محمد بهنس الراحل الباقي / مقال بقلم عزة عبدالحميد

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

محمد بهنس الراحل الباقي / مقال بقلم عزة عبدالحميد

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

"بهديك الفوضى... بهديك حزنك...": محمد بهنس الراحل الباقي كورقة أبدية تحترق






ثقافة

عزة عبد الحميد

الأربعاء 12 فبراير 202002:12 م

"بهديك الفوضى/ شجار طفلين في ساحة روضة/ بهديك الغربة/ هتاف الموتى/ وصمت التربة/ بهديك حزنك/ وستات الفول أثناء الخمشة/ بعد إذنك.. بهديك إحباطي/ حديث عابر في مركبة عامة بصوت واطي/ بهديك الليل البين جبلين/ فقدك لقى دين"..

منذ ست سنوات، اكتسبت قصيدة "بهديك الفوضى" التي يتصدرها المقطع السابق، شهرة واسعة في الواقع الثقافي العربي، الذي بدا وكأنه يعتذر لمؤلفها الشاعر والتشكيلي السوداني الراحل محمد حسين بهنس، (1972- 2013)، الذي رحل متأثراً بالبرد والجوع على أحد أرصفة القاهرة، في مثل هذه الأيام من عام 2013.



هذه القصيدة التي يطرحها محرك البحث "جوجل" كنتيجة أولى، بمجرد الانتهاء من كتابة أولى كلماتها، صارت منذ وقتها مرثية لصاحبها المبدع الشاب، متعدد المواهب الذي قطع مبكراً الكثير من الأشواط باتجاهات فنية وإبداعية عدة، أهمها الفن التشكيلي والكتابة الأدبية والموسيقى، وصولاً إلى الجنون والموت، كخيارين أكثر رحابة أحياناً وأقل خذلاناً من الحياة.

منذ ست سنوات، تتجدد في الشهر الأخير من كل عام ذكرى رحيل بهنس، لتستفز النزعة الكربلائية العربية التي تتضخم فينا كلما مات مبدع كمداً أو انتحر، فتختلط مشاعر الصدمة بالذنب، وجلد الذات مع الثورة وتبادل الاتهامات، ثم الصمت حتى سقوط ضحية أخرى.

وكل مرة، يبدو الأمر كأننا نكتشف فجأة أن الجوع يقتل، والبرد يقتل، وتشريد مبدع وترحيله قسراً عن بلد له فيها أعمال فنية ناجحة، كما حدث مع بهنس بباريس، دون أدنى تدخل من بلاده، لن يسرع بخطواته نحو مصير درامي كالموت أو الجنون.

لكن ذكرى رحيل هذا الشاعر والروائي المسالم، الذي تنطق صوره العديدة، والتي امتلأت بها مواقع التواصل فور رحيله، بالفرح والحياة، تجدد أكثر من غيرها حزناً وحسرة خانقين، ربما لأن موته كان مجانياً ولا إنسانياً أكثر من غيره من المبدعين، فهو لم يمت مريضاً أو منتحراً أو حتى مغتالاً، مات متجمداً من البرد والجوع في إحدى العواصم التي يردد أهلها بيقين دائم "أن لا أحد هنا يموت من الجوع"، وعلى بعد كيلو مترات قليلة من سفارة بلاده، وبعد بضعة أعوام قضاها على مقربة من وسط المدينة، نقطة التقاء المثقفين والفنانين والثوار، صار خلالها وجهاً مألوفاً لغالبيتهم، لكن يبدو أن التشوش الذي ضرب وعيه وروحه في أيامه الأخيرة لم يستطع أن ينسيه أنه فنان لا متسول.

"ﺑﻬﺪﻳﻚ ﻃﻠﺔ ﻟﺒﻴﻮﺕ ﺍﻟﺨﻴﺶ/ ﻭﺧﻴﻢ ﺗﻔﺘﻴﺶ/ ﻭأﺳﻮﺍﻕ أﺭﺧﺺ ﻣﺎﻓﻴﻬﺎ ﺣﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻠﻪ/ ﺑﻬﺪﻳﻚ ﻣﺘﻤﺮﺩ/ ﻭﺍﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﻛﺎﻧﺎﺕ ﺑﺎﻋﻮﻫﻮ ﺑﺮﺩ/ ﺑﻬﺪﻳﻚ ﻭﻻ ﺷﻲ/ ﻭﺍﻗﻄﻊ ﻭﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺴﻬﻮ ﻣﺸﻲ".

