جيوبوليتيك الجسد العربسلامي في السودان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ÚÒ ÇáÏíä ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 33
اشترك في: الخميس أكتوبر 13, 2005 9:42 am

مشاركة بواسطة ÚÒ ÇáÏíä ÇáÔÑíÝ »

هذه المساهمة هي نفس سابقتها اعدتها لصغر الخط .... ارجو من ادارة الموقع تعديلها

لقد تاخرت هذه المساهمة لاكثر من اسبوعين لعدة ظروف حالت دون ذلك

د. حسن موسى والجمع الكريم

تحايا البعيد للبعيدين

بدأت متابعة هذا البوست منذ بداياته وحدث انقطاع "كبير" فيما بعد بسبب مشاغل أخرى في هذه الدنيا "بت الغلفا" كما عبر د. حسن موسى، وهي عبارة في سيرة "النبذ" السوداني ما سبقهم عليها شعب في الأرض حسب علمي البسيط ....

يقول د. حسن موسى "وليست بين يدي حاليا أية إحصاءات أو استطلاعات عن نسبة النساء السودانيات اللاتي يؤيدن ممارسة الخفاض على بناتهن لكننا يمكن أن نتّكيء على تقرير نشره قبل فترة "المجلس القومي المصري للسكان". ذكر في تقرير نشر في فبراير 1997، أن "ثمانية نساء من كل عشر مصريات يؤيدن مواصلة ممارسة الخفاض كعادة حميدة " (لوموند 26 يونيو1997)" فهل يستوي حال شعب السودان وحال مصر؟ وهل عندما لا نجد بيانات وإحصاءات لـ "شعب" ما عن مسألة ما نحيل المسألة إلى إحصاءات شعب آخر؟ هل يستقيم ذلك؟

أنني اقدر عاليا مساهمات د. حسن موسى في هذا البوست وفي الكثير غيره وما يزال لكني اعتقد ان استعماله وتعميمه النسب ونتائج الدراسات المصرية على السودان أمرا جانبه الصواب كثيرا.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوايتيك الجسد 8


مشهد " ما يعجب الناس"
( مشهد جانبي للكريستاليين)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول المثل المعروف:" أكل اليعجبك و ألبس اليعجب الناس".و العبارة تلخص التناقض الازلي بين الانسان الحيوان المحكوم بقانون الحس البيولوجي و الانسان الكائن الاجتماعي المحكوم بقانون الجماعة التي يحيا و سطها.بين الجسد كحالة وجود مادي فريد و الجسد كوحدة اجتماعية ابتدائية تشبه غيرها من الوحدات التي تشكل معا جسد المجتمع.و قد ادى دخول قيم الحداثة العنيف السريع في مجتمعاتنا الى تعميق و تعقيد هذا التناقض بشكل فريد.فالشيخ الجليل الذي يستنكف عن الجلوس على الكرسي يتقاسم نفس النسيج الاجتماعي الثقافي الذي يحيا ضمنه أولاده و أحفاده الذين لا يتصوّرون أو لا يطيقون فعل الجلوس على غير الكراسي. و اذا كان الكرسي قد ترمّز في خاطر الشيخ الأنصاري كآلة مريبة قمينة بالانحراف بالمسلم عن جادة السبيل، فقد عرفنا، بين أحفاد هذا الشيخ، نفر من هواة الجلوس على الكراسي ، من متعلمي السبعينات، الذين كانوا يستعيذون من مرأى زملاءهم من طلاب كلية الفنون بشعرهم الطويل المنكوش على موضة الـ " آفرو" وهم يخطرون في القمصان المحزّقة الملوّنة و البنطلونات على طراز الـ " الشارلستون"( رجل الفيل) و قد زادتهم الاحذية عالية الكعب عشرات السنتميترات طولا و نحولا.كانت كلية الفنون الجميلة و التطبيقية في السبعينات قسما من أقسام " معهد الخرطوم الفني" الكثيرة ( تجارة و هندسة مدنية و هندسة ميكانيكية الخ)، لكن طلاب كلية الفنون تعلموا أن يصونوا خصوصيتهم الفكرية و السياسية ضمن مشروع استقلالي طموح، توارثته الأجيال بعد الاجيال، و غايته اخراج كلية الفنون من معهد الخرطوم الفني و تعريفها كمؤسسة مستقلة للتعليم العالي الجمالي .و حين وصلنا لكلية الفنون في مطلع السبعينات كان اتحاد كلية الفنون مستقلا عن اتحاد طلاب المعهد الفني كما كانت المنظمات و الجمعيات النقابية والثقافية و السياسية لطلاب الكلية تعمل باستقلال تام عما يدور بين" طلاب المعهد الفني" كما كنا نسميهم، كما لو كنا نحن خارج المعهد الفني.و كان من الطبيعي ان يتولد عن هذا الفرز بعض الحساسيات بين طلبة الكلية و" طلاب المعهد الفني".و كان من الطبيعي ان تتطور الحساسيات بين هؤلاء و أولئك الى مستوى المناكفات و الشقاقات الشفهية غالبا ، و الجسدية العنيفة من وقت لآخر، و ذلك حسب انعكاسات النزاع السياسي و الثقافي آنذاك.
و رواة التاريخ غير الرسمي لكلية الفنون يحفظون بعض الحالات التي تطور فيها الاستهجان المتبادل الى " دواس " ملحمي سالت فيه الدماء من الطرفين المتنازعين حول تعريف وضعية الجسد بين تناقضات الحداثة و التقليد.أنا لن أنسى ذلك النهار من عام 1974، في استوديو التلوين ، حيث كنا تحلّقنا حول تمرين" طبيعة صامتة" ، نرسم و نتندّر على محمد شدّاد، و هو يدندن شيئا من أغاني السيرة بأسلوب أدخل في غناء الهنود الحمر،حين دخل الدرديري محمد فضل الأستوديو تحيط به ثلّة من طلبة و طالبات الكلية، و هم يعبرون عن استنكارهم للاعتداء العنيف الذي تعرّض له الدرديري من بعض طلبة الاقسام الهندسية ( الاعداء) الذين استفزّهم ملبسه.و حقيقة ، كان الدرديري في ذلك اليوم قد تزيّى بزي يستحيل تجاهله حتى على النظر الأكثر تسامحا.فقد ارتدى الدرديري " تي شيرت "، ممزّق عمدا في أكثر من موضع و مربوط، بما تبقّى من الكُم، تحت الكتف الأيمن العاري. أرتدى الدرديري خرقته الممزقة عمدا( كـ " نوع من الفن " على حد عبارة العوام)،ارتداها على ما تبقى من بنطلون جينز ممزق عند الركبة و مثقوب في أكثر من موضع من الخلف بحيث يمكن للناظر ان يرى طرفا من لباسه الداخلي .و كان واضحا ان الدرد يري جاء الى الكلية ذلك الصباح و هو" مبيّت النية" على الاستفزاز.و كان الاستفزاز ، في تلك الايام ،قد استقرّ كاستراتيجية فنية و فكرية عالية الكفاءة، و ذلك بحكم عائده الاعلامي المجز في أفق" الجماعة الكريستالية" التي كان الدرديري ـ بطريقته ـ أحد أعمدتها في كلية الفنون.في تلك الأيام، كانت الـ " مدرسة الكريستالية" ،في ذروة عزّها الجمالي و السياسي الهش، تعتمد على محمد شداد و نائلة الطيب و الدرديري و أستاذتنا الفنانة الكبيرة كمالا اسحق.و رغم أن كل واحد كان يلعب دوره المميز ضمن الجماعة ، الا أن لمحمد شداد القدح المعلّى في التأسيس المفاهيمي و بناء التبريرات الآيديولوجية و الجمالية التي ضمنت للكريستالية براحا ضمن الفضاء السبعيناتي للمناقشة الكبيرة في موضوع الفن وقضايا الحركة الاجتماعية في السودان.في تلك الأيام ـ و أنا أصر على " تلك الأيام" كون محمد شداد ورفاقه الكريستاليين ، في " هذه الأيام "، هم أبعد ما يكون عن الموقف السياسي و الجمالي الذي كانوا يبشرون به في السبعينات، و هذه سنة الحياة و لا ينجو أحد من التحول .أقول : في تلك الايام كان محمد شداد ينظّر لموضوعات " تحرير الغرائز" لتحرير المجتمع و " توفير الجهد" و تحرير الممارسة الفنية من ربقة" الحرفية" لصالح "الرؤيا" الابداعية التي ترسم صورة" الوجود كمشروع كريستالة" عماده" شفافية" المعاني و الذوات.
حين دخل الدرديري الجريح استوديو التلوين وسط استهجان الطلاب كان من الطبيعي أن يهب محمد شداد ناحيته ليفهم منه كيف أصابه ما أصابه.و ما أن تحوّل الرهط الى خارج الاستوديو في الممر أمام مكتب عميد الكلية ، حتى عدنا الى ما كنّا عليه من ونسة و تندّر ، فمثل هذه الاشتباكات كانت جزءا من روتين الحياة في كلية " الفنون الحربية" في تلك الايام.بعد ذلك بلحظات رأيت محمد شداد يعود للأستوديو و بيده طوبة حمراء و يتناول جريدة يلف فيها الطوبة بعناية قبل أن يغادر الاستوديو على عجل.في تلك اللحظة لم أفهم مقصده، و انتابني خاطر مبهم أنه بصدد التحضير لواحدة من " الحركات " اياها التي عرف بها الكريستاليون.( تلزمني عودة متأنيّة لـ " حركات " الكريستاليين و تنقصني وثيقة " البيان الكريستالي" لاستكمال نص في خصوص محمد شداد ومن كان عنده فضل نص... فالأجر على الله). لكن خاب ظني ، فالحركة التي كان محمد شداد يحضر لها كانت أكبر من كل الحركات الكريستالية الطريفة التي عرف بها الكريستاليون في تلك الايام. اذ بعد خروج محمد شداد بلحظات و صلنا هرج عظيم و مرج تحرك كالاعصار من بوفيه المعهد لغاية باحة كلية الفنون بين استوديو تصميم المنسوجات و استوديو التلوين.و رأينا جمعا هائجا من عشرات الاشخاص يتجاذبون بالأيدي و وسطهم بسطاوي بغدادي عميد الكلية و قد تمزّقت ملابسه ضمن المجابذة التي حاول الفصل بين أطرافها، كانت هناك مجموعة من طلاب الاقسام الهندسية تحيط بزميل لهم يسيل الدم من رأسه، بينما أحاط جمع آخر بمحمد شداد و بعض طلاب كلية الفنون الذين انبروا للدفاع عنه ،محاولين ابعادهم من بؤرة التوتّر، حيث كان الطالب الذي اقتص منه محمد شداد لاعتداءه على الدرديري ما يزال يتوعّد و يهدّد .و في دقائق قليلة انتشر الخبر في نواحي المعهد الفني فامتلأت الباحة بزحام عجيب من الطلاب و الاداريين و العمال و الاساتذة ، و كل يدلي بدلوه في الامر.فهمنا ، فيما بعد ، أن محمد شداد قد ذهب للبوفيه و في يده الطوبة الملفوفة في الجريدة و قصد الطالب الذي اعتدى على الدرديري و ضربه بالطوبة على أم رأسه اقتصاصا .لكن الشكلة لم تنته عند هذا الحد ، فقد التقى الجمعان بنهاية اليوم الدراسي عند بوابة المعهد الفني و استؤنفت الملحمة بشكل موسّع أتاح لمن فاتهم الفصل الاول ان يفشّوا غبائنهم القديمة المؤجلة في الفصل الثاني.
هكذا كان أولاد المسلمين ، في تلك الايام البريئة، يقيمون ، على قلق ،عند تقاطع التقليد المحدّث و الحداثة التقليدية و يغيرون الباطل بيدهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلا.و أنظر اليهم اليوم و قد أدركتهم الدياسبورا، بنت الغول المتعولم ( الامريكي) و منظمة التجارة الدولية، فجعلتهم في موضع حرج من الوزّة، يغضّون اليد و اللسان و يتعامون عن الباطل الذي يساكنهم ، و يتعقبهم اذا خرجوا، و يتحرّش بهم في حركتهم و سكونهم ، فسبحان مغيّر الاحوال من حال الى حال.


عز الدين الشريف
البعيد القريب
سلام جاك
و أنا معاك، مبدئيا، في ان احالة تحليل ظاهرة الخفاض في السودان "الى احصائيات شعب آخر" لا تجوز. و ذلك لأن خفاض المصريين (الذي يسمونه عندهم بـ " العادة السودانية" كما نسميه عندنا بـ " الخفاض الفرعوني" ) هو بالضرورة ظاهرة مصرية،, حين تتوفر لي مادة احصائية سودانية في خصوص خفاض السودانيين فلن أتوانى عن استثمارها.و انت تعلم يا صاح أننا نكتب و نتفاكر تحت شروط فقر وثائقي مدقع.
و أظنني سوّغت لنفسي استلاف احصاءات تقرير المجلس القومي المصري للسكان بذريعة كون الخفاض ضمن الملابسات التاريخية الراهنة ، سواء تم في السودان او في مصر او في النيجر أو في اليمن، انما هو ظاهرة حداثية ، في معنى كونه تعبير عن ردة فعل حداثية لمجتمع مقهور و حديث ـ و ان تجلبب بجلابيب التقليد قبل الرأسمالي ـ تجاه تجاوزات حداثة رأس المال المتعولم.و سأعود لهذا الأمر لاحقا.
أما عن سب الناس بغلفات امهاتهم كاختراع أدبي انفرد به السودانيون فهذه شتيمة عربية قديمة و العربان يتعايرون بـ" يا ابن العبراء" و أظنني أوردت مرجعا أدبيا لذلك في مطلع هذا الخيط..
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »


مشهد الفنان

مشهد مؤجّل لابراهيم عوض
أحد أهم أعلام حركة الحداثة الشعبية في سودان القرن العشرين.
ذهب خلسة بعد أن أرسى علامات جبارة في منظور الحداثة الحضرية ،
سواء في طريقة معالجته لفن الغناء او في أسلوب حضوره المشهدي أمام الجمهور السوداني.
و الكلام عن الأسلوب المشهدي لابراهيم عوض فولة كبيرة تحتاج لكيالين و كيالات من أهل الكيد.
و في انتظارهم نحجز لابراهيم عوض محل حظوة خاصة ضمن مشاهد جيوبوليتيك الجسد في السودان الحديث.
ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß
مشاركات: 164
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:43 pm

مشاركة بواسطة ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß »

حسن موسى صراحة كلامك دا
ما عايز قراية واحدة
عايز تركيز وقراية صباح والبوست سرح
فالصباح رباح ..
ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß
مشاركات: 164
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:43 pm

مشاركة بواسطة ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß »

واليمن، وعمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة. فالغالب على هذا التقليد هو أنه تقليد قبلي إفريقي شائع وسط العديد من القبائل الإفريقية يتركز أغلبها في منطقة جنوب الصحراء. وتقول الإحصاءات أن حوالي 28 قطرا إفريقيا تجري فيها ممارسة نوع من أنواع الخفاض
سلام للجميع
الاستاذ النور ، الخفاض وجد في الجزيرة العربية قبل الاسلام ، ويمارس منذ الجاهلية رغم أن الرسول ، لم يخفض بناته ، كما هو مثبت ، ولكن ما يجعل المسألة واضحة في أفريقيا أن أفريقيا وبعض الدول الواقعة جنوبنا أو شرقغربنا ، هي أن تلك المناطق ربطت ممارسة الخفاض بالطقس ، وبالانتقال من الطفولة الى مرحلة الرجولة أو النسونة عند الفتيات ، أما عند أهلنا العرب أرتبطت بمتعة الرجل وأمتلاكه لمتاعه الانثوي ، ولقد قرأت في كثير من ذكر هذه العادة قراءآت متفرقة تؤكد ، ان الرجل هو وراء خفض البنات الصغار وأعادة طهارة المتزوجات لضبط الجسد الانثوي وفق الهوية الذكورية فيما يسمى بالعدل ، وأعتقد أن أعادة هذا الضبط أو التفصيلة تخص السودانيات فقط ، وقرأت لكاتبة مغربية اسمها خديجة أن رجل طلق زوجته فعاتبته قائلة : لماذا طلقتني وأنا ليس بي عيب والله غير ضيق في جبهتي ، فرد عليها ، لوكان الضيق في حيرك لما طلقتك . سوري على الفشاحة والتي هي حق ذكوري أقتحمه حيث لا يقبل من النساء ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربهيقول الفرزدق :
وقال الفرزدق:
أنا شيخٌ ولي امرأةٌ عجوز تراودني على ما لا يجوز
وقالت رق أيرك مذ كبرنا فقلت لها بل اتسع القفيز
ومسألة الضيق كما زكرت قبلا عين سحرية مثل حزام العفة الذي عرفه الرومان ، لتجعل الرجل يعلم مدى أمتلاكه لهذا الجسد ومعرفة هل يلج غيره هذه الحرمة التي تخصه و وتدنس شرفه أم لا؟
هذه كلها أشارات تؤكد أهتمام ذكور العرب وتحوير أجساد النساء وفق هواهم الجسدي وتفصيلهن على المقاس ، وهذا يزكرني بجارتي النازحة من الشمالية الى تخوم الخرطوم حيث طلبت مني يوم أنا أقرأ لها خطاب من زوجها المغترب في السعودية وهي أمية رغم أنها تصغرني بخمسة أعوام ، فقرأت لها الرسالة ، ولكن تعجبت حين وصلت الى كلام لفت نظري فهو يطالبها بالاتي : أخبري أمك أن تخيط القفة وتضييقها ، فأنا نازل بعد اسبوعين ، فسألتها ماذا يقصد فأعلمتني بأنه يقصد أن تستدعي لها أمها الداية لتقوم بضبط الموضوع فكل ما ينزل أجازة لابد من هذه المسألة ، كانت تقول هذا وهي خائفة من هذا الامر المؤلم والذي لا يخلو من خطر ، طبعا دي واحدة من المسكوتات التي تمارس على قهر الجسد الانثوي وهي من أثر الخفاض الذي بعد أجرائه لابد من تكراره مرارا وبتشجيع من الرجل فاخبرتني واحدة معانا في الخليج بأنها تجري المسألة سنويا حتى يهدي لها زوجها مصاغا ، وبعضهن تجري المسألة كل ستة اشهر والمسألة محاطة بالخطر واحتمال تضيع اذا كانت الاجهزة ملوثة قبل مدة واحدة معانا شالقة قربت تموت ، ومعظمهن يجرن المسألة يا خوفا من ان ازواجهن يتزوجوا عليهن او طمعا في الهدية . الاحصاءت التي تتحدث عن ظاهرة الخفاض لا تتكم عن سلطنة عمان ، رغم أنها من الدول التي تجرى فيها هذه العادة لان شؤون المراة من الاشياء التي يغطي عليها المكر العربي ، ولم تحدثني ولا واحدة من العمانيات الا بعد معرفتي بأنها عادة موجودة وعرفت أن الطهارات من الطبيبات الهنديات !! فيا ترى أن هذه العادة كانت تمارس في الهند ولا صدفة وحرفة تقوم بها طبيبات الهند !!!
قبل مدة سالني رجل عماني وكانت معه زوجته قائلا: ما تعرفي حرمة سودانية تقوم بتجهيز الحرمات لان سمعنا أن السودانيات يسون ها الشئ ،( طبعا في دايات يحضرن الى الخليج زيارات خاصة لهذه الاشياء ) فقلت له أبدا هذه الشنطة التي أحملها بها أجهزة تصوير وليس أجهزة تحوير .
هذه العادة موجودة عند العرب ولكن يغطي عليها المكر العربي وهي عادة تتم في صمت ..


