جيوبوليتيك الجسد العربسلامي في السودان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

العزيز عبدالماجد
تحايا وافرات
ياخى قريت ليك كمين مره ،، وما ازال اعجب بظرف كتاباتك التى اتقاطع مع واقعيتها لانى ترعرعت فى بيئه تشابه ما ترعرعت عليه ...
لكن لدى تعليق سريع على مداخلتك و ارجو ان يعتبره الصديق حسن موسى من باب ال
break
انت تقول: اقتباس:
" هل في جسد المرأة قطعة أصغر من المضغة (في حجم الحمصة) في رأس ما يشبه عرف الديك من قطعة يمكن أن تذهب بلا أسف لأنها
تطرد الباكتيريا ولكنها ليس بالقدر الذي يسبب إيلاما أو عسرا في الولادة أو تتسبب في الإجهاض ( علاوة على الجراح النفسية)؟ هل؟ لأ أدرى إلى أي حد ذهبت بي المكيدة في كلماتي هذه ولكن أحس بأنني لا أنطلق من مسائل الدين أو التاريخ أو الهوية أو مفاهيم العيب والتحقير الخ."
واضح انك ليس باخصائى " للافتاء " العلمى اظن -اثما- انك " فنان" كما قرات لك قليلا من قبل فى هذه الدارالعامره التى جمعتنا-
لو كنت -انا- صائبا ساقول الاتى:
فعلا قد ذهبت بك المكيده فى كلماتك ....
لان الكلام ليس بصدد البكتريا وقطع قطعه فى حجم الحمصه ،، سواء انطلقت "من مسائل الدين أو التاريخ أو الهوية أو مفاهيم العيب والتحقير الخ."
او من غيرها
ثم انك تناقض نفسك فى ما يلى:
اقتباس:
"ومن هنا اعتراضي على الخفاض بنوعيه المعروفين في السودان - وما أريد أن أتأكد منه هو خفاض استئصال حبة الحمص"

واضح انك من دعاة خفاض من نوع "حمصى" او" تخفيض" – عاجبانى كلمة التخفيض دى ففيها كشف المستور من امرنا الذكورى المشتور - ومع انك ما اخصائى ، يبدو لى –والله يعلم- انك فعلا تنطلق مما خشيت منه " مفاهيم العيب" وقيل مفاهيم الايدلوجيا الغلبت الهداى زى مابقول حسن موسى...
لكن جبدت نفسى شويه لما قرات قولك –كتابتك-
" وما أريد أن أتأكد منه هو خفاض استئصال حبة الحمص"
وزى ما تقول -بالوكاله عنهن- ودا مربط الفرس الذكورى الحايم فينا جميعا -
غايتو اصرارك على تخفيض حمصى او خلافه فلنسمع راى الاطباء فيه ... ودا شهر لا انا ولا انت عندنا نفقه فيه بشكل مباشر – شفت الحذر فى كلمة مباشر دى؟؟-
وكويس انت براك قلت الكلام ... وهو ان الامر فى تحليل ما
" هو في النهائية من شؤون المرأة التي نسندها ونقف معها بقوة"
طيب ياخى ماتخلينا نسمع منهن او من اخصائى ما؟؟
ما قصدت التعنيف باخراسك ياخى بل قصدت ان ابين –فى ظنى الاثم- التناقض الذى احسست به فى قولك .. وانشاء الله يا العزيز عبد الماجد – لو صابت حكوتك- ان يهنا بها ولدك وولدى وهن ....
وشفتا فى ال exercise دا بتاع انو انحنا االرجال - وتقرأ ايدلوجيا الذكور او على جفاء/عنف العباره السودانيه –الضكور-
انو انحنا الرجال من باب ال power relations
الاقوى من باب سيدى الامام الانصارى –انا من عيال الجزيره ابا-
انو فى تمرين زى دا انحنا الرجال سيدى الوجود نقترح على المغلوب عليهن ان يتخفضن حمصيا من باب التحفظ البكتيرى؟؟؟
وقديما قيل "من خاف لدغة الدبيب بخاف جر الحبل" -الحمصى- او كما قال ..

ويا حسن موسى انسى تعليقى هذا فقد استمتعت من قبل بهذه الجواهر التى جدت بها اعلاه فى جهنمكم التى نعمت بزيتونها وعنبها "وابها" – من وحى الايه-
ولعلها فاتحة خير يا عبد الماجد --- ورب اخ لك --- لا حول ولا قوة... "ورب اخت لك لم تلدها امك"
اخوك الفاضل الهاشمى[/color]
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

عزيزي الفاضل / الهاشمي
لك الشكر أخي
لا غبار شديد حتى لو قصدت إخراسي شريطة أن أكون مصرا على خطأ وملحاحا في الاستمساك بالغلط. لأن من الناس من لا يجدي معه إلا اللطم باللسان.غير أني ممن يرى أنه يجب أن تحمل النفس على تقبل الحق حملا ،ولو كرهت. وأن يشق عليها للحيلولة بينها وبين الدناءة في جميع صورها.
وفي رؤيتك لتناقض في كلامي ليست ببالغة الدقة.
وكنت سأوافقك تماما لو قلت (إنك يتنازعك أمران) بدلا من كلمة "تناقض" والتناقض عندي في الفكر وهو من أسوأ وأقسى ما يوصف به المدعين الانتماء لطبقة المفكرين, ولو بطرف. أما التنازع فهو أدخل في بابي الحيرة وميل النفس بفعل الهوى والغريزة (وهو ما يشابه هذا الموقف). أما مسألة الافتاء العلمي فهو أمر لا أدعيه فلست عالما أو طبيبا أو مختصا في هذه المجالات جمعاء, لذلك فزعت لأهل العلم وفق موجهات من عندي ولكن باستيفاء شروط التأهل في إعمال الفكر النظري في مسائل العلم. وهو لا يتناقض مع الفن أبدا. الفكر وإعمله شرطان للفن والعلم وغيرهما (كل نشاط إنساني). أي يمكن لكل إنسان الجمع بين الأمرين فإن تفوق في واحد أو أحرز فيه تقدما ما ولم يتقدم في الآخر فهو دليل اختياره التخصص في واحد فقط. ولكن وبما أن المعرفة دائرية فإن الركون لمجال واجد هو أدنى التمام وليس أعلاه.
وأظنك - عزيزي -أخطأت مقصدي: أنا طالب ههنا فتوى ووجهت سؤالي لمن يعهدون في أنفسهم الكفاءة على الإجابة.
وأضيف أيها الصديق:"لا شيء يجبرني على التنصل من مفاهيم العيب والأيديولوجيا التي بدت لك في ما كتبت. يا أخي أنا قلتها صريحة.
يصحبني مؤثران أساسيان:
اللذة (للطرفين)
والصحة (للطرفين)
شرطان يكملان بعضهما البعض فإن انتفي واحد استغني عن الآخر. لا أرى سببا يجعلك تفكر في أني أنطلق من فهوم العيب مثلا. يا أخي أقول لك: " هو الشايلاهو دا حقها هي ولا حقي أنا ؟" كان ممكن "برّاحة" أقول "وانا مالي !!؟) لكن قدري الذكوري المكشوف يجعلني ويجعل الكل يطلب المشاركة (إلا اناني أو أنانية).
واقول اليوم وغدا وبعده: (أريد الرأي العلمي المؤسس من المرأة ومن أصحاب العلم التجريبي الحديث ) أريدهم أن يجيبوا على:
أجلدة الرجل لها مقابل عند المرأة في الوظائف أم لا. وإن وجد ما هي تأثيراته السلبية والإيجابية.
وهل تحتاج المرأة لإجراء شيء يماثل ما يجري على الرجال بحيث لا تضيع متعة ولا تقع في ألم أو مرض أو تتعرض لخبث باكتيري؟
أسئلتي مطروحة ولا علاقة لها بقدرة على الافتاء أو الشخبطة بالطباشير.
لا حظ أني لا أطرحها على الفقهاء (ولا أريد منهم رأيا مشوبا متحيزا للعرق أو التاريخ أو متوقف على رأي ديني)
وأيضا لاحظ أنى أنقل الفتوى لعلماء الطب والنفس وقياسات الأحاسيس في خرائط الأدمغة. وتقول لي منطلق من مفاهيم العيب وما شابه, حــــرام عليـــــك !! يا أخي أنا بمجرد كتابتي في هذه المواضيع شعرت بأني رميت بمفاهيم العيب والحشمة والحياء (المرذول منها ) بالشباك.
ولا كشف لمستور لأننا في استغناء عن التخفي ( ما أنا هنا كشفت كشف عديل وكمان شلحّت عريان، من أجل استجلاء ما غمض من مشكل مطروح )
والمكائد متعددة فكيدة الثقة المطلقة بالعلم (وهي آفة) ومكيدة الغريزة أيضا

لا بد من التثبت والتأكد عند تعديل أو تغيير كل ظاهرة - وبخاصة ولو كان مما يتعلق بها منفعة غريزية بيولوجية أو تحت تأثير نزعة تسلطية أو احتكارية ( إثنية. عقدية ... الخ)
ما نقعد كلما ظهرت لينا شياخات جديدة (من العالم الجديد أو الصحراء العتيقة) نرفع شعارات ونهتف باسم التقدم أو الحفاظ ونغير باسم التقدم واحفاظ ونحن في معظم الأحيان تبّع لاغير.

بعدين نعمل شنو مع فقه اللغة وفلسفة اللغة: كل لفظة لها مدلولات وإسقاطات لكن ليس في كل الأحوال يحسن إدخال آليات النقد الأدبي في ما هو غير أدبي.
"نحن الرجال" أيوجد غيرها لتصنيف جنسي وجنسك؟ (ذكور) لها مدلولات أظرط وأضرط وجبتها إنت بعضمة لسانك وكمان سودنتها (ضكور). أنا برّة
مأ فضل لينا إن نقول "ذوي العصي" في مقابل "ذوات الثدي" كما فعل البعض في الثمانينات لنرمى بالغلظة والتسلط (بقراءات العصا) وبتحقير المرأة أو تشبيهها بكائنات في درجة أسفل مم سلم "داروين" ولا نسلم وإن كنت لا أحمل عصا ولو كانت بل أثداء شامخة لعيب عليها .
نخش وين؟
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سيف
يا أخانا الذي في روما رومانو برودي(" بيرلوسكوني" سابقا).
مبروك عليكم هزيمة اليمين الطلياني النجس وأنتم السابقون و نحن اللاحقون.
يا زول استخلاصاتي كلها قابلة للمراجعة النقدية،و بالذات في هذه الأرض ، أرض الدين الملغّمة بالدوغمائيات الطيبة و المرذولة وانواع سوء الفهم الارادي و غير الارادي مما يفلت و يفيض و يتكرّس علما للاعتقاد( ثيولوجيا) أو للنفس(سايكولوجيا) أو للجمال(استطيقا) أو للباه (ايروتولوجيا) أو للعشق /الثورة(آيديولوجيا) و أنواع الشقاق مما جميعه.أما بخصوص الالتباس الذي بدا لك في ما اقتطفته من حديث المسلم الذكر المتمتع في هيئة العابد الملتذ ، فأنا أرى الأمر، أمر العابد الملتذ بالنعم المادية ، ـ فيما وراء مزاعم" الايمان" الديني – أراه كنوع من سعي الوعي الجمعي لصيانة تساند موضوعات الروح و المادة داخل بنية السلوك الديني.
والدين،في هذا المشهد ينطرح كمكيدة أرضية تشد الخواطر نحو السماء، بغرض تنظيم حياة المجتمع في البعد المادي من خلال التدابير المبذولة في البعد الرمزي.و في هذا الأفق يبدو لي أن حرص الاسلام، كدين رجال " ضكور"، على المتع الحسية انما يمثل نوعا من ضمانة مادية تعين المسلمين على تجنّب السقوط في فخ الروحانيات الصرفة ،التي يستحيل معها التدبير المتوازن لشئون المجتمع.فالانسان كجسد يتعالى على قدر الحيوان فيه بالوعي الديني.لكن هذا الوعي الديني انما يستهدف، في نهاية المطاف، بقاء " آلة" الجسد الحي الحيوان( و " في أحسن تقويم " كمان). و لو نظرت في آداب التصوف لوجدت التعليم الديني يبتعد عن الجسد الحيوان بذريعة الحس الروحي ،( الثقافة)، ليعود اليه، باللفّة، بذريعة الحس المادي،( الطبيعة). شفت كيف؟يعني "من دقنو وأفتل له"..
هذه الفولة تفيض عن سعة مكيالنا هذا و لنتركها جانبا مؤقتا، فضلا عن كون معالجة الالتباس الذي بدا لك في كلامي يحتاج لايضاح و تفصيل أكثر من طرفك ، حتى يتسنّى لي أن أعود للمسألة ببصيرة جديدة.
سيف الدين يا أخانا الذي..
أعجبتني عبارتك :
"و الا ّ فان الاصل في الوجود ـ كما تعلم ـ هو الوحدة .." و بالذات هذه الجملة الاعتراضية البريئة " كما تعلم " كونها (عبارتك) تتكرّم علي بعلم ما هو في الأصل من الوجود.و لو كنت أعلم أين يكون سر الوجود لهتكته هتكا فيدركه الحفاة العراة المعذبون في الارض( و أميّو سودانيز أونلاين زاتهم) فنستريح بالمرة من شقاء هذا البلاء البديع المفخّخ بالاوهام المتسمي حياة، و ما الحياة؟ و ما الوجود؟بل و ما الموت؟
سيف
أرجو أن استزيد منك في موضوع أسماء الله الحسنى فهو يحتاج لتفصيل.


أيمان
سلام جاكم
و قعد معاكم
و شكرا على ايراد الصورة الجبارة، و كنت قد لاحظتها من قبل و استوقفتني بعنفها المبطّن المكتوم وراء بساطة التكوين و رهافة التلوين(بدا لي استبدال أحمر الدم بالوردي /البنفسجي حيلة بارعة جنبت الصورة مزالق الخطابية البصرية المباشرة).خط الخياطة، الذي يستدعي الى الخاطر فعل التطريزـ هل من نشاط أكثر ارتباطا بذاكرة الأنوثة أكثر من التطريز؟ ـ هذا الخط المرسوم بأسلوب بسيط ، ككتابة غامضة على خريطة بدائية، يعبر الجسد الحرث من أقصاه لأقصاه و يخيط اللحم المدمّم كأنه يغلق أبواب الجسد أمام الحياة بشكل نهائي .خط الخياطة هو في الحقيقة بعض من نص القانون البائد الذي ما زال يكتب كل يوم بحبر الدم على أجساد الفتيات تحت ذرائع دينية ضعيفة و قوية. و هو قانون ذكوري بطرياركي تنفذه أيدي النساء و يخجل الرجال ـ الذين يباركونه سرا ـ من الخوض فيه على زعم أنه شأن نساء. عجبي.


مصطفى
يا أخانا الذي في بلاد طالع زيتها..
بالله شوف العبارة دي: " طلّع زيتنا"..
و الله لو كان زيت الغلابة نفطا لكانت نزاعات الطاقة و حروباتها انقضت و عم السلام الارض و رعت الحملان مع الذئاب و لعب الاطفال كرة الماء مع التماسيح الى آخر كلام الشعراء.أنا عندي كلام في فقه الكشف و الحجاب بس أصبر علي.و سلام للعويلة.

عبد الماجد
سلام يا" أخونا" الذي في بلاد تغرب شمسها كل يوم، زيها و زي غيرها( و كمان مرات ما بتشرق مرة واحدة)
بيننا حديث طويل مؤجّل فصبرا و أنت أدرى..
تعليقك يا زول ليس بعيدا عن موضوعي لأن أسئلة اللذة الحسية و المتعة الجمالية هي اليوم في صميم شقاق الحداثات الذي" دخل في اللحم الحي" كما تعبر بلاغة الاهالي.فبعد فساد التنظيمات السياسية الآحادية البعد و تخثر العقائد البائدة الضيقة الأفق، لن يبقى أمام العباد سوى سؤال الجسد ".و في نظري الضعيف أعتقد أن أي آيديولوجيا جديدة تشيح بوجهها عن سؤال الجسد انما تحكم على نفسها بالانتحار.و" الزرزرة" التي حباك بها الاخ الفاضل الهاشمي و انتباهه الحديد للمنهج و للأسلوب البلاغي الذي طرحت به أنت تساؤلاتك في مسألة الخفاض ما هو الاّ أول الغيث من شقاقات آيديولوجيا الجسد القادمة،فسوف تتمخّض العقود القادمة عن قبائل ما أنزل الله بها من سلطان من الجندريات و من الجندريين القمينات و القمينين بحماية حقوق الجسد على اختلاف فضاءات الوجود القانوني والسياسي و اللغوي و الجمالي الخ.و الحساب عندهم" ولد " مثلما هو " بتْ " على داير المليم.هؤلاء الناس الذين ننشغل اليوم بتربيتهم و بتعليمهم، سيأتي عليهم يوم ينظرون فيه الى بضاعتنا الآيديولوجية نظرة باردة متعالية، و سيحللون مواقفنا السياسية من قضية الجسد وسيفلفلون نصوصنا و تصاويرنا و مشاعرنا و مخاوفنا و يتعقبوننا بالأسئلة الحرجة و لو دخلنا في جحر ضب خرب، و لن يكون في ذلك الا كل خير.و لن يبقى أمامنا سوى أن نخم و نصر ونحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.شفت كيف؟
سلام و سأواصل مشاهد غربة الجسد.

.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

العزيز عبدالماجد
طاب الوقت عندك مساء ام صبحا ولو صبحا – اعتبرنى من المغيرين صبحا –
ايضا الشكر موصول ولا غبار ، ، وياخى انا سعيد بموقع الكترونى فيه محترمون مثلك ، ما زى سودانيز اون لاين الممتلئى ببغاث الطير الذين حين انزل لهم – اعلان فقط- عن ندوه يملأوونك فقرا وقملا و"سكرى" -من المرض-
ولا غبار عليك ايضا ولم اقصد "اخراسك" ولم اقصد "الفتاوى" بمعناها الجارى ولكن كلمة "التناقض" دى - والتى اصر على ان هناك تناقض – ممكن استبدلها ب (إنك يتنازعك أمران) اذا بدت لك شديدة اللهجه وجافيه - كان ببقى ليك اخير – كما يقول عمى الصحابى –
لكن جوهر حديثى مابردده حتى ترسى على راى واحد من الرائيين الذين يتنازعانك ...
لا اخفيك اننى سعدت بعبارتك الباهره " بما أن المعرفة دائرية" وبقت لى اخير ، بحيث انها فتحت نفاج نحو احتمال ما ان تشملنا معا الدائره المعرفيه .. ومبعث طربى ان نفاجها جاب لى نسام اخرجتنى من الثنائيات -تقول لى احادى-التى ملات على الارض والسماء هذه الايام – لو كان بينهما فرق-
اما انا فى انتظار الاراء الاخرى فانا "متلى متلك" (أريد الرأي العلمي المؤسس من المرأة ومن أصحاب العلم التجريبي الحديث ) كما تقول ..
اما ماقلته انت بان " لا بد من التثبت والتأكد عند تعديل أو تغيير كل ظاهرة - وبخاصة ولو كان مما يتعلق بها منفعة غريزية بيولوجية أو تحت تأثير نزعة تسلطية أو احتكارية ( إثنية. عقدية ... الخ) " دى جرجره للصراع وتاخيرا لعجلته خاصه فيما يخص امرا دمويا "تطهيريا" والذى بصدده هذا البوست ،،،، الليله فى ناس فى السودان بتكلموا عن الحفاظ على السياده الوطنيه ازاء التدخل الاجنبى وكأن نصف المليون المقتولين فى دارفورخارج دائره السياده والتدخل لدفع حقهم فى الحياه وهنا لا استثنى احدا او حزبا ... وقريبا دعانا الصادق المهدى " للتثبت" حتى يتاكد من انه ليس وراء انقلاب الكيزان فى 1989 تدخل اجنبى ؟؟ - معليش ما قصدت الانحراف سياسيا ولكن الشى بالشى يذكر لان من ينشد "التثبت والتاكد" ازاء تغيير ما فلا بد ان له ناقه او حمص "جمل" يخشى ضياعه – والنكته بريئه من قصد السفهاء وانا وانت براء –
اما ما أتى على صورة اللحن من قولك "ما نقعد كلما ظهرت لينا شياخات جديدة (من العالم الجديد أو الصحراء العتيقة) نرفع شعارات ونهتف باسم التقدم أو الحفاظ ونغير باسم التقدم واحفاظ ونحن في معظم الأحيان تبّع لاغير" - واقصد تجينى دقرى بدون تلحين يخفى على البيان ..
دا والله العظيم ما فهمتو ووجب عليك ايضاحه لو سمحت وشكلو كدا زى مربط الفرس /ه حتى لا يدخل الدرب ف "أ لمى" كما يقول ناس الغرب البعيد – على حد تعبيرك كما اخاف الكضب – شفت ايدلوجيا الخوف من الكضب دى – قاعده امفكوا من كترة ما بريئه لانها شايله ماكنزمات ماقبل الراسماليه بى وقايه ؟ - اما ايدلوجية اللبراليه الجديده يازول تبيعك الموت الاحمر فى الدعايه المشفوعه بصوت الطبيب والبروفسر وقيل جورج بش زاتو ،، ولااحد يخاف "الكذب" فى اخر الدعايه – رحم الله امى بت المدنى حين تخاف الكضب ...
يا عزيزى عبد الماجد الدايقرشن –الاستطراد- دا من وحى شياطينى فلا عليك به ... بس ابقى لى على " الشياخات الجديده" وتفسيرها ...
وانشاء ا لله نسمع رأى الضحيات الجد جد رغم ان حديث ا لحمص لا يبدو ضمن الاجنده ماديا ورمزيا – لان لوحة ايمان شقاق لا مجال معها لحبة حمص ترمز بشكل مخيف عن بنى ادم مقطوع نصفين ومعاده خياطته – يالها من لوحه توقف شعرة الجلد - بكسر الجيم واللام-

وابقوا طيبين
الفاضل الهاشمى

[/color]
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

أيها الحسن
سلام وافر
موضوعي أبسط مما ذهب إليه فكرك العميق.
فالعبارة ".. تحقق الفرد المسلم الذكرعلي مشيئةخالقه ..إلخ " في الفقرة :-
"و تبقى الغاية المركزية من وراء خلق الجسد المسلم هي تحقّق الفرد المسلم الذكر على مشيئة خالقه و تفتّح طاقاته الحيوية متمتّعا بنعم الوجود المادية و الروحية التي يسّرها له الله، بحيث يكون فعل التمتّع وجها من وجوه التعبير عن امتثال المخلوق لمشيئة الخالق في الدنيا و في الآخرة، بل أن فعل التمتّع الذي يراعي لائحة الدين يصبح ـ في بعدة المادي ـ فعل عبادة لا يجوز للذكور المسلمين الانصراف عنه بدواعي التنسّك و خلاص الروح، أو كما قال:
" يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين"(سورة المائدة 87).
من غير السياق اللآحق :-" صورة الجسد" في خاطر الثقافة العربسلامية تنطرح في نهاية التحليل كانعكاس لجسد مذكر فاعل و قوّام(ايجنت) Agent
، مركزي و متمتع بما أحل الله له من طيبات بينها النساء "
أقول، خلقت هذه العبارة لدي - في البدء- نوعاً من اللبس disorientation " أو قل ، نوعاً من " الرواشة " وعدم التدقيق في من تنسب إليه صورة الجسد ، هل هو الكاتب أم " خاطر الثقافةالعربسلامية " ؟
لا عليك . فاللوم يقع علي ، والكبر(بضم الكاف والباء ) حاصل .
والذي أردت قوله أن حصر التمتع بالنعم المادية والروحية للفرد المسلم الذكر " كوجه من وجه التعبير عن إمتثال المخلوق لمشيئة الخالق في الدنيا والآخرة " خصماً علي حق المرأة المسلمة وكيانها ، فيه إجحاف أخلاقي ومعرفي في حق المرأة " الأنثي" مقابل الرجل " الذكر " . فالفرد أو الإنسان أو آدم ، مسميات تندرج تحتها ، بالضرورة ، حواء ، المرأة ، الأنثي . ومشيئة الخالق في خلقه ، هي جزء من علمه وإرادته وقدرته .والحديث بأن الله خلق آدم علي صورته يعني هذه الصورة المعنوية بمشاركة الله في صفات العلم والإرادة والقدرة ، مع مراعاة أن علم الله وإرادته وقدرته في جانب الكمال ، وعلمنا وإرادتنا وقدرتنا في جانب النقص ، والسير إلي الله يكون بالخروج من نقص صفاتنا ، ذكوراً وإناثاً ، للدخول في كمال صفاته ، وهو سير لاينتهي . هذا من أدبيات الجمهوريين التي أحسبك ملماً بها ، كما نسبت إليك من قبل معرفة الزعم بأن الوحدة هي الأصل في الوجود، إفتراضاً بمعرفتك اللصيقة بهذه الأدبيات ، وفاتني في "غمرة الرواشة" أن معرفتك اللصيقة بهذه الأدبيات لايعني بالضرورة يقينك التام بها أو تمثلها في الحياة اليومية .
نعود لصورة الجسد في خاطر الثقافة العربسلامية ، علي ضوء الطرح المتقدم بحق المرأة " الأنثي " الطبيعي في الترشح للكمال الإنساني /الرباني بإعتبارها مخلوقة أيضاً علي صورة الله التي تتجلي في مشيئته ( إرادته ) وعلمه وقدرته ، فنجد أنها صورة فسيو-بيولوجية صارخة ، لاتصادر حق المرأة في إدارة وصيانة جسدها فحسب ، بل تصادر أس وجودها كصنو للرجل ( آدم ) الذي خلقه الله علي صورته . فحقها مهضوم في شريعة المرحلة التاريخية في المعاملات التي تقوم علي الوصاية وتعدد الزوجات والشهادة في المحاكم ، وإن حملت درجة الدكتوراة في القانون ، وما يترتب علي ذلك من المظالم الإجتماعية . فعملية وأد البنات ، حسياً ، في الجاهلية الأولي تحولت إلي وأد معنوي كامل ، وعضوي جزئياً ، بالختان ، في هذه الجاهلية المعاصرة الكثيفة . نعمل بكل السبل المتاحة هنا لمكافحة هذه البربرية وسط الجاليات المعنية . ولكن لصحوة الجسد ، والتمتع بكامل حريته في المحيط العربي _الإفريقي الإسلامي ، لابد من صحوة الفكر المؤدب بأدب الحق وأدب الحقيقة . وهذه فولة ، كما تقول ، تحتاج لمكيال آخر .
أما أسماء الله الحسني التي تم تلقينها لنا ونحن في سني الخلوة والدراسة الأولية " أسماء الله الحسني 99 إسماً " ، نبدأ بسردها بزعم أن من أحصاها دخل الجنة ، فهي اسماء تتداخل مع الصفات ( العزيز الجبار المتكبر ..الخ) .
وإنطلاقاً من أدبيات الجمهوريين أيضاً ، فإن أسماء الله وصفاته وأفعاله هي تنزلات من ذاته الصرفة لكي يعرف بها ، كما جاء في الحديث القدسي " كنت كنزاً مخفياُ فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق ، فتعرفت إليهم ، فبي عرفوني "
وعبارة " فبي عرفوني " تعني ، بأسمائي وصفاتي وأفعالي . والذكر والأنثي من أفعال الله ، بل هي أكرم مخلوقاته ( الإنسان أوالخليفة ) وهي تدلي من صفاته وأسمائه وذاته. فالمرأة ( حواء ) خرجت من إهاب الرجل ( آدم ) ، وكلاهما خرج من إهاب الذات الإلهية تنزلاً إلي درجة الإسم والصفة والفعل . فالوحدة هي أصل التعدد في الوجود وفق هذا الفهم . وبالتالي لا معني للتمييز والقهر والدونية في حق المرأة ، بالنظر لمعايير صورة الجسد في خاطر الثقافة العربسلامية ، لاسيما وقد بلغت المرأة السودانية والعربية المسلمة شاواً رفيعاً في مدارج العلم والحياة المدنية المعاصرة .
أرجو أن أكون قد أبنت دون إطناب ، مع عظيم تقديري .
سيف

" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

عزيزي الهاشمي
عمتَ صباحا
لك الشكر على إطراء قد لا أستحقه ولكن يشرفني مجيؤه من جهة شخص في مقامك ومقامات أخواننا وأخواتنا المشاركات. اسمح لي أن التفت للأعزاء حسن ولإيمان وأعود لك.

الفنانة الستبصرة إيمان
لك التحية

كلماتك:
فيها رسالة قوية. ولا أخال أن المعركة لن تنتهي. ستنتهي أردنا أم لن نرد - لأنه لا توجد حركة - في التاريخ - تطلب تغييرا جذريا لم تصب هدفها ولو "بعد حين" (طالما ارتكزت على قناعات راسخة وصحبها تصميم) .
وكلماتك "حنّني" ولك استبدالها بـ (أيقظت مشاعرى أو وخزت في ضميري) وهو طريق إقناع قوي لمن في قلبه حجر (آدم زيّ كدة).

تصويرتك:

كأن الهاشمي التقط جزءا من تعليقه من شفتى: ( تخلى الجلد يتخازز وتوقف شعره). الرسالة جبارة وهي شهادة من جندرية وهو ما أبغاه. ولا حرج عليك ولا دخول أظافر. أنك - عندي - كمثل فتاة ديلاكروا التي تحمل علم الحرية. أنا من زمان شايف فيك شوفة آمال عراض.
ربما يتوجب على ابتلاع الحمصة أو أغمض عينى وآكلها كما يؤكل النبق في الظلام (وليس كل الناس).
ولا أجزم بأن النفس لن يبقي فيها شيء من "حتّى" :
نحتاج لنوع آخر من الشهادت. شهادات طبيب جراح أو طبيبة. أما شهادة المجروح فربما تحتوي على نوع من التجسيم وإذا كان فنانا بارعا أو فنانة واصلة ( مثلك) فهو أكثر قدرة على التجسيم أو إنشاء خلق فني يبث به في المتخيّل المؤسطر حياة حارّة أو موتا "مصفّى ومصنفرا " تخالهماأمام ناظريك (كحية تسعى أو مريض مسجّى على الطاولة ؟! ولا معليش نخلى حكاية الحية والمريض دي قبّل ما ناس حسن وهاشم يولدوا منها كمين معنى ويكشفو بيها كمين مستور -والساتر الله.
المهم براوة عليك (الاستلاف السوداني للفظة الإنجليزية "برافو") وأعد بأن أضع التفكير الحمصي الافتراضى على الرف حتى الاستبانة بالاستجلاء العلمي ليستقر آنئذا في قعر سلة المهملات مع ما رمي به فرعون بهتانا وافتري به على السنة كذبا.

عزيزي الهاشمي

التنازع:
إنه إلحاح سؤال يتطلب إجابة. أو قل يتنازعني أمر الحد الأدنى المفترض في الاستغناء عن جزء من البضع يرضي الطرفين أكثر (لعله من فرط خيالي المخصّب بالأقاويل والروايات الشائعة (وأكثر ما يطلقه النساء أنفسهن ) وشيء من تجربة لا أقيس عليها). والسؤال - عزيزي - لا يكون خطأ أو صحيحا (وأعلم أنك تعلم ذلك) ولكن الإجابة عليه قابلة لاحتمالات الخطأ والصواب ( متعمدا أن لا أقول "احتمالي الخطأ والصواب، لأفتح الباب لاحتمالات الممكن والمستحيل والجائز والمحبذ الخ وهو باب من المنطق يزيح التعنت والتقيد بأخذ واحد من نتيجتين. ويؤؤل أمره لصاحب الشأن (ساكن الجسد). والسؤال المطروح نفسه يفقد مشروعيته ويسقط على التو لما ينظر للمسألة على أنها في مجال التغول على جسد الآخر واستغلالا لليفاعة (ويصدق على البنين والبنات). وهكذا قد ينتهي بنا الأمر للامتناع عن ختان الصبيان أيضا (أليست لهم ملكية أجسادهم؟)
من شأن الحوار الديموقراطي الحقيقي أن يوصل الحوارات لنهاياتها المنطقية. ولكن هذه النهايات - في نظري -هي نفسها لا نهائية. ذلك لأن أشكال المنطق كثيرة وفروعه متعددة.

