشكل دوري.ولم يغب على المبدعين السودانيين في عهد النميري أن النظام الذي كان يوسّمهم بأوسمته المدمّمة إنما يفعل ذلك لإختلاس شيئ من رصيد الإعزاز العفوي الطبيعي الذي يتمتعون به وسط السودانيين، مثلما لا يغيب علي المبدعين الذين تداهنهم مؤسسات نظام الإنقاذ الراهنة في هذه الأيام غاية الإستخدام الأداتي لرصيد شعبيتهم بين الجماهير.
و سلطات نظام الإنقاذ ـ في نهاية تحليل ماـ لم تفعل أكثر من مواصلة تقليد مداهنة المبدعين الذي استنته سلطات نظام النميري.
لكن " إعزاز " المبدعين لم يعد شأنا يخص المتربعين على سدة السلطة وحدهم، فالمعارضون في ساحة السياسة السودانية انتبهوا لضرورة مقاربة المبدعين و مخاطبتهم في الشأن الأبداعي كشأن إجتماعي ذي عواقب سياسية.و ليس من مثال أنصع من مثال الصادق المهدي الذي تجشم مشقة إجتراح " مشروع قومي للفن التشكيلي" في المنتدى الذي نظمته مؤسسة أروقة للثقافة و الفنون بالتعاون مع الإتحاد العام للتشكيليين السودانيين و جمعية التشكيليين السودانيين و المجلس القومي للثقافة و الفنون في 5 مارس عام 2003.و أنتباه مؤسسة سياسية تقليدية كحزب الأمة لحضور المبدعين في نسيج العمل العام السياسي يعبر عن نقلة نوعية جبارة في أسلوب عمل هذا الحزب الذي قيل أنه أشاح بوجهه متوجسا من طلب العضوية الذي قدمه محمد عبد الحي.تلك الواقعة ـ لو صحّت ـ فهي بلا شك حسرة مؤلمة لمحمد عبد الحي (افتحوا حراس سنار أبواب المدينة)، لكنها في منظور حزب الأمة
" طبزة" سياسية كبرى.
و في الورقة التي قدمها، يخاطب الصادق المهدي التشكيليين السودانيين" في موضوع مشروع قومي للفن التشكيلي في ظل مشروع ثقافي قومي للسودان" و يقول:
"منذ حين تعاظم في ذهني ان نجاة السودان من التردّي رهينة بمولد ثان مبرّأ من عيوب المولد الأول. و في كتابي ".."[ الصادق المهدي، السودان و حقوق الإنسان، دار الأمين ـ القاهرة 99ـ ـ ترجمة عبد الرحمن الغالي"] تناولت شروط المولد الثاني في كافة المجالات.ههنا سوف أتناول الجانب الثقافي عموما و أركز على الفني منه.خطابي هذا المساء يقع في ثلاثة أقسام:
القسم الأول : متعلق بمشروع قومي ثقافي.
القسم الثاني:يتناول الشبهات حول الدين و الفن.
القسم الثالث: يرسم الطريق نحو مشروع قومي للفن التشكيلي في ظل المشروع القومي الثقافي"( أنظر"جهنم" رقم 23 ـ أبريل 2004).
و تفاكير الصادق المهدي تملك ان تتجاوز منطقة إعلان النوايا الطيبة و شبهة مداهنة المبدعين المهتمين بالتشكيل لو استطاع حزب الأمة ان يوفر لها الكوادر المبدعة التي تتولى تجذيرها في تربة الحوار الفكري الدائر بين السودانيين حول دور الإبداع في دفع أسئلة الديموقراطية و التنمية الإجتماعية في السودان.السؤال الذي لا يملك أحد الإجابة عليه حاليا،ـ و هو سؤال يتجاوز أهل حزب الأمة ليشمل كل القائمين على المنظمات السياسية السودانية ،هو: ما مصلحة السياسي الحالي في صيانة محل حقيقي للمبدع داخل الآلة السياسية السودانية ؟و لو شئت قل: ما مصلحة المبدع السوداني في مرافقة السياسي الذي لا يوليه اعتبارا إلا حين تستفحل الأزمة و تنبهم دروب السياسة فيصير في مكان حرج من الوزّة و يتوكّل و " يفتح خشم البقرة".أي و لله "خشم البقرة" فتحه نفر من أعلام السياسة السودانية و وجدوا فيه أبيات محمد عبدالحي الشهيرة في هويولوجيا التمازج و استغنوا بها عن قراءة بقية أثر الشاعر و تناسوا ان عبد الحي شاعر(" و الشعراء قليل") خارج حدود الفضاء السياسي لـ :" العودة إلى سنار"


و قد جرّتني ملابسات المناقشة التي ثارت حول دعوة نظام الإنقاذ لعدد من أعلام الإبداع السوداني لفعاليات " الخرطوم عاصمة الثقافة العربية"، إلى الخوض في موضوع الفرق بين المبدع و السياسي ضمن مشهد العمل العام الذي يجمعهما.فقد أثارت تلبية الطيب صالح وابراهيم الصلحي ( و آخرين) لدعوة " هؤلاء الناس" حفائظ نفر واسع من مثقفي السودان المعارضين لنظام الإنقاذ، فاستهجنوا و استعاذوا و فيهم من عيّر الطيب صالح بالخيانة عديل. و في هذا السياق كتب عادل عبد العاطي، الناشط الشيوعي السابق ،متخذا هيئة من يدافع عن الطيب صالح ، بينما هو يصفي حساباته القديمة مع رفاق الأمس،كتب بأن الطيب صالح ليس وحده يحمل عار التواطوء مع " هؤلاء الناس"، لأن شخصية قيادية يسارية في وزن سكرتير الحزب الشيوعي قد انخرطت في زفة " الخرطوم عاصمة الثقافة العربية".و قد جاء عنوان بوست عبد العاطي في منابر الأسافير الآتي:
:" ما رأي من جرّموا الطيب صالح؟ نُقُد في فعاليات عاصمة الثقافة".
و قد علقت حينها على اللبس الماثل في عنوان عبد العاطي الذي يضع المبدع و السياسي في سلة واحدة.
"و قد أدهشني وضع عادل عبد العاطي لكل من الطيب صالح و نقد في موضع المقارنة.و ذلك رغم أن عادل بخبرته السياسية و الادبية يعرف الفرق الكبير بين طبيعتي دوريهما.فالطيب صالح مبدع ينطق عن فرادة نفسه و أصالتها الوجودية، بينما نقد كادر سياسي ينطق عن ارادة المنظمة السياسية التي فوّضته. و لو مات نقد غدا فان منظمته السياسية ستفوض غيره ليواصل الحديث باسمها،اما لو مات الطيب صالح غدا فلن يكون هناك في الوجود من يمكن أن يواصل الحديث باسمه.و فرادة الطيب صالح حظوة ما بعدها حظوة كونها تخلّقت على قاعدة المصداقية الابداعية المجانية التي لا تأبه بالكسب المادي الشخصي (و التي لا يأبه بها أهل السياسة). و هذه الصفة تكسب سلوك المبدع ثقلا خاصا يميزه عن السياسيين من كل المشارب. و في هذا المنظور تتأسّس شرعية المبدعين كـ" أقلية ساحقة" في مواجهة السلطات السياسية و غير السياسية. وفي تحليل نهائي ما، يبدو لي أن الفرق بين الطيب صالح و نقد لا يغيب على فطنة عادل عبد العاطي ، و أغلب الظن أن الاخ عادل عبد العاطي قد سعى لاستخدام الطيب صالح لنيل بعض الكسب السياسي بالطعن في المصداقية الاخلاقية و السياسية لخصومه السياسيين في أرض اليسار السوداني الذي يمثله نقد. و الطيب صالح في هذا المشهد ليس سوى" شاشة" يسقط عليها خصوم السياسة السودانية حزازاتهم و تظلّماتهم أمام الجمهور الحاضر في الصالة بذريعة الطيب صالح.أو قل أن الطيب صالح يصبح رهينة يتخاطفها الخصوم السياسيون و يبتزّون باسمها عواطف الجمهور الاعزل من النقد ، كونهم استشعروا أن الجمهور قمين باتباع المدافعين عن رموزه الابداعية العزيزة كلما شعر بأن هناك خطرا يتهددهم .."(أنظر " دليل الفالح في استخدامات الطيب صالح"، سودانفورأول دوت أورغ).