لان المسألة تدخل في باب الحرمات وحرمة الجسد الانثوي والتكتم على كل شئ يجري بشأنه ، حتى اسمها لا يقال فهي البيضة والنخلة وغيره من الرموز فهي سبية أو ظعينة أو ربة خدر أو حريم ، والخ من الامكنة التي ارتبطت باجساد النساء وتغييبهن فيها /.
لفت نظري بحثك القيم يا استاذ حسن الذي تحدثت فيه عن الادوات والحداثة عن المشط والكرسي ولم اكمل البقية ولكن تزكرت مشهد البدوي حين تجده في الشارع وهو يستعمل تلفون الشارع (عام) فهو يجلس نفس جلسته الكاريكتارية البنسميها ( ام قلالو) وهي جلسة صعبة ويجلس ساعات وهو يغازل حبيبته ، يجلس رافعا جلبابه ووزاره في رسم يجعلك تستغرب هذه المزج بين الحداثة والبداوة وعن هذا الانشغال وفضى البال الذي يجعل هذا الانسان يستهلك كل هذا الوقت فلا يكل ولا يمل وله في خلقه شؤون ، وحتى الموبايل مع الوزار يدخلك في نفس السؤال ، قبل سنتين التقطّ صورة لرجل سوداني من رفاعة في سوق الشمش ، ما لفت نظري مشهد هذا الرجل (عربجي ) وهو معنقل في الكارو ويجري محادثة من موبايله ولا ود ابزهانة في زمانو ، حتى حصانو ما مستوعب المسألة لانو كان يصدر أصوات عجيبة وهو يحسه بسوطه على السكوت ، والموبايل طبعا يحمله او يسعى اليه حتى من لم يمتلك حق قوته اليومي ولاحظت أن الطالبات يبتن القوى ولا يفرطن في حق الرصيد والذي يسعن اليه بشتى الطرق وعقلية السوداني التي خلقت محلات قدر ظروفك لم تعوز الحيلة في ادخال قدر ظروفك حتى في شحدة وشراء الرصيد ، واخيرا القيام بعمل موبايل مصمم خصيصا لهذا الغرض .
أكيد طلعت من الموضوع شعان كدا حاقمع روحي واقيف . [b]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »



جيوبوليتيك الجسد 9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشاهد من غربة الجسد المسلم

مشهد الفتنة الماشية...نحو الرقص

مشي الاناث، بين تصانيف الحركة الجسدية، يستأثر بنصيب الأسد من عناية الأدب الذكوري، و يستوي في ذلك الشرقيين والغربيين، القدماء والمحدثين. و ربما كان للأمر علاقة بطبيعة النظرة التي ينظر بها الأدباء الذكور لجنس الاناث عامة كنوع انساني متميّز و مخالف لنوع الرجال.و في الثقافة العربسلامية التي تربينا على مراجعها ينطرح جنس النساء كنوع ساحر غريب ومريب يستغلق على الفهم ويستدعي الحذر.
وسوء الفهم الناتج عن هذا الموقف يلقي بظلاله على مجمل العلاقات التي تنشأ بين الرجال و النساء ضمن المجتمع العربسلامي في السودان وفي غير السودان. وضمن هذا المنظور احاول معالجة ظاهرة المشي كممارسة ثقافية هي أكثر وجوه التحقق الحركي الجمالي بداهة، كون المشي، كممارسة جسدية ، متاح للجميع." قالوا ما هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الاسواق.."(الفرقان 7).فالمشي، فيما وراء معناه الوظيفي، كانتقال من مكان لمكان، انما يكون ، في خاطر الماشي، و في خاطر الناظر ،و سيلة من وسائل التعبير الاجتماعي، بل هو لغة بلاغتها تتخلّق في اطار البيان الجسدي بأنواعه، بين اللعب و الرقص و الرياضة و حركات العمل على تداخل الأمكنة و الأزمنة. و تراث الثقافة العربسلامية عامر بآداب المشي و تصانيفه في خصوص حركة الذكور و الاناث ضمن المشهد الاجتماعي.
"وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا، و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" ( الفرقان 63).
" ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور".."و اقصد في مشيتك و اغضض من صوتك ان أنكر الاصوات لصوت الحمير"( لقمان 18 ـ 19 ).
وهكذا فالمشي يملك ان يصبح وجها من وجوه العبادة مثلما يملك ان ينمسخ معصية حين يخالف الماشي اللائحة الدينية المتعلقة بأسلوب المشي، ومن حسن اسلام المرء اظهار التواضع والخنوع الى الله في مشيته. وقد ورد في الأثر أن النبي غض الطرف عن مشية الصحابي أبي دجانة الذي كان يختال بين الصفوف قبيل النزال.قال: "والله انها لمشية يبغضها الله في غير هذا الموقف". وجزء كبير من لائحة المشي الاسلامية يخص الرجال، ولا عجب فهم الماشون و هم الخارجون في الأمكنة العامة. ويبدو حض الرجال على المشي بتواضع وتجنّب الاختيال نوعا من مساعي تجنب الاستفزاز ضمن مجموعة الذكور الحاضرين في المجال العام، كون الاختيال لغة تحدّي معروفة بين الذكور سواء كانوا ذكور البشر أو ذكور الحيوان.و قد عبّر الشاعر السوداني عن التبدل في أحوال "ود الميرفاب" بين معاني التباهي والامتثال في معالجة بليغة لاسلوب المشي بين"التكلّس" و"التسلّس":
"ود الميرفاب الماسك الدرب يتكلّس
هانوه التـُرُكْ و طاع تبع الرسن سلّس"
(قاموس اللهجة العامية).
أما النساء فان مجرد حضورهن في الخارج يثير الفتنة. وقد جاء في الحديث:"ما تركت بعدي فتنة أشد على أمتي من فتنة رجالها بنسائها" (الشيخان و الترمذي)، وشبهة "الفتنة" توقع الاناث في المحظور، وحين تفرض الضرورة حركتهن خارج بيوتهن فالأمر يتم ضمن سلسلة طويلة من التحديدات التي ترمي لحجب الحضور الجسدي للمرأة والغاءه ما أمكن. وحتى حين يقع الحجاب على جسد المرأة كمعطى بصري فان المشرّع الاسلامي يتعقّبها في أبعاد الحضور الجسدي الأخرى كالحضور السمعي والشمّي الخ. فالمشرّع يحظر على الأنثى التنبيه على حضور جسدها بصليل حليها استنادا على نص القرآن"و لا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ.."( النور 31)، مثلما يحظر عليها التنبيه على حضور جسدها برائحة طيبها حسب الحديث:" أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية"(أبو داؤود والترمذي و النسائي وأحمد..). بيد أن الحظر الديني الواقع على حضور الجسد المؤنّث انما ينطرح في منظور الثقافة العربسلاسلامية بوصفه وجها من وجوه التدبير الاجتماعي لعلاقة الاناث بالمجال العام أكثر منه أمرا يتعلق بطبيعة المرأة من حيث هي كأنثى. وذلك لأن الحضور الجسدي للمرأة ضمن المجال الخاص: "الحرم"، يمكن ان يعبر عن نفسه بتنويع واسع و بقدر كبير من الحرية الحركية، وذلك دون أن تطاله لائحة الممنوعات التي تترصّد المرأة خارج حيّز"الحرم". قالت عائشة، أم المؤمنين، التي عهد اليها النبي بـ "نصف" دين المسلمين: "سابقت رسول الله فسبقته، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني وقال: هذه بتلك". و يُرجّح من حديث عائشة أن فعل السباق لم يكن ممارسة استثنائية نادرة بين الزوج و زوجته، كون المسافة الزمنية بين حادثة السباق الأول وعائشة خفيفة وحادثة السباق الثاني و هي في "اللحم" لا بد أن تكون قد شهدت سباقات أخرى. وأظن أن قولة عائشة غنية بالدلالات حول نسبية علاقة الجسد المؤنّث بملابسات الزمان والمكان. كون فعل السباق، كلعب حركي جسدي غايته الفوز، يحرّر المتسابقين من كل لائحة دينية أو أخلاقية تقيد حركة الجسد ويحيل المتسابقين لمستوى التعبير الجسدي الفطري الذي يستوي فيه الانسان مع الحيوان. وفي هذا المستوى لا حرم ولا لائحة ولاشرع غير شرع الجسد الحي الحيوان. في هذا المستوى يتراجع المشرّع الاسلامي أمام منطق الجسد الحيوان في فطنة تشريعية براغماتية تستحق التسجيل، كونه يكشف عن اضمار باستحالة تقييد الجسد تقييدا ناجزا في كل الأحوال. وتراجعات المشرّع الاسلامي الكثيرة أمام منطق الجسد الحيوان باب يجيب الريح وهو مسدود ولا بد لنا من فتحه في براح لاحق.

مشية "سُليمة" الشرقية.
"بيير لوتي" باسمه الأدبي (واسمه الحقيقي "جوليان فيو" 1850 ـ 1923) روائي رحّالة و بحّار من أعلام الادب الاكزوتي الفرنسي. في واحدة من رواياته التي تستلهم وقائع صعلكاته الشرقية يصف لوتي شخصية عاهرة جزائرية اسمها "سُليمة" سحرته طريقتها "الشرقية" في المشي. "كانت تمشي وتجيء في الغرفة وكشحيها يتمايلان في خفـّة هي خلاصة عز الأنثى. هذا العز أفسدته وزيفته عندنا الأحذية النسائية الضيقة ذات الكعب العالي. لابد أن نساء العصر الانطيقي كن يراجحن من عجائزهن بهذه الطريقة التي تستحيل على غير الاقدام الحافية"
Pierre Loti,Suleima, Editions Mille et Une Nuits, 2000,p.30
لكن معارضة لوتي لمشي الشرقيات الـ "طبيعي" بمشي الغربيات "المزيـّف" تغمط التعليم حقه في صياغة خطاب المشي عند الشرقيات وعند الغربيات معا، ذلك لأن المشي، بحذاء أو بدون حذاء، انما هو في التحليل النهائي، وجه من وجوه الخطاب الحركي يكتسب عن طريق التعلّم الواعي و المضمر، وفي هذا نذهب مذهب مولانا "مارسيل موس" الذي يرى المشي كله اكتسابا. بل هو كفاح لا ينتهي بسبيل تحقيق افضل أساليب المشي كفاءة. وكفاءة الاسلوب الذي يتوصل اليه الماشي انما تتقيّم ضمن منظور الغاية الرمزية و المادية وراء الممارسة الحركية. وفي مقالته المشهودة عن" تقنيات الجسد"( أرجو أن أجد براحا لترجمتها للغة العربان) يورد "موس" ملاحظة الانثروبولوجي "الدسون بيست" في كتابه عن قبائل الـ "ماوري" النيوزيلندية (1925). وهي تتعلق بالطريقة المميّزة التي تمشي بها نساء الـ "ماوري":
"نساء الماوري يتبنين طريقة خاصة في المشي تتراجح فيها العجيزة بشكل مستقل وممفصل مع الجسد في آن. هذه الحركة الجسدية، التي قد تبدو خرقاء في نظرنا، هي عند الماوري مثار اعجاب كبير. فالنساء يدرّبن بناتهن على تبني و تجويد هذه الطريقة في المشي التي يسمّينها بـالـ "أونيوي". والام الماوري تلوم بنتها اذا بدا لها أنها قد اهملت المشي بهذه الطريقة المميزة. والتي هي ـ كما لاحظ موس ـ "طريقة مكتسبة في المشي وليست طريقة طبيعية، وفي النهاية، ربما لم تكن هناك طريقة طبيعية عند الكبار، كون حركة الجسد تتم غالبا تحت تأثير عناصر تقنية أخرى. فعندنا مثلا فالمشي بالأحذية يغيّر من موضع القدم على الأرض، و هو أمر نلاحظه حين نمشي حفاة" (ص 370).
(Marcel Mauss, « Les techniques du corps »(1934), in Sociologie et Anthropologie, Presses Universitaires de France, 1968




و مشهد لـ "الفَـزْرَة "
"بالله شوف البت دي ماشة معصّبه كيف، تقول زارقين ليها عصاية"
كانت تلك العبارة من عبارات "العم يوسف" الاجبارية كلما حط نظره على واحدة من الاناث المتعلمات اللواتي كن يمشين أمامه غير مباليات بنظرته البدوية الولهى. ومن المؤكّد أن نبرة عبارته القاسية كانت تحتوي على نوع من غبن خفي وشيء من التشفـّـي المكشوف مردهما الهوّة الزمنية التي يستحيل ردمها بين جيل "حديث" صاعد نحو الحياة و جيل "تقليدي" هابط ...نحو القبر.
كان عمنا يوسف(وهو شقيق عمنا عثمان الذي في مشهد الملعقة) قد تجاوز الستين الا أنه كان لا يخفي لوعته كلما مرت أمامه انثى. أي أنثى على اطلاق جنس الاناث.
كان الرجل الكهل يفسر ذلك بأن "شهوة النسوان حرارة قلب ساكت" ولا علاقة لها بالسن أو بعافية الجسد. كان بين مآخذ العم يوسف الرئيسية على الاناث اللواتي كان يصنفهن بعبارة "بنات المدارس" مأخذ اهمال"الفَـزْرَة " والمشي كما الرجال.
كانت تلك حسرة مزمنة لا ينفع معها عزاء في خاطر الرجل الظريف "الونّاس" بتعليقاته الطريفة التي كانت ترفّه عنا بين اقواس الفكاهة الذكورية، وأظن أننا كنا نضحك أكثر من واقع المفارقة بين نوعية كلام الرجل وعمره الحقيقي.
كان صاحبنا شخصا خفيف الظل جرابه السردي عامر بالطرائف من كل لون، و أنا اقول "صاحبنا" لأن عمره الذهني ماكان ليتجاوز العشرين رغم أن عمره الرسمي تجاوز العقد السادس.
وحين يتبسّط معنا في ونسات الشئون الايروسية فهو يفعل ذلك بمزاج تعليمي كما لو كانت العناية قد عهدت اليه بمهمة تربيتنا الجنسية.
كانت "الفزرة" في خاطره هي علامة الأنوثة الحقة وضمانتها. وقد حيّرتنا تلك القناعة زمنا دون أن نفهمها. وحقيقة كنا نقابل، في شعر"الحقيبة"، اشارات كثيرة تنطوي على تحبيذ لهيئة "الفزرة" كقيمة جمالية مطلوبة في الجسد المؤنّث، بما يغري باحالة "الفزرة" كمفهوم جمالي لذلك النفر من شعراء الحواضر الذين تولوا مسئولية اختراع أيقونات الأنوثة الحضرية الحديثة أبان العقود الثلاثة الأولى للقرن العشرين، ولا يعني هذا أن وضعية "الفزرة" هي من علامات ثقافة الحداثة الحضرية، فالتقليد الشفاهي لأهل وادي النيل يحفظ اشارات كثيرة لوضعية الفزرة كقيمة جمالية أنثوية. ففي الحجوة القديمة الشهيرة "النيتو و اللعيب" يسأل محمد الشاطر عبده بشارة:
"كيف ضهر اللعيب يا بشارة؟"
فيجيب بشارة:
"فتر و شبر ليهُ انفزارة"..
(الاحاجي السودانية لعبد الله الطيب، دار جامعة الخرطوم للنشر ، 1978 ، ص 48)
أخلص من هذا الى أن "الفزرة" في ذاكرة ايروس السوداني انما تنطرح كباب مهم في خطاب الجسد الناطق بلسان الحركة(والسكون). وضمن خطاب الجسد تقرأ "الفزرة" كعلامة عطاء وانفتاح من حيث كونها تكشف عن ما يخفيه فعل الانطواء في الجسد المؤنّث. وهيئة الانطواء تخفي عن النظر مكامن الغواية الايروسية المتمثلة في تكاوير الصدر والبطن والكفل.. والانثى التي تمشي "فزرا"، أي ثانية ظهرها للوراء ومهدلة من كتفيها، انما تمنح تكاوير جسدها "لزنا العين" ضمن اتفاقات لعبة الغواية البصرية التي يتواطأ عندها الناظر والمنظور اليه على لائحة سرية لخطاب الغواية،لائحة غير مكتوبة يصونها أولاد وبنات المسلمين في الهامش المسكوت عنه ضمن فضاء التربية الرمزية الايروسية للسودانيين. والتربية الرمزية الايروسية للسودانيين بحر غريق عامر بالاشتباهات السلوكية وبالأمور الغميسة التي صارت "تفوت على" جيل السودانيين الذين شبوا في المهاجر خارج الفضاء الرمزي لأهل السودان(كرهط الدياسبوريين من شاكلة "بنت الأحفاد" التي تسنتكر على السودانيين سلام الأحضان بين الرجال والنساءـ أنظر سودانيزاونلاين
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1147194935).
ومفهوم "زنا العين"، المباح ضمن شعاب التربية الايروسية لسودانيي الحواضر، ينطوي على سماحة تربوية براغماتية تسوّغ للسودانيين التحلل من أدب النظر الصارم الذي يصونه حراس الشريعة الاسلامية. فـ "العين تزنى" كما سواها من جوارح الجسد" ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه"(راجع الحديث عند البخاري و مسلم و أبو داؤود و النسائي و أحمد ) و"النظرة الثانية عليك" بيد أن الأهالي المبدعون يكيدون ويلتفـّون على النظر المُصَادَر بحجـّة أن" شوف العين ما بكتل الغزال" .
و اذا رجعنا لحسرة عمنا يوسف على اضمحلال "الفزرة" عند "بنات المدارس" فهي تصدر عن شفرة غميسة في التربية السودانية التقليدية التي مكرت في وجه المنع الديني وفاوضت حتى تمكنت من تهريب هذا الحيـّز الغميس المتحول من السماحة التربوية لكي تحفظ للعين حقها. ضمن هذه الشفرة يقرأ عمنا يوسف غياب "الفزرة " عن الجسد المؤنّث الحديث كما لوكان رفضا للانخراط في علاقة الغواية البصرية المضمرة بين جنس الاناث وجنس الذكور.
بين ذكريات عهد المراهقة حفظت الذاكرة طقسا جماعيا عجيبا كنا نصونه بوصفنا جمع من الذكور المهمومين بتأكيد امتياز الذكورة في مجتمع قائم على تلك القسمة التاريخية بين جنس سائد وجنس مسود.
كان طقسنا المتوارث(أبا عن جد) يتلخّص في اجتماعنا في الشارع تحت ظل العصر، بعيد ساعة الغداء، بغاية "كَحْل" الأعين برؤية الاناث العابرات في الفضاء العام وهن يقصدن المستشفى "يوم الزيارة". وعبارة "يوم الزيارة" تدل على اليوم الذي تخرج فيه نساء المدينة وهن في كامل زينتهن لزيارة ذويهن في المستشفى. ففي ذلك الزمان خصصت ادارة المستشفى اياما بعينها لزيارة النساء وأخرى لزيارة الرجال.ويوم "زيارة النسوان" كان الشارع المؤدي للمستشفى يتحول لنوع من مسرح واسع على خشبته تتحرك مجاميع نساء المدينة في حلل بهية، وعلى ضفتي هذه الخشبة الفريدة يكمن جمهور ملتاع من الذكور المتذرعين بكل الذرائع الواهية الممكنة لمتابعة المشهد من صالة لا تقل فرادة عن هذه الخشبة التي تمور بالحياة سويعة العصرية، وهل كنا نحتاج لأية ذريعة وهذا المسرح/الشارع هو فضاءنا بالأصالة؟.
كانت هناك قاعدة مضمرة تضبط ممارستنا المراهقة، اذ لم يكن طقس "الكـَحلْ" يتعدّى حد المعاينة لأمور أخرى كالأيماء او التعليق الشفوي. وربما كنا نمارس طقس "الكحل" بانضباط تام لعلمنا بهشاشة موقفنا المشاتر في نظر الأعراف السائدة، من حيث كوننا كنا نكحل أناث الآخرين ونحن على وعي بأن اناثنا يتعرّضن للطقس نفسه من قبل ذكور آخرين، على خشبات المسارح/الشوارع الأخرى، حال مغادرتهن حيّنا، و"شوف العين عمره ماكتل.." كما تعبر حكمة عزيزة على عمنا يوسف الذي كان ـ على كهولته ـ ينضاف لجمعنا المراهق من وقت لأخر بمزاعم الخبير في شئون الفراسة الايروسية. كنا نكحل الوجه الجميل ونحلم بنظرة من اللحظ الكحيل نبني عليها قصة حب ايجازي يدوم بضعة ثوان هي ديمومة عبور المشهد، وكان الرجل يسخر من غشامتنا زاعما ان الأولوية يجب أن تكون في معاينة العرقوب، لأن عرقوب الأنثى ينبيء عن الكنوز المخفية في الجسد الحقيقي المتكنـّز تحت الأحجبة الاصطناعية. وحديث العرقوب نوع بلاغي قائم بذاته في أد ب عمنا يوسف كونه يستدعي بعفوية تامة كل فراسة تاجر المواشي الذي يحذق تثمين البهيمة من على البعد دونما حاجة لجسّها. ورغم أن قراءتنا الرومانسية لخطاب أجساد الاناث المبذول في لحظة عبورهن أمامنا كانت تتعارض مع قراءته الحسية، الا أن حلفنا المراهق مع العم يوسف كان يجد تبريره في واقع الحرمان العاطفي و البؤس الايروسي المطبق علينا جميعا.
كان عبور الزائرات المتبرّجات ـ مرتين في الاسبوع ـ يوفـّر لنا برنامجا منتظما لممارسة فريدة تتأسّس بين متعة الحدث المشهدي العفوي (هابينينغ)
Happening
ومتعة الحدث الايروسي الجمعي. وعلى خشبة هذا الشارع/المسرح كانت الاناث العابرات يلعبن دورهن"الطبيعي" في تأجيج الرغبة المحرّمة المكبّلة بقيود التقليد وأحابيل التنظيم الاجتماعي. كان ذلك الشارع /المسرح مكانا عجيبا أشبه بساحة حرب يتنازع عليها فريقان، أحدهما ثابت: فريقنا، نحن الذكور من"أولي الإرْبَة" المتمترسين بين ظل العصر وامتياز الذاكرة الرمزية التقليدية، والآخر متحرّك: فريقهن، وهن عابرات، وقيل مهاجمات، بمكيدة مشهدية بارعة، مموّهة بعناية في طقس العبور العادي لتلك الأرض الممنوعة عليهن بـ "حد الشرع" نظريا. أولم يحضّهن الشرع صراحة أن "قرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى"( الأحزاب 33)؟ فماذا اذن أخرجهن الى هذه الأرض الممنوعة عليهن، أرضنا،ـ وهن في أبهى زينة ـ ان لم تكن الرغبة في انتزاعها، وقيل إجلاءنا عنها بالمرة ؟
نعم، كان الشارع في خاطرنا أرض ملكيتها مثبتة للذكور بحكم العادات والتقاليد وبنص الدين الحنيف. وما كان للإناث المتبرجات أن يعبرنها إلا تحت شروط إستثنائية، أو في رفقة دقيقة التعريف، مع "بعولتهنّ أو آباءهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهنّ أو بني إخوانهن ّ أو بني اخواتهنّ أو نساءهنّ أو ما ملكت ايمانهنّ أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال.." ( النور31 )..تبّا للحداثة، فانها بما فرضت من تدبير مغاير لأولويات التنظيم الاجتماعي مسخت حدود الزمان و المكان وأفسدت حدود الشرع التقليدي وأدخلت الذكور المسلمين في حيص بيص حين فرضت عليهم وضعية الدفاع ضد رهط الإناث الخارجات، بغير محرم(وبدون "إنفزارة") للعمل وللنزهة وأنواع البسط ، وفي أجندتهن غزو الفضاء العام الذي كان حكرا لجنس الرجال في زمان التقليد البائد. نعم كنا، في ذلك الموقف العجيب، حفنة من الذكور المتخندقين ندافع عن آخر الإستحكامات الرمزية للثقافة التقليدية، وفي أعماقنا يقين من كوننا نخوض معركة خاسرة بطريقة أو بأخرى. و ربما كنا نقبل يقيننا بخسارة المعركة ـ أكثر مما يفعل عمنا يوسف ـ من واقع كوننا كنا نجد عزاءا في حال التواطوء المضمر بيننا وبين "العدو" على إقتسام الغنيمة بالتساوي قبل بدء القتال.هذه الـ "غنيمة" السوريالية المشاترة تتلخص في تثبيت "زنا العين" كممارسة عادية لا يطالها العقاب الشرعي.
وهكذا كان كل شيء يتم بين لغة الجسد المكتوبة عبر تنويعات الحركة والسكون في فعل المشي وقدرة العين على قراءة الأدب الغيروسي الغميس المبذول لكل لبيب يفهم بالإشارة. هذه الإشارة شبه المكشوفة، شفرتها مودعة في ثنايا مواعين الثقافة الرمزية والمادية (الحركية والبصرية والسمعية الخ ...).وفي الأدب الشعبي تبدو ذاكرة الأدب الغنائي الحضري"أدب الحقيبة" منجما من الأمثال والمأثورات الايروسية التي تفتقت عنها عبقرية الأدب الذكوري في تعبيره الــ"إيري".( وأنا استخدم العبارة"ايري" في معنى "فاليك"
Phalic
وهو غير معنى "إيروسي"
Erotic)
أقول: في منظور أدب الحقيبة لم يكن مشي الإناث في الشارع مجرد حركة انتقال من مكان لآخر، وانما كان ذريعة لتحقيق انمساخ صورة المرأة من حال الشخص لحال الشخصية المشهدية التي تعرف دورها المحدد و تؤديه بكفاءة تامة. وبرنامج الأحوال الدرامية للأنثى التي تعبر خشبة الشارع غني بأدوار شتى من "فرع البان" لـ "الحمام" و"الوزّين" و"الغزال" و"ظبي الريل" وغير ذلك من أنواع الحيوان الذي لا يمشي على الأرض هونا وإنما يتباطأ عامدا ويعرض و يتبختر على حد قول شاعر الحقيبة (الذي ضاع مني اسمه):
"ظبي الريل تبختر بالآسات ظفر
معنى الحفلة كائن في واحد نفر".
ولا شك أن الاناث العابرات أمام مجلسنا كن على وعي تام بعواقب فعل المشي كممارسة مسرحية وبأبعاد المكان العام (الشارع) كمساحة حرة لزنا البصر على عينك يا تاجر. كأنما فعل المشي في مشهدهن قد تحوّل لنوع من فذلكة لخطاب الغواية المبسوط في الفضاء العام، فذلكة تتضمّن خلاصة المحسّنات الدرامية التي يجدن بها في حلبة الرقص ساعة الأفراح. كل هذا يجعل من فعل المشي في الشارع نوعا من وعد بما خفي أو استهلالا لأدب الغواية الإيمائية الذي ينتظر المحبين في حلبة الرقص مثلما يجعل من الشارع امتدادا عفويا لحلبة الرقص. وضمن هذا الاحتمال، إحتمال إنبهام الحدود بين الخارج (الشارع) والداخل(الحوش) تفك العين السودانية الخبيرة شفرة المشي تأويلا يؤدّي بالمشي لمقام الرقص في فضاء الدراما الشعبية المنعقدة في حفلة العرس، أو كما عبّر شاعر الحقيبة:
"شادي الحفلة طنّ و الإكليل سفر
والنـشّــاب تواتر للــفاطــر غـفــر
لاحم كتفه كفلـه و ما جـيده الوفــر
عمعم ديسه درعه و في بعضه انضفر
حاكى الغيــم تـنـقـّل يا غــالي الــوفــر
قول للـوزّة غـُوري ، في عـينك ضفــر"
و لا حول و لا قوة إلاّ بالله....