الحمصة:
أضعها على رف الخيال مع كثير من الأسئلة المؤجل الإجابة عنها لحين توفر آليات الإجابة (أتعمل به معاهد البحث العلمي والجامعات؟). وكنت أوضحت أن الدلائل الطبية والنفسية والنزوعات التذوقية والجمالية وانكشاف ما لفقه الفقهاء عبر التاريخ ( وتعلم أن ظاهرة الخفاض اسبق في التاريخ من ظاهرة البحث الفقه) قربت بظاهرة الخفاض بنوعيه المعروفين من الانحسار كما الشلوخ مع اقتناع العبدلله.
لن أرمي بالسؤال إلا على رف التأجيل كما قلت لك. وعلى كل فهو سؤال لا يهمني إلا بقدر ضئيل ( متعة أولادنا وبناتنا وصحتهم - بعدين). وكما قال دكتور حسن موسى ذاك جيل مختلف سيعالج أموره وفق نظرته هو. فلنسكت إذن" على الأقل خيفة أن يعاني بعضهم من علل أخرى (وبخاصة النفسي منها) فيذهب ظنه وظن أطبائه بأننا المسؤولون ويقولون : "ينعل أبو الكانو السبب". " ما يلطعوا فينا بلاويهم و ولكل زمان بلاوي"

يبدو أنني سأموص سؤال الحمصة دا واشرب مويته مدوّدة. وليس من زرزرة ولكن من تلمس اتجاهات الآخرين والقبول والرضا (وليس الانصياع) بما يتوصلون له عبر الحوار ومنطقه.

الشياخات:
شيوخ ديموقراطيات الغرب (الانحشارية) التي تطالب المقهورين بتغيير عاداتهم ومعتقداتهم متذرعين بخدمة الإنسانية وعمارة الأرض (الاستعمار). ومن قال لهم أنها كانت خرابا؟ أهي اليوم أقل أم أكثر خرابا ؟ بزمتك في زول عاقل بيقول لزول : " غّير دينك" ؟ وهو رسالة المبشرين.
وشيوخ يخرجون علينا - كل مئة عام - يعيدون إنتاج الفقه البدوي ويثبتون أمورا جائرة خاطئة ويضعون النصوص ويعنعنونها ويضعون لها الأسانيد. لا أستغرب أن توقف الزمن عندنا وجمد. (أقول هذا وأنا أظن ظنا شديدا أن كلية خلية في جسمي تسبح وتحمدل وتتفكر في ذات علية، ولا انحشر في اعتقادات الآخرين).
فهمت؟ شياخات أروبا المستغلة الانحشارية . وشياخات صحراء العرب التي تطلب تجديدا مستحيلا ولا يراوح مكانه.
أما مسألة التبع فهي أن لا ننعق بكل ما يأتينا. يعني ما في تدفعه مؤسسة خواجة يحشر نفسو في مثل هذا المسائل أو يهتف بأي من الوسائط فنهتف معه. وأن لا يطأ ارضا بدوي يريد أن يدخل الناس في ملته بقطع الجلود وترديد كلمة لا يفقه معناها كل راطن وهو أصلا لا يحتاج لهااحتياجه لوسائل الانتاج والتعلم
. يا أخي أنا أرتاب من كل ما يصدر عن الأيدولجيات المسيطرة اليوم دولارا ورقيا أو نفطيا. أرجو أن تعتبرها جرجرة (وإن كانت في بعض الأحيان مطلوبة لإحداث شرخ في السكون أو الرتابة ).

أخي حسن

صباحك خير
الحوار الصارم المتقن لا يخلو من "زرزرة". بل هو مطلب أساسي لا يعيب بقدر ما يشرف طالما لم يلجأ المزرزَر(بفتح االراء المعجمة الأخيرة) لمراوغة المزرزِر (بكسر االمعجمة) أو التصلب بافتراش الفروة لاستماتة بعز آثم. والهرب (الفز) عيب وكذلك المزازاة (حقة النعام أو لعبة الكراسي). كله غلط. نرحب بأي حوار يوصل فيه لنهايات سعيدة ( التقاء على كلمات سواء وإزالة هموم مشتركة).
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشـهد الـقـانون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
مشهد جانبي لـ " اللعيب":
ــــــــــــ
" .. و نادى محمد الشاطر عبده بشارة و قال له:
ـ اتحيّل و شوف لي اللعيب.
و ذهب بشارة الى أهل العروس ، و طلب منهم ماء، و نظر الى العروس ، و رجع بعد ذلك الى سيده. فقال له محمد الشاطر:
ـ كيف وش اللعيب يا بشارة؟
ـ قمر سبعتين الليها دارة.
ـ كيف نخرة اللعيب يا بشارة؟
ـ قمقم الدهب عند النصارى.
ـ كيف رقبة اللعيب يا بشارة؟
ـ كوز الدهب وسط الجرارة.
ـ كيف ضهر اللعيب يا بشارة؟
ـ فتر و شبر ليه انفزارة.
ـ كيف ايد اللعيب يا بشارة؟
ـ كرباج العنج عند البطارة.
ـ كيف بطن اللعيب يا بشارة؟
ـ طاقة الهنود عند التجارة.
ـ كيف كفل اللعيب يا بشارة؟
ـ ود الجدي الراقد حدارة.
ـ كيف شعر اللعيب يا بشارة؟
ـ هضليم نعام خاتي انقصارة.
ـ كيف قدم اللعيب يا بشارة؟
ـ قدم الحمام فوق الحجارة.
.."( من حجوة " النيتو و اللعيب"، الأحاجي السودانية، عبد الله الطيب.دار جامعة الخرطوم للنشر، 1978 ، ص 48 )

2
مشهد جانبي لبنت الاحفاد:
ـــــــــــــ
قلت أن غربة الجسد المسلم التي تتخلّق ضمن اختلال نظام انسجام الفرد المسلم مع مجاله المادي و الرمزي، تنطرح في المشهد الوجودي كاغتراب وجداني و كضياع تراجيدي ما بعده ضياع.و هذا هو حال أولاد المسلمين الذين أدركهم بلاء الحداثة البديع و غرّبهم عن صورة الجسد المسلم المذكر الهانيء المستبد المتمتع برضاء الخالق.و لعل أشد ابتلاءات استشراء قيم الحداثة، في المجتمع العربسلامي المعاصر، هي تلك التي تطال أولاد المسلمين من حيث لا يحتسبون، فتنازعهم في " تولا" البديهيات الذكورية التي لم يكن يشك في مشروعيتها أحد.أقول هذا و في خاطري نوع الادب النسائي الاسلاموي الجديد الذي بدأ ينتشر بين الأسافير ملغوما بمطالب المساواة في الحقوق و الواجبات بين الجنسين على زعم أن شرع الاسلام يعرف للمرأة حقوقها مثلما يعرف لها واجباتها.و الكلام ، و بالذات كلام النساء المسلمات عن " حقوقهن" الشرعية كلام جديد ،ذلك أن صورة المرأة في مشهد الذكور العربسلامييين من ورثة التقليد الثقافي قبل الرأسمالي هي صورة قوامها الواجبات بلا حقوق.وأقول" الادب النسائي الاسلاموي الجديد" لأن الواقع يتكشّف عن ظاهرة أدبية جديدة ضمن فضاء الكلام المباح للاناث العربسلاميات.فقد صرنا نشهد اليوم على صفحات الاسافير نساء مسلمات يجهرن بالمطالبة بحقوقهن، " حقوق الانسانة"، و هن متمترسات وراء متراس الشرع المنيع الذي يقيهن جور الذكور.و المثال الذي يحضرني طريف و عامر بالعبر كما جسدته كاتبة سودانية(و بريطانية؟) مسلمة متسمية بـ " بنت الاحفاد" ، تكتب في المنابر الاسفيرية السودانية و تدلي برأيها في كل شيء.أقول: وقعت قبل أسابيع على نص للكاتبة بنت الاحفاد مدهش في محتواه و طريف في صياغته معنون بالعبارة: " أحلم بزوج بهذه الصفات" في موقع" سودانيزأونلاين. كوم" بتاريخ 2/3/2006 .
و مواصفات الزوج المعني بالأمر هي مطالب واضحة بلا لبس تتلخص في الآتي :
1ـ " يحمل هم الدعوة على عاتقيه، لا يخشى في الله لؤمة لائم"،, " داعيا متحرك في قوله و فعله" و ترجمتها: رجل مناضل و داعية و متمرد على السلطات اذا اقتضى الحال.
2 ـ "يحمل بعضا من صفات السلف، فيه قوة عمر و رقة أبوبكر و حياء على و تواضع عثمان". و دي رغم التنازل و المساومة الكبيرة في العبارة المفتاح " بعضا من.. " الا أن النجم يبقى أقرب للخطّاب العربسلاميين من هذا المهر المستحيل و ترجمتها ببساطة أن الزولة دي زاهدة في العرس.و المسألة كلها مجرد موعظة حسنة و تأجيج" فَشَنْك " لذكور الاسافير باسم الدين، عسى أن يعتبروا و يرعووا و يرجعوا لحظيرة الايمان و ينوب الكاتبة أجر و ثواب.وقد تتحسب بنت الاحفاد من عواقب التأجيج فتبني لنفسها خط رجعة من تراب النصوص حين تخاطب أخيتها المسماة بـ " القلب النابض" ( يا له من اسم):" أعلمي اخيتي أن البحث عن انسان بهذه الصفات ليس شيئا سهلا".."لكن لا تيأسي من رحمة الله و تزكري(كذا) قول الله عز و جل:" و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب .." و " كل شي في الحيا جايز" على حد أغنية رمضان زايد.
3 ـ " يعيش في الدنيا كعابر سبيل".. يعني بيزنس ما معانا.
4 ـ " و يعشق الشهادة في سبيل الله" و ترجمتها رجل درويش ناسك بلا مشروع سوى الموت ، يعني كاميكازي .
5 ـ "يحمل بيدي الى الجنة"، أيوة الجنة عديل.يعني مش كفاية عليهو يذكّرها اذا نسيت و يصحى قبلها ليوقظها للفجر اذا نامت (" و ان لم أستيقظ يصب على وجهي جردلا من الماء") لكنه يمسكها من ايدها و يدخلها الجنة كمان، عشان قاطعين ليهو حاكورة في الجنة يدخل فيها اهله و أصحابه.
و بنت الاحفاد لا تقاوم حس الفكاهة الذي يتخلل كتابتها حين تختم رسالتها مخاطبة قراء سودانيزأونلاين: " مش طلباتي بسيطة يا جماعة؟؟؟"
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 0&msg=1141


و هكذا تبدو طلبات بنت الاحفاد كما لو كانت نسخة" مُجندرة" من طلبات محمد الشاطر .و مافيش "خد " أحسن من "خد".و لا عجب فبنت الاحفاد ظاهرة جديدة جديرة بالتأمل في مشهد أدب الجنوسة السوداني.و قد أندهش عدد كبير من قراء سودانيزأونلاين الذكور من اعلان بنت الاحفاد بطلب الزوج على رؤوس الاشهاد و بطريقة مكشوفة أدخل في براءة الطفولة منها في " قوة عين" الانثى الـ "قاهرة".ذلك أن الاناث السودانيات ،في فولكلور الزواج العربسلامي، يقرن في بيوتهن و ينتظرن أن يفتح الله عليهن بـ " ود الحلال " من زمرة الرجال القوامين الذين يطلبون أيدي النساء من أولياءأمورهن،بينما هذه البنت الفصيحة تتولى أمر تزويج نفسها بنفسها و لا يضيرها ذلك في شيء،أو كما عبرت في ختام بوست الزواج:
" ملحوظة ، هذا ليس اعلان للزواج رغم انني لا أرى عيبا في ذلك.."
و قد استرعى الامر انتباهي فتابعت المداخلات التي أعقبت البوست الافتتاحي لبنت الاحفاد يشدني فضول(و الحق يقال: مشوب بالحرج) للنظر في تفاصيل هذا الحلم الذي تعلن عنه فتاة مسلمة(من مواليد ديسمبر 79 ) تطلب الزوج على صفحات الاسافير، و تحت عنوان لا يجهد في تمويه شبهة التحرش بجنس الذكور، فكأنها تفتح باب المنافسة و تتحدى كل من يأنس في نفسه الكفاءة أن يتقدم .و المرأة التي تحلم بالرجل في سرها شيء طبيعي لا يستنكره أحد، و قد يرده حراس الشريعة الى تأثير الشيطان ، كون الوضع الطبيعي في خاطر الذكور العربسلاميين القوّامين هو أن المرأة لا تحلم بهذا النوع من الأحلام،و ياحبذا امرأة لا تحلم و لا ترغب أو تشتهي.أما حين تفصح المرأة عن حلمها بالرجل، فهذا موقف جديد في مشهد العلاقات التاريخية بين الرجال و النساء في ثقافة العربسلاميين السودانيين.ذلك أن الحديث عن الاحلام امتياز ذكوري، و بالذات حين يكون موضوع أحلامهم النساء. فمنطقة الحلم هي منطقة حرية بلا حدود، كل شيء فيها جائز, و "كل شيء" تشمل حتى أكثر الرغبات السرية جنونا.هذه المنطقة هي منطقة الشيطان بلا منازع و بغير رقيب،( بخلاف مولانا سيجموند فرويد كرم الله وجهه) و من باب أولى يلزم حظرها على جنس النساء كافة.
لكن بنت الاحفاد تحلم و لا تبالي بما يصيب الذكور العربسلاميين المتقاطرين على بوستها البريء من روع و تأجيج.و هي كمثل الدّبّور الذي زعم علماء القرن الثامن عشر أنه ، حسب قوانين الفيزياء،فان الدبور لا يمكن أن يطير نسبة لاختلال العلاقة بين وزنه و طبيعة تكوين جناحيه. لكن الدبور يجهل قوانين الفيزياء و يطير و لا يبال بأحد.فما السر في طيران" بنت الاحلام" هذي بين الاسافير دون أن تطالها سهام الـ " ضكور" العربسلاميين القلقين على حقوقهم الموروثة من تقليد الاسلاف؟
سر بنت الاحفاد، في نظري الضعيف، يكمن في حرصها على التسربل بسرابيل القانون و بنصوص الشرع.و اللغة الحقوقية الدينية تنمسخ عند بنت الاحفاد نوعا من جلد واق يعصمها و يزيغ بصر الـضكور العربسلاميين" السجمانين" المتربصين بالاناث في شعاب الفضاء الاسافيري السوداني.و بنت الاحفاد في براءتها المشاترة لا تحيد عن مطالبها الحقوقية، كما الاعمى المسّكوه عصاية، و اذا كان الاعمى لا يدري أين يكون" نُصْ" العصاية من طرفها فان هذه الشابة المسلمة تمسك بعصاتها من حيث تروّع فلول العربسلاميين الذين انتفعوا لقرون بجهل النساء بثنايا القانون الشرعي.و بنت الاحفاد تعتصم بحبل الدين، دين الحلال البيّن و الحرام البيّن و تستغني عن "الامور المشتبهات"، فدينها هو دين الصحابة البدوي البدائي ، أو كما أوردت :" ان صلّت المرأة فرضها و حفظت فرجها قيل لها أدخلي الجنة".و بساطة الدين المختزل لحدود لائحة مضغوطة من الممنوع و المباح تجعل منه سلاحا عالي الكفاءة في منازعة الذكور العربسلاميين الذين استفادوا لقرون طويلة من التبسيط المجحف الجائر لمباديء الدين و وظّفوه لحماية امتيازاتهم.
و بنت الاحفاد في مشهد السوسيولوجيا فتاة بريطانية و مسلمة من أصل سوداني ( راجع الملف الشخصي في سودانيز أونلاين)
، و السودان في خاطرها، كما الاسلام، حلم طوباوي مقطوع عن الواقع اليومي،( "أنا لم أدرس في الاحفاد و لا حتى في السودان ، درست في بريطانيا" سودانيزأونلاين 4.مارس.2006)و لعل هذه الوضعية ، وضعية المراقب الخارجي لواقع السودان العربسلامي هي التي تيسّر لها الطيران بين الاسافير السودانية العامرة بالمحظورات و بالمثالب التي تلبّك خواطر نديداتها السودانيات و تثبّط من همم بنات جيلها اللواتي تمخضت عنهم سوسيولوجيا ذلك البلد الحار الجاف المتلاف.و هكذا فبنت الاحفاد في حمى السوسيولوجيا الاوروبية تنظر في الدين كنص و تعمل فيه آلة المنطق الحقوقي و تمسخه الى سيميولوجيا أدبية منزّهة عن شوائب الواقع الحي.و هذا الدين المختزل لبعده الحقوقي فقط يصبح عند بنت الاحفاد وطنا مثاليا لا تشوبه شائبة و لا يأتيه باطل . وطن ثالث يعوضها عن السودان ، وطنها الاول ( الجنة المفقودة) و يحميها من بريطانيا وطنها الثاني ( الجحيم الاضطراري).و رغم أن شباب العربسلاميين الذين علقوا على اعلان الزواج في سودانيزأونلاين لم يتوانوا في السخرية من سذاجتها البادية، الا أن نقطة قوة بنت الاحفاد تبقى هذا الايمان الباسل الذي لا يتزعزع في القانون.و القانون وطن يعول عليه بالذات تحت شروط انبهام الحدود بين العوالم و تداخل الحداثات.
و بنت الاحفاد تقبل قانون الشريعة ـ على علاته الجندرية ـ و تعلن الالتزام بمبادئة ، و تقول لمن لفت نظرها لغياب مبدأ المساواة بين المرأة و الرجل:"و لا و لن أسعى أو أحارب للمساواة مع الرجل، فأنا راضية بما كفله لي الله و رسوله من حقوق و واجبات". و الكلمة المفتاح في هذه العبارة هي " الحقوق"، ذلك أن الشرع في قراءتها يشكل فضاءا للمرأة فيه حقوق مكفولة مقابل الواجبات المفروضة عليها.و ضمن أرض القانون الاسلامي الذي يعرّف الحقوق و الواجبات لكل من المرأة و الرجل، يمكن للمرأة المسلمة المعاصرة العارفة بحقوقها منازعة الرجل في أمور كثيرة ما كانت لتخطر على بال جدتها الامية ، مثل حق تعريف شروط العقد مثلا.فحين يقول لها أحد محاوريها ساخرا:
"و بالمناسبة النوع ده مزواج جدا، و الله قال بي قولك لو طلع ليك من نوع الرجال البيقولوا المرة بيضربوها بي أختها"، ترد بنت الاحفاد الحقانية الشاطرة:" سأشترط عليه أن لا يتزوج غيري .."

تقول بنت الاحفاد مخاطبة بعض منازعيها الاسفيريين :" لا يمكن أن استمد دستوري الا من القرآن و السنة " و هي تعرف أن القرآن و السنة نصوص. وباسم النص يحق لها الغاء كل الممارسات التقليدية الموجودة و الفاعلة خارج النص. و من هذه الثغرة التي تفتحها جندرية مسلمة تقيم في بريطانيا، في استحكامات التقليد الذكوري السوداني يمكن للسودانيات ،المكبلات بقيود التقليد غير المكتوب في السودان، أن يتخفّفن من أثقال التقليد الكثيرة التي تلبّك حركتهن و في مقدمتها اثبات أن النص الديني ـ على علاته ـ يكفل لهن حقوقا، لأن التقليد الموروث من المجتمع البطرياركي قبل الرأسمالي في السودان يفرض على الاناث المسلمات وضعية هي دون الوعد المبذول في النص الديني. و في مشهد الحقوق تكتب بنت الاحفاد في سودانيز أونلاين بمناسبة " يوم المرأة العالمي"(8/3/2006):
" طالبي بحقك في أن تعرفي حقك
طالبي بحقك في أن يعود اليك كل حقك.."
هذه البلاغة الحقوقية النسائية بعيدة كل البعد عن بلاغة الضكور العربسلاميين السجمانين المنتشرين بين الاسافير، فكأن صاحبتها تقيم في الفضاء الاسلوبي للبيان الشيوعي : يا نساء العالم اتحدن.. فلن تخسرن سوى أغلالكن.و القرابة الاسلوبية في هذا الموقف لا تتأتّى من كون بنت الاحفاد من قراء البيان الشيوعي،( و كل شي في الحيا جايز) لكن لأن البيان الشيوعي ـ مثله مثل غيره من النصوص التاريخية الكبيرة ـ يلقي بظله الأسلوبي على الفضاء الادبي الذي يتخلق فيه الخطاب المطلبي الذي تهجسه شؤون العدالة و التغيير.و هذا باب للريح سأفتحه في مقام غير هذا المقام فصبرا.
و لو عدنا لـ " دستور" بنت الاحفاد المستمد من نصوص السنة و القرآن، فالنص كحقيقة أدبية تاريخية انما يرتهن بطبيعة الاستجابة ، النص مرهون بأنواع القراءات، و كل ذات قارءة تعيد خلق نصها على حسب مصالحها المادية و الرمزية. هذا الواقع يعدد من النصوص بتعدد الذوات التي تباشر القراءة و يطرح النص موضوعا للتأويل المفاوض بين الذوات المتضاربة المصالح.و المصالح طبقية .و في هذا الافق فان بنت الاحفاد، بنت الطبقة الوسطى العربسلامية المقيمة ـ بذريعة الدياسبورا ـ عند مفترق دروب الحداثات، تقرأ النصوص الدينية و تؤوّل و تفاوض ـ عفارم عليها ـ من اجل اثبات نسخة اسلامية حديثة من " حقوق الانسانة" المسلمة.و حين يناكفها بعض الذكور العربسلاميين بان الزوج المسلم يملك ، حسب الشرع، أن يتزوج عليها مثنى و ثلاث و رباع .تبرر بنت الاحفاد اعتراضها على حق تعدد الزوجات بالعبارة الوجيهة الحديثة: "سأشترط عليه أن لا يتزوج غيري، ليس اعتراضا على كلام الله لكن لأني لا أستطيع التكيف مع ذلك".و ان جاز لمبدأ "التكيف" أن يعطي بنت الاحفاد حق تقييد شرع الزواج الاسلامي فهو بالضرورة سيعطيها حقوقا أخرى في قائمة طويلة من الحقوق المهضومة منذ قرون طويلة ،حقوق الانسانة التي تكابد الحياة في مجتمع مسلم معاصر ضالع بكليته في مغامرة تعدد الحداثات المتناحرة.
ان كيد الجندريات المسلمات المتحركات وراء "ساتر " الحجاب الشرعي يستحق التأنّي كونهن يموّهن مطالب المساواة و التحرر، التي صاغتها الحركة النسوية الحديثة، في غشاء الخطاب الديني و يخضن في فضاء الاسلامويين و يعالجن النصوص الدينية و يفاوضن بحرية لا تتاح لنديداتهن التقدميات اللواتي اخترن المواجهة و "الدواس" المباشر. و يوم تتوصل الجندريات المقنعات و الكاشفات معا لتجسير الجزر المعزولة هنا و هناك و تدبير الاحلاف الاستراتيجية الضرورية في حرب التحرر الأنثوي العالمية الاولى و الاخيرة، يومها سيتاح لمجد الكيد النسائي العظيم أن يكون ، وسيكون روع و يكون خوف في معسكر الذكور السجمانين وستنتصر الحكمة على البذاءة وسيعم الارض السلام و هيهات و خلافه.و في خلافه عودة لمشهد القانون فصبرا.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

العزيز الماجد السلام (وما حاقول القدوس حتى لا تطالنى سيوف الانكشاريين السودانيين وهى هذه الايام خارج اغمادها – اللهم لا تبتلى الناشطيين السودانيين بالدفاع عن القاتل الترابى حتى ينال محاكمته اولا )

هون عليك - - او لا غبار عليك - - حين تقول:
"من شأن الحوار الديموقراطي الحقيقي أن يوصل الحوارات لنهاياتها المنطقية. ولكن هذه النهايات - في نظري -هي نفسها لا نهائية. ذلك لأن أشكال المنطق كثيرة وفروعه متعددة."
بلحيل دا العشم ...
انت قول "يبدو أنني سأموص سؤال الحمصة دا واشرب مويته مدوّدة "... واقول " انفى نفيرات " (مستلفه من م .ط. القدال) هذه البداوه ياصاحى ،، فالتعليم الصحى قد اذهب من تلك الحمصه اذاها .... يعنى ممكن تمص الحمصه ذات نفسها وليس سؤال الحمصه بس – ما عارف رأى الشرع فى دى شنو !!!؟؟؟ - معزره " للمسخه" ان تعدت خطا احمرا ما -

شكرا لايضاح "الشياخات" ،،، غايتو على قول حسن موسى بانو من الهنود وعربى وفرنسى الخ انا كمان موقفى الفكرى والوجودى مشابه فبعد عشرين عام حسومات فى شمال امريكا انا ايضا جوا كل الشياخات الفكريه والثقافيه فى آن (من سراية سيدى الهادى المهدى بالجزيره ابا – قروى من غير سوء – لغاية جلوسى المريب فى لجنة استشاريه لل GLBTQ
ومافى زول طالبنى تفسير المعنى – امشى قوقل سيرش او لل
Acronym.com -
وذلك بحكم وظيفتى فى قسم ال Access and Equity
بالبلديه ،، تحيا حقوق الانسان (بمركزيتها الاوربيه ذاتها) وتحيا المشاريع التقدميه التحرريه الهدايه ،،، وسبحان مغير الاحوال حتى صديقى عزت الماهرى "استغرب" باننى "استغربت" بلحيل فى احدى بوستاته فى الموقع الالكترونى اياه ----
وداخل حوش الشياخات دى ورغما عنها ندق الصخر ندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعا وفاكهة وابا .. ومادام الشياخات دى توسخ بسلطانها وهجمنتها وحظواتها " سنكون" فى قلبها النابض - وعقلها برضو- ننضف اذاها من نيو اورلينز لحدى فرنسا ... ولا شنو ؛؛؛
انت تسأل من قبل : نخش وين؟
والحق اقول: مانى خايف وبرضى شايف شوف نصاح – دا مشروع قصيده ولا شنو ؟؟؟
مرحب بال " الحوار الصارم المتقن" كما تقول فى شياخة سودان للجميع وكتابها – دى ظنيتا جندر سبيسفك ولا شنو يا ابكراسماعيل- البرره من عبداللطيف الفكى لحدى نجاة محمد على وايمان شقاق ...
فالى مشاهد بنت الاحفاد ذات "النصوص التاريخيه الكبيره" الما نفستويه – على وزن ال Grand narratives
ولا شنو يا محمد عثمان دريج اخانا القاعد معانا فى تورنتو

مع تحياتى
الفاضل الهاشمى
ايمان شقاق
مشاركات: 1027
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:09 pm

مشاركة بواسطة ايمان شقاق »

العزيز حسن موسى
سلامات
نعم تحايلت باستخدام اللون الوردي، وقصدت استعماله كإشارة للطريقة التي تُقدم بها هذه العادة البائدة فيتم إغراء الصغيرات بالذهب والملابس الجديدة والحنة وغيرها من مظاهر الاحتفال! وكيف يتحولن إلى عرائس مُصغرة (miniature brides!) لإقامة حد الخفاض عليهن.
أما خط الخياطة لا يغلق ابواب الجسد فحسب بل العقل والروح وإمكانية واحتمالات الاحتجاج.





الفنان عبد الماجد محمد
سلام وتحية
اعرف أن تصويري قد "يضرس"، ولكن هذه الـ "ضرسة" قد توخز الضمائر وتصحي العقول !

قرأت قبل سنوات في نشرة تصدرها جامعة الأحفاد إحصائيات بها إجابات للعديد من الاسئلة العويصة المطروحة، سأحاول إراد بعض منها هنا.
يمكنك كذلك تصفح هذا الموقع لمركز يهتم بصحة المرأة الافريقية (في ولاية ماساشوستس) ويشتغل بتوعية الامهات المهاجرات بأهمية التخلص من هذه العادة. فهناك عدد ليس بالقليل من الامهات في المهجر (من بينهن أمهات سودانيات!!) مازلن يمارسن الخفاض على بناتهن!
وقد أسست هذا المركز الطبيبة السودانية/الامريكية نوال نور، وستجد به إجابات للكثير الاسئلة.
The African Women's Health Center
https://www.brighamandwomens.org/africanwomenscenter/


شكراً على كلماتك، ارجو أن اكون قدر شوفة الآمال العراض.

