المسرح موطنا لأيامي الجميلة -عبد الرحمن نجدي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

المسرح موطنا لأيامي الجميلة -عبد الرحمن نجدي

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

المسرح موطنا لأيامي الجميلة

(بمناسبة اليوم العالمي للمسرح)


عبد الرحمن نجدي





إضاءة أولي : يجب أن نعتني بالخشبة فعليها تحدث كل الأفعال والقضايا المتعلقة بالبلد ، والمجتمع ، والعائلة ، والبيت . ( كونستانتين ستانسلافسكي )

الراوي : علي مدي ثلاثة عقود لم تنج خشبة المسرح في السودان تماما كقاعات السينما وصالات الفنون الجميلة ، والفنون الشعبية ، وشاشات التلفزيون ومجمل الأنشطة التي تتصل بالهم الثقافي من قبضة نظام حكومة الإنقاذ الاستبدادية والمدمرة التي امتدت لكل مفاصل البلد الطيب ، فقتلت الحُلم وشردت المسرحيين والمبدعين ودمرت التجربة المسرحية الناشئة ، فكيف يكون بمقدور المسرحيين السودانيين أن يتباهوا بنقل تجاربهم ومعارفهم وسرد قصصهم إلي جمهورهم العريض ، وكيف يمكنهم المساهمة في رفع درجات الوعي والاستنارة حول الانتهاكات المستمرة والإقصاء اليومي في ظل واحدة من أكثر الحكومات عنفا وقبحا في تاريخ السودان .

لنتفق مع الرأي الذي يقول إن المسرح هو فن لن يموت مهما كانت المعوقات والمصاعب التي تقف في طريقه ، ومهما أوهنت الرقابة من قدرته ، ومهما امتدت يد البطش لتخنق أفكاره ومبدعيه ،

ويمكن للمرء أن يأسف فقط علي ظهور طبقات طفيلية من المسرحيين عملت علي حسابات خاطئة ، وعلي سنوات كثيرة مضت دون أن يكون المسرح - أو ينبغي أن يكون عليه - أبو الفنون في بلادي ، ومصدر إشعاعها .

واليوم 27 مارس 2020 نحتفل مع كل خشبات العالم باليوم العالمي للمسرح، ولهذا التاريخ دلالته إذ أنه أتي بعد عام من الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام البائد ، لنستقبله بشهية مفتوحة ورومانسية يستحقها ، ونبدأ التفكير في تعويض سنوات (الإنقاذ ) المشئومة التي تم فيها إسكات صوت المسرح وتشريد وإقصاء مبدعيه. ويجب أن نتذكر اننا مجتمع متعدد الثقافات ، وإن الإنسان السوداني كان دائما وسيظل بحاجة إلي سماع القصص ، وتوظيفها كسلاح في مواجهة الأكاذيب وتزييف الحقائق .

إن تطور المسرح في أي بلد يبدأ باحترام خصوصية تجربته ، من المفيد أن ندرك إن الحركة المسرحية لن تشفي بسهولة ، ونعلم أن العامل الحاسم في نمو المسرح يكمن في استقلاليته لكي يتمكن من رفع مستوي جمهوره فكريا وجماليا ، ويكون مصدرا للتعلم والإلهام ، ويحافظ علي معنوياتنا قوية .

إضاءة ثانية: أينما توجد الدراما ، توجد الكلمة ، كلمات الأنسان يتحاور مع خالقه ، كلمات الإنسان يحاور العالم ، كلمات الإنسان يحاور الإنسان ،، إنها كلمات حوار خالدة . ( ميغيل إستورياس )

صوت : ولدت فكرة إقامة يوم عالمى للمسرح فى هيلنسكى ، ثم فى فيينا ، أثناء إنعقاد المنتدى العالمى التاسع للمعهد الدولى للمسرح فى يوليو 1961 بمبادرة من رئيس المعهد ( ارقى كيفيما ) ، ومن يومها درجت العادة على الاحتفال باليوم العالمى للمسرح فى 27 مارس من كل عام ، وهو تاريخ إفتتاح مسرح الامم عام 1962 فى باريس .