شغل الــمُـصانـِِع:
محمد سيدأحمد،
لنقفل، مؤقتا، قوس الأستطرادات في عواقب ضمير الجماعة الماثل في عبارتك " كبارنا"، و لنرجع لبقية الكلام في الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و محمد المكي ابراهيم.
لو رغبت في إجابة بسيطة لقلت لك أن الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و محمد المكي ابراهيم هو أن عبد الله لم يكتب " امتي"(وقد"لا ينبغي له").و هذه ـ في نظري الضعيف ـ إشادة عالية بقدر" شاعرنا"ـ و لو شئت قل هي :" فيض إعزاز" عديل ـ و ذلك دون ان تكون إقلالا من شأن عبدالله السياسي.
ذلك أن الشاعر ساحر يخلّق المعاني تخليقا من فرادة روحه و من قلقها الوجودي قبل أن يجود بها ـ و" الجود قطعا في الجلود" ـ للفقراء والغاوين و أبناء السبيل، أبناء الشعب، فتسكّن الأفئدة الملتاعة و أيهان.
ذلك أن الشاعرـ " ذلك المحسن حيّاه الغمام" ـ يبرّنا بحياته حين يفتح صدره ليطعمنا من لحمه ويسقينا من دمه حتى تكون لنا( و لهُ) " حياة أبدية".
ذلك أن الشاعر خارج معارض لكل الأنظمة السياسية و غير السياسية مثلما هو أيضا صنايعي مخترع خامته لغة موجودة بين اللغة المتاحة وتلك الكامنة في رحم المجهول ، لغة يعرف كيف يَئـِر لنارها في لحم الخاطر حتى يكون الدفء في القلوب اليتيمة فنحيا و نهزم الفقر بأي وسيلة و.. أيهات.
محمد سيد أحمد،
لو قبلت إجابة بسيطة فقل أن محمد المكي ابراهيم ( بتاع "أمتي") شاعر ـ " و الشعراء قليل" في نظر مولانا الأمين علي مدني ـ بينما عبد الله علي ابراهيم سياسي يتمتع بـ "حساسية شيوعية " تجاه الممارسة الشعرية. عبد الله ناشط سياسي "مساوم" و" مُصانِع"( و لو شئت ضف " مشاكس") من طينة الرجال البراغماتيين كبابكر بدري أو الشيخ أبوالقاسم أحمد هاشم أو " فيدل كاسترو" بينما محمد المكي ابراهيم شاعر من نسل الأمين علي مدني و" أرتور رامبو" و " شي غيفارا" و غيرهم من المجانين الذين لا يخافون الله و لا خليفة المهدي زاتو.و الشاعر بعشوم " مابوالف كان صغير ربّوه" كما تعبّر حكمة الأهالي.فماذا يا ترى أصاب "شاعرنا" شاعر" أمتي"(أمتنا؟) حتى استكان و نام هذه النومة الطويلة في دهاليز الشعر الدبلوماسي قبل أن يوقظه مرض بولا ،العملاق السوداني، و يذكّره بقيمة شعر " أمتي"؟..( أنا جاييك يا شقليني لحكاية الشعر الدبلوماسي بتاع ناس أدونيس و وزير الداخلية "الشيراكي" دومينيك دوفيلبان )
المهم يازول
محمد المكي ابراهيم (بتاع "أمتي" و أشياءا شيقة أخرى) شاعر " بلا قيد و لا شرط".و الشاعر " بلا قيد( و بلا أجندة خارج اجندة الكتابة الإبداعية) رجل مشاتر و " مجنون" ( جن الأمين علي مدني )، وشتارته غير مأمونة العواقب كونه ينساق وراء اللعب بالكلمات و لا يبالي بما قد يصيب أهل التشاشات في سوق النزاع السياسي.طبعا المشكلة مع الشاعر المجنون هي أنه لا يجد من يصدقه لو عن له أن يترك جنونه و يتلبس لبوس الرصانة. و الرصانة في الشاعر أشنع من السرج على الكلب.و يبدو ان جنون الشاعر هداه ـ في لحظة جذب ـ إلى الخوض في ماء الرصانة الذي يحيط بـ : "الفكر السوداني" فأوقعه ذلك في شر أعماله. بينما عبد الله علي ابراهيم، الذي أنفق عقدا من عمره" تحت الأرض"، متفرغا للعمل العام داخل المؤسسة الحزبية اللينينية، رجل سياسي لا يعرف اللعب إلى قلبه سبيلا. عبد الله سياسي يتوسل للعمل العام بوسيلة الباحث الأكاديمي و بحساسية الناشط اللينيني الذي يعجم أدواتهو يعرّف اولوياته و ينبري لا يلوي على غيرها.و عبدالله يقيم بيننا ضمن قلة من السياسيين السودانيين المتمكنين من وسيلة اللغة و العارفين بفنون القول .و هو لا يني ينقـّب ويقلّب صفحات المتاع الشعري صفحة صفحة و يفاوض الكلم كلمة كلمة بسبيل الوقوع على:
"إفتح يا سمسم"...
تلك الكلمة السحرية التي تسحر الجمهور و تفتح مغاليق الواقع السوداني.
و في مساره الطويل خبر الرجل أكثر من كلمة سحرية ابتداءا من " يا عمال العالم و شعوبه المضطهدة اتحدوا" لـ " الصراع (الطبقي) بين المهدي و العلماء" ،مرورا بصيانة الهويولوجيا العربسلاميةفي مواجهة (أو في مقارنة مع) الهويولوجيا الأفريقانية، لغاية رد الإعتبار للميراث الحقوقي للقضاء الشرعي.و من الضروري التنويه إلى أن مسار عبد الله ـ و تقافزه ـ بين كلماته السحريات ارتهن دوما بالسعي الجاد لفهم و تحليل ملابسات الواقع السياسي السوداني من موقع المراقب و الباحث الميداني.و هذه ميزة لا تتوفر في الكثيرين من أهل الأدب السياسي في السودان.و لا عجب فعبد الله يرتاد أرض العمل العام السياسي دون أن ينسى أدوات الباحث الميداني مثلما هو يركّب نصوصه السياسية دون ان يهمل هم التعبير الأدبي "والتعبير نصف التجارة"كما جاء في الأثر .


محمد سيدأحمد،
لو قبلت بتعريفي لعبد الله كسياسي فذلك يجعلنا نحاكمه محاكمة السياسيين.
و في هذا الأفق فـ " هجوم " عبد الله على قرنق أو على محمود محمد طه إنما ينطرح كحديث سياسي يخاطب خصومه السياسيين.و في هذا المشهد
" السياسي" فأنت مطالب بتفصيل قولك لأبعد من مجرد تلك العبارة العجولة التي أطلقتها في حق عبد الله لمجرد أنه حضر مؤتمر الإنقاذ الأول أو كتب يدافع عن هوية العربسلاميين أو أيّد عمر البشير أو هاجم جون قرنق.و لعبد الله ـ و لغيره ـ الحق في تناول قولك بالنقد أو بالتأييد و كل حشاش يملا شبكتو.و في نهاية تحليلي أشك في أن عبدالله يحتاج لدفاع أو لتبرير يمكن أن يصدر من جهة غيره. فالرجل موجود في ساحة المناقشة السياسية كل يوم و هو يدافع عن اطروحاته بكفاءة يحسد عليها.و أنا شخصيا اتفق مع عبد الله في بعض تفاكيره و أختلف معه في بعضها الآخر. لكن شرح خلافي مع تفاكير عبدالله ـ السياسية (و الجمالية)، ومع تفاكير آخرين غيره، ليس في قائمة أولوياتي الراهنة.و لو كنت أنت يا صديقي مستعجلا على تصفية حساب عبدالله علي ابراهيم فدونك الرجل و نصوصه مبذولة لكل من يرغب في التصدي لها. و سننتفع جميعنا بكل نقد " بنـّام "(و هو النقد البنـّاء الهدّام) يطال تفاكير عبدالله المركبة، سيّما و أننا نقرا كل يوم في كلامات الحانقين على عبدالله من مختلف المشارب (و المآكل) نصوصا لا علاقة لها بالنقد ،ناهيك عن نصوص " أولاد العرب" الخارم بارم التي لا علاقة لها بـ"كلام العرب" و لا "كلام الطير" و لا حتى بأي كلام.


قلت ان عبد الله سياسي، وبحكمة السياسي الواعي بقدر نفسه و العارف بسعة ماعونه توصّل لموقف المصانع المساوم كخيار سياسي، و هو موقف غير مريح فداحته ووعورته تملك أن تثني أشجع أبطال المسرح السياسي السوداني، إلا أن عبد الله الذي لا ينشد الراحة زاهد في منصب "أشجع أبطال المسرح السياسي"، و لو شئت الدقة لقلت بانه الأشجع بين ذلك النفر الذي يعرّف في التقليد المسرحيي بعبارة "ضد البطل"( "آنتي هيرو")
Anti hero

على صورة الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم، مؤسس معهد أمدرمان العلمي، الذي وقع عبد الله في سحر شخصيته الوطنية المغايرة و انتفع به ، كـ " ضد البطل" ، في التأسيس لمفهوم " نقد الذهن المعارض" ضد الصورة الأيقونية البسيطة للبطل الوطني التي لا تستغني عن صورة " الخائن الوطني".و إختصار التاريخ لمجرد " إذاعة ذكر الأبطال و تحقير الخونة" هو ، عند عبدالله زوغان عن " الشوف الشامل" في الظاهرة التاريخية.و " ادراك " الشوف الشامل"( و الحقوق محفوظة للشاعرة عائشة بت الملازمي) لا يكون بغير " ذكرى المصانعين" من نوع" ضد البطل" " ممن لن تكتمل معرفتنا بالأبطال بغيرهم، فضلا عن عدم جواز التاريخ ـ كعلم ـ إلا بهم" ( جريدة الصحافة 5 ـ 4 ـ 1980 أنظر " عبير الأمكنة " دار النسق 1988)


.و أظن ان جذور موقف المصانعة عند عبد الله تعود لسنوات ما بعد أحداث يوليو الدامية التي تكشف للرجل فيها أن الحزب القوي المتجذر في تربة المجتمع السوداني، الحزب الذي صنع " ثورة أكتوبر" والذي كان الإعلام الغربي و العربي يوصّفه بصفة " أقوى حزب شيوعي في المنطقة" قد انمسخ بين يوم و ليلة دامية لحفنة من الناشطين المعزولين المطاردين المضطرين للحياة تحت الأرض.
و لوكان لعبد الله أن يبقى في حصن المؤسسة الحزبية لبقي آمنا و لما كلفه ذلك جهدا.فهو كان يحتل منها موقع حظوة كمشرف على جبهة الثقافة في الزمن العصيب. و أغلب الظن انه كان سينمسخ إلى نوع من أيقونة لينينية للبطولة أو نوع من شيخ ثوري حكيم يحفظ تجارب الحزب و يوزّع النصائح للشباب الناهض مقابل آيات التبجيل و الرضاء العام و هو مرتاح في صدفة المؤسسة الحزبية.فالحزب درع عالي الكفاءة يحمي أهله كما الحصن الحصين.لكن عبد الله فضّل المخاطرة و المشاجرة مع خلق الله في العراء.و مرق للتلاف يناكف خصومه و يثير حفائظهم بأدواته النقدية الفتاكة و لا يوفـّر حتى حلفاء الآيديولوجيا و المتعاطفين معه من تقدميي الطبقة الوسطى " الهاربين " في الغابة من عسف الصحراء، فيتحرّش بهم،و يهجوهم هجاء غرائب الإبل و يزعزع طمأنينة الأعيان و الوجهاء بين عشائر التقدم، فكأنه يبذل الجهد الجهيد ليبقى مخلصا لموقف " شِقِتـّت" الشقي الذي " كان يمسح رجله بالزيت و يعرض للناس في "درب الترك" فإذا اتسخت بالغبار جعل ليلهم أظلم من سجم الدواك".(من "الإهداء" الذي صدّر به عبدالله كتابه الأول" الصراع بين المهدي و العلماء")