تحياتي للجميع
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

مشهد النجو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الامثلة على غربة الجسد كثيرة تزحم مشهد الحياة اليومية للمسلمين بشكل درامي، و لو شئت قلت " ميلودرامي"، كونه لا يخلو من عنصر الفكاهة في أغلب الاحايين:
صديقة سودانية كانت تحضر لرسالة جامعية في باريس ، حكت هذه الحكاية التي أضحكت السودانيين و الفرنسيين في آن، و ذلك دون أن تكون بواعث الضحك متطابقة عند هؤلاء و أولئك.
كانت الصديقة التقدمية تتقاسم السكن الجامعي مع زميلة فرنسية. و بعد أيام من المخالطة قالت الصديقة السودانية أن زميلتها الفرنسية استوقفتها ذات صباح و على وجهها حزن و غم ، و قالت لها:
ـ يا فلانة يجب أن نتكلم بصراحة.
ـ نتكلم في ماذا؟قالت السودانية مندهشة. فردت الفرنسية:
ـ يا فلانة نحن أصدقاء و نتقاسم العيش و الملح، و لو كانت لدي أي مشكلة لكاشفتك بها صراحة حتى تساعديني على حلها. فبالله عليكي لو عندك اي مشكلة فلا تكتميها و حدثيني بما في قلبك، و سأفعل كل ما في وسعي حتى نجد لها حلا.
و لم تفهم السودانية مرمى الصديقة الفرنسية و تساءلت متعجبة:
ـ أي مشكلة تقصدين؟تكلمي بوضوح.
فقالت الفرنسية:
ـ يجب أن تعلمي بأن تعاطي الخمر في الخفاء لا يحل المشاكل ان لم يزدها تعقيدا، و لو كنتي بحاجة لمساعدة طبية أو نفسية يمكنني مرافقتك لمقابلة الاخصائيين ، لكن لا يجوز أن تستمري هكذا...فردت السودانية مندهشة:
ـ و ما الذي يجعلك تتصورين أني أتعاطى الخمر في الخفاء؟ فقالت الفرنسية بنفاذ صبر:
ـ لقد لاحظتك تحملين زجاجتك معك الى المرحاض أكثر من مرة.
فضحكت الصديقة السودانية و شرحت لها أنها مثل كل السودانيين المسلمين تعودت أن تذهب الى المرحاض بزجاجة ماء لزوم الاستنجاء( و الاستنجاء في لسان العربان يعني غسل موضع النجو، و هو ما خرج من البطن من ريح أو غائط)، و هي على كل حال لا تقرب الخمر و لأسباب لا علاقة لها بالدين .
حينما يحكي السودانيون هذه الحكاية فهم في الغالب يضحكون من واقع المفارقة الناتجة عن سوء الفهم الذي وقعت فيه الصديقة الفرنسية. لكن الفرنسيون الذين يسمعون الحكاية يضحكون أكثر حين يحاولون تخيل الهيئة الجسدية الاكروباتية التي ينبغي اتخاذها في ذلك المكان الضيق بسبيل انجاز طقس الطهارة الذي صممه قوم كانوا يكتفون بـ "الخروج الى الخلاء"، فتأمل في مدى الشقاء الذي أدرك هذا الجسد المسلم الحديث من واقع اصراره على اصطحاب جسد البادية في جغوب عمارة رأس المال.بيد أن شقاء الجسد المستنج قديم قدم حضارة التوحيد التي أسست لوجود الجسد على ثنائية" الطهارة/ النجاسة".فالاستنجاء بالماء او بغيره ما هو الا طرف في جملة تدابير كثيرة بذلتها ديانات التوحيد لتوجيه الجسد نحو مسار الطهارة.و خلاص الموحدين انما يكون بحيازة الطهارة و التخلص من أدران الجسد و الروح و هيهات هيهات و ألف هيهات كون النجاسة ، التي هي بنت الشيطان ، تظل ضرورية لتعريف حد الطهارة ضرورة الشر لتعريف الخير ، ضرورة الشيطان لتعريف الاله.جاء في الاثر أن آدم لما هبط في الارض اشتكى لجبريل، فقال له جبريل :" ما الذي أصابك؟ قال: أجد في نفسي قلقا و اضطرابا لا أجد الى العبادة منه سبيلا، و اني أجد بين لحمي و جلدي دبيبا كدبيب النمل، فقال له جبريل: ذلك يسمّى الجوع".و علمه جبريل أن يزرع الحنطة و يحصدها و يطحنها و يخبزها و يأكلها. " فلما استوفى آدم من الطعام شكا من بطنه و لم يدر ما هو.فشكا ذلك الى جبريل عليه السلام، قال جبريل :ذلك العطش، قال: قم اسكنه. فغاب عنه ثم عاد اليه و معه المعول و قال له : احفر الارض. فما زال يحفر حتى بلغ الى ركبتيه فنبع الماء من تحت رجليه زلالا، ابرد من الثلج و أحلى من العسل، و قال: يا آدم اشرب منه شربة. فشربها فاطمأن. ثم أنه بعد ذلك وجد تشكيا أشد من الاول و الثاني. فقال لجبريل : ما هذا الذي أجده؟قال : لا أدري.فبعث الله اليه ملكا ففتق قبله و دبره، و لم يكن قبل ذلك للطعام مخرج. فلما خرج منه ما آذاه و وجد ريحه بكى على ذلك سبعين سنة". قالوا أن ابليس مر بآدم و هو في حاله ذلك فلامه أدم على صنيعه" و قال له يا ملعون، أي شيء هذا الذي أحللت بي فغرّرتني و أخرجتني من الجنة و فعلت بي ما فعلت؟ قال:فبكى ابليس و قال : يا آدم اني فعلت بك ما تقول و أنزلتك هذه المنزلة، فمن فعل بي ما أنا فيه و أحلّني هذه المنزلة؟"( قصص الانبياء، لأبن اسحق الثعلبي ،المكتبة الشعبية، بيروت، بلا تاريخ ، ص 34 و 35 )و هكذا يبدو شقاء آدم هينا بالمقارنة مع شقاء ابليس لان أدم يتوسل بوسيلة التعليم ، تعليم الجسد بطقوس الطهارة، لتجاوز قدر النجاسة التي يفرزها البدن.و هكذا ينطرح الاستنجاء كطقس كفاح تطهيري لا ينقطع بسبيل النجاة من النجاسة، كون مادة النجاسة طرف أصيل في حياة الجسد.فالاذي يخرج من البطن حسب العبارة " ما خرج من البطن من ريح و غائط"، وعبارة" البطن" هنا تدل على مجمل باطن الجسد فكأن الجسد قمقم مسكون بمادة الأذى المتنوع المتجدد كل يوم.و هو أذى يفرض على الجسد كفاحا يوميا مثابرا على صيانة هذه الطهارة الهشّة الفانية التي يتهددها كل ما يخرج من البطن من ريح و غائط و بول و مني ودم و مخاط و لعاب الخ.هذا الكفاح اليومي لتزكية الجسد هو في صلب منهج التعليم الذي يؤسّس لـ" صورة الجسد" عند المسلمين.حيث الجسد الطاهر الزكي المنضبط و المتعال على طبيعة الحيوان هو الاكثر استحقاقا للوقوف بين يدي الله في الصلاة( " الصلة") و هو الاكثر قابلية على بناء الحضارة.لكن التقليد الثقافي العربسلامي يحيل " صورة الجسد" الطاهر الزكي المنضبط المتعالي على طبيعة الحيوان، الى جسد الذكر المسلم القوّام الملتذ المتمتع بما أعطاه الله من نعم بينها النساء.و في هذا المشهد يسعى الرجل المسلم لضبط أجساد الاناث الواقعات تحت "ولايته" الشرعية على اضمار أن أجسادهن، في مشهد الحقوق، ماهي الا امتداد لجسده المركزي القوّام.و في هذا المشهد، مشهد القوامة البطرياركية، تنطرح تدابير ضبط النساء المتنوعة من خفاض( طهارة؟) و تشليخ و زينة و كشف و حجاب وحبس(ببيت الطاعة) و" اطلاق(طلاق) بمعروف و ارجاع و هجر" في المضاجع"" وضرب" غير مبرح" الخ، كشأن رجال أولا و أخيرا.فالرجال هم الذين يعرّفون القانون و ما على النساء الا الامتثال.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »


مشهد المشط:
و الغربة التي يكابدها الجسد المسلم في السياق الحضري الحديث هي غربة كبيرة مركبة و متجددة تطال كل مجالات الحياة المعاصرة من بين المعمار و ما يحيط و ما يخيط و ما يدخل البدن و ما يخرج منه.ان النسخة الأوروبية من الوسائل و الادوات الحديثة المقصود منها تيسير الوجود المادي للبدن في المحيط المادي و الرمزي انما صُمّمت في مبتدأ الامر بيد الأوروبيين على أساس ذاكرة الجسد الأوروبي و احتياجاته.و أذكر أننا حتى منتصف الستينات كنا نعاني الامرّين من استخدام المشط الأوروبي التقليدي ذي الاسنان المتقاربة، المصمم أصلا للشعر الاوروبي الناعم.و قد كانت راحتنا عظيمة حين وصلتنا، بنهاية الستينات، الامشاط الـ " آفرو " التي عمّمها الأمريكان السود أبان حركة التمرد على مواصفات الزينة و الجمال الأوروبية التي تمت على هامش حركات أفريقانية مهمة في أمريكا ( القوة السوداء) و في أفريقيا( الكل أفريقانية).و مع بداية السبعينات انتبه الشباب " الرافض" في حواضر السودان لـ " الخُلال"، مشط البجا المعروف الموجود منذ أقدم العصور.و على طول السبعينات التي راجت فيها بين شباب الحواضر موضة الشعر الـ " آفرو" كان عاديا أن ترى الشبان و الشابات يمشون في الاسواق و الخلالات مغروزة في الشعر المنكوش.و استقبال أدوات الحياة الحديثة الوافدة من الغرب الاوروبي الرأسمالي النصراني هو في النهاية أحد سبل الانخراط العفوي للسودانيين في النسخة الأوروبية لثقافة الحداثة. و لا بد لفولة تاريخ الحداثة السودانية من كيّال واسع الحيلة لكتابة الفصل الذي يخص شروط تبني السودانيين لأدوات الحياة الحديثة و آلاتها المتنوعة من مواعين وأثاث و أزياء و سبل اتصال و معدات علاج و عمار و دمار مما جميعه.





مشهد الكرسي:
و اذا كان المشط ال " آفرو" قد لاقى ترحيب شباب السبعينات الذي كان يتجمّل برموز حركة المتمردين الأمريكان السود (" الفهود السود"آنجيلا ديفيز و ستوكلي كارمايكل ) ونجوم موسيقى البوب (" جاكسون فايف" و جيمي هيندريكس عليه السلام )، فهذا المصير لم يكن من حظ كافة الادوات الحديثة الاخرى التي نستخدمها اليوم دون أن يخطر ببالنا نوع الاسئلة التي كانت تطرحها على مستخدميها من جيل الاجداد.و في هذا تحضرني حكاية طريفة حكاها مرة ، في منتصف السبعينات، صديقي الأبيضاوي الفنان و الشاعر محمود" الكنود"، كما كان صديقنا الراحل أدم الصافي يناديه ضمن مشاكساته الحبيبة، و هي حكاية بعيدة المرامي في صدد غربة الجسد" التقليدي/ الحديث" ضمن حداثة اهل الحواضر. أذكر أننا كنا نثرثر في مسالة القطيعة الثقافية بين الاجيال التي تستخدم نفس الكلمات لتتكلم لغتين مختلفتين تؤسسان لسوء الفهم كأسلوب في التواصل.كان محمود يتحدث عن جد له متقدم في العمر، و أظنه كان بين من شهدوا آخر أيام الدولة المهدية. كان ذلك الشيخ الجليل في حالة معارضة جهادية مستمرة تدين كافة مظاهر الحياة الحضرية الحديثة التي تنضبط على ايقاعها التفاصيل اليومية للناس.ربما لأنه كان قد خبر زمانا كانت صورة الحداثة فيه ترادف معاني القهر و التقتيل و الدمار الرمزي العنيف الذي صاحب استقرار مؤسسات الحداثة الرأسمالية في السودان.
قال محمود أن بعض الجيران في الحي كانوا قد نصبوا سرادقا كبيرا في الشارع، صفّوا داخله الكراسي لاستقبال المدعويين على شرف عقد قران ابنهم.و قبيل العقد بدأ المدعوون يتقاطرون على مكان السرادق حيث يستقبلهم أهل الدعوة و يوجهونهم لحيث يجلسون على الكراسي في انتظار اكرامهم ببعض المرطبات كما جرت العادة.قال أن الجد حين وصل الى السرادق سارع بعض المستقبلين الى الاحتفاء به، و قدم له أحدهم كرسيا و قال له:
ـ اتفضل اقعد يا شيخ فلان.
قال محمود أن الشيخ نظر شذرا لمستقبليه و قال غاضبا:
ـ تقعّدوني على كرسي ليه؟ أنا لوطي؟
و قولة الشيخ الغاضب تؤشر لكون الجسد من خلال أوضاعه الحسية المختلفة انما يطرح تعريفا رمزيا للعلاقة مع المكان بما يحتويه من ناس و حيوان و أثاث و أدوات وخلافة.و طبيعة العلاقة التي يبنيها الجسد مع المجال الاجتماعي، في أبعادة المكانية و الزمانية، تؤطّر لبرنامج " تعليم الجسد" بما يؤهله للاندماج في جسد الثقافة السائدة، بكفاءة و اتساق.و قد وضعت عبارة " تعليم الجسد " بين الأهلة كونها تنطوي على معنى مزدوج لمفهوم" التعليم " الجسدي. فمن جهة اعني بـ" التعليم" مفهوم التربية الرمزية و التقويم الاجتماعي بما يحدد للانسان معنى حياة الجسد ضمن اطلاق الوجود.و من الجهة الثانية أعني بـ " التعليم" التعبير الكتابي، سواء في شقه الوسمي الذي يتحقق حين " يعلّم" الناس الجسد بعلامات غرافيكية غاياتها جمالية أوسحرية أو هويوية أو علاجية الخ.، أو في شقه الحركي الذي يتحقق حين "يعلّم" الناس بالجسد المتحرك نفسه، و التعليم بحركةالجسد، و بسكونه، بحر واسع متعدد المجالات بحسب نوع المنفعة المنتظرة من الحركة ( فيسيولوجية، مهنية، جمالية ،علاجية الخ).و في هذا المنظور المزدوج للكتابة الجسدية" يعلّم" الجسد عن ذاته و يعلّم بها في آن، و ذلك من خلال لغة مركبة عامرة بالدلالات الحسية و الرمزية.هذه اللغة هي لغة" لسان الحال" الجسدي الطبيعي. و أستخدم عبارة "الطبيعي" في معنى الحيوي الحيواني الأولي، بما يسوّغ لي موضعة لغة حال الجسد الحيوان قبل لغة " لسان المقال"، في عمق الذاكرة الحيوانية للانسان. لغة حسية تنضبط على ايقاعها لغة الرموز المنطوقة و تتأسس عليها معاني التصانيف الرمزية لأحوال الفرد و الجماعة. فجسد الرجل و جسد المرأة انما يكون كل منهما على أحوال تدعم من هوية صاحبه ضمن تعريف الجماعة لدوريهما، و كذلك الحال بالنسبة لأجساد الأطفال و أجساد الكهول ذكورا كانوا أم اناثا.فلا جسد ينجو من تحديد الجماعة لدوره و لهويته عبر جملة الوضعيات الجسدية المباحة و الممنوعة.بل حتى جسد الميت يخضع هو الآخر للتحديدات و الهيئات التي تُرسم له داخل أعراف الجماعة التي عاش و مات داخلها. و للسوسيواوجي الفرنسي " بيير بورديو" في كتابه " الحس العملي" نظرات سديدات في علاقة أحوال الجسد بالتنظيم الاجتماعي ، و ذلك حين يجعل من وضعيات الجسد الحسية بابا في التعبير تتأصل عنده بعض الأشكال التاريخية للتعبير اللغوي.فـ " الحس العملي، بوصفه ضرورة اجتماعية تحولت و صارت طبعا،و تحققت على حال النمط الحركي القائم على الأوتوماتية العفوية للجسد، هذا الحس العملي هو الذي يكسب الممارسات الحركية معناها الاجتماعي.و ذلك بما تنطوي عليه هذه الممارسات الحركية من أبعاد خفية معتمة تغيب على بصيرة من يؤدونها، و بما تتكشّف عنه من مباديء ذاتية مشتركة. و ذلك لأن قصور من يؤدي الحركة عن الاحاطة التامة بمراميها هو الذي يكسبها معنى يتجاوز معناها في وعي من يؤديها.
كل النظم الاجتماعية توظف تلقائيا قابلية الجسد و اللغة للقيام بدور مستودع للأفكار المُستدرَكة التي يمكن اطلاقها من على البعد، أو بشكل مؤجل، و ذلك بمجرد موضعة الجسد في هيئة تعبيرية قمينة باستدعاء المشاعر و الافكار المرتبطة بهذه الهيئة في الذاكرة الجسدية الجمعية.و أهل المسرح على وعي بمرامي هذه الوضعية الجسدية الاستقرائية، كوضعية مولّدة لتداعيات المشاعر و الافكار.و هكذا ، فان الاهتمام بتنظيم الاخراج المشهدي، " الميزانسين"، في المحافل الطقوسية لا يقتصر على منفعة اكساب الجماعة مظهرا ارتساميا و انما يتجاوزها، فيما تتكشّف عنه استخدامات الرقص و الغناء الجماعي ،لمنفعة أخرى ، أقل براءة، هي منفعة تنظيم أفكار المشاركين و توجيه مشاعرهم عبر الضبط المحكم لأحوال التعبير الجسدي في الحركة و السكون ، بين الضحك و البكاء.
و تتحقق الكفاءة الرمزية لفعل التسلّط على أجساد الآخرين و على معتقداتهم من خلال القابلية الجمعية للتصرّف تحت تأثير الآلية اللغوية/ الحركية المركبة المودعة في تلافيف النفس، و ذلك بما يتيح فرصة تحييد هذه الاجساد أو فرصة استنفارها بمجرد الاستدعاء الايمائي "(بورديو ص 116). و يذهب بورديو باستنتاجاته لنهاياتها المنطقية حين يرى أن تقسيم العمل بين الذكور و الاناث في موضوعة جنس العمل المؤنّث و جنس العمل المذكر على الصعيد الاقتصادي، مقابل عمل الجنس المؤنث و عمل الجنس المذكر في المستوى العاطفي، انما يتأصل في خاطر الطفل بالتوازي مع الوعي بالهوية الجنسية. و ذلك من خلال آلية السلوك اللغوي/الجسدي المودعة في لحم الكائن الاجتماعي و في روحه معا. "ان علاقة الاصل بين الطفل مع أبيه و مع أمه، و لو شئت قل مع الجسد الابوي و مع الجسد الاموي، هذه العلاقة التي تطرح،في خاطر الطفل أكثر الفرص جلالا بسبيل استشعار كافة التعارضات الاساسية للممارسة الشاعرية/الاسطورية، هذه العلاقة، لا يمكن أن تموضع نفسها في أساس عملية تخليق مباديء الانا و العالم، و بالذات ضمن اي علاقة جنسية سواء كانت جنسية مثلية أو جنسية مغايرة، الاّ بوصفها علاقة قائمة على موضوعات مميزة جنسيا (مُجنّسة) رمزيا و ليس بيولوجيا. فالطفل يبني هويته الجنسية التي هي عنصر مركزي من عناصر هويته الاجتماعية، في نفس الوقت الذي يبني فيه تصوره لتقسيم العمل بين الجنسين، و ذلك اعتمادا على جملة متداخلة من المؤشرات البيولوجية و الاجتماعية المتعارف عليها في مجتمعه.و بعبارة أخرى ، فالوعي بالهوية الجنسية و استيعاب الوضعيات المرتبطة بتعريف اجتماعي محدد للوظائف الاجتماعية المناطة بالرجال و النساء انما يتماشيان مع تبني رؤية اجتماعية لتقسيم العمل جنسيا.."
Pierre Bourdieu,Le Sens Pratique, Les Editions de Minuit, 1980, (p. 132)
و لو عدنا لجد صديقي محمود الذي يستنكف الجلوس على الكرسي ، ففعل الجلوس، كما الوقوف و المشي و الاضطجاع الخ..،ليس سوى وجه من وجوه البيان الجسدي الذي يطرح أساليب و ألوان في بلاغة لسان الحال ضمن المجال التاريخي للجماعة . و في هذا الافق يمكن فهم موقف الشيخ المتوجّس من العواقب الرمزية لفعل الجلوس على الكرسي بكون الجلوس على الكرسي ينطرح كانخراط طوعي في شرك الحداثة الاجنبية التي فجرت بأجساد المسلمين و مالت بالمجتمع عن جادة الدين ، سيّما و الرجل ينطوي على ذاكرة تقليد ديني يترمّز الكرسي فيه ضمن آلات القدرة التي تمتنع على العباد. فالكرسي في تعريفه الاداتي هو ما يقعد عليه من أثاث المكان و هو سرير الُملك و أساس السلطة و مقعدها. و في لسان العربان يقال:" اجعل لهذا الحائط كرسيا"، أي اجعل له ما يعمدة و ما يمسكه، ثم أن الكرسي في التقليد الصوفي هو" العلْم" فيما يسمون " أهل الكرسي" بين طبقات العارفين، و العلم سلطان.و قد جاء في كتاب " اصطلاح الصوفية" لمحي الدين ابن العربي تعريف للكرسي بكونه " موضع الامر و النهي" .و كل ذلك يجعل من الكرسي علامة جليلة للقدرة في ذاكرة المسلمين.و الى الكرسي ترجع اشارة السلطة المطلقة في تعبير " آية الكرسي" :" وسع كرسيه السموات و الارض.."( البقرة 255). و يحفظ سجل الادب الشعبي لكرسي السلطان صفحات شيقات في أدب التصميم التشكيلي. قال الثعالبي : أن سليمان عليه السلام" أمر الجن اتخاذ كرسي يقعد عليه للقضاء، و أمر أن يعمل بديعا مهولا بحيث لو رآه مبطل او شاهد زور ارتدع و بهت"(قصص الانبياء) فتأمل في حال آلة تنوب عن الراعي في تدبير العدالة بين أفراد الرعية...و يورد الثعالبي اسم الجني المصمّم لكرسي سليمان في لفتة ذات دلالة على صعيد التنكير شبه التام الذي يكابده المصممون المعاصرون الذين يمارسون التشكيل خارج فضاءات اللوحة و المنحوتة.قال:" فعمل له صخر الجني كرسيا من أنياب الفيل و فصّصوه بالياقوت و اللؤلؤ و الزبرجد و أنواع الجواهر و حفّوه باربع نخلات من الذهب شماريخها الياقوت الاحمر" .." و على رأس نخلتين منهما طاؤوسان من ذهب.و على رأس الاخيرتين نسران من ذهب.".." و جعلوا من جانب الكرسي أسدين من ذهب، على رأس كل واحد منهما عمود من الزّمرد الاخضر".." و كان سليمان اذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى فيستدير الكرسي و رجله فيها، و يدور دوران الرحى المسرعة، و تنشر تلك النسور و الطوائيس أجنحتها و يبسط الاسدان أيديهما و يضربان الارض بأذنابهما، و كذلك يفعل الكرسي في كل درجة يصعدها سليمان.."هذا ليس كرسيا و انما هو آلة سلطة، آلة جهنمية غايتها قهر الغلابة من الجن و الانس معا فيرتدعون و يبهتون بمجرد أن يقع بصرهم على كرسي سليمان.
على مثل هذه الذاكرة دخلت حداثة رأس المال الكولونيالي بآلاتها الجهنمية و أنواع أثاثها المادي و الروحي الذي فرضته على المسلمين و وطّنت عليه مؤسساتها السياسية و الاقتصادية و الادبية و عمّمت عليه أنماط سلوكها الجسدي الحديث.و ضمن ذلك التوطين" الثوري؟"( أي و الله " الثوري" و عجبي من ثورة ثقافية بغير ثوّار) ابتذلت الحداثة الكولونيالية كل قداسة الكرسي في الخاطر الشعبي و مسخته الى مجرد قطعة أثاث عادية اجبارية تؤثث خاطر المسلم بجرثومة الرمزية الاوروبية الوافدة مع الغزاة الامبريالين و ترسم حدودا غير مرئية بين جيل ماقبل كرري و جيل ما بعدها ..
وسواء في بعده الاستخدامي المادي أو في بعده الروحي، فالكرسي يغير من طبيعة العلاقة العفوية بين جسد البداوة و الارض.فالجالس على الكرسي ليس كمن يفترش الارض.كون الارض " التراب " و " البسيطة " مساحة مشاعة للجميع ، للسادة و للعبيد و للدواب الخ .وصورة الارض في الترميز الديني تنطرح " نعمة " و " مهادا" ، من مادتها خلق الله الانسان و اليها يردّه، و التعبير الشعبي التقليدي عامر بالمعاني الجمالية التي تؤسس لقيم الثبات و الديمومة في صورة الارض.في هذا المشهد لعلاقة الجسد التقليدي بالأرض يبدو الكرسي امتيازا اجتماعيا وراءه تراتب مادي و رمزي.و ينطرح فعل الجلوس على الكرسي كقطيعة مادية و رمزية مع الارض، كون الجالس على الكرسي في علاقة مختلفة مع الارض، علاقة أدخل في فعل الهيمنة على الارض منها في فعل الاندماج العفوي للكائن الحي في عناصر الوجود الطبيعي.و تتعدد المعاني الرمزية لفعل الجلوس على الكرسي حسب نوعية الشحص الذي يباشر فعل الجلوس و حسب ملابسات لحظة الجلوس.فجلوس الطفل في حضرة الكبار أو جلوس الأنثى في حضرة الذكور في الأمكنة العامة أو جلوس المرؤوس في حضرة رئيسه الخ، يطرح كل واحد منها قراءة مختلفة للعلاقة بين الاشخاص الموجودين حول الكرسي.فالمرأة ان جلست على كرسي أمام الرجال فهي تجلس بطريقة معينة يقرأها الآخرون وفق شفرة الخطاب الجسدي المضمرة بين أعضاء الجماعة المعينة.
و على المستوى العملي يبدو الكرسي في خاطر أهل البداوة كنوع من عسف الادوات على حرية الجسد كونه يطرح لفعل الجلوس نحوا مجلوبا من لغة جسدية مغايرة. فالكرسي يحدد من مساحة الجلوس بحسب سعة ماعون الجلوس و طبيعة تصميمه المادي.وطبيعة الماعون تفرض على الجسد هيئة محددة لا يكون الجلوس بدونها، فالجالس على الكرسي قد " يستبد" لكنه لا " يقنّب"أو" يصنقر"أو" يتوهّط" او" يتحكّر" أو " يبرك "مثلما هو لا "يتفرشخ" و لا " ينفشخ"و لا "ينطمل"أو"يندمس"أو ينطج" أو حتى " يعرز" كما " الاسد العََرزْ جُوّة الزريبة" في عبارة ود الفراش( عون الشريف، قاموس اللهجة العامية في السودان 1985). و عسف الكرسي على حرية حركة الجسد غالبا ما يجد تبريره في اقتصاد حركة الاجساد و سكونها ضمن تدابير حضارة العمل المأجور.فمؤسسات الحياة الحضرية الحديثة من مدارس و معامل و محافل و دواوين تعرّف لحركة الاجساد لوائح تنظم مستويات الحركة و السكون بطريقة تراعي اولويات الاقتصاد قبل أولويات الشخص الذاتية.و كل قطعة اثاث حديث انما تنطوي على برنامج المؤسسة التي انتجتها ضمن ما انتجت من أدوات و مفاهيم تنظيمية حديثة.و ضمن برنامج الكرسي الحديث يخاطر المنتفع به بالسقوط ، أو بكسر الاثاث، ان لم يجلس وفق مقتضيات اللائحة المضمرة في تصميم الأثاث.و لو تأملت في الطريقة التي يجلس بها بعض أهل البادية على الكراسي حين تضطرهم ملابسات الوجود في الحواضر على استخدام الكرسي للمست بسهولة نوعا من الضيق اللاحق بهيئة الجالس القلق المرتاب بآلة الجلوس الحضرية ، رغم أن نفس الشخص قمين بالاستقرار في يسر كبير متحكرا على سرج ضيق فوق سنام بعير منفلت.و جلوس البدوي عل الكرسي يمّيزه عن أسلوب جلوس الحضريين الذين يستقرون على الكراسي في يسر و عفوية و لا مبالاة وراءها تعليم غير منظور ممتد على طول الحياة.و يمكن من هنا المرور على " مخدة" الرعاة النيليين الخشبية المصنوعة من أعواد شجر الأكاسيا.و أنا أقول "مخدة " من باب المجاز كون القوم يسندون عليها رؤوسهم كما نسند نحن رؤوسنا( خدودنا بالأحرى) على المخدّة الطريّة المحشوة قطنا و ننام و نحن نعجب منهم كيف ينامون على عود عجيب يابس يقطع الفقر.
و عسف الادوات على الجسد يمكن أن يقيّم كشيء " طبيعي" في صميم قوامة الثقافة على الطبيعة، و أنا أضع صفة الـ " طبيعي" بين الاهلّة ، ضمن قبول المجتمع الطوعي لمنطق تثقيف الطبيعة و تمدينها و تربيتها كوجه من وجوه مكيدة البقاء الانساني الجمعي.لكن شتّان ما بين عسف ثقافة تمخضت عنها حياة الجماعة على طبيعة تكابدها هذه الجماعة و عسف ثقافة غالبة مهيمنة على ثقافة أخرى مغايرة لها و مغلوبة و خاضعة.و عسف الادوات الحديثة على أجساد العربسلاميين الخارجين من الهزيمة هو بعض من عسف ثقافة رأس المال على الثقافة التقليدية على مشهد الداروينية الثقافية.و احساس الفجيعة الذي يغلف استجابات العربسلاميين لغوايات الأدوات الحديثة النافعة انما يعبّر، في نهاية التحليل،عن حسرة النوستالجي الذي يحن لجراحة القديمة الحميمة التي تشكل بعض هويته الثقافية حتى و لو برّأته أدوات حداثة رأس المال الأجنبية من كل جرح ( و هيهات).



مشهد الملعقة:
كان عمنا عثمان يضحك كلما حكى حكاية ذلك الشيخ الفاضل من أهل " صُقْع الجمل" الذي جمعته عزومة على فطور من عصيدة بملاح تقلية مع بعض الافندية و الاعيان بمدينة النهود، كبرى حواضر كردفان في الاربعينات. كان وسط الصينية قدح عصيدة ساخنة " بوخها يلوي"، بينما اصطفّت حول القدح مجموعة ملاعق صقيلة تلمع كما الفضّة، فجلس القوم و تناول كلّ ملعقة يباشر بها اقتطاع لقم العصيدة و تقليبها في التقلية التخينة قبل تغييبها في فيه بأناقة حضرية عالمة، و الشيخ يرقبهم في حيرة و عجب.
ـ " اتفضل يا شيخ فلان".
ووضعوا الآلة المعدنية الصقيلة في يمناه.فتوكّل الشيخ و غرز الملعقة في قلب قبّة العصيدة الساخنة و عرّج بها على مرق التقلية قبل أن يفرغ محتواها في فمه.قال عمنا عثمان أن الشيخ جحظ و زهق و زفر و ازدرد اللقمة الملتهبة بصوت مسموع قبل أن يرمي الآلة المذنبة مستنكرا:
ـ " النصيبة... لا تجيبي خبر لا تودي خبر؟"
قال العم أنهم ضحكوا و حاولوا أن يشرحوا للشيخ تقنية الاكل الحضري الحديث و مزايا أدوات المائدة الحديثة، لكن الرجل سخر منهم بدوره و احتج بكون الاكل باليد يجعل الطعام أحلى مذاقا.( و قد سمعت مرة حكاية مماثلة يرويها الفرنسيون عن مناقشة حول مزايا الاكل بالأصابع بين نابوليون الثالت و أحد سلاطين العثمانيين).. و المشط و الكرسي و الملعقة لا يمثلان سوى الطرف الظاهر من جبل الادوات التي راكمتها الحداثة الاوروبية على الجسد السوداني التقليدي في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز عمر الجيل الاول من السودانيين المتعلمين.و قد مر زمان على المتعلمين الرواد اشتد فيه عراكهم بين أنصار البرنيطة و أنصار الطربوش و أنصار العمامة. في ذلك الزمان لم يكن بين المتنازعين من يتصور أن أولادهم و بناتهم يملكون أن يفتحوا ، في السبعينات ،مناقشة طويلة حول مزايا خميرة البيرة في فرد الشعر على طريقة " جيمي هيندريكس" و" آنجيلا ديفيس"، أو أن احفادهم( ناس محمد بهنس و قصي همرور)قد يتداولون الرأي في مزايا ضفائر "الراستا" الجامايكية، فسبحان مغير الاحوال من حال الى حال.
Enshrah Ahmed
مشاركات: 122
اشترك في: الخميس مايو 12, 2005 6:27 pm

Female Genital Mutilation in Sudan as an identity issue

مشاركة بواسطة Enshrah Ahmed »

Dears Hassan Musa, Alhashmi, Iman, Najat, Abdelmajed and the rest,

It took me sometime to decide whether to contribute to this discussion or not, though I was quite intimidated by it. My intimidation based on various grounds one of which is fact that I am an anti Female Genital Mutilation (FGM) activist.

The issue of FGM -not Female Circumcision or Female Sexual Organs Cut, as some people might want to call it, is a complex issue particularly in Sudan. FGM in Sudan has many representations in Sudanese public and private life. Here, I would like to share with you the debate on FGM as an issue of identity. In Sudan, there is an implicit and collective understanding that FGM is a prerequisite to prove the family’s Islamic and Arabic lineage i.e. it is a password to the Islamic and Arabic realm in Sudan. That is based on the fact that FGM is only practiced by the Arabised and Islamised population, many of whom would prefer to be called ‘Northerners’. As the National Islamic Front (NIF) has left none of our life aspects with out ‘damage beyond repair’, recent preliminary studies and observations have proven that, unfortunately, FGM has crept into new areas in Sudan particularly among the war displaced who wouldn’t have practiced it - if allowed to live in their own areas. It seems that the displaced have opted to practice FGM, as they would like to assimilate into the hegemonic Arabic and Islamic culture of the “North”, which is unfortunately “understandable”.

FGM is practiced by significant numbers of African countries whose justifications of the practice are neither ethnic nor religious. FGM in Africa is practice by Christians, Muslims as well as animists. Hence, for most of those African fellows, FGM is a pure African tradition, a situation that “Northerners” Sudanese would consciously avoid facing. The analysis here does not need any intelligence form me, because we all know that the “Northerners” had chosen to remove themselves from whatever linking them to their African ancestors. It is quite surprising as well as disappointing for some of them to discover that FGM is not being practiced by the vast majority of the Islamic and Arab countries. Their disappointment is based on their sudden discovery that they are not as Arabised and Islamised as they would wish to be i.e. their masters don’t do it.

For sometime I was following another discussion on FGM on a different Sudanese website where some participants came out with all sorts of arguments to justify FGM as a religious requirement with all its cloudy literature. A person can accept the discussion in its context, of course, however, I couldn’t believe my eyes when one of the participants wrote that “people in Saudi Arabia do not practice FGM because women in that country are veiled and they do not mix with men” hence their sexual organs should not be mutilated. I said to myself, if this is could constitute a valid argument to justify or not to justify FGM, then, what about Northern Nigeria where Sharia law is implemented, women are veiled as well as in absolute exclusion from men, why then is FGM practiced among Northern Muslims of Nigeria? Perhaps because they are just “Falata” i.e. their Islam is not as authentic as of the Saudis!!, as I am quite sure that what would have been his reply if he has been contested. It is an irony …I laughed again, here, if you don’t mind I would like to quote Dr. Frances Deng when he was interviewed by Sudan TV, sometimes last year. Dr Frances recalled a discussion, with one of his Northerner colleagues, on the issue of exempting Khartoum from Sharia law. What Dr. Frances said to his friend was “Why Khartoum could not be like Dakar” in terms of being a tolerant capital of a Muslim country. I think most of you are aware of the rest of this bitter story. Anyway, Dr. Frances friend’s reply was “For get it, those Africans do not know what real Islam is”.

FGM should be looked at as an old harmful traditional practice such as the “tribal marks” practiced by traditional communities in various parts of the world. However there is sinister element attached to FGM. This sinister element is - all forms of FGM- have been scientifically proven to be contributing to women’s psycho-sexual dysfunctioning-. The question is “WHY” a civilised nation would want to have half of its population sexually dysfunctional, with high rate of mortality during child birth. Or even high risk of death during the practice itself - in terms of many girls are left bleeding to death while they have been prepared to be the guardians of their tribe’s honour i.e. when the practice takes place. The vivid example here is the current FGM petition –Enaam- the Sudanese young girl who was left bleeding to death last December.

