ماذا نفعل مع المسلمين؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

في أهمّية الضَّبّ ..!

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »



في أهمّية الضَّبّ ..!

سلام يا حسن موسى، وشكراً على هذا الانثيال الجبّار.

وليس العنوان إلّا مُقارَبة شديدة المِراس :wink: ففي الحقيقة كنتُ أقصد: في أهمّية الضبط! حتى تقف الهجائم متَيبِّسة خوف أن تقع في التّلَبُّس؛ وطالما أن الضبّ، فرَض شعرُه، فقد ذكرتُ بيت ذاك الإعرابي الفصيح، يحمُدُ حلاوة تذكّره لمحبويته (سُندار رَاهيللي،، ميرى مُهبّة)، فشَعَر:

ذكرتُكِ ذَكْــرَةً فاصطدتُّ ضَــبــَّــاً ،،، وكنتُ إذا ذكرتُكِ، لا أخيبُ *




ــــــــــــــــــــ
أذكرُ، أنا كمان، أنّي وَقّعتُ تحت البيت: فأيُّ خَيْبةٍ أكثر :lol: في أحداث سنة 1996م

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الـ " بدون" إنسانية في الهند ايضا.

مشاركة بواسطة حسن موسى »



في ايام قليلة ستقوم الهند بمصادرة حقوق المواطنة من حوالي سبعة مليون هندي مسلم و ذلك بمحوهم من السجل الوطني. و هي خطوة سيعقبها إلقاء ملايين الاشخاص في معسكرات اللجوء. هكذا تبدأ حركات التطهير العرقي في كل مكان. بمجرد إجازة نص قانوني يشرعن العنصرية و التفرقة. الأعلام الغربي المشغول بمباريات كاس العالم لا يبالي بما يحدث للفقراء الذين سيلقي بهم تحالف الجهل و التعصب و العنصرية وتناقض المصالح الطبقية في جحيم التفرقة لأنهم لا يتحدثون اللغة الصحيحة أو لأنهم لا يدينون بالديانة الصحيحة سواء كانوا مسلمين ، نصارى، يهود أو لا دينيين. و قد شرعت حكومة ولاية آسام منذ اسابيع في العمل الدؤوب بدون ضجيج لتمرير قانون يؤسس لنظام ابارتايد ميد إن إنديا ، بل و شرعت في بناء المعسكرات لإستقبال اللاجئين الجدد.كل ذلك تحت ذريعة محاربة الهجرة غير القانونية من بنغلاديش. و من يتابع الأنباء يعرف أن عملية إبادة مسلمي الروينغا قد بدأت بذرائع مشابهة. و في واقع الأمر فإن أغلبية هؤلاء المسلمين هم مواطنون هنود فقراء و تتفشى بينهم الأمية و جلهم لا يملك أية وثيقة هوية وطنية لأنهم ببساطة لم يحتاجوا لها ابدا.
ماذا يصنع عيال المسلمين القابضين على السلطة في مجتمعاتهم؟ إنهم يتابعون منافسات كأس العالم على شاشات هواتفهم و حواسيبهم و يحاربون بعضهم البعض في سوريا ، في العراق ، في اليمن ، في أفغانستان ، في الباكستان ، في تركيا ، في مصر ، في ليبيا ، في السودان، في مالي و في الصومال و هلمجرا.. و في " هلمجرا" ضف تكاثر معسكرات البدون في كل مكان و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ..غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة.
للإستزادة أنظر الروابط



https://www.aljazeera.com/news/2018/03/ ... 49287.html


https://indianexpress.com/article/opini ... s-5030603/

https://timesofindia.indiatimes.com/ind ... s?from=mdr


https://scroll.in/article/883936/assam- ... ng-tragedy
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

سؤال

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

إجابة الصلحى على سؤال هل اثر دخول الإسلام على الفنون
جاءت عمومية دون تفصيل.. ولكن السؤال هل تحمل قدر من الحقيقة...استنادا على وجود مفاهيم لدى عدد كبير من الإسلاميين ضد الفنون واستنادا على غياب تقليد رسم الشخصيات والتمثيل من آثار حضارات اسلامية ...وفى مواقف عدد كبير من رجال الدين الاسلامى ضد الفنون التشكيلية فى هذا العصر....الصحفى همت رجل سياسى يحاور فنان تشكيلى لذلك فإن همه السياسى يلقى بظلال على اسئلته....وسؤال همت تدعمه غياب الأعمال التشكيلية الإسلامية من الآثار السودانية وهذا ما جعل وزير الثقافة فى حكومة الصادق المهدى عبد الله محمد يستنكر وجود التماثيل فى متحف السودان وغياب اعمل تشكيلية اسلامية
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ماذا نصنع ببنات المسلمين؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »





و ماذا نصنع ببنات المسلمين ؟



أنشر هنا نص تعليق الصادق المهدي، إمام طائفة الأنصار و رئيس حزب الأمة على ما صار يعرف بـ " قضية وئام شوقي"
و هي القضية التي ثارت في الإعلام السوداني أثر ردود الأفعال العنيفة تجاه مداخلة الشابة السودانية وئام شوقي في برنامج تلفزيوني في قناة سودانية 24.كان موضوع البرنامج عن حقوق المرأة السودانية و الموقف من المؤسسة الدينية و تجلياتها السياسية في السودان. يمكن مشاهدة الحلقة في يوتيوب.

