لا أحد يموت في العشرين

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

لا أحد يموت في العشرين

مشاركة بواسطة حسن موسى »


لا أحد يموت في العشرين


1
أمجد ابو العلا "اسد المستقبل" :

"ستموت في العشرين" عنوان موفق لفيلم أمجد ابو العلا الأخير [و "الأول" في فئة الفيلم الروائي الطويل]،كونه عنوان ذي حدّين. لأنه، من جهة، يلخص موضوع الفيلم كنظر سينمائي متأمّل في سيرة الموت[و الحياة]،مثلما هو، من جهة أخرى، يطمس الشواهد المفهومية المألوفة في تعريف الموت كحد يكسب فعل الحياة معناه. و في مشهد الطمس ينطرح أمام صانعي الفيلم أكثر من أحتمال لاستثمار فرص الكوميديا الإلهية المتكنّزة بين أقدار الحياة و الموت .ذلك أن هذا الطفل الذي تنبأوا له بأنه سيموت في العشرين ،يملك ـ لو أراد ـ إبطال مفعول نسخة "كتاب الطبقات" من التراجيديا الإغريقية ، على زعم أن هذا الذي سيموت في العشرين،أفضل حالا ممن يموتون قبل العشرين "لا سيرة لا عديلة لا حنّة لا ضريرة" و بدون سابق إخطار من الجهات المعنية.أو قد يجمح إلى التمتع بالحياة متمردا على أعراف المجتمع بلا عوارض، و لو شاء يؤخر يوم التوبة حتى الاسبوع الأخير من عشرينه ثم يذهب إلى الجنة راضيا مرضيا.
لكن أمجد ابو العلا فنان "جاد"،اشاح عن فرص الكوميديا و راهن على الثقل التراجيدي للحكاية في استقطاب الجمهور ،و هو رهان مشروع في مبدأه لكن مشروعيته لا تضمن نجاحه.فالفنان التراجيدي صانع و حرفته لا تنهض ما لم يتوفر عليها بأدواتها وطرائقها.و لوفحصنا منهج أمجد أبو العلا في تخليق البناء التراجيدي نجده ينجح منذ البداية في بذل و صيانة الثقل الدرامي للحدث التراجيدي من خلال البلاغة السينمائية البصرية . وفي مقام الصنعة المشهديةشهد أكثر من شاهد بالمهارة الحرفية العالية في تصميم الصور .[ربما بفضل مساهمة مدير التصوير الفرنسي"سباستيان جوبفير"].لكن السينما كتمثيل يعيد صناعة واقع الناس و يعرضه على" الشاشة الغشاشة"، لا تستغني عن التصاويت الكلامية و الطبيعية و غيرها.و في ظل الشغل البصري العالي يبدو أمجد أبو العلا كمن يستغني بغنيمة التصاوير عن كنوز التصاويت التي تنتظره في ثنايا المشهد الريفي :"صوت الريح و هي تمر بالنخل غيره و هي تمر بحقول القمح ،و سمعت هديل القمري و نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا"[الطيب صالح،"موسم الهجرة"]. حساسية الطيب صالح العالية لبعد التصاويت المكانية كسبت لقريته ذلك البأس الأدبي الذي اجتاح كل قرى القصاصين السودانيين و لم يترك فيها نفاخا للنار . هذه الحساسية المرهفة تجاه تصاويت الطبيعة شبه غائبة في فيلم أمجد ابو العلا. أما تصاويت البلاغة الأدبية لشخصيات الفيلم فهي ضعيفة جدا و الحوار متعثر و على درجة من الخراقة البلاغية تجعل المشاهد يفضل لو أن ابو العلا ألزم شخصياته الصمت التام.بل أن فيلم أمجد أبو العلا يملك في معظم مشاهده أن يستغني عن "الكلام المباح" ليصير فلما صامتا بأصالة معاصرة مبدعة.هذا هو إحتمال "الصمت من ذهب" ضد معدن الثرثرة الخسيس الذي يلبك مشاهد الفيلم. و يمكن مؤاخذة تصاويت الفيلم الموسيقيةعلى ضعفها و مفارقتها لروح القرية السودانية[من يستمع لأسمهان في السودان اليوم؟]. على كل، ثقتي كبيرة في أن أمجد ابو العلا سيتحسّب لتداخل التصاويت و التصاوير في أفلامه القادمة فعمله المبذول أمامنا ينبئ بمولد فنان سينمائي صاحب بصيرة، و أهلنا قالوا « العترة تصلح المشي »و الجائزة التي نالها أمجد أبو العلا عن فلمه الأول، اسمها "أسد المستقبل "ـ.

سأعود
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ستموت في العشرين .. وعبقرية الصورة السينمائية


