ماذا نفعل مع المسلمين؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

سلام يا حسن موسى،

طلعة مبارَكة والله، بالذات الفقرتين الآتيتين تحت..

الفقرة الأولى من المقتَبَس، اتفق معك فيها بالكلية، لا سيما وأنني بقراءتها، شعرتُ ببعض العافية من "حماضةٍ" انتابتني وأنا أقرأ مقال المزعوم أنه خليجي! يكتب عن " سلوك تعويضي لكافة شعوب وقبائل السودانيين"؛ ومع ذلك لا أقطع! ما إن كان هناك حقيقة، مقال موسوم بهذه العنجهية ومُزَيّن باسم كاتب خليجي طويل عُمُر وطويل ذيل..! أم لا يوجد إلاّ "الزويل" المتخفِّي، كعادة بعض الكتبة الزوليين ال "عاملين فيها بي قِرْشين وتلاتة" .. إنه اللؤم المجـّاني، وإنه التحقير المجّاني لهذا ال"زول" العجيب؛ ويا بؤسه من لئيم محقور النفس، مهمن كانت دوافعه ووقائعه؛ وَ الكتابة في خطر! طولما نفدَ اللئيمون بجلودهم على ذات مَـلَـسِــها.


الفقرة التانية دي، عجيبة بالحَيْل، وقد كادت (بما هَبَشتْ من جـوَّة "بتاعة" كل القوة..! ديك ذاتا بي ذاتا، كما تستخيل لي) أن تضعني في مكان الذي ارتأى: إنّي أراني أعصِرُ دمعــاً؛ على رأي شاعرنا الغنائي: ألف أهلاً يا دموع؛ أو الشاعر الغنائي التاني: وُ شيل شبابي وشيل عينيّا يا عِينيــّا .. وأقول هبشت، وفي البال أنني من الذين قضوا تفَثاً من عُمرِهم(96 - 2008) طي تلك الخُلجان "مدن المِلح" .. وقضيتُ شيئاً من " خمطٍ قليل" ببُرهة جليلة، عصر أحد الأيام ال عشرة في "مدينة النور" بمطار شارل ديجول(July1982)، أوازن بين المكوث هاهنا ولو "سلبطة ساي"ببلاد "أورلي" والعودة للمكوث في خرطوم المكوس والمكوك الملاعين! وكنتُ أيّاميها من الـSemi ناطقين بالفرنسية، وقد ذهبت المعايشة في بلاد "كَيَكتنا" بلساني الفرنساوي! كتلك الذهبة: للحمار بأمّ عمروٍ، فلا رجعتْ ولا رجع الحمار. أقول قولي هذا الآن الآن، ولم يغِب عني أني قد تمكّنتُ من ترك تلك المُكينة التي كنتُ اخترتها أيام الجَهَل - ويا حليل زمن الجهل - وقعدتُّ فيها مُتطامناً بعض الشيء..! لبُرَهٍ من الزمان الدّوّار:

وَ نحنُ، أُناسٌ لا توَسـّطُ بيننا ,,, لنا الصدرُ دون العالمين، أو القبرُ

وما لم أقتبسه من بقية الفقرات، يبقى "ذنبو على جنبو" أو يكون العتب على الزمن النتي وكدا ..


---
[align=justify]أغلب الظن أن هذا المكتوب المنحول لهذا الكاتب الخليجي المزعوم هو من صناعة " زول" سوداني عليم بأحوال السودانيين المقيمين في تلك البلاد، لكن يبدو أن علمه لم يلهمه سوى الإنقلاب على الرجال و النساء المكافحين من أجل العيش الكريم في المهجر الخليجي و رميهم ـ بذريعة السايكولوجيا الجرائدية البائدة ـ بأشنع الشناعات و هم يتحمـّلون أنواع المشقات المادية و الرمزية و يحملون الضوء في ممالك الظلام المعاصرة. و هذا المكتوب المتحامل ، هو في نهاية تحليل ما، تجسيد حقيقي لخلاصة لؤمه المجاني الذي يستهدف المهاجرين السودانيين لا إيدهم لا كراعهم ، و هو افضل مثال على " تحقير هذا الانسان السوداني لنفسه!" كما جرت عبار هذا الزول العجيب.

" أنا لم أهاجر للخليج و لكني أتأمل في أحوال أصدقائي و معارفي ممن هاجروا للخليج في العقود الأربعة الأخيرة فأجد معظمهم قد تلقى العلم و حصل الخبرات المهنية و الحياتية العالية في السودان و على نفقة الشعب السوداني الصابر على المكاره، ثم اضطرتهم الظروف للهجرة لبلدان النفط فلم يصلوها بلا متاع و إنما حملوا إليها علمهم و خبرتهم و فنونهم و ساهموا، مع غيرهم ، في نهضتها و قعّدوا أهلها على مقعد الحداثة التي يتباهون بها اليوم
.
---





----
مع التحايا
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

راعي الغنم السوداني جاكم

مشاركة بواسطة حسن موسى »


يبدو أن شخصية "راعي الغنم السوداني" صارت لازمة ثابتة في مشهد السياسة السعودية

شوفوا دا و أدونا راي ينوبكم ثواب


رابط فيديو السوداني الداعية في يوتيوب

https://www.youtube.com/watch?v=mabw18tdrMs#t=101


صورة العضو الرمزية
Abdalla Ibraheem
مشاركات: 13
اشترك في: السبت مايو 16, 2015 10:33 pm

مشاركة بواسطة Abdalla Ibraheem »

ماذا نفعل مع الديمقراطية التي تأتي بالاسلاميين الي سدة الحكم؟
كنت قد انتويت قبل فترة الكتابة عن هذا الموضوع ولكنني ارتأيت المشاركة به في هذا البوست لأن كل محصلاته تقودنا الي هذا الأمر . لماذا يفوز الاسلاميين ديمقراطيا ؟ وهو كما نعلم فوزا غير مرحب به من قبل المجتمع الدولي والديمقراطيين أيضا فهناك اذن خلل ما في هذا الأمر علينا اكتشافه وهذا الخلل يكمن في الحالة التي أسميتها (يسوعية الديمقراطيين)في العالم الثالث التي تسمح بالصفع في جميع خدود الديمقراطية والنظر الي الديمقراطية كقيمة أخلاقية مطلقة تسمح حتي للصافعين التمتع بثمارها رغم العلم التام بأن الاسلاميين دائما ما ينقضون غزل الديمقراطية في أقرب فرصة تتاح لهم وهذا الأمر ليس زعما أو تفتيشا للضمائر بقدر ماهو نتيجة قائمة علي التجارب . يتحدث ديفيد فيشر مستشار الخارجية البريطانية (سابقا) في كتابه عن الأخلاق - ترجمة سلسلة عالم المعرفة- عن الأخلاق واطلاقيتها ويوضح ان الأمر ليس دائما يؤخذ علي اطلاقيته في جميع القيم اي ان الامر برمته خاضع للنسبية وفقا للظرف السوسيولوجي وتجاهل هذا الظرف هو هو المحك الحقيقي الذي جعل بعض الديمقراطيين يتجاهلونه ويصبون لعناتهم علي الامبريالية والتي -لخلل التنظير في هذا الأمر - يرون بأنها تكيل بمكيالين وهو أمر غير صحيح لأن اولئك ينطلقون من نسبية القيم وأرضية براغماتية (عملية) . لذلك نحن في العالم الثالث قبل ان نرمي باللائمة علي الامبريالية والرأسمالية لننظر الي الديمقراطية كقيمة اجتماعية فهي غير موجودة فكيف لنا ان نحلم بتحقيقها في الاطار السياسي؟ لن يحدث هذا الامر ولو اعيدت التجارب مرات ومرات سيفوز الاسلاميين بذرائعيتهم المألوفة والمعروفة وبرغم ذلك يقدم الديمقراطيين خدودهم جاهزة للصفع.
والسؤال الان هو : ماهي ردة فعل الديمقراطيين السودانيين حيال النموذج المصري والحماسي وبقية النماذج الاسلامية ؟ نجد ان معظمهم (أفرادا ومؤسسات) سارعوا برفض الرفض المحلي والدولي -انطلاقا من اطلاقية قيمية- اسقطوها علي الديمقراطية متجاهلين -أو فلنقل متعاميين- عن الأبعاد السوسيولوجية واضعين نصب اعينهم النموذج الغربي كمعيار يطلقون علي أساسه احكامهم المطلقة وفي نفس الوقت غير مبالين لحجم الأخطار التي تعرضت وسوف تتعرض لها الديمقراطية نفسها المتباكي عليها من الجميع وهذا في ما اري يرجع الي الخضوع غير المباشر للابتزازات التي ظلت تنتجها الالة الاعلامية للاسلاميين عبر الزعم باذدواجية المعايير الديمقراطية وهو ليس ازدواجية كما قلت سابقا بقدر ماهو نسبية القيم .وكذلك أيضا خضوع غير مباشر للالة الاعلامية المعادية للرأسمالية كالاتحاد السوفيتي (سابقا) ومن لف لفه من الانظمة الحالية وهذا الأمر اوصل الديمقراطيين السودانيين الي الحالة التي وصفها الشريف الهندي (الديمقراطية لو شالا كلب مافي زول بقول ليهو جرررر ) فتكاثر الكلاب وصارت حتي كلمة جر عصية الخروج من أفواه وأقلام الديمقراطيين .
والان السؤال الأكثر أهمية صار هو : ماذا يفعل الغرب مع المسلمين الموجودين في أرضه والذين يتناقض اسلامهم مع الديمقراطية كقيمة اجتماعية ؟ في السابق كان سهلا رفض الديمقراطية التي تنتج الارهاب بجميع أشكاله في الدول الاخري والبعيدة ولكن الان وصل الامر الي (اللحم الحي) أي الي المجتمعات الغربية نفسها فصار الغرب نفسه مطالبا بقول كلمة جرررر ومحق كل من يهدد تلك القيم بالزوال
مودتي لصاحب البوست وضيوفه الأعزاء
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الإسلاميون و المسلمون

مشاركة بواسطة حسن موسى »





سلام يا عبد الله
لو في زول داير يجاوب على سؤالك " لماذا يفوز الاسلاميون ديمقراطيا ؟ وهو كما نعلم فوزا غير مرحب به من قبل المجتمع الدولي والديمقراطيين أيضا
"، حيقول ليك يا عبد الله الإسلاميين فازوا بالديموقراطية، و الشعب المسلم أداهم صوته و شرعن سلطتهم. بعد داك " المجتمع الدولي" و " الديموقراطيين" بطريقتهم. لكن ما بخارج معانا كمان كونك دمجت " المجتمع الدولي"، هذه الفئة المفهومية السياسية الغميسة التي تدل على الجميع دون أن تدل على جهة بعينها، مع " الديموقراطيين" اللي هم الناس ، قول زي حالاتنا كدا، المشغولين بالمشروع الديموقراطي لأهلنا الغبش، عشان تحت شرط الحياة الديموقراطية التي تتيح للفرقاء فرصة الرقابة و المحاسبة مافي عنف و مافي عسف و مافي فساد .
لقد استرعى انتباهي في كلامك استخدامك لـ " الإسلاميين" كفئة مفهومية تدل على ما صار أدباء السياسة يسمونه " الإسلام السياسي". فعبارة " الإسلاميين" في مكتوبك تدل على فئة مفهومية غميسة ماثلة خارج التاريخ الإجتماعي الذي انتج مجتمعات المسلمين المعاصرة.و لو طلبت من " ديجانقو" أن يفرز لقال لك "يا عبد الله الإسلام كله سياسي. زيه زي النصرانية و اليهودية و البوذية و الماركسية و الأدب و الفن و الكورة و قوقل و فيسبوك إلخ.ذلك لأن كل هذه الكائنات إنما تم تخليقها داخل تارخ تناقض المصالح الطبقية. و من هنا لا يمكن التعويل النقدي على الفئة المفهومية المضمنة في عبارتك " الإسلاميين" ما لم تقعدها ضمن منظور تناقض المصالح الطبقية بين الفرقاء الإجتماعيين المتصارعين اليوم في بلاد المسلمين و في غير بلاد المسلمين
.و لو سعيت لـ " طـَبـْقـَنـَة" مرامي عبارتك :" الإسلاميين"، لتكشف لك مدى التركيب الآيديولوجي الجبار الكامن وراء أكمة إشكالية الديموقراطية في بلاد المسلمين.
و حين أقول " بلاد المسلمين" فأنا أعني جملة العلاقات المتنوعة التي تحكم الكيان الإجتماعي ، الجغرافي و التاريخي الممتد من الصين للسنغال و من تركيا للصومال.ضمن هذا الكيان يتشارك الناس في جملة من الإتفاقات التاريخية السياسية و الإقتصادية التي تجعل منهم فئة أنثروبولوجية متميزة عن غيرها من الفئات المجاورة، رغم أن هذا التمايز العريض لا ينفي واقع التداخل و التبادل مع الفئات المجاورة.
و لو فحصنا مدلول عبارة " الإسلاميين " في هذا المنظور، فكل مسلم ينطوي بالضروة على مشروع " إسلامي"، و ذلك بحكم أن الإسلام، كعقيدة، يطرح نفسه كمشروع في التنظيم الإجتماعي.و لا جناح، فالنصراني و اليهودي و البوذي و جملة أهل العقائد ـ بما فيهم أهل العقيدة العلمانية ـ يدبرون أمور دنياهم من وحي تربيتهم الدينية. لكن بما إن المسلمين ـ زيهم زي غيرهم ـ لا يفلتون من طوائل صراع تناقضات المصالح الدائر داخل مجتمعاتهم،فكل فئة إجتماعية مضطرة ، بسبيل حماية مصالحها المادية و الرمزية، لتعريف حدود نسختها من مشروع التنظيم الإجتماعي.و في هذا المنظور يمكننا " طبقنة " مساعي اصلاح الإسلام التي ظلت عبقرية المنازعة الطبقية تجود بها في بلدان المسلمين منذ فجر الغزوة الإستعمارية النصرانية في نهاية القرن الثامن عشر.



و لو فحصنا تاريخ الحركة الإسلامية الإصلاحية في السودان، من عهد الإصلاح المهدوي،[هذا إذا وافقتني على إفتراضي بأن المهدية حركة إصلاحية زيها زي غيرها] نجد أن أتباع محمد أحمد المهدي كانوا يدبرون أمور دنياهم من داخل بنية الدين، في معنى أن العقيدة الإسلامية في نسختها المهدوية كانت هي الإطار الذي بنوا داخله مفهومهم للوجود و اصنعوا منها وسيلة للإنعتاق الطبقي و العرقي من الهيمنة الإستعمارية التركية. بعد إنهيار المهدية المادي و الرمزي خرج ورثتها من الدين و وقفوا منه على مبعدة ، ينظرون للعقيدة من مسافة أمنية تمكنهم من التفكّر الحر في كيفية إصلاحها و تطويرها و تصحيحها، بطريقة تتيح لهم تدبير أمور دنياهم تحت شروط حداثة رأس المال،من جهة، دون أن يهجروا الدين كله، و دون أن يضطروا لتنكّب مخاطر النهج الإسلامي المهدوي البائد الذي صار يؤدي بأهله في مسد الموت، من الجهة الأخرى.و في هذا المشهد يتناقض نهج عبد الرحمن المهدي مع نهج عبد القادر ود حبوبة، على زعم أن الأول يدبر أمور دنياه و هو واقف على مبعدة من العقيدة التي تؤدي إلى التهلكة، في حين أن الثاني يدبر أمور دنياه من داخل العقيدة و لا يبالي إن أدّى به ذلك للموت. عبد الرحمن المهدي كان أوّل الخارجين على العقيدة المهدية ،و خروجه أهله لطرح مشروع الإصلاح المهدوي الثاني، فانتفع به في تأسيس " النيو مهدية " و تهيئة الطريق لأرتال المسلمين الذين اضطرتهم حداثة رأس المال للإنخراط في " إصلاح " العقيدة[ أنظر " مذكرات الإمام عبد الرحمن المهدي"، مركز الدراسات السودانية،1996]. و ضمن هذا المنظور فجملة المفكرين الإسلاميين الذين سعوا لعقلنة الدين تحت شروط حداثة رأس المال ،عملوا على موضوعة الإصلاح من مسافة أنثروبولوجية ،فكأنهم فريق من الأطباء متحلقين حول جسد العقيدة الملقى على طاولة عمليات ، يتداولون في أفضل السبل لعلاج أدواء هذه العقيدة المحاربة المكسورة المثخنة بالجراح و المهددة بالفناء تحت شروط حداثة رأس المال. طبعا فريق الإصلاحيين المشغولين بإنقاذ " تلت الدين " هم رجال [ النسوان مشن وين؟ مندري؟!] يحيون في العالم الواقعي الفالت من طوائل العقيدة الموروثة من الآباء، لكنهم، في نهاية التحليل، في كل أحوال حركتهم و سكونهم إنما يخضعون لجملة الشروط التاريخية التي تحكم تناقضات المصالح الطبقية بينهم. و من هنا يلزم الفرز بين حركات المصلحين المتحركين بين عيال المسلمين على ضوء صراع المصالح الطبقية التي تنظم انتماءاتهم السياسية.و رغم كوني أرى الجميع متحركين من خارج بنية الدين إلا أن تلك الصفة لا تجعل منهم فئة مفهومية منسجمة .فأنا أفرز بين المصلحين الإسلاميين الذين يرون أنفسهم يتحركون من داخل بنية الفكر الديني و الآخرين الذين يتعاملون مع العقيدة كطاقة تغيير ‘جتماعي و سياسي لا يستهان بها.و بما أن المتدينين الصادرين عن إيمان ميتافيزيقي [حقيقي؟] بالعقيدة اضمحلوا بالتدريج، أوقل: انسحقوا تحت آلة الحداثة الرأسمالية، فقد أورثنا تاريخ الحركة الإصلاحية الإسلامية جماعة من المفكرين الإصلاحيين الذين دخلوا على العقيدة من بوابة السياسة .أعني تلك الجماعة الهابطة من سبط الأفغاني و محمد ابن عبد الوهاب و ورثتهم من محمد عبده و إنت نازل لحسن البنا و سيد قطب وحسن الترابي و محمود محمد طه إلخ. فالأفغاني كان يفكر في الدين تحت مباركة السلطات العثمانية في تركيا و في مصر الخديوية و محمد ابن عبد الوهاب ما كان له أن ينتشر لولا تحالفه السياسي مع مؤسسي أسرة آل سعود التي تمكنت من بسط ملكها ضمن ملابسات الصراع البريطاني العثماني.و عبد الرحمن المهدي استطاع تنظيم النيومهدية بفضل تواطؤ الإدارة الإستعمارية، و الإنتشار الذي احتازه فكر حركة الأخوان الجمهوريين في سودان السبعينات يدين بالكثير لحرية الحركة و حرية العمل في الفضاء العام التي ضمنها لهم تحالفهم مع نظام النميري في الوقت الذي كان ذلك النظام فيه يمارس التضييق على كل الخصوم و المعارضين الآخرين.

و أزمة ورثة حسن البنا، مؤسس الحركة الإصلاحية الإسلامية المصرية الأكثر شهرة: حركة" الأخوان المسلمين"، يمكن تلخيصها في كونهم طرحوا دعوتهم ضمن ملابسات جيوبوليتيك " الحرب الباردة" ضد مصالح الطبقة الوسطى الحضرية التي قادت حركات التحرر الوطني في مشارق و مغارب مجتمعات المسلمين،في ذلك العهد كان العلمانيون الذين استبدوا بالسلطة السياسية في بلدان المسلمين [ عبد الناصر و بورقيبة و بومدين و الحسن الثاني و البكر و صدام و الاسد ..] كانوا هم الذين يصفعون المعارضين الإسلاميين على خدودهم اليمنى ثم يلوون رقابهم بالقوة ليصفعوهم على الخدود اليسرى.و هكذا كتب على ورثة حسن البنا أن ينتظروا اضمحلال جيوبوليتيك "الحرب الباردة" وسقوط الأنظمة السياسية المتعلمنة المستبدة التي سادت في بلدان المسلمين طوال النصف الثاني للقرن العشرين. ومن يتأمل في الظاهرة السياسية التي يعرفها المراقبون بـ " الربيع العربي" في مصر، [ و في تونس و ليبيا و في اليمن و في البحرين ] يلاحظ التحالف السياسي الموضوعي الذي بدأ يتخلق عفويا بين منظمات الإسلاميين و بين قطاعات حديثة من الطبقة الوسطى الحضرية المسنودة من قبل قوى سياسية أوروأمريكية، و هو تحالف كانت غايته " اسقاط" الأنظمة الإستبدادية [تحت شعار إرادة الشعب " الشعب يريد اسقاط النظام"]. فسقط النظام في مصر و تونس و اليمن و ليبيا،و اكتسح الإسلاميون الإنتخابات في مصر وفي تونس، لكن في غياب أي مشروع إجتماعي متماسك خلاف الهتاف المعمم " الإسلام هو الحل"، حل" نظام الفوضى" محل النظام الإستبدادي البائد و صار المسلمون في حيص بيص لا يعرف نهايته إلا الله.
طبعا الإشكالية الإسلامية المصرية أكثر تعقيدا من أن تحتويها كليماتي أعلاه، لكن خلاصة حديثي تتمثل في أن حركات التغيير الإسلامية في البلدان المعاصرة تظل حركات نخبوية لا تتمتع بسند شعبي طبقي حقيقي، يتجاوز التعاطف البدائي للمسلمين البسطاء العزل من أي سلاح نقدي تجاه الخطاب السياسي المثقف للإسلاميين المعاصرين.