لقد أنشئ المعهد الدولي للمسرح عام 1948 من قبل منظمة اليونسكو والمعهد الدولى للمسرح وهو المنظمة غير الحكومية الأكثر أهمية فى مجال فنون العرض ، ويسعى المعهد إلى توطيد أواصر التبادل الدولى للمعرفة والتدريب فى مجال فنون المسرح وذلك من أجل تحفيز الأبداع وإقامة التعاون بين رجال المسرح وذلك لدفع الفكر الجماهيرى نحو إدراك ضرورة إعتبار الإبداع الفنى واحداً من مجالات التطور البشرى ، وتعميق التفاهم المتبادل بهدف تدعيم السلام والصداقة بين الشعوب .

إضاءة ثالثة: الحُلم وطن

التمثيل وبما له من التأثير العظيم. يا الله، كم أسعد أمما طالما رضخت قسرا للمستعمر، وكم أخرج أمما من أطوارها التعيسة إلي السعادة، التمثيل مُربي الشعوب ومهذب الأمم، منه يأخذ كل من شهده درسا في الشجاعة والإقدام وعزة النفس والصبر علي المكاره وعدم اليأس، ومنه يشعر كل مخلوق أن له في هذه الحياة حقا طبيعيا ( حسين أفندي ملاسي )

الراوي : كان للمسرح في السودان ومنذ مطلع عشرينات القرن الماضي دورا رائدا في تكوين الثقافة الجماهيرية ، ولد من رحم الممارسات المبكرة للرواد ، وعبر الفرق المسرحية والأندية الرياضية ، ونادي الخريجين والمدارس الثانوية ومجتمع الجاليات وغيرها ، وإذا عدنا للوراء في محاولة لتتبع مسارات تلك البدايات التي تعود لما يقرب من مائة عام قد نتوه في كثيرة لم يتم سبر غورها بعد رغم المجهودات الجادة التي قام بها نفر من الكتاب والنقاد وأهل المسرح أمثال الطاهر شبيكة ، عثمان النصيري ، حبيب مدثر ، يوسف عايدابي ، بدرالدين حسن علي ، هاشم صديق ، عذالدين هلالي ، سعد يوسف ، السر السيد ، سلمي الشيخ سلامة ، عثمان جمال الدين ، عادل حربي وجعفر نصر وأخرين ، والتي نجملها في بعض المنعطفات الهامة من تاريخ الحركة المسرحية :

مشهد - 1 : في عام 1902 كتب وأخرج مأمور القطينة عبدالقادر مختار ( مصري الجنسية ) مسرحية نكتوت ( المال ) وتشير الدراسات علي أنها أول مسرحية تقدم في السودان وتدور قصتها بين صاحبة إنداية شعبية وتاجر وتلميذ . ( بدرالدين حسن علي – مجلة الأقلام ) .

مشهد - 2 : شرع صديق فريد يقدم للمسرح بطريقة جادة حوالي سنة 1918 أو قبلها ، وواصل العمل إلي منتصف الثلاثينات ، وتضم أعماله مسرحيات مثل الفارس الأسود ، تاجر البندقية ، صلاح الدين الأيوبي ، عطيل ، تاجر البندقية ، وفاء العرب ، كجنون ليلي وغيرها . ( الطاهر شبيكة – مجلة الموسيقي والمسرح ، أبريل 1979 ) .

مشهد – 3 : أستمرت العروض المسرحية في أندية الجاليات العربية والأجنبية ، لكن التجربة الأبرز جاءت مع نادي الخريجين الذي تأسس عام 1918 ، حيث ظهرت العديد من المسرحيات مثل صلاح الدين وعطيل وأمير الأندلس مما أزعج السلطات البريطانية بسبب مشاركة سودانيين أمثال صديق فريد وعلي عبداللطيف ، وحين قدم عبيد عبدالنور مسرحية المفتش والمأمور ورجل الشارع عام 1929 ، أصدر قسم الاستخبارات البريطاني قرارا بحظر هذه الأعمال ، وتعرض الفنانون إلي المساءلة والتوقيف . ( أمين صديق – المسرح الجامعي وتيارات النشاط المسرحي في السودان ) .