مصارع الشعراء

عقب رحيل بهنس، انتشر تصريح رسمي للملحق الإعلامي السوداني بالقاهرة، كان وقتها الأول والأخير، لكنه استفز الكثير من المثقفين والنشطاء السودانيين، كونه يحمل الشاعر مسؤولية وفاته وكأنما قد سعى لها بنفسه، "لو مات بهنس من البرد، يبقى حرام عليه ينقطع عن الناس ويحرمهم من أدبه... الناس كانت بحاجة إلى فنه"، الغريب أن كلمات هذا الدبلوماسي التي نالت حظها من السخرية واللعنات، أكدت دونما قصد، ما ذهب إليه الشاعران وأستاذا الأدب الإنجليزيان بول فرلي ومايكل سايمونز، في كتابهما "مصارع الشعراء"، الذي ترجم الدكتور ماهر شفيق فريد أجزاء منه، حيث يورد المؤلفان في مقدمة كتابهما أن "الشعراء قد ظلوا دائماً يغامرون أو يقامرون من أجل الشعر. منهم من ضحى بصحته أو أسرته أو مستقبله أو بأمنه أو حتى بحياته. من هنا ارتسمت صورة خاصة للشعراء في الأذهان. من المسموح للروائي أن يكون عاقلاً خبيراً بأمور الدنيا ومتحكماً في تصرفاته. أما الشاعر فينتظر منه أن يكون مكتئباً محكوماً عليه بالهلاك ومدمراً لنفسه قبل أن يدمره الآخرون".

كيف أطاحوا برؤوسهم؟ كيف انتحر المبدعون؟


كيف ينطق أبطال الملاحم الكلاسيكية، من آلهة وأنصاف آلهة، على لسان امرأة؟


"لماذا أنا حزين إلى الأبد"

بتطبيق هذه الرؤية على حياة بهنس يكون الشاعر فيه قد انتصر على من سواه، ورغم أنه روائي أيضاً وله رواية مطبوعة مطلع الألفية الجديدة، أثارت وقت صدورها جدلاً واسعاً، كان من أبرز نتائجه التبشير بـ" ولادة طيب صالح جديد في السودان"، إلا أن الرواية نفسها كانت متقاطعة في أحداثها ولغتها الأسيانة المفعمة بالشاعرية والتشكيل مع سيرة حياته واغترابه الشخصي، والمفارقة أنها حملت في صفحتها الأخيرة تحديداً نبوءة رحيله الدرامي، وكأنها كانت استغاثة مبكرة، لم يفلح أحد، وربما تجاهل الجميع، التقاط إشارتها، يقول:

"لماذا أنا حزين إلى الأبد.. أنا حزين لأن الناس يرجمونك بالحجارة وأنت واقف، فإذا صمدت ولم يرف لك جفن، فإنهم لن يلبثوا يهرعون إليك ويقبلون الأرض أمام قدميك، متبتلين كأنك إله أو نبي، أن يا سيدنا علمنا الصمود أمام الحجارة. أما أنا فلست متماسك؛ أنا منهار نعم، أشعر بدماغي حبة قمح سحقتها القوة الماكرة. كنت أبكي كإشاعة تقول بأنني كنت أضحك، ورقة أبدية تحترق، وآه يا نفسي يا له من ختام رائع، وآه يا حنظل الصبر".