عائشة المبارك
سلام كتير
تقول حكمة العربسلام أن"لا حياء في الدين" فلا تعتذري عن "الفشاحة" فهي بعض من اختراعات الأدب الذكوري المقصود منه تسويغ قوامة جنس الرجال على جنس النساء بذريعة الصدفة التشريحية وحدها، والأمر في النهاية، أمر سيادة النساء على أجسادهن، أجلّ و أخطر من مقتضيات مراعاة لائحة الحياء العام التي يسهر على صيانتها "المطوّعون" من أراذل ذكور العربسلاميين. و لي ـ ضمن هذا الخيط ـ تفاكير مؤجّلة في منفعة الرفث الأدبي النسائي كوجه من وجوه التحرر من ربقة الأدب السوداني الأصيل إياه. والنزاع الحاصل في فضاء الجسد هو نزاع سياسي و فلسفي و أدبي في آن واحد.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

يا ابا الحسن وقيل المحسنات البديعيه ذات نفسها
سلام من عندنا
،،،
هاك ..هاكم ..هاكن
مشهدين عنا لى

مشهد الرفث النسائى:
صراع الجندر عندنا وهو يتحرك فى فضاءات القمع والحظوات والهجمنات هذا الصراع يبدو انه يمر بمراحل شبيهه بالصراعات الماثله حول السلطه والثروه
والاثنوثقافه/الثقافه الاثنيه ....ولعلها تبدو احيانا كالحروب الاهليه المستتره ب والمتمترسه خلف كل اللغات بما فيها لغة الجسد ...
ولعل العبور من مملكة الضروره الى مملكة الحريه يمر بمنعطفات /مطبات الجسد ولغاته الماكره .. كنت ، ومعى الصديق عزت الماهرى ، نتامل الاسبوع النصرم و باعجاب وتكريم مداخلة الاخت عائشه المبارك اعلاه ...وتوقفنا عند احد وجوهها التى تقول "طظ" – او... ضفر فى عين الثقافه الذكوريه – حسب شاعر الحقيبه اعلاه ، و طظ فى عين الثقافه الذكوريه المتوهطه عندنا فى القبل راسمالى وفى الحاضر النيولبرالى باشكال ما....
وتذكرت تعليق حبوبتى طيبه – رحمها الله – وهى تبرنا بتربية ما حيال "لغاويس" الثقافه الذكوريه الغميسه وهى تتضارى خلف الجسد ... او توظفه لبسط سلطانها ... الراسماليه توظفه طبعا بخشم الباب عبر تسليعه من الدعايه لغاية الرقص والاستربتيز ....
وتعليق حبوبتى تلك المره عن احد مجانين الجزيره ابا الذين يمشون فى الاسواق خاصه فى موسم فيضان النيل الابيض ،،، لان الحكمه السائقه و السائغه بين الناس ان الفيضان يهيج جنونهم / جنونهن – ايوا وهن كثر –
قالت حبوبتنا ونحن نتحلق حولها – ابناء وبنات عمومه وخلافه - "الليله حمد النيل –وهو احد المجانين المشهورين- ماشى فى السوق منقاياتو بره" (جمع منقه) ...
كنايه عن عريه و تفاصيل "عورته" – شوف العباره الجباره دى وقول ياالنبى نوح-
فتراوح تجاوبنا لهذه العباره / التابو وهى تنطلق لمباغتتنا من حبوبتنا المحبوبه عندنا ولدى كل من حولنا ومن يطلب مشورتها فى الصغائر والملمات لحكمتها وقوة شخصيتها الخ... تراوح رد فعلنا من التعجب و الاعجاب شبه الصامتين مع ضحكه من والدى وعمى .. انا شخصيا كان رد فعلى ابتسامه خجوله وحذره وكأن العباره قد خدشت حيائى حيال بنات عمى او لعلها ساهمت مع غيرها من مربيتنا فى المساهمه فى تشكل نوع ما من تفاهم جندرى اكثر مرونه واقل حياء ...

مشهد الهارب الشاعر الناصر قريب الله:

والناصر قريب الله ( 1918- 1953) هارب من ضيق السجن الذكورى العربسلامى
فى الحضر السودانى النيلى الى رحاب الباديه .. يقول قصيده ام بادر 1946 والتى يقول مطلعها:
اى حظ رزقته فى الكمال واحتوى سره ضمير الرمال
والتى يتغنى بها الكابلى ...
يقول مشيرا الى السجن الذى هرب منه ب:
يا ديارا اذا حننت اليها فحنين السجين للترحال
الى ان يقول:
كم لوادى الوكيل عندى ذكرى زادها جدة مرور الليالى
وفتاة لقيتها ثم تجنى ثمر السنط فى انفراد الغزال
تمنح الغصن اسفلى قدميها ويداها فى صدر اخر عال
قيظل النهدان فى خفقان الموج والكشح مفرطا فى الهزال
شاقنى صوتها المديد تنادى والعصافير ذاهب الامال
فتغشيتها وفيها ابتسام يحمل الخسر فى كؤوس لآلئ
الى ان يقول:
لجزى الكاهلية الحب عنى ماجزتنى عن جرأتى واتصالى
يا ديارا اذا حننت اليها فحنين السجين للترحال
ولعل هناك براح ما سمح للشاعرالذكورى ان يورد قبيلة من صادفها فجاة بل المكان لغاية التجاسر بتسميه تلك "الذكرى" ب"الحب" لذلك "الغزال" " المنفرد" فى مشهد انفراد اطلق عقال "جرأته" ..حتى "تغشاها" ، والتغشى هو تداخل سلس كتداخل الليل فى النهار .. والآيه تقول "ولما تغشاها حملت حملا خفيفا" - نسيت سورة الآيه –
وشوف مشهد "سبكتاكل" ال "خسر" وسايكولوجيته المحيره بعد ان قضى الشاعر وطره فى البيت الاخير اعلاه ؟؟؟؟

فى مشهد السيره يقول محمد المهدى المجذوب (1919-1982) حول العروس السودانيه:
مهرة حرة وتنتظر الفارس يحمى حريمها والذمارا
المسافه بين الخطاب العربسلامى من محطة المهره والحريم عند المجذوب الى محطة خليل فرح وعازته العربسلاميه "انتى يا الكبرتوك البنات فاتوك" ، تلك المسافه
تحتشد بتناقضات الصراع فى الوسط السودانى مخضبه بدماء الحروب" الاهليه" المسكوت عن خرابها العظيم بين افخاد المخفضات من امهاتنا واخواتنا وزوجاتنا ، وتتجلى توتراتها فى مشاهد سايكلوجيا اللغه بما فبها لغة الجسد.

مع تحياتى
الفاضل الهاشمى
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

صديقنا حسن

هذ عمل بمنبر بحالو!.
شكرا لك

****

مشهد الفنان

مشهد مؤجّل لابراهيم عوض
أحد أهم أعلام حركة الحداثة الشعبية في سودان القرن العشرين.
ذهب خلسة بعد أن أرسى علامات جبارة في منظور الحداثة الحضرية ،
سواء في طريقة معالجته لفن الغناء او في أسلوب حضوره المشهدي أمام الجمهور السوداني.
و الكلام عن الأسلوب المشهدي لابراهيم عوض فولة كبيرة تحتاج لكيالين و كيالات من أهل الكيد.
و في انتظارهم نحجز لابراهيم عوض محل حظوة خاصة ضمن مشاهد جيوبوليتيك الجسد في السودان الحديث



لك من حضور ابراهيم المشهدى هذه الصورة


صورة


وصورة اخرى لـ نات كينق كول فى الاربعينات بشيكاغو




صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الفاضل الفاضل
سلام
كلام اللغة كوسيلة قهر (طبقي / جندري) يحتاج لموقع قائم بذاته كما قال أحمد المرضي في خصوص صورة ابراهيم عوض.و صورة ابراهيم عوض باب قائم بذاته في لغة لسان حال الجسد الحضري الحديث.و كل هذا يحتاج لفريق بحث متفرّغ قائم بذاته و هكذا " دواليبك".. شكرا لكما و صبرا.

جيوبولينيك الجسد 10

مشهد أولاد العرب

الرقص في السودان ينطرح كممارسة حركية شعبية ، مضمونها الرمزي و الجمالي يتباين بتباين السياق الثقافي الاجتماعي الذي يتحقق ضمنه فعل الرقص، كرقص دنيوي او رقص ديني. و بين أهل الدنيا و أهل الدين أفرزت حواضر السودان شريحة من الاشخاص ـ الذكور غالبا ـ الذين لا يرقصون، بل و يعتبرون الرقص ممارسة مشينة في حق" أولاد القبايل" كما عبّر الاستاذ عبد الله الطيب في معرض حكاية أوردها عن ذكريات اقامته مع بعض طلائع المتعلمين السودانيين في بريطانيا :
" في العصر ، لما أوقد الفحم و جلسنا للشاي، قال:".." إبنة زوجتي ، إحتفال عيد ميلادها غدا. يمكنكما أن تحضرا فاحضرا.
حاولنا إعتذارا فقال: ندعوكما، سيكون رقص،طبعا تعرفونه جيدا. و أنّى له أن يعرف أن أولاد العرب بالسودان لا يرقصون، و أنه يوشك من رقص أن يظن يعمل عمل أهل القريات. على أن أصنافا من الرهز قد جعلت تدب بين طبقات في البنادر منذ ظهور " التم تم" و العياذ بالله من الردّة بعد إيمان " ( من نافذة القطار، دار جامعة الخرطوم للنشر، 1980 ، ص 36).
" أولاد العرب" الذين لا يرقصون هم في الواقع نفر من طلائع حركة الأفندية العربسلاميين الذين أخرجتهم حركة الحداثة الرأسمالية ـ في نسختها البيوريتانية ـ من دفء و من مرونة جسد العشيرة ، فتخشّبت أعضاءهم و لم يعد بينهم من يتجاسر على التمايل طربا ، لا في حلقات الذكر بذريعة الدين و لا في حلبات الرقص بذرائع الدنيا، و لذلك علاقة بوضعيتهم التاريخية كقوم كان قدرهم عبور هوّة الوجود المعاصر على قنطرة غير مأمونة معلقة بين ضفة التقليد البائد و ضفة الحداثة المريبة . و هذا العبور المحفوف بالمخاطر من الصورة التقليدية للجسد الى صورته الحديثة عكّر عليهم وعي الجسد، بل و أفسده تماما.ذلك لأن الحداثة الرأسمالية النصرانية التي عبروا إليها لم توفر لهم بديلا إنسانيا لمعاني الجسد، كون معاني الجسد في سياق حداثة رأس المال تبقى رهينة لمنطق السوق الذي يدين كل حركة جسدية مجّانية لا تستهدف الانتاج بوصفها تبذيرا للطاقات. لا، أولاد العرب من أهل الحواضر لا يرقصون، فما الرقص الا من "عمل أهل القريات" و سلالات الرقيق الذين صاروا " طبقات" بين سكان البنادر و صانوا تقليد التعبير الحركي من خلال التمتم و الرومبا و السامبا و غير ذلك من أنواع الرهز الوافدة و المستنبتة التي استعاذ منها حارس اللسان العربي في بلاد السودان.
و واضح من كلام عبدالله الطيب أن الرجل لا يجمل الذ كر بين تصانيف الرقص، ذلك أن " أولاد العرب " بين أهله "المجاذيب"، و غيرهم ،إنما يرقصون لحد الصرع على إيقاع النوبة في حلقات الذكر، و كل ما في الأمر أنهم لا يسمّون ذلك رقصا. و " أولاد العرب " من الأفندية المتفرنجين هم قوم لا يرقصون و لا يتركون الأخرين يرقصون. و هم قد طوّروا ، و بعفوية كبيرة ،نوعا من موقف دفاعي ضد الرقص. و هو في حقيقته يعبر عن موقف اجتماعي و أيديولوجي ضد التعبير الجسدي كظاهرة بيولوجية و رمزية.موقف عماده عدم الثقة و التحسّب و التوجس من امكانات الجسد و مخاطر التعبير الجسدي.والتوجس السوداني من تعبير الجسد يستلهم أمشاجا من قيم الثقافة الجسدية التي استقدمها الأتراك العثمانيون في حواضر السودان الأولى ضمن المتاع العقابي لفقه الجسد في الشريعة، جنبا لجنب مع قيم الاحتراز البيوريتاني لنصرانية العهد الفيكتوري، التي استقدمها الانجليز ضمن استقرار مؤسسات الهيمنة الاستعمارية كمؤسسات التعليم و العسكرة الخ.و العلاقة بين مناهج التعليم في المدارس الأولى التي أسسها الانجليز و تقليد التدريب العسكري الحديث تستحق وقفة متأنية على صعيد المنظور السياسي لتعليم الجسد في السودان.
و بين مطرقة التقليد الفقهي و سندان التحديث البريطاني ـ طوال النصف الأول من القرن العشرين ـ تضعضعت صورة الجسد في خاطر المتعلمين من أبناء ( و بنات؟) الطبقة الوسطى العربسلامية و تبدّلت الأساليب التعبيرية للجسد و تأسست القطيعه مع ثقافة الجسد التي عرفها أسلافهم ممن خبروا الوعي قبل الرأسمالي بصورة الجسد.
و ضمن السياق الحضري لثقافة رأس المال الوليدة في السودان، أعاد العربسلاميون تعريف صورة الجسد على خلفية الفرز الطبقي الذي طبع تكوّن مجتمع الحواضر.و عبد الله الطيب حين يستعيذ بالله من ظواهر اجتماعية تنتمي للثقافة الحضرية الجديدة كـأصناف " الرهز" التي" جعلت تدب بين طبقات في البنادر" فهو يعبّر ببراءة عن موقف طبقي يتمازج فيه مرجع العرق بمرجع الدين، موقف استعلائي تجاه الـ" طبقات" الوليدة في البنادر المتخلّقة بين سلالات المسترقين و أعراق الوافدين لحواضر السودان من الأنحاء المستبعدة عن العروبة و الإسلام.
و بصرف النظر عن مدلوله الرمزي الديني أو الدنيوي، يمكن القول بأن الرقص يتطوّر بين أهل الحواضر السودانية (و بين غيرهم) عموما على أساس جملة من التقنيات الجسدية التقليدية و الحديثة و على غاية المتعة الجمالية الحسية، و هي متعة مركبة ،طرفها الذهني عند المشاهد الذي يفك شفرة الحركة الجمالية للراقص و طرفها الحسي عند الراقص الذي يخلق من تعاقب التراكيب الحركية و الإيماءات خطابا جسديا يتحقق على أبعاد المكان بين الأفقي و الرأسي و العمقي، و على أبعاد الزمان بين ما كان و ما هو كائن و ما سيكون.
و ضمن السياق التقليدي للرقص تنطرح المسافة بين المشاهد و الراقص كمسافة متحولة تملك أن تختفي في أي لحظة يعن للمشاهد فيها مغادرة موقف المشاهد ليندمج في مجموعة الراقصين، بينما تنطرح المسافة بين الراقص و المشاهد ضمن الرقص الحديث كمساحة مؤسسة في طبيعة الرقص الحديث المبذول غالبا كممارسة احترافية ، تعريف الأدوار فيها مضمر في عمارة مكان الرقص نفسه، و هي عمارة ترسم للمشاهدين مكانهم في جهة الصالة مثلما ترسم للراقصين مكانهم في جهة الخشبة.
و هكذا فـإن "أولاد العرب" من رهط عبدالله الطيب ، الذين رفضوا دعوة مضيفهم البريطاني للرقص، إنما يندرجون في جهة" الفرّاجة" من ساكني الصالة الذين يستغنون عن فعل الرقص بمتعة المشاهدة المتعالية (نظريا) و يمسخون تقليد الرقص الى نوع من فرض كفاية يقوم به المحترفون ـ و قيل"أهل القريات " ـ و من لف لفهم من أهل الطبقات التي بدأت تدب في البنادر، و هذي لعمري غربة في الغربة.
بيد أن الرقص يبقى أقوى من اعتبارات ثقافة رأس المال كونه يعبر عن حاجة داخلية حيوية /حيوانية تبريرها الرمزي يقوم على درجة عالية من التركيب الثقافي والاجتماعي .و في مقابل نموذج عبدالله الطيب الذي يكافح و يقمع نزوع الجسد الطبيعي للحركة الراقصة نجد بين "أولاد العرب" نموذج الراقص المتصالح مع نزوع الجسد للتعبير الحركي كما في تعليق "الصاوي" ضمن مداخلة قرأتها مرة في " المنبر الحر" في موقع سودانيزأونلاين، في خيط ابتدرته إيمان أحمد بعنوان:" عن الرقص و موسيقانا الداخلية"،4 يونيو 2004 .يقول الصاوي:
" ذكرني هذا البوست بوالدي رحمه الله، و كان عندما يسمع حسن عطية، عليه رحمة الله ـ فنانه المفضّل ـ يجلس للوراء و يغمض عينيه و يحرّك يده اليمنى للأمام ثم للخلف في حركة متناسبة مع حركة رأسه، و عادة ما تفلت دمعة من عينيه من فرط الطرب. و كنت أمازحه قائلا:
ـ يا أبوي إنت ما تقوم ترقص عديل.
و كان يرد:
ـ و منو القال ليك أنا هسّه ما قاعد أرقص؟
حقا كان يرقص بطريقة تخصّه وحده.."