من هذا يمكن استنتاج أن الحركات الإصلاحية الإسلامية لا تنجح ما لم تجد السند المادي و المعنوي من طرف السلطات السياسية القابضة على أجهزة الدولة و الإقتصاد.
و ضمن هذا المنظوريمكن فهم الإنتفاخ السريع لحركة الإسلاميين الوهابيين الذين احتكروا المشهد السياسي للشعوب المسلمة، من كابول لتمبكتو،يبشرون بأن " الإسلام هو الحل"، لكافة مشاكل العالم.و هو انتفاخ سياسي وثيق الصلة بتطور وضعية المملكة السعودية الوهابية كقوة إقليمية ذات ثقل نوعي في مشهد جيوبوليتيك الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة. فخلال سنوات الأزمة الإقتصادية العالمية التي عصفت باقتصاد بلدان الشرق الأوسط خاصة و العالم الثالث عامة، في نهاية السبعينيات، و ظلت ،لأكثر من عقدين من الزمان ،تدفع بجموع المهاجرين نحو بلدان النفط و في مقدمتها المملكة السعودية، خلال هذه السنوات ، تم تكريس المملكة كراعية للإسلام [ منظمة المؤتمر الإسلامي] مثلما تم تطبيع الآيديولوجية الوهابية، كتعبير رئيسي لتطلعات العالم الإسلامي،و ذلك بفضل الجهود السياسية و المساعدات المالية التي تبذلها سلطات المملكة في البلدان المسلمة بل و حتى في العالم الأوروأمريكي، وسط الجاليات المسلمة بين المهاجرين. و في تجربة السودانيين مع صعود النفوذ السعودي في السودان، أذكر أنه في سودان السبعينات بدأت المملكة السعودية تمول جملة من المؤسسات الإسلامية في مجالات أعمال البر، و في مجالات التربية[ الجامعة الإسلامية في أمدرمان لتدريس علوم الدين] و الإقتصاد [ المصارف الإسلامية]، وفي نفس الفترة، أذكر أن السلطات المايوية حرّمت اليانصيب الوطني المعروف بـ " توتو كورة" بطلب من المتشددين السعوديين. ثم توالت بعد ذلك جملة من الحوادث ذات المدلول السياسي مثل صدور كتاب جعفر نميري " النهج الإسلامي لماذا؟" في النصف الثاني من السبعينات ثم " منع بيع الكحول و قفل المطاعم في نهار رمضان بأوامر جمهورية، و انعقاد المؤتمر الإسلامي العالمي بتمويل من منظمة الدعوة الإسلامية، و الإحتفال بمرور خمسة عشر قرنا على الإسلام في السودان ثم تعديل الدستور و القوانين لفرض الشريعة الإسلاميةو فرض الزي الإسلامي على تلميذات المدارس الإبتدائية و تطبيق عقوبات الحدود في محاكم الطوارئ إلخ. و لعل ذروة نجاح التأثير الوهابي في المشهد السياسي السوداني تمثلت في محاكمة و اعدام الأستاذ محمود محمد طه دون أن يحرك العالم الحر ساكنا .بعد هذه التطورات لم يكن من المستغرب أن يتحرك الإنقلابيون المتأسلمون من ابناء الطبقة الوسطى العربسلامية في السودان ليستولوا على السلطة بذريعة "إنقاذ" الوطن
طوال كل هذه الحقب ظل الديموقراطيون السودانيون يكابدون صنوف القهر و الإستبعاد، و التشريد و التصفيات الجسدية من طرف الأجهزة الأمنية المختلفة الولاءات و التي ظلت تتوارث قوائم المعارضين الديموقراطيين على اختلاف الأنظمة ، حتى أدركهم زمان صار الناس يعيرونهم فيه بـ " إدمان الفشل" و الركون إلى " المهارب" و استعذاب الصفع على الخدود إلى آخر كلامات "المتغرّضين البواسل"..
سأعود لسؤالك " الأكثر أهمية" كما قلت، في موضوع ردة فعل الغرب تجاه المسلمين الموجودين في أرضه، فصبرا.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الغرب؟ أم الغرب؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »




الغرب ؟أم الغرب ؟

سلام يا عبدالله
كتبت :
"...
والان السؤال الأكثر أهمية صار هو : ماذا يفعل الغرب مع المسلمين الموجودين في أرضه والذين يتناقض اسلامهم مع الديمقراطية كقيمة اجتماعية ؟"
مرة قرأت تعريف قديم للغرب اطلقه فيلسوف فرنسي اسمه" فرانسوا شاتليه" و فحواه : الغرب هو مجمل الأرض التي تغرب عليها الشمس.و هو كما ترى تعريف ينطوي على منطق جغرافي دائري يلغي مفهوم" الغرب/ الشرق" الذي ساد في القرون الوسطى و عارض الغرب بالشرق ككيانات سياسية على مرجعية الذاكرة النصرانية الصليبية.و غرب شاتليه يلغي جغرافية الغرب الصليبي، بحكم ان الشمس تغرب على الأرض كلها، لكنه في نفس الوقت ينفتح على جغرافيا جديدة، امبريالية ترى العالم كوحدة إقتصادية و سياسية و كموضوع للإستثمار تحت شروط الهيمنة الإستعمارية للأوروبيين.و قولة شاتليه توازي ما كان سدنة الإستعمار البريطاني يفاخرون به، بكونهم بنوا "امبراطورية لا تغرب عنها الشمس".و في المقولتين إلغاء مضمر لمفهوم" الغرب" الذي كان ـ قبل حلول الإستعمار الأوروبي ـ مقابلا لمفهوم "الشرق" القرونوسطوي. ذلك أن التوسع الأوروبي الإستعماري الذي غطى العالم سحب مفهوم الغرب من الأوروبيين و لغى ثنائية الغرب و الشرق و مسخهما لحال ضوء نجمين أفلا منذ نهاية القرن التاسع عشر.
أنجز الغرب الإستعماري الأوروبي ابتلاع و هضم الشرق، و فرض على أهله جملة مراجعه الإقتصادية المتمثلة في وحدانية السوق الرأسمالي، مثلما فرض عليهم مراجعه السياسية في تنظيم المجتمع على شكل الدولة/ الأمة ، مثلما فرض عليهم الأطر الثقافية للتقليد الفكري اليهودي النصراني القائم على وعد السعادة للجميع في الماوراء [ في السماء أو في المستقبل ].
بعد نهاية" الحرب الباردة" بدأ الأوروأمريكيون يتحدثون عن العولمة التي مسخت العالم لنوع من قرية كبيرة، كما لو كانت ظاهرة جديدة، لكنهم تناسوا أن العولمة بدأت مع الهيمنة الإمبريالية التي مسخت العالم بأجمعه موضوعا لهيمنة قوى رأس المال. اليوم يبدو الفرق بين العولمة في نسختها الإستعمارية و العولمة في نسختها المعاصرة في كون الأولى كانت حاصلة تحت شروط نموذج دول رأس المال الأمبريالي التوسعية التي توصلت لتقسيم العالم لمناطق نفوذ [ في العالم الثالث] يتنافس عليها أعضاء النادي الإمبريالي الأوروأمريكي ، بينما العولمة في نسختها المعاصرة تنزع لتجاوز وضعية التنافس بين قوى الإمبرياليات الأوروأمريكية لوضعية جديدة غير مسبوقة يسميها " أنتونيو نيغري " و ميكائيل هاردت" بـ " الإمبراطورية".
Antonio Negri & Michael Hardt,Empire, Editions Exils Editeur,Paris2000
و نموذج " الأمبراطورية" يمتاز على نموذج " الإمبريالية" بكفاءته الإقتصادية و السياسية بحكم أن نظام " الأمبراطورية" ينحو لعقلنة نظام استثمار رأسمالي مركزي فرد و موحد للعالم بأجمله.نظام قاعدته الأخلاقية و غايته مراكمة الثروة المادية بلا حدود، و منهجه استغلال موارد العالم المادية و الرمزية بلا وازع، مستخدما كل الوسائل الممكنة، السلمية و العسكرية. " الأمم المتحدة" ، صندوق النقد الدولي"، " البنك الدولي" ، " منظمة التجارة العالمية" ، قوات "حلف شمال الأطلنطي" و أي قوات أخرى يمكن توليفها من تحالفات المنتفعين بالغنائم، لغاية جيوش ال" القوة الناعمة" التي لا تستنكف من استخدام روافع التعليم و الفنون و الآداب لتسويغ قهر و إستغلال و إستعباد الشعوب.
طبعا مساهمة " هاردت " و " نيغري" في تحليل " الأمبراطورية" تحتاج لتفصيل أوسع من إشارتي أعلاه، و أعد بالرجوع لها في مقام مستقل، لكن تنويهي مقصود منه تلمس الإنمساخات المفهومية العديدة التي تتربص بآيديولوجية " الغرب" تحت شروط تطور عولمة رأس المال. و في المشهد ساغ لي معارضة قولة كبلنغ الأيقونية:
" الشرق شرق و الغرب غرب و لن يلتقيا"،
بتصحيف متعمد لعبارة أيقونية أخرى لصلاح أحمد إبراهيم قالها في سياق منازعة الهوية السودانية في الستينيات:
" نحن عرب العرب و لكن.."، لتصبح :
" نحن غرب الغرب ! و لكن..".[ أنظر رسالة للنور حمد، جهنم رقم 6، ديسمبر 1997].و هذه الـ " لكن" ضرورية لأني أفرز فيها بين غربين متعارضين: غرب الأوروأمريكيين و صحبهم و تابعيهم [ حتى في ديار المسلمين] و غرب الشعوب المقهورة المستبعدة المستعبدة الطامحة للإنعتاق من ربقة" أمبراطورية الشر" و كلنا ، على تباين اصولنا العرقية و انتماءاتنا الدينية، كلنا في الهم غرب. و ضمن هذا الهم الغربي قدرنا أن نخوض معارك الديموقراطية و العدالة الإجتماعية مع الحلفاء المحتملين في كافة أنحاء البسيطة ، " و لو في الصين"! شايف؟..
يا عبد الله، أنا عارف إنو كلامي دا ما كفاية عشان سؤالك بتاع " الغرب" محتاج لنبش و فرز الكثير من مسلمات المناقشة الدائرة على محاور الـ " نحن " و الـ " هم" التي تشغل الفضاء العام. لكن القلم ليهو رافع .
سأعود لسيرة تمثلات الغرب "الأمبراطوري" في ديار المسلمين فصبرا.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و القرآنيون و الصفوة أيضا

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و القرآنيون ايضا

وقعت بالصدفة على مقال الصديق عبد الله علي ابراهيم و اكتشفت سيرة هذه الجماعة الدينية التي فتحت بابا غير مطروق في المناقشة الدينية السودانية. كنت أود أن أعنون مداخلتي هذه بسؤال ّمن أين أتى هؤلاء الناس ؟ " لولا أن الطيب صالح ـ كرم الله وجهه ـ انفقه على من لا يستحقه. و كمان عبد الله ـ في غيظه المستدام من الرفاق الماركسيين اللينيين ـ فضل تعنيفهم على الإستطراد في سيرة هؤلاء القرآنيين الذين تمخضت عنهم تناقضات الدين المحدّث في بطن الغول العربسلامي السوداني.. معليش ما بتدي حريف و الحمد لله على كل شي.
أهو نص عبد الله و المال تلتو و كذا ..






عبد الله و القرآنيون و الصفوة

"

تنعقد منذ حين محكمتان في ولاية الخرطوم لمحاكمة متهمين بالردة عن الإسلام لا صدى لهما على رادر صفوة الرأي والمعارضة. فمَثَل أمام محكمة أم بدة عبد القادر الدرديري إمام مسجد أبو بكر الصديق بمربع 6 دار السلام أم بدة كما يمثل أمام محكمة حي النصر بالخرطوم 129 متهماً آخرين من جماعة القرآنيين. ويحاكم الإمام عبد القادر تحت المادة 125 عن الردة لإجازته السجود لغير الله والاستعانة بغيره كما في عريضة الإتهام. أما القرآنيون فيحاكمون تحت المادتين 125 و126 لإيمانهم بالقرآن دون السنة ودعوتهم لنهجهم في ندوة عامة في سوق "مورو" بحي مايو جنوب الخرطوم.
لم أجد صدى لصفوة الفكر والمعارضة في سياق المحكمتين ناظرين في حيثيات الواقعتين مجددين لموقفهم من وجوب إلغاء مادة الردة ومتعلقاتها التي شغلتهم خلال محاكمة مريم يحي التي حوكمت بنفس المادة لانخلاعها عن الإسلام في سياق زواج بغير مسلم واختفاء من الأهل. ومعروف أنها حصلت على البراءة أخيراً بضغط الرأي العام العالمي وحظيت بلقاء نيافة البابا. ثم مات مطلب إزالة الردة من القانون الجنائي. يكفي الضجة.
رفع بعض المتابعين المسألتين على الأسافير ولكن كان التعليق عليهما كاسداً وجانحاً. ومع وجاهة النظرات الفقهية التي جاءت على أقلام المعلقين إلا أن المقصد السياسي، وهو المحك في التشريع، كان أطرقاً. فتجدهم وظفوا الواقعتين للنيل من الإنقاذ ومجازفتها بالدين كأن هذا يعفينا من الإلحاح على إزالة مادة الردة من القانون "لعبت" الإنقاذ بالدين أو لم "تلعب". ومن أضل ما وجدت عند المعلقين إنتهاز سانحة محاكمة هؤلاء الأفراد من غمار الناس للاحتجاج على أن مثل الدكتور حسن الترابي طليق بغير حساب برغم فتاويه المستفزة الشتراء. وهكذا لم يقبل هؤلاء بمشروعية مادة الردة التي يخضع لحكمها بعض غمار المتدينين فحسب بل احتجوا أن الصفوي الترابي بمنجاة منها. وتخرج المادة اللعينة من مثل هذا المعادلة السياسية الركيكة سليمة كالشعرة من العجين.
ما أكثر ما تتحدث الصفوة اليسارية والليبرالية عن الإصلاح الديني. واقتصر طلبها له في أن يتنزل في كتاب منير يحل المسألة بضربة واحدة. وطال إنتظار هذه الضربة الفنية القاضية ولا جدوى. وارتكبت الصفوة هذا النهج المجدب لأنها اعتزلت الجمهرة التي ساء ظنها فيها. فالمتدينون العاديون عندها مادة خاملة ستنتظر المصلحين الصفوة بعد أن يقعوا على كتابهم الفنان حلال المسائل. فالصفوة قاطبة تظنهم دهماء بدائيين بغير استحقاق ثقافي. وعليه فلا قيمة لما يدور في أوساطهم من نظرات في الدين أو إصلاح أو خيال متعبد . فصبراً حتى تشرق عليهم أنوار النهضة والإصلاح الديني.
وجدت في المحكمتين مادة صالحة ليبدأ منها إصلاح ديني-قانوني-دستوري يزيل مادة الردة من القانون بالكلية كما رنا إلى ذلك الأستاذ محمود محمد طه بعد محاكمته بالردة في 1968. فقال لن يأمن مسلم إلى بعد ما لم تقم حركة تنسخ حكم الردة عليه. فلولا وجود تلك المادة لما عرف الطيب صالح، خصم الإمام عبد القادر من أنصار السنة، كيف يصفي حسابه مع الإمام الصوفي. فالمسألة بينهما في أحسن أحوالها خلاف تأويل ليس مكانه المحاكم وإنما غرف المحاضرة وملكات التأليف وطلب المعرفة عند من نتوسمها فيهم. فحتى الشيخ محمد عثمان صالح، رئيس هيئة علماء السودان، الذي مال إلى تعييب المتهم، وجد من المعلقين بالأسافير من خطّأ تأويله بشأن سجود إخوان يوسف وسجود الملائكة لآدم. ناهيك من أن لجماعة المسلمين سبلها لفض النزاع. فالشاكي نفسه قال إن المصلين رفضوا الصلاة من خلف المتهم وأنكر الإمام ذلك. فمتى كان للمصلين هذه الشوكة للتأثير على المسألة فما دخل القضاء؟
أما مسألة القرآنيين فهي أدخل في خطاب الإصلاح من غيرها. فهم ثمرة معارف دينية تمتد إلى تعليم ديني أصله في نيجريا بلد العلم الديني السخي. فهم نظروا في حجية الحديث الذي صارة مادة مطروقة من مواد الإصلاح الديني. فقد تصادف خلال اهتمامي بالقرآنيين أن قرأت عرضاً جيداً نقله لنا الصحفي النير زهير محمد عثمان (واصل يا زهير خلاصة الصحف المصرية) لكتاب عنوانه "قراءة في منهج البخاري ومسلم في الصحيحين" للدكتور محمد زهير الأدهمي. وأخذ الأدهمي على الشيخين الأخذ بالإسناد لا المتن في تصنيف الحديث من حيث الصحة حتى لو صادم الصحيح بالإسناد القرآن نفسه أو العقل. وبنى الأدهمي نقده على مذهب ابن القيم الجوزية وطائفة من العلماء مثل الدارقطني وابن حجر ومن المحدثين محمد عبده ورشيد رضا ومحمد أركون. فالقرآنيون، الذين تظنهم دهماء، طرف من تراث قديم وجديد في خطاب الحديث لا يملك أياً منا نسبتهم إلى الجهالة. وستقع صفوة الفكر والرأي المعارضة تحت طائلة الخيانة الفكرية إن تركتهم وغيرهم نهباً لمادة لمثل الردة متى اعتزلتهم وأضربت عن فهم مسألتهم. فمسألتهم أصل في الخطاب الإسلامي وسندخل بها، متى وعيناه،ـ عميقاً في إرثنا كـأصحاب حق لا متكففين له من هيئة علماء أو ما أدراك.
لقد أقامت هذه الصفوة الدنيا ولم تقعدها في مسألة مريم يحي مع خلوها من إشراقة معنى. ولكن متى أشرق هذا المعنى بين غمار الناس لوت الصفوة ذيلها، وتذاخرت، وقالت لغمار الناس: أكلو ناركم براكم. "


سأعود
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

حسن موسى

سلام
حسب معلوماتي أن نفس الهيئة بتاعة المحامين التى دافعت عن مريم يحى تتولى ، مجاناً، الدفاع
عن هذه المجموعة.
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

Abdullahi Ibrahim replied · 1 Reply.



Sideeg Alsayd







Sideeg Alsayd
سلام بروف عبد الله أظنك رميت (الصفوة) بأنها انتقائية في مسالة الدفاع عن الحريات بلا دليل لان الصفوة بالفعل مشغولة بهاتين القضيتين وانت قد لا تعلم، وتحديداً قضية القرانية تمت لها مناشدات في أوساط المحاميين للتصدي للدفاع عنهم في محكمة النصر وتقريباً نفس هيئة الدفاع التي تولت الدفاع عن مريم هي نفسها هيئة الدفاع التي تبرعت للدفاع عن هؤلاء المتهمين مع بعض الإضافات لمحامين جدد
هذا فضلاً عن الصدع دايماً وابداً بتعديل او إلغاء مادة الردة من القانون الجنائي السوداني


1 · December 2 at 8:36pm
..



Abdullahi Ibrahim







Abdullahi Ibrahim
وددت لو أطلعتنا على مجريات هذه الملابسة المهمة والكريمة. أحيّ هئية الدفاع هذه على موقفها. وددت لو أذاعت طرفاً من المسألة على المنابر المعروفة التي كانت قاطرة قضية مريم. فاستثارة الراي العام هو ضمانة قوية من ضمانات سداد دفاعهم وتجديد لمطلب إلغاء مواد الردة. وددت لو جهروا بالموضوع


16 hrs
..


Sideeg Alsayd







Sideeg Alsayd
اما قضية مريم يحي هل تعلم انها مكثت قرابة العام في ردهات المحاكم والنيابة ولا يعلم عنها احد الي ان فجرها الاعلام وحولها الي قضية راي عام محلي وعالمي؟


December 2 at 8:38pm
..



Abdullahi Ibrahim







Abdullahi Ibrahim
ربما قويت من حجتي أعلاه هنا.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مسرح الراعي الواحد

مشاركة بواسطة حسن موسى »


مسرح الرعي الواحد :ـ
1
راعي الغنم السوداني في حرب الويسكي

تعددت ضربات راعي الغنم السوداني وسط الجالية السودانية ببلاد المهجر النفطي حتى ليكاد المراقب يتساءل عما إذا كانت ضربات هذا الراعي السوداني حاصل تدبير واعي وراءه منظمة سرية لرعاة الغنم السودانيين الذين آلوا على أنفسهم بذل المواعظ الحسنة لكافة شعوب العالم من على خشبة هذا "المسرح/المهجر"الذي يحتشد في صالته جمهور عيال المسلمين من أقطاب الدنيا ليجتروا مواعظ "الرويعي السوداني" الحسنة التي تعينهم على صيانة المعاني الوجودية في تربيتهم الدينية المفخخة بقيم حداثة رأس المال و في عقيدتهم الآيلة للإنمحاق تحت شروط الزعزعة المادية و المعنوية التي ظلت تعصف بالثقافات السابقة لزمن راس المال المعولم منذ فجر الغزوة الإستعماريةـ.ـ
على خشبة هذا "المسرح /المهجر" الواسعة تلعب فرقة رعاة الغنم السودانيين مسرحية الفقراء الغلابة الذين لا يحول فقرهم المدقع بينهم و بين طموح العيش الكريم و مقاومة غوايات الإنحطاط بإنسانيتهم مقابل الكسب الدنيوي. هذا "المسرح/المهجر" صار ينمسخ إتساعا فيتجاوز الأفق المحدود لجغرافيا الهجرة الإقليمية الشرق أوسطية ليتماهي مع واقع العولمة الواسع الذي لا يطيق الحدود،و الذي تتفتت تحت دفعه الثوابت السياسية التي ظلت ثقافة ما قبل زمن العولمة، ثقافة الدولة القومية الرأسمالية، تعرّف عليها معاني المواطنة.باختصار أقول أن شرط إقتصاد العولمة يغير قوانين اللعبة السياسية التي تعارفت عليها الدول الناطقة عن التكوينات الأممية البائدة. هذه الدول التي صارت تتصدع و تتخثر و تتحلل كل يوم تحت ضربات التكوينات المعولمة للرأسمالية الجديدة التي صعدتها ملابسات تطور رأس المال لنوع من سلطات عليا أقوى من سلطات الدول.سلطات حقيقية تعيد تصحيح علاقات الثوابت السياسية و الإقتصادية لتناقض العمل ورأس المال القديم على ضوء واقع جديد ينمسخ فيه العالم لسوق واحد واسع بلا حدود يحكمه قانون بدائي بسيط هو قانون البقاء للأقوى.ـ
و في هذا المشهد ، حين يجد رعاة بلاد المسلمين أنفسهم منساقين لقبول الإتفاقيات و المعاهدات التي يفبركها سادة زمن العولمة من واقع إحتياجاتهم هم، فهم ينزلقون ـ طوعا أو كرها ـ و يسحبون من ورائهم رعاياهم في منحدر عميق بدون نقد و بدون أية فرصة للنكوص.ـ
من يتأمل في تاريخ الحداثة الإقتصادية في بلاد المسلمين يجد أن المسلمين توصلوا، منذ القرن التاسع عشر، للقبول بقوانين النظام المصرفي العالمي و دمج معاملاتهم المالية في منطقه رغم التعارض البّين بين التعاليم الدينية [حول الربا] وأسلوب العمل المصرفي الرأسمالي .ـ
و لو أخذنا ، على سبيل المثال المعاصر، فكرة التوقيع على قانون منظمة التجارة الدولية الذي يلزم الحكومات بحماية حرية التجارة ضمن حدود الدولة الوطنية. فهذا القانون الذي يضمن حرية التجارة في بلاد المسلمين فخ إقتصادي و آيديولوجي رهيب، كونه يضع المسلمين في موقف حرج حين ينوي باعة "المتاع الأجنبي" التسويق لمنتجاتهم في بلاد المسلمين
أعني بـ "المتاع الأجنبي" كل سلعة ،رمزية أو مادية، لم يصنعها المسلمون و يعتبرونها متاعا وافدا على ثقافاتهم و تقاليدهم. و في هذا المشهد، مشهد سوق "المتاع الأجنبي" فحدث و لا حرج ،لأن جل ما يتداوله عيال المسلمين اليوم، سواء على مستوى المتاع المادي أو على مستوى المتاع الآيديولوجي، إنما هو من صنع غيرهم، و لا جناح. لكن الجناح يحصل حين يضطر عيال المسلمين لإبتلاع أنواع المتاع التي لا رغبة أو/و لا قدرة لهم على هضمها إما لأنهم لم يشتهونها اصلا أو لأنهم يظنون ـ على وعي زائف أو/و على بروباغندا ملحاحة ـ أنهم حتاجونها.ـ

و لنفترض ،جدلا، ان أحد منتجي الويسكي الإيرلندي قرر تسويق منتوجه في أحد البلدان الإسلامية التي تحرّم بيع الكحول علانية، و لنقل في المملكة السعودية على سبيل المثال. في حالة إعتراض سلطات المملكة على تسويق الويسكي الإيرلندي في السعودية بذريعة أن الخمر "رجس من عمل الشيطان"، يحق لمنتج الويسكي الإيرلندي رفع قضية على سلطات المملكة بحجة عدم إحترام حرية التجارة.ـ طبعا سلطات المملكة ـ بجاهها المالي و السياسي ـ تملك عدة أوراق مهمة لكنها عديمة الكفاءة على المدى الطويل، لأن هذه السلطات تملك أن تسوّف مطولا، بل و توظف في سبيل المماطلة القانونية ترسانة من مكائد القانونيين الجبابرة فتستمر الدعوى لعقود طويلة بلا نتيجة،كما أن سلطات المملكة تملك أن تشتري شركة الويسكي الإيرلندي و كفى المؤمنين شر القتال حتى نهاية أجل معلوم. لكن صاحب الويسكي الإيرلندي يعرف أن القانون في صفه و أنه منتصر في نهاية الشوط ، سيّما و أن سلطات المملكة لا يمكن أن تشتري كل شركات الويسكي في العالم. و قبل "نهاية الشوط" سيتناقش الـ "معتدلون" من ولاة أمور المسلمين و يتفاكرون في كيفية الخروج من ذلك الموضع الحرج من وزّة العولمة، و سيتوصلون ـ في نهاية التحليل البراغماتي ـ لقناعة أن الخروج على سلطة منظمة في بأس "منظمة التجارة الدولية"، حار كما أن بيع الخمر في بلاد المسلمين لا يُنكوى به، و سيفاوضون من أجل تعريف مناطق استثنائية في خارطة حرية التجارة،يمكن أن تحفظ لعيال المسلمين ما تبقى من ماء وجههم المبارك.وفي سياق التراجع العشوائي المحتوم يتثبـّت في خواطر عامة المسلمين مبدأ المشروعية الأخلاقية لحرية تجارة بدون أية حدود سياسية أو ثقافية أو أخلاقية، بل و قد يسارع بعض التجار "الشطـّارّ بين عيال المسلمين في المجتمعات الفقيرة لكسب ود منتجي الويسكي الإيرلندي و منتجي الجعة الألمانية و منتجي لحم الخنزير الأرجنتيني و هلمجرا،على مزاعم ـ أو حتى على فتاوى ـ الإعتدال الديني الذي يتماهى مع البيزنيس المعولم و لو أدى بهم ذلك لهجران " تلت مال"دينهم.ـ
إن أحدوثة "حرب الويسكي" التي نتخيلها في بلاد المسلمين اليوم ليست من أدب الخيال العلمي و لكنها حاصلة اليوم عيانا بيانا في بعض دول العالم التي تتقاتل في ساحات أسواق " حرب العملة "و "حرب القطن" و " حرب الغاز الطبيعي" و " حرب الأرز" و "حرب القمح" و"حرب الموز" و "حرب البذور المعدلة جينيا" و "حرب الملكية الفكرية للمنتجات و الأنسجة الحيوية"إلخ إلخ.ـو في الغد القريب سيجد مزارعي كردفان من يحجر عليهم زراعة الدخن لأن شركة كذا لتحسين البذور التي مقرها في جنيف أو في نيويورك وضعت يدها على حقوق ملكية بذور الدخن في الكون بأجمعه فلا يحق لأي كان زراعة الدخن بدون إيفاءهم حقوقهم عدا و نقدا. كما سيجد زارعي القطن في السودان و في مصر و في مالي و الهند أن قطنهم صار بضاعة بائرة في السوق العالمي للقطن لأن القطن الأمريكي المدعوم من طرف الدولة الأمريكية مطروح في السوق بأسعار لا تقاوم. ياخي خليك من زراعة الدخن و القطن و فلاحة "الجباريك" التي تقيم أود الفقراء، و الله الزراعة نفسها يمكن أن تصبح مبدئيا مستحيلة في جملة أراضي الفقراء بين النيل و النيجر لأن الأوروبيون أو الصينيون أو الأمريكان اشتروا أو استأجروا كل الأراضي الزراعية لزراعة الكولزا أو قصب السكر أو الذرة الشامي بغرض تحويلها لوقود عضوي لسياراتهم حين تتفاقم ندرة البترول." و هكذا يا سادتي" يسرح بنا "راعي الغنم السوداني" بعيدا في شعاب الصراع الطبقي المعولم لأن هذا " الرويعي" المسلم البسيط يعيد طرح الأسئلة الوجودية الحرجة على جملة عيال المسلمين المعاصرين"في أي مجتمع تريدون العيش يا حضرات المسلمين؟"و "على أي قيم تدبرون أمور الحياة و الموت؟"ـ