Sudanese people usually avoid talking about FGM, as all of you have agreed, particularly the so called “intelligentsia”. A friend of mine has said it well when the issue of FGM has come up in another context. He said, “yes we do not talk about FGM and when people talk about it, they should be very careful, because when you talk about FGM you talk about somebody’s mother or somebody’s sister”. According to this conversation it is clear that Sudanese people do not talk about FGM because of this SOMEBODY, who presumably a male figure. The sadness of the whole scene here is “Where is the mother or the sister herself” i.e. the unspoken part of the text, as some of you might like to call it...

Anyway, talking about FGM is painful as it reflects our gender, ethnic and religious identity crisis. For me, committing the act of FGM means total cheating and deception of the womankind in a patriarchal society. FGM is not only a reflection of the power relations and a clear portrait of girls’ and women’s positions in our society. FGM is a real indication of what a girl or a woman might mean in the collective and the individual memories of such a society.

Will get back

enshrah
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

مشهد العورة

انشراح
سلام
قرأت باهتمام كلامك عن الابعاد المركبة المتشابكة لموضوع الخفاض في السودان( بُعد الانتماء الهويوي/ بُعد السيطرة الذكورية التي تستهدف ضبط أجساد الاناث/ بعد اقتصاد الزواج البطرياركي/بعد التزكية الدينية" الطهارة"/بعد "الحياء السوداني" الخ). هذه الابعاد التي تجعل من الخفاض موضوعا شائكا يتحرّج السودانيون من الخوض فيه كونه كما تقولين:
« ..reflects our gender, ethnic and religious identity crisis »
و قد استرعت انتباهي ملاحظتك التي تناولتِ فيها تناقضات بعض انصار الخفاض ممن يتذرعون بغياب الحجاب الاسلامي، على الطريقة السعودية، لتسويغ الخفاض في السودان:
« I couldn’t believe my eyes when one of the participants wrote that « people in Saudi Arabia do not practice FGM because women in that country are veiled and they do not mix with men » hence their sexual organs should not be mutilated.. »
فالربط الذي يتم في خاطر انصار الخفاض الاسلاميين بين الحجاب السعودي و الخفاض السوداني انما يعتمد على مفهوم العورة في مشهد ثقافة الطبقة الوسطى العربسلامية في السودان،و "العورة" في لسان العربان تدل على القبح في قولهم:" عوّر عليه امره" في معنى قبّحه، و" عوّر عن فلان "في معنى كذب و ردّ عنه. و العورة هي ذهاب حس العين مثلما هي القذى في العين و الرمد و كل ما أعلّ العين و أوجعها. و الـ " عَور" بكسر الواو هو الشخص الرديء السيرة.و يقولون " فلاة عوراء" للأرض التي لا ماء فيها.و الاعوار هو ظهور العورة، يقولون "أعْوَرَ الفارس" في معنى: بدا فيه موضع خلل للضرب. و العَوْرة ج عورات هي الخلل في ثغر البلاد و غيره و يُخاف منه و هي كل أمر يستحيا منه .و العواربفتح العين او بكسرها هو العيب، يقال : سلعة ذات عوار، اي ذات عيب الخ( المنجد في اللغة).و حين يسقط مفهوم العورة على المرأة فهو يغطي بظله السلبي كافة صور وجودها المادي و الرمزي .فالأنثى عورة في معني الفتنة الوشيكة او القنبلة الموقوتة التي تتهدّد أهلها بالمحظور في اي لحظة و ذلك من واقع كونها انثى فقط.هذه الأنثى/ العورة/ المصيبة ،المعلقة بسبيبة الرقابة و الضبط المثابر من قبل أولياء أمرها، هي " قدح " مكشوف تغطيته واجب جمعي لكافة ذكور العشيرة حتى يسلم" الشرف الرفيع من الاذى" و هيهات.. .
الخفاض، في معناه الاجرائي، ينطوي على بعد معنوي قريب فحواه ضبط هذا الطرف من جسد الانثى الذي يترمّز كرأسمال لعشيرتها في مشهد تبادل الاناث ضمن قانون اقتصاد الزواج الذي يدبره الذكور. و الخفاض في معناه الأيديولوجي طرف من مفهوم حجاب الاناث باعتباره حجبا لعورة العورة.
.و حجب جسد الانثى/القدح/ العورة/ الفتنة في ذاكرة الثقافة العربسلامية انما يكون على اوجه كثيرة بينها الخفاض، الذي هو حجب للامكانية المادية للالتذاذ في الجسد المؤنّث، و بين وجوه الحجب الاخرى يكون صمت الجسد. و هو صمت أمام الرجال و كتم لكل ما يمكن ان ينبيء عن حضور الجسد من شاكلة رنين الحلي ("و لا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهنّ" ـ سورة النور 31)، اورائحة الطيب( كما في الحديث:" أيّما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية" ـ أبو داؤود و الترمذي و النسائي و أحمد).
وفيما وراء حجاب الخفاض، الذي تتولى تنفيذه النساء ،في انتظار" ود الحلال"، يبقى الزواج الاسلامي هو الحجاب الاكثر كفاءة بسبيل ضبط جنس النساء.و الزواج ،الذي يُكنّى عنه بـ "الستر" في بلاغة أهالي وادي النيل الاوسط ، هو زواج الاولوية فيه لبنات العشيرة. و هو واجب يُحثُّ علية "أولاد الحلال" المتوفرين ضمن ذكور العشيرة بعبارات مشهودة في بلاغة الشعب من نوع " غطّي قدحك" أو "استر عرضك".و من صورة الـ "قدح" في حرز الأب تنمسخ الانثى لصورة الـ " حرث" في حرز الزوج، لكنها تبقى رهينة الحجاب في كل حال.و ذلك طالما بقيت لها قيمة تبادلية في اطار اقتصاد الزواج.ويتسامح الشارع في حجاب الاناث اللواتي لا يقعن تحت طائلة الزواج بحكم العمر أو بحكم المركز الاجتماعي (الجواري غير مطالبات بالتحجّب و قد جاء في الاثر أن عمر بن الخطاب كان يضرب الاماء اللاتي يتجلببن و يتقنّعن و يتنقّبن تشبّها بالحرائر. و يذكر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنّعة ، فقال:اكشفي رأسك لا تشبهي بالحرائرـ الزيلعي، رفع الراية).و سماحة الفقه الاسلامي الذي لا يتشدد في حجاب الأنثى الطفلة التي لم تبلغ الحلم والانثى الكهلة التي لا يرجى نكاحها، تكشف عن جدل الحركة في الحجاب كجلد مفهومي أيديولوجي قبل أن يكون ساترا ماديا." الحجاب الفقهي ينطرح كجلد ثاني، جلد اصطناعي متحرك ينضاف للجلد الطبيعي يدعمه و يؤطره و يضبطة. و صفة الحركة تكسبه مرونة عملية عالية تمكنه من التكيف مع مقتضى الحال الفقهي.فللمرأة ان تضعه و تحكم من تحجبها أمام العين الاجنبية مثلما لها ان تخفّف من قبضته امام الاطفال او الرقيق " ( و سأعود لهذا الموضوع بتفصيل أكثر في الكتابة القادمة لنص "النظرة الثانية في كشف الحال و كيد الرجال"، و هو نص في موضوع الوسم الجسدي نشر في" جهنم "رقم 15، فبراير 2000 ).
و المفهوم الايديولوجي للحجاب يكشف عن كفاءته ضمن جدل الكشف و الحجاب الذي تنظم عليه الجماعة الحضرية العربسلامية في السودان تدابير تعليم و ضبط الجسد او " تقنيات الجسد "
« Techniques du cprps »
حسب تعبير مولانا " مارسيل موس" رائد الاتنولوجيا الفرنسية. و لو جاز لي ايجاز الغاية الايديولوجية للحجاب في ثقافة حواضر السودان العربسلامي ـ و هي غاية مغايرة لغايات الحجاب في مجتمعات الخليج أو السعودية اوشمال أفريقيا ـ أقول ـ بعد" هيهات" ـ ان الجماعة الحضرية العربسلامية في السودان انما (كانت؟) تنتفع بمفهوم الحجب المفروض على الاناث المبذولات في سوق الزواج لتسويغ فعل الانكشاف ضمن قانون تبادل الزيجات،فالحجب لا يستقيم بغير انكشاف.و أنا اعني بالانكشاف انكشاف جسد الانثى المحجوبة انكشافا كاملا ناجزا على رؤوس الاشهاد، و الانكشاف الناجز ضروري لتأسيس عقد الزواج ـ الذي هو عقد تبادل بين العشائر ـ على قيمة الوضوح التام بدون ادنى لبس أو عور.و اذا كان الحجب يدوم و يحتل الجزء الاكبر من عمر الانثى موضوع الزواج فان فعل الكشف القصير الخاطف و الفريد ينطرح كذروة للحظة الحظوة الكبرى في مسار حياة الانثى و هي تعبر من حال الى حال. هذا الكلام بهذه الطريقة المضغوطة لا يطمح لأكثر من الافصاح عن الغاية الرئيسية لمبحث " البعد الجمالي في جيوبوليتيك الجسد" الذي يشغلني منذ فترة.و هو المبحث الذي جرني اليه ،هنا، موضوع الخفاض في السودان ، و سأعرج على هذا المبحث من خلال معالجة موضوع رقصة العروس، و المسألة ـ في" تخليل" نهائي ما ـ هي مسألة بحث في التعبير التشكيلي في السودان من خلال مسند الجسد، فصبرا حتى استكمل مشاهد غربة الجسد المسلم عن صورته ضمن شقاق الحداثات المعاصرة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »


مشهد الساجدة

خالدة مسعودي معلمة و مثقفة جزائرية من أصل قبائلي، و هي معروفة كمناضلة نسوية و ناشطة سياسية معروفة بمواقفها المشهودة ضد سياسات الحزب الحاكم في التسعينات و ضد الضغوط التي تمارسها في حق النساء الجماعات الاصولية الاسلامية في الجزائر.و رغم أنها قد تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال من طرف بعض الاصوليين الجزائريين الذين لقبوها بـ " أخت الشيطان"، الا أن خالدة مسعودي تعتبر نفسها مسلمة و تقول في كتاب اصدرته مع الصحفية الفرنسية " اليزابيث شملا" في 1995 : "أنا مسلمة لكن الهي الذي اتوجه اليه لا علاقة له بالاله الذي يتوجه اليه القتلة و المغتصبون الذين ينتمون لجبهة الانقاذ الاسلامي"(ص 33).و في الكتاب/ الحوار الذي أجرته معها "اليزابيث شملا" تحكي خادة مسعودي عن علاقتها بالدين الاسلامي من خلال تجربة الصلاة التي كانت تمارسها بانتظام في سنوات شبابها الاول.تقول :
" كنت اصلي الى أن جاء يوم بدأت فيه هيئة الجسد في الصلاة تجعلني أحس يالاضطراب.بلا شك لأن تلك الهيئة كانت لها علاقة بكوني امرأة.فقد بدت لي وضعية السجود في انكباب الجسد و وضع الوجه على الارض مُذلّة.و أخذت ابحث في القرآن عن السبب الذي يبرّر هذه الوضعية و لم أجد شيئا.فقلت لنفسي: ان لله في خاطري فكرة جليلة و جميلة، و لا أدري ما الذي يجعلني انحط بهذه الفكرة بتبنّي الوضعية الجسدية للعبد المسترق التي جادت بها قرائح تجار الرقيق من بدو العربية السعودية، فلله في خاطرنا معنى مغاير. و من حينها عزمت على أداء صلواتي على غير طريقة المسلمين.و هكذا توصلت الى أداء الصلاة من خلال حركات أشبه باليوجا. و ذات يوم وجدني والدي في هذه الوضعية الجديدة فشرحت له قصتي. حذرني والدي قائلا:
ـ أنت لا تحترمي التقاليد. بل أنت تخرجين عليها، و يجب أن تعرفي أن ذلك سيجر عليكي المشاكل مع الآخرين، لأن السجود الذي ترفضينه يمارسه المسلمون في كل العالم، و بالنسبة لهم فأنت لا تصلّين.
قلت له:
ـ و بالنسبة لله؟
قال:
ـ بالنسبة لله نعم، لكن ذلك سيجر عليكي المشاكل مع الناس.
و رغم ذلك استمريت في أداء صلواتي على طريقتي، الى أن هلّت فترة امتحانات" الباكالوريا". و قبل شهرين من الامتحان رأيت التلميذات الاقل تديّنا ينقطعن للصلاة بغاية اجتياز" الباكالوريا" بنجاح، و بدا لي مسلكهن كما لو كان محاولة لرشوة الله. كان ذلك في عام 1977 .و خلصت من تأملاتي في أمور الدين و الصلاة الى هجران الصلاة و اعتبار العلاقة مع الايمان ومع الله مسألة شخصية.و هكذا تحوّلت بشكل نهائي الى مسلمة علمانية.."(ص 34)
Khalida Messaoudi, Elisabeth Schemla,Une Algérienne Debout, Flammarion, 1995
حكاية خالدة مسعودي مع حركات الصلاة تطرح بعضا من معاني أزمة الجسد المسلم المعاصر.فالدين الاسلامي يعلم المسلمين أن المرء لا يمتلك جسده كما يمتلك بعض متاعه أو بعض دوابه أو رقيقه. ذلك أن جسد المسلم ينطرح كمسئولية " عهدة " أو " أمانة" أو " وداعة" (وديعة) و كتكليف أكثر منه حقا.بل أن للجسد على المرء حقوق كما جاء في الأثر"..و لبدنك عليك حقا ، فاعط لكل ذي حق حقّه".جسد المسلم هو في ملكية الخالق، و في لغة الايمان فالانسان بكليته ، جسدا و روحا،انما يتعرّف كعبد مملوك لخالقه ، بل أن النسبة الوحيدة الممكنة بين الانسان و الله هي نسبة عبودية الاول للأخير، " و الخلق عبيد الله".
و في هذا الافق تنطرح حركات صلاة المسلمين ، و قل :" صلتهم" مع الخالق كتعبير عن قبول علاقة العبودية و استبطانها و تمثّلها في لسان الحال كما في لسان المقال.و في وضعية الركوع و السجود معنى التخلي عن كل هيئة يخلاف هيئة التسليم و الخضوع و الامتثال التام لمشئة الخالق التي ليس وراءها مشيئة، كما يذكر لسان مقال المصلي عند كل حركة بأن " الله اكبر".و الاسلام ليس الديانة الوحيدة التي تعبر عن العلاقة بين الانسان و الاله من خلال وضعيات الركوع و السجود، فمعظم الديانات السماوية و الارضية تتبنى وضعيات حركية مشابهة كالانحناء و الركوع و الانبطاح و تمريغ الانف على التراب الخ.غير أن المعاصرين من أولاد المسلمين و بناتهم، من نوع خالدة مسعودي ، مضطرون اليوم لاعادة النظر في الاسلوب الذي يعبرون به عن امتثالهم لمشيئة الخالق.ذلك لأنهم ، من واقع التربية الجسدية التي تلقوها، على مرجعية "صورة الجسد" في النسخة الاوروبية النصرانية لحداثة رأس المال،صاروا يقيمون على قطيعة متفاقمة مع "صورة الجسد" المسلم المحفوظة في أضابير الفقه الاسلامي. وخالدة مسعودي نموذج طيب للسواد الاعظم من مسلمي الطبقة الوسطى الحضرية، الذين يشكلون الفئة الاجتماعية الاكثر تأهيلا لانجاز مهمة الاصلاح التاريخي الضروري لدمج جسد الدين في سياق الحداثة.و خالدة مسعودي و أبناء و بنات طبقتها من المسلمين المحدثين يطرحون سؤال غربة الجسد المسلم بشكل حرج، ذلك ان هؤلاء المسلمين الذين انخرطوا بشكل نهائي في أحابيل صورة جسد السوق الأوروبي النصراني المتعولم، يجدون انفسهم بشكل مفاجيء، و بدون تحضير فكري مسبّق، أمام موضوعة " الخيار" بين الاسلام و حداثة رأس المال في نسختها الاوروبية.و غالبا ما يهجسهم السؤال: هل نحدّث( و " نُؤورب") الاسلام أم نؤسلم حداثة السوق؟و قد وضعت عبارة " الخيار" بين الاهلّة لأن هذا التساؤل نفسه انما هو تساؤل حداثي غير وارد عند المسلمين الذين يحيون خارج واقع الحداثة ( ان بقي بين المسلمين من فلت من طائلة الحداثة).و مهما كانت طبيعة الاجابة فان من يعالجها انما يتحرك داخل الاطار المرجعي لآيديولوجية الحداثة الغربية.
و آيديولوجية الحداثة الغربية بحكم تخلّقها ضمن ضرورات السوق الرأسمالي، و من واقع موقفها المهيمن فان امر " الخيار" الذي قد يتخيله المسلمون المحدثون يظل غير وارد في أفقها، يعني " عينك فوقه تركب فوقه" ،أو كما قال.و لسان حال سدنة السوق و حرس منظمة التجارة الدولية يقول للمسلمين أن يحدّثوا من الدين أو أن يديننوا من الحداثة، بطريقتهم،لكن المهم هو أن لا يعترضوا و لا يضايقوا نظام السوق و السلام.و هذا هو مغزى غربة الجسد المسلم المعاصر كونه ينطرح كقنطرة أخيرة من التناقضات بين الدين و الحداثة.
لقد اختتمت خالدة مسعودي حكايتها بعبارة:" و هكذا تحوّلت بشكل نهائي لمسلمة علمانية". و عبارة " مسلمة علمانية " التي اطلقتها خالدة مسعودي تلخّص في كلمتين كل اشكالية برامج الاصلاح التي اطلقها المسلمون الاصلاحيون في المجتمع الاسلامي المعاصر الذي تتفاقم فيه الصعوبات الوجودية و الاجتماعية على المسلمين الواقعين تحت طائلة الحداثة الرأسمالية فيتساءلون " ما العمل ؟" و هم، بين حيص و بيص، في ذلك الموضع الحرج من وزّة الحداثة.و بما أن العزائم تأتي على قدر أهل العزم، فقد تمخضت حركة الاصلاحيين الاسلاميين عن أشكال و الوان من أهل الاجتهادات الحداثية،فمن القوم من اختار صيانة الاسلام البدائي ـ و قيل " الابتدائي " ـ الموروث من السلف الصالح و السلام.. و السلام؟ سلام شنو يا زول؟قول :" و الحرب " عديل في حالة المتطرفين من شاكلة جماعة التكفير و الهجرة و الطالبان و القاعدة و القائمة تطول...ثم أن هناك بين الاسلاميين الاصلاحيين من " ينحاز " لقضية الحداثة كما ينحاز المسيحيون البورجوازيون لقضية الطبقة العاملة. و هؤلاء هم اولاد و بنات مسلمي الطبقة الوسطى من الثوريين الطوباويين الاماجد الذين جعلوا من الماركسية مذهبا خامسا ، على هدي ابي ذر الغفاري، و لي بينهم اصدقاء الدّاء و اعداء اعزّاء ، و لله في خلقه شئون. و بين اهل الافراط و أهل التفريط يمتد براح حداثي اسلامي واسع يراوح فيه الاسلاميون " المتصالحون" بأنواعهم ، من أهل الاسلام المتعلمن و العلمانية المتأسلمة.في هذا المشهد ينطرح اسلام الطبقة الوسطى الحضرية في المجتمع الاسلامي المعاصر كعقيدة يهجسها هم الاصلاح، عقيدة تتخللها قناعة عميقة بضرورة التحوّل للانسجام مع منطق الحداثة الصليبية المتعولمة التي تستعجل المسلمين، في كل مجال و على كل حال ـ و بالتي هي أحسن ـ حتى يعيدوا صياغة مقتضيات وجودهم المادي و الرمزي بما لا يتعارض و منطق السوق، و الاّ..و الاّ ماذا؟ و الاّ أصابهم عقاب و حصار و قصف و تدمير من طرف سادة السوق و حلفاءهم.ان صورة العالم الاسلامي كما يحبّذها سادة السوق الرأسمالي المتعولم تبدو في افق الصراع الراهن على صورة عبارة خالدة مسعودي: عالم اسلامي علماني، و السوق في تحليل ما هو آلة توحيد نهائي للمواصفات التنظيمية ، الانتاجية و الاستهلاكية. و هي آلة لا تطيق الاستثناء أو التسويف الذي قد يعترض أداءها بذريعة الميراث الثقافي لهؤلاء او لأولئك.آلة السوق لا تطيق الثقافة الا كترس اضافي يرفع طاقتها الانتاجية.
هل سينتهي شقاء المسلمين بامتثالهم لمقتضيات حداثة السوق و اعلانهم بقبول علمنة الاسلام على طريقة خالدة مسعودي؟ لا، و ستين لا..ان مشاكل المسلمين لن تنتهي عند هذا الحد، أعني حد العلمانية التي يملك المسلمون اختيارها و توليفها و تكييف الاسلام عليها من باب " الدين تلته و لا كتلته". فالعلمانية" خشوم بيوت " ،ولخبراء منظمة التجارة الدولية، بلا شك، نسختهم الخاصة من الاسلام المعلمن ـ و لو شئت قل : نسختهم الخاصة من العلمانية المؤسلمة ـ ( مثلما لهم نسختهم الخاصة من الديموقراطية و من حقوق الانسان ) و هي النسخة التي تتم صياغتها ابتداءا ، و انتهاءا ،بمقتضيات تحفظ للأوروبيين مركز الحظوة في ساحة السوق العالمي.و سيأتي يوم يموت فيه المسلمون العلمانيون من شاكلة خالدة المسعودي كمتطرفين آيديولوجيين ـ و قيل كارهابيين عديل ـ اذا تعارضت علمانيتهم الاسلامية مع علمانية خبراء منظمة التجارة الدولية. " الحي بشوف" كما جرت عبارة الاهالي، و من يتأمل في مشهد التحولات الدينية و السياسية المتسارعة، التي تتم في بلدان اسلامية مختلفة ، تحت ضغوط سادة السوق الرأسمالي المعاصر يملك أن يتصوّر نوع الشقاء الذي ينتظر المسلمين الـذين ناموا، " قافلين" على " تلت الدين ".و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

الأستاذ حسن موسى.. تحياتي وودي..

ظللت أتابع هذا الخيط منذ بدايته، استيناسا بموضوعه (أو مواضيعه بالأحرى)، وطريقة تناوله.. ورأيت أن كتابتك (مشهد الساجدة) شدتني للمشاركة بالتعقيب..

شدني حديثك عن خالدة مسعودي، كنموذج رؤية شخصية ل"مسلمة علمانية"، وكنموذج "طيب" سقته أنت "للسواد الاعظم من مسلمي الطبقة الوسطى الحضرية، الذين يشكلون الفئة الاجتماعية الاكثر تأهيلا لانجاز مهمة الاصلاح التاريخي الضروري لدمج جسد الدين في سياق الحداثة"، على حد تعبيرك..

سأحاول التعقيب على هذا الموضوع من عدة زوايا..

زاوية: خالدة مسعودي ومفهوم الدين..

أوضاع السجود والركوع، وبعض حركات صلاة المسلمين الأخرى وتوابعها (كالوضوء) بصورة عامة ليست حصرا على منهج العبادة في الدين الإسلامي، وهو أمر قد أشرت له أنت أيضا (والهندوس والبوذيين بتوضوا وبركعوا وبسجدوا عديل، والكتابيين عندهم السجود وغيره من شبه صور العبادة في الإسلام، كما هو مشهور).. غير أن خالدة المسعودي، كما يبدو، لم تلتفت لهذا الأمر، بدليل اختيارها لحركات "أشبه باليوجا" بديلا عن وضع السجود، رغم أن حركات اليوجا (أو منهج اليوجا بالأصح) هي في الأساس جزئية من منهج العبادة الهندوسي الأصل، وهو منهج يتضمن السجود والركوع وغيرها من حركات الخضوع والتسليم للقوى الخالقة، وباصطحاب نفس مفاهيم الخضوع التام لها.. وأوضاع اليوجا في حد ذاتها هي أوضاع تتخذ لضبط الجسد وتكبيل غرائزه التي تترجم إلى حركة دائمة، تفتقد للسكون الواعي والتسليم وترك الفعل (inaction).. واليوجا ليست منهاجا حركيا فقط (أي في صورة جلسات وأوضاع معينة)، كما هي التصويرة الحديثة لها في السوق الرأسمالي (مما قد يتسق بعض الشيء مع حديثك عن سيطرة السوق وتطويعه لمفاهيم الدين نفسها عند الشعوب لصالحه)، فاليوجا، مثلها مثل أي ممارسة جسدية دينية، لا تقوم بمعزل عن العقيدة الدينية.. ورغم أن الترويج العام لليوجا في الغرب اليوم يحاول تقديمها بهذه الصورة، إلا أننا، وباستمرار، نرى أن من يقرر متابعة هذا الخط بجدية من الغربيين ينتهي به المطاف إلى التعرف والتقدير للعقيدة الهندوسية (وسليلتها البوذية)، وإلى نمط حياة قريب، في استلهامه الروحي، لمعيشة الهندوس أو البوذيين، ولو صدر عن تسليم بالخلفية المسيحية، أو حتى العقيدة المسيحية نفسها (أو إحدى عقائدها بالأحرى).. والأمثلة على هذا الأمر كثيرة ومتواترة، بداية من اقتناء التماثيل الهندوسية والبوذية، وأشكال ثقافتها الأخرى من الموسيقى والكتابات والملبس والتعابير اللغوية وخلافه.. لأن خلاصة تجربتهم مع اليوجا، واحتكاكهم بأهلها، تفضي بهم إلى المعلومة الضرورية الماثلة في أن المنهج الديني في العبادة لا يقوم بمعزل عن العقيدة الدينية التي تطرحه.. هذا علاوة على الأمثلة الأخرى الصريحة فيمن بدلوا دينهم من المسيحية إلى الهندوسية أو البوذية (أو البهائية أو السيخية، حتى الإسلام نفسه.. الخ)، والعكس صحيح، بنسب متفاوتة (وهنا نذكر الإحصائية التي لم تقصر أجهزة الإعلام الأمريكية في التشديد عليها منذ ما بعد سبتمبر 2001، من أن الإسلام هو الديانة الأكثر نموا، من حيث عدد المعتنقين، في الولايات المتحدة اليوم)..

والهندوسية والبوذية (صاحبات اليوجا) أشد غلظة في ضبط وتكبيل الجسد من الديانات الكتابية، بصورة عامة، حتى متصوفي أولئك لهم مع الزهد والتقشف حكايات تفوق مثيلاتها (عند التعميم) بين متصوفي هؤلاء.. وعليه فإن خالدة مسعودي لم تفعل، في هذه الجزئية، سوى أن استجارت من الرمضاء بالنار.. هذا دون أن ندخل كثيرا في تفاصيل أن المعنى الديني، أيا كان، هو في الأساس يعتمد على مفهوم "العبودية" كما ذكرت أنت، أيا كان هذا الدين، والعبودية تقتضي المذلة، في مستوى من مستوياتها، من جانب العبد تجاه الرب.. هذا صحيح، غير أن العبودية (والمذلة) ومفهومها في هذه العلاقة يختلف اختلافا كبيرا في المقدار مع مفهوم العبودية بين البشر.. فالعبودية في الدين بصدد كرامة الإنسان، حين يصوب التزامه (الظاهري والباطني) تجاه القوى المطلقة (تجاه مثل عليا)، وبهذا لا تكون للقوى الأصغر منها (في إهاب الناس والسلطة والمال وغيره) سلطانا عليه، إذ أنه ليس عبدا لها، ولا يدين لها بولاء أو طاعة..

أما قولها (ان لله في خاطري فكرة جليلة و جميلة، و لا أدري ما الذي يجعلني انحط بهذه الفكرة بتبنّي الوضعية الجسدية للعبد المسترق التي جادت بها قرائح تجار الرقيق من بدو العربية السعودية، فلله في خاطرنا معنى مغاير)، فهو قول يمكن أن نقيس عليه لنعرف سبب استبدالها لحركة السجود بحركات "أشبه باليوجا".. وهنا سوف يظهر خلل كبير في منهج التفكير.. واقع الأمر أن رسالة الإسلام، وهيئة الصلاة، لم تكن فكرة تاجر رقيق، وقد كان أوائل أتباعها من العبيد كما كانوا من تجار الرقيق، وكلهم كانوا يصطفون سوية، ويقومون بنفس الحركات الجسدية في الصلاة، بما فيها تلك الوضعية.. هذا علاوة على أن "قرائح تجار الرقيق" تنطبق هنا على كل شعوب العالم في تلك الحقبة التاريخية، وليس فقط "بدو العربية السعودية".. وهذا علاوة أيضا على أن تاريخ الإسلام نفسه في نبذ علاقة الذل الغائرة بين السيد والعبد، في نظام العبودة (الاقتصادي والثقافي)، هو تاريخ يتحدث عن نفسه منذ بداياته.. وفي اليد الأخرى، نجد أن حركات اليوجا هي حركات قوم يسجدون لشيوخهم (وأحيانا ينبطحون بكليتهم)، كعادة أصيلة في نظامهم الديني، وهم نفس القوم الذين يؤطر دينهم، في نسخته المتجمدة الرجعية، لنظام التفرقة الحازمة، منذ الولادة، إلى أسياد وعبيد، وأطهار وأنجاس (نظام الطبقية الهندوسية المعروف)..

خلاصة ما أريد قوله من هذه الزاوية هو أن المشكلة ليست في أن تتبنى خالدة مسعودي ما تشاء من طقوس العبادة، أو حتى أن تلفظها كلها، فذاك شأن شخصي، ولكن في النهج التبريري الذي ساقته كمنطق وتعليل لتصرفاتها وقناعاتها الشخصية.. حتى في قرارها "هجران الصلاة و اعتبار العلاقة مع الايمان ومع الله مسألة شخصية"، فمنهجه التبريري غريب، إذا نظمناه في عقد واحد مع استنتاجاتها السابقة.. وكأن "اعتبار العلاقة مع الإيمان ومع الله مسألة شخصية" يقضي تباعا (أو بالعكس) إلى هجران الصلاة!

زاوية: غربة الجسد في المفهوم الديني..

قولك (حكاية خالدة مسعودي مع حركات الصلاة تطرح بعضا من معاني أزمة الجسد المسلم المعاصر.فالدين الاسلامي يعلم المسلمين أن المرء لا يمتلك جسده كما يمتلك بعض متاعه أو بعض دوابه أو رقيقه. ذلك أن جسد المسلم ينطرح كمسئولية " عهدة " أو " أمانة" أو " وداعة" (وديعة) و كتكليف أكثر منه حقا.بل أن للجسد على المرء حقوق كما جاء في الأثر"..و لبدنك عليك حقا ، فاعط لكل ذي حق حقّه".جسد المسلم هو في ملكية الخالق، و في لغة الايمان فالانسان بكليته ، جسدا و روحا،انما يتعرّف كعبد مملوك لخالقه ، بل أن النسبة الوحيدة الممكنة بين الانسان و الله هي نسبة عبودية الاول للأخير، " و الخلق عبيد الله")..

النظر لأزمة الجسد المسلم المعاصر من هذه الزاوية يعني تلقائيا أن هذه الأزمة مودعة في أجساد أتباع الأديان الأخرى أيضا، والمسيحية منها، حيث أنها أيضا تحمل صورا من التذلل والخضوع في العبادة (حتى النسخة الاوروبية المتعولمة منها، رغما عن الصورة المثالية لما يتمناه نظام السوق)، وأيضا يمكن الحديث هنا عن الكاثوليكية ومشكلتها العالمية المعاصرة في منعها (بصفة دينية) لاستخدام موانع الحمل في العلاقات الجنسية (هذا طبعا بعد التجاوز الفعلي الذي تم للتقرير الكاثوليكي الأساسي في فعل الجنس كخطيئة (من قولة تيت) حتى في إطار الزواج الشرعي (وهو من أبغض الحلال عند الكاثوليكية)، ناهيك عن ممارسته خارج إطار الزواج أساسا، حيث ينشط سوق موانع الحمل)، وهو وضع تعاني منه الشعوب الكاثوليكية الأفريقية أكثر، حيث يرتع الإيدز وأخوانه، والشعوب يمنعها "ورعها" من أن تستخدم موانع الحمل في علاقاتها الجنسية (الغير شرعية في معظمها)!.. ومن ثم المشكلة التابعة لهذه في منع الإجهاض (بصفة دينية أيضا.. يعني ما في ملكية للجسد بالمرة).. وهذا هو الحال مع بقية الأديان، إذ أن طبيعة الدين (كمنظومة فكرية تقتضي منهجا سلوكيا) تقضي بأن لا يتصرف متبع الديانة المعنية في جسده كما يحلو له، وإنما وفقا للقانون المنهجي لديانته في شتى النشاطات الجسدية..