ظروف رحيل الشاعر المُحبّ محمد بهنس بقسوتها وعبثيتها تجدد مشاعر القهر والحسرة لرحيل مبدع وإنسان قبل أي شيء، بطريقة تذكرنا بمدى هشاشتنا ووحدتنا في هذا العالم

لبهنس رواية أخرى ومجموعة شعرية مخطوطة عن التصوف، وله تجارب متنوعة في الغناء من أشعاره التي تفيض إنسانية وعذوبة، بالإضافة إلى عزف الجيتار والمسرح، لكن السنوات التي تلت نشر روايته الأولى كانت مكرسة للفن التشكيلي والتصوير، حيث شارك في عدد من المعارض الجماعية والفردية داخل وخارج السودان، في إثيوبيا، ألمانيا وفرنسا، موطن زوجته الفرنسية التي التقاها بالخرطوم وانتقل معها إلى باريس، حيث أقام لأعوام وشارك بعدد من المعارض، كان أكبر ثمارها اقتناء قصر الإليزيه لإحدى لوحاته، لكن كل هذا النجاح لم يشفع له عندما استعر الخلاف بينه وبين زوجته وأسرتها ذات النفوذ، التي نجحت في ترحيله قسراً إلى بلاده.

بعودته إلى السودان بدأ الفصل الأكثر تعاسة وميلودرامية في حياة محمد بهنس، إذ فوجئ برحيل والدته وشقيقه دون أن يخبره أحد، فاعتزل الحياة الخارجية لسنوات، كان خلالها ملازماً لغرفته بأحد أحياء أم درمان، وكان يشاهَد أحياناً في هيئة أقرب إلى التصوف في إحدى الزوايا أو المساجد القريبة من بيته، ويبدو أنه توحد كثيراً مع هذه الغرفة، حتى أنه كتب في أحد رسائله أو نصوصه لصديقة له، ما يفيد بأنه يستعيض بها عن الوطن: " أنا داير أوضة وطن، باب سنطها من شدة الحنية يتكي في كتف أول الداخلين. الأوضه على حيطتها حمامه مبيضه، وعليها أيضا لوحة الطفل الباكي ــــ انتو بس ضحكو والباكي خلو علي أنا ــــ الأرض الرمله الهمله المرشوشه (ما في الشتا دا على أي حال).

وفوق ورقه مكتوب عليها بخط طفولي (العلمو نورون والحياتو كفاحو). بعد داك اتشاكلو أكان تبيعوها بسعر التراب ولا أرخص. أنا داير طعم وطن في شاي كشري على صينية ألمونيوم. الأوضة التي هي أرشيف الروح السوداني هي متعة الوطن، هي أوضة جالوص لا شرقية ولا غربية".

قلب الميادين

بعد سنوات، كانت مصر ما بعد 2011 قد صارت قبلة لكثير من الحالمين والمبدعين، فجاء بهنس إلى القاهرة ليتشارك مع كثيرين صدمتهم في مآلات الأوضاع التي كانت ذروتها حينها، سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحكم، واستهدافهم لمعارضيهم والتضييق عليهم، ولا يعرف إلى أي مدى صمد عقل بهنس وجسده خلال تلك الفترة، لكن كثيرين قالوا إنه كان وجهاً مألوفاً في ميدان التحرير والميادين المحيطة، وأنه كان يغني ويرسم الجرافيتي على حوائط وسط المدينة، وبعدما صمتت الميادين فوجئ كثيرون بتبدل حاله، حيث افترش الأرصفة وظهر بملابس وحيدة لا تتبدل، ابتسامة ذاهلة، وصمت دائم.

وفي إحدى ليال ديسمبر الباردة بشكل لم تعرفه القاهرة منذ عقود، عثر على جسد بهنس الهزيل متكوماً في وضع الجنين، بعدما صنع منه الثلج والجوع والإهمال والإرث التراجيدي لحال الإبداع وأصحابه في هذه البقعة من العالم، منحوتة لا أظن أنها ستفارق المخيلة العربية، وربما الإنسانية.

قد يريح البعض أن يتعزى بكون هذا الشاعر والفنان قد ولد من جديد بعد رحيله، حيث نالت أعماله المنشورة والمخطوطة وكذا لوحاته، التي يزين بعضها حوائط العواصم الأوروبية، شهرة كان نصفها يكفل له حياة كريمة وربما إبداعاً جديداً متفرداً، لكن تبقى ظروف رحيله الأكثر قسوة وعبثية تجدد مشاعر القهر والحسرة لرحيل مبدع وإنسان قبل أي شيء، بطريقة تذكرنا بمدى هشاشتنا ووحدتنا في هذا العالم.