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

راعي الغنم و حرب المناهج المدرسية

مشاركة بواسطة حسن موسى »




2

راعي الغنم السوداني
و حرب المناهج المدرسية

حين تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي حادثة راعي الاغنم السوداني الذي رفض خيانة الأمانة احتفى به عيال المسلمين في المملكة السعودية لأنهم رأوا فيه تجسيدا حيا لقيم العفة و الأمانة و الإيمان و مقاومة إغراء المادة.
أنظر الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=Flskox1O62s

و هي القيم التي يدور حولها الصراع في العقود الأخيرة بي تيار الوهابيين الـ " متشددين"و تيار الوهابيين المعتدلين[ ترجم " المتعلمنين"]و قد شهدنا في الأسافير بعض الدعاة المتشددين يصعدون حكاية " الرويعي" السوداني في عمق التاريخ لمقام المواعظ النبوية.و قد تولى القوم تسويق فيديو الراعي السوداني بجهد تأطيري بروباغندي فاره و جهدوا في ترجمته لعدة لغات تجاوزت اللغات الأوروبية الدارجة لتدرك لغات الترك و الأردي و الشيشان و البوسنة و هلمجرا
[ أنظر صدر هذا الخيط على الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 90ed387d62

]
و العناية بنشر فيديو راعي الغنم السوداني خارج حدود السعودية يضيئ الوجه المعولم من المنازعة الطبقية المموهة تحت غشاء منازعة دينية بين المسلمين المتشددين على النسخة الوهابية و المسلمين المتعلمنين ميد إن يو إس إي.ذلك أن الصعود السياسي للحركة الوهابية ، و الذي تم بجاه المملكة السعودية و بمباركة حلفائها الأمريكيين في العقود الأربعة الماضية ، نقل الحركة الوهابية من حال حركة دينية سعودية لحال حركة دينية سياسية تكاد تحتكر تمثيل الإسلام المعاصر في العالم . هذه الوضعية السياسية الدينية صارت تطرح أمام المسلمين المعاصرين، داخل و خارج مجتمع المملكة السعودية جملة من الأسئلة العويصة حول العلاقة بين الدين و الحياة الحديثة.هذه الأسئلة ترتد في وجه المجتمع السعودي ـ بل و في وجه كل مسلم على الإطلاق ـ كما "السفروق» المنفلت"
Boomrang
العاق الذي لايدري أحد أين سيضرب عند عودته. و ذلك لأن أسئلة الدين و الحداثة تفرض على المفكرين من داخل التقليد الوهابي ، كما تفرض على غيرهم من المعنيين بأسئلة الدين ضمن شروط المنازعة الطبقية المعولمة، أن يدبروا مخرجا من الأزمة الراهنة التي تموضع المسلمين كافة في موضع الشبهات بجريرة جملة من المآخذ الحقيقية و المزيفة التي يروج لها الإعلام المعادي للمسلمين في العالم المعاصر

بعيد الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك توصلت الإدارة الأمريكية إلى أن المملكة السعودية باعتبارها راعية للإسلام الوهابي تعتبر مسؤولة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، عن الهجوم على الولايات المتحدة.و في هذا المنظور قامت السلطات الأمريكية بتحفيز حلفائها السعوديين على إصلاح النظام التعليمي الذي تصور الأمريكان أنه أنتج نوعية الشباب السعودي الذي قام بعملية الحادي عشر من سبتمبر، سيّما و جل المنفذين [ خمسة عشر من أصل تسعة عشر ] كانوا من أصل سعودي أو/و تعلموا في السعودية.ـو بالفعل شرعت السلطات السعودية في إصلاح المناهج المدرسية، السعوديةو حسب تصريح لوزير التعليم بالمملكة، الأمير فيصل بن عبد الله ، بتاريخ24 يناير2011،أورده موقع إذاعة فرانسا العالمية :ـ
« ..
في خلال سنوات ثلاث سيتم تطوير رؤية حديثة لمناهج التربية تتوجه لدعم التسامح و الإنفتاح نحو الآخرين .. فضلا عن تشجيع مشاركة النساء على أسس المساواة في القدرات
أنظر
rfi/auteur/corentin-bainier
 Arabie saoudite  
Article publié le : lundi 23 janvier 2012
طبعا المنازعة الآيديولوجية في ساحة التعليم لم تنتظر تفجيرات أبراج مركز التجارة النيويوركي لتتفجر بين الفرقاء السعوديي.فيهي منازعة قديمة بدأت ضمن مبادرات تحديث المجتمع قبل الرأسمالي في السعودية .ـ



حين انطرحت قضية تعليم الفتيات كضرورة حداثية يقتضيها منطق إلحاق المجتمع السعودي ببنى السوق العالمي، اضطرت السلطة السياسية للمفاوضة بسبيل تمرير المرسوم الملكي الذي اصدره الملك سعود في 1959
والذي نص على فتتاح مدارس لتعليم البنات في مدن المملكة
الرئيسة، وعلى إثر هذا القرار" تنامت فتنة القول بمنعها وحظرها، وقد كان الاختصام بشأن تعليم البنات سابق لهذا القرار، حيث كان هناك جدل بين مؤيدي تعليم البنات وبين المشائخ الذين يعارضونه، حتى ناظر بينهم الملك سعود، وانتهوا إلى أن تعليم المرأة حلال. ..
.. وقد فتحت المدارس تحت ذريعة أنه لا يمنع من أتى، ولا يدعى إليها من أباها، وكان التعليم اختياريا لا إلزاميا."
انظر عبد الله الوشمي " فتنة القول بتعليم البنات، مقاربة دينية و سياسية و اجتماعية " المركز الثقافي العربي.بيروت ، 2009.
و اليوم، بعد مرور نصف قرن على مفاوضات الملك سعود مع المحافظين الذين اعترضوا على تعليم الفتيات، [ 1959]، يبدو قرار الملك عبد الله بفتح الجامعة العلمية للجنسين و السماح بالإختلاط 2009 ،رغم انتقادات المحافظين [2009] ، يبدو خطوة جسورة نحو دفع المجتمع السعودي نحو مدارات الحداثة .و في الحقيقة فالسماح بالإختلاط بين الجنسين في الجامعة هو جزء من سلسلة من الإجراءات الملكية الرامية لتحديث الحياة الإجتماعية في المملكة، من شاكلة منح النساء حق الترشيح في المجلس التشريعي للمملكة و مباركة سعي النساء لإنتزاع بعض الحقوق البديهية مثل الحق في قيادة السيارة. و هي اجراءات تكشف عن سياسة ممنهجة غرضها تشجيع الشرائح المتقدمة في الطبقة الوسطى لخلق رأي عام مناهض للتيارات الدينية المحافظة التي تعوق توق اندماج المجتمع السعودي في بنى حداثة رأس المال.. و للمراقب الخارجي تبدو قوامة السلطات الملكية على فتنة تحديث المجتمع، ضد إرادة الأغلبية المحافظة الصامتة ، تبدو شكلا مشاترا من أشكال الصراع بين الدولة و المجتمع، فكأنما الدولة الوهابية المحافظة التي بنى عليها آل سعود بأسهم السياسي و الآيديولوجي ، في السعودية و في غيرها من بلاد المسلمين ، بسبيل نقض العقد القديم، عقد قسمة الثروة [ المادية] و السلطة [ الروحية]، بين المؤسسة الملكية الحاكمة و ممثلي المجتمع العشائري التقليدي قبل الرأسمالي الذي ترعرعت الدولة السعودية الحديثة في كفالته.ـ

أنظر الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 9de343dcef


و من يطالع البيان الذي أصدره بعض الوهابيين المتشددين الذين عارضوا سياسة "الإعتدال" الرسمية في مناهج تدريس الدين، يلمس عمق الهوة الآيديولوجية بي الفريقين :ـ
« 

بيان حول تغيير المناهج في السعودية



الحمد لله القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)
".. »
"
وبعد: 

فإن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، منذ أن ظهر دين الإسلام إلى اليوم - وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها - وحالهم مستمر بالعداوة والمكر للإسلام ؛ لإخراج المسلمين من دينهم وإرجاعهم كفارا بعد إيمانهم، ولا يرضون من أمة الإسلام بما دون ذلك أبدا كما قال تعالى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) . وقد اقتضت حكمةُ الابتلاء أن يكون لهم من هذه الأمة أولياء يسرون إليهم بالمودة، ويسارعون في موالاتهم واسترضائهم، وهؤلاء من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بلغتنا وقد يصلون ويصومون معنا، لكن ولاءهم وهواهم مع أهل الكفر والشرك والضلال، خشيةً على أنفسهم ومصالحهم من تسلط الكفار -بزعمهم-
".. »
"
وفي هذا الزمان العصيب أعلن كثير منهم موالاتهم للكافرين ، وامتثالهم لأوامر اليهود والصليبيين ، فهم يرددون هنا ما يقال في دوائر الكفر العالمي هناك، وقد رضوا أن يتولوا بأنفسهم ما يعجز الأعداء عن مباشرته من تشويه لدين الإسلام، وإضلال للمسلمين عن الصراط المستقيم وتحريف لعقيدتهم المنـزلة من رب العالمين. وقد جاهر أهل الكتاب وأولياؤهم بالعداوة لدين الإسلام، والمطالبة بتحريفه ومسخه وإبعاد الأمة عنه، وبذلوا كلَّ سبيل لطمس حقائقه وتجهيل الجيل الناشئ بمعالمه،
".."
وأوضح مثال لذلك عقيدة "الولاء والبراء" ولوازمها كالجهاد وتحريم التشبه بالكفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وتبعهم في بعض ذلك المخدوعون من المتأولين أو المتبعين لأهوائهم 0 وقد جاهرت الحكومة الصهيونية الصليبية في أمريكا على لسان مجامعها ووزرائها وإعلامها بالمطالبة بتغيير هذه العقيدة، وإبطال الجهاد بل حظر الحديث عنه، وإلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الحرمين ومأرِز الإيمان. واستجاب لهم أولياؤهم فطالبوا بذلك كتابةً ومقالاً ورسماً وتمثيلاً في كل وسائل الإعلام المتاحة لهم حتى انخدع بهم بعض الجهلة من المسلمين ، فاتهموا المناهج الدراسية بل تطاولوا على الحلقات القرآنية، فحسبنا الله ونعم الوكيل ..
« .. »
. وقد ظن بعض المؤمنين في هذه البلاد أن الأمر سيقف عند حد التشويش والتشكيك، وإثارةِ الفتنة بالمقال، لكنهم فوجئوا في بداية هذا الفصل الدراسي الأول لعام 1424 هـ بحلول المصيبة التي كانوا يحذرون ، وأن المقال تحقق في أعمال، بل إن الدلائل تشير إلى أن ما حدث -على خطورته- ليس سوى الخطوة الأولى في طريق طويل سمَّوه إصلاحاً وهو غاية الإفساد لو تمَّ -لا قدر الله- ولذلك رأينا من واجبنا إنذار الأمة بهذه المخاطر إبراء للذمة ونصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لاسيما وقد جاءت هذه النازلة في مرحلة عصيبة ؛ أحوج ما تكون الأمة فيها إلى تجنُّب أسباب ومثيرات الفرقة والاختلاف والتكفير ، وهذا إجمال لأهم ما ينبغي إعلامه للأمة بهذا الشأن :

1. أنّ ما حدث في مناهج العلوم الشرعيّة من حذفٍ ( مثل حذف موضوع الولاء و البراء وبعض أنواع الطواغيت وبعض نواقض الإسلام) وتحريفٍ (مثل تحريف بعض التعريفات العقدية) ومن انحراف خطير ( مثل التمهيد للاختلاط بتوحيد بعض المقررات بين الذكور والإناث التي تحمل صور الجنسين ، وتقرير مناهج الطالبات على الطلاب والعكس...) لم يحدث استجابةً لدواعي التطوير والارتقاء بالمناهج -كما يزعم الزاعمون- وإنما هو استجابةٌ مباشرةٌ لمطالب العدو التي قرأناها وسمعنا عنها منذ سنة 1411هـ. ومن ذلك توصية مجلس الأمن القومي الأمريكي، التي نصّت على فرض تغيير مناهج التعليم في الدول الإسلامية، ومنع وصول المتدينين إلى المناصب العليا في وزارات التربية والتعليم، وغيرها من الوزارات ذات التأثير في توجيه الأمة. « .. »
.

2. أن مطالبة أعداء الأمة بهذا التغيير والتحريف والانحراف هو من حربهم على الإسلام كما أنه اعتداء على سيادة الأمّة واستقلالها وانتمائها وخصوصيتها. وهو ما لا ترضى به أية أمة مستقلة في العالم. وهو مع ذلك مناقض لما يدعون الالتزام به من القوانين الدولية ومواثيق هيئة الأمم المتحدة التي هي من وضعهم . فالاستجابة له استسلام لا تقل خطورته عن الاستسلام للعدو في المعركة - إن لم يكن أخطر ، وتمكينٌ له من التحكّم في أخصّ الخصوصيات، ولذلك يجب على الحكومة العدول عنه ، وهي بفضل الله قادرة على ذلك .


3 - إن الإدارة الصهيونية الحاكمة في أمريكا وفروعَها لم تجرؤ على مطالبة المجوس والوثنيين بتغيير مناهجهم، علماً بأنّ دراسة أمريكية موثقة أثبتت أن 95% من شعوب العالم تكره أمريكا وتعارض السياسة الأمريكية! فلماذا اقتصرت المطالبة على الأمة الإسلامية، وعلى هذه البلاد خصوصا؟ ولم يحدث ذلك مع دول تهدد أمريكا بالسلاح النووي (مثل كوريا الشمالية) إن ذلك لم يقع إلا بسببين:- أولهما: ما في قلوبهم من عداء للإسلام وأهله لأنه الدين الحق . وثانيهما: ما لمسوه فينا من التهاون بعقيدتنا، والمبادرة في الاستجابة لمطالبهم من خلال ترسيخ مفاهيم من جنس "الصداقة التاريخية" و"التحالف الإستراتيجي" هذا مع أن المسارعة فيهم لم تقتصر على المناهج الدراسيّة، بل شملت عزلَ بعض الخطباء والتضييقَ على المناشط الدعوية و الحلقات القرآنية، وتجفيفَ مصادر العمل الخيري، وحظر كثير من مجالاته. وما سيأتي أعظم إلا أن يتدارك الله هذه الأمة بوقفة حازمة تكون فيها الحكومة والأمة يداً واحدةً على هذا العدوان.
« .. »
ومن أول مَن أوغر صدور الأمريكان على ما في المناهج من عقيدة الولاء والبراء، هم بعض الرافضة الذين ظهروا في وسائل الإعلام الأمريكي عقب أحداث جمادى 1422الآخرة هـ (11أيلول سبتمبر)، وذكروا أن هذه العقيدة -التي ينبزونها بالوهابية- تحرض على كراهية الأقليات الدينية وعلى الأديان الأخرى، وعرضوا نماذج لذلك بالجزء والصفحة وقد سعوا قبل ذلك ونجحوا في إلغاء مادة الفرق من المنهج المطور الصّادر سنة 1405هـ ويسعون إلى حذف كلّ ذكر للشّرك والبدع في المناهج
« .. »


6 - الواجب هو إحياء الثقة بين الأمة، والتشديد على تمسكها بعقيدتها، وبثُّ روح العزيمة والأمل فيها، لا نشر ثقافة الانهزام باسم "ثقافة السلام" ولا نشر الانحلال في الشباب باسم "المساواة بين الجنسين" ولا طمس الخصوصية الإيمانية باسم "الانفتاح"!


« .. »


8 - أن إحداث هذا التغيير يمثّل اعترافاًً منا للعدو المتربّص بأنّ مناهجنا تنتج الإرهاب العدواني ، وهذا واضح من اقتصار الحذف على المناهج الدينية، وعلى الموضوعات العقدية المتعلقة بالموقف من العدو، وهذا يستلزم تبرئة ساحة العدو من ممارسة البغي والعدوان الفظيع واستفزاز مشاعر المسلمين بظلمه وعدوانه، ومن حرصه على تأجيج نار الفتنة بيننا، بإرجاع ذلك إلى مناهجنا وقيمنا ومؤسساتنا الدينية والخيرية ..
« .. »

.

10- أن كثيراً من العلماء وأهل الغيرة في هذه البلاد ينظرون إلى هذا التغيير باعتباره شروعاً في سياسة تجفيف منابع الدين التي سلكتها قبلنا مجتمعاتٌ عربيةٌ، بوحي من قوى الكفر العالمي، والتي أنتجت عواقب وخيمة: كالتناحر الاجتماعي والغلو في التكفير، والانحلال الخلقي، وأصبح المصلحون فيها يطالبون بتقرير العقيدة الصحيحة، وبعضهم ضرب مثلا لذلك بمناهجنا، وما أثمرته من اعتدالٍ في المواقف، واستقامة في السلوك، وابتعاد عن المذاهب الفكرية الغربية التي اجتاحت تلك البلاد.


« .. »
·




15- يعد هذا التغيير مخالفة صريحة لسياسة التعليم في المملكة والتي نصت في أهدافها على أهمية العقيدة ولاسيما الولاء والبراء وفي أكثر من بند من بنودها ومما جاء فيها في المادة 29 ( تنمية روح الولاء لشريعة الإسلام وذلك بالبراءة من كل نظام أو مبدأ يخالف هذه الشريعة ) . ومما جاء في وثيقة منهج العلوم الشرعية صفحة 345 المادة الثانية عشرة ما نصه :( أن يعمق لدى الطلاب فهمهم لعقيدة الولاء والبراء ويدرك بعض صورها المعاصرة ) وهذه صدرت عام 1423هـ بتوقيع الوزير .

16 - أن من النتائج السيئة لهذا التغيير المفاجئ فَـقْدَ الثقة في وعود المسؤولين، فقد أكدوا مراراً وتكراراً أن دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف ما هو إلا إجراءٌ إداريٌ فقط ! ثم جاءت الخطوات التالية ومن أهمها ما حدث من دمج المناهج لتؤكّد أن الأمر بخلاف ذلك . ولذلك فإن الأمر يقتضي هذه المرة عملاً نراه ، فالثقة بين المسؤولين وبين العلماء والمحتسبين أساس الاجتماع والتلاحم. وفقدان الثقة بينهم سبب للفرقة والاختلاف ، ومنذر بالخطر على العباد والبلاد في أمنها واستقرارها وخيراتها ، ووقوع سنة التغيير من الله تعالى .
« .. » .


.. »
الرابط
موقع " صيد الفوائد"

https://saaid.net/manahej/11.htm


.
إن أدبيات المنازعة الراهنة بين الوهابيين المتشددين و الوهابيين المعتدلين تبشر بعنف الفرز الذي يتربص بالمجتمع السعودي الحائر عند مفترق دروب المنازعة الإجتماعية المعاصرة.و لا أحد يملك القدرة على التنبوء بنتيجة المواجهة الحاصلة بين الفريقين، ربما لأن الظاهر من المنازعة السعودية/ السعودية يطرح صورة السلطة الرسمية الراسخة على " شرعية دولية" و إمكانات مادية كبيرة في مواجهة حزب الوهابيين المتشددين الذين يرفعون المصاحف ويستقطبون جماهير المحافظين المحبطين بوعود الخلاص الإلهي.لكن هذا "الظاهر »لا يعوّل عليه كثيرا، لأن المخفي في ثنايا الحلف القديم الآيل للتصدع ، بين الشيوخ و السلطان ، يجعل المراقب يتردد ألف مرة قبل التنبوء بنتيجة المواجهة الراهنة.و شرحه يتلخص في أن لا أحد يعرف خوافي المنازعة السعودية /السعودية التي تتطور في عتمة الفرادة الأنثروبولوجية لمجتمع سعودي تتداخل فيه أساليب التدبير السياسي الحداثي مع اساليب التدبير التقليدي بشكل غير مسبوق في التاريخ السياسي الحديث . أقول لا أحد يملك مفاتيح عقلنة هذه المنازعة السعودية/ السعودية ـ على الأقل في هذه المرحلة من مراحل الصراع ـ بما يؤهل لإستصدار حكم بشأن ما يدور بين الأخوة الأعداء.و في نظري ،الضعيف؟، فإن غاية ما يمكن قوله في هذا الأمر هو أن الفئات المحسوبة في الطبقة الوسطى السعودية الميسورة الحال، و التي لا مصلحة لها في ديمومة المواجهة الحربية التي تخوض غمارها سلطات المملكة على أكثر من جبهة، هذه الطبقة الوسطى المتطلعة للإندماج في النسخة الأمريكية من ثقافة الحداثة المعولمة، ستضطر لتعريف و لإختيار الحلفاء الأكثر كفاءة، بين الفرقاء المحليين و الإقليميين و الدوليين القادرين على مساعدتها لحسم التناقض السياسي الراهن لصالح مجتمع سعودي أكثر اعتدالا و أكثر إنفتاحا على العالم الخارجي.كيف؟ و متى ؟ " مندري؟" ـ
لكن ما ندريه من أمر هذه المنازعة السعودية السعودية يتلخص في كون عشرات الملايين من رعاة الغنم، السودانيين ،و غير السودانيين، يقيمون مجبرين بين خطوط النار في ساحة المواجهة التي تنذر بحرب شاملة لا ناقة لهم فيها و لا حتى معزة .هؤلاء الناس الذين يقيمون، في جحيم الإستبعاد الطبقي، على قلق وجودي بالغ التركيب، يطرحون ـ بلسان الحال قبل لسان المقال ـ إشكالية أنثروبولوجية و سياسية على قدر من التعقيد يليق بجسامة التناقض المتعدد الأبعاد الذي يـُنتظر من السعوديين حسمه.هؤلاء الناس الذين وفدوا من أنحاء العالم الإسلامي ليقيموا على هامش مجتمع الإمتياز الوطني، هم مسلمون قبل أن يفدوا للمملكة، و سيبقون على اسلامهم بعد أن يرجعوا لبلادهم.و في المسافة بين لحظة دخولهمهم و لحظة مغادرتهم تعلموا التماهي مع الإسلام الوهابي ،على حكمة " الخواف ربّى عياله"، وخلفوا و ربوا عيالهم في مدارس السعودية الوهابية و بنوا الدور التي لا يسكنونها رغم أنها تنتظر عودتهم في الوطن السراب .هؤلاء العيال" المتسعودون" هم مفخرتهم و جرحهم الرمزي الغائر كونهم ينظرون لثقافة ذويهم من مسافة نقدية وهابية ملغومة بالعنف المبطّن بمشاعر الإستعلاء المستعار من أهل الكفالة.هؤلاء الناس الأماجد هم ـ في نهاية تحليل ما ـ "الشعب" السعودي الجديد المتخلق في ما وراء الإمتياز الذي تسبغه الدولة الوطنية البائدة على مواطنيها. هذا "الشعب المسلم الُمعولم"، شعب رعاة الغنم الوافدين من حواضر العالم الإسلامي، رغم أنه يحمل في جوانحة ذاكرة الإستبعاد الطويل " بدون" حقوق، هو الحليف المحلي الطبيعي للطبقة الوسطى الحداثية التي تطمح لمواصلة العيش الآمن في البلاد على شرط الحرية و الديموقراطية و الإعتدال،ذلك لأن رعاة الأغنام أيضا يطمحون لمواصلة العيش الآمن في البلاد على شرط الحرية و الديموقراطية و الإعتدال. و أظن ـ غير آثم ـ أن هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه عيال المسلمين الذين يتقاسمون أقدار الحياة في الفضاء السعودي المعاصر.ـ

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

راعي الغنم و حرب الصالة و الخشبة

مشاركة بواسطة حسن موسى »



3
راعي الغنم السوداني و حرب الصالة و الخشبة




لقد صارت حكايات راعي الغنم السوداني نوعا أدبيا رائجا في منابر التواصل الإجتماعي، و ككل نوع أدبي فالبنية السردية مركبة مبذولة لفائدة من يستطيع استخدامها. و في مشهد الإستخدام تطرح حكايات راعي الغنم السوداني انواعا من المنتفعين فيهم السودانيين مثلما فيهم غير السودانيين، و يبدو أن الرواج السهل الذي كسبته حكايات الراعي السوداني صار يحفز المنتفعين بها على بذل حكاياتهم على الملأ عفو الخاطر ،بدون تحسب للثقوب السردية و المنطقية في جسد المحكية.و لا جناح فالأولوية في هذا المقام هي أولوية سياسية لا تبالي كثيرا بمستلزمات الصناعة الأدبية
و حين استخدم الوهابيون السعوديون محكية الراعي السوداني لتوجيه الإنتقادات على ضعف التربية الدينية و تفشي الفساد في المملكة،فإن جاليات السودانيين في السعودية و الخليج احتفت بهذا الراعي الأمين بوصفه أيقونة حية للخلق السوداني القويم.و أيقونة الخلق السوداني القويم قيمة إيجابية تميز السودانيين في سوق العمل المهجري الذي يتنافس فيه المتنافسون من كافة بلاد الدنيا.و قد قرأنا في أكثر من موضع عن الأمثلة الرائجة حول أمانة المهاجرين السودانيين في سوق العمل المهجري، بل أن بعضهم يتمادى و يجعل
من حالة الراعي السوداني قاعدة عامة ثابتة في سلوك السودانيين
فكل سوداني أمين بالقوة و "كلنا راعي الغنم السوداني" و لن نخذل أي رب عمل يعهد إلينا بماله أو صحته أو أرضه أو/و ..عرضه و الأجر على الله.ـ

و إحتفال السودانيين بمواعظ راعي الغنم السوداني يمثل في مشهد الأسافير كما اللازمة الموسيقية الثابتة فلا يكاد يمر شهر دون أن يخرج علينا القوم بواحدة من شاكلة هذه الحكاية الجميلة التي يحكيها راويها في منتدى سوداني يزعم لنفسه صفة "وطن من لا وطن له" :ـ

« ..
: سوداني بالدوحة يكرر تجربة الراعي ويدهش القطريين


الراعي السوداني الطيب الزين اصبح نموذجاً للأمانة وكرر تجربته مزمل القرشي بالدوحة
07-15-2014 10:40 PM
أعاد السوداني مزمل محمد القرشي الذي يعمل بكبرى شركات التأمين بقطر، تجربة الراعي السوداني الطيب الزين في الأمانة التي عرف فيها السودانيون، عندما رفض إغراء بمبلغ مالي كبير مقابل السكوت على عملية نهب.