كما أن المفهوم الديني، خصوصا في الإسلام، يقضي بعدم ملكية المسلم لأي شيء في الأساس.. فالدين الإسلامي لا يميز بين ملكية الجسد وملكية المتاع والدواب والرقيق، وإذا نظرنا لاعتبار الأولويات، فهو لا يملك المتاع والدواب والرقيق قبل أن يصل الأمر إلى فقدان ملكيته لجسده، وليس العكس.. إذا كان الدين الإسلامي يقضي بأن "الإنسان بكليته، جسدا وروحا، إنما يتعرف كعبد مملوك لخالقه" فمن باب أولى ليس هناك أي شبهة ملكية له على "المتاع والدواب والرقيق".. وكل ذلك إنما هو "عهدة" أو "أمانة" أو "وداعة"، وكتكليف أكثر منه حقا، على حد تعبيرك..

وبعد الاتفاق في أن مفهوم الدين فعلا لا يعطي الإنسان براحا مع جسده (مما لا يكفي للتوافق مع متطلبات النسخة الحداثية من السوق الرأسمالي)، بل وحتى خواطره، في سبحات أعلى ((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن.. إن بعض الظن إثم)) ((وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)) (وهذا لا ينطبق على الإسلام فقط).. بعد هذا نأتي إلى مسألة "غربة الجسد المسلم"، وطرحك لخالدة مسعودي، في تعبيرها المزعوم عن هذه الغربة، كنموذج "للسواد الأعظم من مسلمي الطبقة الوسطى الحضرية، الذين يشكلون الفئة الاجتماعية الاكثر تأهيلا لانجاز مهمة الاصلاح التاريخي الضروري لدمج جسد الدين في سياق الحداثة"، على حد تعبيرك.. لا أستطيع أن أرى كيف تكون خالدة مسعودي فعلا هي هذا النموذج، أو إذا كان هذا تقرير مبني على شواهد إحصائية أم على مشاهدة وتحليل شخصي.. ولكلا الحالتين تناولا مختلفا، وكلتاهما قابلتان للتداول، فالمشاهدة والتحليل الشخصي هي أداة أساسية من ضمن أدوات المفكر الاجتماعي، بمعزل عن الشواهد الإحصائية..

بيد أن الموضوع الأهم الآن هو قضية "غربة الجسد المسلم" نفسها، ومكانها من موضوع الحداثة، وانعكاسها المفترض على وضعيات الصلاة (كما يمكن أن يفهم من سياق نصك كاملا).. فالغربة هنا، بهذا المعنى، تصبح غربة أجساد جميع أتباع الأديان، وليس المسلمين فقط، كما أن المجتمع نفسه، من خلال وضعه لأعراف وتقاليد مختلفة (في كافة المجتمعات، الأوروبية وغيرها) إنما يعرض نفس المسألة من غربة جسد المواطن، وبذلك يصبح الموضوع موضوعا إنسانيا شاملا، في مواجهة نظام السوق الرأسمالي، ولا علاقة له بالجسد المسلم تحديدا..

وعند هذه الزاوية، أرجو السماح بإدلاء رأي شخصي في علاقة الجسد "المتدين" مع ذات المتدين (أو روحه بالأحرى)، فالمنهاج الديني يقوم في الأساس على عملية توحيد البنية البشرية، بمعنى "فض التعارض" أو "فض الغربة" بين الظاهر والباطن (اقرأ "الجسد والروح")، وهو يطرح نفسه، كمنهاج، بناية على هذه الفرضية، وهي أن الجسد في حالة غربة، من دوافع بيئية عدة (نظام السوق وزيادة)، ويحتاج إلى منهاج لتوحيده مع الذات، وهذا المنهاج يوفره الدين (أو يزعم أنه يوفره، كتعبير أكثر حيادا).. هذا هو جوهر الطرح الديني منذ بداياته التاريخية، وهو أول من أقر بواقع "غربة الجسد" بشمول العبارة، ولكنه يقدم منهاجا لحلها، لا للإمعان فيها.. فمشكلة الجسد المسلم اليوم، أو أي جسد متدين آخر، ليست في أن المنهاج الديني هو سبب غربته، وإنما في أن المنهاج الديني يحتاج للمزيد من العناية، أو أنه منهاج فاشل في الأساس، لكنه، في كلتا الحالتين، ليس هو سبب غربة الجسد المغترب أصلا.. أعتقد أن توضيحي لرأيي هذا قد يساعد القارئ في استفهام مرجعيتي الفكرية في المشاركة في تحليل علاقة الجسد المسلم مع نظام السوق الرأسمالي المعاصر، فغربة الجسد، في نظري، لن يفضها حتى الإندماج الكامل في ثقافة نظام السوق الرأسمالي، هذا إذا لم يزد فيها..

زاوية: الدين والسوق الرأسمالي..

قولك (و آيديولوجية الحداثة الغربية بحكم تخلّقها ضمن ضرورات السوق الرأسمالي، و من واقع موقفها المهيمن فان امر " الخيار" الذي قد يتخيله المسلمون المحدثون يظل غير وارد في أفقها، يعني " عينك فوقه تركب فوقه" ،أو كما قال.و لسان حال سدنة السوق و حرس منظمة التجارة الدولية يقول للمسلمين أن يحدّثوا من الدين أو أن يديننوا من الحداثة، بطريقتهم،لكن المهم هو أن لا يعترضوا و لا يضايقوا نظام السوق و السلام.و هذا هو مغزى غربة الجسد المسلم المعاصر كونه ينطرح كقنطرة أخيرة من التناقضات بين الدين و الحداثة)..

هذا قول دقيق ومفصح في مجمله عن واقع معاصر.. أكثر من ذلك فإن الخيار نفسه في (تحديث الدين وتديين الحداثة) ضيق جدا، فنظام السوق يريد النسخة الأكثر منفعة له من هذا "التحديث" أو "التديين" (كما ذكرت أنت أيضا، في فقرة تالية)، غير أن أحيانا، فإن هذا التحديث أو هذا التديين يجري بصورة مختلفة عن ما قد نترقبه..

نظام السوق قد دخل في صراع طوائف الأديان واستقطب منها ما يزيد منفعته، وأحيانا تكون منفعة السوق في غير النسخة "الحداثية" من الدين، حسب مفهومنا العرفي للحداثة.. فنظام جورج بوش الإبن لم يتبن خط الحداثة الديني في انتخاباته الأخيرة، وإنما استقطب الجماهير الأمريكية الأصولية في دعايته الانتخابية، وجعل من الكنيسة مركزا للترويج لها (قضايا الإجهاض وزواج المثليين والحرب على الإرهاب "الإسلامي")، وقد أفلح في نهاية المطاف، كما رأينا، في الفوز بالانتخابات بهذه الحيلة.. نظام السوق بصورة عامة لا يتبع منهجا معينا، فهو ينظر مكان مصلحته المباشرة، ويصوب نحوها، وعليه فإنه ليس في محل الدعم للحداثة الدينية أو للأصولية الدينية، فكلتاهما تغدو صديقته حين يحتاجها، وعدوته حين تضيق على نحو من طموحاته العريضه المتنامية.. قبل عهد قريب كانت طالبان، الممعنة في الأصولية الإسلامية (أي ضد الحداثة تماما) حليفة للبيت الأبيض، من أجل التخلص من التهديد السوفييتي، وبين ليلة وضحاها أصبح الحلفاء أعداءا.. ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، وجورج بوش الإبن يستلطف الأصولية المسيحية لكي تدعم غزوه للعراق (وندع الحديث عن أفغانستان جانبا لبرهة)، بمسميات وأجندة ممعنة في الأصولية (رسول المسيح الذي أتي ليخلص أرض اليهود من أعدائها المتربصين، لكي يهيء الأسباب لعودة المسيح إلى أرض الميعاد)، وفي نفس الوقت الذي كان يستلطف فيه "الحداثيين الإسلاميين" في الضفة الثانية بأحاديث الديموقراطية والليبرالية والحرية الدينية والتعايش الديني ونبذ الديكتاتورية (صديقة اليوم والأمس في السعودية) ورفيقتها الأصولية الإسلامية (حليفة الأمس).. والأمثلة تكثر في هذا الصدد..

فنظام السوق، إذا، ليس ذا مصلحة معينة في حداثة الإسلام أو أصوليته، بل هو يلعب على الوترين، وحيث كانت المصلحة عند أحدهما، وكذلك يفعل بالأصولية المسيحية (واليهودية، وغيرها).. نظام السوق، باختصار، ليس نظاما منهجيا، يقصر دعمه على مدارس فكرية معينة، فهو ليس من متعاطي الفكر أساسا.. نظام السوق يزدهر وينتعش حيث الاضطرابات، والاضطرابات لا تكون إلا بوجود الأضداد، وبوجود صورة العدو ماثلة بشكل دائم في المخيلة، سواءا كان عند الحداثيين أو الأصوليين، وبهذا يلجأ كل طرف لقوة الرأسمال كلما "اتزنق"، ويستغله رأس المال لمصلحته كلما وجدها عنده، في تلك اللحظة وفي ذلك الموقف..

وعليه فقد يأتي زمن قريب، تكون فيه خالدة مسعودي، بإسلامها العلماني (أو علمانيتها الإسلامية)، شديدة التحرر بالنسبة لنظام السوق، وبشكل يجب معه ضبطها وإعادتها بضع خطوات إلى الوراء (حسب الطلب)، أو قد يحدث العكس أيضا.. غير أن العبرة الأساسية من هذا الديالكتيك (المتجلي في هذه المرحلة في صورة جبروت نظام السوق) هي أن عملية الحداثة الإسلامية لا سبيل لها، لكي تصل لما هو منشود عندها، إلا بالإنتباه لخطر نظام السوق، والحرص منه، ومحاولة اتقاء مكائده قدر المستطاع.. بغير ذلك، فإن أي فكرة إسلامية حداثية سوف تئد نفسها إذا قررت الانصياع لنظام السوق، بصورة أو بأخرى.. وما قيل عن الحداثة الاسلامية يقال أيضا عن المدارس الحداثية في بقية الأديان، ونعتها بالحداثة (أي مدرسة دينية معاصرة) يتوقف فقط على مدى اتجاهها نحو تطوير مشروعها الديني في إطار المجتمع، وطريقة طرحها لمضمونها الإنساني بلسان اليوم، لحاجة إنسان اليوم، وهو إنسان قد ضاق ذرعا، ويزداد ضيقا كل يوم، بنظام السوق وظلم الرأسمال.. وبغير اصطفافها (أي المدارس الحداثية) في صفه (أي هذا الإنسان) فسوف تظل غربة جسده ماثلة، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..

ولك المحبة..
Conventional is neither neutral nor convenient
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و يسألونك عن الروح..
ـــــــــــــــ
قصي
يا صاحب" الروح"
" قلت خذ روحي فقال الروح لي خل دعواها و هات الجسدا".(يا لها من عبارة)..
سلام جاك يا زول و شكرا على القراءة المتأنية و على الكتابة الرشيدة ،
و أنا يا صاح بين قراءك و أتابع ما يرد هنا و هناك و اتوقف كل مرة عند هذه العبارة الغميسة التي تلخّص بين ثناياها كل اشكالية أدب الجسد في الوعي الديني الذي اورثتنا اياه ديانات التوحيد. تقول ، حسب رأيك الـ "شخصي"(و هل يُعوَّل على رأي غير شخصي؟) " في علاقة الجسد " المتديّن" مع ذات المتديّن(أو روحه بالأحرى)" ـ و انت هنا تفترض التطابق بين معنى" الذات" و معنى "الروح" ـ، تقول:" فالمنهاج الديني يقوم في الاساس على عملية توحيد البنية البشرية بمعنى " فض التعارض" او" فض الغربة" بين الظاهر و الباطن(اقرأ " الجسد و الروح") .."أها يا قصي ترجمة الظاهر و الباطن بـ " الجسد و الروح" دي ما واقعة لي.منو القال انو الفي الباطن دا روح؟و اذا قلنا :" الجسد" دا ياهو جسد " أُم شمّامة و أُم دمّامة" المبوّظ على الموحّدين أمور دينهم، زي ما مبوّظ على الرأسماليين أمور دنياهم، بعدين الروح دي شن نفرها؟ الروح دي شنو؟ و جات من وين؟ و ماشة وين؟
و أنت تزعم، بغير حذر، ان الدين " هو اوّل من أقر بواقع "غربة الجسد" بشمول العبارة ". و لا يغيب على فطنتك ان الدين(كما السحر) ظاهرة تاريخية ظهرت في لحظة معينة من تطور المجتمع الانساني، مثلما لا يغيب عليك، بالتالي،ان غربة الجسد قديمة قدم المجتمع و انها ظلت ، و ما زالت ، تتخلّق و تتشعب ضمن تناقضات الوعي الفردي بحاجات الجسد في علاقتها بتناقضات الوعي الجمعي.و لن يغيب على فطنتك ، بالتالت،أن غربة الجسد ستبقى بعد ان تنقضي ضرورة الدين او بعد ان يستبدله الناس بوسيلة أخرى أكثر كفاءة( كوسيلة الفن او وسيلة الرياضة مثلا).و عليه فان كان زعمك بحظوة الدين و سبقه من باب التعبير الديني الايماني " ساكت" فلا جناح عليك ،و لن أنازعك في منطقة الايمان ،أو كما قال :" لكم دينكم و لي دين" ـ وأنا يا صاح على دين مولانا ابن المقفع لا أبيت ليلتي على غير دين.
قالوا أن ابن المقفّع كان قد عزم على اشهار اسلامه، و ذلك ضمن سعيه لتهيئة نفسه لوظيفة الكتابة لدى الخليفة المنصور.و قالوا ان الرجل أسرّ الى عيسى بن علي، عم المنصور،رغبته تلك، ففرح به عيسى و جلسا يتعشيان و يتفاهمان في تفاصيل الاشهار المنتظر في صبح اليوم التالي في المسجد.
قالوا ان ابن المقفع قضى ليلته تلك في معية عيسى بن علي، و قالوا ان عيسى استيقظ في منتصف الليل على صوت ابن المقفّع و هو يزمزم بشعائر صلاة مجوسية، فكلّمه في ذلك وذكّره بأنه سيدخل دين المسلمين مع الفجر.
قالوا أن ابن المقفع قال لعيسى:" اني لأكره أن أبيت ليلتي على غير دين".
أقول: و اذا كان زعمك بحظوة الدين و سبقه في خصوص غربة الجسد مستقلا عن موقفك الاعتقادي فهذا الزعم ، بشكله الراهن، لا يؤدّي، كحجة، في مناقشتنا الراهنة ما لم تدعمه بالمزيد من الايضاح، سيّما و أنت ـ من مرجعيتك الفكرية الدينية ـ توافقني في بعض استنتاجاتي التي ولّدتها أنا من مرجعية فكرية متنائية عن الدين( و هيهات).
, في تحليل نهائي ما، أظن أن فرضية فض التعارض أو فض الغربة بين "الجسد و الروح" ، حسب عبارتك، انما تنفعك في تسويغ ثنائية المادة و الروح ضمن اشكالية الوجود المادي للانسان عند تقاطع التاريخ و الجغرافيا.و مقولة" المادة" مقرونة بمقولة" الروح" هي نوع من حصان طروادة مفهومي يهيّيء للروح براحا غير مبرر على المشهد المادي الذي يستعر فيه الصراع بين الفرقاء الاجتماعيين. و هو براح ينتفع به القابضون على المقدرات و الخيرات المادية للمجتمع، ممن تعودوا على تخدير الفقراء بأحابيل روحية عجيبة من كون المال والماديات و متاع الدنيا الزائلة لا تصنع السعادة و لا توفر الخلاص ،و أن الخلاص الحقيقي هو خلاص الروح الى آخر كلام الدعاة الدينيين.و من وراء الروح يتسلل جيش عرمرم من المفاهيم " الصوفوية" الذاتية الاعتباطية التي تمتنع على اي قياس او ضبط عقلاني من شاكلة" الباطن"( ضد الظاهر و " الشريعة عليها بالظاهر" كما جرت العبارة الجبارة) أو" العاطفة" (ضد العقلانية ، او كما قال مقطوع الطاري ليوبولد سيدار سنغور الشاعر الكبير و عميل الامبريالية و منظّر الجمالية العرقية في عبارته المشهودة التي مازال الفنأفريقانيون من كل لون يحتفون بها:
"العاطفة زنجية مثلما العقلانية اغريقية"
« L’ émotion est nègre, come la raison hellène »
Liberté, négritude et humanisme, Editions Seuil, 1964.
و على هذا المشهد يباح اختزال تركيب ظواهر الوجود في مقابلات جاهزة من نوع " الشرق" ( ضد الغرب) و " التقليد " (ضد الحداثة) و " الفن " (ضد العلم) و " الخيال"( ضد الواقع) و الثقافة( ضد التجارة) و الروح( ضد الجسد) الخ..
أها يا قصي شوف حتى زولك دا، الزول الانت قلت ليهو :" خذ روحي".ياخي دا زول نجيض ما بنغش و عارف مصلحته وين،" روحك اعمل بيها شنو؟" قال ليك: "هات الجسدا" ... شفت كيف؟.

عصبة خالدة مسعودي
ـــــــــــــ
أما بخصوص خالدة مسعودي ، أنا معاك انو الزولة دي مشاكلها كتيرة ، و الماعارف يقول عدس.و أنا زاهد في تصحيح فكرتها عن اليوجا أو عن تاريخ الاسلام.و لا يغيب عليك ان خالدة مسعودي نفسها غير مهتمة باليوجا أو بتاريخ الاسلام، فهي كناشطة سياسية تنتفع بالتمثّل الدارج لليوجا كما سوّق له الاعلام الشعبي مثلما هي تنتفع بالتمثّل الدارج للاسلام في الخاطرالشعبي الجزائري الذي يتصوّر ان الاسلام اختراع سعودي أو افغاني.و على هذا يمكنك قياس منسوب الوعي بالدين عند " بعض" قادة الرأي في بلد كالجزائر.غير أن الشاهد في الامر هو أن خالدة مسعودي ـ مثلها مثل كافة الجزائريين الاماجد ـ تتمسك بالاسلام بطريقتها في تعبير " المسلمة العلمانية".و حتى لا أطيل عليك فخالدة مسعودي انما تُعلّق من عصبتها العلمانية الخاصة بها ، و أنا لا أدافع عنها هنا، لكن استغرابك من تبريرها ترك الصلاة متذرّعة بأن" العلاقة مع الايمان و مع الله" مسألة شخصية"، هذا الاستغراب يبدو لي غريبا حين يصدر من شخص بمثل مرجعيتك الفكرية الدينية.و يا حبذا لو أبنت بتفصيل أكثر في هذا الامر سيّما و أن موضوعة مفهوم الصلاة و تعريف طبيعتها و غاياتها هي منذ الستينات في قلب المناقشة السودانية التي احياها الاستاذ محمود محمد طه بخصوص تحديث الدين و أنت أدرى.
أما تعريجتك على" نظام الطبقية الهندوسية المعروف" الذي يعتمد" التفرقة الحازمة منذ الولادة، الى أسياد و عبيد و أطهار و أنجاس" فقد قرأتها، ُمغرضا ،كما لو كانت تزكية مجّانية لرق المسلمين على رق الهندوس، سيّما و انت تقول "ان المفهوم الديني، خصوصا في الاسلام، يقضي بعدم ملكية المسلم لأي شيء في الاساس".أها ناس " ما ملكت ايمانهم " ديل تعمل معاهم كيف؟ وما قولك في مزيد من الايضاح في هذا الموضوع، موضوع الرق في الاسلام ؟.
تنويه
ـــــــــ
و بعدين ياخي أنت تقول:" من باب أولى ليس هناك اي شبهة ملكية له على "المتاع و الدواب و الرقيق"..و كل ذلك انما هو" عهدة" أو" أمانة" أو " وداعة"، و كتكليف أكثر منه حقا، على حد تعبيرك.."و قد ضايقتني عبارتك " و كل ذلك" التي انتفعت بها في الربط بين مدخل الفقرة في خصوص ملكية" المتاع و الدواب و الرقيق" و عجزها في خصوص ملكية الجسد.فقد بدا لي أن العبارة بهذه الصيغة تخلق التباسا قد يحوّر مرمى كلامي و يجعل القاريء يفهم الاقتطاف الذي أوردته عنّي على اساس ان ملكية المتاع و الدواب و الرقيق تتساوى مع ملكية الجسد في كونها كلها عُهَد و تكاليف و أمانات و ودائع.خاصة و أنت تختم الفقرة بعبارة :" على حد تعبيرك".و عبارتي ببساطة تعارض بين مشروعية ملكية المتاع و الدواب و الرقيق و لا مشروعية ملكية الجسد.و لذا لزم التنويه كما تقول العبارة .

لا تبصق في سنغافورا
ــــــــــــ
لقد وردت مداخلتك و أنا اكتب" مشهد الاقعاء" بالاشارة لـ "مارسيل موس" أدناه. و قد وقعت لي عبارتك في جرح حينما قلت أن " النظر لأزمة الجسد المسلم المعاصر من هذه الزاوية يعني تلقائيا أن هذه الازمة مودعة في اجساد أتباع الاديان الاخرى أيضا.." ذلك أنها تجمع بين المسلمين و المسيحيين و اليهود و البوذيين و غيرهم من أهل الاديان الأرضية في سرج واحد على دابة السوق العايرة. قصي ، هل سمعت بحكاية بصاق الصينيين في سنغافورا؟
الصينيون في تقليدهم يعتبرون البصق دليلا على حسن التربية و كمال الصحة.كون البصق يتيح للشخص الممتليء عافية أن يتخلص من افرازات الجسد.و هكذا فقبل عقدين من الزمان كان الناس يقبلون البصاق في الامكنة العامة و في الحافلات بسماحة ظاهرة كأمر عادي.و كان من الشائع ان يقوم الصيني الجالس قبالتك في البص بارسال بصقة كبيرة بين قدميك متبوعة بنظرة باسمة لا تخلو من زهو.و في عام 1984 حاولت الحكومة حث المواطنين على مزيد من الاحتشام في مسالة البصاق في الامكنة العامة،فشرعت توزع على الصينيين أكياس من البلاستيك ليودعونها بصاقهم.غير ان اكياس البلاستيك لم تجد فتيلا.لان منظرالصينيين و هم يخرجون اكياسهم ليبصقوا فيها قبل القيام بطيّها و ايداعها جيوبهم من جديد كان أمرا غير محتمل.وبعد لأي توصلت الحكومة اليوم الى سن قانون يمنع البصق في الامكنة العامة، و كل من يقبض عليه متلبسا بالجرم المشهود يعرض نفسه لغرامة تبلغ ألف دولار.(أنظر : دليل ماليزيا سنغافورا في
Petit Futé, country guide, Malaisie Singapour, 2006/2007
و اذا كانت عاقبة تعبير جسدي في بساطة البصق تملك ان تجر على اهل سنغافورا أوخم العواقب المادية فما بالك بعواقب التعبيرات الجسدية الاخرى الأكثر جسامة؟

فكر السوق
ــــــــ
قصي، بقيت ملاحظة أخيرة تتعلق برؤيتك لنظام السوق.فأنت تقول:
"فنظام السوق ،اذا،ليس ذا مصلحة معينة في حداثة الاسلام أو اصوليته،بل هو يلعب على الوترين، و حيث كانت المصلحة عند احدهما، و كذلك يفعل بالأصولية المسيحية( و اليهودية و غيرها)..نظام السوق ، باختصار،ليس نظاما منهجيا، يقصر دعمه على مدارس فكرية معينة، فهو ليس من متعاطي الفكر أساسا.."
أوافقك ان نظام السوق انما يتبع مصلحته المادية حيثما كانت مع الاصوليين الاسلاميين او مع الاصوليين النصارى أو مع الاصوليين الصناعيين اليابانيين او مع الاصوليين الماركسيين اللينينيين الماويين في الصين او مع الشيطان نفسه.لكني لا اوافقك على غياب المنهجية و غياب الفكر عند سدنة نظام السوق.فآلة السوق الناشطة اليوم انما تعمل على منهجية عالية التركيب وعلى جهد فكري متقدم و مستفيد من جملة المعطيات العلمية و السياسية و الاقتصادية التي راكمتها الثقافات الانسانية على مر القرون.و كل الجهد المنهجي و الفكري لنظام السوق يمكن تسميته بـ " آيديولوجيا السوق" انما يستهدف صيانة و تنمية المصالح المادية للطبقة التي تمسك بمقاليد السوق.و نظام السوق يا صاح لا يستنكف عن الأيديولوجيا كما يفعل " أهل الروح" من" أعدقائي" و أصدقائي الشعراء و الغاويين الميامين الذين تروّعهم شُبهة الآيديولوجيا و تفسد عليهم بهجة التأمل الفكري الصافي المنزّه عن المصالح المادية .و قد قرأت من قبل كلاما عجيبا للصديق بشرى الفاضل يحذّر فيه من مغبة الآيديولوجيا على مستقبل الديموقراطية و التنمية في السودان و يوجه بضرورة الغاء" الحمولة الآيديولوجية" و الركون لبيوت الخبرة التقنية الموسومة بعبارة ال" ثينك تانك" و لا حول و لا قوة الا بالله. و أظن ان كلام بشرى ورد في الخيط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 398b2#6946
المعنون:
في الديمقراطية والثقافة ومناهج النقد: موضوعات

كما قرأت في خيط آخر مناقشة بين الصديق النور حمد و الصديق الراحل الخاتم عدلان في نقد الموقف الآيديولوجي و علقت عليها في الرابط المعنون
حسن موسى في معرض "آفريكا ريميكس" بمتحف الفن الحديث
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 398b2#3200
وقد وعد النور بالعودة لهذا الموضوع.
و قبل أسابيع وقعت على مقابلة مع رئيسة حركة" حق" تقول فيها بالحرف: "..
ستظل حق تبشر ببرنامج سياسي غير ايديولوجى ، يسعى لتحقيق أهداف حتمية وضرورية للمرحلة ، وتبشر بوحدة كل القوى الديمقراطية لتحقيق مشروع النهضة الشاملة" .
( قول: يالنبي نوح ) وأنظر الرابط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 2187d0549e
8e398b2
و المناقشة في موضوع الايديولوجيا في هذا الوقت الراهن من عمر التجربة الايديولوجية الحديثة تنفرض على الجميع بغير استثناء و قد تتعدد مداخلها لكن منتهاها سيظل يردنا ـ بطريقة او بأخرى ـ الى قدر" اللحم الحي" الشقي، هذا القاسم المشترك الاعظم الذي يلبك وجودنا الرمزي و يشدنا الى شرط حيواني لا ننتمي اليه و لا نطيق تخليا فنحتال عليه بأحابيل الروح و نتعزّى عنه بمكائد الماوراء و هيهات و ستين هيهات.
أنظر المناقشة في موضوع الآيديولوجيا في الرابط

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 398b2#4689
المعنون:
عبد السلام نورالدين ومحمد جلال هاشم وتبيدة شوكاي في ندوة

قصي
يا أخا الروح
و أهلنا يكنّون عن القرب الحميم في صحبة " الروح بالروح"
أظن أن لا مصلحة لنا في التعامي عن ذكاء اهل السوق و لا عن قدرتهم على الكيد الفكري المرهف اللطيف.فهم خصوم جبابرة و العاقل لا يستصغر خصمه مهما صغر، ولا شنو؟