اختار عبد الله " الشقي"، " حنك البليد البوم"، المخاطرة و المشاجرة في منطقة" المصانعة"و "المساومة" الحرجة و ظهره مكشوف للمؤججين من هواة الضربات السهلة بين رفاق الأمس الذين صاروا يصمونه بوصمة الخيانة و الإرتزاق و يكفنون في ثوبه "ميته" معارضتهم الطقوسية و هم في مأمن داخل حصن الرضاء الغوغائي العام.لكن "الفولة ابتمّلي و الفلاتة بجوا"،و ترجمتها في لغة " أولاد أمدرمان": الحساب ولد.
أقول أن انخراط عبد الله في خيار المصانعة و المساومة قديم و سابق بسنين لمساومته و مصانعته مع نظام الإنقاذ.. فالمصانعة في الأصل موقف دفاعي.بل هي ـ في تجربة الحزب الشيوعي السوداني مكيدة استراتيجية أصيلة ، بدونها ما كان لهذا لحزب " الطليعي"(إقرأ : الصفوي) الصغير عدديا أن يبقى و يقيم على كل هذا البأس الرمزي الذي يتمتع به، " حدّادي مدّادي"، وسط قطاعات واسعة من السودانيين المتعاطفين مع أطروحاته دون ان يجرهم التعاطف للإنخراط في الحزب كعضوية منظمة. و ضمن استراتيجية الدفاع تمكن الشيوعيون السودانيون في أكثر من مناسبة ،من استثمار قوة خصومهم المهاجمين و تحريف إتجاهها و تملكها كوسيلة في رد الأذى السياسي عن جسم الحزب المعنوي و المادي.
و في هذا يحفل ادب الحزب بلقيّات مقدّرات مثل رد فعل الشيوعيين السودانيين على الهجمة المركّبة التي كابدها الحزب، من داخله و من خارجه في نفس الوقت ، في منتصف الستينات، و القوم مازالوا سادرين في إجترار مجد الحزب بعد ثورة أكتوبر 1964.فقد فوجئ الشيوعيون السودانيون بحل الحزب الشيوعي المصري عام 1965 تحت تأثير الصعود الثوري للناصرية ضمن ملابسات الحرب الباردة.و قد ارتفعت أصوات تقدمية تتساءل عن ضرورة حزب طليعي ماركسي لينيني في مجتمع كمجتمع السودان.و برزت في تلك الظروف " الدعوة الى تكوين حزب اشتراكي و حل الحزب الشيوعي و دمجه في ذلك الحزب الذي ما زال في طور التكوين، و إنشاء تنظيم في داخله يسمى " القلب الثوري"(أنظر محمد سعيد القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار الفارابي 1999، ص 173)و في نفس الوقت تم استهداف وجود الحزب من خارجه فيما عرف ب" حديث الإفك في معهد المعلمين" ، حين وقف طالب، أعلن انه ماركسي ، في ندوة نظمتها جبهة الميثاق الإسلامي حول موضوع البغاء،" و قال إن الزنا كان يمارس في بيت الرسول".."و فجر الحديث مشاعر غاضبة وسط جمهور الطلبة " .." كما اصدرت رابطة الطلبة الشيوعيين بيانا وضحت فيه ان الطالب ليس عضوا في الحزب الشيوعي".."و يبدو أن الأحزاب السياسية قررت استغلال الحادثة لتصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي" (القدال، 153)
و قد تميز رد فعل الشيوعيين على حادثة طالب معهد المعلمين(نوفمبر 1965) الذي استغلته الأحزاب اليمينية لحل الحزب و منع نشاطه و للتخلص من نواب الحزب في البرلمان.تميز بذكاء سياسي كبير،فقد قام الشيوعيون بتنظيم دفاعهم على محورين ، محور قانوني و محور سياسي. فعلى المستوى القانوني " رفع الحزب الشيوعي ثلاث قضايا دستورية، الأولى ضد تعديل الدستور ،و الثانية ضد قرار الحل، و الثالثة ضد طرد النواب. و أدى رفع القضايا الدستورية إلى نقل الأزمة من إطار التهريج باسم الدين و وضعها في حجمها السياسي" (القدال 159). و على المستوى السياسي تمكن الشيوعيون من أستنفار شبكة واسعة من الشخصيات و المنظمات و الهيئات الحزبية و النقابية، ليس للدفاع عن الحزب الشيوعي، و إنما للدفاع عن الديموقراطية.فانتشرت مسيرات الإحتجاج في مدن الأقاليم " و بلغت المسيرة في العاصمة 60 ألفا"( القدال 159).و قد استفاد الماركسيون المتمسكون بمفهوم الحزب اللينيني الطليعي من زخم التضامن الشعبي حول الحزب للتخلص من دعاوى خصومهم الذين كانوا ينادون بحل الحزب و دمجه في الحزب الإشتراكي الجديد.
محمد سيدأحمد
كما ترى فشجون الحديث عن دروس الحكمة الدفاعية للشيوعيين السودانيين طويلة، لكني لست بصدد بحث تراث " غريزة البقاء" في مشهد حزب الشيوعيين السودانيين، و إنما جرني لهذا الإستطراد إهتمامي بتقصي أصل مسلك المصانعة و المساومة عند قيادي شيوعي من عيار عبد الله علي ابراهيم.و أظن ان المصانعة عند عبدالله هي المرحلة الأولى من المساومة، فالمصانع شخص محاصر و ظهره للحائط و أولويته كسب الوقت الضروري لطرح مادة المساومة، و المساومة عملية تعليمية غايتها تفهيم الخصم القوي بمصلحته في الإبقاء على الخصم الأضعف.و على أثر المساومة تتم المفاوضة و هكذا.
و قد استرعى انتباهنا فترة الصمت الطويل نسبيا الذي التزم به عبد الله أثر خروجه من الحزب الشيوعي في نهاية السبعينات .أذكر انني عند وصولي لفرنسا بعدها بحوالي عام سألني بولا: " و عبد الله عامل كيف؟" في معنى: عبد الله رأيه شنو؟ فقلت له شيئا مثل: عبد الله عامل ميّت..أعني ميتا كما الثعلب الذي يتظاهر بالموت حين يحس بالحصار يضيق عليه في مسد ضيق.و أظنها فترة تشاغل عبد الله فيها بشاغل البحث الأكاديمي و تراجع السياسي ليفسح المجال للباحث في الثقافة الشعبية و وقائع الشأن الثقافي العام.و أظن أن عبد الله قد بدأ ينظّر لمفهوم المعارض المساوم مع مطلع الثمانينات حيث أتاحت له الملابسات مسافة حرية مريحةفي التفكير و في التعبير باستقلال عن رفاق المؤسسة الحزبية التي هجرها و مسافة عمل عام مواتية بالنسبة لأجهزة النظام السياسي المايوي التي لم ينخرط فيها.كانت تلك أيام الثعلب المتظاهر بالموت و و العدو من ورائه و العدو أمامه.و لا أعرف بعد إن كان عبد الله قد ساوم ثمن مسافة الحرية التي حصل عليها من رفاق الأمس و كم دفع مقابل النجاة من طوائل " معارضة التأجيج و الفضح السياسي" ، فعبد الله لا يسهب في الحديث عن ملابسات خروجه من الحزب.لكنه بالمقابل لا يتردد في شرح و تبرير موقف المعارض المساوم الذي داوم عليه في ثمانينات عهد النميري و واصله في تسعينات عهد الإنقاذ.و هو شرح و تبرير موضوعه " نقد الذهن المعارض" كما جاء في عنوان مقدمته لـ " عبير الأمكنة".( الصادر عن دار النسق، 1988)
كتب عبد الله عن مساهمته بالكتابة في صحف نظام النميري في 1980 ، و هي النصوص التي جمعها في كتابه " عبير الأمكنة"،
"كتبت هذه الكلمات مساوما.
كتبتها في صحيفة هي لسان حال الحزب الفردي الحاكم.. الإتحاد الإشتراكي سيء السمعة. و كانت المعارضة الرسمية لنميري لا ترى بشكل عام صواب الكتابة في مثل هذه الصحيفة لإلتزامها الحرفي بسياسة النظام " رضينا أم أبينا". و في هذا الموقف صواب كثير و خطل كثير أيضا. فالتزام الصحيفة بسياسة النظام و حجرها على كل نقد له مما لا يحتاج إلى بيان.غير أن هناك مساحة للحركة ما تزال و لا ينبغي ان تلغى جزافا. و لنتذكر ان الحركة الثقافية، الرازحة مثل غيرها تحت ترسانة القوانين المعادية للحريات ـ واصلت في الصحف المؤممة تطوير أفضل تقاليدها و هو الصفحات و الملاحق الثقافية و الأدبية".."و بهذا فقد كتبت هذه الكلمات في الحيز الذي سمح به النظام. بالأحرى كتبت هذه الكلمات في الحيز الذي يفرضه، بإطلاق، صدور صحيفة ما حتى على نظام موسوس مثل نظام نميري.
و كتبت هذه الكلمات معارضا في المعاني التي ذكرتها آنفا. و هي معارضة قد استهون خبرها المعارضون المعتمدون لنظام نميري. و خطرها عندي أخطر لأن ثمارها عي الثمار المؤكدة التي نحملها معنا كتقليد فكري بعد زوال الطغيان لنستعين به في إعادة بناء الوطن في مثل الذي نحاول الآن.و هو تقليد يقوم على تنمية الحس بالملاحظة ، و النفاذ إلى الدقائق بالكشف المحيط للظاهرة للوقوف على نطاح الجدل فيها. و هذا التقليد شرط أول في معرفتنا بقسمات الوطن و اعلان باكر محبتنا له. و من شأن هذا الأداء الفكري أن ينزل بمعارضتنا من خفوق الشعار إلى رؤوس التفاصيل الشائكة الملهمة، و أن ينقلها من التباكي إلى الفعل. و سيغيرنا ذلك تغييرا كبيرا حين يحررنا من قلة الحيلة المستعان عليها بشراسة التعبير إلى التعبير المزلزل، المغير فالمنجز. و حينها تكون الكتابة شفاء في الوطن لا تشفيا منه".


