المنظمات غير الحكومية في خدمة الإمبريالية - جيمس بتراس

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

المنظمات غير الحكومية في خدمة الإمبريالية - جيمس بتراس

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

المنظمات غير الحكومية في خدمة الامبريالية

جيمس بتراس*

ترجمة عالية الروسان ومالك أبو عليا





على مدى التاريخ مثلت الطبقات الحاكمة اقليات صغيرة، ولا طالما اعتمدت على مؤسسات الدولة القمعية، والمؤسسات الأجتماعية لدفاع عن قوتها، مكاسبها، وامتيازاتها. قامت الطبقات الحاكمة الامبريالية في الماضي، ولا سيما في العالم الثالث، بتمويل ودعم المؤسسات الدينية المحلية وما وراء البحار للسيطرة على الناس المستغلين ولحرف استياءهم نحو صراعات ومنافسات دينية وانقسامات محلية.

وبينما تستمر هذه الممارسات اليوم، برزت في العقود الأخيرة مؤسسات اجتماعية جديدة لتقوم بنفس الدور من السيطرة والتعمية الأيديولوجية ـ وهي تلك التي تصف نفسها -بالمنظمات غير الحكومية ـ (NGO‘s). اليوم يوجد هناك على الأقل 50,000 (خمسون الف) منظمة غير حكومية في دول العالم الثالث يتلقون اكثر من عشرة مليارات من التمويل من مؤسسات مالية دولية، ومن الوكالات الحكومية والحكومات المحلية في كل من الأتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكيةواليابان. يقوم مديروا اكبر المنظمات غير الحكومية بإدارة ميزانيات تقدر قيمة كل منها بمليون دولار، مع رواتب وامتيازات يمكن مقارنتها بما يمتلكه الرؤساء التنفيذيين . يتنقلون بالطائرات النفاثة الى المؤتمرات الدولية، ويتشاورون مع كبار مديري الشركات والمديرين الماليين ، ويقرون السياسات التي تؤثر – في الغالبية العظمى من الحالات بشكل سلبي – على ملايين الناس، وخاصة الفقراء والنساء والعاملين في القطاع غير الرسمي.

ان المنظمات الغير حكومية لاعب سياسي واجتماعي خطير على نطاق عالمي واسع، يعمل في المناطق الريفية والحضرية من أسيا، أميريكا اللاتينية وأفريقيا، ولا طالما ارتبطت بأدوار تابعة لمموليها في اوروبا، الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. ومن أعراض انتشار المنظمات غير الحكومية وسلطتها الاقتصادية والسياسية على ما يسمى “العالم النامي” أنه لم يتوجه سوى العدد القليل من الانتقادات المنهجية اليسارية للتأثير السلبي للمنظمات غير الحكومية. يعود جزء كبير من هذا الفشل الى نجاح تلك المنظمات في تفتيت وتدمير الحركة اليسارية المنظمة واستمالة مفكريهم الأستراتيجيين وقادتهم التنظيميين.

واليوم، تركز معظم الحركة اليسارية والمتحدثون الشعبيون انتقاداتهم على (صندوق النقل الدولي) و(البنك الدولي)، والشركات متعددة الجنسيات والبنوك الخاصة، الخوالذين يقرون اجندة الاقتصاد الكلي لنهب العالم الثالث. ان هذه مهمة كبيرة. مع ذلك، فإن الاعتداء على القاعدة الصناعية، والإستقلالية ومستويات المعيشة في العالم الثالث، يحدث سواءا على مستوى الأقتصاد الكلي وعلى المستوى السياسي الأجتماعي المايكروي. ان التأثير الفاضح لسياسيات التكيف الهيكلي على المعاشات والعاملين بأجر، الفلاحين ورجال الاعمال المحليين، يولد سخطا شعبيا محتملا، وهنا يدخل دور المنظمات الغير حكومية في الصورة، لأرباك وحرف هذا السخط الشعبي بعيدا عن الهجوم المباشرة على الشركات/هيكل السلطة المصرفية وارباحها نحو المشاريع المحلية الصغيرة ”والاستغلال – الذاتي“ و ”التعليم الشعبي“ الذي يتجنب التحليل الطبقي للأمبريالية والأستغلال الرأسمالي.

لقد اصبحت المنظمات الغير الحكومية في جميع انحاء العالم احدث وسيلة للتنقل الفوقي للطبقة المتعلمة الطموحة: الأكاديميين والصحفيين، الذين تخلوا عن الرحلات السابقة لحركات اليساريين والتي تعتبر فقيرة المكاسب، من اجل عمل فخم ومربح في ادارة المؤسسات غير الحكومية، جالبين معهم مهاراتهم التنظيمية والخطابية وبعض العبارات الشعبوية. اليوم يوجد الألاف من مدراء المنظمات غير الحكومية الذين يقودون سيارات رياضية فخمة ذات دفع رباعي تقدر قيمة اي منها بأربعين الف دولار امريكي من منازلهم او شققهم حديثة الطراز في الضواحي، الى مكاتبهم أو مجمعات الأبنية المؤثثة بفخامة، تاركين اطفالهم والأعمال المنزلية في أيدي الخدم، ويرعى البستانيون حدائقهم. انهم يألفون مواقع مؤتمراتهم فيما وراء البحار حيث يمضون جل أوقاتهم ( واشنطن، بان كوك، طوكيو، بروكسل، روما، الخ) اكثر من القرى الموحلة في بلادهم، انهم اكثر براعة في كتابة مقترحات لجلب العملة الصعبة من اجل ”المتخصصين المستحقين“ من المخاطرة في قرعة على الرأس من قبل الشرطة في اثناء قمعها مظاهرة لمعلمي المدارس الريفية الذين يتقاضون اجورا هي اقل من الحد الادنى. ان قادة المنظمات الحكومية هم طبقة جديدة لا تعتمد على الملكية الخاصة أو المصادر الحكومية ولكنها مستمدة من التمويل الأمبريالي ومن قدرتهم على السيطرة على مجموعات شعبية واسعة. يمكن تصور قادة المنظمات غير الحكومية كنوع من الكومبرادوريون الجدد الذين لا ينتجون أي سلعة مفيدة لكنهم يعملون في إنتاج خدمات للدول المانحة – بشكل اساسي يتاجرون في البؤس المحلي للأمتيازات الفردية.