جيوبوليتيك الجسد6

مشهد الاقعاء:
" لم نعد نعرف كيف نقعي, و هو أمر لا يقبله عقل، بل هو مما يشين أجناسنا و حضاراتنا و مجتمعاتنا. أذكر على سبيل المثال فترة عايشت فيها مجموعة من الجنود الاوستراليين(البيض)، و كنت، حين نتوقف للراحة في ارض مبتلّة او يجري عليها الماء،كنت أجدهم يمتازون عليّ بأمر عجيب.فقد كانوا قادرين على الاستراحة جلوسا على أعقابهم دون ان تلمس أصلابهم الارض المبتلّة.أما أنا فقد كنت مضطرا للبقاء واقفا و أرجلي في الطين"
Marcel Mauss, Sociologie et Anthropologie, PUF, 1968,p. 374
أطلق " مارسيل موس "(1873 ـ 1950)، رائد الانتروبولوجيا الفرنسية قولته الشهيرة في معرض معالجته للممارسات الجسدية كوجه في الاصالة الثقافية. و كلمة موس تضمر اضمحلال ذاكرة الجسد عند الغربيين و غربتهم عن امكانات التفتّح الجسدي، التعبيري و العملي، التي كانت متاحة لأسلافهم قبل الانخراط في الادب الجسدي للمجتمع الرأسمالي المصنّّع.
و " الاقعاء"، في لسان العربان، كأسلوب في الجلوس اعتمادا على " القعوة " ، و هي أصل الفخذ، أنواع.كاقعاء الكلب حين يجلس على استه مفترشا رجليه و ناصبا يديه،أو اقعاء الناس الذي ينهى عنه فقه الصلاة، الذي يعرّفه حين يضع الجالس اليتيه على عقبيه بين السجدتين حسب تفسير الفقهاء.أما أهل اللغة فيفسّرون الاقعاء بأن ينصب الرجل اليتيه بالأرض و ينصب ساقيه و يتساند الى ظهره.و قد جاء في الاثر:" أنه صلى الله عليه و سلم أكل مقعيا". و غالبا ما يرد معنى الاقعاء مرادفا للقَرْفَصَة. و " القُرْفُصاء" ( بضم القاف و الفاء) ضرب من القعود يُمدُّ و يُقصر، فاذا قلت : قعد فلان القرفصاء كأنّك قلت قعد قعودا مخصوصا، و هو أن يجلس على أليتيه و يلصق فخذيه ببطنه و يحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يُحتبي بالثوب، فتكون يداه مكان الثوب" .." قال أبو المهدي: هو أن يجلس على ركبتيه منكبّا و يلصق بطنه بفخذيه و يتأبّط كفيه و هي جلسة الاعرابي.( مختار الصحاح للرازي، مكتبة لبنان 1987). و الاقعاء ، في تحليل ما، هو جلوس من لا كرسي له.و ربما لهذا السبب سمّاه ابو المهدي بـ " جلسة الاعرابي" المستغني بتقنية الجسد عن الاثاث ، على خلاف أهل الحواضر المتبحرين في فنون الجلوس على الأثاث و العارفين بآدابها. و ربما وجد الاقعاء أصله" الطبيعي" في هيئة من يجلس لقضاء الحاجة" الطبيعية".و هي طريقة في الاقعاء لا تلمس الاليتان فيها الارض.أو كما يعبر الكردفانيون " أُمْ قَـلَـلُو". و هي هيئة عملية في قضاء أغراض الاخراج حين يقتضي الامر " خروجا للخلاء" في الوسط الريفي، أو حين تفرض عمارة الحواضر شكل المرحاض" على الكريقة التركية".
و الاقعاء الذي عناه مولانا " مارسيل موس" هو هذا الاقعاء " الطبيعي" الذي لا تلمس الاليتان فيه الارض.و ملاحظة " موس" وردت في معرض وصفه لتصانيف تقنيات الجسد حسب العمر. فهو يعتبر أن" الاطفال يقعون بشكل طبيعي"(ص 274) قبل أن تطالهم تربية الجسد السائدة في الوسط الاجتماعي الحديث.و ملاحظة العالم الجليل ، على رجاحتها، تبدو لي مجحفة نوعا في حق الأوروبيين الذين يؤاخذهم على نسيان الاقعاء.ذلك أن الجسد ـ حسب مفهوم " موس " نفسه ـ انما يتعلم و ينسى ضمن منطق الضرورة الوجودية المادية و الرمزية. و منطق الحاجة و المصلحة الذي صار يدفع الأوروبيين المعاصرين الى استكشاف المناطق المعتمة من ذاكرة الجسد انما تنظمه ضرورة جديدة فحواها السعي لتجاوز أزمة الاحباط الوجودي للفرد ضمن المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي.و هو سعي غايته تأسيس روحانية جديدة على قاعدة الجسد.و ذلك باعتبار الجسد ضمانة يُعوّل عليها ـ من جهة أولى ـ ضد الانزلاق في شراك الروحانيات التجريدية السماوية والأرضية، مثلما يُعوّل عليها ـ من الجهة الاخرى ـ ضد الافقار و التبسيط المجحف الذي طبع الوعي المادي بالوجود بعقلانية وضعية بائسة المعنى.و تيار اعادة استكشاف الجسد، الذي اجتاح الثقافة الحضرية الاوروبية منذ سنوات الستينات، يعبّر عن نفسه بأشكال شتّى، بعضها منبثق من الاستبصار النقدي في تقليد التطبيب في الغرب الاوروبي مما تولّدت عنه مقاربات جديدة غير مسبوقة لموضوعة الألم ، كما في حالة مباحث الولادة بدون ألم، و التي لاقت في مستهلها استهجانا من طرف المؤسسة الدينية التي كانت تعقل تجربة الألم كجزء أصيل من فعل الولادة في الخاطر الأناجيلي.أوفي حالات المباحث الطبية الاوروبية التي تستلهم الممارسات الجسدية الوافدة من التقليد الآسيوي كاليوجا و العلاج بالابر و رياضات فنون القتال من كاراتي و تاي شي الخ.لغاية أستلهام أنواع الممارسات السحرية الشامانية الأفريقية او الأوسترالية، و تقاليد التعبير الجسدي التقليدي بأنواعه الحركية و الوسمية الخ. ومعظم الاشكال الثقافية الجديدة التي تبناها تيار العودة للجسد في المجتمع الأوروبي المعاصر يجمعها السعي الواعي و غير الواعي لاثبات صورة الهوية الفردية للشخص في لحم الجسد.و ذلك على اساس اضمار مشترك فحواه أن الجسد هو أول و آخر مساحة خصوصية مستقلة و قابلة للفلتان و الاستعصاء على ارادة السوق التي تسعى لبسط هيمنتها على كافة أرجاء المجال الحيوي للانسان المعاصر.
و ربما كانت قولة " مارسيل موس" الغاضبة في صدد الاقعاء تكتسب ثقلها الانساني من طبيعة موقفه الآيديولوجي النقدي تجاه نزق منطق السوق و لا أخلاقيته على صعيد تربية الفرد و تربية المجتمع.فمنطق السوق الرأسمالي، بما يجره على التقليد الثقافي للمجتمع من اعادة تربية الناس لصالح خدمة غايات الانتاج( من أجل الانتاج)، انما ينحرف بمبدأ الحس السليم و الصالح العام الذي تأسس عليه فعل المشاركة الاجتماعية في سياق المجتمع التقليدي قبل الرأسمالي.فمنطق السوق الرأسمالي لا يدمّر البنى الاقتصادية للمجتمع التقليدي فحسب، و انما يدمر وراءها مجمل البنى الثقافية التقليدية التي كانت تدعمها و تبرّرها في المشهد الاخلاقي للمجتمع.و ضمن تدمير البنى الثقافية التقليدية يرد اهمال أو نسيان الممارسات الثقافية الفردية و الجمعية التي كانت تؤطّر جسد الفرد كما كانت تؤطّر جسد المجتمع.و في هذا المنظور يرى " موس " نسيان الاقعاء مظهرا من مظاهر غربة الأوروبيين عن بعض اوجه ميراثهم الثقافي الجسدي قبل الرأسمالي.
قبل فترة شاءت الصدفة السعيدة أن التقي ببعض الاصدقاء في مدينة أوروبية بمناسبة حضور عروس أحدهم من السودان.و كنا نتونّس في أساليب تنظيم الأعراس في خرطوم الانقاذ و المكائد التي تتفتق عنها عبقريات الشباب الخرطومي في تنظيم المحافل الراقصة .و في لحظة غلبني فضول " علمي"، غالبا من واقع دراستي لطقوس رقصة العروس ، فسألت العروس ( الجامعية) عن آخر تطورات طقس" قطع الرحط " في السودان. و كانت دهشتي لا تقل عن دهشتها حين أجابتني في براءة: " قطع الرحط دا كمان شنو؟".
أظن أن "موس " يظل نافعا لنا اليوم و نحن نحوض في شقاق الحداثات من حيث كونه باحث انتروبولوجي صاحب رؤية اجتماعية انسانية و حس سياسي تقدمي يجعل من مبحثه في موضوعة " العطاء المتبادل" ضمن السياق التقليدي مشروعا في أنسنة الحداثة و اصلاحها أخلاقيا.( أنظر : رسالة في العطاء لدى أهل الشمال الغربي الامريكي)
Essai sur Le Don, in Sociologie et Anthropologie
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


الأخ العزيز حسن موسى

((سلامٌ على سلمى ومن حلَّ بالحمى، وحُقَّ لمثلي رقةً أن يسلِّما))
الشيخ، محي الدين بن عربي

تحيتي لآل بيتك قاطني دوميسارق، وآملُ في حجٍ قريب، إليهم.

أتابع هذا الخيط الشيق باستمرار، وأجد فيه الكثير من الجديد الباعث على التأمل في شؤوننا وشجوننا المتشابكة. وأرجو أن استميحك عذرا بالعودة إلى أصل هذا الخيط الذي انطلق منه، وهو قضية الخفاض. وأنا يا صديقي من الزمرة التي لم توقع على العريضة. وعدم توقيعي على العريضة لم يكن لكوني أنتمي إلى القبيل الذي أشرت إليه بكونه ربما رأى في الأمر مجرد فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإنما لكوني قد رأيت في عدم التوقيع فرض عين. وبطبيعة الحال، لم أمتنع عن التوقيع لكوني من مؤيدي خفاض الإناث. فكل ما في الأمر، أنني لست على بينة من أمري في جدوى حملة التوقيعات، وصحة منطلقها، وسلامة مقصدها، وخلو تقديمها من مزالق أراها محيطة بها إحاطة السوار بالمعصم. والمزالق تحف الشؤون الشائك عادة، وشأن والخفاض واحد من هذه الشؤون الشائكة.

أيضا، من المشاكل العويصة لهذه العريضة، في "نظري الضعيف" ـ كما تقول أنت ـ أنها مرفوعة أصلا إلى جناب السلطات السودانية الإنقاذية الراهنة! ويبدو أن الغرض من العريضة، أو المذكرة هو دفع السلطات السودانية عن طريق "الضغط الشعبي"، ـ وهو في هذه الواقعة بالذات ليس سوى "ضغط صفوي، وشبه صفوي" ـ لكي تصدر قانونا يحرم تلك العادة ويجرم من يجرونها على بناتهم. وينتظر للإنقاذ في هذا المسار المرسوم أن تعمل على إنفاذ ذلك القانون في مسارب ومنعرجات الحياة اليومية السودانية، في كل شبر من أنحاء القطر، من متابعة للمخالفين، وتقديمهم إلى المحاكم. فالأمر، على هذا النحو، يعطي تلك السلطات الغاشمة ذريعة جديدة للتغلغل في شؤون الناس. وهي أصلا سلطة مسرفة في ذلك النوع من التغلغل. كما أن ذلك يمد أمام ناظريها مساحات بكر، لمزيد من حشر أنفها في دقائق شؤون الناس الخاصة، دون حرص حقيقي على خيرهم.

نظرة في تكتيكات اليسار السياسية:

ظللت دوما متشككا في تكتيكات اليسار السوداني السياسية، المستظلة بشجرة الحزب الشيوعي السوداني. واليسار السوداني ثوب فضفاض يضم قبائل شتى. وقد كنت في مستهل شبابي، كما تعلم، ويعلم الكثيرون من أصدقائي في هذا المنبر، مستظلا ـ وبمضض لم أخفيه ـ بتلك الدوحة الباسقة المتجذرة في أدبيات الماركسية اللينينة وممارساتها التنظيمية، فيما يخص إدارة الصراع اليومي، وتأجيجه نحو نقطة الثورة الشاملة. ألا رحم الله أيام وأحلام الثورة الشاملة! وحين تحولت إلى الأستاذ محمود محمد طه، تحولت نحو أفق مختلف من آفاق اليسار، وضمني ماعون مختلف من مواعينه. وحين أختلف اليوم، مع مقترحي العريضة، أو المذكرة، والموقعين عليها، أفعل ذلك من منطلق يساري محض ـ إن صح أن هناك شيئا محضا ـ. أقول قولي هذا بقصد درء وسواس المزايدة ببطاقة اليسار الذي سرعان ما يعلو في صدور اليساريين النظاميين من حاملي خارطة الطريق إياها، خاصة حين يرى إمرؤ من الناس خلاف ما يرون. وما أنت ممن يحدثونهم ببدائه الأمور وبسيرة حركة اليسار في السودان. ولقد كنت مبينا في شرحك لموقف الأستاذ محمود محمد طه، في أربعينات القرن الماضي، حين قاوم إتجاه السلطات البريطانية لتجريم ممارسة الخفاض. وكما تفضلت أنت بالإشارة، فإن موقف الأستاذ محمود محمد طه قد أسيء فهمه من كثيرين. ومن بين من أساءوا فهم موقفه أكاديميون مرموقون، من بينهم الدكتور خالد المبارك، وصديقنا، الدكتور، محمد أحمد محمود.

أرى في هذه العريضة التي نبتت أثر موت طفلة سودانية، أثر إجراء عملية خفاض، واحدة من طرائق اليسار السوداني المستظل بدوحة أدبيات الحزب الشيوعي السوداني في تحريك وإدارة الصراع مع السلطات القائمة. وهي إدارة للصراع تقول تجربتنا فيها، أنها لا تعدو أن تكون سجالا من سجالات تسجيل النقاط التي ينتظر لها أن تتراكم نحو نقطة الإنفجار. ولكن، حين تنعدم الرؤية المقعدة وينقصم عظم الظهر الفكري للفعل السياسي، يصبح العمل في المعارضة السياسية خبط عشواء، و "رزق اليوم باليوم". وأخشى أن تكون بعض قوى اليسار السوداني قد أحست بأن الإنقاذيين على وشك سرقة "كرت الخفاض" من بين أيديها، وهي الظانة بنفسها حمل مشعل التقدم والتحديث، فسارعت بتحريك ملفه بعجلة من أحس بلسعة. الشاهد، أن الإنقاذيين قد شرعوا مؤخرا في تحريك ملف الخفاض. وقد حدث هذا قبل موت هذه الطفلة بفترة قصيرة. ويبدو أن الإنقاذيين قد رأوا أن الظرف السانح قد أظلهم لكي يعكسوا وجها حداثيا تقدميا لتجربتهم. فاقاموا في شأن الخفاض السمينارات، والندوات، والحملات الإعلامية، وما إلى ذلك. وأظنهم قد تحركوا في هذه الوجهة ليعكسوا للناس ما غشي "حسهم الحضاري" من تشذيب، وما غشيهم من زيادة في الحساسية تجاه عذابات البشر، خاصة الأبرياء من صغار الإناث اللواتي هن في عهدة الكبار، وذممهم!!. الشاهد أن قدرا معتبرا من الانقاذيين قد أصبح يقف ضد عادة الخفاض، وللإنقاذيين منطلقاتهم "السُنِّية" ـ إشارة إلى ما يسمى بخفاض "السُّنة" الممارس في جيوب من دول جزيرة العرب ـ. وهم ربما رأوا أن بعض الشر أهون من بعض. كما أن من بينهم من يرى أن عادة الخفاض من حيث هي عادة فرعونية ولا علاقة لها بالإسلام، سُنِّيْهِ، وغير سُنٍّيْهِ ولكل منطلقه، ولكل إمريءٍ منهم يومئذ شأن يغينه!.

حاول الإنقاذيون بالفعل، قبل فترة قصيرة، حث بعض فقهائهم المنفتحين على أفق الحداثة و"طيبات عطائها"، أن يفتوا في وجهة أن ليس لخفاض الإناث تأسيس إسلامي، خاصة ما يسمى منه بالفرعوني. والإنقاذيون تجار سياسة، ويعرفون كيف يلعبون بكروت متعددة، في أوقات متعددة. الشاهد أن كرت الخفاض عاد مرة أخرى مشكلا "عظمة نزاع" جديدة بين الحركة النسوية الإنقاذية ومسانديها من ذكور الإنقاذيين الحداثيين من جهة ـ وأعنى الحداثة المنضوية في بنية الرأسمال، المحبة لأطايب الربح ورغد العيش، والإغراق في اللذاذات مما جميعه ـ وبين شراذم جيوش اليسار الماركسي اللينيني المتراجعة نحو خنادق ومتاريس لم تتضح لها جهتها بعد. في هذا الإنسحاب غير المنظم من أرض المعركة، وهو انسحاب ضاعت فيه البوصلة، يقوم اليسار بإجراء عمليات تراشق مع الأنظمة القائمة عن طريق المزايدات حسيرة الطرف مما درجت الحركة اليسارية السودانية على القيام به عبر تاريخها في ما يسمى بالعمل الجماهيري. وفي حالة الخفاض، فقد تم عقد اللواء للذراع النسوي، ومسانديه من ذكور اليسار من مروجي أدبيات حقوق الإنسان النابتة في أوحال تربة المرجعية الغربية، والتي يراد لها التصدير وإعادة الغرس في فضاء حضاري وثقافي مختلف، وذلك باستخدام قوة التقنين، التي لا تسخدم التفهيم، ولا تأخذ بنهج العمل القاصد بجد نحو إنفاذ التحولات الأساسية، بقدر ما تستخدم التخويف من سوء المنقلب بإشهار سيف القانون.

في تقديري، أن دموع تماسيح كثيرة يتم ذرفها في هذا المعترك الذي ربما لا تكون فيه لبسطاء الناس ناقة ولا جمل. فبسطاء السودانيين، أبقى عليهم موروثهم من طقوس القبيلة، مضافا إليه الحبس المزمن في جيوب الفقر المدقع، والجهل، والعزلة، وانعدام فرص التعليم، وفرص التحديث، في مقام عجيب، ضمهم دهورا دهيرة. فظلوا عاكفين، على تقطيع أوصال أعضاء بناتهم التناسلية، عكوف العباد. هذا من جهة. أما من الجهة الأخرى، فقد أراد الذين يتحدثون بإسمهم من صفوة اليسار وراكبي موجة الحداثة المبنية على الوصاية، أن يجيئوا إليهم بقوانين تنبش في سراويل بناتهم، لتجرمهم وتقودهم إلى المحاكم! وأطرف ما في الأمر، أن الذين سيصبحون تلقائيا by default، مشرعين لهذه القوانين، وشرطة لها، وقضاة لها، هم أهل سلطة الإنقاذ السودانية القائمة الآن! أليس شر البلية ما يضحك!؟

وهكذا أصبح مساكين السودان وأمييه، واقعين ـ ولا حول لهم ولا قوة ـ بين سندان التقليد الراسخ القابض على تلابيبيهم، والجاثم على صدروهم منذ دهور طويلة، وبين مطرقة هذا النوع من الحداثة "المكلفتة"، التي يتم فرضها من علٍ، وبغير بصيرة وبغير دقة في التمييز. كل ما في الأمر أن الفصائل السياسية المتناحرة تعتليها بين فترة وأخرى موجة من موجات إثبات الذات: "أنا أفرفر، إذن أنا موجود". غير أن هذه "الفرفرات" التي تأتي في شكل فورات فجائية، ربما جعلت ـ إن قدر لها أن تنفذ في حيز الفعل ـ، حياة البسطاء أضيق وأحرج وأكثر إرباكا مما كانت عليه من قبل.

الخفاض ليس ظاهرة عربسلامية!

تقليد الخفاض ليس تقليدا عربيا إسلاميا، وإن جرت ممارسته في بعض الأقطار العربية والإسلامية. وتشير المصادر إلى أن الدول العربية التي تمارسه هي كل من مصر، والسودان، واليمن، وعمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة. فالغالب على هذا التقليد هو أنه تقليد قبلي إفريقي شائع وسط العديد من القبائل الإفريقية يتركز أغلبها في منطقة جنوب الصحراء. وتقول الإحصاءات أن حوالي 28 قطرا إفريقيا تجري فيها ممارسة نوع من أنواع الخفاض. ويمثل الخفاض جزءا لا يتجزأ من طقوس تدشين الصغار حين يخطون أول خطواتهم في مدارج الرشد. وتقوم بهذا التقليد، وسط كثير من القبائل الإفريقية، منظمات قبلية تسند إليها القبيلة مهمة أخذ الصغار، بعد عزلهم من أسرهم، إلى ما يسمى بـالـ bush schools. في هذه المدارس التي يتم فصل الإناث عن الذكور، ويجري إعدادهم وتهيئتهم ليصبحوا رجالا ونساء راشدين قادرين على الإسهام الفاعل في حياة القبيلة كأفراد راشدين مسؤولين. وتسمى العملية في مجملها initiation أو "تدشين". والخفاض جزء من هذه العملية الإعدادية المتعددة الوجوه.
Perani & Smith (1998) The Visual Arts of Africa. Upper Saddle River: New Jersey (p. 87).

فالخفاض طقس قائم على النظام المعتقدي للقبيلة، شأنه شأن الشلوخ، بمختلف أشكالها، وتكسير الأسنان الأمامية، كما في جنوب السودان، وتطويل الرقبة بالحلقات الحديدية كما عند الزولو، وغير ذلك من طقوس التدشين عند عتبة النضج والإنتقال من الطفولة لمرتبة الرجولة أو الأنوثة. ويرى كثير من الباحثين أن استئصال عادة الخفاض لا تكون ممكنة من دون تغيير الأنظمة الثقافية والمجتمعية المحيطة بها. وهذا، بطبيعة الحال، لا يتم عن طريق القانون وحده. كما لا تكون ضربة البداية فيه بسن القوانين، قولا واحدا. وقد كان هذا هو رأي الأستاذ محمود محمد طه الذي صدع به منذ ستين عاما.

الآثار المحتملة للمنع عن طريق القانون:

الذين يقومون بإجراء الخفاض في السودان، لا ينحصر أمرهم في الأطباء، والعيادات، والقابلات القانونيات، في المراكز الحضرية وشبه الحضرية القليلة العدد. وإنما هم، في الأغلب، الأعم أهل الريف، في قراهم ودساكرهم النائية. ومن يمارسون عادة الخفاض على بناتهم، لا يرون فيها عيبا مثلما يراه المتعلمون الذين سمحت لهم ظروف تلك الديار الحزينة بالإلمام بطرف من قيم الحداثة، فأصبحوا يتحدثون منطلقين من ضمير الحداثة، ومن موقع حساسيتها المزعومة الكاذبة تجاه معاناة البشر. كما أن من يقومون بإجراء خفاض الإناث من سكان الريف، ربما لا يفهمون أصلا لماذا تتدخل الحكومة في شؤونهم الخاصة، كما هو الحال في شأن الخفاض. ولربما أدت محاولات وقف العادة عن طريق القانون والعقوبات التي ستطول العيادات، والقابلات المدربات، والقابلات غير المدربات ممن تمرسن في أداء ذلك النوع من الجراحة، إلى أن يقوم أهل البنت وأقرباؤها بإجرائها بأنفسهم، في ظروف من السرية والعجلة، مما يزيد من نسبة الأخطاء القاتلة. فلو حدث مثلا، نزيف لطفلة جرى خفضها في السر، وكان من الممكن إسعافها وإنقاذ حياتها، فإن وجود سيف قانوني مشهر، ووجود تهديد بالمساءلة القانونية، سوف تجعلان أهل تلك الطفلة يحجمون عن الذهاب بها إلى مراكز العناية الطبية. الأمر الذي سوف يفاقم من نسبة الخطر، خاصة في مثل تلك الحالات المهددة للحياة.

والحكومات التي تهمل العمل على رفع المستوى المعيشي لمواطنيها من حيث السكن الصحي المناسب، والمياة الجارية، والصرف الصحي السليم، ومن حيث فرص التعليم، والتغذية المناسبة، والتعليم المناسب، والخدمات الصحية المناسبة، لايحق لها أن تتحدث في شأن الخفاض، أو أن تتحرك بدعوى أنها تحمل هم الناس، خاصة الصغار، وأن لها توجها أصيلا قاصدا إلى إستئصاله. إذ لا يستقيم أن تهمل السلطات كل هذه الواجبات وتتركها جانبا، ثم تدعيى لنفسها حرصا على حياة الصغار وسلامة مستقبلهم! فالحرص على حياة الصغار يتم من خلال الحرص على ترقية حياة أولياء أمورهم، في المقام الأول، ومن جميع الوجوه. باختصار شديد: الحكومة ليست أحرص من أولياء الأمور على فلذات أكبادهم، مهما أدعت، وتلفعت بمسوح الحداثة الكاذبة الزائفة. الطريق للقضاء على عادة الخفاض طريق غير مباشر. فهو طريق يمر بأراضي مختلفة، وعبر هذه الأراضي الشاسعة البور تقع مواقع مفترض أن يقوم عليها السكن الصحي، والمأكل الصحي، والعلاج، والتعليم، والتثقيف، وملء الحياة بكل مثمر ومفيد وباعث على الإستنارة من الأنشطة.

جميعنا يعرف كيف أن الناس تحولوا بعد منع إستيراد الخمور الأفرنجية إلى السودان ومنع بيعها في الأماكن التي كان مرخصا لها ببيعها، إلى الخمور البلدية التي أصبحت تخلط، كما يقول البعض، بحجارة البطارية وغيرها من المكونات الضارة مما قاد في بعض الحالات إلى التسمم، والموت، وإلى العمى في حالات أخرى وسط المعاقرين. ولا أبحاث، ولا إحصاءات في هذا الصدد، بطبيعة الحال. فالسلطات لا تريد أن ترى أضرار قرراتها "المكلفتة"، فهي فقط "تطبق شرع الله"!! ولايهم من مات ومن حيي في ذلك السبيل. والمفتونون بأساليب الحداثة التي لا ترى بأسا في تغيير ثقافة البسطاء مستخدمة سيف القانون، ليسوا بأفضل حال، في تقديري، من مروجي البدعة التي أسموها زورا وبهتانا، "شرع الله"!! فذلك "شرع الله" وهذا "شرع الحداثة"، و"شرع الصفوة"، ولا فرق!!. وكلما تدخلت السلطات، ومن ورائها أنصاف المثقفين للسيطرة على من يدبون على وجه الأرض، وكلما عملوا على صب حياة كل دابة تدب، في قالب القانون (المعروف بكونه حمارا)، وكلما حاولوا دفع عجلة التطور، مستخدمين سلاح القانون وحده، كلما انسحبت الحياة إلى باطن الأرض (وقامت بتشغيل الكيبل الأرضي) ومدت لهم لسانها، وسخرت عمليا من جهلهم، وعجلتهم، وحذلقتهم، وانصرافهم عن أصل الداء. وما أكثر ما نندفع في إثارة بعض القضايا الشائكة منطلقين من عقدة الذنب، لعلنا نُسكت، ولو قليلا، أصوات ضمائرنا التي تقلقنا، لكوننا لم ننتفع من علمنا ومن ريادتنا ولم نجعل منهما مردودا عمليا نافعا ينعكس على حياة أهالينا.

حين ناهض الأستاذ محمود محمد طه، قبل نصف قرن من الزمان، إتجاه السلطات البريطانية لإصدار قانون يحرم خفاض البنات ويجرمه، ذكر، ضمن ما ذكر، حينها، أن الإنجليز ليسوا أحرص منا على صحة بناتنا ومستقبل حياتهن. كما ذكر أن العادات الضارة لا تحارب بسن القوانين وتطبيقها، وإنما تحارب بالتعليم وبالتوعية وبالأخذ الجاد بأسباب النهضة الشاملة. وقال بالتحديد، إن على الإنجليز، إن كانوا صادقين فيما يزعمون، أن يسارعوا بفتح المدارس في كل أرجاء القطر، ودفع القطر نحو النهضة الإقتصادية والإجتماعية الشاملة، بدل العمل على تجريم الأميين على عادات ورثوها من آبائهم وأجدادهم. والمحاولة القائمة الآن للتوقيع على عريضة أو مذكرة يتم تقديمها لوزير العدل والنائب العام الإنقاذي، لا تختلف في عموم تسبيبها الفكري، ومقصدها العملي، عن ما قام به الإنجليز في عام 1946 من استخدام لسيف القانون لإستئصال تلك العادة الضارة. وقد تعرض الأستاذ محمود محمد طه بالمقاومة لذلك المنحى الكولونيالي المتعجرف المتعالي بإشعاله ثورة رفاعة الشهيرة التي تبعه فيها رهط من أهالي مدينة رفاعة فعبروا النيل بالمراكب، وقاموا بمحاصرة مركز الشرطة في مدينة الحصاحيصا، وأجبروا السلطات البريطانية على إطلاق سراح المرأة التى تم اعتقالها بموجب ذلك القانون. الأمر الذي أدى إلى محاكمة الأستاذ محمود وإيداعه السجن لمدة عامين. ولكن، ما لبث أن عاد بعض الأكاديميين ليقولوا لنا بعد مضي قرابة نصف القرن من ثورة رفاعة: لو لم يقم الأستاذ محمود بثورته تلك، لكانت عادة خفاض الإناث في السودان قد انتهت! وللمرء أن يعجب وأن يشبع عجبا!! فالإنجليز الذين جاءوا بالآلة العسكرية الكلونيالية التي أزهقت أرواح ما يزيد عن عشرة ألاف سوداني في معركة كرري، في بضع سويعات، دون أن يطرف لهم جفن، هم نفس الإنجليز الذين ظن بعض أكاديميينا أنهم كانوا حتما سيتوفرون على الإيتاء بحل ناجز ينهي عذابات صغار السودانيات من عادة خفاض الإناث! وهذا لعمر الحق، ضرب من ضروب ((دفن الليل أب كراعا بره)). وإلا فليخبرنا هؤلاء الأكاديميون: لماذا لم تنته عادة الخفاض في مصر، وفي الصومال، وفي ما يقدر بثمانية وعشرين دولة إفريقية لم تحدث فيها ثورة مثل ثورة رفاعة؟

خلاصة الأمر فيما أرى، إن للإحجام عن التوقيع على المذكرة المقدمة "لوزير العدل السوداني والنائب العام السوداني" أساب أخرى غير تلك التي تفضلت أنت بإيرادها. وأردت أن أشير إلى طرف منها مجرد إشارة. ومن هذه النقطة أريد أن أدعو إلى تفاكر في سيرة المعارضة السياسية، وسيرة العمل المطلبي النقابي وغير النقابي مما عرفنا في سودان ما بعد الإستقلال. فالعمل المطلبي واحد من الإنجازات الشامخة للحزب الشيوعي السوداني، وللحركة اليسارية السودانية في عمومها. غير أن العمل المطلبي أسيء استخدامه، خاصة الشق النقابي منه. فقد ضاعت أهدافه في سجال تسجيل النقاط، بغرض إرباك الحكومات وإحراجها، مما قاد إلى إرباك الديمقراطية المتعثرة نفسها، حتى كفر الناس بمبدأها، أو كادوا. وكانت النتيجة أن أصبح الشعب، يستقبل، في عموم حاله، العساكر بالتهليل، كلما انقلبوا على الديمقراطية أثر "قعدة" ليلية، إمتلأت بالمناقشات التبسيطية الساذجة لمشاكل البلاد والعباد. سيطر اليسار السوداني على العمل النقابي، واساء استخدام النقابات، حتى وصلنا إلى ما يشبه النهاية التامة للعمل النقابي، وإلى نهاية مأساوية للمواعين المؤسسية التي حوت ذلك العمل النقابي. بعد قرن بالتمام والكمال، من إنشاء خطوط السكك الحديدية في السودان، وصلنا إلى نهاية مأساوية إلى ما سمي يوما بـ "سكك حديد السودان" فقد أصبحت اليوم، أثرا بعد عين! وكما قال الطيب صالح: ((فاقفرت الديار، وعفت الآثار، وجاء الجند وساقوهم إلى السجن))!!

ولسوف تكون لي عودة إلى موضوع البراغماتية والآيديولوجيا الذي تفضلت بالإشارة إلي. وأرجو أن يكون ذلك قريبا، إن شاء الله.


((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

الأستاذ حسن.. وتجديد التحايا والمودة، مصحوبة بالشكر..

خشيت بداية أن تنساق تعقيباتي إلى خروج عن موضوع (أو مواضيع) الخيط ، بصورة عامة.. غير أني "استعدلت" عن هذه الخشية، فعلاقة الحوار المكتوب في صفحات الشبكة العنكبوتية تحكمه أعراف ثقافية مختلفة عن تلك التي في الندوات أو أركان النقاش أو ما شابهها.. أو هكذا سولت لي نفسي أن أعتقد، حتى أعقب دون خشية..

ومن تعقيبك على تعقيبي تولدت مداخل قضايا شتى، أرجو أن أتمكن من حصر أهمها (عندي) وسرد نظرتي فيها دون وكس أو شطط، با عتبار المتاح من زمن وأدوات فكرية..
(هذا وأنا في أثناء انتظار حديثك عن رقصة العروس.. أراها مقطوعة فنية جسدية تختزل في داخلها تاريخا مجتمعيا باهظا)..

عن الصلاة والمسائل الشخصية

قلت لي، عن خالدة مسعودي: (لكن استغرابك من تبريرها ترك الصلاة متذرّعة بأن" العلاقة مع الايمان و مع الله" مسألة شخصية"، هذا الاستغراب يبدو لي غريبا حين يصدر من شخص بمثل مرجعيتك الفكرية الدينية.و يا حبذا لو أبنت بتفصيل أكثر في هذا الامر سيّما و أن موضوعة مفهوم الصلاة و تعريف طبيعتها و غاياتها هي منذ الستينات في قلب المناقشة السودانية التي احياها الاستاذ محمود محمد طه بخصوص تحديث الدين و أنت أدرى)..

سمعا وإجابة.. دعني أولا أكرر هنا ما قلته أنا في تعقيبي السابق.. قلت، عن خالدة مسعودي (حتى في قرارها "هجران الصلاة و اعتبار العلاقة مع الايمان ومع الله مسألة شخصية"، فمنهجه التبريري غريب، إذا نظمناه في عقد واحد مع استنتاجاتها السابقة.. وكأن "اعتبار العلاقة مع الإيمان ومع الله مسألة شخصية" يقضي تباعا (أو بالعكس) إلى هجران الصلاة!).. ما عنيته أنا، باختصار، أن "اعتبار العلاقة مع الإيمان ومع الله مسألة شخصية" لا يقضي تباعا (أو بالعكس) إلى هجران الصلاة، أي أن العلاقة هنا بين النتيجتين ليست سببية تلقائية.. أي أن "اعتبار العلاقة مع الإيمان ومع الله مسألة شخصية" لا يعني أنني، مثلا، يجب أن أترك الصلاة، فالصلاة أساسا هي "مسألة شخصية" مع الإيمان ومع الله.. لخالدة مسعودي أن تهجر الصلاة، فتلك فعلا مسألة "شخصية" تخصها، ولكن تبريرها لموقفها هذا هو الغريب، خصوصا "إذا نظمناه في عقد واحد مع استنتاجاتها السابقة".. اعتراضي هنا ليس على مسألة هجران الصلاة، وإنما على المنهج التبريري للموقف الفكري.. أرجو أن أكون قد أبنت عن نفسي بصورة أوفى هذه المرة..

عن الدين وغربة الجسد

قولك (و أنت تزعم، بغير حذر، ان الدين " هو اوّل من أقر بواقع "غربة الجسد" بشمول العبارة ". و لا يغيب على فطنتك ان الدين(كما السحر) ظاهرة تاريخية ظهرت في لحظة معينة من تطور المجتمع الانساني، مثلما لا يغيب عليك، بالتالي،ان غربة الجسد قديمة قدم المجتمع و انها ظلت ، و ما زالت ، تتخلّق و تتشعب ضمن تناقضات الوعي الفردي بحاجات الجسد في علاقتها بتناقضات الوعي الجمعي.و لن يغيب على فطنتك ، بالتالت،أن غربة الجسد ستبقى بعد ان تنقضي ضرورة الدين او بعد ان يستبدله الناس بوسيلة أخرى أكثر كفاءة( كوسيلة الفن او وسيلة الرياضة مثلا).و عليه فان كان زعمك بحظوة الدين و سبقه من باب التعبير الديني الايماني " ساكت" فلا جناح عليك ،و لن أنازعك في منطقة الايمان ،أو كما قال :" لكم دينكم و لي دين" ـ وأنا يا صاح على دين مولانا ابن المقفع لا أبيت ليلتي على غير دين)..