و لو تفحّصنا مصانعة عبد الله فهي محيرة حين ننظر إليها من مشهد المصانع الكلاسيكي الذي يلجأ للمصانعة كمكيدة تيسر " الفايدة" و الكسب الشخصي السريع.فهي مصانعة بلا فائدة ، مصانعة " حاصل فارغ". ذلك ان عبد الله الذي يعتبره بعض خصومه من " عملاء" نظام الإنقاذ لم يقبض ثمنا يليق بـ " عميل" من عياره الثقيل النادر.فهو لم يتول أي من تلك المناصب، ذات الفائدة، التي يتقاتل من أجلها بعض التقدميين السابقين ( ناس خالد المبارك و الشوش و منو و منو) ممن انبطحوا تماما أمام نظام الإنقاذ.و حتى طلبه بتصديق لاصدار صحيفة لم ينجح في الحصول عليه من سلطات نظام الإنقاذ. فما معنى هذه المصانعة التي لا تعود على صاحبها بأي منفعة مادية؟
و لو تفحّصنا مساومة عبد الله فهي ليست مساومة الناطق الرسمي باسم مؤسسة جمعية حزبية أو عرقية أو دينية، إنها مساومة فرد ناطق بالأصالة عن ذاته ، لا بغرض الحصول على منافع فردية و إنما للحصول على شروط افضل لممارسة تكاليف العمل العام.و هذا الواقع يمسخ عبد الله لمقام ذلك الرجل الواحد الشجاع الذي يصنع أغلبية("إيميرسون" كان ما نخاف الكضب).و عبد الله بيننا رجل أغلبية،أو هو على اسوأ الفروض: " أقلية ساحقة".
لكن صبر عبد الله الطويل على شبهات المصانعة و على وحشة المساومة ، ضمن مشهد السياسة الدامي، يحيرني و لا أجد له تفسيرا مقنعا.لماذا يعرض عبد الله نفسه لمكاره موقف " ضد البطل" و البيزنيس البطولي السهل في متناول يده في أي لحظة شاء؟
هل يمكن تلخيص أمر عبدالله بأن المسألة برمتها ليست سوى تعبير ملتو عن مكابدات شاعر " مجنون" مُحبَط ضل طريقه إلى أرض السياسة ؟و هل انمسخ شاغل الشعر عند عبدالله، الشاعر السرّي ، إلى نوع من إنشغال سياسي عصابي يصعّد الممارسة السياسية لمقام الهاجس الشعري؟ مندري؟، لكن فضاء العمل العام السياسي كان سيفقد الكثير لو كان عبد الله قد استغنى بصناعة الشعر عن صناعة السياسة. و" رزق المساكين عند (الشعراء)المجانين" كما تعبّر حكمة شعبية من تحريفي.

شغلنا كلنا

الفاضل الهاشمي
يا أخانا الذي في بلاد " الكُنود"
سلام جاك
كما ترى فأمر من سمّاهم محمد سيد أحمد " كبارنا"(محمد المكي ابراهيم و عبدالله علي ابراهيم و آخرين) يبقى أمرا بالغ التركيب.و أنا أكتب هذا الكلام ضمن ملابسات غير مواتية تماما.و لابد لنا من عودة لإضاءة ما غمض.و في الإنتظار أرجو أن لا يصرفني حديث "كبارنا" عن" أنصاف
" الشاعر".
و ما يهمني من " شغل الشاعر" هو المنفعة التي تبقى منه حتى بعد أن يتنصل عنه أهله.
ترى ماذا يتبقى لنا من شعر " أمتي" بعد أن تنصّل منه محمد المكي ابراهيم؟
وماذا يتبقى لنا من نشيد " تحية آسيا و أفريقيا " بعد أن تضامن على انكاره تاج السر الحسن و عبد الكريم الكابلي؟
و ما ذا نصنع بأقوال الآبنوس و الهبباي و صلاح أحمد ابراهيم أهلكته التخمة على مائدة " سمو أمير البلاد المفدّى"؟
و ما ذا يتبقى من " البحر القديم" و مصطفى ،" أبو البنات"، قد سند أهل الإنقاذ بعزّه الرمزي الكبير فسندوه بعطايا المزين التافهة و الأجر على الله؟
ماذا يتبقى من هؤلاء و أولئك؟
و
ماذا يتبقى من حديثنا هذا؟
سأعود لكل هذا وصبرك عليّ.

محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

الاخ حسن موسى
كلماتنا العجولة جابت ليها كتابة طويلة عريضة فيها مجال رحب للحوار والاختلاف والشوف

تستحق مرافعتك الرد المتهل

فى عجالة ايضا

تقول عن تصفية حسابات مع عبد الله
يازول انا بقول كلامى بكل حرية وما محتاج لتحريش زول ضد عبد الله (والمحرش ما بيكاتكل)

فى المفاصلة بين النحن والانا

اقول ليك انا موقفى من عبدالله حقى براى ولا بيهمنى راى الحزب شنو عشان تقول كلام عن الضربات الساهلة

تقول فى مكان ما لمجرد انو حضر مؤتمرات الانقاذ لا ياخوى ما دى بس
الاخطر منها انت قلتو براك (مرورا بصيانة الهويولوجيا العربسلامية فى مواجهة الهويولوجيا الافريقانية)
هو موقف متكامل بيبدا بحضور مؤتمرات الانقاذ وبيصل حتى ميس ما اسميته الهويولوجيا العربسلامية

معاك يا حسن فى انو عبد الله ما محتاج لدفاع وهو متوهط فى الساحة وسالى قلمو
لكن مرافعتك ما بطالة البحر مابابا الزيادة
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

الاخ حسن موسى سلام
ونبدا معاك الكلام
تصف كلمة كبارنا بان ضمير الجماعة يغطى مجمل اعلام الحداثة فى السودان دون فرز للسياسى والمثقف
وانا قلت كبارنا محمد المكى وصلاح بالاسم وديل شعراء وادباء يعنى فى فرز واضح

عن موقف الحزب فى فترة بعد يوليو واشعار محجوب شريف والاستعانة بالادباء والفنانيين دا كان المتاح وبالاضافة ليهو برضو الحزب نشط وسط الحركة الطلابية وفى الاندية الرياضية وفى الجمعيات التعاونية وفى اى هامش حرية لكن اصلو دا ماكان فيهو مصانعة او مساومة


اما عن موقف د عبد الله على ابراهيم كمصانع ومساوم انا افهم المصانعة و المساومة تكون من طرف تجاه طرف اخر بينهما اختلاف وخصومة وخشية ولكن د عبد الله الان يدافع عن نظام الانقاذ ومش فى قضايا سياسية بس بل فى قضايا فكرية كبرى فى موضوع الهوية والنظرة لقوى الهامش وقوى السودان الجديد تانى يساوم ويصانع فى شنو

تقول د عبد الله على ابراهيم من بين قلة من السياسين السودانيين التمكنيين من وسيلة اللغة والعارفين بفنون القول
يا اخ الترابى فصيح لامن يناغم الطير وكمان يجيد الانجليزية والفرنسية عمل بيها شنو
ما مهم اللغة السنينة زى ما بيقولو المهم اللغة دى بتحمل ياتو افكار وبتقدم ياتو رؤية للعالم

تقول ايضا ان موقف د عبد الله على ابراهيم المصانع بدا منذ يوليو حين انمسخ الحزب لحفنة من الناشطين المطاردين
اها الحفنة ديل صمدوا وناضلوا وبنوا الحزب من تانى
واصلو لو ساعة الحارة الناس تلوذ بالمصانعة والمساومة ماكان فضل نضال ولا كانت الرجال قدمت اعناقا للمشانق

تقول د عبد الله على ابراهيم اختار المخاطرة والمشاترة فى منطقة المصانعة والمساومة
والله عشان زول يجمع المخاطرة والمشاترة فى منطقة المصانعة والمساومة
الا يكون حاوى
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