ونال القرشي الذي يعمل في شركة أمنية تسمى (حماية) وهي إحدى أكبر الشركات القطرية في مجال تأمين المنشآت العامة والخاصة، شهادة شكر وتقدير من نائب مدير الشركة خالد عمران العمران على ما قام به أثناء أداء عمله.


وتعرض القرشي إلى اختبار أثناء أداء عمله، حيث قام أشخاص ينتمون لدولة أجنبية بنهب بعض الأجهزة والمعدات والمبردات من أحد المصانع في ضواحي مدينة الدوحة.


وعندما اكتشف الجريمة قامت العصابة بإغرائه بمبلغ كبير فرفض، وحاولوا إيذاءه إلا أن عناية المولى أنقذته، وقام على الفور بإجراء اتصال بشرطة النجدة والدورية الخاصة بالشركات، عندها لاذ المجرمون بالفرار، حيث وجد أفراد الدورية العامل السوداني في موقع الحادث بالإضافة للمحتويات وهي مبعثرة.


وقدم القرشي بموقفه النموذج الحي للسوداني المهاجر الذي يحمل قيم ومبادئ شعبه التي يشهد بها الآخرون.


وكان الراعي السوداني الطيب يوسف الزين قدم تجربة مبهرة تناولتها الأجهزة الإعلامية المختلفة في الداخل والخارج، وبانبهار وإعجاب عن أمانته ونزاهته ليجد التكريم من المسؤولين في الدولة ومن قبل الذين عمل معهم في المهجر.


شبكة الشروق
ي.ع

لكن هذا النوع الأدبي الجديد لا يقتصر على سير الرعاة الغلابة وحدهم لأنه يتمدد ليشمل فئات أقل فقرا من فئة رعاة الغنم، ربما لأن هؤلاء السودانيون المقيمون في المهاجر النفطية ، دون غيرهم ، يتمتعون بـ " شفرة" جينية خاصة متعالية على الفرز الإجتماعي و العرقي، و ربما لأن الأمر برمته لا يعدو مجرد خرافة من فبركة قطاع بعينه من أبناء الجالية السودانية المهاجرة الذين يؤرقهم خطر الإستغناء عن خدماتهم، و هو خطر حقيقي معلق فوق رؤسهم كما سيف ديموقليس، يمكن أن يقع على الرقاب في أية لحظة، بدون سابق إنذار و بدون أية أسباب وجيهة.هذا الخوف مشروع تماما من طرف قوم يعملون ضمن شروط عمل قوامها الإجحاف و غياب الحقوق المهنية. و هو خوف لا ينفع معه إحتجاج أو إضراب أو حتى فتح الدعاوي القانونية ضد تمثلات ثقافة " الكفيل" التي تحكم سوق العمل في بلاد المهجر السعودي الخليجي.في وجه هذا الكابوس الماثل في الخواطر بشكل يومي تنطرح خرافة " أمانة السودانيين " بين السودانيين أنفسهم كنوع من تأمين رمزي ضد القلق المخيم على سوق العمالة و ذلك على زعم متفائل فحواه أن السودانيين ـ رغم " الكسل " الذي يشاع عنهم ـ يتمتعون بميزة " الأمانة" التي ترفع قيمتهم و تميزهم بين المهاجرين الآخرين المبذولين في سوق العمالة المهاجرة.و قد
حفزتني الحكاية الأخيرة في مسلسل " راعي الغنم السوداني" و التي مسرحها المملكة السعودية ، حفزتني على استدراك تفاكير قديمة في سيرة صراع طبقات زمن العولمة. و الحكاية المبذولة، منذ أسابيع ، في منابر الأسافير السودانية و السعودي
تطرح في شكل موعظة حسنة عن العفة و العفو و سمو الروح الإنساني بطلها راعي غنم سوداني متواضع كان يعمل في السعودية قبل15 عاما حين عصفت بحياته فجيعة مقتل ابنه الشاب غيلة، لأن قاتله أراد أن يسلبه حفنة من الريالات التعيسة.يقول الراوي[ و العهدة على محمد علي البصير في منبر سودانيزأون لا ين العام] عن ياسر عبد الفتاح في فيس بوك :ـ
« ..



سوداني يعفو عن قاتل أبنه لوجه الله في جدة

11:16 AM May, 23 2016 سودانيز اون لاين
محمد علي البصير-ـ الرياض ـ السعودية

ر
كتب الصديق ياسر عبد الفتاح على صفحته بالفيس وبك :

عمكم عبدالله.. ماني داير!
.
.
- رجل بسيط عمل راعي غنم مع ابنه (محمد ) في اطراف جده. قانعا بما قسمه له الله من حلال.. دا كان قبل 15 سنة.
- انهى محمد سعيه و رعيه ودخل عشته ونام في انتظار سعي اليوم التالي.. ولم يستيقظ ابدا.. ببساطة محمد مات. قتله تشادي طعنا ليسلبه 800 ريالا كانت في جيبه .. تحويشة عمره!
- لملم المفجوع عمكم عبدالله احزانه على ولده القتيل وحاجياته القليلةع وغادر نهائيا الي الدويم.. قبل 15 سنة كما قلنا. وظل القاتل التشادي حبيسا في السجن انتظارا لحد السيف والقصاص..
- طوال كل هذه السنوات.. بدأت عمليات بحث كبرى عن عمكم عبدالله.... وتحركت جمعية حقوق الانسان في جدة وعثرت عليه اخيرا.. و استقدمته بزيارة صدرت من امارة مكة المكرمة.
-وصل عمكم الي جدة لحضور القصاص من قاتل ولده. . وكما يحدث في مثل هذه الحالات تحركت حقوق الانسان لعل ابو القتيل يعفو مقابل الدية.
- رقم على يمينه 5 اصفار بالريال السعودي حرر شيكه فاعل خير باسم عمكم عبدالله.. ولو طلب زيادة الاصفار الي 6 او سبعة لما تردد الخيرون في دفعه..
- ما داير ملين منكم.. عفيتو لله والرسول .. ادوني دقايق اشاور المرة(ام محمد).. فيهاتفها في السودان ويأتي الرد:لو اخدت ريال ما عاد تجي البيت عافيهو لله وللرسول. لم تخذله ام محمد ..
- حاولت اللجنة اقناعه بان الشيك قد حرر وان فاعل الخير قد دفع.. عمكم عبد الله ثابت لا يتزحزح.
- حين احضرته لجنة حقوق الانسان الي الجريدة انتحيت به جانبا: يا عم عبد الله.. الاصفار الخمسة تضربها في الجنيه شوف بتعمل كم.. فيرد :ماني داير.. علي الطلاق محتاجو تب.. بيتي من الطين ومافيهو حتى مطبخ.. بس ماني داير!
- يا عم عبدالله.. فيلا .. شقة.. بيت في نص الخرطوم محل الرئيس بنوم... لا ماني داير
-لعلمكم لو رغب في المساومة لنال مبتغاه.. فغادر الي الدويم امس مثلما اتى ..بحقيبته..



هذه القطعة الأدبية الخارجة من تلافيق " كتاب الطبقات"لإبن ضيف الله
تنطوي على شحنة رمزية عالية الكفاءة لأنها تلمس وترا حساسا في نفسية عيال المسلمين السودانيين المنحدرين من أرومة "الفقرا" المتصوفين و الأولياء الزاهدين المتعالين على متع الدنيا الزائلة.أو كما كتب أحد المحتفين بحكاية راعي العنم السوداني :ـ
« ..


يا هم انحنا اولاد رواعية وعقاب تربالة

جدي كان بيقول شفتلك زول دخلوهو القبر وعندو جيب


.. »
و الحكاية تقرأ من ناحية صالة المسرح المهجري كعلامة على طيبة عيال المسلمين السودانيين و كرمهم و عفتهم أمام الغوايات المادية التي تحيق بالمسلمين .ـ و ربما أمكن فهم حماس المواطنين السعوديين و الخليجيين لحكايات الراعي السوداني من حيث أن هؤلاء المواطنين هم أهل بادية مسكونين بثقافة المجتمع الرعوي أساسا، و أن هذا الراعي السوداني الوافد من أرياف السودان يمثل بينهم في هيئة البدوي " البدائي البريئ" البعيد عن أنماط السلوك الحضري المعقد الذي يلمسه مواطنوا البلاد عند أعضاءالجاليات الوافدة من حواضر الشرق الأوسط العربية و غير العربية.و الذين قد ينظرون للمواطنين ، من علياء شهاداتهم و خبراتهم الحياتية الحداثية، نظر صاحب الفضل.
في السياق الإجتماعي لمجتمع قوامه تعدد الجاليات الوافدة يمثل الراعي السوداني كشخصية نمطية عمادها الطرافة و النبل و عفة اليد. و هي خصال تيسر القبول الإيجابي بشكل عفوي ، لا للراعي وحدة و إنما لجملة المهاجرين السودانيين المختزلين لصورة الرعاة.ـ و موقف التعاطف الغميس الذي تلقاه جالية السودانيين من طرف مواطني المهاجر النفطية يملك أن يضيئ نوعية العلاقة الملغومة بالشبهات الطبقية و العرقية بين المواطنين و المهاجرين.و هو ما يمكن قراءته في الأحبولة العجيبة التي تناقلتها منابر التواصل الإجتماعي في الأسابيع الماضية. و التي تتلخص في أن شخص اسمه "منصور البلوشي"، يعتبر ـ و العهدة على الراوي ـ "من أحد مشاهير تويتر السعوديين"، أجرى استبيانا شارك فيه 28 ألف شخص كان محتواه كالآتي :ـ
« كخليجي و من خلال تجاربك[ و ليس ما سمعت]من أفضل الشعوب العربية بالتعامل معك من حيث الطيبة و الإحترام و عدم الحقد و الحسد؟"و عقب السؤال يورد البلوشي نسبة84 في المئة للشعب السوداني مقابل 7 في المئة للشعب المصري و 4 في المئة لشعوب عرب الشمال و 5 في المئة لشعوب المغرب العربي.,ـ
طبعا لا أحد يجزم ما إذا كان هذا البلوشي من بلوشستان أو من السعودية أو من واق الواق لكن مجرد نشر هذه الحكاية ينبئ عن التمييز ـ المحمود أو المرذول ـ الذي يصيب المهاجرين السودانيين من حيث هم ككتلة صماء.بدون فرز. و في مشهد الكتل الصماء فلا بد أن هناك حكايات موازية تخص" المصريين"، و"عرب الشمال" و عرب المغرب" و البنغال" و الهنود" و "الصومال" و هلمجرا.ـ هذا التمييز لو كان مصدره المواطن المزعوم سعوديا أو خليجيا فهو يضيئ موقف خيلاء شخصية " الكفيل " المتعالي على المهاجرين الغلابة يسميهم بما شاء من الأسماء و يعرف لهم ما شاء من الأدوار و هو على يقين من أن لا أحد سيخالف نزواته.فـ " الكفيل دائما على حق" كما يقول المثل المهجري.و فوق موقف الكفيل فإن البلوشي الماثل في مقام المواطن الخليجي يبذل على الملأ قائمة بالمطالب التي يتوجه بها للمهاجرين و هي :ـ " الطيبة و الإحترام و عدم الحقد و الحسد"ـ.
أما لو كان التمييز صادرا من جهة المهاجرين السودانيين فهو يمكن أن يضيئ العنف المعنوي الكبير الذي يغلف علاقات جاليات المهاجرين المتنافسة في سوق العمل الخليجي . و في الحالتين الرماد كال أمة محمد و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.ـ
أقول :حكاية الراعي السوداني الذي عفى عن قاتل ابنه و رفض استلام " ثمن الدم" يمكن أيضا قراءتها ، من ناحية الخشبة التي يلعب عليها المهاجرون السودانيون، كعلامة على أصالة السودانيين و أخلاقهم الرفيعة أمام الغوايات المادية التي أودت بولاة الأمور في الوطن في منزلق الفساد
حتى أن بعض المحتفين ، في منبر سودانيز أونلاين، لم يتردد في تنصيب الراعي المحزون "واليا للنيل الأبيض"أو أمينا على " بيت مال المسلمين"و عير ذلك من أحلام المحبطين من الفشل السياسي المزمن في مسرح السياسة السودانية.ـ
قلت في مطلع حديثي أن من يفحص البنية السردية لحكايات راعي الغنم السوداني لا يجد صعوبة في تلمس ثقوبها الأدبية و المفهومية الظاهرة وفي نيتي أن أعاود قراءة هذه الحكايات من زاوية البنية الأدبية لأني أعتقد ان عذوبتها الأدبية لا تكتمل بدون الخراقات السردية الغليظة التي تزين نسيجها الأدبي الفريد.
سأعود


حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ماذا نصنع بعيالنا؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »




و ماذا نصنع بعيالنا؟

ـ 1ـ
وصايا سيف النصر للمسلمين

قبل أسابيع وقعت على خيط للصديق الدكتور سيف النصر محي الدين مُوجه لـ " سودانيي المهاجر"و عنوانه " حتى لا يذهب اولادكم إلى داعش" :ـ
الرابط

https://sudaneseonline.com/board/490/msg/سودانيو-المهاجر%3aحتى-لا-يذهب-اولادكم-الى-داعش%2e-1464553603.html

يحذر سيف النصر سودانيي المهاجر المسلمين من تعليم اولادهم مبادئ الإسلام و اللغة العربية في المدارس و المساجد والمؤسسات التربوية التي خلقها مسلمو المهاجر في بلاد النصارى،و ذلك خوفا من تأثير الدعاة السلفيين الذين يعملون في هذه المدارس على تجنيد الأطفال لقضيا التطرف الديني.ـ

و منذ البداية حصّن سيف النصر مداخلته ضد الناشطين الإسلاميين بتحذيرهم من التداخل في الخيط بما يخالف وجهة نظره و إلاّ فمصير المداخلة الحذف.أو كما قال:ـ"عشان ما في زول يزعل بعدين
اي مداخلة لا تتفق مع طرح هذا البوست و تؤيده سأقوم بمسحها.«  طبعاالدكتور سيف النصر هو أول من يعرف أن حيلته لا تؤدّي ،لأن أي ناشط إسفيري ينطلق من وجهة نظر مغايرة يملك أن يفترع خيطا جديدا بعد نسخ مكتوب سيف النصر في موضع آخر. و لحسن حظي فسيف النصر ،العضو بمنبرنا هذا، يملك امكانية الدخول و مواصلة المناقشة هنا بدون تشويش ضار من الناشطين في كتائب الجهاد الإسفيري.أما "التشويش" المحتمل من طرف أعضاء منبر الحوار الديموقراطي فلا بد أن سيف النصر سيرحب به و ينتفع به و الأجر على الله.ـ
يقول سيف النصر :". لا تدعوهم يذهبون الى المسجد أبدا في عدم وجودكم معهم.
لا تسجلوهم في حلقات التحفيظ او تعليم اللغة العربية."ـ

و في وصية سيف النصر يبدو "المسجد" مكانا محفوفا بالمخاطر، فلا ينبغي ترك الطفل بمفرده في المسجد لأن الدعاة ["الداعشيون" و غير الداعشيين] يتربصون بهذا الطفل بقصد التغرير به باسم العقيدة.و قد فهمت من كلام سيف النصر أن اعضاء الجالية المسلمة في المهاجر يتركون اطفالهم يغشون المساجد للتعلم في معية أشخاص راشدين ـ معلمين أو غير معلمين ـ أو هم يعهدون بهم للناشطين الدينيين في المسجد كما كان أجدادهم يعهدون بهم هم لفكي الخلوة في ارياف السودان. هذا الموقف ينطوي إما على غشامة بينة أو على سوء فهم مريع ،من طرف ولاة أمور الأطفال الذين يتصورون مسجد الجالية في المهجر فضاءا مثاليا متعاليا على تناقضات المجتمع المسلم المعاصر الذي تعصف به جملة من الأزمات المادية و الرمزية غير المسبوقة. و في نفس الوقت فموقف الآباء ينطوي على مستوى من عدم المسؤولية تجاه تربية أطفالهم لأنهم يعهدون بهم لأشخاص مجهولي الهوية، كل مؤهلاتهم التربوية تتلخص في زعمهم تعليم الأطفال مبادئ الدين و تحفيظ القرآن و اللغة العربية. طبعا هؤلاء الآباء يحيلون مهمة التربية الدينية لأطفالهم ناحية هذا الشخص الخرافي الذي يقوم مقام «  فكي الجالية »و يمنحونه " كارت بلانش" على منطق :[ ليكم اللحم و لينا العضم] و هو موقف أستنتج منه غفلة هؤلاء الآباء عن أهمية تربية أطفالهم ـ الدينية أو غير الدينيةـ بأنفسهم حسب بلاغة الأهالي الدارجة«  ما حكّ ظهرك مثل ظفرك ».ـ
و قد تضامن مع سيف النصر نفر من عيال المسلمين المقيمين في المهاجر النصرانية و دعموا وجهة نظره بسرد تجارب شخصية مع معلمي الدين الذين يتجاوزون حدود التعليم الديني ليجندوا الأطفال في عقيدة التطرف.ـ
كتب سيف النصر
 :ـ"- احجبوا عنهم المواقع الدينية و امنعوهم من دخولها و كذلك امنعوهم من مشاهدة فيديوهات الشيوخ او الاستماع للمحاضرات الدينية."، و هذه أيضا لا تؤدي لأن من المستحيل اليوم حجب جيل الأطفال " الرقميين" ـ عن التسواح في شعاب انترنيت و مشاهدة ما يرغبون في مشاهدته، فضلا عن كون الآباء يقيمون ـ في معظم الأحوال، على الضفة الأخرى من برزخ الثقافة الرقمية الذي يفصل بين الأجيال، و لعل اضعف الإيمان يتمثل في مصاحبة الآباء للأطفال في تسواحهم الأسافيري و صيانة المناقشة المستمرة معهم حول المواضيع المهمة المثارة في مختلف المواقع الدينية و غير الدينية.و هي مهمة تقتضي من الآباء كسب ثقة الأطفال و احترام وجهة نظرهم و مقارعتهم الحجة بالحجة ، و هو مسلك قد يبدو غريبا، من وجهة نظر التربية التقليدية التي حصلها الآباء في بيئة مغايرة لبيئة المهجر الأوروأمريكي، لكنه يفرض نفسه اليوم على كل الآباء الذين يكابدون تنشئة أطفالهم في عالم متحول مسكون بالطيب و القبيح.ـ
و قد بدت لي وصية سيف النصر في موضوع التربية الإسلامية ملغومة بتناقض ظاهر يحاول تلافيه في عبارة مستحيلة مفهوميا حين يقول :ـ"
الطريق الوحيد الى [ مقاومة؟] داعش هو حرصكم على تربية أبناءكم في إطار
الثقافة الاسلامية و رغبتكم في ربطهم بجذورهم « ـ"
لأن سيف النصر واع بأن الحرص على تحصيل التربية الإسلامية هو الذي دفع بالآباء لوضع اطفالهم بين براثن الدعاة السلفيين الذين يحتلون فضاء التربية الدينية في العالم الإسلامي ،منذ عقود طويلة ، بجاه البترودولار الذي لا يقاوم، فهو يستدرك و يتدارك معضلة " الثقافة الإسلامية " السلفية السائدة بمفهوم «  الإرتباط بالجذور » و الإرتباط بالجذور [ إقرأ "التقليد الشعبي" أو «  الإسلام السوداني"و لو شئت شططا فقل «الإسلام الفولكلوري» عديل و سجن سجن غرامة غرامة]. هذا " الإرتباط بالجذور" يمثل في عبارة سيف النصر كنوع من ضمانة " سودانوية" ضد التطرف و المغالاة "ميد إن وهابيستان" و شركاه.على كل حال يا سيف النصر أنحنا راجينك تعقلن لينا دور " الإرتباط بالجذور" في كبح جماح الثقافة الوهابية السائدة.ـ
و قد شوّقتني أكثر وصية سيف النصر الختامية التي تتضمن تحذيرا بسيطا في ظاهره لكنه خطير في مراميه المفهومية.يقول سيف النص :ـ
"- " لتكن كل معلوماتهم عن الدين مستمدة من والدهم و من والدتهم و في الحدود التي
يقررانها بدون الخضوع لأي تأثير خارجي." .ـ و بساطة وصية سيف النصر الأخيرة يمكن فهمها من حيث أن الوالد الحريص على ابعاد طفله عن غوايات الدعاة السلفيين [ و هيهات]، قمين بمنح طفله نسخة مبسطة منقحة للدين عمادها بيّن الحلال و بيّن الحرام مع اجتناب ما بينهما " الأمور المشتبهات"و هذه الـ" هيهات « التي في معترض عبارتي أعلاه إنما تنوه باحتمال تماهي الوالدين أنفسهم مع منطق الدعاة السلفيين، و في هذه الحالة فـ"الرماد كال حمّاد و أهله ».أما قوة وصية سيف النصر الأخيرة فتكمن في أنه ـ من جهة أولى ـ يضع الآباء أمام مسؤوليتهم التربوية في مواجهة التساؤلات الدينية للأطفال. و من الجهة الأخرى فهو يضع الآباء في مواجهة الدعاة و الإصلاحيين السلفيين و غير السلفيين من كل مشرب ، ممن نصّبوا أنفسهم، في مشهد العقيدة، بوصفهم متخصصين و عارفين بالإسلام "الصحيح «بينما هم ، في أفضل الأحوال، من فئة حفظة النصوص القديمة يرهبون بها خصومهم في ساحة السياسة .هذه المواجهة المفهومية التي تنتظر الآباء الحريصين على التربية الدينية لأطفالهم هي في حقيقتها مواجهة آيديولوجية جسيمة تنتظر الآباء كما تنتظر كافة عيال المسلمين المعاصرين عند مفترق دروب الحداثات الدينية و السياسية.و لعل أفضل اسلوب في مقاربه المنازعة القادمة هي تحكيم الحس السليم بالمصلحة في تمحيص كافة المسلمات التي تضخها الآلات الدينية سلفية، كانت أم مُعلمنة ،ابتداءا من ّ مفهوم " الإسلام الصحيح" لمفهوم " الإسلام المعلمن" و مفهوم " الإسلام المعتدل" و " الإسلام الثوري" و "الإسلام السوداني"[ و " الإسلام الفرنسي" الذي يهجس الساسة الفرنسيين هذه الأيام] و "الإسلام الطائفي "،مرورا بمفهوم" فصل [أو دمج الدين] و الدولة" لغاية "محل الغريق" في مقام المفاهيم المحمودية المبذولة في " الرسالة الثانية" و هلمجرا .ـ
...