https://www.youtube.com/watch?v=YC8VsypBOFk


"
بسم الله الرحمن الرحيم
قضية الآنسة وئام شوقي
الإمام الصادق المهدي
26/9/2018م
قضية الآنسة وئام شوقي صارت قضية رأي عام، لا يمكن لمثلي أن يسكت عنها وعن تداعياتها، ولا يمكن حصرها بين متفهمين وراجمين.
إن ما قالته الآنسة وئام في فضائية 24 يمثل ثقافة بدأت تظهر على أقوال وأفعال كثير من أبنائنا وبناتنا. وكثير من الآباء والأمهات يدركون هذه الحقيقة، ففي أوساط بعض الشباب ثورة اجتماعية هي جزء من رفض للواقع الاجتماعي الراهن، ولا يجدي معه التعامل مع الظواهر الفردية مهما انقسم حولها الرأي. بل تمثل المظهر الأخف من عوامل تدل على تغيرات كثيرة في المجتمع السوداني تتطلب تشخيصاً محيطاً، وتعاملاً جاداً مع التحديات التي تواجه مجتمعنا.
إنها تدور حول عشر مفارقات للواقع الاجتماعي المعهود:
أولاً: في مناطق كثيرة، لا سيما المناطق المصنفة سابقاً بالمناطق المقفولة ووصفت بالجنوب الجديد في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، حركة تنصير وردة عن العقيدة الإسلامية. حركة تجاوزت المناطق التقليدية فسمعت بأذني في قاعة المصارف في الخرطوم أحد أبناء قبيلة بقارية يقول بلهجته بعقيدة مسيحية. وهنالك مقولة أحد النازحين حيث كتل بشرية بالملايين محرومة عند ما قال له مسؤول حكومي: كيف تمنعون مسؤولين حكوميين من دخول معسكركم وهم مسلمون مثلكم وترحبون بزيارة الكفار؟ رد عليه: واحد قصفك بالقنابل، وأحرق قراك، وشردك، وآخر مد لك يد العون الإنساني غذاء، ودواء، ورعاية. بالله أيهما الكافر؟
ثانياً: هنالك لأول مرة في أوساط شبابنا المتعلم مجاهرة بالإلحاد، ومجاهرة بعلمانية معادية للدين، فمعلوم أن هنالك علمانية محايدة في أمر الدين ولكن هنالك أخرى معادية للدين.
ثالثاً: ومن نتائج النزوح السوداني بأعداد كبيرة واستقراره في بلاد غربية أن عدداً كبيراً من أبناء وبنات هؤلاء اللاجئين صاروا مستلبين تماماً. قالت لي سيدة سودانية في مدينة أكسفورد: يا فلان “أولادي هؤلاء دا طرفي منهم” نحن نسكن داراً واحدة ولكن لا نتحدث لغة واحدة، ولا نشترك في قيم واحدة، نعيش مع غرباء. هذا ما كررته لي سيدة في السويد قالت لي عندي ولد وبنت من أنجح الناس في الحياة ولكنهما قالا لي: نحن قد تخلينا من السودان وصرنا سويديين. وفي اجتماع مع بعض الآباء في برلين قالوا لي أوضاعنا المادية والاجتماعية من حيث السكن والرعاية الصحية والتعليم جيدة. ولكن أولادنا ما عادوا أولادنا. هذا اتجاه الاندماج في المجتمعات الغربية على حساب الهوية الدينية والقومية والوطنية.
رابعاً: ولكن هنالك ردة فعل مضادة في الاتجاه الآخر لدى الشباب الذين وجدوا المجتمعات الغربية طاردة، فصاروا تربة خصبة لتجنيد داعش إذ أن اثنين من أولاد أخ يساري اتجها نحو داعش فمات أحدهما في الميدان والثاني في السجن. هذه الظاهرة التي ظهرت في بعض أبنائنا وبناتنا من أسر ثرية كما في طلاب جامعة د. مامون حميدة.
خامساً: وكثير من شبابنا دفعه التأزم النفسي إلى تعاطي المخدرات التي صارت منتشرة بصورة وبائية، ويتاجر فيها كثير من القطط البدينة المحمية، حتى قال وزير داخلية سابق: في كل أسرة لدينا الآن مدمن أو مدمنة.
سادساً: وقال بعض الأطباء النفسيين إن ثلثي شبابنا يعانون من حالات نفسية.
سابعاً: والنسبة الأكبر من شبابنا لا يشعرون بأن السودان وطنهم، ولأسباب مختلفة هم مستعدون أن يركبوا الأهوال للهجرة لأوربا. مأساة صورها صاحبها في رواية “جعلت البحر وطناً”. وقد قابلتُ هؤلاء في كثير من عواصم أوربا وأكثرهم في حالة يرثى لها.
ثامناً: المشروع الحضاري الذي تأكد لكثيرين أنه يقول ما لا يفعل، فوصل إلى قمة النفاق والتلاعب بالشعار الديني، أفرز عبارات استهزاء بهذا الشعار، مثل تسمية زي معين: الشريعة طرشقت، وآخر فصل الدين من الدولة، وعبارة هذه دقن حميدة وهذه دقن خبيثة وهلم جرا.
تاسعاً: أما فضيلة فضل الظهر فقد تحولت في المناخ الأخلاقي الهابط إلى ممارسات إجرامية واسعة النطاق.
عاشراً: نعم هنالك أسباب موضوعية نتيجة للضائقة الأمنية، والضائقة الاقتصادية، وآثار الثقافات الوافدة، وانتشار وسائل الفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي ما صنع مجالاً مفتوحاً لقاعدة واسعة من الشباب لتتأثر وتؤثر بعوامل كثيرة. ولكن هنالك أسباب مهمة طارئة على البلاد، أهمها رفع شعار إسلامي وجعله أساساً لشرعية التمكين واحتكار السلطة والمال، ما أدى لردة فعل مضادة، وصدود عن الشعار الإسلامي من باب:
إذا فعل الفتى ما عنه ينهى فمن جهتين لا جهة أساء
هذا والمؤسسة الدينية الرسمية، الموصوفة بعبارات ضخمة وإدعاءات كبيرة، تسكت عن أسوأ أنواع المظالم، بل تقبل وظائف الظلمة، ولا تعترض على ممارساتهم إذ يقتلون المواطنين، وينهبون المال العام، ويسومون شرف الوطن في الخارج، يسكتون عن أية نصيحة أو نقد، يمارسون إجماعاً سكوتياً على كبائر الكبائر، وينشطون في إدانة اللمم في الأزياء، أو في الكلام عن المساواة في حقوق وواجبات الزوجية.
وهم إذ يفعلون هذا مع أوضاع العالم المعاصر إنما يصنعون لضحاياهم بطولة في عالم اليوم كما كان في حال مريم، ولبنى، وغيرهما.
ختاماً: في هيئة شؤون الأنصار سوف ندعو لحلقة دراسية لتشخيص الحالة الدينية والاجتماعية في السودان وتقديم المشروع البناء المنشود.
والله ولي التوفيق.

"
[ انظر رابط المقال في

https://www.alsadigalmahdi.com/قضية-الآنسة-وئام-شوقي/


انتهى مقال الصادق المهدي


سأعود

…...
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

نحن نفعل هذا، أتعلمون لماذا؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »





" نحن نفعل هذا، اتعلمون لماذا؟"
[ مسرحية قدمها عمر براق على خشبة المسرح القومي في منتصف السبعينيات]

….