ان الأدعات الرسمية التي تستخدم من قبل مدراء المنظمات غير الحكومية لتبرير مواقفهم – ذلك بأنهم يحاربون الفقر، عدم المساواة والى ما ذلك- ليست سوى ادعات خادعة لخدمة مصالحهم الشخصية. هناك صلة مباشرة بين نمو المنظمات غير الحكومية وانحدار معايير المعيشة: إن انتشار المنظمات غير الحكومية لم يحد من البطالة الهيكلية، ولا النزوح الجماعي للفلاحين، ولم يوفر حتى أجوراً تسمح بحياة كريمة لجيش العاملين من العمال غير الرسميين. ان ماقامت به المنظمات غير الحكومية هو خلق شريحة صغيرة من المختصين، بمدخول من العملة الصعبة للهروب من ويلات الاقتصاد الليبرالي الجديد الذي يؤثر على بلدهم، وشعبهم، وليتمكنوا من تسلق البناء الأجتماعي القائم.
إن هذه الحقيقة تتعارض مع الصورة الذاتية التي يحملها موظفي المنظمات غير الحكومية عن انفسهم، وفقا لبياناتهم الصحفية وخطاباتهم العامة، انهم يقدمون طريقا ثالثة بين ” النظامية السلطوية“ و ”السوق الرأسمالي المتوحش“: انهم يصفون انفسهم بأنهم طليعة ”المجتمع المدني“ الذي يعمل في فجوات ”الأقتصاد العالمي“. ان الهدف المشترك التي تصدح به المنظمات غير الحكومية هو ”التنمية البديلة“.

ان الشعار -الترويجي ”المجتمع المدني“ هو ممارسة في الفراغ. ”مجتمع مدني“ ليست كيانا عضويا وحدويا، انه يتكون من طبقات هي اعتى انقساما من اي وقت مضى في هذا القرن. ان جل الظلم وأعظمه ضد العمال يرتكبه المصرفيون الأغنياء في المجتمع المدني الذين يعتصرون دفعات الفوائد الباهظة على الدين الداخلي: ملاك الأراضي الذين رموا الفلاحين من الأرض، والصناع الرأسماليين الذين ينهكون العمال بالأجور التي تودي بهم جوعى في ”محلات العرق“ (المصانع المستغلة لجهود العمال). في الحديث عن ”المجتمع المدني“ يقوم ممثلي المنظمات غير الحكومية بتجاهل الأنقسام الطبقي العميق، الأستغلال الطبقي، والصراع الطبقي نحو هذاالاستقطاب المعاصر ”المجتمع المدني“. وفي الوقت الذي يكون فيه غير مجد بل ومشوش من الناحية التحليلية، يقوم مفهوم ”المجتمع المدني“ بتيسير تعاون المنظمات غير الحكومية مع المصالح الرأسمالية الذي يمول مؤسساتهم ويتيح لهم توجيه مشاريعهم وتابعيهم نحو علاقات تابعة مع المصالح التجارية الكبيرة التي توجه الاقتصاد الليبرالي الجديد. بالإضافة إلى ذلك ، ليس من النادر أن يكون خطاب المجتمع المدني للمنظمات غير الحكومية بمثابة حيلة للهجوم على البرامج العامة الشاملة والمؤسسات التي تقدم الخدمات الاجتماعية. حيث تقف المنظمات غير الحكومية في صف واحد مع خطاب الاعمال التجارية الكبيرة ”المناهض-للدولة“ (أحدها بإسم ”المجتمع المدني“ والأخر بأسم ”السوق“) لإعادة تخصيص موارد الدولة. ”مناهضة الدولة“ التي ينادي بها الرأسماليون تستعمل لزيادة الأموال العامة لدعم الصادرات وعمليات الأنقاذ المالي،يحاول من يعملون في سلك المنظمات غير الحكومية، الاستيلاء على حصة صغيرة من خلال ”المقاولات الفرعية“ لتقديم خدمات دنيا إلى عدد أقل من المستفيدين.

على العكس من تصور العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين يرون انفسهم كقادة مبتكرين للقاعدة الشعبية، فهم في الحقيقه القاعدة الرجعية الذين يكملون عمل صندوق البنك الدولي عن طريق دفع الخصخصة ”من الأسفل“، تسريح الحركات الشعبية، وبالتالي تقويض المقاومة.
وبذلك فإن الإنتشار الواسع للمنظمات غير الحكومية يشكل تحديا خطيرا لليسار ويتطلب تحليلا سياسيا نقديا لأصولها، بنيتها، وايدولوجيتها.

الهيكلية الأساسية وأيدولوحيا المنظمات غير الحكومية:

تظهر المنظمات غير الحكومية كما وأنها تلعب دورا متناقضا في السياسة، فمن ناحية هم ينتقدون الدكتاتورية وانتهاك حقوق الأنسان. ومن ناحية اخرى هم في تنافس مع الحركات الاجتماعية السياسية الجذرية، محاولين توجيه الحركات الشعبية نحو علاقات تعاونية مع النخب النيوليبرالية المهيمنة. في الواقع إن هذه التوجهات السياسية ليست متناقضة كثيراً في الحقيقة كما تبدو.

