استهل ضيفنا في لاهاي حسن موسى حديثه (الشي الذي ورد في ورقته) بالتالي:
سورة التور؟
لقد استهل الأخ محمد جمال الندوة بمحاولة تعريف المثقف وسعى بالميكروفون وسط الحاضرين يسألهم إن كانوا يعتبرون أنفسهم مثقفين أم لا. وتعددت الإجابات بين من اعتبر نفسه مثقفا ومن أنكر عن نفسه صفة المثقف، وسعى بعض المتحدثين لمعارضة المتعلم بالمثقف مثل الدكتور عبد المنعم مختار الذي أعلن بأنه "مثقف بنسبة 17 في المية" كما سعى بعضهم لتصنيف المثقفين بقدر قربهم أوبعدهم من السلطات السياسية، مثل الروائي المصري رؤوف مسعد الذي استبعد المثقفين المتواطئين مع السلطات من دائرة المثقفين. وأظن أن أفضل تعريف للمثقف هوتعريف جان بول سارتر الذي قال مرة" المثقف شخص ينشغل بما لا يعنيه" يعني "مُتلقّي حجج". وأظنه تعريف يناسبنا جميعا في الموقف الذي نقفه هنا في هذا المقام الجمعي الجليل، وقد وفدنا من أنحاء جغرافية عديدة ومن خلفيات ثقافية وسياسية متباينة لنتلقى حجج هذا الشأن العام، شأن الممارسة الديموقراطية الذي رغما عن كوننا لم ندرسه في الجامعات ولم نتخصص فيه إلا أنه يهمّنا ويهجس أحوال حركتنا وسكوننا، فنتقحّم مقاماته ونتطفل على النفر الذي استبدّ واحتكر حق الحديث فيه ولا يهمنا إن أفسدنا عليهم بهجة نادي المتخصصين.
نعم، في مقام مناقشة قضية الديموقراطية فكلنا مثقفون على صورة ذلك الإمام المزارع في حكاية "سورة التور".
انتهى استهلال حسن أم فيه بقية ، مندري.
بس أنا حا أبدأ استهلال جديد من منطلق ليس جديدا جدا.
حا أحكي قصة خاصة جدا بمناسبة تعريف جان بول سارتر للمثقف واضافة حسن له
(" المثقف شخص ينشغل بما لا يعنيه" يعني "مُتلقّي حجج". وأظنه تعريف يناسبنا جميعا في الموقف الذي نقفه هنا في هذا المقام الجمعي الجليل).
اول أنا ما جيت هولندا، وزارة العدل (الهولندية طبعا) عملت معاي لقاء كما هو معتاد حول اسباب قدومي الى بلادهم تاركا بلاد بمساحة هولندا حوالي 80 مرة. اجبت بشكل موفق وليس فيه مبالغة كبيرة كما اظن. قلت في خلاصته انني ضيف عندكم لبعض الوقت بحسب قوانين الامم المتحدة. وكنت اعرف ان لا امم متحدة ولا يحزنون فقط وددت الاحتفاظ ببعض ماء وجهي، وانا حزين وبائس . أذ كيف تكون أمم متحدة مكونة من USA وايران وكوبا والصومال وافغانستان طالبان والصين وكوريا الشمالية وروسيا والهند وباكستان والسودان واليمن و إسرائيل والسعودية والجزائر؟. كيف يكون مجتمع دولي فاعل مكون من كل هذا التناقض (لن يكون ابدا فهو حلم طوباوي مطلق) ترفضه طبيعة المصالح المتناقضة.
كنت اعرف انني أراوغ، بحكم الضرورة.
قلت لتلك المرأة الذكية المحترفة التي حاورتني (من وزارة العدل الهولندية) انني جئت الى بلادكم لكي استريح من عناء الدنيا (واعني رهق بلادي) وانني لم آتي لممارسة نشاط سياسي من داخل البلاد الهولندية!. وكنت قد ظننت ان ذلك ربما ساعدني في الحصول على اقامة سريعة لكي استطيع بعد ذلك السفر الى شرق السودان عبر الحدود الاريترية لمشاركة قوات التحالف السودانية حربها التي اعرف سلفا انها ستبدأ من جهة الشرق، كان ذلك في فبراير عام 1996. وكنت صبيا غرير في حدود العشرين من عمري.
فما كان من تلك السيدة والا كأن جاءها الوحي، فرددت علي: لن تستطع (بمعنى اننى لن أهدأ بهذه السهولة ). وذاك ما حدث. اذ بعد 15 يوم من قدومي الى هولندا شرعت في تأسيس المجموعة السودانية لضحايا التعذيب (فرع هولندا) بمشاركة العزيزين جمال يوسف وعماد آدم وآخرين ثم عملت مع زملائي هؤلاء على انشاء منظمة اخرى اسميناها لجنة طالبي اللجوء السودانيين في غضون الاسبوع الثالث. وقد نسيت ما ذكرته في انترفيو وزارة العدل الهولندية مع تلك المرأة التي لن انساها ابدا.
فقد بدأ لي الان انني مجرد واحد متلقي حجج!. فهل أنا مثقف؟.
ذاك غير مهم، من وجهة نظري...... المهم انني أنا واحد (فرد) من الناس المهمومة بمشاكل بلادها واهلها (أو كما اتمنى). وعندي وعد مع نفسي أن اعمل مع العاملين من أجل السلام والتنمية في بلادي وحتى لو كلفني ذلك النفيس (لا ادرى ما هو) ، اذ لا ارجو مقابل مادي (ولا تهمني الطبقة). هل تلك درجة طوباوية؟.
ومن المؤكد انا هنا لا اتحدث عن نفسي بالضرورة كإنموذج. تلك تجربة الكثير منا. فقط وددت مواصلة النقاش المفتوح اصلا حول دورنا (ناس المهاجر) في الاصلاح والتحول الديمقراطي في السودان. دورنا عمليا وبوضوح دون تغبيش ودون فانتازيا (قد نقع فيهما بوعي أو بلا وعي) : ما هي مساهمتنا وما هو دورنا وكيف؟.
ونتابع أدب الشفاء.
محمد جمال الدين