أسامة رقيعة



يبدأ فيلم “ستموت في العشرين” للسوداني أمجد أبو العلاء بمشهد فنيّ قوي تظهر فيه جيفة ثور بدأت في التحلل وقد هبط عليها صقر جائع ينهش لحمها مستعينا بجناحيه القويين محافظا على توازنه ومتهيئا للقفز هربا في الفضاء. كان الصقر يطالع في حذر ناحية الفضاء شبه الصحراوى الواقع على يمينه فتظهر لنا من تلك الناحية جموع غفيرة تحثّ السير بين تلال رملية صغيرة وهي قاصدة مكان ما. ثم نتبيّن في المشهد امرأة قروية تتقدم الجموع تحمل طفلا وإلى جوارها زوجها بالجلباب السوداني، ثم نسمع صوتا خفيفا يزداد اتساعا، وهو صوت دراويش ينشدون كلمة التوحيد )لا إله إلا الله) على إيقاع الطبل الذي يسمى محليا بالنوبة، وبعد برهة تؤكد لنا الصورة ذلك، إذ يظهر عدد ضخم من الدراويش أو (الفقراء)، يتوسّطهم رجل كبير، وهم يرتدون الجلابيب الملونة بالأخضر والأحمر (وتسمى المراقيع) وينشدون كلمة التوحيد ويهزون أجسامهم كأنما ينثرون عنها الدنيا زهدا فيها واستعدادا للموت الذي لا ريب فيه. تقترب جموع القرية في خشوع ناحية الرجل الكبير ، فتجلس المرأة قبالته، وتضع الطفل بين يديه، لنعرف أنها قد أنجبته حديثا وقد أسمته «مزمل» على اسم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأنها والجموع التي كانت تسير حثيثا علاوة على زوجها قد جاؤوا جميعا طالبين البركة من الشيخ أو الخليفة لطفلهم الوليد.
يُحنّك الشيخ الكبير الطفل الرضيع بوضع التمرات الممضوغة على فيه ثم يؤكد لأمه أنه طفل مبارك يشع النور من وجهه ثم يعيده إليها داعيا لها بأن يكون قرة عين لوالديه، وبينما هو يتكلّم يظهر من خلفه فجأة درويش ، أو كأنه هو ، ليصيح على إيقاع الطبل: سبحان الله 17 ، سبحان الله 18 ، سبحان الله 19 ثم وحينما يصل إلى سبحان الله 20 يسقط أرضا، وهنا يحسم الرجل الكبير الأمر، ويقول إن عمر الطفل عشرون عاما، إن الطفل «مزمل» سيموت في العشرين. وعلى الرغم من قوة المشهد الذي يحبس الأنفاس إلا أنني لم أجد رابطا فنيا بين دعوة الشيخ الكبير والتسبيحات التى قام بها الدرويش ثم سقوطه عند التسبيحة العشرين، ولم يفسر لنا المشهد ما الذي دفع هذا الدرويش إلى التسبيح عند الابتداء وهو الذي لم يكن حاضرا في المشهد من قبل؟ فهل هو طقس من طقوس الممارسات المتعارف عليها حين مباركة الأطفال في تلك القرية على غرار ما هو معروف لدى تعميد الأطفال في الكنائس أم هو مجرد مقتضيات فنية تم اقحامها للحديث عن فكرة الفلم وأن الموت قادم عند العشرين لا محالة؟ ولئن صحت هذه الفرضية تكون فكرة الفلم الفنية في صراع جدلي مع الواقع ، اذ انه وعلى الرغم من انتشار افكار الدجل والشعوذة تلك التى تستغل تقبل المجتمع القروى لافكار التصوف الاسلامي الا ان تدخل الدجالون في أحتساب أعمار المواليد وتحديد آجال موتهم فكرة غريبة غير معروفة وتظل مجرد فرضية فنية توسل بها الفلم ليقول كلمته ورغم اني اراها فرضية فنية ذكية الا انها كانت تحتاج الى معالجات مظهرية من ديكور ومؤثرات صوتية للتمييز بين ممارسات الدجل والشعوذة التى تعبث بأفكار البسطاء وتقتل طاقة الحياة فيهم ، وبين منهجية التصوف الاسلامي السليم الذي كان له دور غير منكور في سماحة الواقع السوداني وفاعليته أيضا .
على أية حال لقد كان حكم الدجال في الفلم قاسيا وختاميا خاصة حينما ذيَّله في مكر بعبارة “إن أمر الله نافذ” ولكن والدة الطفل ظلت تطلب من الدجال المراجعة والسماح والعفو، ثم تحول الأمر عندها إلى صمود ثم إلى مواجهة للحياة ذاتها. حيث ما إن عادت إلى منزلها حتى أعلن لها زوجها أنه لا يستطيع البقاء، وسيسافر إلى أثيوبيا للعمل وسيرسل لها المصاريف، وعلى الرغم من أنها أكدت له بكونها لا تحتاج إلى المال وإنما تحتاج إليه هو شخصيا بقربها، إلا أنه سافر إلى أثيوبيا وبعض البلدان الإفريقية الأخرى وختم سفرته في نهاية المطاف بليبيا، وقد كان سفرا فاشلا عاد منه بخفي حنين بعد أن كبر الطفل «مزمل» وصار شابًّا.
لم يعتد الرجل السوداني الهروب من الموت أو الأقدار بالأسفار ولكن والد «مزمل» قد فعل ذلك تماما في الفيلم، بل نراه حين عودته لم يسأل عن «مزمل» ذلك الذي تركه رضيعا وإنما خلد إلى النوم العميق، فانتظرت الزوجة الصابرة عودة الصبي «مزمل» لتخبره بعودة أبيه فيما هي تعد الطعام بالمطبخ. وقد أحالت بعض مشاهد الفيلم على حميمية اللقاء الأول بين الزوج وزوجته غير إنّ مشهدا لاحقا أكد لنا ما بدا بينهما من جفوة، حيث رفضت الزوجة يد زوجها حين حاول مداعبة وجنتيْها وخصلات شَعرها.
ان مشهد عودة الأب بدا باردا إلا من المشاعر التي تكون عادة بين الزوجة الصابرة والزوج الغائب طويلا، كان اللقاء خاليا من الحوار العميق الكاشف، وهو ما لاحظته في كامل الفيلم، إذ أن الصورة كانت دوما تحكى كل شيء مع المؤثرات السينمائية الأخرى كالإضاءة ودرجة الصوت والموسيقى وحتى الديكور، فحين أراد المخرج الإشارة إلى المكون الرومانسى لحبيبة الشاب «مزمل» ترك لنا صورة نزار قباني على جدار غرفتها مع بعض الكلمات المتفرقة خلال الفيلم وعلى هذا النحو كانت الصورة هي سيدة المعنى في الفيلم فيما كانت الفكرة هي البطل الحقيقي فيه.
إن أحداث الفلم اللاحقة، وبعد الحكم التنبؤي الذي صدر في شان الطفل «مزمل» بموته عند سن العشرين، أثارت لديّ تساؤلات كثيرة؛ فهل معرفة تاريخ موتنا على وجه التحديد يوقف فينا السعي من أجل الحياة أم يجب أن نعتبرها فرصة ثمينة لنعيش الحياة بطولها وعرضها حتى إذا اقترب أجل الموت تهيأنا له، على حدّ ما تدعو شخصية سليمان – المصور السنمائي – الذي يسكن في منزل الخواجة وقد أدّى دورها بحرفية مبهرة الفنان محمود السراج- حيث طاف كل العالم وامتزج بالحضارات الانسانية كلها وخبر منتوجها وملذاتها ثم أوضح رأيه بصراحة في أنه لو كان مكان «مزمل» لفتح شراع الحياة ليحتضن كل الملذات ثم يوظف كل من حوله لأجل حياته المحدودة ثم يسخر منهم هازئا في خاتمة المطاف ، أما شيخ الخلوة الذي يُحَفِّظ تلاميذ القرية القران قد كانت له وجهة نظر أخرى معارضة لمنهجة المصور السنمائي ، تتضح لنا حينما التقى بزينب والدة «مزمل» عند دكان الحلة وفقد جد الشيخ أن الطفل «مزمل» قد كبر تحت رقابة والدته وقيودها التى حرمته من كل شيء حتى من اللعب مع أطفال الحلة خوفا من الموت الذي لم يحن موعده ، فأقنع شيخ الحلة والدة «مزمل» بإطلاق يد الطفل ليتعلم القران حتى وإن كان سيموت بعد أيام قليلة، فيجب ألاّ يمنعنا معرفة تاريخ موتنا من الحياة. وبالفعل جاءت زينب بابنها «مزمل» إلى الخلوة في لحظة كان فيها طلاب الخلوة يقرؤون قوله تعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) في رمزية كبيرة إلى الموت القادم لا محالة لمِن عرف ميقاته أو لم يعرف. والفلم ملئ برمزية الموت القادم والحزن ولبس السواد مما جعل الفكرة هي البطل الأساسي في الحكاية، فأنت لا تستطيع أن تخرج بشخصية بطل رئيس للفيلم بل تخرج منه بحقيقة أنّ الأفكار كلها تعشّش في روحك، والأسئلة الملحة تحتويك، وذلك بالرغم من أن اختيار جميع شخصيات الفيلم يشير إلى عبقرية فذة، فهي ذات ملامح جسدية ونفسيّة كثيرة الإيحاء.