عند اجراء مسح حول نمو وإنتشار المؤسسات غير الحكومية خلال الربع الأخير من القرن نجد انها إنبثقت على نحو ثلاثة مجموعات من الظروف. أولها، كملاذ امن للمثقفين المنشقين حيث يمكنهم متابعة قضايا انتهاكات حقوق الإنسان وتنظيم ”إستارتيجيات البقاء“ لضحايا برامج التقشف القاسية. ومع ذلك، فإن هذه المنظمات غير الحكومية الإنسانية، كانت حريصة على عدم إدانة التورط الأمريكي والأوروبي مع مرتكبي انتهاكات حقوق الأنسان من القوى المحلية، كما إنهم لم يشككوا في في سياسات “السوق الحرة” الناشئة والتي أضعفت الجماهير. وهكذا تم وضعهم بشكل إستراتيجي ”كديمقراطيين“ والذين سكونون بديلا سياسيا للطبقة المحلية الحاكمة وصانعي القرار الإمبرياليين عندما يبدأ الحكام القمعيون بالتعرض لتهديد حقيقي من قبل الحركات الجماهيرية الشعبية. إن التمويل الغربي للمنظمات غير الحكومية كان بمثابة شراء تأمين في حال تعثر رجال الرجعية الحاليين. كان هذا هو الحال في المنظمات غير الحكومية الحيوية التي ظهرت خلال حكم ماركوس في الفلبين، ونظام بينوتشيه في تشيلي، ودكتاتورية بارك في جنوب كوريا، الخ.

إن الدفعة الحقيقية لتكاثر المنظمات غير الحكومية تحدث في وقت نهوض الحركات الجماهيرية الشعبية التي تتحدى الهيمنة الإمبريالية، ان نمو الحركات الإجتماعية السياسية الجذرية ونضالها يوفر سلعة مربحة للراديكاليين السابقين والمثقفين الشعبويين الزائفين يمكنهم بيعها لمن يهتم. المؤسسات الخاصة والعامة المهتمة والممولة بشل جيد مرتبطة بشكل وثيق بالحكومات والشركات المتعددة الجنسيات الأوروبية والأمريكية. كان الممولين مهتمين بالمعلومات ـ إستخبارات العلوم الأجتماعية – مثل مشروع “النزوع إلى العنف في المناطق الفقيرة الحضرية” وهو (مشروع تابع لمنظمة غير حكومية في شيلي خلال الانتفاضات الشعبية في الفترة 1983-1986)، ان مقدرة العاملين في المنظمات غير الحكومية على تسلق المجتمعات الشعبية وتوجيه طاقتها نحو مشاريع المساعدة- الذاتية بدلا من التغير الأجتماعي والجز بخطاب التعاونية الطبقية المعلب ”كخطابات الهوية الجديدة“ والتي من شأنها عزل وتشويه النشطاء الثوريين.

لقد ارخت الثورات الشعبية وثاق المحافظ المالية للوكالات الخارجية فيما مارواء البحار، فقامت بصب الملايين في اندونيسيا وتايلاند وبيرو في السبعينات. نيكاراغوا والتشيلي والفلبين في الثمانينات. السلفادور وغواتيمالا وكوريا في 90s. كانت المنظمات الحكومية موجودة أساسا ”لإطفاء الحرائق“ تحت ستار المشاريع البناءة وحاججت ضد الإنخراط في الحركات الأيدولوجية وهذا بإستخدام التمويل الأجنبي بشكل فعال لتجنيد القادة المحليين ، وإرسالهم إلى المؤتمرات في الخارج لمنحهم الشهادات، مع تشجيع المجموعات المحلية بفاعلية على التكيف مع واقع الليبرالية الجديدة.

بينما يصبح التمويل الخارجي متوفرا، تزدهر المنظمات غير الحكومية مقسمة المجتمعات إلى إقطاعيات متحاربة تقاتل للحصول على جزء من العمل. كل ناشط على مستوى القاعدة احتكر شريحة جديدة من الفقراء (النساء والشباب من الأقليات، إلخ) لتأسيس منظمة غير حكومية جديدة والقيام بالحج إلى أمستردام واستوكهولم وما إلى ذلك “لتسويق” مشروعهم ونشاطهم ودوائرهم الانتخابية. وتمويل مركزهم – ومهنتهم.

والظرف الثالث الذي تتكاثر فيه المنظمات غير الحكومية يكون خلال فترة الأزمات الإقتصادية المتكررة التي تزداد عمقا والناجمة عن رأسمالية السوق الحرة. فعندما يشهد المثقفون والأكاديميون والمهنيون اختفاء وظائفهم أو هبوط رواتبهم عندما تستحكم تخفيضات الميزانية : تصبح الوظيفة الثانية في محل الضرورة. وهنا تصبح المنظمات الغير حكومية وكالات توظيف والإستشارات تصبح شبكة امان للمفكرين المتنقلين المستعدين للإنزلاق في مسار خط التنمية البديلة للسوق المجتمعي المدني – السوق الحرـ ، التنمية البديلة والإصطفاف والسير في السياسات التعاونية مع اﻷنظمة النيوليبرالية والمؤسسات المالية الدولية. عندما يفقد الملايين وظائفهم وينتشر الفقر في قطاعات واسعة من السكان ، تشارك المنظمات غير الحكومية في عمل وقائي: فهم يركزون على “استراتيجيات البقاء” وليس الإضرابات العامة. يقومون بتنظيم مطابخ للحساء لا مظاهرات حاشدة ضد صانعي الطعام، أو الأنظمة الليبرالية الجديدة أو الإمبريالية الأمريكية.