يفتتح الصادق المهدي مقاله بالعبارة :
"
قضية الآنسة وئام شوقي صارت قضية رأي عام، لا يمكن لمثلي أن يسكت عنها وعن تداعياتها، ولا يمكن حصرها بين متفهمين وراجمين. »ـ

من قولة تيت يفرض السؤال نفسه : من أي موقع يصدر هذا الخطاب ؟و نصف الإجابة مضمر في العبارة المفتاحية :" لا يمكن لمثلي .." فمن هو هذا الـ"مثلي"؟ . صفة الـ " مثلي" تحيل القارئ لفئة مستحيلة هي وسط ، أو فوق أو قبل أو بعد أو بين، الفئتين الذين يتنائى الكاتب عنهما. فئة " المتفهمين" و فئة " الراجمين". و الكاتب يكشف عن موقعه الغميس بتدرج بليغ،فهو ليس مجرد ند فكري و إنما هو أب رؤوف متعال على الخصومة و متضامن مع الآباء و الأمهات المكلومين، كونه يعتني بالبلاء الواقع على " كثير من أبنائنا وبناتنا". و البلاء الواقع على أبناء و بنات هذا الكاتب الأب هو بلاء ثقافي وقع على الشباب كما يقع الوباء على الأحياء.و هذا البلاء يتخذ شكل " ثورة إجتماعية هي جزء من رفض للواقع الإجتماعي الراهن". الكاتب إذن مشغول بإشكالية الواقع الإجتماعي الراهن" و ذلك حق مشروع لأن " الواقع الإجتماعي الراهن : يفيض عن ماعون إشكالية ثورة الشباب ليشمل إشكالية الثورة السودانية بحالها.و في منظور الثورة الإجتماعية يتكشف المكتوب عن صفة الكاتب و موقعه الإجتماعي الحقيقي، فكاتبنا ليس مجرد مراقب محايد بين الكتاب، لكنه جزء من التاريخ السياسي الحديث للمجتمع السوداني. إنه علم من أعلام السياسة السودانية لأنه زعيم ديني و زعيم سياسي ذو ثقل لا يمكن تجاهله في المشهد السياسي الراهن. و من يقوقل اسمه يقع على سيرة عامرة بالوقائع السياسية المهمة التي أثرت و تؤثر على مسارات الحياة السياسية للسودانيين.و بصفته الروحية و السياسية يسوّغ لشخصه أن يعبر عن قلقه على مصير دين المسلمين في مواجهة الصعوبات المادية و الرمزية التي يتصور أنها تتناوشه في المجتمع السوداني.و كزعيم ديني يقف في خط الدفاع الأول عن عقيدة المسلمين فهو ينظم الصعوبات التي تعترض دين المسلمين بطريقة تجعل من مواقف عيال المسلمين النقدية تجاه سياسة نظام الإنقاذ الحاكم ، مواقف رفض للعقيدة. فهو يلخص "التحديات التي تواجه مجتمعنا"[ و نون الجماعة في " مجتمعنا" تشيح عن واقع التعدد الديني في المجتمع السوداني لتجعل منه مجتمع مسلمين بلا شوائب ]، يلخصها في "عشر مفارقات للواقع الإجتماعي المعهود".[ يا لها من عبارة].و يكتب الصادق المهدي عن أولى الأزمات التي تواجهها العقيدة في السودان و يحكي : ـ
"أولاً: في مناطق كثيرة، لا سيما المناطق المصنفة سابقاً بالمناطق المقفولة ووصفت بالجنوب الجديد في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، حركة تنصير وردة عن العقيدة الإسلامية. حركة تجاوزت المناطق التقليدية فسمعت بأذني في قاعة المصارف في الخرطوم أحد أبناء قبيلة بقارية يقول بلهجته بعقيدة مسيحية. وهنالك مقولة أحد النازحين حيث كتل بشرية بالملايين محرومة عند ما قال له مسؤول حكومي: كيف تمنعون مسؤولين حكوميين من دخول معسكركم وهم مسلمون مثلكم وترحبون بزيارة الكفار؟ رد عليه: واحد قصفك بالقنابل، وأحرق قراك، وشردك، وآخر مد لك يد العون الإنساني غذاء، ودواء، ورعاية. بالله أيهما الكافر؟".
أول المفارقات في مكتوب الصادق المهدي تكشف عن قلقه على رأسماله الديني متمثلا في الإسلام، و هو رأسمال رمزي توارثه أبناء المهدي المؤسس و ارتزقوا به في سوق الإقتصاد السوداني مثلما ارتزقوا به في سوق السياسة السودانية. و القلق على العقيدة في مشهد الصادق المهدي هو قلق على الإسلام أكثر منه قلقا على المسلمين الذين ضيق عليهم أخوانهم في العقيدة حتى بحثوا عن الملاذ خارجها.

..و مكتوب الصادق يتأسّى على ما يسميه بالإستلاب. استلاب الشباب على
". حساب الهوية الدينية والقومية والوطنية. »و هو في نظره استلاب جره على الشباب السوداني". اتجاه الاندماج في المجتمعات الغربية" . لكن الإندماج في المجتمعات الغربية لا يقتصر على فئة الشباب دون غيرها من فئات المجتمع السوداني.فالصادق المهدي نفسه لا يفلت من قدر الإندماج في ثقافة المجتمعات الغربية و مناهجها الفكرية الحديثة و إن تسربل بسرابيل الثقافة التقليدية.لكن موهبة الصادق المهدي الأدبية تبدو في أوجها حين يصور الأوضاع الدرامية للأسر السودانية المكلومة في فقد رمزي لا يعوض لأن فلذات اكبادها انزلقت في هاوية الثقافة الغربية المهلكة التي بلا قرار. يقول :ـ

"ثالثاً: ومن نتائج النزوح السوداني بأعداد كبيرة واستقراره في بلاد غربية أن عدداً كبيراً من أبناء وبنات هؤلاء اللاجئين صاروا مستلبين تماماً. قالت لي سيدة سودانية في مدينة أكسفورد: يا فلان “أولادي هؤلاء دا طرفي منهم” نحن نسكن داراً واحدة ولكن لا نتحدث لغة واحدة، ولا نشترك في قيم واحدة، نعيش مع غرباء. هذا ما كررته لي سيدة في السويد قالت لي عندي ولد وبنت من أنجح الناس في الحياة ولكنهما قالا لي: نحن قد تخلينا من السودان وصرنا سويديين. وفي اجتماع مع بعض الآباء في برلين قالوا لي أوضاعنا المادية والاجتماعية من حيث السكن والرعاية الصحية والتعليم جيدة. ولكن أولادنا ما عادوا أولادنا. هذا اتجاه الاندماج في المجتمعات الغربية على حساب الهوية الدينية والقومية والوطنية. ».