أنا أزعم أني لم أتجاف عن الحذر حين قلت أن الدين "هو اوّل من أقر بواقع "غربة الجسد" بشمول العبارة".. فالدين "كظاهرة تاريخية" يؤرخ لبداية وعي الإنسان بغربته، والذي بدأ (أي الوعي) بشعور الخوف، في صوره المختلفة (الخوف على الحياة وعلى الرزق.. الخ)، ومن ثم جاءت التبعات العملية في مواجهة هذه المعضلة، والتي أتت بمنهاج الدين، في أبسط صوره البدائية.. وأزعم أكثر من ذلك أن الدين، كظاهرة تاريخية، أقدم من المجتمع نفسه.. فأنت، بمرجعيتك الفكرة، تنظر إلى الدين كناتج مجتمعي، أما أنا (بمرجعيتي الفكرية أيضا) فأنظر للدين كناتج عقلي سابق لمرحلة المجتمع البشري.. فالمجتمع نفسه، كألة اخترعها الإنسان، في حد ذاته ناتج لمراحل تاريخية قبله، خاضها الإنسان، واعترك تجربتها، مما تمخض عن هذا النوع من الهدنة بين مجموعة من الأفراد، والذي أصبح يسمى فيما بعد "المجتمع".. المجتمع نفسه، بالنسبة لي، هو آلية حياتية لا يمكن أن تصدر من غير عقل مفكر ذو تجربة (أو لنقل عقول شتى صهرت تجاربها الفردية في مكان واحد مجتمعة)، مما يعني أنه (أي المجتمع) وليد تجربة سابقة له.. وأزعم أنا أن مفهوم الدين هو مفهوم سابق لمفهوم المجتمع، عبر تاريخ التجربة البشرية.. أكثر من ذلك، أزعم أن الدين نفسه كان من الأدوات الأساسية (أو العوامل الأولية) التي شاركت، في مجموعها، في خلق مركب المجتمع.. منذ بدايته التاريخية.. هذا لا ينفي عندي أن علاقة الدين بالمجتمع قد أخذت صورا مختلفة بعد ذلك عبر التطور التاريخي للمجتمع نفسه (وللأفراد داخل صيغة المجتمع)، إذ أن مفهوم الدين أصبح يتطور أيضا من واقع انعكاسات المجتمع على العقل البشري، والعكس أيضا صحيح.. فهي قد صارت عملية تفاعلية، كل عنصر فيها يؤثر ويتأثر بالآخر.. حتى يومنا هذا..

هذا وأريد الوقوف أيضا عند عبارتك (و لن يغيب على فطنتك ، بالتالت،أن غربة الجسد ستبقى بعد ان تنقضي ضرورة الدين او بعد ان يستبدله الناس بوسيلة أخرى أكثر كفاءة( كوسيلة الفن او وسيلة الرياضة مثلا)).. إذا كان هذا زعمك من باب التعبير الإيماني، فلن أنازعك في منطقة إيمانك.. وأنا لا أقصد بقولي هذا أن أكيل لك بمكيالك (بالمفهوم السلبي للعبارة)، فقضية الإيمان عندي لا تنعزل أساسا عن موضوع الفكر وإعمال العقل، فللإيمان أيضا قاعدته الفكرية.. لكن دعني أسألك سؤالا استفساريا.. ماهي كفاءة الدين عندك، حتى يمكن استبداله "بوسيلة أخرى أكثر كفاءة (كوسيلة الفن أو وسيلة الرياضة مثلا)"؟ هل كفاءة الدين عندك تتعلق بنوع من "حصان طروادة مفهومي يهيّيء للروح براحا غير مبرر على المشهد المادي الذي يستعر فيه الصراع بين الفرقاء الاجتماعيين. و هو براح ينتفع به القابضون على المقدرات و الخيرات المادية للمجتمع، ممن تعودوا على تخدير الفقراء بأحابيل روحية عجيبة من كون المال والماديات و متاع الدنيا الزائلة لا تصنع السعادة و لا توفر الخلاص ،و أن الخلاص الحقيقي هو خلاص الروح الى آخر كلام الدعاة الدينيين"؟ هل هذه هي كفاءة الدين عندك؟ فإن كان كذلك، فلماذا تريد استبداله أساسا "بوسيلة أكثر كفاءة"؟ وهذه أسئلة استفسارية أيضا، وليست تقريرية.. أنا فقط لا أفهم معنى الحاجة للدين او حتى للفن أو الرياضة، كوسائل، عندك إذا كنت ترى أن مقولة "الروح" هي تلك المقولة "الطروادية" كما جرى تعبيرك.. هل الفن والرياضة، مثلا، لهما علاقة مباشرة وصريحة بالقيمة المادية فقط (ودعنا نركز هنا على الفن أكثر، دون تجاهل الرياضة)؟ وإذا كان كذلك، فما هو مجال المقارنة بينها وبين الدين عندك، حتى يكون "الاستبدال"؟

إذا كان هناك أي مجال ل"غير المادة" في منظورك، فما ذا تسمي هذا المجال؟ (وهذا سؤال استفساري أيضا).. أنا شخصيا أرى أن هناك مجالا غير مجال المادة، وأسميه، اصطلاحا، مجال "الروح".. هذا وقد تكون لنا عودة لموضوع "الغيرية" هذا.. فالفهم التوحيدي للغيرية، في الأديان التوحيدية، لا يرى غير "غيرية" المقدار، أو تفاوت المقدار، وليس النوع.. مما يقود للحديث عن موضوع "النسبية" في الفهم الديني التوحيدي.. يقول السادة الصوفية أن "الرحمة بخلق الله أولى من الغيرة على دين الله.. لأن الغيرة من الغيرية، ولا غيرية!).. ويقول شاعرهم:

ما في محبتها (ضد) أضيق به.. هي المدام، وكل الخلق ندمان

فمفهوم ثنائية "المادة و الروح" هو حيلة فكرية تخاطب العقل، لأن العقل لا يعرف الأشياء إلا بضدها، أي بالثنائية (وسليلتها "التراتبية").. وهنا مربط الفرس، وهذه هي النقطة التي يكون الحوار حولها أساسيا في موضوع إشكالية العلاقة بين المادة والروح في نظر "الماديين".. هذا القول، لا ينفي وجود الروح، كما لا يثبت وجود المادة على حساب الروح، إذ ما هي المادة أصلا؟ وما هو تعريفها عندك؟ أنت تقول أن موضوع "الروح" يتعلق بحيلة اجتماعية لتخدير الفقراء بأحابيل روحية "عجيبة من كون المال والماديات و متاع الدنيا الزائلة لا تصنع السعادة و لا توفر الخلاص"، فما هو تعريف "السعادة" عندك، سواءا أتت عن طريق المادة أو خلافها؟ هل هناك تعريف "مادي" للسعادة؟ وهذا سؤال استفساري أيضا.. وكل هذا دون الخوض في مرجعيتك الفكرية التي تقرر علاقة الدين بالصراع الطبقي والاقتصاد، فهو أمر لا تصعب إعادة النظر فيه، حتى بنفس المنهج "المادي"، لنرى أن موضوع "الروح" نفسه كان أداة استعملها هؤلاء الفقراء أنفسهم عبر التاريخ، كأداة ناجعة في توحيدهم وتقوية شكيمتهم، في ثوراتهم على الأوضاع الطبقية المجحفة، طلبا للعدل (وبالمناسبة، هل للإجحاف والعدل تعريف مادي؟)..

إن انعكاس العلاقات المجتمعية على العقل البشري هو نفسه انعكاس لا يتم إلا عن طريق وسيط (فالتفاعلات المادية نفسها لا تتم إلا عبر وسائط، كما تخبرنا علوم الفيزياء والكيمياء).. وهو نفسه انعكاس محكوم بقوانين سابقة له، كما تدلل الدراسات الفيزيائية الحديثة والقديمة.. والنظرية النسبية الحديثة في الفيزياء تقول أن الفرق بين الطاقة والمادة هو فرق في الذبذبة، فالطاقة مادة، والمادة طاقة، بهذا الفهم، على تفاوت في المقدار، غير أن "الطاقة" هذه لم يعرف الفيزيائيون كنهها حتى اليوم.. وعلى العموم فهذا موضوع ذو شجون..

رأيت، يا أستاذ حسن، أن يكون تعقيبي عليك مليئا بالأسئلة لأن تعقيبك كان يأخذ مثل هذه الصورة أيضا.. فأنت ترى أن صعوبة تعريف "الروح" نفسها تعني إعادة النظر إلى وجودها كوجود بإزاء "الوجود المادي للانسان عند تقاطع التاريخ و الجغرافيا" على حد تعبيرك، وأنت تسلم بوجود "الوجود المادي للإنسان" كأمر مفروغ منه، فما رأيك أن نبدأ بتعريف "الوجود المادي للإنسان" قبل ذلك، فأنت من بدأ مسلسل مراجعة التعاريف، مما يقضي بأنك على ثقة بما لديك من تعريف لمصطلحاتك.. وأرجو أن لا يوحي هذا بهروب من موضوع تعريف "الروح" من جانبي، فوجود الروح بالنسبة لي مرتبط تلقائيا بوجود المادة، حين نتحدث عن "الوجود".. لماذا يكون وجود الروح محل مسائلة امام محكمة المادة؟ من الذي جعل وجود المادة أمرا مفروغا منه في مقابل الوجود المزعوم للروح؟ ومن ثم وضع الشرعية القانونية العقلية لهذه المحاكمة الفوقية لوجود الروح من جانب الزاعمين بالوجود المادي الصرف؟ بل وأين "العقلانية" من كل هذه المفاهيم "الذاتية الاعتباطية" من جانب أصحاب المادة (أو كما يسمونهم)؟ هل إنكار ما لا نراه، مثلا، لمجرد أننا لا نراه، منطق "عقلاني"؟ (وهذا الأخير سؤال تقريري وليس استفساري، فالإجابة عليه موجودة وموثقة مسبقا في كل صور حياتنا اليومية المعاصرة، ولنبدأ بالكهرباء التي نتواصل نحن عبرها اليوم في هذا المنبر)..

وعلى العموم، فكرد أولي على أسئلتك، دعني أحيلك إلى كتابات للأستاذ محمود محمد طه، أراها تعبر عني خير تعبير، مما يغنيني عن إعادة السرد، ولكن لا يغنيني عن مناقشتها بعد ذلك حيث الحاجة، ولا أعلم إن كنت أنت قد قرأتها مسبقا (يمكن قبل ما يلدوني زاتو)، ولكن حتى لا أترك سؤالك معلقا، كضرورة لأدب الحوار، خصوصا من جانبي مع أمثالك (ودي ما مجاملة)..

بالنسبة لموضوع الروح، أحيلك لكتاب الأستاذ محمود (أسئلة وأجوبة -الكتاب الثاني) إذ يرد رد الأستاذ على أسئلة جاءته من (موسى أبو زيد) عن الروح وماهيتها.. أرجو أن تكون لديك فرصة للإطلاع على هذه الكتابة*، إن لم تكن قد فعلت (قبل مايلدوني).. كما أن هناك تناولا لنفس الموضوع، بسرد أقصر، في كتاب (أسئلة وأجوبة - الكتاب الأول).. ويمكن تلخيص القول هنا، تلخيصا لا يغني عن التفصيل في المصادر المذكورة أعلاه، بأن المادة هي روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا، أما الروح فهي مادة في حالة من الاهتزاز لا تتأثر بها حواسنا.. هو اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع بينهما، ولهذا يتعرَف كلاهما بالآخر، فالمادة في طرف الكثافة، والروح في طرف اللطافة، وطرف اللطافة هو الأعلى والأقرب للكمال، بمقياس التراتبية (أو حيلة التراتبية)، ولكن وجود كليهما غير قائم بذاته، أو منعزل عن الآخر.. فالجسد، بكثافته، يعبر عن المادة في مقابل الروح بلطافتها، في الجرم البشري الواحد، والروح هذه هي التي تعطي الفرق التمييزي بين "فلان" وتمثال الشمع لنفس هذا "الفلان"، على سبيل تقريب المعنى.. وهذا تلخيص، كما ذكرت، لا يغني عن التفصيل الذي أرجو مراجعته في موضعه المشار إليه..

اما قولك (و على هذا المشهد يباح اختزال تركيب ظواهر الوجود في مقابلات جاهزة من نوع " الشرق" ( ضد الغرب) و " التقليد " (ضد الحداثة) و " الفن " (ضد العلم) و " الخيال"( ضد الواقع) و الثقافة( ضد التجارة) و الروح( ضد الجسد) الخ).. هذا استنتاج ذاتي من عندك.. لا أراه يمت للقضية بصلة (خصوصا بالنسبة لسردي)، إلا إذا اتصل بتوضيح أكثر من جانبك..

عن النابلسي ومناجاته

جميل جدا تركيزك يا أستاذ حسن على بيت الشعر الذي أذيل به مساهماتي في هذا المنبر (كتوقيع تلقائي عند كل مساهمة).. ودعني أعرض لك صورة أكبر من القصيدة التي ينتمي لها هذا البيت، وهي للشيخ الصوفي عبد الغني النابلسي.. يقول فيها:

أنا موسى العشق ربي أرني بك أن أنظر ظبيا شردا
غصن بان فوقه البدر بدا.. أم غزال راح يغزو أسدا
أم مليح يتثنى مرحا.. حيث أضحى بالبهاء منفردا
لاح لي جمر على وجنته.. كلما أدنو إليه بعدا
فلعلي منه ألقى قبسا.. أو يرى قلبي على النار هدى
صار جهلي غيره معرفة.. صار غيي وضلالي رشدا
فإذا ما ظهرت من وجهه حضرة الغيب طلبنا المددا
....
....
قلت يا مولاي جد لي كرما بوصال.. قال لا لا أبدا
قلت فاسمح بخيال في الكرى.. قال لي ما لك طرف رقدا
قلت فالوعد به تسلية.. قال يحتاج يفي من وعدا
قلت خذ روحي، فقال الروح لي.. خل دعواها وهات الجسدا**

قولك (أها يا قصي شوف حتى زولك دا، الزول الانت قلت ليهو :" خذ روحي".ياخي دا زول نجيض ما بنغش و عارف مصلحته وين،" روحك اعمل بيها شنو؟" قال ليك: "هات الجسدا" ... شفت كيف؟).. أخذت قولك هذا في البداية من باب تسلية الحوار وشيئا من تأنيس وحشة الفكر (إذ أن للفكر وحشة)، وتعليقك فعلا قد أخذ مني الابتسامة عنوة واقتدارا.. غير أني خشيت أن لا يكون هذا قصدك، وعليه أكون لم أوقرك كما يجب، إذ لم أنظر لحديثك بالجدية المطلوبة.. لهذا أفضل أن أتناول هذا البيت بمنظار تصوفي (وهو بيت شاعر متصوف)، لشيء من إثراء الحوار، في نظري، أيا كان قصدك من تعليقك عليه..

قال له (الروح لي).. يعني دي خلصانين منها.. دي عندي أصلا من البداية (يعني حا تديني حاجة حقتي؟)..
(خل دعواها).. يعني بطل السلبطة..
(وهات الجسدا).. وريني تجسيدك.. في عبادتك وسلوكك.. لو بتحبني صحيح، حبك بظهر في أخلاقك.. في تجسيدك..

ده طبعا غير المعاني المتسلسلة التابعة لهذا الفهم، من الدعوة لتوحيد الجسد مع الروح، وبالتالي فض غربة الجسد (ده ما معناه إنو الروح عند الله والجسد عند الإنسان، إنما هي الحيلة العقلية المطلوبة في تحفيز السلوك، لإشعار الإنسان بإرادة مستقلة يعمل بها على الأخذ بالأسباب).. و المعنى التابع أيضا من أن الإنسان، في جوهره، إنما هو "الله زاتو" في طور التكوين، وده بياخدنا طوالي لي مستوى تاني من الحديث عن "تغريب الإنسان" في المفهوم الديني التوحيدي.. لي أنو المنهج في الدين التوحيدي قايم على "توحيد الإنسان" مع جوهره الأصيل، مش "تغريبو".. لكن نقيف لي هنا حسي في الموضوع ده..

عن ملكية الجسد وملكية اليمين

قولك يا أستاذ حسن (أما تعريجتك على" نظام الطبقية الهندوسية المعروف" الذي يعتمد" التفرقة الحازمة منذ الولادة، الى أسياد و عبيد و أطهار و أنجاس" فقد قرأتها، ُمغرضا ،كما لو كانت تزكية مجّانية لرق المسلمين على رق الهندوس، سيّما و انت تقول "ان المفهوم الديني، خصوصا في الاسلام، يقضي بعدم ملكية المسلم لأي شيء في الاساس".أها ناس " ما ملكت ايمانهم " ديل تعمل معاهم كيف؟ وما قولك في مزيد من الايضاح في هذا الموضوع، موضوع الرق في الاسلام ؟)..

لا.. حديثي لم يكن تزكية مجانية لرق المسلمين على رق الهندوس، ولعلاقة الرق في الديانتين عندي فهم تاريخي لا يبخس كلتيهما حقهما من التقدير.. ويمكنني أيضا، للمزيد من التوكيد، أن أقول أن للهندوسية عندي قدرا عظيما، لكونها الأخت الكبرى للديانات الشرقية، ولكونها صاحبة أقدم مفاهيم تصوفية توحيدية موثقة متكاملة عن ماهية الوجود، قبل كل الأديان العالمية المعروفة اليوم (كتابية أو غيرها)..

أما قولك (أها ناس " ما ملكت ايمانهم " ديل تعمل معاهم كيف؟ ) في الرد على قولي (ان المفهوم الديني، خصوصا في الاسلام، يقضي بعدم ملكية المسلم لأي شيء في الاساس)، فالإجابة عليه قريبة، وهي مأخوذة من نفس ناس (ما ملكت أيمانهم).. نجد في القرأن أيضا ((لله ما في السماوات والارض.. إن الله هو الغني الحميد)) وأيضا ((والله خلقكم وما تعملون)) (يعني "المتاع" ده زاتو الله خلقو).. فالفهم هنا، باصطحاب الآيات الأخرى، يشير إلى أن "ملكية اليمين" في تلك الآية إنما هي ملكية ارتفاق، وليست ملكية عين، يعني عهدة أو أمانة أو وديعة فيها مسؤولية، وفي هذا يقول أيضا ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا))، فلو لم يكن "ملك اليمين" هذا مسؤولية، لماذا يوصيهم به (زي ما بوصيه بالوالدين وذي القربى)؟ هذا علاوة على أن الشخص "ملك اليمين" هذا نفسه إنما هو ملك لله قبل أن يكون ملكا لسيده ((إن كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا.. لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)).. وهذا علاوة أيضا على الفهم المنطقي البسيط أن الذي لا يملك جسده ولا روحه لا يمكن أن تكون له ملكية منعزلة عن هذين خارج ملكية مالكه.. ((ولله ما في السماوات وما في الارض.. وكان الله بكل شيء محيطا))..

أما طلبك للمزيد من الإيضاح عن موضوع الرق في الإسلام، فلا مانع عندي، غير أني أحتاج لمدخل يجعلني لا أتحدث خارج ما تريد مني تناوله.. وأرجو، عند توفر ذلك المدخل، أن تعينني الظروف الموضوعية (من وقت وحضور ذهن) على تلبية هذه الدعوة..

هذا وأستميحك عذرا عن العبارة التي ضايقتك في تعقيبي، فهي ربما تخلق التباسا لدى القارئ فعلا، ولكن العزاء في أن حديثك موجود بعاليه كما هو بصورته التي وضعتها أنت، كما أني قد اقتبست جميع الفقرة المعنية في تعقيبي قبل أن أعقب عليها، وعليه فإن القارئ المتابع مطالب بأن يقرأ نصك قبل أن يقرأ التعقيب عليه، ويقرأ أيضا تعقيبي كله قبل أن يقفز لتلك الفقرة التي ضايقتك.. ورغم أني لا أريد أن أنفي المسؤولية تماما عن نفسي تجاه أي التباس قد يجري للقارئ، إلا أن مسؤولية القارئ أكبر بكثير هنا (وللقارئ دوما مسؤولية).. أنا لم أفترض من الأساس أن أي قارئ لتعقيبي سيقرأه قبل أن "يقرأ ويعي" نصك الذي عقبت عليه أنا (وهو فوقه مباشرة).. ورغم هذا عذرا، وشكرا على التنويه..

عن البصق في سنغافورا

قولك (لقد وردت مداخلتك و أنا اكتب" مشهد الاقعاء" بالاشارة لـ "مارسيل موس" أدناه. و قد وقعت لي عبارتك في جرح حينما قلت أن " النظر لأزمة الجسد المسلم المعاصر من هذه الزاوية يعني تلقائيا أن هذه الازمة مودعة في اجساد أتباع الاديان الاخرى أيضا.." ذلك أنها تجمع بين المسلمين و المسيحيين و اليهود و البوذيين و غيرهم من أهل الاديان الأرضية في سرج واحد على دابة السوق العايرة. قصي ، هل سمعت بحكاية بصاق الصينيين في سنغافورا؟)..

لا أزعم أني فهمت تماما ما قصدته بعبارتك هذه، وما تلاها من سرد عن بصاق الصينيين في الأماكن العامة كموروث ثقافي ذي دلالات إيجابية عندهم (وهو حديث طريف في جملته).. على العموم، أنا لست من المتضامنين مع التصنيف "الأرضي-سماوي" للأديان.. أتضامن مع تصنيف الأديان الكتابية (اليهودية + المسيحية + الإسلام) اصطلاحيا كما هو عند المسلمين بصورة عامة، غير أني أنظر للهندوسية والبوذية والتاوية (والسيخية والبابية والبهائية.. الخ) بمنظار لا يخلع عليها صفة "الأرضية" في مقابل صفة "السماوية" للأديان الكتابية.. لهذا كان تعميمي لجميع الأديان بالصورة التي كانت.. فهو تعميم مقصود في ذاته، ولم يأت استرسالا دون ضابط..

عن أيدلوجيا السوق

قولك (أوافقك ان نظام السوق انما يتبع مصلحته المادية حيثما كانت مع الاصوليين الاسلاميين او مع الاصوليين النصارى أو مع الاصوليين الصناعيين اليابانيين او مع الاصوليين الماركسيين اللينينيين الماويين في الصين او مع الشيطان نفسه.لكني لا اوافقك على غياب المنهجية و غياب الفكر عند سدنة نظام السوق.فآلة السوق الناشطة اليوم انما تعمل على منهجية عالية التركيب وعلى جهد فكري متقدم و مستفيد من جملة المعطيات العلمية و السياسية و الاقتصادية التي راكمتها الثقافات الانسانية على مر القرون.و كل الجهد المنهجي و الفكري لنظام السوق يمكن تسميته بـ " آيديولوجيا السوق" انما يستهدف صيانة و تنمية المصالح المادية للطبقة التي تمسك بمقاليد السوق)..

هذه نقطة صعبة الجدل بطبيعتها، في نظري، وعلى العموم أعدك بمراجعتها على ضوء كتابتك أعلاه.. ما أراه أنا، حتى الآن، أن نظام السوق لا يسير على فكر منهجي، مما يجعله قابلا للتشكل الحربائي حسب المصلحة.. هي حركة "غريزية" أكثر من "منهجية"، كما أراها.. هذا لا يعني غياب التفكير، ولكن ليس كقيمة، وإنما كخادم نافع، إذ أنه لا ضرورة له أحيانا (مرات عضلات ساي كفاية).. الفكر المنهجي دوما لا بد له من مركز، سواءا تمثل في أشخاص بعينهم أو منظمات بعينها أو مبادئ بعينها، وهذا ما يفتقده نظام السوق المعاصر.. هناك كيانات متعددة، في شكل منظمات أو دول، يشار لها كوجوه لنظام السوق، غير أن هذا النظام ليس ممركزا، عند التدقيق، في أي من تلك المنظمات أو الدول (أو مبادئها، إن وجدت)، وإنما تحكم علاقة رؤوسها الكبار مصالحهم الشخصية مع بعضهم، ومخاوفهم المتمركزة في طموحاتهم الخاصة (سواءا على المستوى الفردي أو التنظيمي الاقتصادي).. الأيدلوجيا بخلاف ذلك، في صورتها العرفية.. الأيدولوجيا تقوم على خدمة فكر، أما نظام السوق فيقوم على خدمة الفكر، أي فكر، له (وما مهم الفكر ده شنو).. والمكر الرأسمالي ليس بحاجة لمنهجية، فالمكر وسيلة دفاعية متمكنة عند الحيوان (أو الإنسان) الذي يطلب أكبر كسب يمكن الحصول عليه في اللحظة الآنية، بأية وسيلة متاحة، وهذه لا تحتاج إلى منهج فكري يتصل بالماضي ويؤسس للمستقبل في رؤية متسقة.. نظام السوق "ماكر" ولكنه ليس "مفكرا" كما أراه اليوم.. لهذا فإن عواقبه تكون عادة في قبضة الهواء، بصورة عامة، ومحكومة بخوف متواصل، على مستوى الأفراد والدول والمنظمات (أمريكا، مثلا، تصرف على تكنولوجيا الحرب صرفا هائلا، دون أي عائد ربحي ملموس لها غير شراء شيء من الاطمئنان المؤقت لسيادتها، والذي سرعان ما يبدأ بالتبخر مع ظهور معلومات استخباراتية جديدة عن تجارب دولة أخرى في تكنولوجيا الحرب أيضا.. ونفس المسلسل مع الدولة الأخرى إياها، وهلم جرا، والقائمة تطول).. واليوم، على سبيل المثال، صارت الصين (الشيوعية بزعمها) قوة نامية بصورة مخيفة، تهابها أمريكا في ظل نظام السوق (الرأسمالي)، ولو كان لنظام السوق أيدلوجية هنا، لكان في قمة أجندتها عدم تمكين دولة كالصين الآن.. ولكن نظام السوق، بعدم منهجيته، لا يملك هذا، مما يجعله قابلا، في سيرورته، لخنق نفسه بنفسه، ليسهل المهمة بذلك على "أعدائه" في الإحاطة به وهزيمته (وهو مايجرى الآن على قدم وساق، في نظري).. أو لعلها "أحلام زلوط" من جانبي؟

وتجديد المحبة..

______________________

* ربما تجدها في موقع الفكرة (alfikra.org) بعد حين.. إذ أنه كما أرى، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، في حالة من الصيانة العامة في هذه الأيام التي أرجو ألا تطول..

** ليست القصيدة كاملة، وإنما أوردت ما أستحضرته ذاكرتي منها..
آخر تعديل بواسطة قصى همرور في الاثنين مايو 01, 2006 6:30 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
Conventional is neither neutral nor convenient
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

جريمة قتل عقوبتها زغرودة ...

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

الاستاذ حسن موسى ..
ترددت كثيراً في الدخول والمشاركة في هذا الموضوع .. فانا من جيل طالته يد ( الداية ) الظالمة وعبثت بجسده عادات وتقاليد بالية ..
كان سبب ترددي هو احساسي بضآلة قلمي اليافع وفكري المتواضع امام هذا الكم من العمق والثقافة ..
لكني حسمت ترددي وقررت ان ارفع صوتي الضعيف ايمانا مني بضرورة محاربة العادات الضارة التي تسود مجتمعنا السوداني .. وليقيني بان الكلمة سلاح .. اكتب هنا ليسمعوا هناك ... وليعملوا اية جريمة يرتكبون بحق المراة تحت غطاء الدين والعرف ...
وهم منهم براء ...

ليل حالك .. رعد قاصف ..
برق لامع ... مطر دافق ...
ريح تزأر ... أمل يقتل ..
حلم يؤاد .. وحس يدفن
ضؤ واهن ..قلب مفجوع ودم مسفوح...
في الخارج ..دفوف تضرب ..وعجل يذبح ..

ابنة سبع تبكي وتصرخ ..
أمي وابي اني انتهك باسم الدين...
قطعوا لحمي باسم العرف...
سلبوا حسي بدعوى الحفظ ..

ابنة سبع ما زالت تصرخ ...
ومن خلف الباب أتت الجدة ..نظرت بجمود ..
وأمرت بهدؤ.. سوي السطح .. حفي الجانب ..زيلي كل نتؤ...
وتم الذبح .. واطلقت الام زغرودة طويلة ...

ابنة سبع زادت عشراً ... ثم ثلاثاً
تفتح قمر في عينيها ... وسرح الورد على خديها ..
تكور نهد .. تضمر خصر
تنافس حسنها مع فتنتها..

راءها الفارس المغوار ..فشد لجام الفرس وشهر السيف..
صال وجال... وتم النصر ...

ويوم الفوز ... حاول ان يظفر بغينمة ...
وان يستكشف ارضاً بكر جميلة ...
فوجد السطح أملس لامع ..
ووجد الحس ساكن خامد ...

أرغى وأزبد .. كيف يعيش نشوة نصره مع جسد بارد ؟؟
وبكت الطفلة .. وحكت القصة .. كيف اقتطع العرف جسدها البض .. وكيف انتهك الجهل سراً اودعه الخالق بكل كرم...

يئس الفارس من قطف ثمار النصر .. فشد رحاله .. ورحل ...
ساله البعض .. كيف تخلى عن كنز وجده ... فرد بكل بساطة ...
كيف اعاشر لوح الثلج ؟؟!!!....


مهداة الى كل فتاة عانت من قسوة الختان الفرعوني الذي اثبتت الدراسات انه يؤثر بصورة سلبية كبيرة على الناحية الصحية والنفسية للمراة ...