وفي الحين الذي قد تبدو فيه للمنظمات غير الحكومية في البداية صبغة تقدمية ضبابية في خضم ما يسمى ”بالتحول الديمقراطي“ وبينما ينهار النظام القديم ويفقد الحكام الفاسدون سيطرتهم والنضالات الشعبية تتقدم. تصبح المنظمات غير الحكومية وسيلة الإنتقال بين الأنظمة القديمة والسياسيين الانتخابيين المحافظين. فتستخدم المنظمات غير حكومية خطابها الشعبي ، ومواردها التنظيمية ومكانتها كمدافع ”ديمقراطي“ عن حقوق الإنسان لتوجيه الدعم الشعبي وراء السياسيين والأحزاب التي تحصر التحول الى اصلاحات سياسية – قانونية وليس تغييرا إقتصاديا – إجتماعيا. لقد قامت المنظمات غير الحكومية بتشتيت الجماهير وتشظية الحركات الجذرية في كل بلد مر بتجربة إنتقالية عبر ”العملية الإنتخابية“، في الثمانينيات والتسعينيات، من تشيلي إلى الفلبين إلى كوريا الجنوبية والى ماعاداهم، لعبت المنظمات الغير حكومية دورا مهما في جمع الأصوات للأنظمة التي استمرت وربما إعتمدت على بقاء واستمرارية الوضع الإقتصادي – السياسي الراهن. في المقابل انتهى الأمر بالعديد من عاملي المنظمات غير الحكومية السابقين إلى إدارة وكالات حكومية إو حتى وزراء بشعارات شعبية مثل (حقوق المرأة ، ومشاركة المواطنين ، والسلطة الشعبية ، وما إلى ذلك).
لقد تم ترسيخ الدور السياسي الرجعي للمنظمات غير الحكومية في كل بنية وهيكلية حيث وجِدوا، ونُظِموا.

بنية المنظمات غير الحكومية: نخبوية داخلياً، استعبادية خارجياً:

في الواقع، ليست المنظمات (غير الحكومية) كذلك. انها تستلم تمويلها من الحكومات الأجنبية، عاملةً في اطار عقود جانبية مع الحكومات المحلية أو يتم دعمها من قبل مؤسسات وشركات خاصة، وتعمل بالتقارب مع الدولة. تتعاون هذه المنظمات بشكل مستمر مع العملاء الحكوميين الأجانب والمحليين. وبرامجهم ليست موجهة في الحقيقة للسكان المحليين بل للمتبرعين الأجانب الذين (يراجعوا) و(يراقبوا) اداء هذه المنظمات تبعاً لمعاييرهم ومصالحهم. ان احدى اهم المهمات المفتاحية لمسؤولي تلك المنظمات، هي تصميم مقترحات برامجية تؤمن التمويل، وفي كثير من الحالات يتطلب هذا من قادة تلك المنظمات ان يجدوا اهم القضايا التي تهم التمويل الغربي. مثلاً، تطلب الأمر من المنظمات غير الحكومية في ثمانينيات القرن العشرين ان يدرسوا ويأمنوا مقترحات حول (الحاكمية) و(الانتقال الديمقراطي) بشكل يعكس اهتمامات القوى الامبريالية، بحيث لا يؤدي انهيار الدكتاتوريات الى (اللاحاكمية)، اي بمعنى اخر، الى الحركات الجماهيرية التي تعمق الصراع وتحول النظام الاجتماعي. بغض النظر عن الشكل الديمقراطي والخطابة الشعبوية للمنظمات غير الحكومية، تتميز بهرميتها الادارية في السيطرة الكلية على المشاريع، في التوظيف والطرد، كما في تقرير من سيتم تلقي الدفع على المؤتمرات الدولية. والشعبوية بالذات، هي جوهر هذه الهرمية، لا يرى الناس من اين تجرف هذه المنظمات اموالها، ولا يسافر اعضاءها الصغار الى الخارج، ولا يظهروا رواتب اعضاءها الشعبويين. الأكثر اهميةً، انه لا يوجد اي من تلك القرارات يؤخذ بالانتخاب. في افضل الأحوال، بعد ان يتم طهو الاتفاق بين المدير والممولين الأجانب، يقوم اعضاء المنظمة بتنظيم (نشاط شعبوي) للفقراء لتمرير الاتفاق. لا تكون المنظمات غير الحكومية في معظم حالتها، منظمات عضوية، بل نخبة يتم تعيينها،متظاهرةً بكونها ملجأً للناس لحركات شعبية، في الحقيقة تتنافس معها وتقوضها. بهذه الطريقة، تقوض المنظمات غير الحكومية الديمقراطية من خلال تلقف النقاش الشعبي حول القضايا الاجتماعية من ايدي الناس المحليين وقاداتهم خالقةً اعتمادية على المسؤولين الأجانب غير المنتخبين والمسؤولين المحليين المتمسحين بهم.

تشجع المنظمات غير الحكومية نمطاً جديداً من الاستعمار الاقتصادي والثقافي، تحت مظهر العالمية الجديدة (العولمة-المترجمين). يجلس مئات من الأفراد امام الحواسيب المتقدمة لتبادل البيانات، المقترحات والدعوات للمؤتمرات الدولية. يلتقون بعدها في قاعات فاخرة مفروشة ليناقشوا اخر الصراعات والاقتراحات مع (قواعدهم الاجتماعية)- الطاقم المدفوع لهم- الذين بدورهم يمررون المقترحات لـ”الجماهير” من خلال النشرات التعريفية. وعندما يظهر الممولين الأجانب، يأخذونهم في (جولة تعريفية) لعرض المشاريع التي يعيل الفقراء فيها انفسهم ليتحدثوا فيها عن مشاريعهم الصغيرة الناجحة (مهملين ذكر معظمها، والتي فشلت السنة الماضية).