ولعل النظر المتأني في الطريقة ااتي ينظم بها الصادق' المهدي أمثلته يتيح للقارئ أن يفهم النص الباطن الماثل وراء نصه الظاهر المتباكي على ضحايا الإستلاب في حواضرالمجتمع الغربي . فالرجل الذي بنى بأسه السياسي على استثمار ذاكرة الدين الطائفي و ذاكرة الوطنية العربسلامية ،إنما يبكي على تبديد رأسماله الرمزي على يد عيال السودانيين المغتربين الفالتين من قبضة ميراث ديني و سياسي للصادق المهدي فيه موقع الحظوة.
المثال الأول، مثال السيدة التي نفضت طرفها من أولادها بسبب غربة اللغة و غربة القيم هو مثال غريب لأن هذه السيدة الغاضبة ألقت بأطفالها في اليم و لامتهم على البلل. و هي تتحمل بعض مسئولية الغربة التي وقعت بينها و أولادها من لحظة مغادرتها للسودان لتحيا في أوكسفورد، ثم هي ، كأم، تتحمل قدرا أكبر مما قد يتحمله الابناء لأنها ،و هي في أوكسفورد، لم تنجح في صيانة أطفالها بعيدا عن تأثيرات ثقافة الإغتراب فاعتنقوا قيما غير قيمها السودانية، ثم هي فوق ذلك تعاقبهم بعقاب أموي رهيب يتمثل في نفض طرفها من لحمها و دمها [ و هيهات و ستين هيهات].
أما المثال الثاني، مثال الأم التي ربّت أطفالها في السويد فنجحوا و التفـُّوا عليها بخيانة الإنتماء لوطنها الذي لا يعرفون عنه سوى ذكرياتها هي .هذا المثال يراكم وقائع الخيانات الطبيعية المتناسلة بين الأجيال و يستلذ بالبكاء عليها في مداهنة شهمة في الظاهر [ و رخيصة في الواقع] للعواطف السودانوية البائدة.، و لو قبلنا بالعبارة " خيانات" فهي ـ في نظري الضعيف ـ خيانات " بيضاء" و ضرورية لأن قدر الأبناء ـ في أي مكان و في أي زمان ـ هو ان يؤسسوا ذواتهم باستقلال عن مشاريع الآباء المسبّقة.و لو راجعنا مع الكاتب سيرته الذاتية في مشهد السياسة السودانية فسنلمس معه مسلسل "الخيانات البيضاء" التي عبرها ، و على رؤوس الأشهاد، و التي أهـّلته ليصبح الشخصية المؤثرة الماثلة أمامنا في مشهد السياسة السودانية الحديث. لكن الصادق المهدي بوصفه خائنا ساميا بين أبناء جيله، بدلا من أن يتلمس للأمهات المحزونات عزاءا نافعا يرشّد حسراتهن ، من ثنايا تجربته الغنية، فهو يوكر نفسه في موقف غميس لا يخلو من شبهة التغرير الأخلاقي بالأمهات المفجوعات، ذلك لأنه يفضل الكسب السياسي السهل العاجل بالتباكي مع الأمهات على إيقاع اللبس الإصطناعي المجدول من الأوهام الوطنوية و الإسلاموية لعيال الطبقة الوسطى العربسلامية في السودان. و لو كان الصادق المهدي سأل :ـ يا جماعة الخير نقول شنو للأمهات المحزونات في هذا الأمر البالغ التركيب؟ كنت بذلت له النصيحة لوجه الله، لكن أهلنا قالوا : « كلام القصير ما بنسمع « .و هكذا سبق السيف العذل و صار ما صار.
المهم يا زول، لو في زول داير النصيحة أحسن يمشي يتأمل في قولة جبران خليل جبران المشهودة في صدد التناقض التراجيدي الذي يتربص بالآباء و الأبناء في ثنايا هذه المتاهة الوجودية الشاسعة التي نسميها الحياة..
«كتب جبران في " النبي" :ـ
"إن أولادكم ليسوا أولادًا لكم.
إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكًا لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارا خاصة بهم. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه ولا في أحلامكم.
ولكنكم عبثا تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم.
فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية، فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.
لذلك فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرّة والغبطة.
لأنه كمايحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس التي تثبت بين يديه