و مشهد بنات الشّـُلُـك

(من رسالة بتاريخ 16ـ10ـ97 لمحمدأحمد محمود/ نشرت في"جهنم" رقم 4 أكتوبر 1997)
"..
وصلتني رسالتك و أنا أحضر ماكيت جهنم رقم 4 ، الذي يحتوي على تعليق بولا على محاضرة أحمد الطيب زين العابدين التي قدمها ضمن منتدى الفنون الافريقية بجامعة لندن أيام تظاهرة " آفريكا 95"، و أثارت عبارتك " الثقافة الديموقراطية " في خاطري أكثر من شجن و قلّبتها على أكثر من احتمال و عارضت ثقافة الديموقراطية بديموقراطية الثقافة، ثم قابلت بين الثقافة و الديموقراطية، و تساءلت :لأي حد ترضى الأولى بالثانية و العكس ؟و أدخلني كل ذلك في حيص بيص كما تقول العبارة الغامضة( و ما الحيص و ما البيص؟)..المهم يا زول ، سأعود للمسألة برواقة في وقت لاحق آخر.و كنت أنوي التقديم لحديث بولا في صدد " إستمرارية الثقافة في السودان" بصورة فوتوغرافية طريفة عثرت عليها صدفة ، في مجلة" قنطرة" التي يصدرها معهد العالم العربي بباريس. و الصورة تمثل مجموعة من راقصي فرقة الفنون الشعبية يؤدون رقصة من رقصات قبيلة الشلك . و قد نشرت الصورة ضمن ملف خاص بالسودان ، على شرف المعرض الآثاري بمعهد العالم العربي و التظاهرة الثقافية التي صاحبته، و التي شاركت فيها فرقة الفنون الشعبية السودانية في فبراير 1997 . و لو نظرت في هذه الصورة العجيبة لتساءلت :" من أين جاء هؤلاء الشـُّلُك ؟"، كونهم لا يشبهون الشلك الذين عهدناهم لا من قريب و لا من بعيد ( و أنت تعرف أن مؤسساتنا الثقافية الحديثة غنية بالكثير من الوثائق المكتوبة و المسموعة و المصوّرة في صدد تفاصيل حياة الشلك، و بالذات منذ أن شارك جعفر نميري في السبعينات في مراسيم تتويج رث الشلك).
المهم يا زول ، نظرت في الصورة التي تمثل أربعة فتيات من راقصات فرقة الفنون الشعبية، على رؤوسهن إيشارب يغطي الشعر و قد لبسن نوعا من فستان مشجّر واسع و طويل من الرقبة لغاية منتصف الساق و أكمامه طويلة لغاية المعصم. و كأنما الفستان الطويل لم يقنع القائمين على أمر الفرقة فدعموه بـنوع من " قرباب" يغطي ما بين نهاية الفستان و العرقوب، و ذلك قبل الوصول للنعل "الفاشري" اللامع.أغلب الظن أن من صمّم هذا الزي الجديد لبنات شلك الفرقة القومية للفنون الشعبية لم يقتنع بجهود جعفر نميري لدعم أسباب الحشمة على أجساد راقصات فرقة الفنون الشعبية في السبعينات.و إن لم تكن قد سمعت بحكاية جعفر نميري ، فهي باختصار، أن الرجل كان قد دعا شيخ الأمارات للتعرّف على فنوننا الشعبية من خلال عرض فرقة الفنون.و قالوا أن الرئيس و ضيف البلاد استقرا في الصف الأول ليستمتعا بالعرض الراقص. و مر كل شيء بسلام إلى أن علت الخشبة مجموعة من راقصات الزاندي ليؤدّين رقصتهن و هن يرتدين "رحاطة" تقليدية فوق نوع من : جيبة" قصيرة فرضها مصمم الفرقة بغاية إنقاذ ما يمكن إنقاذه.و يبدو أن الرئيس نميري قد فوجيء بالمشهد من حيث يجلس. و بدلا من أن " يدخل في أضافرينه" و يلزم مكانه، كما هي العادة لدى الأفندية الحسّاسين ،قام الرئيس حانقا و شيخ العرب وراءه و صفق الباب خارجا.كان في وسع النميري قفل الفرقة و تسريح راقصاتها بجرة قلم.سيّما و أن الفرقة كانت تابعة للقوات المسلحة في حينها.لكن هذا النميري كان "نميري منتصف السبعينات" قبل أن تدركه اللوثة الاسلامجية. و الحق هو أن الرجل كان تحت تأثير اللوثة التعددية.أيام كانت التعددية تشكل ضمانة للوحدة الوطنية التي لا تستغني عنها أي خطة للتنمية الاقتصادية.
المهم يا زول ،قالوا أن النميري إكتفى بأن أشار بزيادة الاحتشام في أزياء راقصات الفرقة.و قالوا أن ناس الفرقة بادروا بتعديل زي بنات الزاندي في الرقصة المعنية و ألبسوهن بنطلونات تحت الرحاطة.
و اليوم يبدو أن الدولة الاسلامية، بعد كل نفختها، ما زالت تحتاج لرقيص بنات الشلك و بنات غير الشلك من شعوب السودان الراقصة.
خطر لي أن هذه الصورة العجيبة إنما تمثّل الشلك كما يريدهم القائمون على أمور الدولة في السودان اليوم.شلك قابلون للإندغام في الرؤية العربسلامية للمجتمع السوداني، و يا حبّذا شلك متأسلمون، على الأقل في الظاهر ـ و الشريعة عليها بالظاهر كما تقول العبارة ـ و ذلك حتى ترضى عنهم الدولة العربسلامية التي يعرف أفنديتها أن المقاومة الوحيدة لمشروعهم السياسي الاجتماعي إنما تأتي من واقع التعدد الثقافي و العرقي في السودان.هؤلاء الشلك ، في نسختهم الإسلامية يتحولون الى نوع من مثال دعائي ينصر فكرة التعدد الثقافي" في إطار وحدة العقيدة الإسلامية " أو كما قال.
يبدو أن دولة الأفندية المتأسلمين تحتاج لراقصات فرقة الفنون الشعبية، بالذات في هذا المحفل الغربي المهم،حتى يتسنّى لها تقعيد إدّعاءاتها الثقافية ضد الانتقادات الكثيرة التي تواجهها في منطقة الثقافة. و قد سمعنا أن وزير الثقافة "أبو سيخة "، كان ينوي الحضور بنفسه لمرافقة التظاهرة الفنية السودانية في باريس ، لولا إحجام السلطات الفرنسية عن منحه تأشيرة دخول للأراضي الفرنسية.هذا الرجل، الذي كان يحمل سيخته في الستينات ضد فنون الشعوب السودانية، إكتشف للفنون الشعبية السودانية دورا في المشروع الجهادي لدولة الأفندية المتأسلمين حتى صار يطلب السفر لمرافقة البنات و الأولاد من أهل الرقص و اللهو و ما شابهها من ضروب الفنون المشهدية لغاية باريس، فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.فقد عشنا و شفنا بنات الشلك يرقصن بالزي الإسلامي الشرعي و في باريس كمان. و إذا أصله الحكاية جابت ليها رقيص اسلامي فأولى ببنات الناس أن يقرن في بيوتهن و يرقصن لبعولتهن، و لا شنو؟
حسن موسى
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة

.
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

معجزة ان يكون ابراهيم عوض هو ابراهيم عوض
بقلم: عيسى الحلو

* فجر رحيل الفنان «الذري» ابراهيم عوض كتابات كثيرة واسئلة كثيرة ايضاً. وذلك بوصفه ظاهرة جمالية وفكرية حداثية. لقد أحاط ضجيج عظيم بابراهيم عندما ظهر في بداية الخمسينات من القرن الماضي. وذات الضجيج يحيط به الآن عند رحيله. لأنه كما تقول هذه الكتابات انه ظاهرة حداثية، جسدت تجليات الحداثة لحقبة ما بعد استقلال السودان وتكوين دولته الحديثة. فأصبح المطرب الجديد تعبيراً دقيقاً لهذه الفترة.

* ولكن هنالك حداثيين كثيرين آخرين ظهروا فى مجالات ابداعية أخرى عديدة ولم يحظوا بهذه الحفاوة وبهذا الضجيج!

* ويبدو ان معجزة ان يكون ابراهيم عوض هو ابراهيم.. هذه الظاهرة الحداثية الثقافية الاجتماعية.. إذ أصبح ابراهيم الرمز ومحمولات المرموز.. فكان الفكرة المجردة وشكلها الجمالي المجسد. كان الاغنية التى تزور الاحلام.. هذه التى تنبعث من الراديو.. الاغنية الشوق والأغنية الواقع. هو غناء لحياة جديدة.. هى دعوة للدخول في العصر الكوني.

* مجئ ابراهيم عوض للفن.. كان تواطؤ تفاصيل كثيرة.. كان اتفاقاً بين الصدفة والحتمية. لقد اختار التاريخ «صبي الحداد» ليعبر عن فترة هذا التاريخ. فأصبح ابراهيم رمزاً لمجموعة من القيم الجديدة تلك التي تقوم بدور التحولات.. لذا يمكن القول ان ابراهيم لم يكن ظاهرة اعتباطية ولكنه ظاهرة حددتها حياته تلك التى تشابك نسيجها ما بين الخاص والعام، وأطرها ميلاده الداوي وموته الداوي أيضاً.

* وان هذا التواطؤ في التفاصيل هو الذى صنع هذه المعجزة.. معجزة ان يكون ابراهيم عوض .. هو هذا الابراهيم عوض الذى نعرف والذى هو في نفس الوقت تحقق لأختيارات التاريخ الجمعى. اذاً لقد تفاعلت تفاصيل الخاص والعام.. وذلك حينما أراد عبد الرحمن الريح ان يقفز من الحقيبة الى الأغنية الحديثة. فوجد عمر احمد الذي مات مبكراً دون ان يستطيع تقديم مشروع عبد الرحمن الريح. وهكذا التقى ابراهيم وود الريح.. لقد عبر ود الريح الى ضفاف الحداثة على صوت ابراهيم.. وهنا صنعت حتمية التأريخ من تواطؤ هذه التفاصيل.. المصادفات.. حتمية ابراهيم تظاهرة حداثية. وهكذا صنع التاريخ من كل هذه المعطيات رمزه الكبير «Great Code» وهكذا صنعت هذه الفترة اسطورتها ورمزها الذى هو هذا المطرب الجديد. الذى أخذت جدته بعدها العالمي والكوني فأسماه رحمي سليمان بالمطرب «الذري».

* وقد سأل دكتور البوني سؤالاً قوياً كبيراً هنا.. لماذا كل هذا الضجيج الذى لازم ميلاد ابراهيم كمطرب جديد.. ولازمه ايضاً حينما رحل؟

* وقد كتب الاستاذ حسن ساتي محللاً ظاهرة ابراهيم عوض دون الاستناد إلى مناقبه.

* وكما لو أراد الاستاذان البوني وساتي صياغة السؤال بطريقة أخرى.. «لماذا نال أبراهيم وحظى بالاهتمام وهناك رموز أخرى للحداثة الثقافية والاجتماعية لم تحظ بهذا الاهتمام الشاسع؟».

* وعندى ان السبب فى هذا يعود لأن شفرة الرمز هنا تحمل المحمولات الحداثية كمجموعة مرموزات ذات مساحة عريضة تضم كل الطبقات الاجتماعية السودانية في الوقت الذى تمثل فيه الرموز الثقافية الأخرى مساحات ليست لها هذا المدى من الاتساع في نشر خطابها كالمدى الذي وصل اليه ابراهيم عوض كخطاب فكري وجمالي وابداعي.

وتلك هى معجزة ابراهيم عوض

### عن صحيفة الراي العام السودانية
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »


عثمان
ياأخانا الذي في الأراضي المنخفضة
سلام كثير من بلاد الغال (و الغيل) و ألف تحية لمنال و لمازن و للصحاب،و شكرا على ايراد مقال عيسى بما يحتويه من نظر مركّب في امر ابراهيم عوض.و أنا مازلت أجمع الوثائق من هنا و هناك بغاية كتابة مشهد لأبراهيم عوض ضمن مشاهد الجسد الحضري الحديث في السودان.
مودتي

____________________________________________________________

جيوبوليتيك الجسد 11
رقصة الرقبة و رقصة الهوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في منفعة السماحة الثقافية

مشاهد تغرّب الجسد العربسلامي الحديث عن صورته الموروثة كثيرة لا تحصى، و قد اكتفينا منها ـ و هيهات ـ بالطرف الذي يمس تدابير الخطاب الجسدي بين أحوال الحركة و السكون.و من هنا ندخل على ظاهرة غربة الجسد من حيث عواقبها المتنوعة على واقع الممارسة الجسدية الجمالية لأهل الحواضر في السودان العربسلامي.و قد نوهنا في موضع سابق بأن غاية هذا المبحث هي فهم أسباب الخطاب الجمالي الجسدي في مجال الرقص باعتباره وجها أصيلا من وجوه التعبير التشكيلي للسودانيين ، مثلما هو ـ في الوقت نفسه ـ حيز مهم للتخلّق العفوي لجمالية الحداثة في السودان.
و سواء أن عبّر عن أمور الدنيا أو عن أمور الدين، فإن تقليد الرقص في السودان ظل يتطوّر بين أهل الحواضر من خلال جملة من التدابير الرمزية و التقنية المميّزة. و في ما وراء العائد الاجتماعي السياسي للممارسة تتلخص منفعة الرقص المبدأية بالنسبة للشخص الممارس في قيمة المتعة المزدوجة: المتعة الجسدية المادية و المتعة الجمالية الرمزية.و هي متعة الراقص مثلما هي متعة الناظرين من حوله. و الراقص في تعريفه البدائي هو شخص يبتدع و يكتب عبر الحركة ألوانا من تآليف لغة الجسد ضمن منطق معرّف للزمان كمتسارع و متباطيء بين ما كان و ما هو كائن و ما سيكون، وضمن منطق معرّف للمكان كحيز ثلاثي الابعاد بين عرض الحلبة و طولها و عمقها.و الزمان و المكان يشكلان الاطار المادي الذي تتحقق ضمنه حركة الجسد الراقص.
و متعة المشاهدة إنما تعتمد ،في أفق المشاهد ،على عملية الترجمة و التأويل و التقويم التي تتم و هو يقرأ بصريا التآليف الحركية التشكيلية التي يكتبها بجسده الراقص.و هذا الفصل ـ على صعيد المنهج ـ بين الراقص و المشاهد هنا، إنما يعبّر عن بعض من عسف التحديث على واقع تقليد الرقص في السودان الحضري.و ذلك إذا أخذنا في الاعتبار نموذج "فرقة الفنون الشعبية" الذي تطوّرت عليه محاولات متنوعة في حواضر الأقاليم.أما تقليد الرقص في السودان الريفي، فهو تقليد خبر الرقص كممارسة غير إحترافية ، فيها يملك كل من الراقص و المشاهد تبادل أدوارهما ضمن حلبة الرقص متى ما عنّ لهما ذلك.و ظاهرة الفصل بين المشاهدين و الراقصين التي تتأكّد في السياق الحضري الحديث في السودان، تجد بعض تفسيرها في مجالات الرقص الإحترافي حيث ينمسخ الراقص الى " ممثل " يلعب دور الراقص على خشبة مسرح تعتبر منطقة محظورة ـ ضمن الاضمار المسرحي الحديث ـ على أهل الصالة. و أهل الصالة من المشاهدين، هم أيضا ، و ضمن نفس الإضمار المسرحي ، "ممثلون" يلعبون دورهم كـ "ممثلين " لطبقتهم ، كمستهلكين للنتاج الثقافي المطروح بضاعة مدفوعة الثمن.
و المسافة بين المشاهدين/المستهلكين و الراقصين/الممثلين ضمن مجال الرقص الحديث في السودان ليست مسافة مادية فحسب.بل هي مسافة مفاهيمية من التناقضات الاجتماعية ( الطيبة و المرذولة ) التي يتواطأ على صيانتها ـ و بحدب نبيل ـ كل من المشاهدين و الراقصين داخل حيز التقليد المشهدي الحديث. , أنا أعني جملة التناقضات الاجتماعية لأبناء و بنات الطبقة الوسطى من العربسلاميين المرتاعين من إنتهاكات حداثة رأس المال لحرم الذاكرة الرمزية التقاليدية، و الباحثين عن طريق ثالث يضمن لهم تأمين امتيازاتهم النفسية و المادية( القديمة و الحديثة) في ثنايا هامش آمن من هوامش حرب التقاليد و الحداثات.و مكابدة التناقضات الثقافية قدر مكتوب على عربسلاميي الحواضر منذ أن ثبت في اتفاقهم الجمعي أن العناية بظواهر التقليد المحلي قبل الرأسمالي واجب أخلاقي و وطني ، القيام به مفيد لتسويغ الانخراط النهائي في حداثة رأس المال النصرانية الجائرة بدون إحساس بالإثم جراء الخيانة الرمزية.
و ليس صدفة أن يكون السيد عبد الرحمن المهدي ـ أول المؤسسين السودانيين للحداثة الرأسمالية ـ في طليعة المنادين لـ " حفظ التراث "الثقافي التقليدي( جانبا)، في اللحظة التي كان عليه فيها أن يختار بين عواقب الالتزام تجاه التقليد ممثلا في " بيعة قص الرقبة" و عواقب الامتثال لضرورات رأس المال الكولونيالي.
"و هكذا كتب على السيد عبد الرحمن أن يؤسس لظهور مهدية جديدة " نيو ـ مهدية " فحواها تدجين الوحش المهدوي الجريح ، و اقناعه بالتحول عن الجهاد و الامتثال لمنطق حداثة رأس المال ، فيصبح أنصار المهدي مجرد طائفة دينية مثل غيرها من الطوائف المسالمة التي تؤطّر الوجود الديني للمسلمين تحت رقابة السلطات الاستعمارية."
و حين كتب عبد الرحمن المهدي في مذكراته:
" كنت أعتقد أن واجبي يحتم عليّ أن أحافظ على تراث المهدية حتى لا تذهب تلك الصفحة المشرقة من تاريخ بلادنا هباءا " ، حين كتب عبد الرحمن المهدي هذه الكلمة الخطيرة ، فهو قد أكمل بها خروجه الناجز من البنية الآيديولوجية للمهدية المقاتلة، و بقي منها على مسافة نقدية تمكنه من التأمّل في الحقيقة المهدوية من على البعد و تحويلها لمادة تراثية و لتاريخ بائد جدير بالحفظ و بمساعي البر الاحيائي.و هكذا يفتتح السيد عبد الرحمن الفصل الاول من تقليد حفظ و احياء التراث في السودان قبل عقود من ظهور " مصلحة الثقافة" في السودان. ويقول : " كان من رايي أن يجتمع الانصار في جهة واحدة تتيح لهم تدارس شؤون دينهم فتعمر نفوسهم بالدين و تتوحد كلمتهم بالعقيدة حتى لا يخبو ذلك النور اللألاء و حتى لا يندثر تراث المهدية العظيم.". بيد أن الانصار الذين كانوا يبذلون قوة عملهم في مطلع القرن العشرين لتعمير و زراعة الاراضي المسجلة للسيد
عبد الرحمن لم يكونوا على نفس المسافة من الفكرة المهدية بما يمكنهم من التأمّل فيها كــ " فولكلور ".بل كانت الفكرة المهدية بالنسبة لهم واقعا يوميا يباشرونه تحت شروط بيعة جددوها لابن الامام المهدي و خاطرهم حافل برؤى الاستشهاد.