ليس من الصعب فك شيفرة كيف يعمل هذا الاستعمار الجديد. تصمم المشاريع وتقييمها بناءاً على، وعبر الخطوط العامة وأولويات المراكز الامبريالية ومؤسساتها، ومن ثم يتم “بيعها” للمجتمعات المحلية. وعلى الكل ان ينضبط ويلتزم بمتطلبات الممولين وتقييماتهم، فمدراء المنظمات، ونوابهم يراقبون الامتثال مع اهداف وقيم وايديولوجية واستخدام التمويل القادم من المتبرعين.

ايديولوجيا المنظمات غير الحكومية ضد الحركات الاجتماعية-السياسية:

تؤكد المنظمات غير الحكومية على المشاريع، لا الحركات (والأحزاب-المترجمين)، انهم يديرون الناس لكي ينتجوا على الهامش، لا ان يناضلوا ليستحوذوا على الوسائل الأساسية للانتاج والثروة، انهم يركزون على الجوانب التكنيكية والمالية للمشاريع، لا على الظروف الهيكلية التي تحدد حياة الناس. تختار المنظمات غير الحكومية لغة اليسار: “السلطة الشعبية”، “التعزيز”، “المساواة الجنسية”، “النمو المستدام”، “القيادة السلمية”، الخ. المشكلة ان هذا الخطاب يستخدم في اطار التعاون مع الممولين والمؤسسات الحكومية الذين يخضعون النشاط لسياسات عدم المواجهة. ولا يذهب نشاط المنظمات غير الحكومية الذي يأخذ شكل “التعزيز” ابعد من التأثير على مناطق صغيرة من الحياة الاجتماعية بمصادر محدودة داخل اطار الظروف التي تسمح بها الدولة النيوليبرالية والبنى الأساسية للاقتصاد القائم.

تتنافس المنظمات غير الحكومية بكوادرها المحترفة مع الحركات الاجتماعية-السياسية من أجل التأثر على الفقراء، النساء والمهمشين عرقياً، الخ. وتقوم ايديولوجية وممارسة هذه المنظمات بحرف الاهتمام عن المصادر الحقيقية للفقر وحلولها. يتحدثون حول المشاريع الصغيرة بدلاً من استغلال البنوك الأجنبية، ويتحدثون عن حلول الفقر المبنية على الفكرة الخاطئة التي تقول ان المشكلة تكمن في مبادرة الفرد. تقدم المنظمات غير الحكومية مساعدات تؤثر في قطاعات صغيرة من السكان، مقيمةً تنافساً بين المجموعات الاجتماعية على مصادر الدخل والثروة النادرة مولدةً انقسامات وخصومات داخلية بينها فيتفسخ بالتالي صرح التضامن الطبقي. ويتم هذا كذلك بين موظفي المنظمات انفسهم، حيث يتنافسون على مصادر التمويل الأجنبي، من خلال من الذي يقدم بينهم مقترحات اقرب لأهداف التمويل بتكلفة أقل، بالاضافة لادعاء كل منهم انه يتواصل مع عدد اكبر من غيره من التابعين. النتيجة النهائية هي تكاثر المنظمات غير الحكومية التي تشظي المجتمعات الفقيرة الى قطاعات وقطاعات ثانوية غير قادرة على رؤية الصورة الكلية التي تسبب فقرهم، وحتى انهم يصبحون اقل قدرةً على توحيد النضال ضد النظام القائم.

تشير الخبرة الحالية الى ان المتبرعين الأجانب يمولون المشاريع في فترات “الأزمات”-التحديات السياسية والاجتماعية للنظام المحلي القائم، وعندما تتلاشى التحركات، يتم نقل التمويل للمنظمات غير الحكومية، وبالتعاون مع النظام، تتم ملائمة مشاريع المنظمات مع الأجندة النيوليبرالية، النمو الاقتصادي المتلائم مع “السوق الحر” بدلاً من تنظيمات التغيير الاجتماعي.

ان بنية وطبيعة المنظمات غير الحكومية، بمواقفها “اللامسيسة” وتركيزهم على دعم الذاتتخلق اللامبالاة السياسية والفرقة عند الفقراء. انهم يعززون العملية الانتخابية التي تشجعها الأحزاب النيوليبرالية والاعلام الجماهيري. يتم تجنب النقاش حول التعليم السياسي وطبيعة الامبريالية، الأسس الطبقية لليبرالية الجديدة والصراع الطبقي بين الاستغلاليين والعمال. تناقش المنظمات غير الحكومية بدلاً من ذلك “المهمشين”، “الضعفاء”، “الفقر الشديد”، “التمييز العرقي والجنسي”، بدون الابتعاد عن الأعراض السطحية، او الاشتباك مع النظم الاجتماعي الذي ينتج هذه الأعراض. وتقوم المنظمات بدمج الفقراء في الاقتصاد النيوليبرالي عبر “العمل التطوعي الخاص”. تخلق هذه المنظمات عالماً سياسياً حيث يغطي رداء التضامن والعمل الاجتماعي، امتثاليةً محافظة لبنى السلطة الدولية والمحلية.

ليس صدفةً ان صارت هذه المنظمات سائدة في مناطق معينة حيث انحسر الفعل الطبقي المستقل، وضعفت مقاومة القوى النيوليبرالية. الخط الأساسي في القضية هو ان نمو المنظمات غير الحكومية يتوازى مع زيادة التمويل النيوليبرالي وتعمق الفقر في كل مكان. وبغض النظر عن ادعائات النجاح المحلي، تظل النيوليبرالية بدون اي تحد، وتبحث المنظمات غير الحكومية بازدياد عن مشكاة في فجوات السلطة.