يتم الصبي «مزمل» حفظ القران كاملا على روايتيْ حفص والدوري، ففرح به أهل القرية، ولكنه ظل خائفا متعبدا بلا خطئية منتظرا موته الأكيد عند بلوغ العشرين. وعلى حبل ذاك الخوف استمرّت حياته، فعمل أولا في المسجد، ثم مساعدا في دكان الحلة، ثم عرف قلبه العشق، ولكنه عشق ضابي مشوب بالخوف وغير مليء بالحياة. وقد كانت الجارة الجميلة طالبة المدرسة الثانوية هي من ألهبت فيه نار الحب، وراحت تعلمه عدم الخوف، وتحثه على الإقدام على ملذات الحياة خاصة مع مَن يحب، ثم هي تمنحه قُبلة خاطفة وتخبره بعدها بما تفعله نساء الكمبو حيث إنهن يُقَبلن أي رجل دون حب كما لو أنها تريد أن تجعل الحب جواز سفر نحو الحياة وملذاتها دون خوف أو قلق مجتمعي، وهو مفهوم كان حريًّا بسليمان المصور السنمائي القادم من العالم المنفتح الكبير أن يؤطره بقول أحد الكبار لا بقول صبية القرية الريفية، فالواقعية المتخيلة يجب ألاّ تعدم الواقع بل تزيده ثراء ومعقولية.
عندما عمل الصبي «مزمل» في دكان القرية مساعدا للتاجر صاحب الدكان الذي يمثل الوصولية التى تريد الثراء بأي ثمن فإنه يبيع الخمر المحلي (العرقي) للمصور السنمائي سليمان الذي عاد الى قريته ليسكن وحيدا في منزل الانجليزي المهجور، وهكذا يكون الصبي «مزمل» الحافظ للقرآن والخائف من الموت هو الوسيط الآمن لإيصال العرقي الى هناك ، ثم تبدأ علاقة «مزمل» بالحياة وتقاطعاتها : وكان أول صراع له معها يومَ عارض صاحب الدكان حول بيع الخمر بقروش حرام فإذا بصاحب الدكان يقول له ساخرا: “جيب القروش هنا وامشى صلي ليك ركعتين تنفعك” وهنا تظهر لنا خيبات الواقع بجلاء، الواقع الذي سلب المستقبل ، حين تكون سجادة صاحب الدكان فقط للتخفي والتدين الكاذب في حين أنه يفعل في الخفاء ما يشاء. وتستمر علاقة «مزمل» بالمخرج السنمائي الذي يمثل بالنسبة إليه النافذة الوحيدة نحو الحياة، نافذة تمكنه من أن يرى عنفوان الحياة الكامل بدءًا من الخرطوم القديمة ذات الرخاء البهجة والمراقص وانتهاء بسيدة الاغراء العالمية مارلين مونورو.
لقد أحببنا شخصية المصور السينمائي لخفة دمه وسخريته اللاذعة من الحياة ومن مخاوفها، وذلك على الرغم من انتباذه مكانا قصيا من القرية واعتكافه على هامش حياة القرية برفقة مغنية الحلة التى هي في الأصل من نساء الكمبو بائعات الهوى. لقد ظل المصور السنمائي طوال الوقت على سخريته اللاذعة من الحياة أنه يحتسى العرق ثم يحاول أن يستفز «مزمل» لكي يبدأ الحياة على طريقته ، ولكن نهاية المصور السنمائي بالموت وحيدا في أحضان غانية هزمت منهجيته وطريقة دعوته للحياة فقد جعلت منه نموذجا مأساويا للإبداع، ومحاكمة قاسية لطريقته في الحياة. وكم كنت أتمنى لو أنه لم يمت، وأن يحيا ليكون قائدا ميدانيا للصبي «مزمل»وللغانية المغنية، فيصبح «مزمل» مخرجا سنمائيا كبيرا يمزج بين قيم القرية السمحة التى تعلمها وبين منتوج الحياة العصرية ، ثم تصير الغانية المغنية ذات دور ايجابي في الحياة ومن ثم شهيرة عالميا، فكلنا نحب الامان ونحرص على الحياة والتوازن والنجاح حتى في الفن، نريد ان نطمئن أيضا إلى أن طريق الإبداع هو الطريق الآمن لحياة ملئية بالحيوات والتفاعل لا أن تنتهي بنا إلى الموت في وحدة بلا أسرة ولا حياة حتى وان تخلف المجتمع او تحجر أمامنا .
لقد هزني مشهد المصور السينمائي حينما انقطع عنه «مزمل» بتوصية من والدته بأن لا يذهب إليه فهو مصدر السيئات والعمر ليس فيه متسع لفعل السوء، لقد عاد المصور يبحث عن «مزمل» في المسجد، كان «مزمل» منهمكا في تنظيف سجادتين في يده، فدخل المصور حافي القدمين إلا من الجوارب وهو يخاطب «مزمل» معاتبا إيّاه على الغياب، فقال له «مزمل» : “شو فائدة الغلط لزول حسابه قد اقترب”، فحمل المصور ورقة بيضاء رش عليها حبرا مؤكد له أن سواد الحبر يزيد من بياض الورقة حاضّا له على تجريب الخطايا . انها طريقة المصور السنمائي سليمان في الحياة ، وهذا المشهد خاصة كنت اتمنى أن يكون ثريا بالكلام فإذا كنا قبلنا مسألة شح الحوار في الفيلم كله ففي مثل هذا أحسسنا بالحاجة إلى اللغة الحوارية، فاللغة هي الحاضن الطبيعي للمعاني ومن ثم الأفكار.
تتطور أحداث الفلم الممتع، ويتعلم «مزمل» الحساب من المصور السينمائي، ويعود إلى المنزل ليجد أمه تحسب سنوات عمره التى مضت على ورقة ، فيما كانت سابقا تحسبها بخطوط على الجدار، فيأخذ «مزمل» منها الورقة ويعد فيكتشف أنه قد أكمل العشرين ولم يمت. كانت الأم تصر على «مزمل» أن يعيد الحساب مرة أخرى ، فربما يكون قد أخطأ العد، ولكن «مزمل» كان واثقا من عدّه، وعرف أنه قد أكمل العشرين ولم يمت بل لا زال يفور بالحياة. ثم تحدثنا الصورة عن غضبه العارم من أمه ومعتقدها الدجلي ويظهر ذلك في طريقته لإغلاق الباب من خلفه وهو يغادرها، ثم من طريقة نظرته إلى المكان الذي كان فيه الدجال ، ثم ينتقل بنا المشهد إلى «مزمل» وهو في منزل المغنية بائعة الهوى وقد فرغت للتو من فاجعة موت رفيقها المصور السنمائي سليمان ، فقدمت المغنية العزاء لـ «مزمل» ، قالت له إن المصور تركنا جميعا ورحل، وقد ترك لك معدات التصوير جميعا، ولكن «مزمل» أعلن لها انه لم يأت للعزاء فيه، إنه أتى إليها ، للنيل منها ومن ملذاتها ثم صارعها على نحو أقرب إلى الاغتصاب ولكنها في النهاية استسلمت له، كان «مزمل» يصارعها ويقول: “جميعكم تريدوني أن أعمل حاجة ، أن أصبح رجلا”، ولكن التحدي أمام «مزمل» لم تكن الرجولة، وإنما كان هو الموت بشبحه المخيف، هل الجنس هو السبيل الوحيد للحياة كي تكافح به الموت، اذ انه يرفد الحياة بحيوات أخرى في كل مرة ، هل كان «مزمل» يريد أن يهزم الموت أم ليجرب حبر الخطايا ؟ ، لقد فعل «مزمل» فعلته تلك ونام حتى الصباح ثم استيقظ على صوت غناء البنات في القرية احتفالا بزواج حبيبته التى كان قد امتنع عن التقدم لخطبتها بسبب خوفه من الموت، خرج «مزمل» من بيت بائعة الهوى وعبر القرية وأصوات غناء البنات والدلوكة تقرع سمعه، تصورت أنا وللوهلة الأولى أنه عائدا لاقتلاع حبيبته كي يبدأ الحياة ، ولكنه اختار طريقا آخر يخصه هو فقط، فهو لم يختر طريق المصور السينمائي سليمان حيث أنه لم يتقبل فيه العزاء ولم يأخذ شيئا مما أهداه له بل مارس الخطيئة مع عشيقته ، كما أنه لم يختر طريق شيخ الخلوة الذي علمه القرآن لانه ارتكب الخطيئة ثم خرج راكضا خلف عربة (لوري) وهي تنهب رمال الطريق أمامه في سفرها الطويل الى خارج القرية ، سيرحل «مزمل» من القرية ربما الى الخرطوم وعبرها الى العالم ولكنه ليحيا كما يريد لنفسه ولكم تمنيت لو أنه يعود إلى القرية ثائرا ضد الجهل والتخلف والاكاذيب مضيفا للحياة عنفوانا واتزانا وأمل ، على نحو ما فعل شباب السودان مؤخرا .
يعتبر فيلم “ستموت في العشرين” هو أول فيلم روائي سوداني طويل منذ عشرين عاما وقد حاز على جائزة مهرجان البندقية السينمائي، وجائزة نجمة الجونة الذهبية لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وجائزة التانيت الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية، وقد جرى تصوير الفيلم في منطقة الجزيرة جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، وهو من بطولة مصطفى شحاتة وإسلام مبارك، وبثينة خالد، وطلال عفيفي،و بنة خالد، ومازن أحمد، ومحمود السراج.