ـ 2 ـ
و ماذا نصنع بالآباء؟
ـ
علق الدكتور أحمد أمين في نفس خيط سيف النصر بتجربة مؤثرة يقول فيها :.ـ
« .. »

..

ولي تجربة في هذا الأمــر ..
رغبت ورغب ابنائي لدروس في الحفظ (القرآن) ...

فأخبرت شيخ في المسجد بجوارنا أن يحضر الى البيت من أجل هذا الأمر ...فوافق

وأبنائي هم ولد وعمره 13 عام وبنتتين 10 و 5 سنوات ..

وبعد أن بدأ معهم في الدرس الاول .. قال لهم الدرس القادم يجب ان يضع ابني طاقية على رأسه
وان تلبس البنات الحجاب ... رغم احتشامهن العام لكنه يريد ما يراه هو

وعندما أخبروني بذلكـ .. انتظرته الدرس التالي وتكلمت معه اننا فقط من يعلمهم ماذا يلبسون ومتى ..
وعليه ان يلتزم بتحفيهم القرآن فقط دون أي موضوع جانبي ..
فقبل بالامر .. واصبحت احضر معهم الدروس .. »  « 

و حكاية الدكتور أحمد أمين تستحق التأنّي لأننا أمام رجل مسلم متعلم أحسّ بضرورة تربية أطفاله تربية دينية، لكنه يلجأ لشخص وصفه بعبارة " شيخ في المسجد في جوارنا".و حتى حينما تتكشف له مرامي التربية الدينية السلفية التي ينوى هذا الـ " شيخ"فرضها على الأطفال من أول درس، فهو يكتفي بتوجيه الشيخ حول لباس الأطفال لكنه، في نفس الوقت، يظل يواظب على حضور دروس " الشيخ"مع اطفاله. و إذا كان هذا الاب المثقف ،الذي يحمل لقبا أكاديميا رفيعا، يزهد مراجعة أدبيات التربية الدينية المتاحة لإستخلاص المبادئ التربوية التي تناسب أطفاله، و يكتفي بدلا عن ذلك بالجلوس مع أطفاله للإستماع لدروس " شيخ" نكرة، ربما كان كل متاعه المفهومي يتلخص في كونه يحفظ النصوص[ " كمثل الحمار يحمل .."إلخ]، فما بالك بعيال المسلمين العاديين الذين لا يدرون شيئا من أمر الواو الضكر و يبجّلون كل ملتح مُعمّم مُقفطن على " سماحة جمل الطين" ؟؟ـ
قلت أن نصيحة سيف النصر للآباء بتولي أمر التربية الدينية لأطفالهم تموضع الآباء في مواجهة الخيارات الآيديولوجية الكبيرة المطروحة على المسلمين ، و على غيرهم، في صدد الموقف من الدين و دور الدين في عملية التغيير الإجتماعي.و في هذا المنظور يملك الآباء ـ قبل غيرهم ـ أن ينخرطوا في المنازعة الإجتماعية عن وعي و أن يقوموا بسحب البساط من تحت أقدام الدعاة الجهاليل المأجورين الناطقين باسم قوى الرجوع و التطرف السياسي الذي يدفع المسلمون العاديون فواتيره الفادحة في مشارق الأرض و مغاربها كل يوم.ـ
في هذا المنظور تصبح العناية بتربية الأطفال عملا سياسيا من الدرجة الأولى. و في حقيقة الأمر فإن وعي الآباء بالبعد السياسي لتربية الأطفال الدينية هو أول خطوة لإبطال مفعول التربية السياسية المتطرفة للأطفال التي ظل الدعاة
السلفيون يباشرونها لعقود من وراء ستار التربية الإسلامية.ـ

و بعد تعليق دكتور أحمد أمين علق عبد اللطيف حسن علي بشهادة من بعض معارفه :ـ
« .. »


با لضبط هذا مايحدث ...

ذكر لي صديق ، يقيم في لندن نفس كلامك ...

ويستجيب الاولاد لان لديهم شعور غامض بانهم مهمشين من الانجليز دون ان يدور حوار بينهم وبين الاولاد الانجليز ، هو مجرد شعور اسبابه حضارية وثقافية ، ويستغله هؤلاء الدواعش

فيجدونهم صيدا سهلا وثمينا . »   «  


و على خلاف كلام الدكتور أحمد أمين الذي يعالج موضوع التربية الدينية داخل الجالية المسلمة في المهجر الأوروأمريكي ،ينقلنا تعليق عبد اللطيف حسن لمقام تربية الأطفال في سياق العلاقة مع المجتمع الأوروبي الذي يترعرعون في وسطه و يخلص إلى أن التهميش الذي يتعرض له عيال المسلمين من طرف المجتمع الإنجليزي يساهم في جعلهم "صيدا سهلا و ثمينا » لناشطي داعش.و وضعية التهميش التي يعانيها عيال المسلمين في المجتمع الإنجليزي يمكن فهمها على ضوء المسلك العرقي المتأصل في ثقافة الإنجليز تجاه كل الأعراق التي لا تنتمي لأرومتهم المباركة المزعومة، و في هذا المشهد فعيال العربسلاميين ايضا يحملون في جوانحهم ميراثا جبارا من العادات و التقاليد يحسدهم عليه غلاة العرقيين الآنجلوساكسون.لكن وضعية التهميش في المجتمع البريطاني لا تطال المسلمين إلا في حالة كونهم ينتمون لفئة الفقراء، فالمسلمون الأثرياء الذين يشترون العقارات و المؤسسات و الشركات و الألقاب لا يعانون من التهميش أو الإستبعاد كونهم ـ رغم اسلامهم ـ يقاسمون البريطانيين الأثرياء نفس المسلك الإستبعادي تجاه الفقراء سواء كانوا من فقراء الإنجليز أو من فقراء اليهود أو من فقراء المسلمين أو من فقراء الهندوس او من فقراء اللادينيين على تباين الأعراق. و لو كان تهميش الفقراء في المجتمعات الأوروبية هو السبب في نجاح السلفيين في تجنيد الشباب المهمش في صفوف داعش لصار جيش داعش اليوم من أكبر جيوش العالم عددا.و لعل من الأنسب عقلنة إنخراط الشباب المسلم [ و غير المسلم أيضا] في صفوف التطرف ، بالنظر في ثنايا الأزمة الوجودية الكبيرة لشبيبة المجتمع الأوروأمريكي التي تعاني، إلى جانب الإستبعاد المركب الطبقي و العرقي و الجندري ،حالة من الزلزلة العنيفة المتسارعة لمنظومة القيم و المعاني التي صان عليها جيل الآباء تماسك مجتمعاتهم في عالم ما قبل العولمة .و عودة الشبيبة المسلمة المستبعدة للشكل الأكثر بدائية من أشكال الإعتقاد الديني ليست نسيج وحدها ، فشبيبة النصارى و اليهود و غيرهم [ في "غيرهم" ضف شبيبة المتدينين بدين العلمانية و العلمانية دين" و كل شي في الحيا جايز""]تدبر بحثها عن المخارج من الأزمة الطاحنة بأساليب متوازية في بدائيتها، لا أبالغ لو قلت أن التعصب الديني قاسمها المشترك الأعظم .ــ
بعد انهيار نظام البيروقراطية الستالينية في بولندا ظهرت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا كسلطة رمزية ضامنة لتماسك المجتمع البولندي و أورثنا التاريخ عبارة البابا البولندي" جان بول الثاني" المحرضة على التمرد في أول زيارة له لموطنه حيث خاطب جماهير الكاثوليك المتمردين على السلطات، تحت راية نقابة " سوليدارنوس"[ التضامن]، قائلا :ـ "لا تخافوا". ـ
بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ظهرت الكنيسة الأرثودوكسية الروسية كحليف قوي للنظام السياسي الجديد و كضامنة للتماسك الروحي للمجتمع الروسي الخارج من صدمة الزلزال الكبير الذي أودى بالمجتمع السوفييتي. لكن الكاثوليكية البولندية و الأورثودوكسية الروسية ،رغم تحالفهما مع النادي السياسي المحافظ القابض على السلطة ، على وعي بأن الأزمة أكبر من أن يحتويها تحالف رجال الدولة و رجال الدين.ربما لهذا السبب تمخض جبل الثورة ،التي انفجرت ضد نظام البيروقراطية السوفييتية ، فولد فأر المافيا المالية الإجرامية من سفاح الدولة مع الكنسية.ـ
اليوم ينظر أغلب المراقبين لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي[ بريكسيت] المتزامن مع صعود التيار السياسي لقوى اليمين الشعبوي العنصري المتطرف في المجتمعات الأوروبية [ انتخابات النمسا في الأسابيع الماضية و انتخابات المجالس الإقليمية الأخيرة في فرنسا شهدت صعود تيار اليمين المتطرف المعادي للمسلمين]،كنتيجة للخوف و القلق الذي استحكم في نفوس الأوروبيين و هم يرون عواقب العولمة الإقتصادية تلغي الحدود الجغرافية و تلغي الضوابط القانونية التي انصاغت لحماية الإقتصادالوطني، و تفتح مجتمعاتهم لحرية التجارة التي تدمج السوق المحلي في كل اكبر لا تطاله ضوابط الدولة الوطنية.عولمة الإقتصاد الليبرالي تفتح المجتمعات الأوروبية لتأثيرات الثقافات الوافدة من الخارج، و التي تساهم في تخصيب الثقافة الوطنية مثلما تساهم في تغريبها عن مراجعها المحلية الموروثة قبل أن تخلص إلى زعزعتها بجملة القيم الثقافية التي يجلبها المهاجرون في متاعهم. كل هذه التحولات المتسارعة تخلق نوعا من الخوف والقلق الرمزي العميق في المجتمع تتمثل عواقبه في انتشار العنف و التطرف بين الفئات الإجتماعية الأكثر هشاشة داخل المجتمع، فئات شبيبة الفقراء المهمشين و المستبعَدين الماثلين، في المشهد الإجتماعي لحثالة البروليتاريا البائسة ،كفريسة سهلة لمن يعرض عليهم كل ما عجز عن توفيره النظام الإجتماعي القديم الآيل للإضمحلال. مثل الأمن والعمل و التضامن الإجتماعي .إن فئات الشبيبة المهمشة في المجتمع الأوروبي المعاصر صارت كما الغريق الذي يتمسك بأي قشة يأمل أن تنقذه من الغرق، فما بالك بمن يعرض على الشبيبة فرص التكافل و الأخوة وربما الثروة ،أو حتى "الجنة" نفسها، و ذلك من خلال اشكال شتى من شكل عصابات و أُسر الجريمة المنظمة "المافيا" ،لـ " كتائب الجهاد" الديني "الداعشي" ،أو حتى في عشائر مقاتلي "الهوليغان » التي تنتهز اللقاءات الكروية الشعبية لتعرض على المجتمع جرها الغائر في نوع من تراجيكوميديا قوامها العنف المجاني المفرغ من أي معنى إجتماعي إيجابي. و ما لم تقيض الظروف لهذه الشبيبة الضائعة مشروعا إجتماعيا عماده رؤيا إنسانية للوجود فستظل تواصل إنتحارها الروحي و ترديها المادي الذي لا يدري أحد عواقبه على المدى البعيد. .ـ

.
3

و ماذا نصنع بخرافات السودانيين ؟


و قد استثار موضوع سيف النصر حماس كمال عباس فساهم بتعليق شيق يقول فيه
« .. »


لماذا يتبني بعض الأبناء فكرا أو معتقدا يناقض الأباء ؟؟ الإجابة تفرض علينا ـ التنبيه لأن الأب الديموقراطي لا يفرض فكره علي أولاده وإنما حريةالإختيار وحق التفكير المُستقل ــ علم الإجتماعي يقول أن إكتساب الوعي والمعرفة و socialisation process لاتتم عبر مؤسسةالإسرة فقط ــ وإنما أيضا ـ عبر المدرسة والجامعة والإعلام ودور العبادة والحي والإصدقاء وبئية العمل ــ الخ وعلم النفس يقول بأن الإبن قد يحاول الإستقلال بذاته فكريا ـ أو يقوم بما يعرف Self-actualization . - self-realisation ــ * ..الإبن قد لا يجد ( بحسب فهمه) نفسه أو لايجد إجابة لإسىلته في فكر والده ــ أو في الإسلام المعتدل أو ثقافة وقيم العصر ( من تسامح وديموقراطية وإعتدال وتعائش أ والترويج للفكرة عبر الحوار وحرية الدعوة والتبشير ) وقد يجد نفسه ـ في حالة غربة أو قطعية مع المجتمع الغربي أو العصري ـ مما يجعله يبحث عن نموذج أو صورة زاهية رسمت له عن القرن السابع الميلادي* يقع الشاب الغر ضحية لعملية غسيل مُخ وإستغلال من بعض الشئوخ والإئمة الذين يتبنون نسخة إسلامية مُتطرفة ــ تدعو للإقصاء والتكفير والحكم بجاهلية المجتمع ورفع راية الجهاد ضده قتلا وتدميرا ! ويدفعون هولاء الشباب الغر للمحرقة ليقتُل أو يُقتل !* الوالد بحكم إنه ديموقراطي ـ وسوداني(مثلا) متصالح مع قيم وثقافة مجتمعه ـ يعي أن إبنه يذهب للمسجد ويتلقي دروس ـ ويمارس حقه في الإعتقاد ــ ولكن لا يدور بخلده أن بعض دور العبادة ــ تحولت لأوكار ـ للتطرف والإرهاب ــ وخصوصا أن الجهات التي تقوم بالتلقيين ــ والبرمجة ـ تتبني التقية والتخفي بحيث لايظهر الشاب أي ميول عدوانيةأو متطرفة إلا بعد أن تتم عملية برمجته ـ أو ربما إلا بعد ذهابه للعراق أو سوريا متخفيا!

في تعقيب كمال عباس استوقفتني قائمة الخرافات المفهومية الرائجة في الأدب السياسي لمثقفي الطبقة الوسطى العربسلامية السودانية،ذلك أن كمال عباس يبني مداخلته على مفاهيم يعتبرها من المسلمات التي لا تحتاج لشرح.أعني مفاهيم الأب السوداني الديموقراطي و الإسلام المعتدل و المجتمع العصري و قيم الحوار و التسامح إلخ.و قد تأنيت عند كلام كمال حول شخصية " ، الأب السوداني" ككائن "ديموقراطي" بفطرته السودانية السليمة، فضلا عن كونه " متصالح مع قيم و ثقافة مجتمعه".طبعا الأب السوداني تقرأ هنا " الأب العربسلامي"ود البلد الحبّوب الجعلي العباسي الذي يقعد و يقوم على كيفه إلخ.هذا الأب السوداني بريئ من الديموقراطية براءة الذئب إلخ.و ديموقراطية الأب أزاء أطفاله، على إطلاق الآباء، هي إنتحال أبيض مريب، لأن الآباء مجبولون على القوامة على اطفالهم و اتخاذ القرارات المصيرية التي يقدرون أنها في مصلحتهم ، و ذلك ببساطة لأن الأسرة ليست برلمانا و لكنها مؤسسة مصممة لتنشئة الأطفال و حمايتهم و تأمين تربيتهم و تعليمهم حتى يندمجوا في مجتمعهم و يؤمنوا مستقبلهم و يواصلوا دورة الحياة الإجتماعية. و لا أحد يصدق بديموقراطية هذا الأب السوداني لأنه نتاج أنثروبولوجيا المجتمع العربسلامي التقليدي الذكوري و دوره كـ " رب"أسرة يعفيه من مشقة تحمل الرأي الآخر فيفرض إرادته على كل من هم تحت مظلة قوامته. لكننا، بمحبتنا الكبيرة لآبائنا ننتحل لهم كل صفة تعجبنا حتى و لو كانت من وزن" الديموقراطية".ـ
"أما كون الاب السوداني "متصالح مع قيم و ثقافة مجتمعه
فهذه لا غلاط فيها و لا حزن،لكن الحزن يحصل حين نكاور "الديموقراطية" ضمن مجموعة " قيم و ثقافة مجتمع/نا ".و لو كانت " القشرانية" جزء من قيم و ثقافة مجتمعنا السوداني فما الذي يجعلنا نتحمل العيش بدونها طيلة هذه العقود الخمسة المدمّمة العامرة بالقهر و الإستبداد؟نعم في مجتمعنا نعرف قيم الشجاعة و الكرم و مساعدة الضعفاء و التعاون على الخير و التضحية بالغالي و النفيس في سبيل الغير و سلسلة طويلة من القيم النبيلة لم تكن الديموقراطية بينهاأبدا.ـ

أما عبارة كمال عباس المشاترة في وصف القصور الفكري للشباب
فهي تمر وسط مكتوبه المتفائل كتقرير عادي " لا ينتطح فيه عنزان" كما تقول العبارة العجيبة التي راجت بين كتاب السودان في العقد الأخير،[ هسع مثقفين الخرطوم شافوا العنزان ديل وين؟]. كتب كمال عباس :ـ"الشباب الغر هو ضحية لغسيل المخ و التغرير". و هو تقرير لا يسنده أي سند بخلاف رغبه كمال عباس في تصوير الشباب كضحايا أزليين للسلفيين المتربصين في شعاب الاسافير فيكفنونهم و يبرمجونهم نحو الجنة عبر العراق و سوريا. طبعا لم يخطر ببال كمال عباس أن الشباب الذين يتحدث عنهم ربما كانوا قد اتخذوا قرار الإنخراط في عقيدة التطرف بعد تأمل و تفكير، و أنهم قبلوا إحتمال الموت في سوريا و العراق عن طواعية.ربما لأنهم وجدوا فيه مخرجا لائقا من حصار الاسئلة الوجودية العويصة التي لم يجدوا لها إجوبة تليق بجسامتها في نوع الحياة التي يحيونها بين ذويهم في المهاجر. طبعا هذا الإحتمال غير المريح وارد لكننا نشيح عنه كلما راود الخاطر. لان اولادنا ، "أكبادنا تمشي على الأرض"، حبايبنا الذين نعزهم و نعرفهم ،لا يمكن أن ينخرطوا في صفوف داعش هكذا بدون سبب.لا بد أن أحد شياطين داعش قد غرر بهم و خدعهم و استدرجهم بمعسول الوعود. الله ينعل الشيطان و لو برئ من دم ابن يعقوب ـ
ـ
"و نواصل قراءة مكتوب كمال عباس الشيق :ـ

"..الإبن قد لا يجد ( بحسب فهمه) نفسه أو لايجد إجابة لإسىلته في فكر والده ــ أو في الإسلام المعتدل أو ثقافة وقيم العصر ( من تسامح وديموقراطية وإعتدال وتعائش أ والترويج للفكرة عبر الحوار وحرية الدعوة والتبشير ) وقد يجد نفسه ـ في حالة غربة أو قطعية مع المجتمع الغربي أو العصري"
« .
فكرة" الإسلام المعتدل" التي يبذلها كمال عباس هنا كمرادف مفهومي لـ " ثقافة و قيم العصر[ من تسامح و ديموقراطية و اعتدال و تعايش] » قبل أن يلحقها بـ" الحوار و حرية الدعوة و التبشير"، هذه الفكرة الغريبة هي إجترار متفائل لبرنامج تخليق " الإسلام المعتدل" الذيـ حسب الزعم الرائج ـ يقبل الحوار و التعايش مع الغير. و هو البرنامج الذي صارت بروباغندا رأس المال المعادية للمسلمين تبشر به منذ أن توصلوا لإستحالة كسب الحرب الخرقاء ضد الإرهاب[ ترجم : "ضد المسلمين" ، كل
المسلمين على الإطلاق].ـ فكان أن توصلوا لضرورة فرز عقائد المسلمين لفئات تتدرج حسب موقف هذه الفئة أو تلك من سياسات دوائررأس المال المعولم.و في مواجهة الإسلام السياسي المتمرد على دوائر رأس المال فبرك الأوروأمريكيون مفهوم " الإسلام المعتدل"وغايته تخليق فئة سياسية موالية أو ، على الأقل،محايدة، ناطقة باسم المسلمين في المنتديات العالمية التي تنظمها آلة البروباغندا التابعة لدوائر رأس المال،من شاكلة "مؤتمرات الحوار بين الأديان" و" حوارات الحضارات"و هلمجرا.و في " هلمجرا" إقرأ :توظيفهم في المواجهة مع بعض الوعاظ و أئمة المساجد من المسلمين "غير المعتدلين"،[ ترجم "السلفيين"] ،الذين تستضيفهم برامج التلفزة و الإذاعة في الأعلام الأوروأمريكي.طبعا مشكلة هذا الإسلام المعتدل الحقيقية ليست في كونه مفبرك من خامة الغرض السياسي الذي وراءه مصالح بعض دوائر رأس المال ذات المصلحة في الحرب المستعرة في مجتمعات المسلمين أو حتى في المنازعة السياسية الدائرة حول حضور المسلمين داخل المجتمعات الأوروأمريكية نفسها.فكل نسخ الإسلام المطروحة على الملأ اليوم ضالعة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في المنازعة السياسية و لا جناح على أحد.مشكلة " ال‘سلام المعتدل " تتلخص في كونه يزكي السلفيين ـ دون أن يقصد ـ كقيمين على ما يفهم منه أنه " الإسلام الأصلي"،أو " الحقيقي" أو " الصحيح " الذي يملك اصحابه الحقيقة الكاملة التي تجعلهم لا يبالون بما قد يراه الغير ويمضون في عقيدتهم حتى نهاية المضمار.[ إقرأ : » حتى الموت"]،و ليس هناك تحفيز أكثر كفاءة من تسليح المسلم بسلاح " الدين الحقيقي"الذي يبيح للمسلم أن يموت أو أن يقتل غيره في سبيل الدفاع عن العقيدة. ـ