تم الاستحواذ على العديد من القادة السابقين للأنصار والحركات الاجتماعية وتنظيمات المرأة، من قبل المنظمات غير الحكومية. العرض مغر: دخل أعلى (عادةً بالعملة الصعبة)، البريستيج، والاعتراف الذي يقدمه لهم الممولين، المؤتمرات الدولية والعلاقات، امان نسبي من القمع. وعلى الضد من هذا، لا تؤمن الحركات الاجتماعية-السياسية منافع مادية تذكر، بل احتراماً اكثر واستقلالية وحرية تحدي النظام السياسي الاقتصادي. تنشر المنظمات وداعميها من البنوك (بنك امريكا، بنك اسيا للتنمية، البنك الدولي) نشرات اخبارية تتحدث حول قصص نجاح المشاريع الصغيرة، ومشاريع الدعم الذاتي الاخرى، بدون اي ذكر لمعدلات الفشل الكبيرة، كانحسار الاستهلاك الشعبي، والصادرات ذات الأسعار المنخفضة التي تغرق الأسواق المحلية ومعدلات الفوائد المرتفعة ما هي الحال في البرازيل وأندونيسيا اليوم.

حتى “النجاحات” لا تؤثر الا على مجموعات صغيرة من المجموع الكلي للفقراء، بحيث انهم نجحوا قط الى الدرجة التي لا يستطيع فيها الاخرين دخول نفس المجال. ان البروباغاندا حول نجاحات هذه المشاريع الصغيرة مهمة في تشجيع اوهام كون النيوليبرالية ظاهرة شعبية ومرغوب فيها. وتشير الهبات الشعبية التي تنتشر في المناطق التي تسود فيها الشماريع الصغيرة ان ايديولوجية المنظمات غير الحكومية لا تزال غير مهيمنة وانها لم تستطع بعد ان تحل محل الحركات الطبقية.

تعتمد ايديولوجيا النظمات غير الحكومية على السياسة الهوياتية، وتشترك ضد الحركات السياسية الاجتماعية في جدل غير شريف. انهم ينطلقون من فرضية خاطئة مفادها ان التحليل الطبقي هو تحليل “اختزالي”، مهملين النقاش المكثف الذي يدور بين لماركسيين حول مسائل العرق والاثنية ومساواة الجنسين، متجنبين حقيقة ان الهويات نفسها منقسمة بشكل اساسي على قاعدة طبقية. خذ على سبيل المثال، امرأة نسوية تشيلية أو هندية تعيش في ضاحة فاخرة لاحدى المدن، تتلقى راتباً اعلى بـ15-20 مرة من خادمتها المنزلية التي تعمل ستة ايام في الأسبوع. تحدد الفروقات الطبقية في نفس الجنس، نمط السكن والحياة، الصحة وفرص التعليم. تعمل اغلبية المنظمات غير الحكومية على قاعدة السياسة الهوياتية، وتجادل بأنه هذه هي نقطة انطلاق سياسة “ما بعد الحداثة” الجديدة. لا تقف سياسة الهويات في وجه سياسة النخبة الذكورية لصندوق النقد الدولي في الخصخصة، الشركات متعددة الجنسيات والاقطاعيين المحليين. انها تركز على مجهودها على بطرياركية المنزل، العنف المنزلي، الطلاق، الخ. بكلمات اخرى، انها تقاتل من اجل المساواة بين الجنسين ضمن العالم المايكروي لاستغلال الناس، حيث الأوغاد هم الفقراء والمسلوبين من الذكور. وبينما لا يجب على احد، حقاً، ان يدعم الاستغلال والتمييز على اي مستوى، تسدي نسويات المنظمات غير الحكومية خدمةً سيئةً للنساء العاملات عبر اخضاعهن لاستغلال أعظم في الورش يفيد رجال ونساء الطبقة الأعلى، جامعي الايجارات والاقطاعيين والمدراء التنفيذيين. ان مليارات الدولارات تتدفق سنوياً في ذاك الاتجاه المايكروي للمنظمات، وهذا هو السبب الذي يدفع نسويات المنظمات غير الحكومية لتجاهل “الصورة الأكبر”، ويركزوا على القضايا المحلية والمشاكل الشخصية. وسيتوقف المتبرعين الامبرياليين حالاً عن الدفع اذا بدأت تلك النسويات بمشاركة العمال والعاملات الذين لا يملكون الأرض في البرازيل وأندونيسيا وتايلند، اذا انضموا لاضرابات السياسة المجحفة. فمن المفيد لهن بالتالي، ان يقمن بمجرد خدش البطرياركية المحلية في احدى القرى المعزولة في لازون (جزيرة في الفلبين-المترجمين).

التضامن الطبقي، وتضامن المنظمات غير الحكومية مع المتبرعين الأجانب:


تم استغلال كلمة “التضامن” الى الحد الذي فقدت فيه كل معنىً لها في عدة سياقات. يتضمن مصطلح “التضامن” عند المنظمات غير الحكومية المساعدة الأجنبية الموجهة الى مجموعة “مسلوبة” بشكل محدد. ويحدد التضامن كقيام محترفي المنظمات بـ”تعليم” الفقراء، او القيام بدراسة بحثية عن المجموعات. تشبه البنى الهرمية واشكال تحويل “المساعدة” والتدريب اعمل الاحسان التي تعود الى القرن التاسع عشر، ولا يختلف المبادرين كثيراً عن المبشرين المسيحيين.

تؤكد المنظمات غير الحكومية “الدعم الذاتي” بمهاجمة “الأبوية والاعتماد على الدولة”. تتلقى هذه المنظمات، لدن تنافسها على التقاط ضحايا النيوليبرالية، دعماً من نظراءها الموجودين في اوروبا والولايات المتحدة. وتؤكد ايديولوجية “دعم الذات” احلال المتطوعين محل موظفي الدولة، وأكثر من هذا، فهي تحشد محترفي المنظمات على اساس عقود مؤقتة. ان المبدأ لأساسي لنظرة المنظمات غير الحكومية، هو تحويل “التضامن” الى تعاون، وخضوع للبنى الاقتصادية الأساسية للنيوليبرالية بتشتيت الانتباه عن مصادر اثراء الطبقات العليا، وتوجيه “الاهتمام” نحو استغلال الفقراء لأنفسهم. ليس على المنظمات غير الحكومية ان تنزه الفقراء عما احبرتهم الحكومة على القيام به.