https://raidat.net/?p=9698&fbclid=IwAR1 ... kllyMT13ak
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أوديب هاربا

مشاركة بواسطة حسن موسى »






2

اوديب هاربا


التنظيم العام للسردية السينمائية ،في فيلم أمجد أبو العلا : "ستموت في العشرين"،يهيئ المشاهد لقبول قوة النبوءة الواقعة على البطل اليافع و اسرته و مجتمع القرية كله. هذا القبول هو حظوة أمجد أبو العلا الكبرى لأنه يسوغ له مواصلة نسج التفاصيل الدرامية التي تؤثث زمان المشاهدة في يسر تام. و بما أن مصداقية نسيج التفاصيل الدرامية للفيلم تعتمد على جملة من الوسائل و المهارات المتداخلة، فقد لفت نظري الحضور الأدائي المتفاوت القيمة للممثلين. و أظن ، غير آثم، أن فيلم أمجد ابو العلا تضرر كثيرا من ضعف أداء بعض الممثلين، إما بسبب تواضع حيلتهم المهنية أو بسبب قلة مواءمتهم للدور الذي عهد به اليهم. و إختيار الممثلين و توجيههم مسئولية المخرج الرئيسية.و قد يشفع لأمجد أبو العلا كون جل الممثلين أتوا من خلفية غير أحترافية، لكن معرفة المخرج المسبقة بنوعية الممثلين الذين يعملون معه تفرض عليه الإنتباه المتزايد لأداء ممثليه.لحسن حظ أمجد أبو العلا أن الفيلم استفادكثيرا من حضور إسلام مبارك التي لعبت دور الأم و طلال عفيفي الذي لعب دور الأب بكفاءة ، فضلا عن بثينة خالد و بونا خالد و محمود السراج و رابحة محمود.
أنا لم أقرأ[ بعد] قصة الكاتب حمّور زيادة :"النوم عند قدمي الجبل"، التي انبنى عليها السيناريو ، و لا أدري كيف صوّر حمور زيادة شخصياته التي تجسدت في فيلم أمجد أبو العلا، لكن ضايقني إهمال السيناريو للإشارات التي تخدم العمق الرمزي و النفسي لشخصية محورية كشخصية مزّمّل، بطل الفيلم.و الممثل[ أو الممثلين؟] الذي[ الذين] يلعب/ون دور مزمل الطفل يبدو ن أسعد حظا من مزمل الشاب[ مصطفى شحاتة] ،الذي يتحرك و يتكلم و يضحك و يغضب و يبكي بضحالة مشهدية لا تسمح للمشاهد برؤية الأعماق الوجودية للشخصية، ربما لأن الحوار لم يساعده كثيرا، حتى أن أفضل لحظات حضوره تبدو هي تلك المرات التي ينظر فيها في الفراغ متأملا صامتا . ربما لأننا لم نفهم منهج أدائه في تجسيد شخصية مزمل البالغة التركيب، و ربما لأن السيناريو لم يعلو لمقام التركيب النفسي الكبير لهذه الشخصية الخارجة من ثنايا التراجيديا الإغريقية.فمزمل ،في حضن أمه، يبدو غارقا في إثم أوديبي زائف لأن الأقدار تعاقبه على ذنب لم يقترفه ،مثلما يبدو مسكونا ببراءة غامرة مستوحشة وحشة "حي بن يقظان"  في جزيرته مع أمه الغزالة.و بين أوديب و حي بن يقظان شبكة واسعة من الإلتباسات النفسية قمينة بزعزعة أشد الممثلين مراسا، لكن مزمل/مصطفى شحاتة يعبر أزمنة الفيلم و أمكنته غير مبال بالهدايا الدرامية التي يبذلها أمامه أوديب و حي بن يقظان و شركاهم .و يعيّره " فقيري"، صاحب حانوت القرية الذي يبيع العرقي سرا، يعيره بهذه البراءة الغبية. فحين يعترض "مزمل" على بيع الخمر، يسخر منه "فقيري" بقولهّ :إنت قايل نفسك ماشي تموت بدون ذنوب زي يوم ما أمك ولدتك؟ »ـ.و براءة "مزمل" الشاب تغيظ" سليمان" السينمائي المتقاعد الذي يغمره بأبوّة مسمومة منتحلة تحرضه على التمرد على أعراف مجتمع القرية.
و حتى في لحظة خروجه من شبكة البراءة الغشيمة فإن وحشة مزمل تتفاقم بخراقة غير متوقعة لأنه يهلك وحيدا في الدرب الوعر و يموت أخلاقيا في العشرين. هذا الموت الأخلاقي غير المتوقع للبطل يخذل المشاهد الذي وطّن نفسه على التعاطف مع هذا المزمل الماثل كضحية سامية لأقدار الآلهة البعيدة. و يبدو موت مزمل الأخلاقي كخيانة مزدوجة واقعة على شخصية البطل، مزمل، و على المشاهد المكلوم في آن .ذلك أن سيناريو أمجد ابو العلا لم يجد مخرجا لمزمل أفضل من إلغاء وعيه بذاته عن طريق السكر، ثم إلغاء تاريخه الشخصي كفرد مندمج في مجتمع القرية و يتمتع بتقدير الجميع كونه حفظ القرآن، بل و إلغاء الخيار الإنساني الوحيد الذي خلّقه مع شخص راشد من خارج حلقة أهل القرية ،مثل سليمان السينمائي. السيناريو يلغي علاقة البنوّة الرمزية التي بناها مزمل مع سليمان السينمائي الذي يعتبره كأب حقيقي. و السيناريو يفاجئ المشاهد بالتحول السريع في شخصية مزمل.فيغيبه في الخمر ثم يدفعه دفعا لإغتصاب "ست النسا" ، رفيقة سليمان السينمائي، في تطبيق أخرق لوعد أوديب يجعل مزمل يقتل اباه الرمزي [سليمان/ لايوس] بالعرقي المغشوش و يغتصب أمه الرمزية[ست النسا /جوكاست] و يدفع ثمن خطيئته من المال الذي كسبه من عمله في المسجد. و فظاظة موقف [مزمل/ أوديب] تتأتى من القصد الواعي في مسلكه بالمقارنة مع" أوديب" "سوفوكليس" الذي قتل أباه جاهلا بهويته و تزوج أمه جاهلا بهويتها.و إذا كان أوديب سوفوكليس يعاقب نفسه بسمل عينيه على الخطيئة المنتحلة إنتحالا، فأوديب أمجد ابو العلا ينجو بجلده من عواقب خطاياه الحقيقية و يهرب من القرية جاريا وراء شاحنة لا يدري أي وجهة تقصد. أغلب الظن أن مزمل سيصل للمدينة الكبيرة و ستبتلعه اقدار جديدة تجعل منه شخصا مغايرا.
أمجد ابو العلا ، في هذه الخاتمة الغريبة المشاترة ،يجد نفسه في مقام من" جاء يكحلها عماها"، لأن مشهد إغتصاب رفيقة سليمان ـ التي ينوه السيناريو بصفتها كعاهرة ـ سيلتف على أمجد ابو العلا ، كما السفروق، ليعاقبه على خطيئة مفهومية لا تغتفر. ذلك أن خطيئة سيناريو أمجد ابو العلا هنا تتلخص في تسويغ مشهد الإغتصاب الأخرق بكون الأنثى المغتصبة تمثل كعاهرة.و أظن أن أبو العلا لن ينتظر طويلا قبل أن يتلقى اعتراض الكنداكات الخارجات من ذاكرة ثورة ديسمبر:لا يحق لأحد تسويغ إغتصاب امرأة حتى و لو كانت عاهرة.و هذا الموقف يفتح الباب لريح منازعة جندرية جديدة لا أظن أنها كانت في حسبان أمجد ابو العلا حين صنع فيلمه . غايتو يا أمجد ،شيل شيلتك و أنحنا برّة.