".
و لنتأمل في " التحدي" الرابع الذي يشير إليه الكاتب في حديثه عن" ردة فعل مضادة في الاتجاه الآخر لدى الشباب الذين وجدوا المجتمعات الغربية طاردة، فصاروا تربة خصبة لتجنيد داعش إذ أن اثنين من أولاد أخ يساري اتجها نحو داعش فمات أحدهما في الميدان والثاني في السجن. هذه الظاهرة التي ظهرت في بعض أبنائنا وبناتنا من أسر ثرية كما في طلاب جامعة د. مامون حميدة. ». القارئ هنا يفاجأ بالإختصار الكبير الذي يعالج به الكاتب ظاهرة انخراط أعداد كبيرة من عيال المسلمين في حركات الإسلاميين المتطرفين من نوع داعش و شركاه.ذلك أن الصادق المهدي، فوق صفته الرمزية، كسياسي سوداني واقع من السما سبعة مرات، فهو أيضا مفكر له وزنه بين أعلام الفكر الإصلاحي المطروح من داخل الدين ، إلا أن هذا الوزن بلا حضور في الخفة الفكرية التي يعاجل بها كاتبنا ظاهرة الشباب المسلم الذي اختار مواجهة غول رأس المال بالسلاح و إن كلفته المواجهة الدامية حياته.ذلك أن الصادق المهدي ينظر لهؤلاء الشباب كضحايا في «  الإتجاه الآخر » المعاكس لحالة الضحايا الذين انخرطوا في مسار الإستلاب الغربي و بددوا قيم الدين و الوطن.و هي نظره عمادها لبس مفهومي مقصود غايته رفع المسؤولية الأخلاقية عن هؤلاء و أولئك بتصويرهم ككائنات تائهة بلا إرادة و بدون وعي أو وازع ، كائنات " زومبي" تهوّم بين اطلال المجتمع الاسلامي المعاصر الآيل للتصدع و وعيد مجتمع العولمة المرسمل الغاشم.و الصادق المهدي يكتفي بالتباكي على المصير القاتم الذي يترصّد هؤلاء الشباب الضائعين، و موقفه الذي يظهر الرثاء لحال الفاقد الحضاري الذي يجسده هؤلاء الأولاد الضائعون[ أو الـ «  لوست بويز » بالعربي الفصيح كدا]، إنما ينطوي على نوع من إزراء فكري لا يليق بشخص يتوسّم فيه قطاع واسع من السودانيين دور المرشد الروحي. فهؤلاء الشباب الذين تنكّبوا خيارا وجوديا مكلفا و لم يترددوا في دفع الثمن الفادح، يستحقون أكثر من مجرد اختزالهم لفرائس سهلة لمسخ "داعش" و شركاه. ذلك أنهم وجدوا أنفسهم في موقف حرج بين مبدأ دين الآباء و مبدأ دين رأس المال المعولم فاختاروا مبدأ دين الآباء و البحيي الله و الكاتل الله...جاء في الأثر" أنه قال :بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء.قيل : و من الغرباء؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها.و في رواية هم الذين يصلحون إذا فسد الناس" .
و الشباب المسلم الذي ارتدّ عن دين الآباء لم يفعل ذلك بعد تفكر و تأمل عقلاني في صدد الخيارات الفلسفية و الوجودية التي تطرحها الحياة أمام الفيلسوف المتأمل في تناقضات الوجود و العدم.إنهم ببساطة ضحايا تغول السلطات السياسية المتذرعة بالإسلام لقهر الفقراء و إخضاعهم لمشيئة دولة رأس المال المتأسلمة، و قد دفعهم العسف السياسي المتأسلم للتغرّب بعيدا عن الإسلام الموروث و طلب الملاذ في دين النصارى أو في فضاء اللادين، [ و "فضاء اللادين" في شكله الماثل هو مجرد تنويع بين تنويعات دين النصارى]. و غدا حين ينجلي عن هؤلاء الغرباء بلاء الإسلام السياسي الذي تتوسل به فئةالرأسمالية الطفيلية السودانية لإحكام قبضتها على الشعب ، سيجد المرتدّون الشباب أنفسهم مضطرين لبناء فضاء نقدي يفرزون داخله بيّن الحلال من بيّن الحرام و ما بينهما من أمور الدين التي تزيدها العولمة اشتباها على اشتباه . حينها سيردّون غربة دين المسلمين في غرابته الخلاقة المموهة وراء غشاء التقليد البائد . و حين أقول أن هؤلاء المسلمون « سيجدون أنفسهم مضطرين لبناء فضاء نقدي" لعقلنة أمور دينهم تحت شروط واقع عولمة الثقافة و عولمة المنازعة الإجتماعية، فذلك لأني لا أتصور لهم وجودا خارج الدين. لأن الدين ـ في معناه الكبير ـ مبدأ تنظيمي قوامه الإعتقاد في الغيب الذي لا تقوم لأي مجتمع قائمة بدونه., و حين أقول " الدين في معناه الكبير" فقولي يعتمد على بأس مفهوم الإعتقاد في الوعد الكامن في رحم الغيب. و هو اعتقاد لا يسنده إي سند منطقي و عقلاني كونه يرهن الفعل الحاصل في الزمن الواقع بما قد يحدث ،او لا يحدث، في الزمن المستقبل..و هذا الإعتقاد لا يقتصر على الأساطير الدينية التقليدية مثل الإعتقاد بأن العناية الإلهية تتدخل في مصائر الناس أو الإعتقاد بحياة أخرى تنتظر الناس بعد الموت أو الإعتقاد في وعد البعث أو وعد السعادة [أو الشقاء ] في الجنة [ أو في النار] و غير ذلك مما تزدحم به أدبيات الموحّدين و غير الموحدين.قولي يتمدد ليشمل الإعتقاد الحداثي الدارج في وعود التقدم العلمي الذي سيجعل الحياة أفضل، أو الإعتقاد في وعود الثورة الإجتماعية التي ستجلب العدالة و الرفاه و السعادة للجميع ، بل أن هناك من يعتقدون في وعود فرق كرة القدم وفيهم من يموت فداءا لوعود "مانشيستر يونايتيد"أو "ريال مدريد" أو حتى نادي الهلال، و الله ما شق حنكا ضيّعه. كل هذه الوعود المسقطة على المستقبل هي إحتمالات في رحم الغيب قد تصدق او قد لا تصدق.لكن منفعتها الحقيقية هي في كونها تعمل كرباط يلتئم عليه العزم الجمعي في شكل مشروع طرفه الملموس قائم على أرض الواقع بينما طرفه المأمول غارق في ضباب الغيب. و في هذا المشهد تصح قولة ابن المقفع المشهودة في ضرورة الدين.و أصل الحكاية أن ابن المقفع المجوسي السابق أسلم على يد عيسى بن علي عم المنصور، ووالي الأهواز، إذ كان ابن المقفع يعمل كاتبًا لديه، ويقال إنه حين حاول اعتناق الإسلام طلب منه عيسى بن علي أن يؤجل ذلك إلى الغد؛ حتى يكون إعلان إسلامه في حفل عظيم، وحدث أن حضر طعام العشاء، فلاحظ عيسى أن ابن المقفع يأكل ويزمزم تصاويت صلاة مجوسية. فسأله عيسى: أتصنع ذلك وأنت على نية الإسلام؟! فأجابه: كرهتُ أن أبيت ليلتي على غير دين!. ..