مشهد – 4 :
مساء الخميس 9 / 12 / 1920 ، ونحن نسير جماعات نحو مدرسة أمدرمان الأميرية لنشهد تمثيلية يقوم بها طلبة كلية غردون تدور فكرتها حول تعليم المرأة ، موضوع الساعة في ذلك الوقت ، وكانت مثل هذه الليالي التمثيلية لندرتها تلقي اهتماما وأقبالا عظيمين ،

وقد أشتهر جماعة من شباب الموظفين والطلبة بهذا الفن وطار لهم صيت بعيد أذكر في طليعتهم المرحومين الأستاذين صديق فريد وعرفات محمد عبدالله ، والأساتذة عبدالرحمن علي طه وعوض ساتي وعلي نور المهندس وأبوبكر عثمان وغيرهم من فتية ذلك العهد . ( حسن نجيلة – ملامح من المجتمع السوداني )

مشهد – 5 : في عام 1923 طالبت السلطات البريطانية بمعرفة كل شيء عن جمعية التمثيل الأدبي الخيرية ( التي تأسست عام 1916 ) وأعدً سكرتير الجمعية حسين أفندي ملاسي ( 1894 – 1946 ) بيانات كاملة رفعت للمسئولين يوم 18 / 8 / 1923 وتفصل هذه الوثيقة تاريخ الجمعية كما يلي : ( تأسست الجمعية عام 1916 وكان أول عرض لها هو مسرحية ( ديفيد جرك ) والتي خصص دخلها للصليب الأحمر البريطاني ، لا توجد أية معلومات أخري عن هذه المرحلة من تأسيس الجمعية ، توقف نشاط الجمعية لمدة عامين 1917 – 1918 ثم أعيد تنظيمها عام 1919 تحت رئاسة الضابط صليب كامل وسكرتارية حسين ملاسي الذي كان المحرك الفعلي لأعمال الجمعية . ( إبراهيم حسين ملاسي - الدستور - 5 / 12 / 1988 )

مشهد - 6 : سعي معهد تدريب المعلمين ببخت الرضا منذ مطلع أربعينات القرن الماضي علي نشوء مسرح تنويري يساعد علي كشف عيوب المجتمع ، استطاع أن يخرج بالمسرح من المدرسة إلى المجتمع . وساهم في إعداد جيل من المسرحيين لعب دوراً كبيراً فى نشر رسالة المسرح منهم د. أحمد الطيب الذي أخرج وترجم وسودن العديد من الكلاسيكيات الخالدة منها الملك لير ،العاصفة ، هاملت ، زوجات وندسور المرحات ، روميو وجولييت وغيرها . و حقق صديق فريد وجماعته أكثر من 20 عرضاً مسرحياً ساهمت أكثر من أي أداة أخرى في نمو الوعى الاجتماعي والسياسي .

إضاءة رابعة : الأوقات السيئة هي أوقات جيدة للمسرح . ) شهيد نديم ، رسالة اليوم العالمي للمسرح 2020 (

الراوي :
جاءت سنوات الستينات حافلة بكل ما تحملة الكلمة من دلالات ، كانت فترة تحول سياسي وإيجابي ففيها تم الإعلان عن ميلاد أول حركة جادة ومنظمة للمسرح عندما ارتفعت الستارة عن مسرحية ابراهيم العبادى ( المك نمر ) التي أخرجها الفكي عبدالرحمن ، وأصبح المسرح هو الجزء الأكثر حضورا فى تكوين الثقافة العامة وإيقاظ وجدان الجماهير ، وأستقطب المسرح أهل الفن من سينمائيين وتشكيليين وموسيقيين وروائيين وشعراء وغيرهم ، تأسست الفرق المسرحية ، وتكونت نقابات للممثلين ، وبدأت تظهر أجيال من المؤلفين والكتاب والنقاد ، ثم بدأ المسرح يُطبع فى كتب ومجلات ، وانتشرت الترجمة وسودنت المسرحيات ، وسرعان ما تم غنشاء مسرح للعرائس وفرقة للأكروبات والسيرك ، ونشطت خشبة الفنون الشعبية ، وقامت تيارات وحركات مسرحية مختلفة تعمل خارج المنظومة الرسمية مثل جماعة مسرح الشارع ومسرح الكارو ، ومسرح النزيل وغيرها .