أنظر رابط النص " السير عبد الرحمن.. حداثة الغبش"
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 918eb#4689
و ضمن مشهد العناية المُـؤثَّمَـة بميراث الثقافة التقليدية أسس عربسلاميو الحواضر لدعاوى حفظ و تطوير التراث بأشكال كثيرة متنوعة بعضها مؤسسي ومستديم كـ " مصلحة الثقافة " و" مركز دراسات الفولكلور" و" فرقة الفنون الشعبية" و شعب الدراسات الفولكلورية في مؤسسات التعليم العالي ، وبعضها الآخر احتفالي موسمي كالمهرجانات و المؤتمرات و المعارض و العروض الفولكلورية.و ضمن هذا الأفق اعتنت دولة الطبقة الوسطى العربسلامية في السودان بمؤسسة ثقافية رسمية مثل " فرقة الفنون الشعبية" و مثيلاتها في حواضر الاقاليم، و في الخاطر الرسمي و الشعبي إضمار مشترك فحواه أن رقص الأهالي تقليد ثقافي شعبي جدير بالحفظ و التطوير.هذه المسافة المفاهيمية بين جمهور المشاهدين من أهل الحواضر و تقليد الرقص ، مكّنت المشاهدين و الراقصين من التبديل و التحوير و التصرف بحرية كبيرة في مفاهيم و تقنيات الرقص الشعبي في السودان. فراقص فرقة الفنون الشعبية ـ بصرف النظر عن إنتماءه العرقي ـ يتعلّم أداء معظم رقصات أعراق السودان المختلفة.و ذلك طبعا موقف فرضته ضرورات التنظيم العملي المادي للفرقة.لكن المدهش هو أن جمهور المشاهدين يقبل بسماحة ثقافية عالية أداء أهل الجنوب لرقصات أهل الشمال مثلما يقبل أداء أهل الغرب لرقصات أهل الشرق و العكس.و من مشهد المشاهدين قد يبدو الأمر ـ أمر السماحة الثقافية ـ كوجه من وجوه اللعب، سيّما و جزء كبير من أهل السودان الريفي يسمون الرقص " لعبا". بيد أن الامر في تحليلي لسماحة الحضريين الثقافية ليس لعبا بالمرة.و إنما هو أمر " تراث ثقافي" يستوجب الحفظ و التبجيل بصفته وسيلة من وسائل صيانة الهوية الثقافية الوطنية للطبقة الوسطى العربسلامية،و على هذا يمكن تسويغ استنتاجي" المُغْرض" بكون مفهوم " السماحة الثقافية " المنسوب للقوم يبدو لي أدخل في روح " الانتهاز الثقافي البراغماتي" منه في روح " ديموقراطية الثقافة" التي اشار اليها محمد أحمد محمود و آخرون مرات عديدة. و هو انتهاز ثقافي " بوليتيكلي كوريكت" يداهن العواطف النبيلة لفرضية التمازج الثقافي و التخلّس السودانوي و يخوّل للفئة الاجتماعية و العرقية التي تدير المحفل أن تفرض قوامتها الثقافية على مجمل ثقافات الفرقاء الاجتماعيين الآخرين بذريعة تحقيق المشروع الجامع الكبير : مشروع الأمة السودانية السودانوية.و حين أقول " الفئة الاجتماعية و العرقية التي تدير المحفل" فأنا أعني عربسلاميي الطبقة الوسطى الخرطومية المقيمة في مقام الأمة السودانوية، أمة الخلاسيين الذين يحلمون بـ " العودة الى سنار"، (يا لها من عبارة جهنمية) كيوتوبيا متفق عليها و لا يضيرهم أن يتساءلوا مع الطيب صالح في عبارته اللئيمة في حق ديموقراطية الثقافة:" قلت مرة للسيد بونا ملوال: ماذا يضيركم اذا ربطناكم بالحضارة العربية ؟ هذه حضارة طويلة عريضة و تراث أدبي و فكري..ما ذا ستقدم اليّ اذا قبلت أنا و تخليت عن ارتباطي بالحضارة العربية؟"( جريدة الخرطوم 26 أبريل 98). هذه الطبقة الوسطى الحضرية العربسلامية الخرطومية تباعدت عامدة عن اسلام و عروبة التقليد( و اصطنعت لنفسها مسافة أمنية من " بيعة قص الرقبة") ثم تأسلمت من جديد على اسلامها التقليدي الموروث،( و وجدت في" النيوـ اسلام" من المخارج ما ييسر لها الامتثال لمقتضيات النظام المصرفي العالمي) و استعربت من جديد على عروبتها التقليدية " المعروفة"( و وجدت في القومية العربية المتصابية من الاحلاف السياسية و العسكرية ما قوّى شوكتها ضد خصومها السودانيين)، و انتهت الى مسخ مجمل حركة حياتها الاجتماعية الى نوع من طقوس فولكولورية فارغة منفعتها الرئيسية تتلخص في تدعيم صرح نسختها العربسلامية الخاصة للهوية الثقافية الوطنية ،كتجسيد فريد و جامع لمفهوم الهوية السودانية.و فكرة الهوية السودانية لم تلاقي من الرواج بقدر ما لاقته حين خرّج لها منظّرو التمازج تحت لافته" السودانوية" المريبة، تلك الهوية السودانوية التي تقبل بالتمازج الثقافي بين ثقافات العرب و الزنج شريطة أن يتم التمازج وفق الاصول ،أي في إطار نسختهم للثقافة العربسلامية.و هي نسخة متنازع عليها كونها تتحول و تتبدّل حسب تبدل مصالح من يتولى تعريف ثوابتها و متغيراتها.

و ليس ثمة ما هو أفضل من الرقص كممارسة ثقافية تملك أن تقودنا عبر الإلتواءات التي ابتدرها عربسلاميو الحواضر لصيانة العلائق الثقافية الاعتسافية العامرة بالتناقضات بين لاوعي الجسد التقليدي المفقود و وعي الجسد الحديث المنشود.ذلك أن حلبة الرقص " التقليدي " ـ و أضع العبارة بين الاهلّة عامدا كون رقصة "الرقبة" التي تؤديها العروس اليوم هي أبعد ما تكون عن معنى التقليد ـ أقول : ان حلبة الرقص التي تنتصب فيها العروس المعاصرة لتؤدي طقس " رقصة العروس " استحالت اليوم خشبة مسرح اجتماعي جديد. مسرح تحكي فيه الطبقة الوسطى العربسلامية أحلامها و أوهامها الوجودية بأسلوب جديد و فريد في نوعه.
و الرقص في السودان ينطرح اليوم كتقليد ثقافي حي متجدد من تجدد الحياة الاجتماعية للسودانيين. و رغم أن الرقص يكون في خاطر الثقافة كممارسة جماعية الا أن هامش الاختراع الفردي يظل محفوظا للمجددين و للمجددات الذين يستفيدون من سماحة الجمهور الجمالية التي ـ على علاّتها الآيديولوجية المستترة ـ توفر للممارسة العملية هامش حرية مهم، و تطبع مقام الرقص، من حيث كونه مقام " لعب "و لهو و احتفال ، بمزاج التراضي الذي لا مكان فيه للمتزمتين و حراس الفقه القمعي.و جدير بالذكر أن صفة السماحة الجمالية للمجددين لا تقتصر على البرنامج الحركي لرقص الدنيا وحده، فرقص الدين يكشف أحيانا عن بعض وجوه الابتداع و التجاوز الحركي الكوريغرافي الذي يبتدعه بعض أهل " الذكر " بذرائع " الجذب " و " السكر " و " الحضرة ". و هي مواقف يتحرر فيها الراقص الذاكر من كافة لوائح السلوك الحركي للرجل المسلم و يتمادى بمنطق التعبير الجسدي لنهاياته و ان جرّ عليه التمادي شبهات الأنوثة و الخنوثة التي يتعاير بها أولاد العربسلاميين في فولكلور البذاءات الذكورية.
و قد لاحظ الأخ النور محمد حمد شيئا من ذلك في حديثه عن أداء الراقصين في بعض محافل الرقص الشعبي التصوفي في السودان:
".. أما حلقات الذكر، و أنت لابد تردّدت على مقابر حمد النيل بأمدرمان أيام الجمع،فهي صورة من صور التعبير الصوفي الجسدي، يقوم به مجذوبون متصوفون حقيقيون أحيانا ، و مستهبلون أفاقون أحيانا أخرى.و لعلك أيضا غشيت "ميدان الأمم المتحدة" في وسط الخرطوم في السبعينات حسث يعقد بعض المدّاح حلقات الطار.هل رأيت "عباس"؟ فهو رجل عاشق مشهور. يغشى عباس تلك الحلقة بشكل يكاد يوميا و يرقص فيها " رقيص الرقبة". يذوب ذلك الرجل في رقصه ذوبانا عجيبا، و في حركاته عذوبة و رقّة و أنوثة. و مهما كان مبلغ ما لدي أحدنا من التحرر و الإيمان بالحرية ، فان الواحد منا سوف يحس حتما بشيء من الخجل مما يفعل ذلك الشيخ الوقور ذو اللحية البيضاء المنسّقة.و لقد درج بعض " الوهابية " وقتها على الإعتداء على ذلك الرجل الراقص المتهتّك، الذي يهصر قوامه و يرمي رقبته إلى الخلف، و يذوب في لحون المديح ، غير أنه لم يترك رقصه و تهتّكه أبدا.لم يستطيعوا إخافته أبدا.و ظل على حاله تلك.هل رأيت كيف يحتمي التعبير الحر بالجناب النبوي ليجد شرعية في التعبير عن الشوق ، و التوق و الوجد و الغرام؟"( النور م. حمد من رسالة في "جهنم " رقم 16 ـ يوليو 2000).
و ممارسو الرقص الدنيوي اليوم، انما يرقصون على برنامج حركي واسع و غني، كونهم قوم خبروا تصانيف حركية أخرى بالإضافة لخبرتهم بتصانيف الرقص المحلي الموروثة، فكل أهل الحواضر قد مارسوا، بشكل أو بآخر، أنواع الرقص الأجنبي من فالس و تانغو و رومبا و سامبا و روك و تويست و جيرك لغاية أنواع الهيب هوب الخ.و الجسد الحضري السوداني الذي يمارس الرقص التقليدي المحلي اليوم ، انما يباشر هذا الرقص المتسمي " تقليديا" بجماع خبرته الحركية الجسدية. و هي خبرة تتجاوز جغرافيا الرقص نفسه لتشتمل على أنواع الرياضات و هيئات الجسد التعبيرية الوافدة من ثقافات أخرى إقليمية و كونية من خلال وسائط الاعلام و النشر السمعية البصرية.و حين يتصدى الراقص السوداني المعاصر اليوم لأداء رقصة " تقليدية" فإن ذاكرته الحركية و الجمالية التي يباشر عليها الرقصة المزعومة " تقليدية " تجعله " يحجّم " الرقصة المعنية الى مجرد إحتمال في التعبير الحركي الكوريغرافي ، و دون أن يعني التحجيم إفقار الرقصة أو تسطيحها. بالعكس فالرقص المتسمي " تقليديا" قد استفاد لحد كبير من ما جلبه الراقصون و الراقصات من مفردات كوريغرافية أجنبية المصدر سواء أن كانت أوروبية أو غير أوروبية.و رغم صعوبة الكلام عن الرقص بوسيلة الكلمات فقد سمعت بعض العارفين و العارفات بالرقص الحضري المعاصر، المتلبس بلبوس التقليد السوداني،و هم يتحدثون في تفاصيل الأداء بلغة و بمفردات ذات طابع تقني و جمالي غاية في التركيب.(و" اني واهب مملكتي كلها " ـ على حد العبارة الشكسبيرية ـ لقاء صفحات من قاموس " العَلاّمات" الناشطات في منطقة رقصة العروس في السودان اليوم)،و العلاّمات هن النساء من ذوات الكيد الكوريغرافي العظيم ممن تشغلهن صيانة تقليد الرقص الحديث بذريعة تقليد رقصة العروس ،وفي ثنايا لغة" العلاّمات" يتكنّز جزء كبير من أدب التربية الكوريغرافية و جزء كبير من علم جمال الرقص العربسلامي في السودان , قيل من نظرية الجسد العربسلامي بالمرة.(شايفة يا تماضر؟).
و خلاص الأمر، أن كان لمثل هذا الأمر خلاص ، أقول: رغم أن تصانيف الرقص المبذولة في ممارسات السودانيين المعاصرين تبدو كما لو كانت تتكشّف عن حرية كوريغرافية أوسع مما كان متاحا لجيل الأجداد و الجدات، الا أن التأمل المتأني في المعاني الرمزية المستبطنة في الحركات الكوريغرافية عند هؤلاء و أولئك قد يتكشّف عن التركيب البالغ لعلاقة الحركة الكوريغرافية بالمعاني الرمزية التي تسكنها.و في النهاية لا ينوبنا من خلاص الأمر الاّ وعينا بكون الراقصين و الراقصات في السودان المعاصر انما يرقصون و في متناول حركتهم مصادر كوريغرافية متعددة و متنوعة بتعدد و بتنوع انخراطهم الطوعي و الاجباري في حركة الكوريغرافيا العالمية.و قد صار من المألوف في أعراس الحواضر و محافلها الراقصة أن تشهد الراقصات يتحولن بعفوية و بحرية من رقصهن الحديث، الغربي أو غيره( أثيوبي .هندي ..مصري إلخ) لـ "رقيص الرقبة" في نسخته المطعّمة بلقيّات الرقص الحديث، و هن في سياحاتهن الحركية غالبا ما يعوّلن على تواطؤ المغني و أريحية الموسيقييين الجمالية التي تستقي هي الأخرى من موسيقى العالم بنفس عفوية الراقصات.و قد شهدت أكثر من محفل راقص مر فيه الشبان، الذين كانوا يراقصون الشابات أنواع الفالس و السلو، على نفس الراقصات، اللواتي تحولن لرقصةالرقبة ،ليأخذوا " الشبّال" ضمن اتّفاق مسرحي كرنفالي بلا تبعة غير تبعة المرح البريء.
هذا الواقع التعبيري المتعدد المصادر يخلق للرقص الشعبي المعاصر بين أهل الحواضر السودانية وضعية كوريغرافية أدخل في وضعية التعدد اللغوي، حيث صار الجسد ينطق عن لسان محلي تقليدي" مُحدّث" و عن لسان كوزموبوليتاني متعدد الثقافات.و هي وضعية ينتفع بها التعبير الجسدي المعاصر الذي يخترعه أهل الحواضر كل يوم بعفوية كبيرة. فمن جهة أولى يستفيد تقليد الرقص الموروث من الدم الكوريغرافي الجديد الذي تحمله المساهمات المجلوبة من تقاليد حركية أجنبية، يستفيد منه في تمديد و بسط خصوصياته الثقافية السودانية ـ بل و " السودانوية " كمان ـ وسط أهل الحواضر المتعطّشين لقرائن تدعم مزاعم هويتهم الثقافية المتصلة ضد بؤس وجداني متنام في ظل القطيعة الثقافية الراهنة. و من جهة أخرى، يؤدي تراكم الخبرات الحركية المتعددة المصادر ، بالضرورة ، إلى إعادة النظر في القناعات الرمزية المستبطنة منذ قرون طويلة في الأشكال الكوريغرافية التراثية. و هي إعادة للنظر مؤدّاها المنطقي تفجير القناعات الرمزية التي تكوّنت في شروط ثقافة مجتمع قبل رأسمالي. مجتمع كان فيه تعريف الفرد و الجماعة و تعريف الذكر و الأنثى ، بل و تعريف الزمان و المكان نفسهما، فيه ينطوي على دلالات و على عواقب مادية و رمزية من المتعذّر قبولها اليوم.
و النتيجة المنطقية لهذه التحولات ضمن واقع الثقافة الجسدية الحديثة هي تخليص منطق الحركة الكوريغرافية التقليدية في السودان ( و في غيره) من مرجعيته الرمزية العرقية و بذله للسودانيين ( و لغيرهم) كمجرد إحتمال كوريغرافي ضمن تراث التشكيل الجسدي الإنساني الذي يتقاسمه السودانيون مع غيرهم من خلق الله شرقا و غربا و شمالا و جنوبا.و في هذا المشهد المتعولم لرقص السودانيين تطرح تجربة تماضر شيخ الدين جبريل( و قيل " جبرين")مع فرقة " عرائس النيل" ( الأمريكيات السودانيات)تجربة تستحق التأنّي على أكثر من صعيد.
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

المحترم حسن موسي .......سلام


من المؤكد أنك علي درايةٍ تامه بأننا جميعاً (ولا تطالبني بتعريف جميعنا) نتابع هذا الفكر الخلاق الذي تجود به عبر هذا الموقع .ولكني عندما أقراء فكراً خلاقاً لا أميل الي سجن لذة قراءتي بتدخل ما في مشهد العرض الأساسي اذا كان ذلك تصفيقاً او تهليلاً او ربما بذلك الشئ الذي يعرف بسرقة الخشبه عند أهل الدراما. وغالباً ما افضل ذلك المقعد القصي الذي يوفر متعة المشاهده في الصاله المظلمه لمصلحة (الفوكس) المركز علي خشبة العرض واتفادي أيضاً مقابلة الممثلين خلف الكواليس لنيل توقيع اوتغرافي أتباهي به في يوم ما.لكن ما دفعني لفعل هذا الشئ أضطراراً هو الشديد القوي.

وليد
السايقه واصله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 12

الأخ الوليد
شكرا على القراءة من عمق الصالة و أنا جاييك راجع في حكاية موقع القاريء و زاوية القراءة
سلام