العزيز حسن موسي

لدي بعض التحفظات حول المفاهيم او الوجهه التي سعيت من من خلالها الي الفرز والفصل التام اذا كان فهمي صحيحاً بين الفنان " المبدع " و "السياسي " وذلك من خلال النموذجين المعروضين هنا عبر شخصية الفنان التي يمثلها هنا الشاعر ( محمد المكي أبراهيم) وشخصية السياسي التي يمثلها المفكر السياسي ( عبد الله علي أبراهيم ). واري في هذا الفرز والفصل بعض التعسف. لماذا ؟
حيث أننا إِن وضعنا في الأعتبار أن الفنان هو " ذات فرد " مطلقة تعبر عن وضعها الوجودي دوماً و من غير انقطاع علي نحو كامل بغرض تحقيق الأتحاد مع العالم مِنْ خلال النشاط الأبداعي أن كان ذلك علي سبيل المثال لدي الفنان التشكيلي او الشاعر او الموسيقي او في أي نوع من الأعمال او الأشغال الأبداعية الأخري التي يتحد فيها المبدع المنتج مع مادته والتي سوف تكون هي أيضاً في نفس الوقت عالمه الخارجي الذي يتطابق معه تطابقاً مثالياً بحيث يصيران شيئاً واحداً. فأننا سرعان ما نعود ونكتشف أن هذا الأتحاد ينطبق فقط علي العمل او المنجز الأبداعي المحدد علي سبيل المثال ديوان (أمتي ) للشاعر (محمد المكي أبراهيم) او لوحة(Great American Nude ) او (عارية فرانسوا بوشيه ) المعاد تشكيلها من قبل الفنان ( حسن موسي ) علي هيئة بن لآدن او ربما لحن (عصافير الخريف ) للفنان المغني محمد وردي او ...... أو ..... أو...... بمعني آخر أن حالة الأتحاد الذاتي هذه لا تمثل ديمومه مطلقة في الزمان بل هي لحظه او لحظات تطول او تقصر بحسب قياسات وعلاقات الزمان غير التقليدي يستطيع فيها المبدع الخلاق من الوصول وفق ظروف خاصة جداً وبالغة التعقيد وصعبة الأدراك والأمساك الوصول الي حالة من " النشوة " تمكنه الخروج من دائرة عزلته المفروضه من قبل العالم الخارجي او الوسط الأجتماعي الخارجي " النحن " ليصير عندها هو ذاته " الأنا " ولكن سوف يتم كل ذلك علي نحو مؤقت أشبه ما يكون بالرعشه الجنسية عند بلوغ ذروة الشبع في اشكال الأتحاد النوعي او حتي المثلي ما مهم. ثم يعود بعدها " شخصاً " وفق التعريف الأجتماعي بمؤسساته ونظمه المختلفة ومن ضمن هذه المؤسسات نجد المؤسسة السياسية بحضورها الثقيل.والتي تضعها أنت هنا علي طرف النقيض للمؤسسة الفنية ( حزب الفن ) التي تفترضها أنت والتي سوف يتوجب عليها تاسيس نفسها من ذوات مبدعه تسعي للأتحاد مع العالم الخارجي من خلال عملية التنظيم البيروقراطي التي لا مفر منها يعني ( حزب الفن ) برضو في النهاية حيبقي مؤسسة سوف تسعي الي استغلال ذوات اعضائها؟.
المهم من ناحية ثانية، محاولة وضع المؤسسة السياسية وممثيلها في أطار السعي الي استغلال الذوات المبدعه ووضعهم ضمن برامجها الثقافيه الدعائيه بما يخدم مصالحها واهدافها وغاياتها هكذا دون أجراء عملية "فرز للكيمان" أجد فيه بعض من التشدد والمبالغة.حيث يجب أن لا ننسي أن الفنان بذاتيته وفردانيته هو في حوجه أيضاً للمؤسسة السياسيه او غيرها من المؤسسات الأجتماعية الأخري. خاصة في المجتمعات التي ما زالت في اطار التشكل والتكوين ومازالت تنشد الأستقرار مثل مجتمعات ما يسمي بدول العالم الثالث وقد تكون هذه الحوجه أيضاً مبنية علي نحو براغماتي أنتفاعي بغرض الوصول الي حالة " ألأنتشاء " الخلاق والحجه في ذلك هي أن المؤسسة السياسية هي ليست شئ واحد منسجم بل علي العكس من ذلك هي الأطار الذي يدير الأختلاف والتباين لذلك قد نجد مؤسسة سياسية تشجع الفعل الأبداعي وأخري لا وبالتاكيد سيسعي المبدع الي اختيار تلك التي تحقق له اشكال اتحاده الذاتي لتصبح المنفعه مشتركة ويا بخت من نفع وأستنفع وبذلك يصير الفنان المبدع ذات نفسه سياسياً ممارساً ولا ينفي هذا ذاته كفنان.
وهنالك بعض الأنشطه الأبداعية التي لا يتم فيها الأتحاد مع الذات الأ من خلال وجود أجتماعي حاضر مثل فن "الغناء والموسيقي" اذا تناولنا ظاهرة "الطرب" مثالاً. ففي كثير من الأحيان اذا لم نقل جلها يصعد الموسيقي أن كان عازفاً او مغنياً الي خشبة المسرح وهو لا يعرف أن كان سوف يصيب حالة " نشوة الطرب " والحضور الغنائي او لا يصيبها ،لكن بعد تشجيع الجمهور او الحضور وتوفير أجواء النشوة يتمكن عندها الفنان من الوصول الي تلك الغاية الزلقه ويستطيع الأتحاد مع ذاته من خلال المؤازرة الأجتماعيه من الوسط الخارجي الذي يمثله الجمهور او الحضور.
ما اريد قوله عموماً أن في هذه الوجهه تصوير "للذات المبدعه" علي اساس افلاطوني رومانسي بعض الشئ مقابل مكر وخبث المؤسسه السياسية التي تسعي الي تحويل الفنانين الي "مغفلين نافعين" ومن ناحية التعامل مع السياسي وتصويره وكأنه مصاب بمرض مستعصي لا يمكن الشفاء منه هو المكر والمساومه والنفعيه والغاء الجوانب الأنسانية فيه.لذا وجب التركيز علي الذوات المبدعه وعلاجها ولو بي آخر المداواة الكي ؟.ويترك السياسي في حال سبيل مساواماته ومقايضاته ؟

ثمة سؤال آخر :
كيف سيكون رد الفعل لو أفترضنا أن الذي قام بكتابة هذه الكلمة عن (عبد الله بولا) هو (عبد الله علي أبراهيم ) ؟

سأسعي الي توسيع وجهة نظري او تحفظاتي هذه علي نحو أكثر لاحقاً نسبة لضيق الوقت وعدم التركيز مع (داليا) البت الزغيرة.

وليد يوسف
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

يا حسن سلام،
هذا ما كتبه عبدالله ع إبراهيم عن حادثة دبدوب المعلمة الإنجليزية:

https://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=8&id=351
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

Salam ya Mustafa

There is nothing in that link, just the title.!!
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

أحمد المرضي

سلامات

نفس الشي حصل معاي لأنو البراوزر بتاعي فيارفوكس ولما غيرتو للإكسبلورار ظهر المقال كلو.
تحياتي
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

عزيزي أحمد المرضي ،
هذا هو المقال كما ورد في الرابط أعلاه:

حادثة المعلمة الإنجليزية السيدة جيليان قيبون بمدرسة اليونتي محزنة بلحيل. فمن جهة لم ير فيها خصوم النظام غير الهوس الديني. وهذه عادتهم في المعارضة بما اتفق دون النفاذ إلى الدلالات الاجتماعية والرمزية التي انطوت عليها دراما أو تراجيديا المعلمة. وسنضرب صفحاً عن هؤلاء المعارضين الذين أفسد نظام الإنقاذ بصيرة التحليل فيهم . ولذا طال فينا واستطال.
ولكن أقض خاطري أكثر أولئك الذين عبأوا جمهرة من المسلمين للتظاهر ضد إساءة مزعومة لأفضل البشر. وقلت في نفسي أليس فيهم رشيد كالرباطابي الماكر. قيل إن أحدهم طرق باب الرباطابي ففتح له. وقال له الطارق إنه من مداح الرسول. فقال الرباطابي: --وما وجه النقص في الرسول الذي تريد أن تكمله بمديحك.-- لو كانت غيرتنا للرسول عن معرفة لما استحق أمر هذه المدرسة ولا السابقات الأخطر منها (كرتون الدنمارك وخطبة البابا) هذا الانفعال والتجييش دفاعاً عن من خلقه القرآن. أدبه الكتاب فأحسن تأديبه في تمييز الخبيث من الطيب وفي فرز ما ينفع الناس عن الزبد الجفاء وفي الإعراض عن اللغو وقوله سلاماً متى خاطبه الجاهلون. لو كنا على أسوة حبيب الله لصبرنا على الدعوة واحتمال الأذى وجهل الجاهلين. فقد قضى النبي (14) عاماً منذ صدع بالرسالة يزينها للناس بالحكمة والموعظة الحسنة ويتقبل أذى الملأ المكي وغير الملأ بصدر لم يضق: لأنه لن يترك الحق لو وضعوا الشمس على يمينه والقمر على يساره. ولمّا أذن الله له بالحرب دون دعوته لم يستغرقه ذلك سوى (6) سنوات ودخل المدينة الباغية: مكة.
لو كانت غيرتنا للنبي حقاً لعرفت الرحمة سبيلها إلى حكمنا في القضية المعروضة وغير القضية المعروضة. فقد وردت --الرحمة-- ومشتقاتها في الترجمة الإنجليزية لألفاظ القرآن (307) مرة ولم يرد --الغضب-- ومشتقاته سوى (66) مرة. وحتى لو أساء المسيء النصراني للرسول عمداً لصح، لو كان فينا الرشيد أو الرباطابي، ان نذكره أن نبيه المسيح مذكور عندنا في القرآن (90) مرة وإن أمه مريم مذكورة (34) مرة بينما لم يرد اسم --محمد-- سوى (4) مرات.
الرسول إنسان عين الكمال. ولا يزعم له النقص إلا مفتئت جاهل. ولا يغير عليه بالتظاهر ساعة بعد ساعة إلا المؤمن الضعيف. لقد سبقت مظاهرة الأسبوع الماضي مظاهرات زعمت الذود عن الرسول فأفسدت ما بين المؤمنين والوطن. ثم ندم مثيروها عليها. فقد زار الدكتور حسن الترابي دار الحزب الشيوعي بنمرة اتنين قبل أيام وهو الذي حل هذا الحزب في 1965 متذرعاً بنبأ صفيق بحق بيت النبي وصفه الحزب الشيوعي في بيان له في تلك الأيام بأنه من فاسق. وقد اعترف صاحب النبأ أخيراً على جريدة الصحافة بأنه قصد الدس للحزب وأنه قرير العين بما فعل لا يطرف له ضمير. وتعرض الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه إلى عذابات معلومة لعقائدهم التي عدها الجيل الإسلامي الباكر طاعنة في الرسول. وسمعت منذ أيام الأستاذ علي عثمان محمد طه يغترف من قول الأستاذ محمود عبارته عن عظمة شعب السودان الذي يتقافز القادة الأقزام أمام مسيرته. من قش لكم الدرب؟ مرحباً بكما سمحين إذا دعوتم وسمحين إذا اختلفتم وسمحين إذا رجعتم عن الخطأ. ونأمل أن تكون خبرتكما في متناول الجيل الحدث من المسلمين يشبون بها عن طوق الغيرة على حبيب الله بالأقدام، لا العقل.
لم انشغل بمسألة المدرسة بمثل انشغالي بإزاحتها الستار في لمحة خاطفة عن حياة مترفي المدينة رأينا بها، في قول أحمد يوسف نجم، --أن الحياة عندنا ليست كذلك--. فقد رأينا --جحر الضب-- عياناً بياناً في ثنايا الحادث وهو الجحر الذي حذرنا منه الرسول بقوله إننا سنبلغ من السخط طوراً نتبع به آثار الكفار فلو دخلوا جحر ضب انحشرنا من بعدهم. فبالله عليك أى أجحار الضب بدعة أكثر من اللعبة موضوع الخصومة المسماة التيدي بير. ولم أكن اعرف أنه استوطن في بيوت الأغنياء منا حتى أطلقوا عليه --دبدوب--. وآحلاتو يا ناس الله.
فالتيدي بير (دب تيدي) هي لعبة أمريكية المنشأ. وتيدي صاحبها هو الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت ( 1901-1909) غاوي الصيد. وكان زار السودان عام 1910 في رحلة لذلك الغرض. ومن أطرف ما قرأت عنه منذ سنوات كتاباً يحلل شخصيته ويرى فيها التجسيد الأمثل لـ --الذكر-- الأمريكي الخشن الشجيع. وأصل حكاية الدب الدبدوبي أن روزفلت كان في رحلة صيد في 1902 فسأله صحبه أن يطلق الرصاص على دب خائر القوى لطول ما ضيقت كلاب الصيد عليه فأنهكته. فأمتنع روزفلت لأن ذلك ليس من خلق الصيد الحميد. وسجلت له هذه المأثرة رسمة كاريكتيرية بصحيفة ما. فالتقط تاجر بنيويورك، هو موريس متشم، رأس الخيط وصنع دباً محشواً سماه --دب تيدي-- وأغتنى الرجل لجنى الجنى وإلى يومنا هذا. وأصبح الدب في التقليد التربوي والعائلي الغربي مثل --لي قطة صغيرة-- يلعب به الأطفال ويلاعبونه فينام في الليل معهم ويلعب في أصابعهم. وأصبح مادة طيعة في كسب إنتباه الأطفال وترويضهم على المعرفة. وهذا هو التقليد التربوي الذي استلهمته المدرسة قيبون حين أرسلت لأسر تلاميذها خطاباً برفقة التيدي بير الملعون تخطرهم بأنه سيقيم أسبوعاً مع كل أسرة (قالت يقضي نهاية الأسبوع) ورشحت للأسرة أن تأخذه معها أين ذهبت. في رحلة في حفلة أو لما تشتروا آيسكريم من عفراء. يكون معاكم. وخذوا له الصور مع الأسرة والطفل الذي سيكتب مذكراته عن أيام للتيدي بير في رحاب أسرته.
نعم التعليم. ولا أدرى كم يدفع الآباء الصفوة لمثل هذا التعليم بعد أن خربوا التعليم الوطني الذي تخرجوا من مدارجه تخريباً لم تأت ساعة الحساب عليه بعد. ولا حاجة للقول إن تلاميذ هذه المدرسة يعيشون في بحبوحة من التعليم وغير التعليم. فالمدرسة قيبون هي واحدة من (27) معلماً إنجليزياً بمدرسة على رأس إدارتها كاهن هو حزقيال:
ما بخش مدرسة المبشر وما بهاب الموت المكشر
عندي معهد وطني العزيز
يا مترفي السودان ومترفاته إذا بليتم بجحر ضب فاستتروا. وأحرصوا أن لا يرشح من فيض إمتيازكم هذا خبر يستفز المسلمين الفقراء استفزازاً لا يقوون على الرد عليه بغير التظاهر على ما في ذلك من قلة الحيلة والغضبة التي تستحيل رماداً معجلاً. ثم يعودون إلى بيوت الطين والمدارس الوهمية (على غرار أفران مايو الوهمية) وبنات اللعاب. الكلاكلة قال، دبدوب قال.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي الحسن ود آمنة بت حاج احمد، الشهير بحسن موسى،
والمتداخلين والمتداخلات (والترتيب الجندري ب"الكترة"، مو ب"الكترابة" ولو إن الكترابة حصلت بي غادي في سودانيز اون لاين).

أكتب هذه المداخلة في تمام الساعة الواحدة وأربع دقائق، ولذا فهي مجرد مدخل.
ولعلكم/كن لا حظتم/تن أنني قد تغيبت طويلاً عن المشاركة في هذا البوست مع إنني طرف أساسي في موضوعه، أو بالأحرى عنصرٌ أساسي من العناصر المكونة له والدافعة لكتابته. وسبب التأخير الجوهري هو، في تقديري، ثقل موضوع البوست نفسه وتعقيد القضايا ومواقف الأشخاص موضوع النقد والمناقشة فيه، فضلاً عن طول النصوص (نصوص حسن بالذات)، التي تتطلب قراءتها بصورةٍ مركزة جهداً جسدياً وذهنياً كبيرين لا أملك لهما حالياً الـتأهيل الكامل. وقد قرأتُها مرتين حتى الآن. وهي تحتاج مني إلى قراءةٍ ثالثة ورابعة. ومع ذلك فسأحاول غداً الأحد دخول الحوار. الذي أخالف فيه حسن من بعض الوجوه والتفاصيل الجوهرية أحياناً، وأوافقه فيه في مسائل وقضايا جوهرية أخرى. وأوافق وأخالف فيه بعض، أو جملة، المتداخلين والمتداخلات بصورٍ مشابه. فإلى حين ذاك.


مع عامر مودتي للجميع


بــــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الأحد ديسمبر 16, 2007 1:56 am، تم التعديل 4 مرات في المجمل.
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

[font=Century Gothic]...

حادثة المعلمة الإنجليزية السيدة جيليان قيبون بمدرسة اليونتي محزنة بلحيل. فمن جهة لم ير فيها خصوم النظام غير الهوس الديني. وهذه عادتهم في المعارضة بما اتفق دون النفاذ إلى الدلالات الاجتماعية والرمزية التي انطوت عليها دراما أو تراجيديا المعلمة. وسنضرب صفحاً عن هؤلاء المعارضين الذين أفسد نظام الإنقاذ بصيرة التحليل فيهم . ولذا طال فينا واستطال
.


تبدو ملاحظة عبدالله هذه – من مقاله أعلاه – وكأنها تهتدي بـ "حكمة الأحمق" الذي إن أُشار له الناس الى القمر نظر الى اليد لا الى القمر ، وهي الحكمة التي (أشار؟) اليها مرةً حسن موسى مستحسناً ومؤازراً؛ وأنا أتفق مع الإثنين بأنَّ أمر الأيادي المشيرة لهو أشدَّ هولاً وريبة من أمر المشار اليه في العادة، بل وأنكأ. ولذا وجب علينا بالتأكيد أن ننظر دائماً الى هذه الأحداث وما نقرأه عنها بعينٍ حمقاءَ صاحية ومستريبة.

لكن كلام
ع.ع. ابراهيم نفسه لم يخلو من "الإشارات" المريبة. ففي معرض اشارته الكاشفة عن "جحر الضب" الطبقي الاجتماعي لـ"مترفي السودان ومترفاته" يهتدي عبدالله بقول رسول المسلمين ويذكرنا بأنه "هو الجحر الذي حذرنا منه الرسول بقوله إننا سنبلغ من السخط طوراً نتبع به آثار الكفار فلو دخلوا جحر ضب انحشرنا من بعدهم."(؟!)
أفما رأى
ع.ع. ابراهيم في مقاله المنشور على ورق الطباعة الحديثة وورق الأسافير الأحدث – من "آثار الكفار" هذه التي دخلت على (السودانيين؟) سوى دبدوب؟... ثم أن أمر دبدوب المستورد - بقصته الروزوفلتية المؤثرة والتي لم يستوردها مترفو السودان ومترفاته معه – ليس هو اليد المريبة حقاً، فأمر الدب الأمريكي وانتشاره – وقيل عولمته – لَيستحق أن يكون أكثر تعقيدا من دمغه بـ"قال الكلاكلة قال!".