عن موقع رصيف 22
12/2/2020
الفكر الديني ضعيف، لذا فإنه يلجأ الي العنف عندما تشتد عليه قوة المنطق، حيث لايجد منطقاً يدافع به، ومن ثم يلجأ الي العنف.( ... )
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

(محمد حسين بهنس ) .. مُبدعٌ ضاع منا .. بقلم: عبد الله الشقليني


أمس جئت غريباً
تأتي غريباً
وتمضي غريباً
تُحدَّق فيك وجوه الدُّخَانِ
وتدنو قليلاً
وتنأى قليلا
وتهوى البروق عليك
*
الفيتوي – التراب المُقدس

(1)

رحل في ديسمبر 2013. في قسوة شتاء القاهرة تلك الأيام.
بسطة الدُنيا أقل مما يجب. جاءت روحه الدُنيا . قصير عُمرها ، كأنها بُرهة.
نذوب نحن حسرة ، ونعُضّ أصابع الندم ،رغم أنا نعرف أن لن نصنع شيئاً في الكارثة ، سوى الصبر . يُلهب مجتمعنا وبعض أنصاف معلميه ظهور المُبدعين من أهل السودان ، ويحيلونهم إلى أقمصة " عثمان " . يندبون ويستصرخون ، ولكن من بعد الرحيل! .
كم مرة سمعت أسئلة السُخرية ، التي تُعلِّق عن مجهود فني يحتاج الرعاية . وكم من مُبدع طلَّق الدنيا بعد أن حاصره المُجتمع ، بقيود ، وجروح تنكأ جروح ، فتنازل عن طيب خاطر ، وصار رقماًمن أرقام العاديين من الناس !.يموت المبدعون عندنا ، موت الخراف في موسم الأضحية . إن النهار لا شك سيدوي صهيله في البريّة ، وتتفتح الأزهار عند موعد آخر في مستقبلٍ لا نراه قريباً . لنعيد للرائعين سيرتهم من جديد ، ونُعيد للمجد أهله الحقيقين .
كان ن أحد أقربائي ، مغنٍ في فرقة موسيقية مشهورة في سبعينات القرن الماضي ، وفي الصورة التذكارية في الحائط ، أسود وأبيض . تجده وسط الفرقة يحملون كأس الفوز ، ويقدمه لهم الموسيقار " إسماعيل عبد المعين "! . أصبح قريبي الآن رقماً من أرقام دفاتر المواليد التي يكتُبونها كل يوم .لا أحد يذكره ، ونسي هو الموسيقى والغناء !.


(2)

ما أسهل كتابة النعي وما أصعب الفقد . فالغيبة الكبرى قد حلّت بنا ، ولا شيء يوقف زمن كانت فيه لفحة دفئ وجرعة ماء تكفي ، تُعيده إلينا مُبدعاً كما كان . ونرى النور يتجلّى من كوكبه والأقمار من حوله ، قمرٌ للموسيقى وقمرٌ للغناء وقمر للرواية وقمرٌ للفنون التشكيلية ، حيث يرسم بالضوء .

(3)

مثلما فقدنا " التجاني يوسف بشير " في عامه الثاني والثلاثين ، حينها كان يضجّ شعره رومانسية جديدة في الشِعر العربي تهمُس لنا في الكون حين كتب :

هين تســتخفه بسمة الطفل *** قــــوي يصـــــارع الاجــــــيالا
حاسر الرأس عند كل جـمال ***مستشف من كل شئ جمالا

أو حين يعكف على كتابة مجلة الفجر من الدفّة إلى الأخرى ، يكتب اللغة في عنفوان شجوِّها .