أيْـقَـَــنـَة الـوطـن في محافل الوئام

قلت أن تجربة تماضر شيخ الدين تطرح مؤشرات تستحق التأنـّي في أفق تحرير لغة الرقص السوداني من أثقال الذاكرة العرقية السودانية و بذلها للعالم كاحتمال في الخلق الكوريغرافي.
فقد قامت تماضر في منتصف التسعينات بتأسيس فرقة للرقص السوداني مع مجموعة من الراقصات السودانيات و الأمريكيات ، و قدمت الفرقة عروضا ناجحة لجمهور مختلط من السودانيين و الأمريكيين في واشنطون و بعض المدن الأمريكية.(أرجو أن تتمكن تماضر من تحقيق التوثيق في خصوص ظروف التأسيس و تواريخ العروض و أمكنتها و نوعية الاستجابات التي لاقتها إلخ).
و قيمة تجربة راقصات تماضر الأمريكيات تتلخص في طرح الرقص التراثي السوداني كمجرد شكل كوريغرافي قابل للتركيب مع غيره من أشكال التعبير الكوريغرافي الأخرى ضمن منطق للخلق التشكيلي الجسدي الحديث المفتوح على كل الاحتمالات.فاذا كانت راقصة الرقبة السودانية، المتربية ضمن ثقافة المجتمع قبل الرأسمالي، تملك أن تسقط على المعطى الحركي صورة رمزية تمثـّل المرأة حيوانا من شاكلة الناقة أو الغزال أو الحمامة أو الأوزّة إلخ، فان الأمر بالنسبة لرصيفتها الأمريكية لا يعدو أمر تكوين تشكيلي جسدي يكتسب معناه الرمزي كفعل إحتفالي مسرحي ضمن علاقة الجسد بالمكان و الزمان ، و ضمن مجمل الإضمار الجمالي الحديث الذي تتقاسمه الراقصة مع جمهورها الـ " حديث ".و قد ترددت قبل أن أضع عبارة " الحديث " بين الأهلـّة، ذلك أن صفة الحداثة التي أطلقتها بسماحة على جمهور راقصات تماضر الأمريكيات، المكوّن من أمريكيين و من سودانيين متأمركين، معظمهم من المتعلمين و الباحثين الجامعيين، الذين التقوا في منافي أمريكا على هذا الموعد الثقافي السوداني المميز، تهجسهم أسئلة أزمة السياسة و أزمة الثقافة السودانية،أقول : ان صفة الحداثة التي أطلقتها على القوم تثير في خاطري أكثر من تساؤل حول سعة هذا المصطلح و قابليته على الإحاطة بالتركيب اللاحق بواقعنا الثقافي المعاصر.
فقد تسنـّى لي قبل سنوات ( في عام 2001) ، وأنا في زيارة لبعض الصحاب في بريطانيا ، أن أشهد، وسط جمهور " حديث " من سودانيين أغلبهم من الجامعيين، و فيهم سياسيون و فنانون إلخ..أقول: تسنى لي أن اشهد واحدة من تلك الحفلات الشيقة العامرة بأنواع الحنين الثقافي( المشروع) لذلك السودان الذي كان. سودان السلام و الوئام و العشرة الطيبة الخ..( هل حقا كان هناك سودان كهذا في يوم من الأيام ؟)..
المهم يا زول ، كنت أجلس في الصف الأمامي ، أستمع في أدب مع بعض الأعلام و الأعيان من أعضاء الجالية، و المغني الشاب المجوّد الذي يقود فريق الموسيقيين التقدميين يغنينا بما يروّح هموم الغربة الرمزية و أوجاع المنافي، إلى أن انبرت من بين الصفوف شابة سودانية " حديثة " المظهر، أوروبية الملبس،و توسّطت الحلقة و ثنت من ظهرها و رمت برأسها للوراء في حركة غنوجة و طفقت تطوّح من ذراعيها و تتثنـّى على إيقاع الأغنية السودانية " الحديثة" التي تمجّد مآثر شيخ العشيرة: " الشيخ سيـّروه ..." ، بينما كانت مجموعة من النساء الملتفعات بالثوب السوداني "الأصيل" تدعمها من وراء الصفوف بزغاريد مريبة، طرف منها في منطقة الفكاهة و طرف آخر في فولكلور الجلع السوداني " الأصيل"، و ذلك كلما نهض أحد الذكور "الـحديثون" ليأخذ الشبـّال السوداني" الأصيل" إياه.تأملت في مشهد هذه الشابة التقدمية التي تبذل لحمها " ميتة " لنهم الناظرين في " كرم سوداني أصيل"، و تسائلت عن طبيعة الصورة الرمزية المستبطنة في الشكل الكوريغرافي الذي أدّى بها لهذا الموضع العجيب.ذلك أن الموضع كان عجيبا بحق و ذلك من واقع التعارض بين خصوصية الجسد المؤنّث الغشيم المبذول شهامة و تفحّش النظر الأيري الكامن الظاهر تحت غشاء الأدب السوداني الـ "أصيل"(كمان).و بدا لي عجبي مركبا من إحساسي بكون هيئة الغشامة و هيئة التفحّش و هيئة الشهامة إنما تتمازج جميعها على مصهر البراءة الريفية التقليدية المرتدّة ـ و قيل " الإرتجاعية" ـ لهؤلاء القوم الحديثون القمينون بالعودة للتقليد و هم في عز الحداثة.ترى هل هي عودة أم إنتكاسة أم مجرد تعريجة بريئة على درب الحداثة السودانية العامر بالمنعطفات و المطبات؟ مندري.
في تلك اللحظات عبرت خاطري قولة عيسى عليه السلام: لا تنثروا الجواهر أمام الخنازير. حقيقة ضايقني سوء الفهم الذي أثـّث تلك اللحظات بين جمع الرجال و النساء الحديثين الذين التقوا في تلك الصالة على أطيب النوايا التقدمية.و أدركني حياء مباغت لم أعقله في حينها، و أظنه شيء من حياء أهل الحداثة ـ طالما اعتبرت نفسي فالتا من نوع حياء أهل التقليد الذين هم اذا اختشوا ماتوا عملا بما جاء في الأثر" إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، و هأنذا حي أرزق أفعل ما أشاء ولا أدخل في أضافريني و لكنه ضيق خفي لا أدري كنهه ـ المهم يا زول ، كنت على يقين من أن خاطر الراقصة التقدمية خال من صورة الأنثى التقليدية المزعومة" حرثا" و " مطية "و " ناقة "و "وزّة " أو " جدي ريل " إلخ. و بدا لي أن تفانيها في بذل تكاوير جسدها للجمهور ليس سوى وجه من وجوه السماحة المشهدية التي غايتها رسم أيقونة المحفل السوداني السعيد كتعبير عن حلم الوحدة و السلام الذي ظل يهجس خواطر أهل ذلك البلد المحزون على طور السنين،
و لقد تضافرت جهود الحاضرين في تلك الأمسية على أنجاز الأيقونة المشهدية لحفل العرس السوداني في أفضل لحظاته، اللحظة التي تكشف فيها العروس عن ما أخفته طوال سنوات، و ما ستخفيه بعد انفضاض محفل العرس لسنوات عمرها الباقية.أعني لحم " الحرمة " العربسلامية الصائرة موضوعا للحظر المزمن بعد" النظرة الأولى"( و الأخيرة).
بدا لي كرم تلك الشابة الجسدي فعلا سياسيا عفويا أكثر منه استذكارا لتقليد رقصة الرقبة.و الفعل السياسي المتذرّع برقصة الرقبة يجد مشروعيته في الملابسات السياسية السودانية التي مسخت حتى الممارسات الحياتية العفوية للسودانيين لمستوى الفعل السياسي المعارض للمشروع الاصلاحي الأصولي الذي طرحه اسلاميو نظام الانقاذ.و من الجهة الأخرى ، و فيما وراء المنع الإداري للرقص، ينطرح انجاز مشهد المحفل الوطني الوطني السعيد على مرجع حفل العرس التقليدي، باعتباره وجها من وجوه المقاومة الآيديولوجية " السودانوية " التي تعارض المشروع الاصلاحي الأصولي بصيانة التقليد الثقافي السوداني و الاحتفاء به، بوصفه تقليد "هجنة عفوية" مؤدّاها الحتمي تحقيق التمازج على قيم الاسلام و العروبة بدون أي قسر و مقولة " الهجنو العفوية" في السودان فولة كبيرة لا بد لنا من التأني عندها و تقليبها و التأمل في وجوه استخداماتها السياسية و الأدبية و العرقية التي لا تحصى . و بعد هذه الامسية بأسابيع، أراني الصديق الباحث د. عبد الحق الدودو، تسجيلا تليفزيونيا لمقابلة مع السياسي المعارض و مستشار جون قرنق في حينها، الدكتور منصور خالد.كان منصور خالد يتحدث لتلفزيون" الجزيرة" و هو ينتقد خصومه الأصوليين القائمين على نظام جبهة الانقاذ، بكونهم، من خلال سياسة الاسلمة و التعريب القسريين، اعتسفوا و ابتسروا مسار التمازج الثقافي الطبيعي الذي كان جاريا في جنوب البلاد، و الذي كان مؤداه الحتمي أسلمة السودان الأفريقي و تعريبه بالتي هي أحسن.فتأمل في موقف هذا الخصم السودانوي المقيم على ميسرة، و هو، بسبيل مداهنه القوى الاقليمية العربسلامية ،" يشرّك و يحاحي" في آن.و في النهاية ، اذا كان الخصوم الآيديولوجيون للأصوليين السودانيين" يشوفوا الفيل و يطعنوا ظله" بذريعة الحدب على ثقافة" الهجنة العفوية" السودانوية، اذن فليطمئن الاسلامجية القابضون على السلطة في الخرطوم، فأمامهم عهد طويل من الملذات و المسرات قبل أن يدخل عليهم من يخلخل قناعاتهم العرقية و الدينية البدائية.فالهجنة الثقافية المزعومة " عفوية" لم تعرف العفوية أبدا و لم تستغن يوما عن مساندة السلطات السياسية التي وجدت فيها نوعا من حصان طروادة ثقافي مردوده السياسي أكيد.أن السودانوية التي احتفى بها و نظّر لها أحمد الطيب زين العابدين في منطقة التشكيل السوداني ليست سوى الجزء الظاهر من آيسبيرغ آيديولوجية الطبقة الوسطى العربسلامية و ما خفي أزرط.
و ضمن هذا الافق ، أفق الآيديولوجيا السودانوية يطرح التعبير الشعبي ظواهر ثقافية تستحق التأني كولع أهل الحواضر المتأخر بالطقوس الفولكلورية البائدة حتى بين أهل الأرياف في السودان.و يمكن هنا فهم اهتمام أهل الحواضر المفرط و تأكيدهم، العصابي أحيانا، لتفاصيل الطقوس الفولكلورية لحفل العرس التقليدي، من شاكلة زي العرسان و حليهما و تفاصيل اكسسوارات طقوس العرس من حنـّة و ضريرة و سيرة و عديلة الخ. بل أن" تجهيز" زينة العروس التقليدية صار مهنة و تجارة رابحة يتولى أمرها العارفون و المتخصصون في بعض حواضر السودان و بين بعض أهل الجاليات السودانية الكبيرة الموسرة في نواحي المهجر الخليجي .و المنفعة النهائية لكل هذا الـ " بيزينيس" هو التفاني في انجاز الأيقونة السودانية لحال الوئام و المتحققة كشكل درامي محفلي مدعوم بتفاصيل و مؤثرات متنوعة رمزية و تقنية( بصرية و سمعية ولمسية و شمية..و هلمجرا)، ذلك أن الأيقونة السودانوية انما تنطرح في خاطر القوم كمنطقة محمية من النقد، تتقاطع عندها الاتفاقات الثقافية العرقية و السياسية لهؤلاء و أولئك من الزاعمين بأن قيمهم الثقافية الـ " أصيلة " ظلت بمنجاة من التحولات الجوهرية الجسيمة التي تعصف بالعالم المعاصر.
أقول: ذكرتني تلك الأمسية الممطرة التي تقاطر فيها الشعراء و الغاوون، في تلك المدينة البريطانية بذلك الفرح العجيب الذي وصفه الطيب صالح في " موسم الهجرة":
"..و أقمنا في وسط الصحراء فرحا للاشيء ".." و خطرت لأحد فكرة فصف السواقون سياراتهم على هيئة دائرة و سلطوا أضواءها على حلقة الرقص فاشتعلت شعلة من الضوء لا أحسب تلك البقعة رأت مثلها من قبل، و زغرد الرجال كما تزغرد النساء ، و انطلقت أبواق السيارات جميعا في آن واحد. و جذب الضوء و الضجة البدو من شعاب الوديان و سفوح التلال المجاورة، رجال و نساء ، قوم لا تراهم بالنهار، كأنهم يذوبون تحت الشمس. اجتمع خلق عظيم و دخلت الحلبة نساء حقيقيات، لو رأيتهن نهارا لما أعرتهن نظرة، لكنهن جميلات في هذا الزمان و المكان. و جاء اعرابي بخروف وكأه و ذبحه و شوى لحمه على نار أوقدها. و أخرج أحد المسافرين من السيارة صندوقين من البيرة وزعهما و هو يهتف:في صحة السودان..".." و ردد الليل و الصحراء أصداء عرس عظيم كأننا قبيل من الجن، عرس بلا معنى، مجرد عمل يائس نبع ارتجالا كالأعاصير الصغيرة التي تنبع في الصحراء ثم تموت.."(ص 116 و 117). تذكرت عرس الطيب صالح في الصحراء في أمسية بريطانية ممطرة عام 2001 ، و قداجتمع بعض اعضاء الجالية المعارضة و غنوا، وزغردوا و رقصت النساء و منحن الشبال بعد الشبال على شرف السودان.أقول ذكرتني الامسية البريطانية بـ "عرس الجن" كونها كانت حفلة عرس بلا عرسان، لعرس بلا عقد. و فعلا يبدو عرس الصحراء" بلا معنى"، كونه عرس بغير عرسان و لا يسنده حلف بين الأنساب أو تبادل بين الأحساب التقليدية. لكن وراء غياب المعنى التقليدي يقيم معنى آخر ، معنى حداثي لذلك العرس الـ " يائس". معنى وطني جليل لقوم أشتات هم " قبيل من الجن" تحالفوا على تأسيس الوطن/ اليوتوبيا ارتجالا وسط الصحراء، و احتفلوا بهذا التأسيس العفوي المشاتر ليلا في غفلة من ضوابط الزمان و المكان التي تعرّفها مؤسسات السوق و مصالح التجارة الدولية. و على شرف هذا العمل اليائس ذبحوا و شربوا " في صحة السودان" ثم تفرقوا عند الفجر " مع السلامة، مع السلامة". بلا شك فان الطيب صالح، في هذا المشهد الادبي الخارج من أسلوب " الواقعية الاشتراكية"،يبدو أكثر كتاب السودان وطنية على الاطلاق، و محبته الكبيرة للوطن هي المسؤولة عن انخراطه غير الحذر في تكريس مشهد العرس التقليدي ايقونة نهائية لصورة الوطن السعيد.لكن الطيب صالح فوق وطنيته السودانوية رجل عالم و عارف بواقع التعدد العرقي و الثقافي للسودان، و بكون أعراس أهل السودان الآخرين تطرح أشكالا مخالفة متنوعة لصورة الجماعة المتوائمة السعيدة. طبعا لا يمكن لوم الرجل على خيار أيقونة الوئام الاجتماعي السودانوي على مرجع الجماعة العربسلامية.ففي مثل تلك المطالبة عسف أخلاقي و جمالي لا يطاق، كون الرجل لا يكتب لكافة أهل السودان على اختلاف تعددهم العرقي و الثقافي، و انما يكتب لقاريء وطني سودانوي و عربسلامي يقاسمه جملة المراجع الثقافية و الاخلاقية و الجمالية التي تؤسس لأيقونة السودان كوطن في خاطر أهل الطبقة الوسطى العربسلامية القابضة على أزمّة السلطة السياسية و الاقتصادية منذ استقلال البلاد.ان " الأيقنة" أو مسعى مسخ بعض مشاهد الحياة الاجتماعية لصور ثابتة متّفق عليها أمر لا مفر منه ضمن الحياة الثقافية للجماعة المعيّنة.و هي أحيانا ضرورة يقتضيها التنظيم الاجتماعي، لكن مسعى أيقنة الوطن في اطار السودانوية( الشعبية و الرسمية)، انما هو حيلة أيديولوجية تمكن ذوي النوايا الطيبة ـ مثلما تمكن ذوي النوايا المرذولة ـ من توفير مسند وجداني للناس يسوّغ لهم الاحساس بأنهم انما يتقاسمون نفس الثقافة المبذولة على المساند الايقونية المعنية, أي أن مسعى الايقنة يتيح للقائمين بأمره التصرف في ما يمكن أن نسميه رأس المال الوجداني للفئة المزعومة شعبا في مكان الشعب ـ و قيل " أمّة" في مكان الامة السودانية بحالها ـ . لكن حيلة الايقنة السودانوية العربسلامية تظل حيلة بائسة في وجه الواقع الاجتماعي الثقافي و العرقي في السودان.و ذلك لأنها تعتمد على عمد الحنين الى ماض عربسلامي غير مشترك ، بل و متنازع عليه، مثلما تعتمد على مشاعر البر و الاحسان الديني.و ذلك على حساب واحدة من أهم أولويات الخلاف الراهن بين الفرقاء: العدالة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 13
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجسد العام المفتوح و الجسد الخاص المغلق

رقصة الرقبة التي ظلت السودانيات يرقصنها على مدى الأجيال، تنطرح ضمن منظور هذا البحث كماعون خطابي تشكيلي قمين بإحتواء أكثر المضامين الجمالية تباينا. وسأحاول ، في السطور القادمة ، تقصي المعاني الرمزية المختلفة التي ظلت تتلبّس هذا الشكل الخطابي الجسدي ضمن ثقافة التحوّل التي يكابدها أهل الحواضر السودانية بين مراجع التقليد و مراجع الحداثة، و غرضي فهم طبيعة التركيب اللاحق بالتحولات الثقافية من خلال مرامي و أساليب لغة الجسد الحضري الحديث في السودان.
و رقصة الرقبة ، المعروفة أيضا بـ " رقصة العروس "، بتنويعاتها، تبدو من أكثر الرقصات انتشارا في أقاليم السودان الشمالي.فالراقصات ، من كل الأعمار ، يؤدينها في أكثر من مناسبة ـ و حتى بدون مناسبة ـ بين العرس و الختان و تعليم الفتيات و محافل الولادة و الأعياد أو العودة من الحج و السفر و الكسب الخ.و رغم أن رقصة الرقبة هي أساسا رقصة نساء ـ ممنوع أداءها على الذكور ـ الا أن الرقصة تتحقق كخطاب إيروسي موجّه للرجال.و عموما يبقى حضور الرجال كمشاهدين أو كمشاركين موضعيين ،كما في لحظة " الشبّال "، أمرا لا يُستغنى عنه ضمن البنية الدرامية للرقصة.و صفة " العروس " التي تعرّف الرقصة تتأتـّى من كون هذه الرقصة تشكّل لحظة حظوة مركزية في سياق مراسيم العرس التقليدي.و ضمن طقس " مفتاح" كطقس " قطع الرحط" تنطرح رقصة العروس كحدث مسرحي فردي ،" ون ومان شو"، بطلته العروس و الى جانبها العريس كـ ممثل ثانوي، " كومبارس" أو "مَضْحَكَة" للجمهور ، منفعته تتلخص في توفير نوع من مسند لتحقيق بعد الفكاهة في المحفل ،و ذلك من جراء خراقته البادية وسط جمهور المتواطئات مع العروس.و الحدث المسرحي الحاصل بذريعة" قطع الرحط " يعتمد على بنية مشهدية إيروسية، على منطقها الحركي تنتظم كل عناصر الدراما الشعبية ، و في ذروتها هذا " الرحط "، الحزام و الحاجز الرمزي الذي يتمكن الرجل باجتيازه من إدراك أنثاه، جهارا نهارا، و ضمن الرضاء العام ، وفي منطقة خصوصيتها الرمزية، ككيان ممنوع على جنس الذكور. و قد أسمّيها ( هذه المنطقة) تجاوزا : منطقة " أخصّ ما تملك" تمييزا لها عن منطقة " أعز ما تملك " التي يدركها الرجل ضمن طقس آخر أقل عمومية: طقس" الدُخلة".
و تعريف الرقصة بـ " الرقبة" ـ فيما وراء الدلالة اللغوية لعبارة الرقبة كمرادف لـ " الروح" أو" الذات " أو " النفس " ـ إنما يؤشّر مباشرة على البعد الحركي التشريحي ، من حيث أن مجمل التراكيب الكوريغرافية للرقصة إنما تتكون على محور الرقبة، و حركة الراقصة التي تبدأ من حيث العنق تسعى لعرض الوجه في حال حركة تعرض جوانبه كلها، ثم تسري لحيث الكتفين و الذراعين و اليدين و الصدر قبل أن تنزل نحو الكفل و الساقين و الرجلين. و بشكل عام، فان التواليف الحركية الكوريغرافية لا تتغير كثيرا بتغير المركز الاجتماعي للراقصة التي تؤديها، فالخط الحركي الأساسي للتواليف الكوريغرافية
SEQUENCES
لا يتغير كثيرا سواء كانت الراقصة فتاة صغيرة تتعلم الرقصة أو عروس أو أم العروس أو جدتها. و مشهد الرقصة الدارج عادة في سياق " التعليم"، تعليم العروس، يتم وسط جو من البهجة الجمعية التي تطبع لحظات التحضير للعرس.و هو يتم غالبا كشأن أنثوي بين جماعة النساء و الفتيات المعنيات بالتحضير. و الأغاني التي تصاحب طقس التعليم تشكل نوعا غنائيا قائما بذاته معروف بـ " أغاني البنات ".و هي أغان تتميز بهامش حرية مريح في التأليف الأدبي و الموسيقي، و ذلك بما يمكن المغنيات الهاويات من الارتجال الشعري و الموسيقي حسب مقتضى الحال.و " مقتضى الحال " انما يتعرّف على منطق المعاني الرمزية التي يفترض في حركات الراقصة توصيلها لجمهور الحفل من رجال و نساء ،يتقاسمون جماع القيم الجمالية و الأخلاقية التي تنظم العلاقة الجارية بين أهل الحواضر العربسلامية الحديثة.و معظم أغاني البنات تستهدف العرض، عرض العروس و الإفتخار ـ من جهة أولى ـ بحالها الجسدي، كنموذج للإنسجام مع قانون الجمال السائد، الذي يجعل من الفتاة حمامة أو وزة و جدي ريل و فرع بان و رمانة أو ثمرة منقة إلخ، و من الجهة الثانية، الافتخار بحسب أهلها و نسبهم و بكونها تتمتع بصفة الكفاءة الاجتماعية لعريسها الذي بستفيد بدوره من أريحية الشاعرات المغنيات لترفيع صفاته الشخصية و العرقية.
و حين تنتصب العروس الراقصة وسط " السباتة"، و هي حافية، بما يتيح للجمهور رؤية زينة الحناء على قدميها،تتولى وصيفاتها الكشف عنها بالتدريج برفع الثوب، أو الثياب، التي تحجبها فتكشف للناظرين عن كامل زينتها، كتمثال من الإتفاقات الجمالية تتقاطع عنده نظرات المعجبين من الجنسين.
و تبتدر العروس رقصتها واقفة في مركز المشهد و هي تغطي وجهها بكفيها و ذراعيها مطويين على صدرها.و من الحركة الأولى يتأسس البعد الرمزي للرقصة على معنى الإنفتاح بغاية بذل محاسن الجسد و كنوزه الظاهرة و الخفية لنظر الجمهور. و الراقصة تباشر الرقص ابتداءا ،و عودها يتمايل بخجل مدروس، على إيقاع الأغنية، قبل أن تبدأ بالكشف عن وجهها بإزاحة كفيها ببطء.ثم تكشف عن صدرها و تفرد ذراعيها و تميل برأسها للوراء فتهب الناظرين تكاوير صدرها بكرم وافر.تؤدي العروس كل هذه الحركات و عيناها مسبلتان ، و قيل مغمضتان ،فتتثنّى و " تنفزر" بما يمكنها من الكشف عن نهديها و كفلها و ساقيها و مجمل أعضاءها كنموذج للمرونة و اللين، كون المرونة و اللين في أصل مواصفات كمال الخلقة الأنثوية ، والتي ثبتتها في الخاطر الجمعي آداب الاغاني و الأحاجي و الأمثال و المأثورات المتوارثة من جيل لجيل( راجع وصف" اللعيب" في حجوة " النيتو و اللعيب"ـ الأحاجي السودانية لعبد الله الطيب).و قد راكمت النساء السودانيات جملة من التقنيات و الخبرات الجسدية " الرياضية" التي تمكن العروس " تحت التمرين " من إثبات قيم المرونة الجسدية. و قد حكت لي بعض خالاتي الأميات مرة عن أساليب " التعليمة " في سنوات الثلاثينات من القرن العشرين، بأن " العلاّمات " كن يجعلن الفتاة موضوع " التعليمة " ترقص و هي تحمل في كل يد مكواة من الحديد، و ذلك بغاية " تطويع " الذراعين و الظهر. و مع التقدم في التعليم كانت" العلاّمات" يضعن في كل مكواة حمولة من الحجارة تزيد بالتدريج. و كانت الغاية في تعليم المرونة تتحقق في خاطرهن حين تتمكن الراقصة من تحقيق هيئة " الكوبري" التي تقوّس فيها الفتاة ظهرها و تثني للوراء نازلة نحو الأرض بذراعيها حتى يعتمد جسدها المرفوع كما الجسر، على يديها و رجليها، وهي داخل دائرة " طشت الغسيل" التي لا يتجاوز قطرها الثمانين سنتيمترا.و جدير بالذكر أن تعليم العروس لا يقتصر على البعد الحركي المقصود منه ترويض الجسد و تطويعه ، فالتعليمة لا بد لها من أن تستكمل بسلسلة من " التعاليم " الإيروسية" التي ينتظر منها تهيئة الفتاة اليافعة للعبور نحو موقف المرأة القمينة بالقيام بواجبات الزوجية. و هي تعاليم شبه سرية يحفظها التحشّم الطبيعي عن التحول لموضوع عام، و عادة لا يعالجها الأدب الشعبي الشفاهي الا من خلال بعض الاشارات المهرجة المهذارة في نوع " أغاني البنات" المقتصرة على محافل البنات.المسار التعليمي الذي تقطعه العروس من موقف الصبية اليافعة لموقف الزوجة طويل و مركّب من وجوه كثيرة نفسية و رمزية وجسدية و جمالية.و العروس التي تقف في منتصف المحفل تعرف أنها بسبيل اجتياز امتحان عسير تحت نظر هيئة تحكيم لا ترحم بين أقاربها الذين جهّزوها و حمّلوها مسئولية تمثيل العائلة ـ و قيل العشيرة ـ و أصهارها القادرين على تصيّد أي عيب أو هنّة يمكن أن تؤخذ عليها إن دعا الحال..
و الراقصة "المتعلمة" حين تتهادى على إيقاع الأغنية و تطوّح من ذراعيها و هي تتقدم و تتأخر في خطوات مدروسة، تتواتر تنويعاتها بين الإسراع و الإبطاء في مختلف الاتجاهات بناءا على شفرة سرية تتقاسمها الراقصة مع المغنيات المتواطئات معها على تدابير الغواية.
و يتطور" الخط الكوريغرافي" للرقصة على أساس التأكيد على انفتاح الجسد في كرم مشهدي بديع ، يهب الناظرين كل ما تطيقه ـ و ما لا تطيقه ـ العين دفعة واحدة.و ما اعنيه بعبارة " الخط الكوريغرافي " هو جملة النظام الحركي التشكيلي الذي ينظم منطق الرقصة كسلسلة تواليف جسدية متوالية ضمن الزمان( الإيقاع ) و المكان (الفضاء).و حين تستوي حركة الراقصة في متن الرقصة فجسدها يعطي قيمة الانفتاح الرأسي لأقصاه، و ذلك من خلال هيئة الجسد المنثني للوراء، مثلما هو يعطي قيمة الانفتاح الأفقي لأقصاه من خلال وضعية الذراعين المفرودين كجناحي طائر كبير. و قد تتأكد وضعية الانفتاح الأفقي على مستوى الساقين حين يتباعدا بما يمكن الراقصة من اللعب بترجيح كفلها في تقدمها و تأخرها.و انفتاح الجسد ،كغاية للخط الكوريغرافي لرقصة العروس، انما يتحقق لأقصاه ضمن وضعية جدلية عضوية و نفسية بالغة التركيب، و ذلك لأن الجسد ( الفيزيائي)المبذول للإنفتاح، هو نفس الجسد (الرمزي ) المنغلق على نفسه و المعزول عن الخارج المادي من خلال فعل إسبال الجفون و إغماض العينين.فالعروس الراقصة ترقص مغمّضة العينين و منفتحة الأعضاء فيراها الجمهور و لا تراه.و في المرمى القريب قد يفهم الناظرون من إغماض العينين معاني الأدب و الحشمة و الخجل التي تُستكمَل بها قيمة الأنوثة البريئة الخانعة المطيعة، و البعيدة عن أخذ زمام المبادرة ضمن لعبة إيروس السوداني.فالخلق الشعبي يعارض الفتاة المؤدبة، التي تغض من بصرها، بالفتاة الناشزة ذات " العين القوية" أو " العين الطائرة "، و قد تعبر بلاغة الأهالي بأن " عين الفتاة تقد الوطا" كناية عن مخاطر النظر المؤنث.و مخاطر النظر المؤنث علي جنس الذكور الملتاعين الموجودين ضمن محفل الرقص فولة جبارة ،أعرف انها تتجاوز طاقة مكيالنا، الحالي لكني سأعود لها في جزء منفصل من هذا البحث.
ويبدو لي أن المرمى البعيد وراء إغماض العينين ذاتي بحت يتلخّص في قيمة الحماية النفسية التي تحصّن بها الراقصة نفسها بمجرد إنعزالها عن حضور الجمهور الذي يتفرّسها و يفترسها افتراسا بجارحة النظر. فالجفن المسبل يصبح درعا أو متراسا، و قيل جدارا منيعا بين الداخل و الخارج، بين جسد الوجدان الهش المرهف و المكنون، و جسد المادة الكثيف الغليظ الحيوان المبذول للآخرين.بين الجسد الخاص الداخلي و الجسد العام الخارجي.فالعروس الراقصة حين تغمض عينيها فهي ترسم لحضورها وسط الجمهور مسرحا آخرا، مسرحا ذاتيا غير المسرح الواقعي الذي تتحرك فيه على الصعيد المادي، و هو مسرح ذهني تلعب عليه دورها الجديد، دور المرأة الزوجة الأنثى القمينة بكافة الغوايات و الحاملة ـ من الآن فصاعدا لقيم إيروس الجمعي كـ " مرة" و ليس كشخص فرد متميز.
و على إيقاع الأغنية التي تعدد من مزاياها الجسدية و الإجتماعية تواصل العروس الراقصة تثنيها و تهاديها وسط الزحام و الغناء و الزغاريد و الضجيج و هي وحيدة في عزلة مسرحها الوجداني الرحيب.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة
Enshrah Ahmed
مشاركات: 122
اشترك في: الخميس مايو 12, 2005 6:27 pm