….....
4
ماذا نفعل بحركة التحرر الوطني في بلاد المسلمين ؟

ردتني مناقشة عيال المسلمين أعلاه لتفاكير قديمة في خصوص العلاقة بالدين في العالم المعاصر.و أعني بالدين ذلك الإعتقاد الإنساني القديم الدارج بديمومة ذات علوية تتحكم في مصائر الوجود و تدبر صيرورة "ود ابنآدم" بين شقاء الحياة و شقاء الموت.ـ و في عقيدة المسلمين يمثل الخالق في محل الذات التي بيدها كل شيئ.لكن صورة الخالق بين مجتمعات المسلمين تخلقت عبر التاريخ متأثرة بتناقض المصالح الإجتماعية التي تمور داخل المجتمع الطبقي الذي كتب على عيال المسلمين مكابدة شروطه .ـو الخيارات الدينية التاريخية التي تتبعها هذه الفرقة أو تلك الفرقة من أهل المذاهب و التيارات الإصلاحية إنما تعبر ،في نهاية التحليل، عن تطور تناقض المصالح بين هؤلاء و أولئك.و لو نظرنا إلى التنويعات المدممة لحروب الموارد الطبيعية المستعرة في الشرق الأوسط ، سواء في شكل الصراع الراهن الذي كتب على عيال المسلمين مكابدته في حرب السعوديين و الإيرانيين المزعومة حربا لـ «السنة و الشيعة»،أو في شكل حرب النفط العالمية التي يشنها العالم الأوروأمريكي على فقراء الشرق تحت مسمى "حرب الحضارات"، فسنلمس ملامح صراع الطبقات المعولم من وراء ذرائع الدين الرهيفة التي يرفعها الفرقاء على اسنة الرماح.ـو في العقود التي تلت حرب جورج دبليو بوش على الإرهاب [ أي و الله " حرب دائمة على الإرهاب »]تعرفنا على المنظرين النصارى الذين يرفعون راية النصرانية كملمح هويوي لـ " الغرب »[ ترجم للمجتمعات الأوروأمريكية] فكأن سيدنا عيسى بن مريم ، اليهودي الفلسطيني ، ظهر في باريس او لندن أو نيويورك.لاشيء يهم في خاطر منظري الهويولوجيا النصرانية الذين مسخوا النصرانية "حاكورة" للأورأمريكيين [و اشاحوا عن الحضور العريق للفكرة النصرانية بين نصارى المجتمع العربي كما اشاحوا عن نصارى أثيوبيا و يهودها السود]ـ"
.مرة لامني صديق فرنسي نصراني على انشغالي بأيقونات الفن النصراني من شاكلة «  القديس جورج يقتل التنين »و " ظهور السيدة العذراء "و"استشهاد القديس سباستيان و إلخ بدلا من العكوف على ميراثي الأيقونوغرافي الإفريقي[ في "ميراثي الإفريقي" إقرأ فن الأقنعة و ألوان الدغل الإستوائي و غير ذلك من اللعب مع الأفيال و التماسيح أو كما قال «  شوارع عاصمة بلادي تعج بالأفيال و تمرح فيها التماسيح ساعة القيلولة »].فقلت له مناكفا : شوف يا زول، و الله حين كان اسلافي النصارى يصنعون الايقونات في كتدرائيات ممالك النوبة النصرانية كان اسلافك الوثنيين مشغولين بصيد الخنزير البري في أحراش اوروبا ،لكن سيرة الاسلاف الأماجد لا تؤدي إلا ضمن اشكالية الثقافة البائدة التي يتم فيها تعريف الهوية على الميراث الماضي لا على معطيات الحاضر الآن و هنا.ـ
إن الحرب الراهنة التي يشنها تحالف رأس المال الأوروأمريكي و توابعه على مجتمعات المسلمين هي نصب جبار للكذب الممنهج و التلفيق الآيديولوجي الغليظ الموجّه ضد مجتمعات المسلمين ، بالذات في بلدان الشرق الأوسط الغنية بمصادر الطاقة.و هي حرب شاملة مادية و رمزية لم تعرف الإنقطاع منذ عهد الغزوة الإستعمارية الكبرى لبلدان الشرق الأوسط في نهاية القرن التاسع عشر. و على تعاقب الأجيال ظلت آلة البروباغندا الإستعمارية تتفنن في إنتاج الذرائع العجيبة التي ما أنزل الله بها من سلطان، بدءا من تأمين طرق التجارة العالمية التي تمر في بلدان الشرق الأوسط[ العدوان الثلاثي على مصر] لحماية اسرائيل،[ حروب 1948 و 1967 و غيرها] لتأمين مصادر النفط،[حرب الجزائر و إنقلاب مصدق في إيران]، لـ تدمير معاقل الإرهاب[ في حرب أفغانستان و حرب الصومال]، لتصفية اسلحة الدمار الشامل[ في حرب العراق]، او جلب الديموقراطية لمجتمعات الشرق الأوسط،و احترام حقوق الإنسان [ حرب ليبيا] او تحرير النساء من ربقة المعتقدات البالية في مجتمعات المسلمين، أو القضاء على الرق و هلمجرا. لو قلت بأن هذه الحرب الدائمة هي مواجهة بين النصارى الأوروأمريكيين من جهة و المسلمين من الجهة الأخرى لجانبت الصواب، لأن هذه الحرب ليست حربا بين الأوروأوروبيين النصارى و اليهود من جهة ،ضد المسلمين من الجهة الأخرى.لأنها ليست حربا بين الأديان، فالمسلمون يقاتلون المسلمين اليوم في مختلف جبهات حروب الشرق الأوسط، وذلك لأن هؤلاء و أولئك اختاروا هذا الجانب او ذاك الجانب، حسب تضارب المصالح بين الفرقاء. هذه الحرب هي حرب بين قوى رأس المال الحديث المعولم التي أسست معاقلها التاريخية داخل المجتمعات الأوروأمريكية ،و بنت امتداداتها و تحالفاتها مع قوى محلية متمكنة سياسيا و إقتصاديا و عسكريا داخل مجتمعات المسلمين، من جهة، و القوى الحديثة المعارضة لحداثة رأس المال و التي تعرف أن لا مصلحة لها في استمرار هيمنة قوى رأس المال المعولم على مصائر مجتمعات المسلمين، من الجهة الأخرى. ذلك لأن هذه الشعوب المسلمة التي اضطرت لحمل السلاح في مواجهة انتحارية تراجيدية ضد قوى رأس المال المعولم خبرت بالبرهان المادي، و على مدى عقود طويلة، أن قوى رأس المال و حلفاءها المحليين المتسربلين بسرابيل الدين،[أو بسرابيل العلمانية]، لا تبالي بآلامهم و لا بآمالهم و طموحاتهم في الحياة الحرة الكريمة، بالذات حين يفلتوا من فئة "المنتجين/المستهلكين" لمنتجات رأس المال.أما لو تجاسروا على مقاومة تدابير الهيمنة السياسية و الإقتصادية لقوى رأس المال المعولم فمصيرهم المقاطعة و التجويع و الدمار و التقتيل لغاية الإبادة الشاملة بدون أي وازع ديني أو أخلاقي ـ
إن حرب حركة التحرر الوطني التي عرفت مجدها السياسي على أيام " الحرب الباردة " لأنها كانت تسند ظهرها على قوى مادية و سياسية في حالة مواجهة مع قوى رأس المال الإمبريالي، هذه الحركة فقدت سندها المادي و الرمزي بعد انهيار المعسكر الشرقي و نهاية " الحرب الباردة".و تحت شروط واقع العولمة يقف ورثة زخم التحرر الوطني يتامى من أي سند ، وفي مواجهتهم غول رأس المال المعولم ،في أعلى درجات بأسه المادي و الرمزي، ينظر إليهم شذرا و يطلب منهم التخلي عن خيرات بلادهم و التراجع عن قناعاتهم ولفظ معتقداتهم و الإمتثال التام لإرادة السوق.ضمن هذا المشهد يبحث عيال المسلمين الذين يحيون تحت شروط الإستبعاد المتكامل، يبحثون عن مخرج لائق من الأزمة السياسية و الثقافية المطبقة فلا يجدون إجابة ناجعة عند ولاة بلادهم " الأقزام" الذين يباشرون أمور السياسة إنتهازا و احتيالا على منطق "رزق اليوم باليوم" ،بدون أية رؤية حضارية أو مشروع إجتماعي يليق بجسامة الأزمة المستفحلة كل يوم .ـ
.في مشهد الحيرة و الإحباط الشامل يتلفـّت عيال المسلمين بحثا عن الوسائل و الأدوات الآيديولوجية التي قد تساعدهم في التحرر و عبور الأزمة فلا يجدون شيئا بخلاف ما هو مودع في الذاكرة من ميراث الأسلاف.تلك الأشتات البدائية المتنافرة المنبتة عن سياقها التاريخي و المؤسطرة بفعل الخيال الديني الطفولي الذي يتسامى بأحداث السياسة و شخصياتها خارج جدل التاريخ الإجتماعي.تحت هذه الشروط دخل الدعاة الوهابيون مسرح السياسة على أنقاض الفشل العظيم للنخب السياسية العلمانية التي سادت لعقود بجاة القضية القومية و صادرت الديموقراطية و الحرية باسم الوحدة على زعم سياسي انتهازي شعاره " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". و بين عشية وضحاها انمسخ جيوبوليتيك الشرق الأوسط البالغ التركيب لبساطة حرب الإسلام و النصرانية، أو/و حرب الشيعة و السنة و الأجر على الله.ـ لكن «حبل الكضب قصير»و ستتوصل جماهير المسلمين، من خلال النضال اليومي من أجل التحرر، ستتوصل لتجاوز الأطر الضيقة التي يسجن فيها الإسلام السلفي هذه النسخة المعولمة من زخم حركة التحرر، و ستتمكن الحركة من إختراع أطر جديدة أوسع تتيح لها بناء التحالفات المعولمة الخلاقة التي بدونها لا يمكن الصمود في وجه قوى رأس المال و دحرها و تحقيق شروط الحياة الحرة الكريمة لجميع المستضعفين في الأرض. هذه الأطر الجديدة لحركة التحرر المعولم لن تضع العقيدة الدينية ـ أسلامية أو نصرانية أو يهودية أو بوذية إلخ ـ في مركز بؤرة الفعل التحرري، لكنها لن تستغني عن كفاءة الطاقة الدينية في دفع حركة الشعوب المقهورة نحو آفاق جديدة لإستشراف المشروع التحرري الكوني الكبير. في هذا السياق سيتمكن الناس من تهيئة العالم لتجاوز حروب الشرق و الغرب أو حوار الحضارات و الأديان فيعمل فقراء المسلمين مع فقراء النصارى و فقراء اليهود و فقراء البوذيين و فقراء الهندوس وفقراء العلمانيين من كل أنحاء الكون معا على إستكمال غايات المشروع التحرري للجميع.و من كان يعرف يوتوبيا أرضية افضل من طرحي هذا فمرحبا ،لأن الغاية القريبة/البعيدة في نهاية التحليل تبقى تعريف منهج في العناية بأطفالنا الواقفين في مواجهة غول العولمة. ـ
سأعود ـ

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كنوز الإسلام في إفريقيا

مشاركة بواسطة حسن موسى »

" كنوز الإسلام في إفريقيا من تمبوكتو لزنزبار "

Tresors de l'Islam en Afrique
هو عنوان المعرض الضخم الذي نظمه معهد العالم العربي في باريس ابتداءا من 13 أبريل لغاية 30 يوليو 2017.
و المعرض عامر بآثار و وثائق و أعمال فنية قديمة و معاصرة ذات صلة بعلاقة الأفارقة بالإسلام
و قد لبيت دعوة المنظمين للمشاركة في المعرض بقطعة خط مصنوعة من أنابيب النيون المضيئة عنوانها
Nom de Dieu
و ترجمتها الأكثر إحتمالا :"يا إلهي" بنبرة تعجب.ذلك أن القطعة تتضمن آيتين قرآنيتين الأولى تقول" لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي"[ البقرة 256]، و الثانية تقول:"فخذوهم و اقتلوهم حيث وجدتموهم"[ النساء 89]
و مضمون العمل يسائل المسلمين المعاصرين في خصوص علاقتهم بالنص المقدس على ضوء الأحداث و التحولات المعاصرة التي لا يمكن ، و لا ينبغي ، لأحد تجاهلها.
أجد صعوبة في تحميل الصور فمعذرة. و يمكن مشاهدة صورة العمل في صفحتي بفيس بوك
hassanmusaonline



رابط للناطقين بالفرنسية [ حتى أتوفر على ترجمة موجزة]

https://www.youtube.com/watch?v=eQHiZ1OEvIs

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ماذا نصنع بالدسوقي؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »



و "من أين أتى" محمد صالح الدسوقي؟
خرج محمد صالح الدسوقي من غمار شبيبة زمن "الإنقاذ" ليحتل، بين عشية و ضحاها ، مركز المنازعة السودانية المتجددة أبدا عند تقاطع الدين و الصراع الطبقي.و " شبيبة زمن الإنقاذ" فئة مفهومية قاعدتها مركبة من سوسيولوجيا الإملاق المادي و الرمزي وأنواع القهر السياسي و بلاوي حروب العرق و الجندر المزمنة في بلاد السودان. هذه الشبيبة، التي لم تخبر سوى الأفق الإجتماعي القاتم ، الذي تتقاسمه خيارات الموت و الهجرة و المقاومة ، تجسد اليوم حالة القلق التي تعصف بمجتمع عربسلامي معاصر منبت بين القيم الثقافية البائدة و الفرص الحضارية الموعودة التي تبذلها ثقافة رأس المال المعولم. و في فضاء التوقعات القائم بين ذاكرة "الزمن الجميل" البائد و خيبات الزمن الجديد[إقرأ " السودان الجديد"] القادم من عكر الغيب، يتخبط عيال المسلمين بين المسوخ و الشناعات و الإشراقات الشحيحة الفانية التي تنوّه بإمكان الحلم الكامن بين مواريث الكوارث التاريخية التي تؤثث الذاكرة الغضة.ـ من ثنايا هذه التراجيديا يخرج محمد صالح الدسوقي على الإسلام، مثلما يدخل آخرون عليه أفواجا، مسحورين بوعود الخلاص في الجذب الصوفي أو في الفردوس الداعشي أو في الإرتزاق السياسي الغليظ و الأجر على الله.كان في وسع هذا الشاب الغاضب أن ينشد الخلاص الشخصي في الهجرة في بلاد الله الواسعة، أو أن يخرج مع جماعة سياسية مناهضة لتغيير النظام"الآن"، من نوع «  قرفنا» و «أبينا»و «عصينا» و" زهجنا" و "قرضنا"و غيرها من أشكال الغضب المؤقت، أو أن ينكفئ على حسراته في عزلة المخدر الرخيص، مثلما كان في وسعه الإنخراط في واحدة من حركات المعارضة المسلحة للنظام التي تخلّقت كـ "كلون" للجيش السوداني الذي تحاربه،أو أن يخرج وراء أجر الإستشهاد و عُشرة "بنات الحور" في جنة متعهدي شركة "داعش" العابرة للجنسيات. لكن هذا الدسوقي ـابن جيله ـ اختار شقاء البطل التراجيدي الذي يواجه قوى عاتية يعرف أن لا قبل له بهزيمتها لكنه يتمسك بموقفه حتى النهاية. و " البطل التراجيدي" مفهوم أدبي جادت به عبقرية الدراما الإغريقية لغرض عقلنة العلاقة العصيبة بين الإنسان الذي يتساءل عن معنى وجوده ضمن منظور الجبر و التخيير و هو في حضرة الآلهة التي تتملك مصيره بالكلية.هذا البطل التراجيدي هو مذنب و بريئ في نفس الوقت.مذنب لأنه يختار مواجهة الآلهة و بريئ لأنه يعرف أنه ـ في نهاية المطاف ـ لعبة في يد الآلهة تفعل به ما تشاء.و بصفته كـ "ولد مسلمين" أصيل ـ و "الناس على دين آبائهم" ـ فمحمد صالح الدسوقي يواجه المؤسسة الفقهية الحكومية و ذاكرته الدينية ملبّكة بأدب الشطح الصوفي المشاتر، بدءا من إسمه الفتـّان:["الدسوقي"] المشحون بمعاني " الفيض" في التقليد الصوفي الشعبي، [ عند أهله البرهانية الدسوقية الشاذلية]، و إنتهاءا بتربيته الدينية وفق مناهج التربية الدينية الفقهية التي حقنتها في ذاكرته الطفلة بروباغندا الإسلام الحضري الُمسَعْوَدْ على مراجع التقليد الوهابي.كل هذا التاريخ الشخصي و العام يهيئ بطلنا لهذه المواجهة التي روّعت عيال المسلمين في منابر التواصل الإجتماعي. وذلك لأن الدسوقي خاطب ممثلي السلطة الدينية طالبا منهم أن يشهدوا له بتحوله من دين المسلمين لمقام " اللادين".و مخاطبة الدسوقي لممثلي السلطة الدينية تنطوي إمّا على شجاعة كبيرة أو على حماقة أكبر، و وجه الشجاعة في موقفه في كون طلبه يقوم على استفزاز "هؤلاء الناس" الذين خوّلوا لأنفسهم ـ باسم الدين ـ سلطة قتل و رجم و بتر و صلب و جلد و فصل و إذلال كل مواطن لا يمتثل لإرادتهم الطبقية المتسربلة بسرابيل الدين. هذا الطلب الغريب،[ و"غريب الشيطان"]، كان سيؤدي بصاحبه لحبل المشنقة ،وفق "حد الردّة"، لو كانت مطالبة الدسوقي قد تمت في سنوات حكم نظام " الإنقاذ" الأولى،سنوات العسف الحالك التي كانت دولة الإنقاذ تقتل فيها المواطنين "من أجل حفنة دولارات"،[ على قول مولانا" سيرجيو ليوني"].أما وجه "الحماقة" [ و عفوكم حتى أجد عبارة أفضل من " الحماقة" ]، فهو في كون الدسوقي ، في سورة حماسه البطولي: غفل عن كون مخاطبته لسلطات المحكمة الشرعية تتضمن إعترافا يزكي إنتحالهم الجائر لسلطات خولتها لهم قوى سياسية [ وطنية و دولية] لا تتمتع بأي سند سياسي أو حقوقي أو أخلاقي بخلاف سند القوة الغاشمة.و هنا يمكن التنويه بموقف الأستاذ محمود محمد طه الذي انكر على قضاته حق محاكمته وفضح غياب اهليتهم الشرعية و الأخلاقية و الحقوقية.و تنويهي بموقف الأستاذ محمود محمد طه يفتح بابا للريح قد يضايق هذا الشاب الذي يشهر الخروج على الإسلام ، بينما خروجه في الواقع ـ واقع الخيارات الدينية التي تطرح الإسلام في صيغة الجمع [جمع الملل و الطرق و الطوائف و التيارات الدينية السودانية] ـ لا يعني غير نسخة الإسلاميين القابضين على السلطة السياسية في الخرطوم. و لهذا ساغ للصديق محمد عثمان أبو الريش، الذي ينطق عن خبرة النسخة " الجمهورية" من الإسلام ،أن يتحسر على غفلة المثقفين الذين اختلطت عندهم المفاهيم الإسلامية فـ " لم يميزوا بين الإسلام والإسلاميين". و في نظري الضعيف فالدسوقي لم يخرج على الإسلام و إنما خرج على الإسلاميين مدفوعا بعقيدة وطنية عربسلامية مغلـّفة بالدين أو كما جرت كلمات النشيد الوطني الرسمي :"نحن جند الله جند الوطن".و قد أشار الصديق محمد محمود في مقاله المعنون "الدسوقي الوجه الناصع لغد ناصع"،أشار للبعد الوطني في حركة الدسوقي في قوله :ـ "حمل هذا الشاب المغمور على كتفه الهمّ الكبير للوطن وقضيته الكبرى وارتفع لمستوى فِعْل لم يُسْبق إليه: فِعْل الخروج المعلن من الإسلام أمام محكمة تجسّد بطش نظام إسلامي هو من أكثر الأنظمة قهرا وعَسْفا وعُتُوا وانتهاكا للحقوق في عالم اليوم". هذا الإستقبال الوطني لحركة الدسوقي ينقلها من مقام المنازعة الدينة لمقام المنازعة السياسية المستعرة حول قضية الحريات الديموقراطية تحت ظل نظام يحمل قناع الدين ليشرعن مصادرة الديموقراطية باسم الشريعة، مثلما هو يستغل الدين ـ في حده العقابي ـ لإرهاب خصومه السياسيين.ـ
و الدسوقي محظوظ لأنه وصل في ظرف مناخ ثقافي ، محلي و عالمي، هيمنت فيه مفاهيم " حقوق الإنسان" و ما عاد الناس يقبلون فيه مصادرة السلطات السياسية لحرية التعبير بأي ذريعة.ـ و السرعة الفائقة التي انتشرت بها تطورات حركة الدسوقي عبر منابر التواصل الإجتماعي مع الرواج الكبير الذي حظيت به أكسباها وزنا رمزيا و إعلاميا مهما وفر نوعا من حماية عفوية لحق الدسوقي في مواجهة السلطات بمطلبه الجريئ.ـ
. لكن "نجاة" الدسوقي من حد الردة تجد تفسيرها في ملابسات السياسة السودانية الراهنة و مساعي النظام الإسلامي المهيمن في الخرطوم ، و في هذه اللحظة من عمر انمساخاته السياسية المتواترة، لتجميل وجهه السياسي أمام الإدارة الأمريكية التي وعدته برفع اسمه من "قائمة الدول الراعية للإرهاب" إن هو امتثل لشروطها.و في قلبها النكوص عن المشروع الديني الذي سوغ عليه نظام الإنقاذ انفراده بالسلطة في السودان وفي ذيولها التعاون مع الإدارة الأمريكية في محاربة الإرهاب و الإمتثال التام لتنمية رأس المال. و قد أوقع الدسوقي النظام في حرج كبير لأن مطلبه ، المناقض للنصوص الدينية ، هو ، نظريا، من المطالب التي يكفلها دستور 2005  لجميع المواطنين.
ـ" لكل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة، وله الحق في إعلان دينه أو عقيدتـه أو التعبير عنهما عن طريق العبادة والتعليم والممارسة أو أداء الشعائر أو الاحتفـالات ".ـ
و قد نجح نظام الإنقاذ في مخارجة نفسه من الحرج الديني و السياسي بإعلان بائس عن إختلال الصحة النفسية للدسوقي. حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية بالخرطوم ،[سونا]،أن النيابة العامة قد "شطبت اجراءات الدعوي (671/2017 ) من القانون الجنائي لسنة 1991 جريمة الردة والاخلال بالسلامة العامة فى مواجهة المتهم محمد صالح الدسوقي بعد ان تم عرضه على المستشار فى الطب النفسي والعصبي الذى اكد ان المتهم فى وضع نفسي غير ملائم اثر على قدرته النفسية والعصبية وقالت النيابة العامة في تصريح لوكالة السودان للانباء ان تقرير الطب النفسي واوصي باخراج المتهم من الحبس وادارجة فى المتابعة ببرنامج الارشاد النفسي. واشارت الي انه وبناء على تقرير الطيب النفسي المشار اليه سابقا توصلت النيابة الى ان المتهم يعاني من اضطرابات نفسية وغير كامل الاهلية للمساءلة الجنائية وذلك استنادا للمادة (8) من القانون الجنائي لسنة 1991 وعلية قررت النيابة شطب الدعوي الجنائية فى مواجهة المتهم واخلاء سبيله فورا وتسليمه الى ذويه لمتابعة العلاج مع الطبيب النفسي".ـ.
و بين " الشجاعة" و "الحماقة"ترد فرصة اليأس كخيار ثالث يملك أن يستميل قطاعات الشباب التي اوصلها فشل السياسة السودانية أمام حائط الإحباط و القبح و الحزن الذي يسد الأفق في وجه كل مبادرة حضارية متفائلةـ، و اليأس خطر كبير لا يهدد نظام الإسلاميين وحده و إنما يتجاوزه ليهدد تماسك المجتمع السوداني كله.ـ
ترى هل تنتهي حركة الدسوقي عند " تسليمه لذويه لمتابعة العلاج مع الطبيب النفسي" كما جرت عبارة "سونا"؟مندري؟ و الله كان ما نخاف الكضب فحركة الدسوقي ما هي سوى "قولة تيت" في مسلسل الحركات العجيبة القادمة من رحم الغيب والتي تترصد عيال المسلمين في أحوال دينهم و دنياهم و أنحنا قاعدين نراعي ساكت ،أو نقول :"محمد معانا ما تغشانا"أو نأوى إلى جبل يعصمنا من الماء و هيهات و ستين هيهات و كذا...ـ

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أدب " التباعد"

مشاركة بواسطة حسن موسى »




أدب " التباعد" :ـ

قلت في معرض حديثي السابق أن" الدسوقي محظوظ لأنه وصل في ظرف مناخ ثقافي ، محلي و عالمي، هيمنت فيه مفاهيم " حقوق الإنسان" و ما عاد الناس يقبلون فيه مصادرة السلطات السياسية لحرية التعبير بأي ذريعة"و.و الناس الذين أعنيهم هم جملة السودانيين الذين يحملون في ذاكرتهم السياسية تناقضات الدين و السياسة،[ منذ " الصراع بين " الفقراء" و " سلاطين الممالك الزرقاء مرورا بـ "الصراع بين المهدي و العلماء"، و واقعة حل الحزب الشيوعي أثر ما صار يعرف في المصطلح السياسي السوداني بحديث الإفك السوداني ومحاكم ردة الأستاذ محمود محمد طه و قوانين سبتمبر و إنقلاب الإنقاذ و حروب إعادة " أسلمة" الهوامش لغاية الحرب اليمنية التي يموت فيها عيال المسلمين السودانيين باسم تحالف السنة و الأجر على الله].هؤلاء الناس السودانيون تعلموا بالتجربة أن يتباعدوا من موضوع السياسة و الدين بطريقة تتيح لهم هامش مناورة آمن يقيهم عواقب الخسارة المجانية . و أنا استخدم العبارة " التباعد" : ـ"
Distanciation
في مدلولها البريختي الذي يتيح للممثل أن يلعب دوره دون أن يندمج فيه بالكلية و دون أن ينسى أنه ممثل يقف على الخشبة ضمن إتفاق طوعي بين الممثل و الجمهور لخدمة المصلحة المشتركة المرجوة من إنجاز العرض. من يتأمل في المناخ الثقافي المحلي الذي استقبل فيه السودانيون حركة الدسوقي يلاحظ نوعية الرشد السياسي الذي صان المناقشة العامة في وسائل التواصل الإجتماعي حول الدسوقي، صانها عن الإنحدار لمستوى هرج غوغائي من نوع المظاهرات التي يخرج فيها عيال المسلمين مطالبين بإهدار دم المتهم قبل محاكمته. فنحن نقرأ خصوم الدسوقي في منابر التواصل الإسفيري يدعمون وجهات نظرهم بحشد الحجج و النصوص الدينية التي تسوّغ تطبيق حد الردّة على الدسوقي بينما يحشد خصومهم من دعاة حرية العقيدة الحجج و النصوص العلمانية لإبطال مفعول حد الردّة و غيره من الحدود الدينية التي لم تعد تتماشى و روح العصر. فما الذي جعل المنازعة التي بدأت في مشهد الخطر الثقافي الذي يهدّد تماسك المجتمع العربسلامي في السودان تنمسخ لمجرد مناقشة " أكاديمية" حول التعارض بين النصوص الدينية و نص دستور 2005 العلماني؟ أظن ـ غير آثم ـ أن عيال المسلمين ـ في السودان و في غيره ـ أنهكوا أسئلة إصلاح العقيدة بالنظر النقدي اليومي و ذلك من خلال التحديات المفهومية المتلاحقة التي صارت تموضع المسلم بشكل يومي في قلب المنازعة الحضارية المعولمة لعصرنا. هذه المنازعة التي وضعت عيال المسلمين في طليعة المعارضين الفعليين لنظام رأس المال المعولم، هي في حقيقتها منازعة طبقية قديمة بدأت مع فجر الإستعمار، بين الفقراء الذين يدافعون عن حقهم في الحياة الكريمة و الأغنياء الذين يريدون تأمين امتيازاتهم المذنبة بالهيمنة على امكانات العالم و موارده.و المنازعة المعولمة في بلاد المسلمين المعاصرين [ من بلد الشيشان لأفغانستان للعراق ، لسوريا ،لـ لبنان ، لليمن، للصومال للسودان، لمصر، لـ ليبيا ، للجزائر،لنيجيريا و مالي ..] هي منازعة غير متكافئة الأطراف، المسلمون فيها يعانون بشكل مريع من عواقب ضعفهم التاريخي المادي و المفهومي.و معظم المعارضين المسلمين الواقفين في وجه حداثة رأس المال اليوم يسترشدون بأدب ديني حفرياتي و محافظ و متحجر تماما، بينما في مواجهتهم يقف النموذج الحضاري الذي تطرحه حداثة رأس المال مدججا بأقوى الأسلحة المادية و الفكرية. هذا الأدب الديني الذي يرفعه المعارضون المسلمون في وجه سدنة رأس المال المعولم و وكلائهم المحليين، هو بحر واسع عامر بأنواع التوجهات و المفاهيم المتناقضة التي تتطلب فرزا يؤهلها و يرفع كفاءتها المفهومية المقاتلة. هذ " الفرز" التاريخي الذي ينتظرعيال المسلمين، يملك أن يلهم البعض فرص هجران الدين كله، أو إبطال مفعوله في المشهد السياسي [ و هيهات]، مثلما يملك أن يلهم البعض الآخر قبول فكرة " إصلاح" الإسلام [ من باب" الدين تــلـْتـُـه و لا كـَتــلــْتـُه"]، كخطوة أولى نحو الخروج بالمجتمع المسلم من الأزمة الحضارية التي تكبل حركته و تقعد به عن المساهمة في المبادرة الحضارية المعاصرة .ـ.