سأعود
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في الاثنين مارس 02, 2020 4:31 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

سلام يا حسن وعادل

شاهدنا فيلم أمجد أبو العلا (مع عزة ونوار)، وخرجنا منه بقراءة تتفق مع قراءتك فيما يتعلق بالثرثرات الكثيرة الطويلة بينما كان الصمت أجمل، ثم نهاية الفيلم المفجعة باغتصاب ست النسا.
عندما خرجنا من الصالة، توقعت أن يكون رد أمجد أبو العلا على قدر غضبة نوار/غضبة ثلاثتنا المشروعة وهي تسأله عن جدوى هذه النهاية التي كادت أن تطيح بكل الفيلم. حاول أمجد أبو العلا أن يقول أن هذا التصرف ليس اغتصاباً. لكنه لم يفلح في محاولته. ثم أنهى الحديث سريعاً ليتكلم مع أشخاص آخرين حول مواضيع أخرى. وكأن أمجد أراد أن يسد سريعاً هذا الباب المفتوح "لريح منازعة جندرية جديدة لا أظن أنها كانت في حسبانه حين صنع فيلمه".


صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

.

https://www.youtube.com/v/MjKHkJsXm9A

نجحت إسلام مبارك في تجسيد دور زينب بحزنها واكتئابها وتعاستها لدرجة أن توقعت أن أجد وجها عبوساً وأنا أبحث عن صورة أو لقاء تلفزيوني معها، فجاءت الصورة على عكس ما توقعت :).
استغربت لإهمال آمال مصطفى في غالبية الكتابات عن الفيلم، مع إنها كانت تلقائية في أغلب المشاهد. لكن الأهم من ذلك شجاعتها في القبول بتجسيد شخصية ست النساء في سينما لا زالت محاطة بالتابوهات.
وعلى كل حال، يبقى الفيلم إضافة جديدة في مسار السينما السودانية التي تعثرت كثيراً من كثر العوارض.

صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

ادناه ملاحظات وانطباعات عامة عن فيلم ستموت في العشرين. مقتطف من مناقشة داخلية في الماسنجر مع الصديق طلال عفيفي ،بعد مشاهدتي للفيلم في عرض برلين نوفمبر نهاية العام الماضي :

لكن ممكن ملاحظات عامة ... القصة دايرة شوية اجتهاد من حيث البناء الدرامي، تحس ان الراوي متدخل تدخل شديد في الشخصيات بتاعته وحملها خطابات سياسية واضحة وفرزها فرز تجريدي بحت بدون إبراز اوجه التناقض بين القوى المتصارعة (الحلال بين والحرام بين) وتفادى الامور المتشابهات ، نجد كل الشر كامن في الشخصية الدينية او المؤسسة الدينية الشعبية المرمز ليها بالقرية الفاضلة،الموت، الجهل،التخلف،التحرش الجنسي والتنمر،الاستغلال والحب الضائع ... وفِي المقابل الصورة المعاكسة لذلك في بناء شخصية سليمان ، الحرية ،الفنون،الموسيقى والسينما، تعليم مزمل الحساب ومحو أميته، وابراز متلازمات الحرية وحصرها في معاقرة الخمر واتخاذ خليلة عاهرة،بمعنى ان الراوي حدد بشكل مباشر الخطابات والجمل الروائية والموقف منها بدون اجتهاد وعقد درامية متداخلة. الاخراج جيد جداً تحس بقوة الشوتينغ تبع المشهد وصدقه في إبراز العلاقات البصرية البحتة والقطع جيد بل اكثر من ذلك ممتاز،السيناريو محترف جداً ما فيهو كلام عيبه الوحيد الإكثار من اللوحات او المشاهد الفولكلورية، الكارنفالية. وبالطبع الحوار مشكلة الدراما السودانية المزمنة داير شوية اجتهاد تحس فيهو فراغات تحتاج ان تملاء لاضفاء حيوية على مشهد التمثيل واحتكاك الشخصيات ببعضها البعض وبناؤها الداخلي، اما الموسيقى التصويرية في مشاهد كثيرة كانت برضو بتلعب دور المؤثر الصوتي المباشر مثل مؤثر اغنية يا شعباً لهبك ثوريتك، الاغنية الوردية في الدخول لشخصية سليمان مع ديلفري العرقي من مزمل، في تقديري كان مؤثر غير موفق لانه اول شئ يعتبر مؤثر خاص جداً لا يفك شفرته الا المشاهد السوداني وتحس بيهو مقحم اقحام ،ما اعتقد ان المخرج اعتمد على تأليف موسيقى مخصصة للفيلم تبعه مبنية على المشاهد واللوحات (ساوند تراك ). لكن الساوند سيستيم بتاع الفيلم وجودة الصوت كان احترافياً بمعنى الكلمة...التمثيل والاداء الحركي جيد جداً من وجهة نظري الخاصة والإضاءة عبرت بشكل جيد عن محتوى فكرة الموت،بالتحديد المشاهد داخل منزل مزمل وامه الكان اشبه بزنزانة سجن مظلمة يزاورها الضوء من منافذ ضيقة، زي ما قلت كانت موفقة للغاية والمونتاج ايضاً بديك احساس ان المشاهد مختارة بعناية ومجمعة من عدة شوتينغ إلى آخره

ملاحظة تانية نسيت اقولها حول المشاهد الحميمية، كانت جريئة في الاختيار لكن ادائها او تنفيذها كان باهت وحذر من الممثلين!! في تقديري كان الأفضل إلغاءها وتعويضها بأشكال ايحائية بدلاً عن ظهورها بضعف.
السايقه واصله
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