Summer Holidays are for fun not for pain

مشاركة بواسطة Enshrah Ahmed »

Dear all,
I tried to upload a joint statement which was issued by the Metropolitan Police, FORWARD and other NGOS in the UK. The statement targets parents from FGM practicing communities in the UK as well as in other European cities , as some parents use the summer holidays to practicie FGM either inside or outside Europe..

Please follow the link below to read the statement.


https://www.forwarduk.org.uk/news/news/130


love
enshrah
صورة العضو الرمزية
تماضر شيخ الدين
مشاركات: 356
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:14 pm
مكان: US

مشاركة بواسطة تماضر شيخ الدين »

اقسم بالله العظيم بكتب لى ساعة عن عرايس النيل ..وبكلك واحد بس ..راح كل الكلام..يا خسارة

مرة تانية
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

في سيكولوجية الكفل

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 14
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في سيكولوجية الكفل
____________________________________
من وقت لآخر تنوّع الراقصة في أدائها حين تقوّم من عمودها الفقري المقوّس بحركة متموّجة متصاعدة عبر الفقرات بما يهيئ لها أن توجّه وجهها نحو السماء. وضمن هذه الوضعية الجسدية تباشر الراقصة تحريك العنق في حركة دائرية تتيح للرأس أن يتقدم و يتأخر على محور العنق، و في شكل إيماءات جانبية على اليمين واليسار كما لو كانت الراقصة ترسم بذقنها شكل حرف "إس" في الرسم اللاتيني، تارة من الأعلى للأسفل و طورا من الأسفل للأعلى
وتتمفصل حركة الجزء الأسفل من جسد الراقصة مع حركة الصدر، من خلال التموّج الصاعد من المشط و الكاحل مرورا بالركبة نحو منطقة الحوض ثم عبر العمود الفقري و العنق للرأس.
و يبقى" الموتيف" الكوريغرافي الرئيسي في نظام حركة أسفل الجسد، هو ما يمكن أن نسميه بحركة ترجيح الأرداف. و هي حركة حظوتها التشكيلية تتبرر بقيمتها الرمزية ، كونها تنطرح ضمن رقصة الرقبة كقنطرة بين المعاني الجمالية التشكيلية و المعاني الرمزية الإيروسية في خطاب الجسد المؤنث.و الطاقة الرمزية و الجمالية الكبيرة التي تتمتع بها حركة الحوض في خاطر جمهور المشاهدين الذكور، قد تجد تفسيرها من واقع ارتباط منطقة الحوض، في جسد الأنثى، بالتدابير المهمة في حياة الجسد كما في الجماع أو الولادة.مثلما ينطرح الحوض في مشهد الجسد المتحرّك كمحور أساسي تتمفصل عليه جملة حركات الجسد التشكيلية. و محورية الحوض ضمن تواليف حركة الجسد الراقص تظل نوعا من قاسم كوريغرافي مشترك أعظم بين معظم أنواع الرقص على اختلاف الاعراق و الثقافات .
و الناظر لراقصة الرقبة يملك أن يميّز ـ على الأقل ثلاثة تنويعات تشكيلية على "ثيمة" ترجيح الأرداف.
التنويع الأول يبدأ من موقف ابتدائي تكون فيه الساقان متقاربتين بينما تبقى إحدى الركبتين على ثنية خفيفة لا يلامس الكعب معها سطح الأرض.في هذه الوضعية يظل ثقل الجسد محمولا على الساق الأخرى و قدمها المعتمدة على الأرض تماما.و هكذا بحركة تبادلية يضرب فيها كل كعب الأرض مرة و هو يتحرك بيسر ، تتمكن الراقصة من نقل وزن جسدها من ساق لأخرى وفق الإيقاع ، و هي تنزلق و تتمايل، متقدمة أو متأخرة، على منطق حركي يستبطن اختيال الحمامة او " قدلة جنى الوزين" الخ.
أما التنويع الثاني فيتكون ابتداءا من وضعية وقوف تكون الساقان فيها متباعدتين على تواز بين القدمين.و تنثني الركبة اليسرى ثنية خفيفة بحيث يقع ثقل الجسم على الساق اليمنى ثم تقوم الراقصة بتحريك الحوض ناحية اليسار باستخدام عضلات الوجه الداخلي للفخذ. و يتم تكرار هذه الحركة مرتين على الأقل قبل تبديل اتجاه حركة الحوض نحو الجهة اليمنى.
و التنويع الثالث يبدأ من موقف ابتدائي على تباعد في الساقين و تواز بين القدمين بينما تنثني الركبتان نصف انثناءة معا.و تقوم الراقصة بتحريك حوضها كله، مرة نحو الأمام في اتجاه قوس صاعد و مرة نحو الخلف وفق إيقاع الاغنية.
و لعلي لا أبالغ إن قلت أن صورة العجيزة الأنثوية تكاد تحتل موضع المركز ضمن أدب" الإير/وتولوجيا" العربسلامية.و وفرة العبارات التي تسمي العجيزة في العربية الفصحى( من الكفل للردف و الإلية و العجز و الصلب و الدبر و المؤخرة و الجعبة الخ) ـ و عن العامية فحدّث ـ تشهد عن الحظوة الرمزية الكبيرة التي يتمتع بها هذا الموضع من جسد الأنثى في خيال الذكور العربسلاميين. و قد فصّل الباحث صلاح الدين المنجّد ، في كتابه المشهود " جمال المرأة عند العرب"( بيروت 1957 ـ ص 71)، و أفاض في إحصاء الشواهد الأدبية على أهمية ضخامة العجيزة و استدارتها في منظور لائحة جمال الأنثى العربية
و قد تنبه الطيب صالح في " عرس الزين "( دار العودة ، بيروت 1970 ص 99) لقيمة الردف في خطاب الإير/وتولوجيا العربسلامية في السودان و ذلك من خلال مشهد" سلامة" الراقصة و الإمام:
"و كان الامام جالسا مع جماعة في ديوان حاج ابراهيم الذي يشرف على فناء الدار، فحانت منه إلتفاته ،و وقعت عينه على سلامة و هي منهمكة في رقصها، و رأى صدرها البارز، و رأى كفلها الكبير، حين تضرب برجليها يهتز و يترجرج منقسما إلى شقين كأنهما نصفا بطيخة، بينهما واد هبط فيه الثوب، و كانت سلامة في رقصها قد انثنت حتى أصبح جسمها في شكل دائرة، فمس شعرها الأرض، و زاد بروز صدرها، و نتوء كفلها، و رأى الإمام ساقها اليمنى و جزءا من فخذها الممتليء و قد رفع عنه الثوب.
و حين عاد الإمام بوجهه إلى محدثه ، كانت عيناه مربدتين مثل الماء العكر .".
و حقيقة فإمام الطيب صالح معذور، فالشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي" هيمسيلف" لم ينج من سحر الأرداف العجيب، قال:
أفيقُوا علينا،فإنّا رُزِئنا
بُعيد السّـُحَيْر قُبَيلَ الشّــُروقِ
بيضاءَ غيداءَ بَهتانة
تُضوّعُ نَشـرا كــمِسكٍ فَـتيقِ
تمايَلُ سَكرَى، كمثلِ الغُصونِ،
ثَنَتها الرياحُ كمِثلِ الشّقيقِ
برِدفٍ مَهولٍ كدِعصِ النّقا
ترجرج مثلَ ســنام الـفَنيِقِ
فما لامني في هواها عَذُول،
و لا لامني في هواها صديقي
و لو لامني في هواها عذول
لكان جَـوابي إليه شَـهيقي
فشوقي رِكابي،و حُزني لِباسي،
وَ وَجدي صَبوحي،و دَمعي غَبُوقي
" ترجمان الأشواق"، دار صادر ، 1966 .
أما مولانا ابن الفارض، قدّس الله سرّه ، فيقول:
أهْواه مُهَفْهَفا ثقيلَ الرّدفِ
كالبدرِ يجلُّ حُسْنُهُ عن وصْفِ
ما أحسنَ واوَ صُدْغِهِ حين بدَتْ
يا ربِّ عسى تكونُ واوَ العَطْفِ
" ديوان ابن الفارض " المكتبة الثقافية ، بيروت.

. و لعل هذا الولع" الفيتيشي" الأصيل القديم بالعجيزة الأنثوية هو ما شجّع الباحث المغربي عبد الوهاب بوحديبة في كتابه " الجنس في الإسلام " على اجتراح مفهوم" السيكولوجية الإجتماعية للكفل" ضمن خصوصية الثقافة الجنسية العربية .و فحواه في كون التكاوير العامرة المبذولة للبصر إنما" تمكّن العين ، قبل اليد ،من تملّك موضع الرغبة في جسد الأنثى و التمتع بع من على البعد"(ص 247)
(A.Bouhdiba, La Sexualité en Islam, Presses Universitaires de France, 3° édition, 1982)
و الكفل، بوضعيته الخاصة ضمن طبوغرافيا الجسد ، ينطرح في مشهد " زنا العين " كمساحة فالتة تماما من تدابير الحجب الديني لجسد الأنثى، فهو نوع من دعوة مفتوحة لزنا العين أو هو قدح مكشوف لا قبل لأحد بمقاومته و قيل " فضيحة "عايرة خارجة على ضوابط الأعراف و القوانين المكتوبة و غير المكتوبة.
رقصة العروس أو الحرز بين الحرزين
ـــــــــــــــــــــ
و على هامش رقصة العروس، التي تمثل لحظة يتقاطع فيها المسار الوجودي للفتاة كشخص، مع المصير الأيروسي الذي ينتظرها في خطاب الجسد كأنثى، تواصل النساء الأخريات صيانة معاني الغواية الإيروسية في الرقصة الأسطورية ، ضمن الاتفاقات الثقافية و النفسية للجماعة التاريخية. و من بين هذه الإتفاقات مثلا حفظ مركز العروس كـ " ملكة " للمحفل تتمتع بقدر من الإمتيازات الطقوسية التي لا تطالها أيدي النساء الأخريات. فالعروس مثلا تؤدي رقصتها بغير ثوب يحب مفاتنها عن نظر الذكور من غير محارمها.بل هي تبتدر رقصتها بعد أن ترفع عنها وصيفاتها الثوب الذي يغطيها.في حين ترقص الأخريات و هنّ مثوّبات أو " محجوبات " وراء هذه الغلالة الرمزية التي يفترض أنها تحمي خصوصية أجسادهنّ من مرامي النظر غير المباح.و هو أمر ربما وجد تفيسره في كون العذارى المثوّبات، بحكم أنهن لم ينلن بعد شرف " قطع الرحط "، شرف العبور من حال الفتاة لحال الزوجة ،فهن يبقين في حيّز الجسد " الخاص " الممنوع على النظر " العام ". في حين أن الراقصات المتزوجات قد وقعن في " حرم " الجسد الخاص مرة ثانية ، بعد أن اجتزن طقس " قطع الرحط " الذي يموضعهن في موضع جسد " خاص " جديد ، جسد " حرث" هو وقف مبذول لبعولتهن الشرعيين و محظور على غيرهم.و في الحالتين : حالة الفتاة البكر و حالة المرأة المتزوجة، فالأنثى الحضرية العربسلامية لا تملك من أمر خصوصية جسدها شيئا، لأن الخصوصية الجسدية للمرأة تمر من حرز" الولي/ الأب " لحرز " الولي / الزوج". و لعل اللحظة الوحيدة التي يمكن فيها للمرأة أن تفلت من الحرزين الأسطوريين هي لحظة رقصة العروس.بيد أن فلتانها من الحرزين الذكوريين لا يعني حريتها لأنها تقع في في حرز العشيرة الجمعي بوصفها" بت قبايل " ممثلة لقبيلتها كلها، و ناطقة رسمية بلسان الحال الجسدي عن انسجام القبيلة مع لائحة الاتفاقات الجمالية و الاجتماعية السائدة.و من موقعها في حرز القبيلة العام فهي تبذل نفسها للنظر العام ضمن ضمانات البنية المشهدية الطقوسية لمحفل العرس .و هي بنية مرسومة و مضبوطة بعناية كبيرة تنأى بها عن أنواع العوارض و مخاطر السلوك العشوائي و ما لا يليق.
و حين تنتصب الراقصة العادية على السباتة لترقص فهي تبدأ باصلاح ثوبها و الكشف عن شعرها، و هي في الغالب حركات ذات منفعة عملية، الا أن بعض الراقصات قمينات بدمجها في منطق الخط الكوريغرافي للرقصة. و اصلاح الثوب إنما يتم في الغالب بغاية تهيئته لدوره المحدد كـ "إكسسوار" ضروري ضمن لعبة الكشف و الحجب التي يقوم عليها الخط الكوريغرافي للرقصة، فثمّة فكرة قديمة ينطوي عليها جدل الكشف و الحجاب فحواها أن أفضل السبل لعرض الشيئ هو في التظاهر بحجبه عن الأنظار,و ربّ مكشوف يحتجب من جراء المبالغة في عرضه .و انتباه الراقصات الحضريات الحديثات اليوم للثوب كاكسسوار كوريغرافي يملك، في بعض الأحيان، أن يدفعهن للتثوّب ، بشكل مؤقّت ، لمجرد أداء رقصة الرقبة ، كون الرقصة لا تستقيم ـ بصريا ـ لراقصة تتزيّى بالزي الأوروبي. و أظن أن بقاء الثوب ضمن رقصة الرقبة ، رغم التطور الكبير الذي عرفته هذه الرقصة عبر الأجيال ،يملك بعض تفسيره في كون المحافظة على الثوب إنما تنطرح كوجه من وجوه البحث المشهدي، كون الثوب يؤكّد من حركة الراقصة في اتجاه القيمة التعبيرية البصرية لحركة الأوزة التي تنزلق على صفحة الماء أو لإختيال الحمامة إلخ.و أظن أن صورة الحمامة في خاطر جمهور رقصة الرقبة إنما هي صورة متأخرة ترجع لمنتصف الستينات. و هي صورة استقرت في الذاكرة الحضرية الحديثة على أثر المساهمة التي طرحتها تجربة " فرقة رضا للرقص الشعبي" المصرية، و كانت " فرقة رضا" التي زارت السودان في منتصف الستينات قدمت ضمن عروضها رقصة جماعية مستلهمة من رقصة الرقبة سموها آنذاك بـ " رقصة الحمامة "، تزيّث فيها الراقصات المصريات بالثوب السوداني و قدّمن نسخة " منقّحة " من رقصة الرقبة على الطريقة المصرية.
و لو جاز لي أن أخلص من أمر الثوب الى خلاصة مؤقتة ، فالثوب يلعب دورا مركبا في بنية الرقصة ،و ذلك بصفته كـ " اكسسوار " تقني و رمزي في آن.و على المستوى التقني فحضوره ضروري من وجهة التعبير التشكيلي الكوريغرافي. بينما هو على المستوى الرمزي يلعب ـ بحضوره أو بغيابه ـ دور العلامة الدالة على الوضعية الاجتماعية و الإيروسية للراقصة. والثوب ، في تحليل نهائي ما، يتكفل بتعريف نوعية الخطاب الرمزي الذي تضطلع به الراقصة. فمن جهة أولى، فالعروس التي ترقص بغير ثوبها ترمي الى بذل مفاتنها "الأسطورية" لجمهور تقليدي بأسلوب طقوسي منمّط ، و في هذا المقام فتعبيرها الجمالي الشخصي يتراجع لصالح الأداء المنمّط الذي يراعي بند الجمال الجسدي في لائحة اقتصاد الزواج.و من الجهة الثانية فان الراقصات المتزوجات المثوّبات، ممن اجتزن طقس قطع الرحط ، ينقطعن لللأداء الكوريغرافي الفردي بأسلوب أكثر حرية، بل و يبحن لأنفسهن فرص ابتداع حركات و تواليف كوريغرافية مستجدة حسب ضرورة التعبير الجمالي الفردي.و في هذا المقام فهن يملكن أن يلعبن بالثوب كعنصر من عناصر التكوين التشكيلي الكوريغرافي أكثر منه وسيلة حجب أو كشف ..و الله أعلم.( و تماضر كمان..و هذه لزوم التحية و التذكير، كون خطاب الجسد التشكيلي ذكرى قديمة كنا نلتقي عليها في منتصف السبعينات بحوش المجلس القومي و بحيشان كلية الفنون ..مضّر الله أيامك لو مضّرتي علينا هذا الخيط بشيئ من حديث تجربة " عرائس النيل" التي لم نتعرف عليها بأكثر من النتف التي بدت في الأسافير وسط الشجار و الاستعجاب و غير ذلك ..و بالمناسبة يا تماضر تجربتك المسرحية ـ لعنايتنا كلنا ـ ما بدت مع" تماسيح الحماداب" و خلافه و انما بدت مع تماسيح كلية الفنون على أيام "جماعة الدراما التشكيلية"..شفتي كيف؟ ).
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ستر العورة و كشف العروة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 15