تخوف الصادق المهدي على شباب المسلمين الذين ينخرطون في حركات المقاومة المسلحة لهيمنة دوائر رأس المال الأوروأمريكي يكشف إما عن جهل مريع بطبيعة الشروط الإجتماعية المعقدة التي حفزت الشباب المسلم على تنكب وعورة درب التحرر الوطني باسم الإسلام ، أو عن تجاهل مقصود لطبيعة الواقع الذي يعانيه الشباب المسلم في بلدانهم الواقعة تحت هيمنة قوى رأس المال بوسيلة الإقتصاد أو بوسيلة القوة العسكرية الغاشمة.و التجاهل، لو صحّ، فهو ينسجم تماما مع التاريخ السياسي لرجل بنى تاريخه السياسي من خامة الإمتثال لإرادة دوائر رأس المال.
ذلك أن وراء الواجهة الكاريكاتورية لداعش تنهض جملة من الملابسات الجيوبوليتيكية المعقدة التي ظلت تحفز عيال المسلمين في العقود الماضية على حمل السلاح ضد قوى رأس المال المعولم.و الصادق المهدي ، في غمرة استسهاله لتناول ظاهرة تمرد عيال المسلمين على مؤسسات المجتمع البائد، ينسى ، أو هو يتناسى، القطاع الواسع من الشبيبة السودانية التي اختارت الإنخراط في حركات المقاومة المسلحة السودانية ضد نظام الإنقاذ. و هو قطاع يتمتع بوزن رمزي و عددي غير قابل للمقارنة بفئة الشباب التي يزعم الكاتب انها أسيرة الإستلاب الثقافي في الغرب أو الإستلاب الديني في الشرق. و الصادق المهدي المفكر السياسي يعرف أن المنظمات الجهادية من نوع " القاعدة" أو" داعش"او " حماس" أو"بوكوحرام" ما هي إلا الجزء البارز من جبل الجليد الغارق في نفط و غاز و يورانيوم جيوبوليتيك الشرق الأوسط البالغ التعقيد. و في العقود القادمة سيشههد العالم أكثر من" داعش" و أكثر من حركة إحتجاج مسلح و غير مسلح في المجتمع المسلم لأن القطيعة الحضارية الكبيرة المخيمة على عالمنا المعاصر تنهض على إشكالية تتراكب فيها أسئلة المنازعة الطبقية المعولمة مع أسئلة المنازعة الدينية و العرقية و الجندرية و الجمالية.و لو أراد الصادق المهدي، بوصفه مفكر ديني و سياسي مهموم بأولويات المجتمع السوداني،لو أراد المساهمة في مشروع التغيير الإجتماعي،فعليه أن يتباعد عن عادات التفكير السياسوي التي تحبسه في مستوى المناورات المفهومية السهلة، حتى يتمكن من النظر لمشهد التشبيك الإجتماعي الكبير الذي يغري عيال المسلمين بالإنخراط في مغامرة حضارية غير مسبوقة، مغامرة شاسعة و واسعة لا تطالها أدوات السياسة السودانية التقليدية.

سأعود
…...
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

قال: الحرية لنا و لسوانا

مشاركة بواسطة حسن موسى »


قال :"الحرية لنا و لسوانا"


كتبت هذه الكلمة استجابة لطلب من صديق كريم للمساهمة بها في فعالية الإحتفال بالذكرى الخامسة و الثلاثين لإغتيال الاستاذ محمود محمد طه على يد سدنة الهوس الديني في السودان، لكن طبيعة المسند المتاح حينها مع ضيق المجال، حفزاني على اتحاذ شكل الخطاب الشفاهي في فيديو محكوم بضيق الهامش الزمني.و قد حاولت تقديم أفضال الأستاذ محمود محمد طه على مساري الشخصي، القكري و الجمالي، لكن أثر محمود واسع ما بنمسك بيد واحدة، و هذه دعوة للأصدقاء للمساهمة في فرز الأدب الجليل الذي اورثنا اياه الاستاذ محمود محمد طه.

1 ـ
فضل المسافة
في بحث السبعينيات الذي شغل يفاعتنا الفكرية كنا نتردد على بيت الأستاذ محمود باعتباره واحد بين أمكنة الخرطوم العامرة بجدال "ذلك الزمن" الذي كسب جماله في خواطرنا من تواتر الأسئلة الكبيرة في معاني الوجود و العدم،و كنا نجلب لبيت الأستاذ اسئلتنا الشابة المشاترة و نعود منه و افئدتنا عامرة باسئلة جديدة: من نحن؟من أين أتينا؟ و أي وجهة نقصد؟و ما جدوى جهدنا وسط تيه الوجود؟ في ذلك الزمان كنا نقضي سحابة يومنا نلوك بلاغة الخروج الرافض لكل ما تواضع عليه ابكارنا في الفن و الدين و الحب و الصراع الطبقي ،أو كما عبر صديقنا "حامد جو"في واحدة من شطحاته الأدبية الفتـّانة : "و الله أنا ضد الله و ضد ماركس و ضد هيغل و ضد مشروع الجزيرة ذاته ».و أظننا كسبنا من ترددنا على بيت الأستاذ جملة من القناعات بسيطة في صياغتها لكنها جليلة في مراميها الوجودية.
وفكرة محمود وجودية في معنى مسؤولية الإنسان عن فكره و عمله في تقاطع الآن /الهُنا، فأنت يا إنسان لست مسؤولا عن ما مضى و لا عن ما سيأتي لان الماضي و المستقبل فالتان بالقوة عن إرادتك.في هذا السياق كانت عبارة محمود "تجويد الواجب المباشر" فتحا مفهوميا مهما لأنها تنطوي على منهجية عالية الكفاءة في تعريف أولويات الحضور الفاعل. و مبدأ تعريف الأولويات كان هو مفتاح الفرز الوجودي في خاطري الشاب المهموم بالمعنى.كان الرسم عندي اولوية قصوى لكن أولوياتي ليست بالضرورة متطابقة مع اولويات الآخرين.في " ذلك الزمان" كنت أعرف نفسي كرسام منتبه للسياسة في السودان، و دا طبعا على قناعة بأنو السياسة أهم من أن نتركها للساسة المحترفين فيستفردون بها على كيفهم .و من نافذة الرسم كنت أتابع ما يحدث في ساحة السياسة السودانية و على هم الرسم كنت أبني اتفاقاتي و خلافاتي مع الناس المتحركين في المشهد السياسي.و من واقع متابعتي للسياسة في السودان، تنبهت للطرح السياسي في أفكار الأستاذ محمود محمد طه من وقت مبكر.و أنا أعتبر نفسي متابع صديق للفكرة الجمهورية لأني أراها واحدة من أهم الأفكار السياسية الحديثة في السودان. و موقف" المتابع الصديق" يناسبني لأنه يحفظ لي مسافة نقدية من المجموعة السياسية التي تتخلق داخلها الخيارات الفكرية للأصدقاء و " الأعدقاء" الناشطين في فضاء العمل العام. و من مسافتي أحاول حساب افضال الأستاذ محمود محمد طه على عملي الفني و الفكري . تعليقي يوجز في بضعة عبارات مفتاحية في سيرة أفضال محمود محمد طه علينا هي" فضل الشجاعة"و" فضل لحرية" و" فضل العمل".