راوى

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام وليد
كتبت عن راوى

لا توجد شخصية راوى فى الفيلم
لعلك تقصد المؤلف
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

سلام محمد سيد احمد

الراوي اشارة الى الخطاب السردي في قصة الفيلم الروائي وهو ليس شخصية محددة ولا تعني المؤلف، بل تشير هنا الى الخطاب البسعى لربط مضمون القصة في شكل محدد، حيث تكون لها بداية وسط ونهاية، وهذا الخطاب يحدد بناء الشخصيات وتقويلها ما تقول ويحركها في الاطر الزمانية والمكانية ولان القصة لا تتحدد وترسل للمتلقي فقط بمضمونها بل ان الشكل أو الأسلوب،الحبكة وما الى ذلك وكل العلاقات التي يقدم بها هذا المضمون. اقراء قول الممثل الالماني Karl Kayser : ((إن الرواية لا تكون مُتميَّزة فقط بمادتها ، ولكن أيضا بواسطة هذه الخاصيّة الأساسية المتمثلة في أن يكون لها شكل ما ، بمعنى أن يكون لها بداية ووسط ونهاية)) وهذا هو الخطاب السردي المشار اليه في المقتطف تبعي بالراوي.
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

حذف للتكرار
السايقه واصله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

حرب الشكل و المضمون

مشاركة بواسطة حسن موسى »




3
حرب الشكل و المضمون

كتب الناقد السينمائي أنيس أفندي في موقع"إضاءات"، 25سبتمبر 2019
https://www.ida2at.com/you-will-die-at- ... an-review/
بعنوان :

فيلم «ستموت في العشرين»: حتى لا يمرض أسد السودان
تقريرا نقديا مفصلا عن فيلم أمجد ابو العلا، و قد ادهشني مكتوب انيس افندي لأنه يغالي في اتخاذ سمت الناقد السينمائي الذي لا يعجبه العجب و لا الصيام في رجب . و من علياء موقع المعلم يبذل للقراء حكمته السينمائية في بداهة ناجزة :
"السينما فن شديد التركيب إذ يتألف من الكثير من العناصر المتداخلة، ومن ثم فإن المعايير الجمالية ليست بسيطة وإنما على قدر من التركيب والتعقيد كذلك، غير أنها يمكن تبسيطها في ثنائية الشكل والمضمون، والتي يعبر عنها سؤالان أساسيان: ماذا تريد أن تقول؟ وكيف تقوله؟"
و لو طبـّقنا حكمة أنيس افندي الـ "ماذاكيفوية"على مكتوبه لراعنا اضطراب مبانيه و ضعف معانيه،فهو يقول الشيئ و ضده و يصول و يجول كما البتاع في مستودع البلاغة العربية.ففي مطلع مقاله يقرأ القارئ قوله: » وكيف يكتب الناقد عن فيلم متواضع المستوى الفني في مثل هذه الأجواء؟"، بينما يختتم الأفندي نفس المقال بـ"فيلم «ستموت في العشرين» هو بالتأكيد فيلم هام وجيد الصنع ولا يخلو من الجماليات على المستوى البصري، ويستحق كل الاحتفاء والتقدير لما حققه من إنجاز بمهرجان عالمي مرموق مثل مهرجان فينيسيا، .. »ـ
ثم أن عبارة الأفندي تتكشف عن نبرة تحامل مجاني على فيلم أمجد أبو العلا. و تحامله يبدو واضحا في عبارته » بعد مشاهدتي للفيلم كان السؤال الملح: كيف ستكتب عن هذا الفيلم الذي يبالغ الجميع في الاحتفاء به، ؟»ـ لأن أنيس أفندي بدلا من أن يشجع الفنانين الذين اجتهدوا في تحقيق هذا العمل الفريد ،في ظروف سودان الإسلاميين، فهو يحتج عليهم بالبلاء الواقع عليهم و المتمثل في فقر الإنتاج السينمائي السوداني وفي مجمل الصعوبات الفنية و السياسية التي تجعل مجرد التفكير في السينما في بلد مثل السودان عملا بطوليا . ولنا في فيلم "الحديث عن الأشجار"، لصهيب قسم الباري ،أفضل شهادة سينمائية على الصعوبات التي يواجهها السينمائيون السودانيون .
أنيس افندي يحتج على أمجد أبو العلا بأن الصعوبات التي واجهها بسبيل انتاج الفيلم كسبت للفيلم «طابعا رومانسا» يجعل الجميع يبالغون في الإحتفاء به. و هو إحتجاج متربص يليق بحاسدي القرد على ذلك الإحمرار الرومانسي الذي استحق عليه الفيلم جائزة "أسد المستقبل" التشجيعية من مهرجان البندقية .ذلك أن مانحي الجائزة لو كانوا اكتفوا بـ" جزا المعروف عشرة كفوف" لرضي عنهم هذا الأفندي النابه الذي استكثر على أمجد ابو العلا و رفاقه الأماجد فضل التشجيع . لا يا باشا، مايصحّش كدا، الجائزة دية "جائزة مرموقة من أحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، دفعت بالفيلم إلى دائرة الضوء، لا سيما وأنه ينتمي إلى السينما السودانية شحيحة الإنتاج، فالفيلم هو السابع في تاريخ السينما الروائية السودانية، والأول منذ عشرين عامًا. كل هذه العوامل أضفت طابعًا رومانسيًا على الفيلم حتى قبل مشاهدته، ورفعت بالطبع من سقف التوقعات، فكيف لاقى الفيلم هذه التوقعات؟".
و حتى حين يعترف أنيس افندي للفيلم بفضل الإحكام المشهدي البصري في تأطير المشاهد و الإضاءة و تصميم الديكور و الأزياء إلخ، فهو يلتف على إعترافه الإضطراري بحيلة في بؤس التعارض المدرسي البائد بين" الشكل" و " المضمون". يكتب أفندي : »كل هذا جميل ولا يمكن الاختلاف عليه أو إنكار فضل صناع الفيلم فيه، ولكن هل حقًا يمكن للشكل أن يغني عن المضمون؟
العناصر البصرية هي بالطبع مكونات تأسيسية في فن السينما، ولكنها ليست غاية في حد ذاتها، وإنما مجرد أدوات يستخدمها صانع الفيلم للتعبير عن أفكاره ومشاعره ورؤيته الخاصة لموضوع فيلمه وقصته وأبطالها. ولكن ماذا لو لم يكن هناك ما تعبر عنه هذه الأدوات؟". يفهم القارئ من كلام أنيس أفندي أعلاه أن فيلم "ستموت في العشرين" هو مجرد ركام من التصاوير التقنية حصّلها أبو العلا بفضل عنايته بـ"الشكل" على حساب "المضمون" . لكن لو تأنـّى أنيس افندي عند التعريف البدائي الدارج للـ "سينماتوغرافيا "
cinématographe
لاكتشف أنها "فن التصاوير المتحركة" الذي يملك أن يستغني بالتصاوير عن كل مضمون أدبي، كما علّمنا تاريخ السينما الصامتة.و رغم أن مرحلة السينما الصامتة التي أورثتنا أعظم الآثار الإبداعية تبدو اليوم كما لو كانت صفحة و انطوت ،إلا أن العودة لسحر السينما الصامتة ما زال يراود كبار السينمائيين الأوروأمريكيين مثل "ميل بروكس"في" السينما الصامتة" و "إتوري سكولا" في " الحفلة" و"مارتن سكورسيس" في "هوغو" و"ميشيل هازانافيسيوس" في" الفنان"