ستر العورة و كشف العروة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

و اذا عدنا للعروس في مأمنها المشهدي التقليدي بوصفها أيقونة حيّة للجمالية القبلية، ففي موقفها قدر كبير من التركيب الرمزي، ذلك أنها في الواقع المادي تقف عارية ، كاشفة عن الممنوع و المباح من لحمها، بينما هي في الواقع الرمزي الجمعي تبدو للنظر التقليدي مغطاة بجملة من الحُجُب و الاكسسوارات الرمزية التي تعود بمفهوم العرى لمعناه الإبتدائي البريء، بعيدا عن معاني " العار " و العورة "و" العراء" العاطل عن كل مدلول.و العرى، في خاطر الثقافة العربسلامية، مفهوم نسبي و متحرّك يكتسب معانيه ضمن السياق الذي يعالجه فيه الوعي الاجتماعي.فعرى آدم و حواء في الجنة كان مثل عرى الطفل الجاهل بمعاني العورة في خاطر الجماعة التي يعيش ضمنها.و عراهما في الدنيا لا يطاق من حيث كونه يندرج في تصانيف الـ " عار " والـ " عورة " مثل عرى الاشخاص الراشدين في سياق الحياة الجمعية . ذلك أن مفهوم العرى كعار و كعورة إنما يتأصّل في خاطر الجماعة ضمن مقتضيات تنظيم المجتمع، كتعريف الممنوعات المادية و الرمزية و تحديد المحارم ضمن إقتصاد الزواج التقليدي إلخ.و عليه ، فالجماعة تملك، ضمن شروط معينة، أن تغير ( و تفاوض ) في معاني العرى و مراميه بما يوافق مصالحها حسب أولويات البقاء التي تتبدّى لها، و على هذا التركيب في مفهوم العرى يفرز المشرّع المسلم بين عورة و عورة، و بين حجاب وحجاب ،فلا عرى و لا عورة في جسد الطفل الرضيع. و بينما ينكمش سطح الجسد المحسوب عورة عند الذكور لمنطقة الفرج و الدبر يتمدد مفهوم العورة على مجمل جسد المرأة " إلا ما ظهر منها"( سورةالنور ، 31)، أو يداها و وجهها في بعض الروايات، بل أن أهل المغرب يقولون عن المرأة السافرة بأنها " عريانة "(فاطمة المرنيسي، الجنس كهندسة إجتماعية، نشر الفنك ، ترجمة فاطمة زريول، الطبعة الثانية 1996 الدار البيضاء) .و داخل فئة النساء فإن عرى المرأة المسترقة ليس كمثل عرى الحرّة كون واقع الإسترقاق يجرّد المرأة المسترقّة من حقوق فضاء " الحرم " ، و هي " امتيازات" يوفرها للحرة وقوعها ضمن حرم وليّها الشرعي ، والدها أو زوجها أو أخوها الخ.و وقوع المرأة داخل دائرة الحرم يكسبها" خصوصية" معينة لاشخصية، و ذلك من حيث كونها ضمن الحصانة التي يتمتع بها حريم وليها. و بالمقارنة مع المرأة المسترقة فالحرّة تستفيد من هذه " الخصوصية " التي تحميها من تغوّل الذكور الآخرين بخلاف وليها أو زوجها، و قد ورد في بعض الأثر أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء المتحجبات لأنهن كن يتشبّهن بالحرائر، و ان ساغ للخليفة رغم مشتغله الجسيمة أن ينشغل شخصيا بتعقب الإماء في الشارع العام و معاقبتهن بنفسه فذلك لأنه رأى في تحجبهن إخلالا بقانون أساسي من قوانين المجتمع الاسلامي الوليد، لأن تشبّه الإماء بالحرائر يفسد إقتصاد الزواج كما تفسد العملة المزيفة التبادل التجاري.و في داخل فئة الحرائر يفرز المشرّع بين عرى الأنثى الشابة و الأنثى المسنـّة." و القواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة"( النور ،60)، و ضف على ذلك الاختلاف و التنويع في تدابير الحجب حسب تعريف الناظر لجسد المرأة بين ذوي المحارم و الأجانب ..و في هذا المنظور ينطمس مفهوم عرى العروس و يتحوّل من حال " العورة " لحال " العروة " الوثقى بين جملة المتحلّقين حول هذه " الحقيقة العارية "، هذه الأنثى/ الأيقونة التي تسوّغ للزواج أن يتخلّق كحلف مقدّس ضمن مشهد الأمّة المترابطة المتضامنة على كتاب الله و سنة رسوله.
و إذا كانت العروس الحضرية ترقص اليوم بلا ثوب و هي تلبس فستان قصير يكشف عن صدرها و ذراعيها و ساقيها، فجدتها رقصت نفس الرقصة عارية إلا من رحطها و حليها .و هو بلا شك شيء من الصعب تصوّره اليوم.غير أن العرى الواقعي للعروس التقليدية ينطرح في السياق التقليدي للرقصة كعرى محجوب بأكثر من حجاب. فجسد العروس محجوب ماديا برحطها و حليها و تمائمها و مكياجها . و هي أشياء لا تنفع إلا في تغطية جزء يسير من سطح الجسد الواقعي. لكن منفعتها تكمن في قابليتها الرمزية على تأثيث مساحة الجسد المرئية بأكثر من أسلوب بين المعلّقات على العنق (كالعقود و القلائد)،و التي تنزل من العنق للصدر، و فيها ما ينزل لمنطقة السرّة أو الركبة أحيانا.و الحلي الموضوعة أو المشبوكة على الرأس( كالطاقية) و تلك المربوطة و المكبوسة على الذراع و الكوع و المعصم و الأصابع(كالأحجبة و التمائم و الأسورة و الخواتم )و تلك التي تخترق لحم الجسد( كالأقراط التي تخترق لحم الأذن و الزمام الذي يخترق لحم الأنف و الرشمة ) إنتهاءا بالحجول التي تعلّم العرقوب، مربط الدابة و مستقر الجسد على الأرض.و لحلي العروس منفعة أخرى موازية لمنفعة الحجاب المادي الذي يغطي بعض جسدها، ذلك أن الحلي ، بما تثيره من صليل ،و قيل من " موسيقى " ، عند كل حركة ، فهي تطرح أيضا قيمة الحجاب الرمزي الاضافي الذي يصرف النظر الغاشم بفضل درع من التصاويت الموسيقية الفريدة.و هو حجاب صوتي يساهم ـ ضمن جوق الأحجبة الرمزية الأخرى ـ بما يتمتع به من رصيد معتبر في حساب الأنْوَثـَة ضمن التقليد الثقافي العربسلامي، يساهم في الانحراف بمجرى النظر الغاشم نحو مسار السمع و مراميه اللطيفة،( و السمع يبدو ـ عندي على الأقل ـ أعلى مقاما من النظر و هذا حديث يستلزم الرجوع و التأنّي)، و لموسيقى الحلي قيمة جمالية مضمونة انتبه لها الشاعر العربي القديم في مشهد روضة " شُعب بوان " التي " يصل بها حصاها صليل الحلي في أيدي الغواني".و مقابل انتباهة الشاعر لموسيقى الحلي ، انتبه الفقيه الإسلامي المتحسّب من مخاطر الجسد المؤنث إلى تصاويت الحلي كوجه من وجوه الغواية.
بيد أن عرى العروس لا يكتفي بغطاء الحلي و التمائم وحده ، فبالإضافة للحلي يظل الجزء الأكبر من جسد العروس مغطى بأنواع الكتابات الجسدية التشكيلية كالمكياج الذي يعيد تلوين و رسم ملامح الوجه و " تصحيح " هيئة الحواجب و العينين بما يتوافق و النموذج المبذول في السياق الثقافي الجاري، فضلا عن كتابات زخرف الحناء على اليدين و الذراعين و الرجلين و الساقين .كل هذه الكتابات التشكيلية تهدف الى إخفاء الجسد الواقعي الفردي وراء قناع الجسد الأيقوني الماثل في الذاكرة الرمزية الجمعية.و هي مساع جمالية تخاطب جوارح الجسد و لا تقتصر على السمع و البصر فحسب ، بل تتعدى ذلك لمخاطبة جارحة الشم أيضا.فالعروس المنتصبة في مركز الحلقة تموّه من عراها المادي تحت حجاب عطري ينطلق في الفضاء المحيط بها و يتسلل لخياشيم الحضور فيخدرهم و يستحوذ على أفئدتهم بفضل مكيدة شمية جبارة ، يقوم طرفها المادي في خبرة الكيمياء الشعبية التي تتوارث الحضريات أسرارها ، أمّا عن جَـدّة، بينما يقوم طرفها النفسي في الإتفاقات الإيروسية التي تؤثّث الذاكرة الشميّة للسوداني العربسلامي، و هي نفس الاتفاقات التي استثمرها بعض رجال الاعمال الحضريين لبناء صناعة " زينة كوزمتيك سودانية" رائجة إعتمادا على خامات العطور السودانية التقليدية ,و الذاكرة الشميّة المشتركة بين أهل الحواضر العربسلامية تستحق أكثر من وقفة كونها تملك ،ضمن بعض الملابسات، أن تنمسخ علامة أو " ماركة مسجلة " للروح السوداني الأصيل الذي لا يشمّه الا السودانيون الأصلاء. و ذلك بما يمكّن أهل الحواضر العربسلامية في وادي النيل الأوسط، بما أوتوا من بأس ثقافي، من فرض ذاكرتهم الشمية ، بل و جملة مراجعهم الجمالية الجسدية، على غيرهم من أعراق السودان الاخرى الوافدة على مجتمع الحواضر العربسلامية.و هو في نهاية التحليل موقف لا غبار عليه إن تم ضمن عفوية التداخل الثقافي و التأثير الحر المتبادل بين أعراق السودان و ثقافاته.لكن الغبار يحصل حين تتدخل السلطات الرسمية لتغليب مسلك ثقافي على آخر بذريعة المردود السياسي المجزي المتوقع من انخراط المواطنين في المسلك الذي تحبّذه السلطات.و قد شهد أهل السودان في العقود الأخيرة أكثر من مسعى رسمي، واع أو عفوي ،لفرض طرائق و أساليب ثقافية عربسلامية على شعوب و قبائل سودانية غريبة على الثقافة العربسلامية، بذريعة الوحدة الوطنية السودانوية.و لو اعتبرنا الأمر من منظور الخبرة الشمية المزعومة" سودانية" فسنجد أن الأمر لا يعدو مسعى جور ثقافي مبتذل يتوسّل بمظاهر السلوك الثقافي لتدعيم نصر سياسي بالغ الهشاشة.
إن جدل الكشف و الحجب القائم على إخفاء الجسد الواقعي لشخص العروس مقابل الكشف عن الجسد الأسطوري لأيقونة العروس كما تجسدها اتفاقات الأدب الشعبي، هذا الجدل البالغ التركيب لا يكتمل إلاّ بتضافر كل هذه الأحجبة المتنوعة التي يطرح كل حجاب منها رسالة بحالها في أحوال العلاقة بين الذكور و الإناث ضمن فضاء التقليد الثقافي العربسلامي في السودان.و في نهاية المطاف ، مطاف الكشف و الحجاب، تنمحي صورة الشخص الفرد القمين بعرى العورة لصالح أيقونة لا شخصية لايدركها العار ، مهما تعرّت ، بحكم إنسجامها الناجز في المنفعة الإجتماعية لصورة العروس.عروس هي في آن شرف القبيلة الرفيع و جسدها العام.
هذه العروس التي ترقص، أمام الجميع ، مموّهة من عراها الواقعي بين أصناف الأحجبة الرمزية تظل مخلصة، حتى النهاية ، لمعنى الإنكشاف الذي تتأسس عليه رمزية الرقصة.و هي تفتح للأنظار مغاليق جسدها ضمن حركتها الكوريغرافية. و قد تبلغ الغاية من فعل الإنفتاح و الكشف حين تصل بخط التواليف الكوريغرافية لمنتهاه في الهيئة الوضعية للجسر. و هي الهيئة التي تتيح لسيور الرحط من أن تنزلق من كل جانب كاشفة عن أخص أعضاء الأنثى: فرجها.ذلك الجزء العزيز الذي تعلمت أن تخفيه منذ أن وعت إنتماءها لجنس الإناث و هي طفلة. بل أن وعيها بالإنتماء لجنس الإناث إنما تأسس على قاعدة الحث المثابر على إخفاء فرجها عن نظر الناظرين.و لا عجب ، فالحضارات الكتابية ( و غير الكتابية ) التي ازدهرت على وجه البسيطة نظّمت التبادل بين أفراد مجتمعاتها إبتداءا من فروج نساءها كموضوع للمنع و الإباحة حسب الأعراف و القوانين التي تسنها الجماعة لتضمن بها بقاءها و اتصال تماسكها.
تتأسس الغاية الرمزية لرقصة العروس إذن من خلال فعل الانفتاح الجسدي الناجز الذي تقوم به أنثى مغمضة العينين.و فتح الفرج علانية مخاطرة جسيمة لا تتسنّى لأنثى مغمضة العينين، إلا ضمن شروط و ضمانات صلبة ، بكون فعلها إنما يتم محميا و مسنودا برضاء العشيرة كافة .و هو فعل فريد لا يتكرر في حياة الأنثى ،و إن تزوجت للمرة الثانية بعد ترمّل أو طلاق.ذلك أن البنية المشهدية لرقصة العروس و نظرة الناس للعروس تتبدلان حسب مركز العروس ، بكرا كانت أو ثيّبا. و من فرادة موقف الإنفتاح تقوم فرادة لحظة " قطع الرحط " كلحظة محورية في مسار حياة الأنثى العربسلامية في السودان.
لحظة/وعد تنظر منها العروس لماض أمضته في الإستعداد لمقابلة المرأة التي تستشرف مستقبلها كزوجة و كأم و كطرف فاعل ضمن بنية الجماعة. لحظة ينطق فيها جسد الأنثى عن ذاته مرة واحدة و بطريقة مباشرة بغير لف أو دوران و هو مسنود برضاء الجماعة و بمباركتها و بحمايتها و بحدبها.
فهذه الشابة التي تبذل نفسها للنظر العام و هي مغمضة العينين، ضمن طقس قطع الرحط، إنما تفعل ذلك داخل دائرة العشيرة ، و بين ذكور الأسرة الكبيرة المناط بهم واجب القوامة و حماية منطقة " الحرم "/" الحريم" التي تقيم فيها إناث العشيرة و مستودع عرضها و شرفها.و منطقة " الحرم " أرض حرام محظورة على الذكور الغرباء غير المعنيين بـ "العقد"." عقد القران " الذي يعرفه إقتصاد الزواج التقليدي بين أسرة الزوج و أسرة الزوجة. لكن الحماية الحقيقية التي تستر عرى العروس عن النظر الغاشم المتفحّش( النظرالزاني)
Voyeurisme
و تعصمها عن الوقوع في منكر الإستعراضية الجنسية
Exhibitionisme
إنما تتجسّد في فعل التطقيس المبالغ فيه على طول مشهد العرس. و هو تطقيس يضلع فيه كل شخص بين الحضور حسب دوره المرسوم المعرف سلفا و حسب عمره و مركزه الإجتماعي، ضمن الزمان و المكان الذين يحضر فيهما.فهناك أفراد يقتصر حضورهم على ساعة عقد القران .( في حوش الرجال أو الديوان )، و قد لا يرون العروس على الإطلاق.و هناك من يحضر لـ " الخدمة " و واجب الإستقبال .و ثمة من هو مكلّف بواجب " التعليم "، تعليم العروس ( و تعليم العريس أيضا ) و زينتها و مصاحبتها على طول مسار العرس.(و المعلمات أنواع ، فيهن المتطوّعات و فيهن المحترفات كالمشاطات و الحنّانات..) مثلما هناك الضالعون و لضالعات في العمل المحفلي كالمغنين و المغنيات و " المنظماتية " الذين يصممون هندسة المشهد، و في جمهور الحفل من يحضر للفرجة و البسط و فيه من يحضر للعرض ، عرض الذوات الشابة على خشبة هذا المسرح العامر الذي يسع الجميع ، كل حسب دوره المتعارف عليه بين أفراد العشيرة. لكن هذه هذه الصورة الجميلة السعيدة لمجتمع تقليدي قبل رأسمالي، مجتمع متسق و متضامن على تطقيس إتفاقاته الجمالية و الأخلاقية في وجدان أفراده بما يجعلها أكثر كفاءة من أي قانون مكتوب .هذه الصورة لم تسلم من عواقب الحداثة الرأسمالية التي زلزلت إتفاقات الثقافة التقليدية و عصفت بثوابتها و أجبرت أهل الحواضر العربسلامية على إعادة إختراع إتفاقات جمالية و أخلاقية جديدة تناسب الواقع الإجتماعي الجديد الذي يكابدونه كبلاء وقع عليهم من من حيث لا يدرون. و ضمن مسعى تطقيس الإتفاقات الثقافية المستجدة، يجد أفراد العشيرة أنفسهم أحيانا في وضعية " المكشوف " الذي فقد ضماناته الأمنية و دروعه الثقافية القديمة دون أن يتمكن من إصطناع ضمانات و دروع جديدة.
و من الثغرة الحداثية الرهيبة في الاستحكامات الطقسية التقليدية التي بناها المجتمع عبر القرون تأتي رياح التغيير بما لا يشتهي أحد من منكر القول و الفعلـ و قد تأتي أيضا بما لذ ّ و طاب ـ وضد هذا الخطر ، خطر الفلتان الثقافي ، يلجأ بعض الناس إلى التطقيس الديني البدائي المتعصب المتشنّج بوصفه آخر ضمانة تقليدية ممكنة قبل الخراب الكبير، بينما يهرب البعض الآخر للأمام تاركا كل تطقيس تقليدي ضمن نهم حداثوي إفتراسي يستهلك البدع الطقوسية الأجنبية من كل ما تجود به علاقات العولمة الثقافية ( من مصر، من أثيوبيا، من السعودية ، من الخليج و من الهند و من أمريكا إلخ.. و أطلبوا العلم و لو في الصين ).و بين هؤلاء و أولئك تمتد أرض تسكنها قبائل الإستلهاميين السودانويين الذين يبحثون عن " طريق ثالث " أو " طريق وسط " بين التقليد و الحداثة ، أو قل بين الماضي و المضارع.في هذه الأرض الواسعة ينشط دعاة إحياء التراث و تطوير الفلكلورالذين يعزّون كل الأشكال الطقوسية المحنطة في متاحف الإثنوغرافيا الكولونيالية من باب " المال تلته". و موقفهم في تحليل نهائي ما هو موقف حداثي على قدر مركّب من الإلتواء، كونه يطمح لإختراع نسخة محلية من الحداثة الرأسمالية على أسس ثقافية تقليدية هي ، في آن ، ضد الحداثة و على دربها.. نسخة حداثة متلبسة بلبوس التقليد .و ربما كانت وجوه التركيب و الإلتواء تتجلى في قدرة هؤلاء القوم على أن يموّهوا، تحت غشاء الإحتفاء المفرط بالثراث قابلية مدهشة ، هي قابلية المقامر الذي يوطن النفس على استقبال كل الإحتمالات ، طالما لم يستحوذ بعد على ما يعينه على الخروج من أزمة الوجود الحرج بين تناقضات سوسيولوجيا الثقافة. و هذا هو حال نفر كبير ممن انتفعوا بقولة ابن العربي و وجدوا فيها تعبيرا تقليدياقمينا باستيعاب كل أناقة مابعد الحداثة و انتقائيتها و براغماتيتهاو نهمها الذي لا يعرف" قشة مرّة " :
و قدة صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان و دير لرهبان
و بيت لأوثان و كعبة طائف و ألواح توراة و مصحف قرآن ..
أضف رد جديد