صوت : ومع الوقت أخذت التقاليد المسرحية تترسخ وتتطور معها تكنولوجيا العرض لتتناسب مع نوعية وحجم الجماهير التي أقبلت على المسرح بحماس هائل ، وأخذ المسرح بدوره يستجيب لتوقعات رواده ، ومن ثم أصبح أكثر التصاقا بهموم الناس . وجد المسرحيون السودانيون فى المسرح سلاحاً يعكس بصدق صراع القوى الاجتماعية والجدل السياسي ويساهم في تحريض الجماهير .

مسرحيات الأسطورة والطقوس تقف جنبا إلي جنب مع العروض الكوميدية والتراجيدية ، كانت المسرحيات الاجتماعية تنافس العروض التجريبية ، والمسرحيات المسودنة تتنقل من وليام شكسبير إلي محمد الماغوط ومن محمود دياب إلي وول شوينكا وسعدالله ونوس .

لم يكن الجمهور يذهب للمسرح للتسلية وتمضية الوقت ، إنما كان يصطدم بمواقف إنسانية ويواجه بمشكلات حياتية يخرج منها أكثر استنارة ورغبة في التغيير .

صوت : ولعل أكثر المسرحيات ارتباطا بالجماهير هي تلك التي وظفت الأسطورة والتراث لصياغة الحاضر ، وربما أهمها وأكثرها شهرة مسرحية ( نبتة حبيبتي ) التي استلهم هاشم صديق فكرتها من مجموعة الحكايات السودانية ( سالي فو حمر ) التي حققها السفير والأديب جمال محمد احمد وأخرجها الفنان مكي سناده ، وقد تركت المسرحية بصماتها أكثر من أية مسرحية أخرى أنتجها المسرح السوداني في كل العصور .

وتواصل العطاء فشاهدنا يوسف عايدابى في ( حصان البياحة) وخالد المبارك ( هذا لا يكون – وتلك النظرة ) ، ويوسف خليل مسرحية ( الخضر) .

صوت : وجاءت العديد من المسرحيات الاجتماعية لتفضح بعض القيم السائدة في المجتمع السوداني آنذاك بميلودراميات محببة للنفس ، ففي مسرحية ( على عينك يا تاجر) نتعاطف مع شابة يجبرها أهلها علي الزواج من رجل في عمر والدها . وفى ( الرفض ) يهرب شاب من زيف الحياة الاجتماعية الخانق ، وفى ( المنضرة ) نستخلص الكثير من المعاني من قصص الخيانة الزوجية، ويقوم الصراع فى مسرحية ( العلاقة ) بين القديم والجديد ، وتكشف مسرحية ( الخفافيش ) عن فشل الإنسان وأنانيته ، وتتناول ( سفر الجفا ) بعض القضايا المرتبطة بالأرض والاغتراب والضياع .

صوت : عكست المسرحيات التي عرضت في الموسمين الثالث والرابع بصمة المسرح الجامعي الذى كان بالفعل يمثل ظاهرة متجانسة بسعيه للتعبير عن هموم الواقع عبر عدد من النصوص العالمية والعربية ، وربما يكون المتفرج قد سئم من الحكايات التقليدية ، وضجر من تداخل صوت الماضي في صوت الحاضر ، فصار يُنشد قضايا العصر بصوت العصر، فظهرت مسرحيات مثل حفلة سمر لأجل خمسة حزيران ، السود ، ومارصاد ، والمشي علي الرموش .

الراوي : وفي هذا الجو المشحون بالإبداع سعي المسرحيين السودانيين إلي اقتحام طرق جديدة للعرض ، فكان التغريب هو احد البوابات التي تفُضي للمسرح الطليعي ، فجاءت مسرحية عمر براق ( نحن نفعل هذا .. أتعرفون لماذا ) تتجاوز كل أساليب وتقنيات الإخراج والأداء المسرحي التقليدي الذي ساد عروض تلك الحقبة وأحاطتها التقاليد بسياج من القداسة ، كان مشروع ( براق ) طموحا للغاية ، فوسع من نطاق المسرحية داخل مسرحية والانتقال في الزمان والمكان لكى يخلق وبشكل شديد العمق عالمه الخاص به ، ورسم في مسرحيته مزيجا من اللحظات غير العقلانية ، وأعلنت هذه المسرحية عن ميلاد المسرح الطليعي وشغلت الناس لحين من الدهر.