Silent Movie, Mel Brooks, 1976
Ettori Scola,The Ball, 1983
Hugo,20,M.Scorsese,2011
Michel Hazanavicius,The Artist,2011
. ذلك لأن "الشكل" البصري في السينما[ و في غيرها] هو في نفس الوقت "المضمون" المحوري للأثر السينمائي. للإستزادة أنظر :

https://journals.openedition.org/transatlantica/5799

غايتو يا امجد ابو العلا قالوا" المابريدك يحدر ليك في الضُلمّة" لكن إنت واصل طريقك و أنحنا بنساعدك بالفاتحة و لو لقينا طريقة برضو نبرّك ليك اهلنا الفقرا و الأولياء و الصالحين القالهم محمد النور بن ضيف الله، قشّة ما تعتـّر ليك.
سأعود

…....
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »


فيلم «ستموت في العشرين» والدهشة الأولى

آية الأتاسي
(كاتبة سورية)




سرّ الحياة الأكبر هو لغز الموت الذي نتفهمه ولا نفهمه، ولا نعرف ساعة حدوثه، ولكن كيف ستكون حياتنا، لو كنا نعرف مسبقاً تاريخ موتنا؟
حول إشكالية الموت والحياة هذه، تدور أحداث فيلم «ستموت في العشرين» للمخرج السوداني أمجد أبو العلا، الذي عرض في دبي مؤخراً، وامتلأت صالة السينما بالجالية السودانية، التي قد يكون الفضول دافعها الأول للمجيء، بعد أن سبقت سمعة الفيلم والجوائز التي نالها العرض، ولكن بلا أدنى شك حضر السودانيون الفيلم، وهم عطشى للفن السابع، بعد أن فرضت عليهم الإقامة الجبرية لمدة ثلاثة عقود في بلد أغلقت صالات السينما فيه، وتوقف الإنتاج السينمائي فيه منذ عشرين سنة.
وقد بدأ التحضير لهذا الفيلم قبل ثلاث سنوات، خلال فترة حكم البشير المعادية للفنون والإبداع، وكانت التجربة مجازفة دخلها المخرج الشاب الذي عاد إلى أرض أجداده، بحثاً عن القصص التي لم ترو، والوجوه التي لم تعرفها الكاميرا، وأماكن التصوير العذراء.
واختار أبو العلا قصة قصيرة بعنوان «النوم عند قدمي الجبل» للكاتب السوداني حمور زيادة، ليصنع فيلمه الروائي الطويل الأول عن السودان، الذي أمضى فيه سنوات طفولته قبل أن يغادر مع عائلته إلى الإمارات العربية، وقد أضاف الكثير من ذاكرته الطفولية إلى القصة التي تدور حول الطفل مزمل، الذي يتنبأ له أحد الشيوخ الصوفيين وهو رضيع بالموت في سن العشرين، بعد أن يفقد أحد الدراويش وعيه في التسبيحة العشرين، فيتحول مزمل إلى إنسان ميت، أو حي في انتظار الموت.
والد الفتى يخاف الارتباط العاطفي بطفل محكوم عليه مسبقاً بالموت، فيسافر إلى إثيوبيا بحثاً عن عمل كحجة للغياب، ولا يعود إلا بعد عشرين سنة ليبحث عن كفن لابن عاش غريباً عنه. أما الأم التي لعبت دورها بتميز الممثلة السودانية إسلام مبارك، فهي المرأة القوية التي تمسك بخيوط لعبة الحياة والموت، وتنذر نفسها لتربية ابنها، لكي يكون ابناً باراً للموت، فترتدي الأسود حداداً عليه في حياته، مستسلمة لحزن بلاد النوبة الأسمر، الذي يتحول لعادة وجلد للذات.


وهكذا يعيش «مزمل النور» حياته في عتمة أشبه بالقبر، ويموت عشرات المرات في حياته، ويتعرض للتنمر من الأطفال الذين يحاولون استباق الموت، فيدهنون جسد الطفل بالرماد ويكفنونه، ثم يلقون به في صندوق، في مشهد شديد القسوة رغم جماليته السينمائية، ولا يبقى للفتى من صديق، سوى طفل مصاب بمتلازمة داون، محكوم عليه أيضاً بعمر قصير. وتحت سطوة هذه النبوءة اللعينة يعيش الفتى من دون أن يجرؤ على الحب والحلم، في حياة تعيسة نذر لها أن تكون قصيرة جداً، ويمر الزمن ثقيلاً عليه، وهو لا يعرف الحساب، بل سنين عمره يراها خطوطاً تحفرها الأم على جدران غرفة مظلمة، ليعدها الطفل، كما يعد السجين أيامه على جدران زنزانته.
بل إن مفهوم الزمن في الفيلم يبدو غائباً وكأن القرية منسية تماماً، وهي قرية استحضرها المخرج أيضاً من ذاكرة طفولته في منطقة الجزيرة وسط السودان، حيث تنتشر المزارات والقبب الصوفية. وعلى الرغم من أن رسالة الفيلم تكمن في إدانة للممارسات والمفاهيم الخاطئة في الصوفية، إلا أن الصوفية حضرت أيضاً في الفيلم بألوانها الزاهية وموسيقاها، كما في مشهد البداية، حيث يبارك الشيخ الصوفي الرضيع مزمل، أو في مشهد الدراويش على متن القوارب الحمر، التي تعبر النيل الأزرق في مشهد ساحر يحيلنا إلى فيلم «المرح الباكي» للمخرج اليوناني أنجيلوبولوس. ولأن كل الجهات تقود إلى النيل في بلاد النوبة، فهو يكنى بالبحر، ويصفه الروائي الطيب صالح بـ«الإله الأفعى»، لهذا نراه حاضراً بقوة في الفيلم، كما هو حاضر في الحياة السودانية.. نهر بلا بداية ولا نهاية، نبع للحياة وطريق هروب من القرى المنسية النائية، وهو أيضاً فخ للغرق والموت.
أما الناجي الوحيد في الفيلم فهو المصور سليمان، الذي تجرأ على طرح الأسئلة المحرمة وغادر القرية باكراً ليجول الدنيا، ويذوق طعم الحرية، ويكتشف عالم السينما والنساء والخمرة، ثم يعود في شيخوخته إلى مسقط رأسه، حيث سيكون ابن الموت مزمل في انتظاره.
وهنا تحدث نقلة نوعية في حياة الشاب، الذي يكتشف الحياة وراء النيل، فيمسك العم سليمان بيده ويأخذه خارج الصندوق الذي سجن نفسه فيه إلى صندوق الفرجة الكبير «السينما»، مبتدئاً بفيلم الخرطوم للمخرج جاد الله جبارة، حيث تبدو فيه الخرطوم قبل 1989، المدينة التي لم يرها الشاب في حياته، لكنها السينما التي تستطيع المستحيل وتأخذنا إلى عوالم ساحرة وتدخلنا مدناً وثقافات مجهولة. وتأتي فكرة اكتشاف العالم من خلال الشاشة الفضية، والعلاقة بين الشاب مزمل والعم سليمان، لتحيلنا إلى فيلم سينما براديزو، والصالة السينمائية التي كانت أشبه بمدونة لسيرة بشر وبلاد، وهي تحية من الفيلم إلى المخرج الإيطالي الكبير تورناتوري.
ولوهلة تبدو المرأة أيضاً على مرمى شاشة، حين يأخذ العم سليمان مزمل إلى الممثلة هند رستم بكامل سحرها وأنوثتها في فيلم «باب الحديد» للمخرج المصري العالمي يوسف شاهين، الذي اكتشف أبو العلا السينما من خلال أفلامه. وسيذهب المخرج بعيداً في محاكاة ذاكرته، عندما يعرض الشريط صامتاً، تماماً كما رآه عندما كان طفلاً، يتبع شعاع الضوء إلى عالم الدهشة والحلم، بل سيبدو المصور سليمان في الفيلم أشبه بشعاع الضوء، الذي يدخل حياة مزمل الرتيبة والكئيبة، ويعلمه السؤال ومحاكمة العقل، كما يعلمه الحساب، لا ليعد أيامه إلى يوم الحساب، بل ليفتح أمامه أبواب الفكر والمنطق، ويحرر عقله من الخرافة. وفي نهاية الفيلم سيأتي الموت زائراً، وتفوح رائحته من الجسد المنذور له، ولكن هل سيكون هذا جسد مزمل أم سواه؟ وهل سيذهب مزمل للنوم في قبره، كما في القصة الأصلية، أم أنه سيسلك مجرى النيل نحو حريته؟