و الدعوة لهجران الدين واضحة في ثنايا كلمة الصديق محمد محمود عن حركة الدسوقي.ذلك أن محمد محمود، إنما يتأنى لحظة عند محطة الدسوقي و يتأمل في حركته و يستثمرها في مبحثه الطويل الشيق حول ضرورة إبطال مفعول الدين في الحياة السياسية للمسلمين وعلمنته في حدود الممارسة الشخصية. [ «  الدين للإله و الوطن للجميع »]. و حتى أعود بتفصيل لمفهوم محمد محمود في تجاوز الدين يلزمني تنويه سريع بتعليق الصديق حاتم الياس الفصيح الذي يعقلن فيه ضرورة الدين في ساحة المنازعة الإجتماعية  المحلية و المعولمة:ـ "الدين في حياتنا مانصوص الردة والخمر والعقاب والترهيب والتكفير والاستتابه بس، ده حقيقة دين السلطة البتقمع بيهو الناس عشان تحكم ، الدين عندنا وزي ماقلت قبل كده انو لو بكره بس جا واحد قال مادايرين دين في السودان ده حايجوع نص السودان ويكوركو من التعب أرامل في البيوت ايتام كبار سن اسر كثيرة بجيها الدعم والسند بفكرة المراحمة وصلة الرحم الزكاة والصدقات والغمت الساي من الاقارب والاهل والبعرفوهم والمابيعرفوهم والمتأسين بقوله صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله يعني نص السودان ده هسع بياكل ويشرب (بأقتصاد الدين). طيب ليه الغرب الرأسمالي ده بيفتش لينا عن تأويل للدين مناسب لمقتضيات السلعة وحركة رأس المال؟ لانو السبب الاساسي هو الفتك بالبعد التضامني والاجتماعي للدين ده البيستند على فكرة (الأخوة الأسلامية) وانما المؤمنين اخوة، دي كلها شذرات بتفتح الباب نحو الأشتراكية او خلينا نقول للناس الحساسين من كلمة اشتراكية (عدالة اجتماعية) إذا بس عقلنا النظر للفضاء الديني ده خارج اوهام مناديب رأس المال المعولم سياسيا وايدلوجيا في السودان". في هذه المنازعة المبطنة بين فكرة هجران الدين التي يقول بها محمد محمود و فكرة صيانة «  تلت الدين » التي يقول بها حاتم الياس يقف كل من محمد محمود و حاتم الياس على مسافتي تباعد مفهومي تتيح لكل طرف إعمال آلية فرز نقدي موضوعها إصلاح الدين ، لا من وجهة نظر الـ " حقيقة " الإيمانية و إنما من وجهة نظر المنفعة الإجتماعية البراغماتية. و في مربط الفرز نقف جميعنا من مسافات تضيق أو تتسع حسب حساب المصالح و المطالح في منازعة الدين و الصراع الطبقي التي تغمرنا في كافة أحوال حركتنا و سكوننا.ـ

سأعود


….....
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و أدب الظاهر

مشاركة بواسطة حسن موسى »





و أدب الظاهر


اتفق كثي من المعلقين على حركة الدسوقي على أن الأمر الجوهري فيها ليس مطالبة الدسوقي بشهادة هوية رسمية من "سلطات الإختصاص" تفيد بلا دينيته، و إنما هو في كونها تضيئ التناقض بين الدستور،[دستور2005]، و النصوص الدينية.، و في هذه العجالة لا أريد التأكيد على الموضوع السياسي لهذه المنازعة و قد سارت به الركبان، و إنما غرضي هو التأني عند البعد الديني لها و قد أهملته ركبان المعقبين المعنيين و في مقدمتهم هذا الدسوقي نفسه ، حين يقول :ـ »وأنا قلت عندما سألوني وقالوا لي أنت تدعو للحرية فقلت لهم، نعم أنا ادعو إلى الحرية والحرية تعني انه يحق لكل إنسان أن يمارس ما يريده. « ـ
أنظر الرابط
https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-276709.htm


:

ـ»بالنسبة لي رفض الدين وسيلة وليس غاية لم اقصد الاساءة أو جرح مشاعر احد ،ولو حدث ذلك اعتذر ».ـ
.أنظر الرابط
https://www.altaghyeer.info/البارون-للتغيير-الإلكترونية-هذه-هي-أس/
ـ
و إعتذار الدسوقي عن " رفض الدين" لأنه لا يرغب في "جرح مشاعر" المسلمين لا يخلو من مكر [أبيض؟]بعيال المسلمين، فكأنه زهد فجأة في " شيل وش القباحة" بعد أن تكشف له مدى الأذى الـ"كولاتيرال" الذي أصاب أهله المسلمين من جراء طلب الحرية، فانطلق يطالبهم بـ " باركوها يا جماعة"و "أنا ما قاصد كدا" ،و" لكم العتبى حتى ترضون" ،أو حتى : "الكيشة دقه و اتعذّر له"و غير ذلك من كلام الشعراء.طبعا الدسوقي لم يتحسب من كون ساحة العمل العام عامرة بالأشخاص الذين قد لا يبالون ،حين يتعلق الأمر بالدفاع عن الحرية و الديموقراطية و حقوق الإنسان، لا يبالون بجرح مشاعر عيال المسلمين.وهؤلاء الناس الذين يمارسون السياسة في ساحة العمل العام، لا يبالون بمشاعر السوقي نفسه حين يتعلق الأمر بإستخدام حركته في العمل السياسي الممنهج.ـ
و في مشهد استخدام حركة الدسوقي.
تعددت استجابات أهل الرأي بتعدد مواقفهم السياسية من الوضع الراهن في السودان . و قد لمست أن أغلبهم لم يهتم بالمآل الشخصي للدسوقي الذي وكّر نفسه في هذه الحركة الغريبة، و " ما غريب إلا الشيطان"[تاني؟].و غربة خركة الدسوقي ، في نظري الضعيف، تتأتى من كونهاتصدر عن موقف وجودي ممعن في فرادته و خصوصيته، بينما هي تثير استجابة عمومية ممعنة في عمقها السياسي.والدسوقي هنا يعارض اسئلة الإيمان الذاتية بأسئلة السياسة الموضوعية.ربما لأن حركته ـ في هذه اللحظة التاريخية من تطور قضايا الإيمان في تقاطعها مع قضايا السياسة السودانية ـ تتجاوزحالته الشخصية لتنطرح كحالة عامة تلامس حساسية جيل بأكمله تربى تحت سمع و بصر و هيمنة ما صار يعرّف بعبارةـ " الإسلام السياسي" .[أعمل حسابك من عبارة «  الإسلام السياسي »دي فالدين كله سياسي، في الجذور كما في التفاصيل] بما في ذلك الأديان التي تزعم أنها تعطي ما لقيصر لقيصر و ما لله لله.أقول :لم يعتن أحد بغير بُعد السياسة في حركة الدسوقي،ربما لأن المضمون السياسي لحركة الدسوقي يتيح لهم طرح تفاكيرهم السياسية على مسند موقفه في ساحة العمل العام.أو كما عبر الصديق محمد محمود
:ـ"وما فعله الدسوقي على هذا المستوى، مستوى تحرير وعيه واكتسابه لاستقلاله الفكري، ليس بالطبع بأمر فريد لا سابقة له --- فالسودانيون يوجد بينهم عدد من اللادينيين من كل الأجيال، بما في ذلك جيل الدسوقي، وهو عدد لا نعرفه بالضبط في الوقت الحالي وليس من الضروري في تقديري أن نعرفه لأن القضية الأساسية في نهاية الأمر هي إقرار مبدأ حرية الفكر والتعبير وتوطينه في القوانين وبذا نساوي بين كل المواطنين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين". و قد استرعت انتباهي عبارة محمد محمود التي يفرز فيها بين القضية "الأساسية" التي يعرفها بـ" إقرار مبدأ حرية الفكر و التعبير" و المساواة بين كل المواطنين مؤمنين أم غير مؤمنين، و القضية الأخرى ،و لنسمها بـ "الثانوية"، التي تتعلق بفحص وضعية اللادينيين في السودان.و أنا لا أجادل في أولوية إقرار مبدأ حرية الفكر و التعبير كهدف سياسي جليل،لأني أعتبر نفسي بين الناشطين المهمومين بضرورة إقرار مبدأ حرية الفكر و التعبير في السودان و في غيره. لكني أعتبر أن ظاهرة اللادينيين السودانيين الخارجين من رحم الجماعة العربسلامية ـ و في هذا الظرف التاريخي ـ أمر يستحق عناية خاصة ،لأن عواقبه الفكرية و السياسية تملك أن تنطوي على مردود سياسي جبار في خصوص حركة النضال من أجل إقرار و توطين مبدأ حرية الفكر و التعبير في حياتنا العامة،و من أجل تخليق خطاب نقدي يفند حجج الغوغائية الدينية في ساحة السياسة السودانية.و قد أشار محمد محمود في كلمته لغياب الخطاب النقدي من حياتنا السياسية. يقول محمد محمود : » صحيح أن الكثيرين رأوا بأم أعينهم خواء الحلّ الإسلامي وبؤسه وفقد الكثيرون إيمانهم بالإسلام إلا أن وعيهم هذا لم ينشىء خطابا جديدا مستقلا ونشطا في مواجهة الإسلام في المجال العام واكتفت حركة المعارضة بالتعبير عن نفسها بلغة الخطاب التقليدي للمعارضة السياسية. وهذا الخطاب التقليدي للمعارضة تجنّب بشكل عام التصدي للوجه و الديني للنظام كما تتمثّل في المادة 126 (مادة الرّدّة) وعقوبات الشريعة".ـ
و كلمة محمد محمود القصيرة تنطوي على برنامج طموح لتجاوز الدين، و لا جناح، فمشروعه الفكري قائم على نقد الدين في مبدأه و التأسيس لمجتمع لاديني،و لهذا وجدناه ، لعقود، في طليعة المثقفين المعارضين لسلطة الدين السياسية، الذين هبوا لدعم حركة الدسوقي، كونه وجد فيها فرصة نادرة لدحض الفكرة الدينية بذريعة تناقضها مع مبادئ الحياة الحديثة من حرية و ديموقراطية و حقوق إنسان إلخ. يقول محمد محمود :ـ ». وَضَعَ الدسوقي المحكمة ونظامها أمام مطلب حرية فكرية ملحّة وضاغطة تريد أن تتجسّد فعلا حرّا يتحرّك في واقع الناس، وهو مطلب ظلّ الإسلام يرفضه ويواجهه بالعنف عبر كل تاريخه الذي تلا لحظة تأسيس محمد لدولته وإعلانه للجهاد. ولقد ظلّ الكابوس الذي يلاحق الدولة الإسلامية طيلة تاريخها ويهدد بكشف خوائها هو تلك اللحظة التي يواجهها فيه فرد مواجهة علنية بخروجه من الإسلام. ولقد اعتمدت الدولة الإسلامية ومنذ فترة محمد على تواطؤ بينها وبين غير المؤمنين وهو ألا تمسهم بأذاها طالما ارتضوا أن يكونوا منافقين يتظاهرون بالإسلام ويستبطنون لاإيمانهم --- وهكذا كان النفاق وظلّ وضعا متلاءما مع مصالح الدولة الإسلامية إذ ساهم في حفظ تماسكها واستمرارها. ولا نشكّ أن سدنة المشروع الإسلامي في السودان ومنذ لحظة انقلابهم ظلوا يرتجفون هلعا من كابوس احتمال تلك اللحظة التي ينقلب فيها مواطن سوداني على التواطؤ النفاقي ويكسر حاجز الصمت والخوف من الإسلام فيتكشّف بؤس المشروع وتتكشّف هشاشته الفكرية ».ـ

و " التواطؤ النفاقي" عبارة مفتاحية يلتقي عندها ـ مع محمد محمود و الدسوقي ـ عدد كبير من نقاد الشريعة التي لا تعنى بغير الظاهر.و محمد محمود يعرف أن الشريعة ما هي سوى مجموعة من القوانين التي تنظم علاقات المسلمين ضمن ظاهر الواقع الإجتماعي. بعد داك "اللي في الألب في الألب" على قول أهلنا المصارنة. و بهذه الصفة فالشريعة إطار قانوني ينظم الحقوق و الواجبات على الأرض وفق مصالح الجماعة [ الطبقة؟]التي تواطأت على قبولها و الإحتكام لنصوصها.و في هذا المنظور فموضوعة " النفاق" ، أي إظهار المرء غير ما يبطن ، غير واردة في حسابات المشرع المسلم لأن الشريعة لا تعنى بالفكرة الوجودية لـ  "حقيقة" الإيمان الذي في دخائل الناس، و الذي تستحيل معرفته لغير صاحبه.الشريعة تبدأ من الإعتراف بـ "النفاق" كواقع تنظم على أساسه علاقات الحقوق و الواجبات، و لذلك فهي لا تستغني عن مبدأ العقاب الرهيب و التخويف بالوعيد في جهنم أو الإغراء بالخيرات المادية و الملذات الحسية في الجنة. و في الحالتين يبقى المسلم أبعد ما يكون عن حقيقة الإيمان ككدح روحاني بلا نهاية.و في هذا المشهد يمكن فهم منطق الحد الأدنى، "حد الظاهر" الذي يلتئم عليه جمع الأمة على تباين حظوظ الناس من الحقيقة الإيمانية.على هذا الحد الأدنى نجح الرسول في بناء المجتمع المسلم بجهد الرجال و النساء الذين اكتفوا من الدين بظاهر الشريعة البيّن و زهدوا في ارتياد منطقة "الأمور المشتبهات".أو كما قال" أن رجلا سأل رسول الله[ص]فقال :أرأيت إن صليت المكتوبات و صمت رمضان و أحللت الحلال و حرّمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ قال : نعم"ـ[ رواه مسلم] . .ـ.
هذا " الحد الأدنى" الذي يزهّد الناس في مقاربة التركيب المفهومي للدين الذي انبنى على مواريث الديانات التوحيدية الكبيرة، هو "حصان طروادة " براغماتي الذي ينتهز عليه المتوسلين بالدين في ساحة المنازعة السياسية فرصة تمرير أجندتهم الطبقية للإستيلاء على السلطة و قهر الخصوم بحجج غوغائية ممعنة في بساطتها.ـ المشكلة هي أن العالم المعاصر لم يعد يقبل البساطة التي كان العربان المتأسلمين يسوغون عليها استحقاقهم للجنة.ـ العالم المعاصر يقتضي منا ـ مسلمين أم غير مسلمين ـ أكثر من مجرد إحلال الحلال و تحريم الحرام. العالم المعاصر يقتضي منا التفكير، و بناء المضامين الإنسانية التي تحترم قدر الإنسان الخلاق فينا كلنا.
و لو كان هناك تحدي ينتظر عيال المسلمين في هذا المنعطف الكبير من تطور المجتمع الإنساني المعاصر فهو في الإرتقاء بفكرهم لمستوى التعقيد المطبق على العالم المعاصر.ـ
.اليوم و تحت شروط الخواء الفكري السائد نجد أن أعدادا لا بأس بها من جيل « فيس بوك » و شركاه قد فلتت من قبضةالآيديولوجيا الدينية الغوغائية للإسلاميين المهيمنين سياسيا في عدد من مجتمعات المسلمين المعاصرين.لكن فلتان هؤلاء الشباب من قبضة الآيديولوجيا الإسلامية السلفية يطرح المزيد من الأسئلة العويصة حول طبيعة الفضاء الآيديولوجي، الديني أو اللاديني، الذي سيهبطون عليه.و هو سؤال أتوسم في محمد محمود ـ بعلمه و بخبرته الطويلة في مبحث الدين ـ أن يوليه عناية أكبر تثمر لصالح تنوير الخواطر الشابة بأكثر من أدب التضامن السياسي الجاري.ـو أدب التضامن السياسي ضد قوانين و سياسات نظام الخرطوم الحالي مطلوب و ضروري ، لكن أدب التضامن السياسي مع المناضلين الواقفين في وجه سياسات نظام الخرطوم لا يؤدي ما لم نسنده بالتفاكير التي تعقلن أسباب طول عمر هذا النظام الذي " طلّع دين السودانيين" و اعتقله في "بيوت الأشباح" و في بيوتات الإنتهاز السياسي العشوائي، المحلية و المعولمة، و " رزق اليوم باليوم"، يوم مع إيران ضد السعودية ، و آخر مع السعودية ضد اليمن و ثالث مع قطر أو مع تركيا ضد مصر و رابع مع أمريكا ضد الإرهاب و الأجر على الله .و أظن ـ آثما ـ أن محمد محمود من جراء إقامته الطويلة بين أحداث و ايقونات تاريخ دولة المدينة أهمل النظر في جيوبوليتيك الشرق الأوسط المعاصر الذي يخلّق إنمساخات الأنظمة الإسلامية و يروّع مجتمعات المسلمين بتلاوين العنف المادي و الرمزي غير المسبوق.إن نظام الإنقاذ السوداني ما هو سوى " كراع فروة ساكت" في منظومة الأنظمة الشرقأوسطية القوية التي انبهطت و انبطحت تماما أمام شروط دوائر رأس المال المعولم.و في هذا المشهد يمكن عقلنة آخر إنمساخات نظام الإنقاذ أمام وعود أمريكا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.أعني هذا الإنمساخ الذي كشفته حركة الدسوقي و قضاته، الذين مازالت اياديهم "ملطخة بدماء المسلمين".لكنهم صاروا يتحرجون من إقامة "حد الردة" على شاب أعزل يشهر في وجوههم سيف الإستفزاز العلماني.لماذا؟ لأن المعايش صارت جبارة في دولة مجرمة استغنت بأجهزتها البوليسية عن حكم المؤسسات و فقدت مقومات الدولة فانحترت سيرتها و انبترت في جحر الكبير فيهم. .أقول قولي هذا و أنا عارف بأن محمد محمود ما فاضي لينا "شهرين سجن" لكنها حيلة العاجز...ـ

في كلمة حاتم الياس " الخليفة الماركسي"، التي يدافع فيها عن "الدين في بعده الإجتماعي"، ـ   تجاهل واضح للبعد الديني في حركة الدسوقي. و هو موقف عبر عنه معتصم الأقرع في إعلانه المبدئي الحازم :ـ
"..لا أعرف من هو البارون ولا أعرف شيئا عن تاريخه ولا تفاصيل ما حدث ولا يهمني ان أعرف. « .. » الا انه وفي كل الاحوال لا يمكن الالتفاف حول حقه في حرية الاعتقاد كحق اصيل من حقوق الانسان غير المشروطة بمدي ذكاء البارون ولا بدوافعه ولا برأينا المسبق واللاحق فيه كانسان يشاركنا ظهر هذه البسيطة. أذا فهذا المقال ليس عن البارون كشخص وانما هو عن كل من مال عن
الدين الرسمي المهيمن في لحظة تاريخية وواجه سيف التكفير .. ».ـ

« أنا"من "أنا"؟


و فيما وراء تعليقات المعلقين فالدسوقي ّ يشرّك و يحاحي" في نفس الوقت، كونه يصرّح بفشل الدين في تقديم الإجابات المقنعة لأسئلة العصر و كونه مستعد ،ايضا، للإعتذار للمسلمين عن جرح مشاعرهم بسبب تصريحه الجريئ، و هو يطلب من قضاة المحكمة الشرعية ان يمنحوه شهادة بـ «لا دينيته»، على طريقة غير المسلمين الذين يشهرون إسلامهم أمام قاضي المحكمة الشرعية فيمنحهم الرجل شهادة بإنتمائهم للجماعة المسلمة ـو في نفس الوقت يقول،"الدين ليس مشكلة" في الحوار الذي أجرته معه أمل هباني لصحيفة “التغيير الإلكترونية”:
« ..


انا لا مشكلة لي مع تدين المجتمع لكن اطالبه بأن يتوافق ذلك مع العصر الحالي لا أن يكون بشكله القديم المتوارث ولا أن يكون وسيلة لقمع حريات الآخرين والضغط عليهم .اللادينية هي خيار شخصي بالنسبة لي وليست قضيتي الاساسية قضيتي هي الحرية الدينية ..والالحاد نفسه مرحلة بحث بالنسبة لي لو وصلت خلال عام أو عامين من بحثي أن الاسلام هو الحق سأرجع لأنه ليس لدي مشكلة مع الاسلام .الدين ليس مشكلة لكن يجب أن يحدث فيه تجديد يتواءم مع العصرية"ـ

و حين تسأله أمل هباني :ـ"وهل مثل سؤال الدين هاجسا بالنسبة لك ؟"فهو يجيب :ـ
ا
"أنا كنت عاديا ..ووجدت في النت مواقع تثير سؤال الدين وتتناقش حوله ثم توسعت بقراءة كتب عديدة ولم اجد في الدين اجابة مرضية لأسئلتي ولتصور العالم والوجود .وحتى شكل التدين لم يقنعني واحكام الدين نفسها ليست مقنعة".ـ

و وراء التضارب الظاهر في آراء الدسوقي يقرأ المراقب المتأني حركة الدسوقي كشكل من أشكال تطور المزاج النيتشوي بين هذا الجيل من عيال المسلمين الذين يسرت لهم وسائل التواصل الإجتماعي فرصة أن ينطق اي منهم عن ضمير المتكلم المفرد المستبد برأيه مثلما يسّرت لهم حق التفكير بصوت مسموع. و هي أمور لم تكن في متناول جيل الآباء، الذين كانت الكتابة و التعبير عن الرأي الشخصي عندهم أمورا لا تتيسر إلا لذوي الحظوة الإجتماعية و الأدبية العالية أو لذوي المزاج المتقحّم المصادم و هم قلة.ـ
فالدسوقي لا يتردد و لا يستغفر حين يقول ـ من علياء سنواته الأربع و العشرين ـ و في عفوية كبيرة:"لا ..انا اعبر عن خطي وحدي"ـ
أو :"أنا ذكرت في منشوري".ـ
أو " « القضية أنا احددها لنفسي ولا اسمح أن يحددها لي الآخرون أو يحددوا اولوياتي أو ماذا افعل".ـ
أو :،" انا لم اصل لقناعات مرضية في الدين الاسلامي".ـ
أو :ـ" أنا ضد السلطة التي تمارس كل سوءها عبر الدين".ــ

و حين نبحث في ثنايا الأقوال القاطعة عن المتاع المفهومي النقدي الذي يؤهل الدسوقي للخوض في أمواه العقيدة و السياسة المعاصرة لا ينوبنا من البحث سوى إشارات هشة عن رحلة مصطفى محمود المزعومة بين الشك و اليقين أو بعض مأثورات مقرر الفلسفة المدرسية. في حين أن معتصم الأقرع لا يتوانى عن الزج بالدسوقي في زمرة المصلحين الدينيين العظام الذين لم يعتذروا عن ميلهم عن الدين الرسمي و واجهوا سيف التكفير مثل" ابوالعلاء المعري , ابن الراوَندي وأبو حَيان التوحيدي , الجاحظ , طه حسين , نصر أبوزيد , الحلاج , بن رشد , سيد القمني , نصر ابوزيد , خليل عبدالكريم , حامد عبدالصمد وكل جحافل المهرطقين والزنادقة والمصلحين في تاريخ الاسلام الِي سيد شهداء حرية التدين في العصور الحديثة الاستاذ محمود محمد طه « ـ
طبعا حماس معتصم الأقرع و أريحيته المفهومية، التي تبيح له ترفيع حركة الدسوقي لمقام الهراطقة العظام تجد تفسيرها في كون الأقرع لا يهتم كثيرا بالنظر في حالة الدسوقي الفردية لكنه يختزله لمجرد رمز لصراع المتدينين و العلمانيين في مسرح السياسة السودانية. و لا أدري إن كا الأقرع يسدي للدسوقي معروفا فكريا أم هو يحمّله قنبلة زمنية ستنفجر في وجهه يوما ما..