ان المفهوم الماركسي للتضامن، على الضد، يؤكد على التضامن الطبقي، تضامن الجماعات المضطهدة (النساء، الملونين)، ضد مستغليهم المحليين والأجانب. التركيز الرئيسي ليس على التبرعات التي تقسم الطبقات وتهدئ المجموعات الصغيرة لفترة زمنية محدودة. ينصب تركيز المفهوم الماركسي للتضامن على العمل المشترك بين أعضاء نفس الطبقة الذين يتشاركون في مأزقهم الاقتصادي المشترك الذي يناضل من أجل التحسين الجامع.

ينطوي هذا المفهوم كذلك على المثقفين الذين ينتمون، يكتبون ويتحدثون عن الحركات الاجتماعية في النضال، وهم ملتزمين بمشاركة نفس العواقب السياسية. يرتبط مفهومة “التضامن” بالمفكرين “العضويين الذين هم في الأساس جزء من الحركة، المصدر الذي يوفر التحليل والتعليم للصراع الطبقي، ويتلقون نفس مخاطر هذا الصراع. على النقيض من ذلك، تتجسد المنظمات غير الحكومية في المؤسسات الدولية، الأكاديميات، السيمنارات، المؤسسات الأجنبية والمؤتمرات الدولية متحدثين بخطاب لا يفهمه الا اولئك. ينظر الماركسيين الى التضامن على انه مشاركة مخاطر لنضال، ليس كون ان تبقى خارجاً، مثيراً الأسئلة ومدافعاً عن لاشيء. ان الهدف الأساسي لهذه المنظمات هو “الحصول” على تمويل “المشاريع”. اما المهمة الأساسية لماركسيين، هي عملية النضال السياسي والتعليم، من أجل تأمين التحول الاجتماعي:
بناء السلطة السياسية لتغيير الظروف العامة لأغلبية الناس. “التضامن” بالنسبة للمنظمات غير الحكومية مفصول عن الهدف العام للتحرر، انه طريقة من أجل جلب الناس معاً لحضور عمل مشترك، او سيمينار لبناء مرحاض. الماركسيين يعتبرون التضامن نضالاً مشتركاً يحتوي على بذور ديمقراطية مجتمع المستقبل. ان الرؤية الشاملة او غيابها، هي ما تعطي الفروقات في معنى مفاهيم التضامن.

الصراع الطبقي والتعاون:


يكتب محترفي المنظمات غير الحكومية بشكل مستمر عن “التعاون” بين الجميع، بدون ان يتعمقوا كثيراً في اسعار وشروط تأمين التعاون مع الأنظمة النيوليبرالية ووكالات المنح الأجنبية.
ينظر على الصراع الطبقي على أنه رواية بالية من الماضي ليست حاضرة اليوم. يقولون لنا أن “الفقراء” يريدون بناء حياة جديدة، لقد ملوا من السياسة التقليدية، والأيديولوجيات والسياسيين. تكمن المشكلة في ان محترفي المنظمات غير الحكوميين ليسوا مستعدين لوصف دورهم كسماسرة ووسطاء في الاحتيال على المنح الأجنبية. ان تركيز الدخل، ونمو اللامساواة اعظم مما من قبل، بعد عقود من التبشير بـ”التعاون” والمشاريع الصغيرة والدعم الذاتي. واليوم، بينما تقدم الأموال لتمويل المشاريع الصغيرة، تقوم البنوك، مثل البنك الدولي بتمويل الشركات الزراعية التصديرية التي تستغل وتدمر الملايين من عمال المزارع. ويلعب دعم المشاريع الصغيرة دوراً في تحييد المعارضة السياسية في القاع، بينما يتم الترويج للسياسة النيوليبرالية في القمة.

وتربط ايديولوجية “التعاون” الفقراء مع الليبراليين الجدد من خلال المنظمات غير الحكومية. ومن جهة اخرى، المنظمات غير الحكومية هي شرطة فكرية تقوم بتصفية وتحديد ما يلاءمها من البحوث، يقومون بتوزيع الأموال البحثية ويصفوا الموضوعات التي تحلل من منظور طبقي. يتم استثناء الماركسيين من مؤتمراتهم ويوصمون بأنهم “ايديولوجيين”، بينما تقدم المنظمات محترفيها على انهم “علماء مجتمع”. إن السيطرة على الأنماط الفكرية ، والمنشورات ، والمؤتمرات ، وصناديق الأبحاث ، توفر لمن يسمون “بما بعد الماركسيين” قاعدة هامة من السلطة ، ولكنها تعتمد في نهاية المطاف على تجنب الصراع مع رعاة التمويل الخارجيين.

المنظمات غير الحكومية البديلة:

يمكن ان يجادل المرء بأن هناك فروقات كبيرة بين انواع تلك المنظمات، ويوجد العديد منها ينتقد وينظم ضد السياسات المجحفة، صندوق النقد لدولي، مدفوعات القروض، الخ. وانه ليس من العادل ان نضعهم جميعاً في نفس الجعبة.