(4)

مثلما فقدنا من قبل الناقد والأديب الكبير " معاوية محمد نور " ، الذي اختار له أهله أن يدرس الطب ، فدرس الأدب في بيروت الأمريكية ، وفي مصرَ صار ناقداً عملاقاً ، ونالته غواية المبدعين لدى أساطين الأدب في مصر . عاد وتمزقت روحه ، وانتهى به المطاف محبوساً في غرفة ومقيداً ، وأعمل الطب البلدي ونزوات التخلف فعلها ، فهفت روحه للرحيل وفارقتْ.

(5)

أرتال من المبدعين رحلوا شباباً على عجل ، وكان زمانهم تحفّ بالصفوة المخاطر ، ليس في حياتهم عدو سوى مجتمعهم الذي يحسبهم قد خرجوا عن نواميس الكون ، فأعملوا فؤوس الهدم في أجسادهم وأرواحهم !.
وفقدنا " محمد حسين بهنس " ، فهو مزرعة بأزهار إبداع ملونة ، متعددة : موسيقى ، غناء ورواية وفنون تشكيلية . بقي في فرنسا أكثر من خمس سنوات وانتهت إقامته فيها 2005 ، لديه لوحة ضوئية في مدخل قصر الألزيه ، اختاروها لنضارتها وسبقها في بلد الفنون التشكيلية الأولى في العالم. روايته ( راحيل ) انتبه لها كثير من النقاد وتحدثوا عنها . فضائية مصرية عند رحيله أفردت له مكان في ذكرى المبدعين واحتفت بروايته .أقام معارض في فرنسا ومصر وفي السودان وغيرهم. أقام معرضاً مع مجموعة من الشباب السودانيين ، ضد انقسام الجنوب قبل أن يصبح الشرخ دولة كاملة .
رجع لمصر وأقام بها ، ونعلم أن القاهرة بلد سياحية تحتاج المال ، لا عمل ولا سكن ولا مال . انسحب الفنان من الحياة العامة إلى شوارع القاهرة ، التي لا ترحم الفقراء ، مهما كانت سيرتهم . وفي موجة البرد ذلك العام ،تجمد جسده ، وتخلصت روحه من سجن الجسد مُحلقة في عليائها . وفي غيبته الكبرى قبضنا الريح .

(6)

تحدثت عنه " فرنسا برس "ووصفته بأنه مثقف وكاتب وفنان معروف ، أسهم بالكثير ورحل في الأربعين من عمره . أفردت الإذاعة البريطانية العربية سيرة له ولتاريخه .

قسوة القاهرة وقسوة شتاؤها:
البرد يقتل المثقفين والمبدعين الفقراء وأيضاً الصحابة . وأنصاف المتعلمين في السودان يسبحون في غنى فاحش من مال السُحت، يستدفئون دائماً . وحوزة المنظمة التي صادرت الأرض والمال واستعبدت الناس وقسّمت البلاد تركت لهم إرثاً وسِعة . هؤلاء هم الذين ينعمون بشحم الورم ، حيث لا يعرفون كيف يصرِّفون الدّهون المتراكمة في أجسادهم ، ليعيدوا الإعتدال لأوزانهم المختلّة . وتظل الأصوات كحشرجة الموتى ، خالية نفوسهم من الإحساس .

" بهنس " فنان عفيف . لم يمُد صحن التسول لأحد . كان مُبدعاً بحق . انجبه السودان . جَفَل من الحياة العاديّة . تجوّل في أنحاء المهاجر بقدر ما سمحت له الدنيا: تضيق أحياناً ثم تنفرج ، ثم تضيق مرة أخرى. رقيق الحال هو ، شفافية ورقّة ، وإحساس نبيل .هؤلاء جميعاً اجتمعوا ذات بُرهة في الزمان فكان هو ، فريد زمانه. كل تلك علامات العُمر القصير.

جعل الإبداع يتلصصُ ، يبتغيه جسداً وروحاً ، ووجدها لديه . وجد كل التنوع الممكن ، ولم يزل في الكؤوس الزرق بقية . مسابح الرُفاهية، يشتاق ماؤها لملامسته، وعندما مَدت يدها ، كان هو يُريد أن يشرب ... لا غير!.

عبد الله الشقليني
26 فبراير 2017
*
أضف رد جديد