وفى الأمسيات كان حوش المسرح يمتلئ عن آخرة بكل ألوان الطيف الثقافي والأدبي والفني ،

كنا أشبه بإبطال الملاحم، تعلمنا من قيم ومفاهيم الستينات والسبعينات إن الحرية هي التسامح، وإن العمل الإبداعي كيفما كان هو شهادة على عقلية صاحبه. كنت أعايش كل شخصيات المسرحيات التي أشاهدها، شخصيات لا تحصي ولا تعد ، متباينة ومتناقضة في السلوك والعواطف والمظهر ، وكنت أشاهدها كلها بحيث بدت لي وكأنها شخصيات من الحي ومن لحم ودم . ببساطة، كان المسرح صوتاً لطموحات ذلك الزمان ومخاوفه..

أضاءه خامسة :
الجيل الذهبي . أي زمن هذا .. الذي يكاد يُعد فيه الحديث عن الأشجار جريمة لأنه يتضمن الصمت على العديد من الفظائع . ( برتولت بريخت )

الراوي : عند أنشاء المعهد العالي للموسيقى والمسرح ظهرت أجيال في منتهى الحماس ، أخذت تلعب دوراً مؤثرا فى صياغة المجتمع وفى التآزر مع الجماهير فى مواجهة العداوات التى تترصدها من كل الجهات ، وكانت العروض الموسمية التي يقدمها الطلاب تحظي بجماهيرية جارفة ،

وأخذ معهد الدراما يفرخ كوادره في كل تخصصات المسرح ، تلاحمت أرواحهم بصورة عفوية مع أقرانهم من المسرح الجامعي ، ومع أساتذتهم بالمسرح القومي ، وزملائهم الذين جاءوا عاشقين للمسرح كهواة فصقلتهم التجربة والخبرة وأصبحوا نجوما بسطوا سيطرتهم علي خشبة المسرح لسنوات وسنوت ، وكان انسجاما لا تخطئه العين ..

وقت مستقطع : أختار الفنان العالمي الألماني الشهير ولفرام مهرينغ ( 1930 ) - مؤسس مسرح ماندرا جور ( la Mandragore ) والمركز الدولي للبحوث في باريس - السودان ضمن جولاته العالمية التي ضمت دولا مثل إيطاليا وبلجيكا والسويد والنرويج والمغرب وإيرن ونيجيريا ليطرح تجربته الفذة بمشاركة طلاب معهد الدراما حول قوة الحكاية الخرافية والطقوس والتعبير بالجسد واستخدام الأقنعة عبر مسرحية ( فويسك ) التي كتبها جورج بوشنر عام 1873 - ( اخرجها أيضا المخرج الشهير أنجمار بيرجمان عام 1968 ) - وصولا إلي تعبير تتخطي هويته هوية ثقافة بعينها لكي يكشف الجسم عن النوايا الداخلية ، وتم عرضها بالمسرح القومي بأمدرمان .

صوتي أنا : كانت تلك أيام لا تنسي وتجربة حياة آسرة ، كنت وقتها طالب دراما ، وكانت تتملكني رغبة هائلة وربما غير قابلة للتحقيق فى تغيير العالم وتبديل شروط الحياة ، كان الناس جميعاً يعرف بعضهم البعض ، كنا جميعاً أسرة واحدة متماسكة ، مسرحيين ، وتشكيليين ، وسينمائيين ، ومغنيين ، وموسيقيين وفولكلوريين وبيئيين ونقاد .

ولا ننسي جماهير المسرح التي أضحت جزءاً من ذلك النسيج المدهش ، وقد تبنينا وقتها أحلاماً كبيرة كبر الأرض ، كان كل شيء تقدمي دون لافتة .