أيضاً الاحظ أن الضمير الجمعي الذي يستخدمه
ع.ع. ابراهيم الكاتب السوداني (المسلم؟) –يستثني (وهو يخاطبـ"نـ"ـا) نفسه بسهولة عجيبة من ضمائر سودانية عُدة. فهل نسي لسانه الناطق بضمير "الجماعة" أمر "كفارنا" المحليين من السودانيين، الذين لو اتبعـ"نـ"ـا "آثارهم" لما قادتنا أو قادته سوى لجحور تشكو قلة الفئران والضِباب والدببة المحشوة معاً؟ ثم أن قوله – الطائر هكذا (دون عوائق احترازية أو منهجية) من العهد الاستعماري الى حاضر السودانيين اليوم – عن "مدرسة المُبشر"– التي على رأس إدارتها الكاهن (السوداني؟) حزقيال ليثير الدهشة والريبة.
أما هذه:

لقد سبقت مظاهرة الأسبوع الماضي مظاهرات زعمت الذود عن الرسول فأفسدت ما بين المؤمنين والوطن. ثم ندم مثيروها عليها. فقد زار الدكتور حسن الترابي دار الحزب الشيوعي بنمرة اتنين قبل أيام وهو الذي حل هذا الحزب في 1965 متذرعاً بنبأ صفيق بحق بيت النبي وصفه الحزب الشيوعي في بيان له في تلك الأيام بأنه من فاسق. وقد اعترف صاحب النبأ أخيراً على جريدة الصحافة بأنه قصد الدس للحزب وأنه قرير العين بما فعل لا يطرف له ضمير. وتعرض الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه إلى عذابات معلومة لعقائدهم التي عدها الجيل الإسلامي الباكر طاعنة في الرسول. وسمعت منذ أيام الأستاذ علي عثمان محمد طه يغترف من قول الأستاذ محمود عبارته عن عظمة شعب السودان الذي يتقافز القادة الأقزام أمام مسيرته. من قش لكم الدرب؟ مرحباً بكما سمحين إذا دعوتم وسمحين إذا اختلفتم وسمحين إذا رجعتم عن الخطأ. ونأمل أن تكون خبرتكما في متناول الجيل الحدث من المسلمين يشبون بها عن طوق الغيرة على حبيب الله بالأقدام، لا العقل.


...فعباراته وكلماته التي يلوِّح بها مرحباً بالرجلين العائدين بـ"ندمهما" الى رحاب "السماحة السودانية" – وربما الإسلامية - الشهيرة، لََـتستحق انتباهنا الأحمق تماما، وأن نفغر لها أفواهنا بلهاً!
...ومع ذلك، لا بأس

ح.خ
"الخطوط والتشديدات في الاقتباسات من عندي"
(تعديلات أضيفت لضبط التصحيف)
...
آخر تعديل بواسطة حافظ خير في الاثنين ديسمبر 10, 2007 9:41 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

من شعارات الحركة الطلابية اليسارية المغربية والذى كان ومازال يعجبنى ويتردد صداه رغم السنوات الطويلة مرفوعاً فوق عنان (حلقيات) الحرم الجامعى ..و(الحلقيات) هى أركان النقاش هتافهم (التعليم طبقي ..وأبناء الشعب فى الزناقي) والزنقة هى الأزقة الضيقة فى الحوارى المغربية ومعلوم أن الشعار يقصد به حالة التبطل وعدم وجود فرص للتعليم لبناء الشعب الذي يهيمون على وجه الرازق .. ويقال أن (شرارة الأحداث فى الجزائر) قامت فى البدء وسط هؤلاء المتبطلين وهامشيوا المدن من ابناء الشعب الذين لم تستوعبهم فرص التعليم وفتحت لهم البطالة زراعيها نحو مصير مجهول ويطلق عليهم (الحايطست) فى انتماء واضح (للركلسة) المزلة والمهانة بفعل التهميش الطبقى والأتكاء على حائط الحظ العاثر..ضمن تلك الظروف الملتهبة بين طبقة المترفين من نخبة عسكر جبهة التحرير و(مترفيها) والصراع السياسى الأجتماعى الذى بدأ يخوض بلباس الأسلام السياسى الراديكالى سيكون ابناء الشعب فى الزناقى و(الحايطست) جيوش اسلامية دموية للمجازر وبحور الدماء التى مازالت تخاض فى الجزائر حينما يغيب من يعطى للصراع بصيرته وعقلانيته المفترضة...بين أهل (التغريب والفرنسة بجنرالاتهم وبيروقراطياتهم ومدارسهم بدببها)..وجماعات داعية لأسلامية الجزائر حيث تبدو الأمور كلها تطل من فرجة الهوية الدينية الأسلامية أو الموت..

مدرسة الأتحاد الأجنبية الخاصة رسوم الطالب فى السنوية (عشرين مليون جنيه سودانى بالتمام والكمال)، والمدرسه البريطانية أعتقد بأنها كانت تنال راتباً مجزياً. وهذا قول لاصلة له بأصل واقعتها فقط لأن البعض رأى فى مجيئها للسودان جزءً أصيلاً من نبل أهل أوروبا ومهامهم الرسالية فى عالمنا المتخلف .. وهى مدرسة متخصصة لشهادة (كمبردج) .. من كتبها المطبوعة فى بريطانيا وأمريكا حتى وسائلها التعليمية مثل الدب (تيدى)..لاحقاً (محمد العربى) ودون أن أسترسل.. حتى تلك الحادثة لم يكن أحد يعير مدرسة الاتحاد الواقعة قبالة كلوزيم أدنى انتباه.. حتى تسللت الواقعة من هدوء أيامها الدراسية المرفهة البريئة للشارع ...الشارع الممتلئ بأبناء (الزناقى) (والحايطست)..على أهبة الانفجار يدمر كل شئ بما فيها مزايا الطبقة التى.. تظن أنها قادرة على تحريك تميمة الدين والتكفير وحدها...

ما فهمته من هذا المقال أو ربما أردت أنا أن افهمه على نحو ذاتى خاص.. ياناس الأنقاذ لن يبقى الدين شأن طبفة تأكل به وتنعم (فانستروا) واٍلا خرج عليكم (دين) أغبش أغبر مكلوم بغبائن الفقر والجوع والمرض والأمية .. لابعرف (تيدى) لابعرف (شيخ فلان) ولابعرف حدود معلومة فقهية وشرعية للتكفير.................. من طرف .. وهو تحذير إن اراد من ينجو به فلا طريق أمامه سوى الديمقراطية وإعمال العقل
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي حسن،
حاولت بعد ظهر اليوم حصر وتصنيف الموضوعات التي رأيت أنها تستحق، بل وتستلزم التعقيب من جانبي عليها. فوصلت الصفحات التي نقلتها من نصيك إلى صفحات ويندوز 25 صفحة. وإذا أنا عقبتُ عليها فقد تصل إلى ستين صفحة (ببونط 18).
و هذا ما لا طاقة لي به في الأيام الجاية علينا دي. قد أؤجل تعقيباتي في لب الموضوع العميق إلى الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر هذا طمعاً في حصولنا على إجازة عيد أضحى آمل في أن تكون عشرة أيام بالإضافة إلى "النويل"، وعيد مطلع السنة الجديدة. وحتى ذلك الحين فسأكتفي بتعليقات "طفيفة"، إلا أنها ليست هامشية. سمها "تعليقات إشكالية" تتصل ببعض الأحكام القاطعة، الجائرة والصائبة معاً، التي صدرت منك في حق شاعرنا وصديقنا "ود المكي" (ونونا الجماعة في الصفة الأولى تشملنا أنا وأنت ومجمل من أسميتهم "جماعة العصاة"، "عُصاة مؤسسات الجور والاستبداد" التي خبرنا شرورها وأذاها في الدم واللحم والعظم وحق التعبير، والحياة والكينونة، ونحن في ميعة الصبا وريعان الشباب، واخترنا أن نقاتلها حتى نهاية العمر. وهي عين المؤسسات التي هجاها مكي هجاءً مقذعاً، صائباً ومستحقاً، مع عمقٍ في الفكرة وطلاوة في البنية الفنية، قليلَي ال"ضريع" في ذلك الزمان. وهذا، على حد تعبيرك الصائب، سر إعزازنا الكبير له. ولا بد لي من أضيف أن إعزازي له كمبدعٍ "تليع"، قد استمر بعد ذلك. بل استمر في عز المرحلة التي كنا نحن، وغيرنا من جماعات اليسار الأخرى، نوجه له، من مواقع وزوايا رؤى مختلفة، نقداً حامضاً، بسبب بعض مواقفه السياسية، والمؤسسية. أعني مواقفه في أزمنةٍ "ما بعينها" من أهل السلطان، ومؤسسات "السلطان" الجائر، نفسها التي كانت موضوعاً لهجائه الصميم، ثم تردده برهةً أمام مؤسسات "سلاطين" أشد جوراً منه فيما بعد. "والمعنى واضح" كما كان أستاذنا عبد الله الطيب، طابت ذكراه، يقول في أشد المعاني حاجةً للتحليل والتفسير الدقيقين والمستعصيين، على البداهة والوضوح. أعني أن المعنى واضح على محمل التعميم ورؤية الكليات، سوى أنه في تقديري غميسٌ جداً في مبحث حركة وجدان، وفكر، وفعل الشاعر "الحق" الذي لا يني يفاجؤنا بأن جمرة إبداعه ما تزال متقدة، وعلى أشدها أحياناً، في كل لحظةٍ نفقد فيها الأمل في صلاحه. (وفي صلاح أقرانه الذين ذكرت. وأنا غير معنيٍّ بمصطفى سند هنا. وأقولها "الضحى اعلا").

هذه مقدمة لا أكثر أدخل بها على موضوعي. وهي في الواقع "مقدمةٌ" لا أعرف من أين أتتني. فقد كنت قبل ثوانٍ من كتابة أول حرفٍ فيها، على عقيدةٍ صماء من أنني لن استطيع كتابة كلمةٍ واحدة في هذا الشأن الذي أعتقد أن الخوض فيه سيكون، في الحال التي أنا عليها من الرهق الجسدي والنفسي، واحداً من الأمور الأكثر عسراً بين تجارب حياتي العسيرة كلها. وأكثر عناصر هذه التجربة عسراً "مدح" مكي لي بما أعتقد، عن حق، بأنني لستُ أهلاً له. وثاني عناصر العسر، خشيتي من أن تتآمر عليَّ نفسي، التي لا تخفى علىَّ أضابير سوءاتها العديدة، التي لم أملك، حتى الآن، من أمر إحباط "مؤامراتها الدنيئة"، إلا آلة المراقبة والمواجهة النقدية بالصوت المسموع بيني وبينها بلا توقف، على مستوى الوعي الحاضر المباشر، فيما أُقدِّر أو أتوهم. وقد خشيتُ أن تذهب بي حظوظ الأنا، الغميسة، في اتجاه إغراء المديح، أو في اتجاه إغراءات ظلمٍ أو هوىً ينبعان من كلال عين الرضا إزاء. وأعني كلالها عن مخازيها وآفاتها التي قد تدفعني في الجانب الآخر إلى ظلم مكي باطمئناني إلى أني أفضُلُهُ "بالأصل"، تعففاً وقدرةً على مقاومة إغراءات السلطان وأهوائها الملتبسة، وبظلمه أيضاً إن أنا اتبعتُ هوى نفسي، فسكتُ عن عثراته "المشهودة".