هناك شيء من الحقيقة في هذا الادعاء، ولكن هذا الموقف يتضمن مسائل اساسية. ان معظم قادة الفلاحين الذين تحدثت معهم، من اسيا وامريكا اللاتينية يشكون بمرارة الدور التقسيمي والنخبوي الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية، حتى “التقدمية منها”: تريد هذه منظمات ان تخضع الفلاحين لتنظيماتها، انها تريد ان تقودهم وتتحدث عنهم، ولا يقبل هؤلاء الفلاحين الأدوار الخاضعة. تستخدم هذه المنظمات الفلاحين والفقراء كمادة لبحوث مشاريعهم، انهم يستفيدون من نشرها-ولا يوجد اي منها تستلمه الحركات الاجتماعية السياسية، ولا حتى نسخ. وأكثر من هذا، سأل الفلاحين لماذا لا يقوم محترفي المنظمات غير الحكومية بمشاركتنا في اي شيء بعد تقديمهم لدورتهم؟ لماذا لا يدرسون الأغنياء واصحاب السلطة، لماذا يدرسوننا نحن؟

حتى عندما تعترف المنظمات غير الحكومية “التقدمية” بذلك، تكون اقليات من اعضاءها منخرطةً في الحركات الاجتماعية السياسية. علاوةً على ذلك، اكثر المنظمات الحكومة تلائم الوصف الذي ذكرناه اعلاه، وانه من شأن الحالات الاستثناءية القليلة ان تثبت غير ذلك: ستكون خطوة كبيرة للمنظمات غير الحكومية “التقدمية” أن تنتقد بشكل منهجي علاقاتهم مع الامبريالية ووكلائهم المحليين، وايديولوجيتهم في التكيف مع النيوليبرالية وبناهم السلطوية والنخبوية. وسيكون من المفيد لهم ان يخبروا نظرائهم الأوروبيين ان ينفصلوا عن شبكة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ويعودوا ليشكلوا حركات اجتماعية سياسية مناضلة يمكنها ان تتحدى الأنظمة والأحزاب المهيمنة التي تخدم البنوك والشركات متعددة الجنسيات.

بكلمات اخرى، على (المنظمات غير الحكومية) ان تتوقف عن كونها كذلك ويتحولوا الى اعضاء لحركات اجتماعية سياسية. هذه هي افضل طريقة من أجل تجنب وضعهم مع عشرات الاف المنظمات غيرالحكومية التي تقتات على المانحين، في جعبة واحدة.

الاستنتاجات: ملاحظات على نظرية المنظمات غير الحكومية:

بعبارات اجتماعية بنيوية، يعكس تكاثر وتمدد المنظمات غير الحكومية، ظهور برجوازية صغيرة جديدة مختلفة عن “القديمة”، اصحاب المحال، المهنيين الأحرار ومجموعات موظفي الدولة الجدد. هذا القطاع الفرعي الجديد أقرب للبرجوازية الكمبرادورية بقدر ما لا تنتج بضائع محسوسة، ولكن تقوم بانشاء رابطة بين المشاريع الامبريالية بمنتجي البضائع الصغار المحليين الذين ينخرطون في مشاريع صغيرة. تتميز هذه البرجوازية الصغيرة الجديدة بحقيقة ان كثيرين منهم يساريين سابقين ويمتلكون “بلاغة خطابية شعبية”، وكانوا في بعض الحالات طليعةً نخبوية، ويمتلكون مفهوماً كهذا تجاه منظماتهم. يعتمد وضعهم هذا على انعدام ملكية محددة، او موقعلا ثابت في اجهزة الدولة، انهم يعتمدون بشدة على وكالات التمويل الخارجي ليعيدوا انتاج انفسهم. وبالنظر الى كونهم يمتلكون جمهوراً من التابعين فان عليهم ان يدمجوا خطاباً شعبوياً معادياً للماركسية والدولة، وبالتالي خلطة من الطريق الثالث وأفكار المجتمع المدني كاف لتغطية كلا الطرفين. هذا الخطاب العولمي يؤمن تغطية لبديل “الأممية” المكرس للالتزامات المعادية للامبريالية. بكلمة، هذه البرجوازية الصغيرة الجديدة تشكل “الجناح الراديكالي” للتأسيس النيوليبرالي.

تلائم المنظمات غير الحكومية التفكير الاستراتيجي للامبرياليين الجدد، بينما يعمل النخب المحليين لصندوق النقد والبنك الدوليين على نهب الاقتصاد، تقوم المنظمات غير الحكومية بدور متمم من القاع محيدين ومفككين من يسخطون على النتائج الاقتصادية، ومثلما تعمل الامبريالية على محوري الاستغلال والاحتواء الكلي والجزئي، يجب على الحركات الاجتماعية-السياسية بدورها كذلك ان يطوروا محورين معاديين للامبريالية.

عملت المنظمات غير الحكومية على اشراك معظم المفكرين ممن يسمون “المتذبذبين”، الذين لديهم قابلية ما لأن يهجروا اصولهم الطبقية وينتموا للحركات الشعبية. النتيجة هي فجوة مؤقتة بين الأزمة الرأسمالية العميقة (الكساد في اسيا وامريكا اللاتينية، وانهيار الاتحاد السوفييتي)، وغياب الحركات السياسية الاجتماعية المنظمة (باستثناء البرازيل، كولومبيا وجنوب كوريا).ةالسؤال الأساسي يكمن فيما اذا كان يمكن لجيل جديد من المفكرين ان ينبثق من الحركات الاجتماعية الصاعدة، والذين سيكون بمستطاعهم ان يتجنبوا اغراءات المنظمات غير الحكومية وينخرطوا في الموجة الثورية القادمة.




-------------------------------------------------------

*جيمس بتراس، قسم علم الاجتماع، جامعة بينغهامتون، نيويورك.

معلومات النشر: عنوان المقال: المنظمات غير الحكومية: في خدمة الإمبريالية.
المساهمون: جيمس بتراس – المؤلف. عنوان المجلة: مجلة اسيا المعاصرة (Journal of Contemporary Asia)
مجلد: 29 العدد: 4 من سنة 1999، صفحة 429

موقع الكاتب: https://petras.lahaine.org

الرابط: https://www.neue-einheit.com/english/ngos.htm/
أضف رد جديد