صوت : ومن رحم هذا الجو جاء المسرح الجامعى مشاركا المسرح القومي نهضته ومستنداً الى أفكار طموحة من خلال البحث عن أساليب جديدة ومعاصرة من إن المسرح منصة لإدانة الانتهاكات وكشف العيوب ، حملوا العبء الأكبر في الدفاع عن حرية التعبير وتعرية الفوضى السياسية . وعلي مدي خمس أعوام حققت جماعة المسرح الجامعي العديد من النصوص العالمية والعربية سعوا فيها إلي كسر الأساليب والقيم المسرحية السائدة وتحدثوا بصوت عال عن المثالية و التسامح وحقوق المرأة والصعوبات الاجتماعية في ترابطاتها وانعكاساتها المتشعبة فظهرت مسرحيات مأساة الحلاج ، مراصاد ، ومجلس تأديب ، المغنية الصلعاء ،أيها الرجل كم أنت جميل ، حفلة سمر من أجل خمسة حزيران ، السود ، سمك عسير الهضم ، الكراسي ، الخطوبة ، العصفورة والممثلون ، هاملت وغيرها ،

إضاءة أخيرة :


يا بلادي كم فيك حاذق غير إلهك ما أمً رازق

من شعارو دخول المآزق يتفانى وشرفك تمام . ( خليل أفندي فرح )

صوت : التحية إلى كل الأعمال المسرحية التي شاركت في بناء المسرح السوداني ، وكانت مصدر وعي وثراء لا ينضب :

المك نمر ، سنار المحروسة ( 67 )، مجلس تأديب ( 69 ) الزوبعة ، حفلة سمر من أجل 5 حزيران ، أحلام جبره ، عودة شايلوخ ( 70 ) الخضر ( 71 ) الرفض ، أحلام الزمان ، فى إنتظار عمر، نحن نفعل هذا ، تعرفون لماذا ، مؤسم ( 72 )، نبتة حبيبتي ، حصان البياحة ، جوابات فرح (73 ) العلاقة ، هذا لا يكون ، سفر الجفا (76 ) الشماسه ، بوابة حمدالنيل قصة حديقة الحيوان ، مركب بلا صياد (77) ضريح ود النور ، الأسد والجوهرة ( 87 ) المهدى فى ضواحي الخرطوم ( 79 ) حكاية تحت الشمس السُخنة (82 ) نقابة المنتحرين ، طار فوق حي المطار ( 84 ) .

ولابد من الإشارة إلي عروض مسرح العرائس : سالم الشجاع ، الديك الشاطر ، ثعلوب المكار ، ود الحطاب ، الأميرة الحزينه ، فاطنه الهندل ، السلطان دهشان ، وغيرها .

زوووووم : تمّ أول عرض رسمى لمسرحية حفل سمر من أجل خمسة حزيران فى العالم العربى على خشبة المسرح القومى بأمدرمان ، فالمسرحية كانت ممنوعه رقابياً فى كل البلدان العربية . ( والحديث لسعدالله ونوس )

لوحة الشرف الأولي :

تحية إكبار : للفرق والجمعيات التي ساهمت في تكوين الحركة المسرحية في السودان :

فرقة مسرح بخت الرضا ، جمعية حب التمثيل ، جمعية التمثيل الأدبي الخيرية " سواكن " ، جماعة صديق فريد للمسرح ، فرقة المكتبة القبطية ، فرقة مسرح نادي الخريجين . فرقة نادي الزهرة ، فرقة نادي الحديد ، فرقة النادي المصري بالخرطوم ، فرقة نادي الهلال ، فرقة السودان للتمثيل والموسيقى ، فرقة أنصار التمثيل ، فرقة الرواد المسرحية بأمدرمان ، فرقة ميسرة السراج ، فرقة الفاضل سعيد ، فرقة عازه ، أضواء المسرح ، جماعة الخليل 79 ، فرقة عثمان حميدة ، جماعة أبادماك ، فرقة الأصدقاء ، جماعة السديم ، جماعة مسرح الشارع ، فرقة شوف ، فرقة النفير ، المسرح الحر ، فرقة السهم الذهبي .