فضل "الشجاعة".
أفكار محمود محمد طه تفاجئ من يقاربها و تسحره، لأنها تنطوي على ذلك المسلك النادر و الغميس الذي نسميه نسميه الشجاعة. و أنا أتوجّس من مفهوم " الشجاعة"، لأنه في ثقافتنا الشعبية يرادف الحماقة و التهور و طلب الموت حتى، و هذه "شجاعة جسمانية" لا تبالي بالأوجاع المادية التي تطال الجسد الحيوان.و أهلنا عارضوا مفهوم الشجاعة الجسمانية بحكمة "الخواف ربّي عياله" لأن " الخوّاف" براغماتي بعيد النظر و واعي بمسؤولياته تجاه الناس الذين يعتمدون عليه و هو عارف إنه ينظم أولوياته تحت شروط القهر وغياب الحرية.
لكن شجاعة محمود التي تطرح نفسها في مقام المفاهيم،بعيدة عن نوع ا"لشجاعة الجسمانية"، لأنها شجاعة مفهومية قائمة على الرأي الحر، رأي "رجل واحد شجاع يصنع اغلبية"، وهي شجاعة عندها القدرة على زعزعة اركان الاستبداد كونها تكشف زيف بنيته. شجاعة مثل هذي لها مخاطرها الجسمانية التي يجرها موقف معارضة السلطان.لكن مخاطرها الأفدح معنوية،تتمثل في النبذ و الخلع و الطرد من جسم العشيرة المحافظة .هذه المخاطر لم تكن غائبة عن خاطر محمود حينما أطلق افكاره الجريئة في إشكاليات عقيدة المسلمين المعاصرين. وأظن أن شجاعة محمود المفهومية هي التي حفزت الشباب على الإنخراط في حركته و ألهمتهم الدفاع عن أفكاره في الشارع وسط الأهالي بحماس غير مسبوق في تاريخ الحركة السياسية السودانية.


فضل" الحرية"
"الحرية لنا و لسوانا"، هذ الشعار البسيط هو وجه في الأدب السياسي السهل الممتنع كونه يمثل في مقام ما قل و دل في مواجهةصحارى الثرثرة السياسية السودانية المترامية الأطراف.
و طبعا الحرية ،كفكرة سياسية ، هي فكرة حداثية غربية وغريبة على ميراثنا الثقافي المطبوع بقبول العبودية و التسليم للخالق، ثم للحاكم، الذي، بذريعة تفادي الفتنة و حفظ النظام العام لضمان استفرار المجتمع بلا بلا بلا،نصّب نفسه " ظلا لله في الأرض ". و فكرة الحرية وفدت لتربيتنا مع المتاع الآيديولوجي لحركة "التنوير" الأوروبية الذي تسرب لقلوبنا مع استقرار ثقافة الحداثة و الديموقراطية و المساواة في مجتمعاتنا الواقعة تحت الهيمنة الثقافية الأوروبية.
المشكلة في نسخة حرية عصر الأنوار الأوروبية هي في كوننا تعرفنا عليها بواسطة المستعمرين اللي قهرونا و صادروا حريتنا بدعاوي تمديننا و تحديثنا رغما عنا، بينما أولويتهم كانت دمج مجتمعاتنا في دورة إقتصاد رأس المال كمصدينر للمواد الخام و كسوق لمنتجاتهم و كإحتياطي عمالة لصناعاتهم. و يمكن أن نقول بأن قيم حداثة رأس المال التي حَقَنَتها دوائر الإستعمار في مجتمعاتنا كانت خيانة صريحة لحداثة التنوير اللي اسسها دعاة التنوير في أوروبا في القرن الثامن عشر على مبادئ الحرية و المساواة و الديموقراطية و احترام حقوق الإنسان.

مواجهة محمود للإدارة الإستعمارية في حادثة ختان فتاة رفاعة، كشفت الوجه المزيف للمستعمرين كدعاة حداثة،و في نفس الوقت ملّكت الأهالي الغبش أحد أهم مفاتيح حركة الحداثة في معنى : الإختيار الحر المبني على الوعي بالمصلحة الحقيقية في التقدم و التنمية و الديموقراطية.شجاعة محمود هنا، في حادثة رفاعة، هي شجاعة رجل حديث يواجه المستعمرين و يقول لهم: لا يمكن أن تحدثونا ضد إرادتنا، لأن التغيير الحداثي الحقيقي يصدر عن إرادة الشعب الحر.

و أنا أذكر أن أول مرة لاقتني فيها عبارة " الحرية لنا و لسوانا"، فاجأتني الفكرة و شغلت خاطري لأيام و انا يافع في منتصف الستينيات،نبهتني العبارة لإشكالية الحرية كمفهوم متحقق داخل سياق إجتماعي، لأن لا معنى للحرية خارج المجتمع، و الحرية اللي تفترض حدودها عند حدود حرية الآخرين هي حرية غايتها تنظيم المجتمع على قسمة عادلة لفضاء الحرية. لاحقا وجدت مفهوم الحرية كـ "شراكة" بين أعضاء المجتمع عند مولانا ميخائيل باكونين :"حريتي تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين".
https://www.marxists.org/reference/archi … ociety.htm