وذات هذا السياق (سياق التحرز من حديث النفس الأمارة)، على المستوى المنهجي النقدي المجمل، في اعتقادي أنك لم تتوقف كثيراً عند "الأسباب" التي جعلتنا، وأمثالنا من اللاتي والذين استعصوا واستعصين على هذه الإغراءات، وقاوموها/قاومنها، مقاومةً صمدة، والأسباب التي جعلت آخرين وأخريات على قدرٍ عال من نفاذ الرؤية النقدية، ربما أقول، بل ينبغي أن أقول، هم وهن، بعض من سبقونا وسبقننا إلى قمم استشراف هذه الرؤية النقدية، مثل محمد المكي، (وصلاح، إلخ.، وساهموا، في اهتدائنا إليها، وفي تغذيتها لدينا، إلى جانب أخريات وآخرين كثر بالطبع، في هذه اللحظة أو تلك عن سيرة ومنطق المساهمة الخلاقة الجذرية في تأسيس الوعي النقدي الذي هو مفاعل الطاقة الرئيسي لتخلق وحركة صيرورة "مشروع الحداثة الجد جد"، وقرينه "مشروع التحرر الإنساني الكبير" كما أسميه (إلى حين إشعارٍ آخر). والذي تمثل حركة الخلق الفكري والفني، الطليق المتاح لجميع البشر، إحدى غاياته الكبرى، وإحدى أدواته الأساسية العالية الفعالية، في ذات الوقت. من حيث أنها تؤسس وتمهد وتوسع، بحكم ما تنطوي عليه من قوة الطلاقة والإمتاع، كما أوضحت أنت في صياغةٍ أخرى، من سبل القدرة على اختراق النفوس والضمائر، وإضاءة كوامنها وأضابيرها المظلمة، أضابير "أنوات" (جمع "الأنا" من عندي)، عين الرضا الغميسة وكلالها الغميس، عن رؤية مخازي "الذات"، وتحرير طاقة الوعي النقدي الخلاق (الجد جد) فيها. وهيهات. أقول إنك لم تتحر بما يلزم من الدقة في "الأسباب" التي جعلتهم يتراجعون أمام إغراءات السلطان. التي أعتقد أن أهمها رغد العيش، أو قل النجاة من انسداد سبل العيش الذي لا مفر من أن للعصاة من أمثالنا ، من تذوق ثماره المرة الباهظة على النفس، الذي توفره مؤسسات "السلطان" لمن ضاقوا مثلنا مرارات العوز وضيق العيش الذي مازلنا نعاني منه الأمَرَّين. لماذا استطعنا نحن الاستمرار في السير في هذا الطريق الوعر، بينما تراجع آخرون هم من أهل المبادرة السامقة في معارضة وهجاء وتفكيك حِيَل ومَكر "مؤسسات السلطان" (مؤسسات الامتياز كما كنت أقول في سلسلة "مصرع الإنسان الممتاز"). إلا أن السؤال الأكثر جذريةً من ذلك هو في اعتقادي: هل استطعنا نحن مواصلة السير في هذا الطريق من دون مزالق ومساومات؟ وهل نحن قادرين على نقد كل من نُعز ومن نهوى ممن انزلقوا في اتجاه ممالاة أهل السلطان ومؤسسات السلطان السياسية والثقافية إلخ؟

وفي اعتقادي أنك اكتفيت من الظاهرة، ظاهرة التراجع الذي حدث في هذه اللحظة أو تلك من سيرة نفرٍ من مبدعينا، نموذجهم الرئيسي في مقاليك النقديين هو الشاعر و(الصديق) محمد المكي ابراهيم الذي لا يخفى على القارئ النبيه والقارئة النبيهة، أنك توجه إليه هذا النقد المرير، والغليظ جداً في بعض الأحيان، من موقع إعزازك الشديد لمساهمته الأساسية في تكويننا جميعاً، وفي تكوين أجيالٍ، عاصرتنا وأعقبتنا.

إلا أنني أعتقد أيضاً أنك لم تضع نصب عينيك وعيون القارئات والقراء، بصورةٍ دائمةٍ وواضحة، أنك إنما تتحرك من موقع معاتبة من تُعزه وتستكثره على إغراءات السلطان ومؤسسات السلطان.

وفي المقابل فإنك، في تقديري، قد بذلت إعزازك لعبد الله، بلا تحفظ وسوغتَ "تراجعاته الإنقاذية" التي ما أزال أعتقد أنها لا تستطيع الوقوف على قدميها أياً كانت "قوة عارضة"، المُدافع، و"عارضة" خطاب الدفاع عنها. أقول ذلك، وأنا أعتقد أن "عارضة" خطاب "دفاعك"، أو بالأحرى توضيحك وتفسيرك، الذي أردتَ له بلا شك أن يكون منصفاً عن حقٍ لا عن تبرير، لتراجعات عبد الله، لم تكن قويةً، وفيها ثقوب كثيرة. مع إنني لا أشك لحظةً في أن عبد الله أهلٌ وأكثر، لخطاب الإعزاز الناقد المرير، بالنظر إلى الدور الشامل الذي لعبه في بناء حركة الوعي النقدي المضيء في بلادنا وخارجها، ومساهمته الوضاءة في تأسيس حركة الحداثة السودانية الجد جد. إلا أن هذا كوم ـ وإن كان من الذهب الوهاج ـ ومساومة عبد الله للإنقاذ كوم آخر من مادة بيوت الأشباح ودماء وأرواح، وانتهاكات إنسانية المناضلات والمناضلين من أجل الديمقراطية ودولة القانون والمواطنة. وهو كومُ من تفريطٍ لا يليق بمثل عبد الله.
وسأضيف استطراداً (على حين عودةٍ مفصلة)، أن أقَلَّ ما في مداخلتيك توفيقاً، في تقديري، هو محاولة الفرز القاطع، كما لاحظ وليد، بين الشاعر والسياسي في مضمار تفسيرك لبواعث "مساومة" و"مصانعة" عبد الله للإنقاذ (وهي في الواقع أكثر وأخطر من أن تكون مجرد "مساومة" و"مصانعة")، وبواعث مواقف محمد المكي المشابهة، من النظام "النميري"، طوال بقائه، والنظام "الإنقاذي" في سنواته الخمس الأولى. وكلاهما مما لا يمكن ولا ينبغي أن "يبتلعه" أو "يغتفره"، الذين واللاتي كنَّ وكانوا، يعتبرونهم/هن، مناراتٍ أساسية في دروب تكوينهم المعرفي والإبداعي والسياسي الوعرة. إنني أعتقد بأن حجة الممايزة المطلقة بين "الشاعر" و"السياسي"، حجةٌ فاترة التأسيس والبناء. واعتقد أنك لم تفحصها بالصورة المستحقة في مثل هذا المعترك النقدي الصعب، والوعر، والمُستَحَق، والصائب في أساسه، الذي تجترحه. وهذا مما سأترك التفصيل فيه لعودةٍ "ماهلة".

أتوقف هنا على أن أعود في منتصف الأسبوع القادم، في إجازة عيد الأضحى التي خاب أملي في أن تمتد لعشرة أيامٍ، فتقلصت إلى ثلاثة أيامٍ فقط.

عاد أقول ليك "مع عامر مودتي"، يا "ود آمنة عاصي القيد"؟
باقيه لي شترا بين أهل الدار الواحدة.

أها "خليتك في وداعة النبي واليُمام علي".(1)


-------------------------------------------
المصدر زينب بت الحرم بت طلحة بت فاطنة بت الشريفية، بت بشير ود احمد ود الفكي امحُمَّد ود ختاري راعي الوَحَش. (وأمه مجهولة الاسم في الرواية التي بذلها لنا أحفاده من كبار الأسرة حفظة تراثها المحققين، الصوفية أباً عن جد. مع أنهم كانوا، مثل جدهم، شديدي الاعتداد بتراثهم وواقعهم في مقاتلة النفس الأمارة ب"السوء"(!؟)
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الثلاثاء يناير 08, 2008 5:56 pm، تم التعديل 6 مرات في المجمل.
عادل إبراهيم عبد الله
مشاركات: 230
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:22 am
مكان: أم درمان

مشاركة بواسطة عادل إبراهيم عبد الله »

ومن (تالا) هذا البوست العملاق والذي لا يضاهيه فرادةً سوى بوست الترحيب التاريخي بعبد الله بولا في سودانيز أون لاين
أقول بعد تكرار ترحيببي وإعلان إمتناني لهؤلاء النفر من معلميَّ الأفذاذ ..والذين أستقصى آثارهم الخالدات ما إستطعت ..
سأعود في شأن سالفة إنطوى عليها هذا البوست في حيز صغير من باب الاستزادة في شأن سيرة التحديث (من باب الحداثة)
في حيز مجتماتنا التي خلت ،ولاتزال : [font=Comic Sans MS] سيرة عبد الله الطيب .. رائداً للحداثة السودانية ..
وسأعود
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

عدل
أضف رد جديد