- مسرح القهوة وصاحبها الخواجة لويزو ، وساحة المولد النبوي .

- ولا ننسي مجلتا النهضة والفجر .

ولجيل الرواد : سيد عبدالعزيز ، صديق فريد ، الخليفة يوسف الحسن ، بابكر بدري ، د. أحمد الطيب ، معاوية محمد نور ، عبدالرحمن علي طه ، مكاوي سليمان أكرت ، يوسف مصطفي التني ، إبراهيم العبادي ، عرفات محمد عبدالله ، علي عبداللطيف ، محمد عشري الصديق ، عوض ساتى ، أمين التوم ، جمال محمد أحمد ، خالد أبو الروس ، الطاهر شبيكة ، ميسرة السراج ، عبيد عبدالنور ، علي بدري ، علي نور المهندس ، والفنان محمد سابو .

وجيل الريادة : الفكي عبدالرحمن ، عثمان جعفر النصيرى ، حمدنا االله عبدالقادر ، أحمد عاطف ، حسن عبدالمجيد ، عثمان أحمد حمد ، عثمان حميدة ، بدرالدين هاشم ، عبدالوهاب الجعفري ، ،حبيب مدثر ، ميسرة السراج ، عبدالمطلب الفحل ، أسماعيل خورشيد ، عثمان قمر الأنبياء ، عبدالرحيم الشبلي ، مكي سنادة ، يوسف عايدابى ، يوسف خليل ، أبراهيم شداد ،

عوض محمد عوض ، صلاح قوله ، يحي العوض ، محمد عثمان المصري ،فتح الرحمن عبدالعزيز ، صالح الأمين ، بدرالدين حسن علي ، صلاح حسن أحمد ، عمر الطيب الدوش .

وصوت المسرح .. نجوم الخشبة رواة القصص : أبراهيم حجازي ، يحي الحاج ، هاشم صديق ، عوض صديق ، محمد خيري ، الريح عبدالقادر ، محمد رضا حسين ، أحمد عثمان عيسي ،محمد خلف الله ، عمر الحميدي ، يسن عبدالقادر ، الهادي الصديق ، فتحي بركية " السميح " ، محمد شريف علي ، السر محجوب ، عمر الخضر ، خيري الخير عكود ، السر حسن ، موسي الأمير ، حسبو محمد عبدالله .

وكوكبة المسرح الجامعي : علي عبد القيوم ، محجوب عباس ، شوقي عزالدين ، عبدالله علي أبراهيم ، مأمون الباقر ، هشام الفيل ، سلمي بابكر ، صالح حمدتو ، آسيا محمد الحسن ،عبدالله محسي ، محمود تميم ، محمد سليمان عبد الرحيم ، محمد المهدي عبدالوهاب و طه أمير,

الراوي : كافحت المرأة السودانية في كل حقبات التاريخ في كل مدينة وقرية ، وكانت حاضرة باستمرار في المسرح السوداني منذ أربعينات القرن الماضي ، واصلن التألق ، وكسرن القيود العميقة ومحاولات السيطرة علي سلوكهن وتركن بصمة لا تحمي رغم أن نسبتهن في المناصب الإدارية والفنية لاقت الكثير من التهميش ولم تتجاوز نسبة ( 3 % ) ، وفي كرسي الإخراج لم تتعدي ( 2 % ) .

التحيةً والإجلال للمبدعات السودانيات اللواتي اقتحمن مجالا كان مغلقا تماما علي النساء وساهمن في تغيير وجه المسرح السوداني خلال حقبة ستينات القرن الماضي وإلي الأبد :

سارة محمد ، نفيسة محمد محمود ، آسيا عبد الماجد ، نعمات حماد ، سهام المغربي ، تحيه زروق ، نادية جابر ، فتحية محمد أحمد ، فايزة عمسيب ، نفيسة محمد محمود ، فاطمه الحاج ، فايزة موسي ، مني عبدالرحيم ، رابحه محمد محمود ، آسيا ربيع ، تماضر شيخ الدين ، سعاد محمد الحسن ، ناهد محمد محمود ، زكية محمد عبدالله ، حياة حسين ، فوزية صالح ، نور الشام محمد عيسي ، سمية عبداللطيف ، نادية بابكر ، عفاف أحمد ، مني عبداللطيف ، أمينة عبد الرحيم، سعاد محمد الحسن ، سامية عبدالله ، ناهد حسن و سوسن دفع الله.