ارفع صوتي بضرورة محاربة هذه الظاهرة الموروثة من جهل ومطبقة بجهل ...
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جيوبوليتيك الجسد

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشهد الصفوة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النور
يا أخانا الذي في أم ريكا ذات العماد
" التي لم يخلق مثلها في البلاد"
و جورج دبليو ذي الأوتاد ..
سلام من على البعد .. و كلام.
حين اشرت في مبتدأ كلامي لـ "حرج الجمهوريين " عن الخوض في امر الخفاض، كنت انت (و بعض معارفي بين الجمهوريين الذين لم يوقعوا على العريضة) في بالي.و لكني سرعان ما لمت نفسي على هذه الغفلة التي تضمر مطالبة معارفي الجمهوريين بأن يقفوا " وقفة رجل واحد "( على عهدي بهم في سبعينات القرن العشرين)في هذا الامر العامر بالالتباسات، بينما هم اليوم في احوال شتى و قد تفرقت بهم سبل الفكر ـ و لو شئت قل: سبل " الفكرة"ـ أيدي سبأ.و الجمهوريون في هذا ليسوا نسيج وحدهم، فالفرز و التحوّل لا يستثني أحدا ،و هذه فولة سنعود لها لاحقا و الحمد لله على كل شيء.و ربما كان باعث غفلتي كوني كنت أتمناك بين من وقّعوا على عريضتنا للمطالبة بمنع خصاء الفتيات بحد القانون.وحين قرأت مداخلتك تبين لي اللبس الكبير الذي كنت أقيم فيه أنا حين كتبت ما كتبت في خصوص " حرج الجمهوريين".و هذا، يا صاح ،بعض من مزالق هذا الشأن الشائك، شأن الخفاض كتعبير بين تعبيرات سياسة الجسد العربسلامي السوداني، و" الحي بشوف" كما يعبّر الاهالي.
المهم يا زول ،رسالتك عامرة بألوان من الفكر و العبر الكثيرة التي لابد لنا من فلفلتها واحدة واحدة، لكني ، في هذا المقام سأكتفي منها ببعض عباراتك المفاتيح التي ربما مكنتنا من فتح أبواب جديدة للريح في صدد ما يعتمل في جسد سياسات الجسد:

" الضغط الصفوي":
ــــــــــ
طبعا الغرض من العريضة، كما تقول: " هو دفع السلطات السودانية عن طريق" الضغط الشعبي" ـ و هو في هذه الواقعة بالذات ليس سوى " ضغط صفوي، و شبه صفوي" ـ لكي تصدر قانونا يحرم تلك العادة و يجرّم من يجرونها على بناتهم".
و أنا استخدم عبارة الـ " ضغط الشعبي " من باب المجاز، و لو كان في وسع الشعب ان يتحرك و يضغط لأغنانا واقع حركة الشعب عن سن القوانين الحكومية. لأن واقع الحركة الشعبية الضاغطة يصبح اضمارا جمعيا، و الاضمار الجمعي قانون صارم يصونه الحس الجمعي و لمولانا " بيير بورديو" نظرات سديدات في هذا الامر، أرجو ان يتاح لي براح لعرضها ضمن مشهد سياسات الجسد في بلادنا.
وأنا اظن ان عبارتك: " ضغط صفوي" أكثر دقة في وصف حالنا الراهن. الاّ ان الضغط الصفوي هو الضغط الوحيد الذي بمقدورنا ممارسته حاليا. وهو ضغط " أضعف الايمان"، حتى اشعار آخر. و الاشعار سيحصل لو ساغ للضغط الصفوي ان ينمسخ ضغطا شعبيا، في تلك اللحظات التي تتوافق فيها رؤى الصفوة مع رؤى الجماهير الشعبية وتتقابل فيها مصالحهم المادية والرمزية، كما حدث في اكتوبر 1964 وفي لحظات تاريخية اخرى يحتفي بها شعب السودان. و في كلامك استنكاف ظاهر من الصفوة و أنت (و أنا) في صفوة الصفوة، ولا ينفعنا ان نتبرأ من هذا "الاثم" الوجودي مثلما لا ننفع حين نتباهى به على الاهالي الغبش. وجل ما ينوبنا من قدر الصفوة هو ان نبذل عائده لفائدة الصالح العام، وأضعف الايمان أن نصون بأسه عن الحاق الضرر بالناس.
و"جناب السلطات السودانية الانقاذية الراهنة" التي نرفع لها العريضة هي السلطة التي احتلت مقعد الدولة (حتى اشعار آخر) وهذا بلاء واقع لا نقبله وان لم يكن في وسعنا الراهن امكانية ردّه. لكن عجزنا الراهن عن إجلاء حكومة الانقاذيين من مقعد الدولة لا يعني اننا نتركها تعمل ما تشاء من عمايل المستبدين، بل سنثابر على مُزازاة الانقاذيين بكل الوسائل ـ بما فيها الضغط الصفوي إيّاه ـ حتى يتخذوا سبيل مصلحة الشعب السوداني. والمزازاة التي تحت يدنا حالياً تتجسد في حملة الضغط الإعلامي والفضح السياسي الذي نحن بصدده، على الأقل في منبرنا هذا المتسمي ب" سودان للجميع"، والذي يُفهم من حديثك إنك تصنّفه بين أدوات و"طرائق اليسار السوداني المستظل بدوحة أدبيات الحزب الشيوعي السوداني". وهذا إجحاف في حقنا كونك عارف(أكثر من غيرك) بطبيعة العلاقة التي أقمناها و نقيمها مع الحزب الشيوعي السوداني(ومع الجمهوريين) على مدى أكثر من ثلاثة عقود هي عمرنا السياسي والفكري. وهذه العريضة التي تبنيناها ودعمناها، بصرف النظر عن الدوافع السياسية للجهة التي قد تكون أطلقتها، سواء كانت الحزب الشيوعي أو حتى نظام الإنقاذيين السودانيين هيمسيلف(وهيهات)، فهي، في نهاية تحليلي، عمل صائب نافع للصالح العام حتى و إن كانت عاقبته إدانة و سجن بعض الأهالي الغبش المتمسكين بتقليد خصاء الفتيات. و لو ساغ للاسلاميين أن يسرقوا " كرت الخفاض"، كما تقول، من قوى اليسار السوداني فهنيئا لهم به، وهنيئا لفتيات السودان لو كانت هذه السرقة السياسية تجنبهن موس الطهّارات الخصّاءات، و هنيئا لنا كلنا. وأتمنى أن يلهمهم الله سرقة كروت الديموقراطية وكروت احترام الحريات وكروت احترام حقوق الأقليات وكل شي في الحيا جايز (شفت جنس البراغماتية دي؟).
أقول: إن الضغط الصفوي الديموقراطي المتمثل في مـُزازاة الحكومة المستبدة بمواعين الدولة السودانية تقليد ثابت في عمل الصفوة اليسارية السودانية، و قد جرّبناه تحت ظل دكتاتورية نميري المايوية وانتفعنا به في كسب قطاعات من الناس الذين استمعوا الينا ووعوا محتوى خطابنا النقدى ودعمونا بما مكننا من مواصلة العمل العام، سواء في الاطر العلنية المشروعة أو في الاطر السرية غير المشروعة الاخرى. وفي تخليل ما، أظن أن كفاءة الضغط الصفوي على المستبدين بالسلطة السياسية في السودان إنما تتأتّى من واقع أن خصوم الصفوة المعارضة الضاغطة هم في النهاية صفوة أخرى قيّض لها أن تحتل محل الدولة، والصفوة الحاكمة اليوم ما هي الاّ تيار آخر بين تيارات حركة الصفوة التي تمخض عنها جسم الطبقة الوسطى الحضرية في السودان. و لو نبشت في سيرة المسئولين السياسيين الذين تسنّموا سدّة السلطة في السودان خلال نصف القرن الماضي لوجدتهم، بخلاف بعض الاستثناءات النادرة، ينتمون إلى نفس شبكة العلاقات العرقية والأسرية و الدينية والمهنية التي تجعل منهم نوعاً من أخطبوط لا يفك قبضته عن جهاز السلطة الا ليعيد احكامها عن طريق أحد اذرعه الطويلة العديدة. وما ظهور موضوعات " المهمشين" و"الأفريقانيين" و"السود" الخ في الأدب السياسي الراهن الاّ كتعبير منطقي عن عواقب انفراد ابناء الطبقة الوسطى الحضرية العربسلامية بالسلطة ، في تجلياتها المادية والرمزية، في السودان على تعاقب الاجيال. لكن احتكار السلطة السياسية بين أعضاء الشبكة العربسلامية بدلاً من ان يؤدّي الى تحقيق نوع من الاستقرار السياسي ، بحكم التجانس و الانسجام المفترضين في القابضين على مقدرات الحكم، أدخل الشعب السوداني في متاهات من الصراعات التي لا تنتهي بين أعضاء النادي السياسي العربسلامي وبين العربسلاميين والآخرين. وقد عالجت الباحثة السودانية إيناس احمد ( جامعة بوردو) سؤال التجانس الظاهر في الأصول الاجتماعية و العرقية للقابضين على السلطات في السودان مقابل التنافر الفادح بين مشاريعهم السياسية، في محاضرة بعنوان" النخب السياسية في السودان" ، نشر نصها المركز الثقافي الفرنسي فريديريك كايو بالخرطوم في 2004.
تقول ايناس أحمد: ان "..كل اعضاء" الطبقة " السياسية ، سواء كانوا عسكريين أو أعضاء أحزاب، تزاملوا في المدارس الرئيسية الثلاثة (حنتوب، خورطقت ووادي سيدنا) أو تزاملوا في الجامعة".."هذه المؤسسة التعليمية تعتبر منبت النخبة الحاكمة التي تهيمن على البلاد منذ الاستقلال". و تتساءل أيناس أحمد:" لماذا يوجد عدم استقرار سياسي عميق برغم تشابه القوى السياسية المهيمنة وبرغم صلات التقارب بينها؟" و تجيب على التساؤل:
"برغم الوحدة الآيديولوجيية المشتركة تبقى الصفوة منقسمة " مفككة" تتميز العلاقات بين افرادها بالتشرذم. وفي الحقيقة فأن التسويات و الوحدة الآيديولوجية التي يتميز بها أعضاء هذه الصفوة الحاكمة إنما تقتصر على النظام السياسي الديني دون أن تطال لوائح أداء النظام ناهيك عن مبدأ التناوب على الحكم. إن موضوع التسويات يتردد كثيرا في الخطاب السياسي لهذه الصفوة ونماذج المساومات كثيرة . بيد أن المساومات و التسويات تبقى ظرفية مرتهنة بملابسات الاستيلاء على السلطة أو احتكارها. وبهذا فهي مساومات وراءها المناورات الحزبية خلال الأزمات السياسية. وهذا الواقع يفسر أيضا كيف ان علاقات الاتصال (وشبكة التداخل الاجتماعي الكثيف) غير الرسمي بين أعضاء هذه الصفوة لم تتطور إلى مستوى مواعين سياسية مؤسسية. إن النظام السياسي السوداني هو نظام طابعه التشرذم الحزبي، و عليه يمكن قراءة عدم الاستقرار السياسي على ضوء هذا الواقع المركب من الهيمنة الإيديولوجية للصفوة و من تشرذمها الحزبي." وفي انتظار ان تتعلم الصفوة السودانية من أخطائها فسنظل نتعقبها بأنواع الضغط المتاح حتى يطلع الصباح و نرتاح ..

" اليسار السوداني":
ــــــــــ
النور،
كلامك عن "اليسار السوداني" لا يخلو من اللبس الأخلاقي وأنواع التحامل المجاني، فكأنك تنتفع بهذه المداخلة في موضوع الخفاض لتصفية حسابات قديمة مع هذا الكيان الذي تسميه بـ " اليسار السوداني". ولا مانع عندي على تصفية الحسابات مع أي كان، وأنا يا صاح بين قوم عندهم حسابات مؤجلة مع الحزب الشيوعي و مع الحزب الجمهوري ومع الحزب التشكيلي (ومع" مشروع الجزيرة زاتو"على حد عبارة حامد جَوْ كرّم الله وجهه). لكن طريقتك في تصفية حسابك مع الحزب الشيوعي تعرضنا للضررالـ " كولاتيرال" لمجرد حضورنا على مقربة من محل الحساب. و"الحساب ولد" (و"الحساب بتْ" كمان).
تقول:
"ظللت دوما متشككا في تكتيكات اليسار السوداني السياسية،
المستظلة بشجرة الحزب الشيوعي "
السوداني

.."واليسار السوداني ثوب فضفاض يضم قبائل شتى
..
وحين تحولت إلى الأستاذ محمود محمد طه،
تحولت نحو أفق مختلف من آفاق اليسار،
..
وحين أختلف اليوم، مع مقترحي العريضة،
أو المذكرة، والموقعين عليها،
أفعل ذلك من منطلق يساري محض"

.. يا زول لا اعتراض لي على يساريتك الجمهورية طالما اعتبرت الجمهوريين ـ و بالذات جمهوريي ما قبل اغتيال استاذنا محمود محمد طه ـ احتمالا أصيلا من احتمالات تطور حركة اليسار في السودان. وأنا أفرز بين ما قبل وما بعد اغتيال الأستاذ محمود، وأصنف خشوم بيوت الجمهوريين، على أساس واقعة الاغتيال، بناءاً على ما أسمع و أقرأ فيما آل إليه حال "الأخوان الجمهوريين" في السنوات الأخيرة. و سأعود لهذا الأمر، أمر" فلول و شراذم "الجمهوريين، بتفصيل لاحقاً..هل قلت " فلول و شراذم الجمهوريين"؟ عفواً يا صاح، فلم يكن في نيتي استخدام هذه العبارة الجائرة، و لكن خطر ببالي لفت نظرك الى مدى القسوة المتكنّزة في لغتك وانت تقيّم تجربة اليساريين السودانيين ممن تخرجوا في مدرسة الماركسية اللينينية السودانية كتجربة تنعدم فيها"الرؤية المقعدة الخ" و تلخصها في عبارة ثانية أشنع من الأولى تجعل من عملهم في المعارضة السياسية مجرد " خبط عشواء ".
تقول:"..
بعض قوى اليسار السوداني".." الظانة بنفسها حمل مشعل التقدم والتحديث،
.."
وصفك لـ "بعض قوى اليسار السوداني"( ترجم الحزب الشيوعي السوداني) بعبارة " الظانة بنفسها حمل مشعل التقدم و التحديث" فيه اجحاف في حق قوم ـ رغم كل النقد المشروع الذي يمكن ان نوجهه لهم ـ عانوا الأمرين ـ و ما زالوا ـ بسبيل حمل" مشعل التقدم و التحديث" في السودان. و أنا استنكر عليك جور الخاطرة و جور العبارة، من جهة أولى، لأنك كاتب( و شاعر) عارف بمفعول الكلمات بحيث لا تمرق لك كلمة دون أن يكون مرماها معرّفا عن سبق القصد ببديهتك الأدبية التي تعرف كيف تستغني عن فضول القول وعواهنه. و أنا اعرف ان في جعبتك الأدبية أكثر من خيار اسلوبي قمين بتجنيبنا جور الفلتان البلاغي المقصود. ومن الجهة الثانية فأنا استنكر عليك الاجحاف في حق تاريخ العمل الجماهيري عند الشيوعيين السودانيين الذين ـ رغم كل النقد المشروع الذي يمكن ان نوجهه لهم ( تاني) ـ يعود لهم الفضل الأكبر في طرح تجربة ثقافية لعبت دورا مهما في التكوين الفكري و السياسي للسودان الحديث.فالشيوعيون السودانيون ـ رغم كل اختلافاتنا المشروعة معهم ـ لهم الفضل في تربية القوى السياسية الحديثة و تعليمها أشكال حديثة و متقدمة للتفكير و التنظيم و التعبير في اطار العمل العام ، و ذلك على تباين الألوان و الانتماءات السياسية، و أنت واجد بلاغة الخطاب الشيوعي( "البيان الشيوعي"؟) حتى في نصوص غلاة الأصوليين السودانيين. و هذا مبحث شيق من مباحث تطوّر البلاغة السياسية الحديثة في السودان.أقول هذا الكلام و في قلبي شيء من الضيق كوني اراني منذ فترة قد انمسخت لمحام منقطع للدفاع عن الحزب الشيوعي السوداني من" عمايل" المتحاملين و" اسفاف " المتعامين الشيوعيين وغير الشيوعيين.و الطريقة التي تعالج بها امر الشيوعيين السودانيين في حديثك، تنطوي على تحامل ظاهر يحفزني لانصاف القوم بما يهيء لحسابي المؤجل معهم ان يتصفّى على أساس من الوضوح ، و انا ـ في نهاية التحليل ـ لا أدافع عن القوم الا بقدر ما اسعى لانصافنا نحن الموصوفين بـ " الديموقراطيين" السودانيين من جور يصيبنا من وقت لآخر كلما صفّى احد الماركسيين اللينينيين السابقين حسابا مع الحزب الشيوعي السوداني.


" ذكور اليسار":
ـــــــ
تقول:
"... ذكور اليسار من مروجي أدبيات حقوق الإنسان النابتة في أوحال تربة المرجعية
الغربية، والتي يراد لها التصدير وإعادة الغرس في فضاء حضاري وثقافي مختلف،"
..
تقول " ذكور اليسار" كما تقول " ذكور الانقاذيين " و أنت أدرى بان اليسار السوداني الذي ننتمي اليه( أنت و أنا و الشيوعيون السودانيون) انما يتم تعريف الناس داخله مبدئيا ـ و" الشريعة عليها بالظاهر" ـ بانتماءهم الفكري و بموقفهم الاجتماعي قبل ان يتعرّفوا بانتماءهم لجنس الضكور او لجنس الاناتي. وما ذا تفعل برهط النساء اليساريات، ذوات المراس الفكري و السياسي، ممن أسهمن، ومازلن ، في دفع حركة الحداثة السودانية على أكثر من وجه؟ هل يعقل اختصار موقفهن في عبارة أناث اليسار و السلام، أم أن الامر، أمرهن ( و أمرنا) انما يقوم ـ في نهاية التحليل ـ على تركيب أكبر؟..
و أراك تقع في شر أعمالك حين اقرأ بقية عبارتك" ..من مروّجي أدبيات حقوق الإنسان النابتة في أوحال تربة المرجعية الغربية.." فقد حيّرتني، كوني كنت أحسبنا في زمرة قوم انقطعوا للترويج لأدبيات حقوق الانسان. و جعلت أتساءل : ما مآخذك على أدبيات حقوق الإنسان يا ترى؟ هل هو مُركّب " خضراء الدمن" الذي يدين" المرأة الحسناء "لأن الأقدار ألقت بها "في منبت السوء"؟ ( " ايّاكم و خضراء الدمن ..")
يبدأ أول بند في ميثاق حقوق الإنسان بالعبارة :
" يولد الناس أحرارا سواسية.."
و هي قولة حق لا ينال منها واقع إنتاجها ضمن بنية المجتمع الأوروبي الذي اخترع الهيمنة الاستعمارية و صانها لحماية مصالح القلة. أم لعلك تعترض على" أدبيات حقوق الإنسان" لأنها تنطوي على سم" المرجعية الغربية" إياه، و هو السم الأسطوري الذي يترصد الشرقيين ـ و قيل عموم أهل العالم الثالث ـ و يفسد عليهم بهجة الحياة في دفء الثقافة البائدة قبل الرأسمالية؟
و هل السم الغربي أشنع من السم الشرقي الهارينا دا؟
و بعدين ياخي، هل في مرجعية حاضرة اليوم غير المرجعية الغربية أُمْ" أوحال" دي؟
ما ياكا انت ـ زيّك و زي غيرك ـ قاعد و متوهط جوّاها و كمان مستفيد على أوجه كثيرة، ولا أظنك تقبل التفريط في امتيازاتك المادية و الرمزية التي حصّلتها من جراء الانخراط النهائي في هذه المرجعية الثقافية الغربية أم أوحال، التي تستعيذ من عواقب "تصديرها" على "فضاء حضاري و ثقافي مختلف". هذا الفضاء الحضاري المختلف الوارد في عبارتك، بغير تعريف، هو ، قطع شك، فضاء التقليد الثقافي قبل الرأسمالي الذي يلبّك ذاكرة الأهالي الغبش الذين تشفق عليهم من عواقب الوجود بين سندان"شرع الله" و مطرقة "شرع الحداثة".
تقول:"
..
أراد الذين يتحدثون بإسمهم من صفوة اليسار وراكبي موجة الحداثة المبنية على
الوصاية، أن يجيئوا إليهم بقوانين تنبش في سراويل بناتهم، لتجرمهم وتقودهم إلى
المحاكم.."
و ما يضيرك ان يتحدث القوم من صفوة اليسار باسم الأهالي و أنت تعرف أن من تسميهم بـ "صفوة اليسار" هم أولاد و بنات نفس هؤلاء الأهالي الغبش الذين تحتكر لنفسك حق الرفق بهم؟
..
..

أما بخصوص النبش في سراويل بنات الأهالي في عبارتك :
"أن يجيئوا إليهم بقوانين تنبش في سراويل بناتهم، لتجرمهم"
فأنا أرى أن غاية تحريم الختان، بحد القانون، هي صيانة حرمة الجسد المؤنّث و ضمان أسباب سيادته ضد أنواع الانتهاك التي تتذرّع بالتقاليد و العادات البائدة لمواصلة إذلال الإناث.
و تقول أن الاصلاح "لا يتم عن طريق القانون وحده. كما لا تكون ضربة البداية فيه بسن القوانين". وأنا لا أقول إن سن القانون سيؤدي بشكل أوتوماتي لإلغاء الختان، و لكن القانون يشكّل قاعدةً ماديةً ضروريةً يمكن أن تدعم جهود التنوير الفكري و السياسي لحمل الأهالي على التراجع عن خصاء الفتيات. وما يهم الناس من أمر "ضربة البداية" إذا كانت الغاية هي ‘يقاف خصاء الفتيات؟ وأنت تعارض فعل القانون بفعل التوعية، وأنا أعرف أنك تعرف إن القانون هو في حقيقته وجه من وجوه فعل التوعية. و فعل التوعية كما تقول أنت "طريق غير مباشر".." يمر بأراضي مختلفة"، بما فيها أرض التشريع.
و لو عرّجنا على ظاهرة تقليدية سودانية أخرى كالرق لفهمنا بسهولة دور القانون ، كـ " ضربة بداية" في دفع الأهالي المسلمين ـ الذين يجدون للرق أكثر من تبرير في النصوص الدينية ـ للتراجع عن استرقاق الناس، وفي الناس نفر يخاف (من القانون) و لا يختشي. قرأت قبل سنوات أن أهل موريتانيا واصلوا بيع وشراء الرقيق حتى مطلع ثمانينات القرن العشرين، حين أصدرت الحكومة قانوناً يمنع الاسترقاق في موريتانيا . و ذلك حين بيعت فتاة سوداء مسترقة في مزاد علني بموضع يسمّى "سوق عطّار" في مارس 1980 .
« Femmes d’ Islam , ou le sex interdit », Attilio Gaudio & Renée Pelletier, Denoël 1980,p.47.
و لربما ظل الناس يُباعون في السودان ، على الطريقة الموريتانية، لولا أن هيأت العناية للمسترقين نفر من المستعمرين الإنجليز النجوس الذين" سرقوا" كرت تجريم الاسترقاق من...
من مَنْ؟
(من الحزب الشيوعي السوداني طبعا..).

" ضمير الحداثة":
ـــــــ
تقول:
" والمحاولة القائمة الآن للتوقيع على عريضة
أو مذكرة يتم تقديمها لوزير العدل
والنائب العام الإنقاذي، لا تختلف في عموم تسبيبها الفكري،
ومقصدها العملي، عن ما قام به الإنجليز في عام 1946
من استخدام لسيف القانون لإستئصال تلك العادة الضارة.."
" ومن يمارسون عادة الخفاض على بناتهم،
لا يرون فيها عيبا مثلما يراه
المتعلمون الذين

سمحت لهم ظروف تلك الديار الحزينة
بالإلمام بطرف من قيم الحداثة،
فأصبحوا يتحدثون
منطلقين من ضمير الحداثة،"
و يهمني من هذا المقطع عبارتك " ضمير الحداثة"، لأن الاستاذ محمود في "ثورة رفاعة" ـ كما تقول، بغير حذر من مخاطر استخدام هذا المصطلح :" ثورة " ـ أقول: أن موقف الأستاذ محمود و أهل رفاعة الذين تبعوه للحصاحيصا لمحاصرة مركز الشرطة و استعادة ذويهم، إنما يعبر عن واحدة من اللحظات التاريخية التي تتقاطع فيها أقدار الصفوة السودانية الناطقة عن "ضمير الحداثة" مع أقدار الأهالي الغبش الناطقين عن ضمير التقليد الثقافي قبل الرأسمالي. ولقاء الصفوة مع الأهالي يقوم هنا على نوع من سوء الفهم الطوعي الغميس الذي يصونه كل طرف بقدر ما يرى فيه مصلحة على صعيد مشروعه الخاص. فمحمود محمد طه ، في نظري الضعيف، مثله مثل كل الناطقين عن ضمير الحداثة الإنسانية التقدمية، مثقف ابن عصره، لم يكن يداخله شك في ضرر الخفاض كطقس مرذول يحط من قدر النساء بانتهاك سيادتهن على أجسادهن، وفي نفس الوقت لم يكن الشك ليداخل محمود محمد طه في طبيعة الدوافع التقليدية التي حفّزت الأهالي الأميين، الفخورين بختان بناتهن ،على الاستماع لتحريضاته و اتّباعه في التمرّد على قانون تحريم الخفاض لحد مواجهة عنف الشرطة الاستعمارية. لكن محمود محمد طه، في حادثة رفاعة، كان يتصرف كداعية اجتماعي حداثي نبيل المقاصد أولويته العاجلة سياسية. و قد انتفع محمود محمد طه في حادثة رفاعة بطاقة الجسم الاجتماعي الناطق عن ضمير التقليد لكسب نقطة سياسية، ضد السلطات الاستعمارية، في إطار شقاق الحداثات المستعر بين حداثة المستعمرين( بكسر الميم) و حداثة المستعمرين ( بفتح الميم)، مثلما انتفع أهل رفاعة، الناطقين عن ضمير التقليد، بفرصة، نادرة في ذلك الزمان، هي فرصة الحصول على قائد منهم يمكن لهم أن يولّوه أمرهم، و إن نطق باسمهم في لغة حديثة لا يفهمونها. فمحمود في مشهد أهالي رفاعة كان نوعاً من مسيح منتظر، مسيح قد لا يفي بكل الشروط الأسطورية المتوقعة من المخلّص لكنه مسيح متاح ضمن شروط الزمان و المكان الواقعيين. و لعل حرّاس التقليد بين الأهالي قرروا أن يولوا ثقتهم لهذا المسيح المشاتر لأنهم استشعروا أن الرجل لن يخون برنامجهم البراغماتي البسيط المتلخّص في استعادة ذويهم من قبضة الشرطة ومواصلة خفاض بناتهم دون تدخل من طرف السلطات.
وتمثّلات سوء الفهم الطوعي بين الصفوة السودانية الحديثة و الأهالي التقليديين كثيرة في تاريخنا السياسي الحديث. وهذا باب للريح سأعاود فتحه ضمن مشروعي لفهم شقاق الحداثات السوداني. و كنت قد ابتدرته بكلام حول" السير عبد الرحمن المهدي و حداثة الغبش"، و في خاطري مواصلته على ضوء تجارب بعض رواد الحداثة في السودان. فصبرا.
و شتان ما بين اللبس في موقف محمود مع أهل رفاعة و اللبس في موقف السيد عبد الرحمن مع أهل الجزيرة أبا. فمحمود توسّل بطاقة القوى التقليدية لتسجيل نصر حداثي تحرّري( إقرأ يساري) ضد قوى الحداثة الاستعمارية، بينما توسل السيد عبد الرحمن بطاقة القوى التقليدية لتسجيل نصر حداثي رأسمالي (إقرأ استغلالي) مع قوى الحداثة الاستعمارية. و في كلا الحالتين بقي الاستاذ محمود و السيد عبد الرحمن في " ضمير الحداثة" ( بتنويعاته الأوروبية) بينما بقي أهل رفاعة و أنصار أبا في "ضمير التقليد" (بتنويعاته السودانية).
بيد أن حادثة رفاعة لا تنتهي عند هذا الحد، بدليل أننا نعود اليها و ننبش في تفاصيلها بعد كل هذه السنين. وذلك لأن هناك أسئلةً كثيرةً ما زالت معلقة في خصوص موقف محمود (والاخوان الجمهوريين) من عواقب هذا الامر. وأول الأسئلة هو لماذا طوى الجمهوريون صفحة مناقشة الخفاض في السودان ولم يعودوا لها رغم أن قانون السلطات البريطانية ظل ساريا في السودان بعد الاستقلال. وأنا أسأل هذا السؤال من واقع خبرتي بتجربة الجمهوريين و كفاءتهم العالية في إحياء و تنظيم المناقشات الشعبية الجادة التي لعبت دوراً كبيراً في تقعيد الفكرة الجمهورية هذا المقعد الجليل الذي نعرفه جميعاً. لماذا صمت الجمهوريون عن الخوض في أمر الخفاض في السودان كل هذه السنوات؟
النور يا أخانا الذي في البلاد..
أنا اسألك كل هذه الاسئلة ولا أتوقع منك أن تجيب عليها باسم الجمهوريين كوني أعرف أنك لست الناطق الرسمي باسم الجمهوريين ، ن كان ما زال هناك من الناس من يعرّفون أنفسهم كناطقين رسميين أو كورثة شرعيين لفكر الأستاذ محمود، أو حتى كممثلين لتلك الحركة الفكرية التي تزوّدنا من عطائها و تعلمنا من أدبها في السبعينات. وأنا في الحقيقة أعوّل كثيراً على إجابتك كصديق فكر تعودت معه على الخوض في كل ما قد يعبر الخاطر بلا عقد و بدون تابو. و في نهاية التحليل فلن ينتفع الناس من محاورتنا هذي إلا بقدر ما نتجاسرعلى تجاوز مدارات الكلام " الساكت" البوليتيكلي كوريكت الذي لا ينفع و لا يضر. ولا شنو؟
سؤال أخير: أين تقف أنت اليوم من الحراك المنتسب للجمهوريين و الذي يحييه نفر من الجمهوريين السابقين حول أفكار الأستاذ محمود محمد طه؟ و من هم الجمهوريون؟
النور
هذه الرسالة طالت و ما زال في الخاطر أشياء من حتى، و أظن أن من الأسلم إيقافها هنا حتى نستنير بأفكارك أو بأفكار غيرك في خصوص الأسئلة المعلقة
و سلام و مودّة..


قصي
يا صاحب الروح
سلام جاك و ألف شكر على عودتك لتفاكير سياسة الجسد. و هي كما تعلم تفاكير شاسعة واسعة و عامرة بأشياء شيقة من حتّى. و لا اظننا نخرج عن موضوع الخيط بسبب التخريمات الحانبية الضرورية، و من حيث اكتب، فموضوع الخفاض برمته ما هو سوى تخريمة أخرى ضرورية داخل مبحث سياسة الجسد الذي أتوسل اليه بوسيلة رقصة العروس.و رقصة العروس عندي وجه مركب متحوّل من وجوه التعبير الجمالي التشكيلي في السودان العربسلامي.

و لكي نقعّد المناقشة في المقعد النقدي الذي يليق بتعقيدها الحيوي ( الحيواني)و السياسي و الجمالي و الديني، فنحن نحتاج لبراح من الوقت ( و لو كان الوقت رجلا لقتلنا على بكرة ابينا)، و نحتاج للجهد النقدي الخلاق المتفرّد بشكل جمعي أو كما جاء في المثل غير المعروف:" صفقة الأيد الواحدة ما تكتل غزال"..
المهم يا زول ، في هذه العجالة ـ و العجلة أصل الشيطان ـ أنتقي من كلامك بعض المفاهيم التي تفرض نفسها و أعد بعودة متأنية.
تقول:
" فأنت بمرجعيتك الفكرية، تنظر الى الدين كناتج كجتمعي، أما أنا ( بمرجعيتي الفكرية أيضا)فأنظر الى الدين كناتج عقلي سابق لمرحلة المجتمع البشري.." و بهذه العبارة تحيلنا ـ بجرة قلم ـ الى مشهد الصراع الذي يوصفه الأدب الماركسي كصراع بين الفكر المادي و الفكر المثالي.و هو توصيف أقبله أنا على مضض لأنه يتصوّر امكان فكر" لا مادي".و الفكر في نظري الضعيف كله مادي، بما فيه الفكر الموصوف بـ " المثالي ".
و أنا أعتبر الفكر الديني فكر مادي متحقق ضمن الشروط المادية التاريخية لأهل الارض رغم ان أهل الدين الذين يتطلّعون الى السماء غالبا ما يتناسون الأرض، أرض الواقع الاجتماعي.و بمناسبة تساؤلك عن " كفاءة الدين"،فأنا اعتبر أن كفاءة اي دين انما ترتهن بمقدار ما يتجذر في واقع الارض.ذلك ان الدين، كظاهرة تاريخية، انما ينطرح كبناء رمزي مصطنع اصطناعا بغاية تلبية حاجات التنظيم الاجتماعي في لحظة معينة من تاريخ تطور الوعي الاجتماعي .و على هذا الاعتقاد أرى الدين ضروريا كوسيلة تنظيم اجتماعي طالما لم يتوصل الناس لوسيلة أخرى اكثر كفاءة من الدين على الصعيد الاجتماعي. و حين أقول : "أنا على دين ابن المقفّع أكره أن أبيت ليلتي على غير دين"، فأنا أيضا على فطرة الأعراب الذين قالوا "آمنا " فقيل لهم : لم تؤمنوا و لم تدخل ميتافيزيقيا الايمان في قلوبكم. أنا يا صاح زاهد في الايمان و الميتافيزيقيا البائدة، لكني أثمّن غاليا كفاءة الدين كماعون للفعل الاجتماعي و كضرورة عملية بعيدة عن التجريد الصوفي الشرقاني . و لمولانا" أوغست كونت" تفاكير سديدة في خصوص "الدين الوضعي" أرجو ان نجد لها براحا لنتأنّى عند ثناياها ضمن ونسات قادمات.و في هذا المشهد، مشهد الدين بدون ميتافيزيقيا( و هيهات )، فكفاءة الدين تهمّني من مدخل " الرحمة بخلق الله" أكثر مما تهمني من مدخل " الغيرة على دين الله"، شفت كيف؟ و هذا ( أيضا)" سؤال استفساري" كما تقول.
مودتي.



سناء عمر بابكر جعفر
شكرا على المداخلة الجسورة
القلم اليافع سيكبر بالمثابرة و الفكر المتواضع سينمو و يزداد تشعبا بتجارب الصراع و الصوت الضعيف سيعلو بالمران..
القيمة الجوهرية في مداخلتك هي التجاسر على الخوض في هذا الشأن الذي يتجنبه الكثيرون.و يوم تتجاسر النساء السودانيات على أخذ الكلام و التعبير عن أحوالهن و مطالبهن دون وجل، يومها ستنهار آيديولوجية المجتمع الذكوري وسيهل عهد جديد، ولا شنو؟
مودتي


أضف رد جديد