فضل "من عمل بما علم .."
[
فكرة محمود الأساسية في منظور اصلاح الإسلام تقوم على إزدواجية النص الديني، بين نص الظاهر و نص الباطن، نص الشريعة و نص الحقيقة..
النص في اللغة، عموما، هو كل واحد، من حيث هو ككائن أدبي مكتف بذاته، و من حيث هو ككلام قايم على تضامن المبنى و المعنى. لكن النص كثير، من حيث هو ككائن تاريخي يحيا و يتحوّر من تعدد القراءات المعرّضة بدورها لتحولات الشروط التاريخية البيمر بيها النص موضوع القراية. و تعدد القراءات يجلب النص لمنطقة المسؤولية الأخلاقية و السياسية للقارئ الحاضر في فضاء تناقض المصالح الإجتماعية. لأن القارئ يقرأ حسب المصلحة، مصلحته الشخصية و الجمعية. و هذه الوضعية، وضعية تعريض النص لمهب المصالح الأرضية الطبقية ، بتشكّل الثغرة التي تمكّن المصلحين من الدخول لمفاهيم العقيدة لمعالجة فرص إصلاح الدين على ذريعة تباين المعاني و المباني.
النص القرآني ـ زي ما كلنا عارفين ـ يدعو للتسامح و مجادلة الناس بالتي هي احسن ، لكن النص القرآني ،ايضا ، يبيح الإسترقاق كما يبيح قتل غير المسلمين و امتهان حقوق النساء، و غير ذلك من الأمور التي تجاوزها العصر، لدرجة أن لا يوجد مسلم عاقل بين المسلمين المعاصرين يتجاسر على الدفاع عنها .و أهمية نظر محمود الإصلاحي تتلخص في كونه، بدلا عن غض النظر عن تناقضات الأدب الديني، فهو يدعو المسلمين المعاصرين لفرز و تنظيم ميراث النص المقدس من جديد في مشهد المسؤولية الإنسانية.و يقول لهم : بدون الفرز النقدي لا مستقبل للإسلام. و هذا الموقف هو الذي جر عليه غضب الدعاة الإسلاميين الذين الذين طمحوا لتقديم دين يتعالى على العصر و على الفكر الحر.

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

التعليم و الآيديولوجيا

مشاركة بواسطة حسن موسى »




أعجبتني كلمة الصديق النور حمد في صحيفة التيار عن مناهج التعليم التي فرضها نظام الإسلاميين على اطفال السودان.ذلك لأنها تنبهنا لإشكالية التعليم و الآيديولوجيا في السودان و تفتح الباب للأسئلة العويصة التي تنتظرنا في فضاء التعليم في السودان.ماذا نريد من التعليم؟ و هل في الإمكان تخليص التعليم من الآيديولوجيا؟ و أي آيديولوجيا ؟و غير ذلك.
حتى أعود هاكم كلمة النور عن عجائب مناهج الإنقاذ:



من عجائب مناهج الإنقاذ

النور حمد

صحيفة التيار 8 مايو 2020

كلفني مركز الخاتم عدلان قبل حوالي ست سنوات تقريبًا، بعمل دراسة نقدية لمنهجي اللغة العربية والتربية الإسلامية، لمرحلة الأساس. فقمت بهذا العمل بالاشتراك مع المربي، الأستاذ خلف الله عبود الشريف. وقد قام مركز الخاتم عدلان بنشر تلك الدراسة في كتابٍ حمل عنوان "حكم الإنقاذ وأدلجة التعليم". لم يستطع المركز توزيع الكتاب لأن السلطات أغلقت المركز مع صدور الكتاب. وجرت مصادرة الكتاب ضمن ما جرت مصادرته من ممتلكات المركز قبل أن يوزع. وأود أن أورد، في هذا العمود، نموذجًا واحدًا من العوار الكثير الذي شاب ذلك المنهج المتخلف. والنموذج الذي سوف أعرضه مأخوذ من كتاب "الفقه والعقيدة للصف الثامن الأساس"، صفحتي 42 و 43.

في هذه الصفحات تحدث الكتاب عن الأفعال التي توجب القضاء والكفارة في الصيام. وذكر منها ثلاثة هي: "تناول الطعام عمدًا في نهار رمضان. و"الاتصال الجنسي مع الزوجة أو غيرها". و"إذا رجع شيءٌ عمدًا من القيء المتعمد إخراجه". ولن أعلق على "تناول الطعام عمدًا، لأنه لا مشكلة هنا. غير أنني أرى أنه كان من الأفضل لواضعي المنهج أن يكتفوا بـ "تناول الطعام عمدًا"، بوصفه موجبًا للقضاء والكفارة، ولا يتعدوه ليحدثوا صبيةً وصبياتٍ، هم دون سن الرشد، عن المعاشرة الجنسية، كموجب للقضاء والكفارة. والأغرب أنهم أضافوا إلى معاشرة الزوجة، معاشرة غير الزوجة. هذا في حين آن الاتصال الجنسي بغير الزوجة، يدخل في باب الزنا، قبل أن يدخل في مبطلات الصوم. وهو جريمة، إذا ثبتت، تجري عقوبة مرتكبها بالرجم، إن كان محصنًا، وبالجلد إن كان غير محصن. لذلك، لا موجب البتة لإيراد الاتصال الجنسي بغير الزوجة في هذا السياق. بل، إن إيراده بهذه الصورة ربما أوحى للتلاميذ أن الاتصال بغير الزوجة، إذا جرى في غير رمضان، فلا غبار عليه.

أيضًا، جاء في توصيف الحالة الثالثة مما يوجب القضاء والكفارة، قولهم: "إذا رجع شيءٌ عمدًا من القيء المعتمد". هذه الجملة الغريبة نقلتها حرفيًا من الكتاب، كسابقاتها. وأول صور غرابتها صياغتها الركيكة جدا. تأمل عبارة: "إذا رجع شيءٌ عمدًا من القيء المتعمد إخراجه". وإذا تركنا الرِّكة جانبًا، فهل يُعقل أن يتعمد الصائم التقيؤ من أجل أن يبتلع جزءًا مما تقيَّأه، مرةً أخرى؟ فإذا تقيأ المرء، فالراجح أنه مريض. والمستحب في هذه الحالة، أن يأخذ برخصة المرض، فيفطر ثم يقوم بالقضاء لاحقا. أما الأكثر غرابة مما ورد في هذا الباب، وما لا يصدقه المرء، فهو قول من أعدوا المنهج، أن على من ارتكب واحدة من مبطلات الصيام التي توجب القضاء والكفارة، فعل واحدة من أمور ثلاثة، وضعوا على رأس قائمتها، "عتق رقبة". نعم، "عتق رقبة"، وأرجو ألا تفرك عينيك عزيزي القارئ، فقد قرأتها صحيحا. هل أنا بحاجة لكي أقول، إن هذه العقول التي وضعت هذا المنهج، لا تختلف في شيء عن عقول الدواعش، الذين سبوا الكرديات، والإيزيديات، في العراق، واسترقوهن واغتصبوهن.
أضف رد جديد