صوتي أنا : تحية خاصة لأستاذي وصديقي عثمان جعفر النصيري ، لعمق تأثيره وللمكانة الفريدة التي أحتلها في الثقافة السودانية ، وظل لأكثر من نصف قرن وفيا للمسرح والسينما والنقد .

لوحة الشرف الثانية : ليس لتلك المدينة في القلب مثيل .

لا يفوتني هنا ان أذكر مدينة (أمدرمان ) ، مدينتي ، تلك المدينة التي أنجبت الرعيل الأول من المسرحيين والفنانين والشعراء وغيرهم ، واحتضنت خشبة المسرح القومي التي أسست للمسرح السوداني الحديث ، وقادت الحركة المسرحية في السودان علي مدي عقود ، وساهمت في نشر المعرفة .

إضاءة أخيرة :
من الكوابيس إلي الأحلام

أكثر من نصف قرن مرت منذ أن بدأ المسرح السودانى فى تقديم عروضه المسرحية الموسمية (1967 – 2020 ) .

وفي هذا اليوم ( اليوم العالمي للمسرح ) والذي يعبر فيه أهل المسرح في كل بقعة من الكرة الأرضية عن مخاوفهم بصوت جهير ينبغي أن نقف قليلاً لنسترجع مسيرتنا الرائعة . ونتذكر كل الذين قام المسرح علي أكتافهم وفكرهم وشغفهم .

فالمسرح جزء من حياة الناس ، عايش الكثير من الحقب ، وكان شاهدا علي الكثير من الأحداث ، أن المجتمع المفتقر للخشبة هو مجتمع فقير إنسانيا وحضاريا . ويستطيع المرء ان يستمر في السرد ، ويستطيع أي شخص أن يستمر في السرد فهو موضوع محبب إلي النفس ، فقط يجب أن نتذكر دائما كيف تفاعلت الجماهير مع المسرح ودعمته حتي في أكثر اللحظات قتامة، وهى علاقة ظلت مميزة منذ انطلاقته في ستينات القرن الماضي ، والسبب في اعتقادي سهل و بسيط فالقاعدة الأولى والأخيرة في المسرح هي الإنسان .

خاتمة : المسرح هو اللحظة التي نوقف فيها حياتنا .

ولو أن المجال مجال سرد لاطلقـت اللسان بما يزيـن

ولكن اللسان له قيــود فمهلا .. سوف تطلقه السنين . ) محمد احمد محجوب (

ما خططته الآن مجرد انطباعات عامة أكثر منها محاولة توثيق لمسيرة المسرح في السودان ، والدعوة إلي فتح حوار جاد حول الدور الذي نتوقع أن يلعبه المسرح في تثبيت قيم الحرية واستشراف مستقبل واعد لبلد قتلته الأطماع والأيدولوجيات البليدة .

قد تكون أشبه بالسيرة الذاتية غير المكتملة ، استحضرتها والعالم يحتفى باليوم العالمي للمسرح ، وأرجو ان تجد من يتناولها بشكل أفضل و أكثر عمقاً مني.

ربما قصدت هنا أن ألفت نظر زملائى وأصدقائي من المسرحيين ( جيلي والأجيال اللاحقة) لعدم ذكرهم نظراَ لضيق المساحة برغم حضورهم القوي في مسيرة المسرح السوداني

قصدت أن اذكرهمبأنها خير مناسبة لنعود لتلك الأوقات القريبة من النفس ، والمليئة بالمعانى ..وينبغي أن لا ننسى يوماً أو يغيب عن أذهاننا لحظة إن ثقافتنا مبنية على الكلمة ، والمشروع المسرحى لا يمكن أن يكتمل ويتقدم إلا إذا استقامت منطلقاته، تلك المنطلقات التي افتقدناها وضاعت من بين أيدينا لثلاثة عقود عجاف.



الدوحة 2020
أضف رد جديد