هكذا هي السينما الحقيقية التي تذهب بعيداً في المخيلة والأسئلة المحرمة، وتتجاوز مقصات الرقابة الرسمية والمجتمعية، وهذا الفيلم مع كل الأسئلة الصعبة التي يعرضها ينتمي بلا شك إلى تلك السينما، بل يبدو كموجة سينمائية جديدة تجتاح بلداً يولد أيضاً من جديد من رحم الثورة.

لن نفسد نهاية الفيلم، بل سنترك للمشاهد متعة الإبحار بعيداً مع الأسئلة الوجودية وثقل المعتقدات الخاطئة، التي تكبل الروح والعقل، كل هذا في تحفة سينمائية متكاملة، أضاف السيناريو فيها الكثير إلى القصة القصيرة، بعد أن مرّ بإحدى عشرة نسخة وورشة كتابة، وشارك أبو العلا في كتابته السيناريست الإماراتي يوسف إبراهيم. أما الصورة السينمائية فكانت على سوية فنية عالية، سجلتها كاميرا المصور الفرنسي سبستيان غوفرت، الذي سبق له التعامل مع المخرجة التونسية المميزة ليلى بوزيد في فيلم «على حلة عيني»، أما عين غوفرت هنا، فقد فتحت أمامنا كمشاهدين، عوالم الصوفية وأضرحة أوليائها، وعبرت بنا البيوت الطينية المتلاصقة، وأبحرت بنا بعيداً في نهر يضبط حياة سكان ضفافه، وكل هذا وفق رؤية بصرية مميزة للمخرج الشاب، الذي شفّر فيلمه برسائل لمخرجيه المفضلين.
فالنساء في عباءاتهن أمام المزارات يذكرن بنساء المخرج المصري شادي عبد السلام في فيلم «المومياء»، بل إن مزمل، الذي قام بدوره الممثل الصاعد مصطفى شحادة بملامحه الفرعونية، يبدو أشبه بمومياء مع كل ما يحمله الموت عند الفراعنة من قدسية وسحر.
ولأن السينما في النهاية هي الغوص عميقاً في النفس البشرية، ولأن مواجهة الكاميرا تشبه كثيراً مواجهة المرآة لم يكن غريباً أن يقترب المخرج أبو العلا في الفيلم من مخاوفه الشخصية، ويحاول التغلب عليها سينمائياً، بدءاً بالموت وانتهاءً بالماء، الذي لم يلمسه يوماً بقدميه، ولمسه مراراً بالكاميرا السينمائية. أما الموت، البطل الرئيسي في الفيلم، فقد كان حاضراً في أغلب المشاهد وإن غاب، فنرى مزمل يسترق السمع لدقات قلب أبيه وهو نائم، فالموت وحده نوم أخرس لا صوت له، ولعل أجمل مشاهد الفيلم هي عندما يصغي مزمل الطفل لقلب مزمل الشاب، أو عندما يتقاسم وجه مزمل الطفل ووجه مزمل الشاب الشاشة وبينهما الأم، في قفزة زمنية ذكية من طفولة البطل إلى شبابه.
أما موسيقى الفيلم فقد كانت من توقيع الفرنسي التونسي بوحافة، الذي أعطى الموسيقى العربية أفقاً عالمياً، وسبق له الفوز بسيزار عن الفيلم الموريتاني «تمبوكتو»، وبما أن تصوير الفيلم تم خلال الثورة السودانية، فقد حضرت الثورة أيضاً كضيفة شرف من خلال أغنية «يا شعباً لهبك ثورتك»، بل إن الفيلم أهدي بكامله إلى الثورة وشهدائها، وقد تسلم المخرج جائزة «أسد المستقبل» في مهرجان فينيسيا، من المخرج كوستاريكا، الذي بدوره بدأ حياته السينمائية من فينيسيا وتسلم الجائزة نفسها. وهي جائزة تقدم عادة للمواهب الشابة الواعدة، وقد استحقها المخرج الشاب، واستحقها السودان الذي يتوق للانعتاق من العمامة الدينية والدبابة العسكرية. وقد لفتني بعد انتهاء الفيلم سؤال أحد المشاهدين للجمهور:
كم من مزمل في الصالة، يعيش سجين الخرافات والمعتقدات الخاطئة؟ ومع أن أحداً لم يجب واكتفى الحاضرون بالضحك… ولكن تتالي الأسئلة حول شخصية سليمان وتشجيعه على الخطيئة للوصول إلى الحقيقة، جعلت المخرج أبو العلا في النهاية يبدو كسليمان آخر وهو يدعو لتحفيز الخيال والتفكر وعدم تحميل الفن الوعظ والخطابية.
وهكذا هي السينما الحقيقية التي تذهب بعيداً في المخيلة والأسئلة المحرمة، وتتجاوز مقصات الرقابة الرسمية والمجتمعية، وهذا الفيلم مع كل الأسئلة الصعبة التي يعرضها ينتمي بلا شك إلى تلك السينما، بل يبدو كموجة سينمائية جديدة تجتاح بلداً يولد أيضاً من جديد من رحم الثورة.
وفي النهاية، ولأن الكتابة عن السودان لا بد أن تحيل إلى الروائي السوداني الطيب صالح، الذي كان يوصف بأنه يكتب، وكأن بيده كاميرا، يمكنني القول هنا أيضاً إن كاميرا أمجد أبو العلا تمكنت من كتابة قصيدة سينمائية عالمية بنكهة سودانية. أما الدهشة التي أصابتني عندما قرأت لأول مرة رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، فقد شعرت بما يشبهها عندما شاهدت لأول مرة فيلم «ستموت في العشرين». دهشة اكتشاف السودان مرة عبر الرواية، ومرة عبر السينما، هي دهشة تشبه التحليق في السماء لأول مرة، أو اكتشاف طعم القبلة الأولى.



https://www.alquds.co.uk/%d9%81%d9%8a%d ... 9NUgV7PVuM
أضف رد جديد