كم هو بعيد ذلك الزمان الذي كان الكاتب فيه يقتل موضوعه بحثا ثم يحمل جثة المكتوب يطوّف بها على القراء المؤازرين المحتملين المشتتين في متاهة الشك قبل أن يدفع بها لنزق ناشر قد ـ و قد لا ـ ينشرها على ملأ القراء.و شكرا لتقنية الإتصالات التي وضعت بين يدي الشباب من المفاتيح ما يكفي لفتح كل باب تجيئ منه الريح. و تلك حظوة كبيرة تشرفهم مثلما هي لعنة مرموقة تلاحقهم ،"سيك سيك معلّق فيك"، و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.ـ.


سأعود
…......
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

اليوم خمر و غدا خمر نوبروبلم

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و أنا أقلب صفحات فيس بوكو قادتني الصدفة " السرنديبية" لصفحة مامون التلب و راقت لي فيها كلمة كمال الجزولي المنشورة في (الممر) بصحيفة (السوداني) ،تحت عنوان :ـ
):
وَبَدَتْ كَأْسِـي بَقَايَا مِـنْ حُطَامْ!
و أنا أثبتها هنا ـ بعد إذن كمال ـ كونها وقعت لي في جرح طويل و عريض يتمدد بين محيط و مخيط مجتمع المسلمين المعاصرين ،كونها من جنس الكلام النجيض الفارز الذي يحتاجه عيال المسلمين و قد أمسك بخناقهم أخطبوط الغوغائية السياسية المتسربلة بالدين فأفسدت عليهم أمور دينهم مثلما أفسدت عليهم أمور دنياهم.وفي خاطري استدراك تفاكير منسية في خصوص ما نصنع بمواريث الثقافة العربية في تمازجها النهائي بالعقيدة.

كتب كمال :ـ
(1)
ساءني ، في حلقة الثاني من يونيو من البرنامج الرَّمضاني (أغاني وأغاني)، لصاحبه الفنَّان القدير السِّر احمد قدور، أن المغني البارع عاصم البنا شوَّه أداءه الجَّميل لرائعة أبو داود الخالدة (هل أنت معي)، من كلمات الشَّـاعر المصـري محمَّـد عـلي أحمـد، والحـان الموسـيقار برعـي محمَّـد دفـع الله، بتصرُّفه غير الحميد في بعض مواضع القصيدة، وتحديداً في الأبيات التي تقول:
"سَكِـرَ السُّـمَّارُ والخَمَّـارُ فِـي حَـانِ الغَـرَامْ
وأنا الصَّاحِي أرَى فِي النُّورِ أشْبَاحَ الظَّلامْ
وبَدَت كَأْسِـي عَلَى رَاحِـي بَقَايَا مِـنْ حُطَامْ"
وكذلك البيت القائل:
"عَـادَ بِي الوَجْـدُ إِلَى لَيْلِي وكَأْسِـيَ مُتْرَعِ"
اتَّخذ ذلك التَّصرُّف شكل التَّفادي المقصود من البنَّا لكلِّ التَّعابير التي تفيد (صورة الخمر) الشِّعريَّة ودلالاتها. وبدا أن لقدور يد طولى في الأمر، بدليل عدم اكتفائه، لدى انتهاء الأغنية، بالإشادة بالأداء، بل أضاف، أيضاً، استحسـانه للتَّصـرُّف المشار إليه، ناسـباً إياه إلى البنَّا.
مهما يكن من شئ، فالغالب أن ما دفع لذلك إحساس عارم بحرج ديني غير مبرَّر صوَّر لقدور، او للبنَّا، أو لكليهما، أن التَّغني بالخمر، أو بأيٍّ من ترميزاتها في القصيدة، كالكأس، والسُّكر، والحان، والخمَّار، هو ضرب من (المحرَّمات)، بخلاف ما استقرَّ من شعر على هذا الصَّعيد، ضمن مشمولات الثَّقافة العربيَّة، بل ومن شعر (صوفي) ضمن مشمولات الثَّقافة العربيَّة (الإسلاميَّة)، تحديداً، كما سنرى.
(2)
الخمر، لغةً، الحجب والتَّغطية. وتُصنع من نقيع مختلف صنوف الفاكهة، كالبلح والعنب، مثلاً. وسُمِّيت خمراً لأنها تخامر العقلَ، وتغيِّبه عن الإدراك. ودرءاً لأيِّ سوء تفاهم غير مرغوب فيه، نسارع للإقرار بأن (صورة الخمر) في الشِّعر العربي ليست على وجه واحد، وإنَّما على ثلاثة وجوه، أحدها حقيقي، والآخر مجازي دنيوي، والثَّالث مجازي صوفي.
فأمَّا على الوجه الأوَّل فقد خلدت الثَّقافة العربيَّة، ضمن الكثير من محمولاتها الشِّعريَّة، ضرباً من الغنائيَّات والتَّراكيب الوصفيَّة للخمر، فغالت في التَّفنُّن في تصويرها، وفي مدحها، وفي التَّولُّع بها، بل وفي التَّرغيب فيها، والإغواء بمعاقرتها، تركيزاً على دلالاتها الواقعيَّة المباشرة، كاللذة الحسِّيَّة، والنَّشوة الجَّسديَّة، وما إلى ذلك. ولعلَّ أكثر من خَلَدَ ضمن رموز هذا الضَّرب من القول الشِّعري، في الثَّقافة العربيَّة عبر القرون، امرؤ القيس، من العصر الجَّاهلي، ومن أشهر إنشاده: "فَظَـلِلْتُ فِـي دِمَنِ الدّيََارِ كَأَنَّنِي/ نَشْــوَانُ بَاكَـرَهُ صَـبُوحُ مُـدَامِ/ أَنِـفٍ كـَلَوْنِ دَمِ الغَـزَالِ مُعَـتَّقٍ/ مِنْ خَمْرِ عَانَةَ أوْ كُرُومِ شَبَامِ"؛ وكذا أبو نواس من العصر العبَّاسي، ومن أشهر قوله: "ألا فَاسْقِنِي خَمْرَاً وقُلْ لِي هِيَ الخَمْرُ/ ولا تَسْقِني سِرَّاً إذا أمْكَنَ الجَّهْرُ/ فَمَا العَيْشُ إلا سَكْرَةٌ بَعْد سَكْرَةٍ/ فَإِنْ طَالَ هَذَا عِنْدَه قَصُـرَ الدَّهْـرُ/ ومَا الغُبْنُ إلا أَنْ تَرانِيَ صَـاحِيَاً/ وما الغُنْمُ إِلا أنْ يُتّعْتِعَنِي السُّـكْرُ".
وأمَّا على الوجه الثَّاني فقد خلَّدت هذه الثَّقافة ضرباً آخر من الاستعارات لـ (صورة الخمر)، وما ينتسب إليها، ويترمَّز بها، كناية عن العشق، والهيام بالمعشوق، حدَّ الاستغراق في السُّكر (المعنويِّ) بحبِّه. فلئن (حرَّمَت) الرِّسالة المحمَّديَّة، في تاريخ لاحق، ذلك الوجه الأوَّل، المادح للخمر من حيث دلالتها (الماديَّة)، والمحرِّض على معاقرتها بالمعنى المباشر، فإن النَّقد العربي لم ير بأساً بالوجه الثَّاني الذي اعتُبر، رغم دنيويَّة الاستخدام المجازي لرمزيَّة الخمر، وما يلتحق بها، مِمَّا لا حرج فيه، من زاوية (التَّحليل والتَّحريم)، فإنَّما يستخدم الشَّاعر ألفاظاً عربيَّة، في صور مجازيَّة، يدلِّل بها، فحسب، على مدى استغراقه في العشق والهيام.
وقد راكم المدى المتقارب لهذين الوجهين، الأوَّل والثَّاني، نتاجاً شعريَّاً دنيويَّاً ضخماً منذ عصور ما قبل الإسلام، مروراً بعصر النُّبوَّة، والعصر الأموي، والعصر العبَّاسي، وما أعقبهما حتَّى العصور الحديثة، فدخل (ديوان العرب) باسم (الخمريَّات).
(3)
ومن نماذج تلك (الخمريَّات) الدُّنيويَّة، في الجَّاهليَّة، إضافة إلى ما أوردنا من إنشاد امرؤ القيس، قول لَبيدٍ: "إِذَا شَرِبُوا صَدُّوا العَوَاذِلَ عَنْهُمُ/ وكانُوا قَدِيمَـاً يُسْكِتُونَ العَوَاذِلا"؛ وقول طرفة بن العبد: "ومازَالَ تَشْرَابِي الخُمورَ ولَذَّتِي/ وبَيْعِي وإِنْفَاقِي طَرِيفِي ومُتْلِدي". ومن فترة نهايات الجَّاهليَّة وبواكير ظهور الإسلام نسوق قول المخضرم كعبٍ بن زهير: "نَشْـفَى بِهَـا وهـيِ دَاءٌ لَـو تُصـاقِبنَا/ كَمَـا اشْـتَفَى بِعـِيَادِ الخَمْـرِ مَخْمـُورُ"؛ كما نسوق قول الخنساء في المشهور من رثائها لأخيها صخرٍ: "فَقُمْـتُ وقَــدْ كَـادَتْ لِرَوْعـةِ هُلْكِــهِ/ وفَـزْعَـتِهِ نَفْسِـي مـِن الحُـزْنِ تَتْبَعُ/ إلَيْــهِ كَـأنِّـي حَـــوْبَـةً وتـخَــشُّــعـاً/ أخُو الخَمْرِ يَسمُو تَارَةً ثُمَّ يُصـْرَعُ"؛ بل ونسوق حتَّى قول حسان بن ثابت، شاعر الرسول (ص): "ونَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنا مُلُوكَاً/ وأُسْدَاً مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ"؛ وكذلك قوله: "ولَقَدْ شَرِبْتُ الخَمْرَ فِي حَانُوتِهَا/ صَهْبَاءَ، صَافِيَةً، كَطَعْمِِ الفِلْفِلِ"؛ وقوله أيضاً: "فَاشْرَبْ مِن الخَمْرِ مَا آتَاكَ مَشْرَبُهُ/ واعْلَمْ بِأَنْ كُلُّ عَيْشٍ صَالِحٍٍ فَانِ". كما أنشد الحطيئة، المخضرم الآخر، واصفاً الخمر وصفَه للحُليِّ، قائلاً: "إِلى طَفْلَةِ الأَطْرافِ زَيَّنَ جِيدَهَا/ مَعَ الحُلْيِ والطِّيبِ الجَّاسِدُ والخمرُ"؛ وأنشد الأخطل في العصر الأموي: "بَانَ الشَّبابُ ورُبّما عَلّلْتُهُ/ بِالغَانِيَاتِ وبِالشَّرَابِ الأَصْهَبِ".
بذات القدر تكثر نماذج (صورة الخمر) في الشِّعر العربي المعاصر، ومن ذلك، على سبيل المثال، قول معروف الرّصافي: "تَمِيلُ بِقَدِّكَ خَمْرُ الدَّلالْ/ فَيَضْحَكُ فِي مَيْلِهِ الاعْتِدَالْ"؛ ويشبِّه شوقي بها الزَّمانَ قائلاً: "لَمْ نَفِقْ مِنْكَ يَا زَمَانُ فَنَشْكُو/ مُدْمِنُ الخَمْرِ لا يُحِسُّ الخُمَارَا/ فَاصرُفِ الكَأسَ مُشْفِقَاً أو فَوَاصِلْ/ خَرَجَ الرُّشْدُ عَنْ أَكُفِّ السُّكَارَى"! كما يمدحها محمود سامي البارودي بقوله: "تَسِمُ الْعُيُونَ بِنَارِهَا لَكِنَّهَا/ بَرْدٌ عَلى شُرَّابِهَا وَسَلامُ"؛ ويتشوَّق حافظ إبراهيم لمجلسها قائلاً: "وادْعُ نَدْمَانَ خَلْوَتِي وائْتِنَاسِي/ وتَعَجَّلْ واسْبِلْ سُتُورَ الدِّمَقْسِ/ واسْقِنَا يَا غُلامُ حَتَّى تَرَانَا/ لا نُطِيقُ الكَلامَ إلاّ بهَمْسِ/ خَمرةً قِيلَ إنّهُمْ عَصَرُوهَا/ مِنْ خُدُودِ المِلاحِ فِي يَوْمِِ عُرْسِ/ مُذْ رَآهَا فَتَى العَزِيزِ مَناماً/ وهو فِي السِّجْنِ بَيْنَ هَمٍّ ويَأْسِ/ أعْقَبَتْهُ الخَلاصَ مِنْ بَعْدِ ضِيقٍ/ وحَبَتْهُ السُّعُودَ مِنْ بَعْدِ نَحْسِ"!
وضمن الشِّعر السُّوداني كذلك خرائد كثر في هذا المجال. ومن أشـهرها قصــيدة توفيق صالح جبريل التي يقول مطلعها: "نَضَّرَ اللهُ وَجْهَ ذَاكَ السَّاقِي/ إنَّه بِالرَّحِيقِ حَّلَ وِثَاقِـي"، والتي يسـترسـل فيهـا قائلاً: "ظَلّتِ الغيدُ والقَواريرُ صَرْعَى والأَبَاريقُ بِتْنَ فِي إِطْرَاقِ/ أأتِنِي بِالصَّبُوحِ يَا بَهْجَةَ الرُّوحِ تُرِحْنِي إِنْ كَانَ فِي الِّدَّنِّ بَاقِ". وإلى ذلك قول محمَّد المهدي المجذوب: "فليتي في الجَّنوب ولي ربابٌ/ تهيم به خطايَ وتستقيمُ/ وأَجْـتَرِعُ المَريسَةَ فِي الحَواري/ وأَهْـذِرُ لا أُلامَ ولا ألُومُ". وكذلك قول عبد الله الطَّيِّب: "تَرَكْتُ سُلافَ الخَمْرِ بَعْدَكِ مُدَّةً/ وعُدْتُّ إِلَيْها كَيْ تَفُكَّ قِيودِي"؛ وقوله الآخر: "يَا بَابِليَّةَ خَمْرٍ قَدْ ظَفِرتُ بِهَا/ أحسُو وتَمْزِجُهَا نَفْسِي بِمُمْتَزَج". وفي الشِّعر الحديث نماذج بلا عدٍّ ولا حد.
(4)
أمَّا الوجه الثَّالث، المجازي الصُّوفي، لـ (صورة الخمر) في الشِّعر، ضمن الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة، فإن أكثر ما يحدِّد ملامحه هو فعل الخمر إذ يغيِّب الذَّات المتلاشية في العبادة عن الكون المادِّي، بكلِّ ما فيه من جسوم، ورسوم، ونجوم، وشهب، وموجودات، وحوادث، وخلافه، وذلك من أثر المخامرة حدَّ السُكْر التَّام، والذَّوبان الكامل في عشق المعبود، وأحياناً في ذات المعبود، حتَّى ليكتمل التَّنائي بين صورتين للخمر، حسيَّة وروحيَّة. فالخمر الرُّوحيَّة رمز للمحبَّة الإلهيَّة الأزليَّة المنزَّهة عن العلل الزَّمكانيَّة، والمنطوية على الأسرار العرفانيَّة، والقادرة على جعل الحقائق تتجلَّى، والأكوان تشرق، والأرواح تنتشي، وتستبدُّ بها سكرة العشَّاق.
ورغم أن ثمَّة مفردات خاصَّة ترد، أحياناً، من النَّاحية اللغويَّة، مترافقة مع (صورة الخمر الرُّوحيَّة) هذه، كـ (البدر، والهلال، والشَّمس، والنَّجم)، مثلاً، إلا أن نفس البناء القاموسي المستخدم لـ (صورة الخمر الحسيَّة) في الشِّعر العربي، قد استقرَّ، إلى حدٍّ بعيد، في تركيب (صورة الخمر الرُّوحيَّة)، أيضاً، كـ (الحان، والدِِّنان، والنَّديم، والكأس، والرَّاح، والقداح، والخمَّار، والمخمور، والسَّاقي، والثُّمالة، والنَّادل، والشَّذى، والكرْم، والصَّهباء، والصَّبوح، والغبوق)، وما إليها، فضلاً عن مختلف صيغ الطلب إلى السَّاقي أنْ (أدرها، وناولها، واسكبها، وهاتها، وعجِّل بها، وإلينا بها، وداونا بها، وأرحنا بها). يتبقى المدى الوحيد للتَّفريق بين شكلي الصُّورتين قائماً في البُعد التَّرميزي لهذه المفردات، مِمَّا يقتضي إعادة شحنها بدلالات تخدم الصُّورة الذِّهنيَّة لدى الشَّاعر، وتتَّسق مع جوهر البناء العرفاني للرُّموزيَّات.
لقـد أجـاد شـعراء التَّصـوُّف استخـدام (صـورة الخمـر الرُّوحـيَّة)، وتوابعـها، أيَّمـا إجـادة، وفجَّـروا قدراتهـا البيانيَّة تفجـيراً رائعـاً، ونهـلوا مِمَّـا سـكب اللّه، عن طريقها، في ألبابهم، من طاقات الكشف والشَّوق والمحبَّة، ومن أشهرهم محي الدِّين بن عربي الذي يفصح عن مقصده من وراء كلِّ ذلك، قائلاً: "ألا كلُّ مَا قَدْ خَامَرَ العَقْلَ خَمْرةٌ/ وإِنْ كَانَ فِي مَزْرٍ وإِنْ كَانَ فِي تَبَعِِ". وينشد كذلك: "واشْرَبْ سُلافَةَ خَمِرِهَا بِخِمَارِهَا/ واطْرَبْ عَلَى غَرِدٍ هُنالِكَ تُنْشدُ/ وسُلافةٌ مِنْ عَهْدِ آدَمَ أََخْبَرَتْ/ عَنْ جَنَّةِ المَأوَى حَدِيثَاً يُسْنَدُ"؛ ويقول الإمام السَّهروردي: "رَقَّ الزُّجَاجُ ورَقَّتِ الخَمْرُ/ فَتَشَابَهَا فَتَشَاكَلَ الأَمْرُ/ فَكَأَنَّهَا خَمْرٌ ولا قَدَحٌ/ وكَأَنَّهَا قَدَحٌ ولا خَمْرُ"؛ ومن جانبه ينشـد صاحـب البُردة أبـو عـبد الله البوصيري: "مَوْلىً تَلَذُّ لنَا أَخْبَارُ سُؤدَدِهِ/ كَأنَّ أَخْبَارَهُ مِنْ حُسْنِها سَمَرُ/ فلَوْ أدَارَتْ سُقَاةُ الرَّاحِِ سِيرَتَهُ/ عَلَى النَّدَامى وحَيَّوْهُمْ بِهَا سَكِرُوا"؛ وفي ميميَّته الشَّهيرة، بل لعلها الخمريَّة الرُّوحيَّة الأشهر في تراث الشِّعر العربي، ينشد ابن الفارض (سلطان العاشقين) الذي يكاد النُّقَّاد يجمعون على أن طاقات الخمريَّات البيانيَّة قد انتهت به، فليس ثمَّة جديد في الخمريَّات بعده، قائلاً: "شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الحَبِيبِ مُدامَةً/ سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الكَرْمُ/ لَهَا البَدْرُ كَأْسٌ، وهيَ شَمْسٌ، يُدِيرُها/ هِلالٌ، وكَمْ يَبْدُوإِذَا مُزِجَتْ نَجْمُ/ ولَوْلا شَذَاهَا مَا اهْتَدَيْتُ لِحانِها/ ولَوْلا سَنَاهَا مَا تَصَوَّرَهَا الوَهْمُ"؛ وينشد عبد الرحيم البُرَعي اليمني قائلاً: "ومَنْ لَكَ بِالزِّيارَةِ مِنْ حَبِيبٍ/ حَمَتْهُ البيضُ والأَسَلُ الظِّبَاءُ/ صَبِيحٌ فِي لِمَى شَفَتَيْهِ خَمْرٌ/ كَأنَّ مِزَاجَهَا عَسَلٌ ومَاءُ"؛ ويقول أيضاً: "وبِنْتُ عَشْرٍ سَقَاهَا الحُسْنُ خَمْرَ صِبَاً/ فَالقَلْبُ مِنَهَا بِغَيْرِ السُّكْرِ سَكْرَانُ"؛ أمَّا عبد الغني النَّابلسي فيسهب في شرح هذا المقصد قائلاً إنه الرَّمز لا الدَّلالة المباشرة، ويدمغ الاكتفاء بقشور الظََّواهر عن ألبابها بأن ذلك من قِصَر النَّظر، حيث التَّرميز، في الحقيقة، بوصف الخمر، ومدحها، لا حرج فيه، ولا تثريب عليه، حين يكون محض جسرٍ قريبٍ لمرادٍ بعيدٍ، ومجرَّد ذكرٍ للحقيقة الرَّمزيَّة المجازيَّة، لا الحقيقة الواقعيَّة المباشرة، فينشد في ذلك قائلا: "صَرِيحُ كَلامِي فِي الوُجُودِ وإِيمَائِي/ سَوَاءٌ وإِعْلانِي هَوَاهُ وإِخْفَائِي"، ويواصل هذا الإنشاد حتَّى يبلغ قوله: "عَلَيْكَ نَدِيمِي بِارْتِشَافِ كُؤُوسِهَا/ فَفِي كَأسِها مِنْهَا بَقِيَّةُ صَهْبَاءِ/ ومَا الكَأسُ إِلا أنْتَ والرُّوحُ خَمْرُهَا/ تَحَقَّقْ تَجِدْ فِي السُّكْرِ أَنْوَاعَ سَرَّاءِ/ وفِي عَالَمِ الكَرْمِِ الذي قَدْ تَعرَّشَتْ/ عَنَاقِيدُهُ قِفْ واغْتَنِمْ فَضْلَ نَعْمَاءِ/ وخُذْ مِنْهُ عُنْقُودَاً هُو الجِّسْمُ ثمَّ دَعْ/ كَثَائِفُهُ واحْفَظْ لَطَائِفَ لَأْلاءِ/ ولا تَكْسِرِ الرَّاوُوقَ إِنَّ الصَّفَا بِهِ/ وحلِّلْ ورَكِّبْ فِي أُصُولٍ وأَبْنَاءِ/ إِلَى أَنْ تَرَى وَجْهَ الزُّجَاجَةِ مُشْرِقاً/ وذَاتَ الحُمَيَّا فِي غَلائِلِ بَيْضَاءِ/ فَإِنَّ هُنَاكَ الدَّنَّ دَنْدَنَ فَانِيَاً/ وَجَاءَ الدَّوَاءُ الصِّرْفُ يَذْهَبُ بِالدَّاءِ/ وأَقْبَلَتِ الحَسْنَاءُ بِالرَّاحِ تَنْجَلِي/ عَلَى يَدِهَا يَا طِيبَ رَاحٍٍ وحَسْنَاءِ".
ينسحب ذلك الشَّرح على مذاهب الشُّعراء المتصوِّفة أجمعين، في ما يتَّصل باعتماد رمزيَّة الخمر ومتعلقاتها في أشعارهم العرفانيَّة، فليس في ذلك خروج على الإسلام، كما قد يبدو للنَّظر المتعجِّل، حيث تغلغلت هذه الرَّمزيَّة في نسيج قماشة الوجد الإلهي، واندغمت في معمار البناء العرفاني لهذا الشِّعر، فتجاوزت المعطيات الماديَّة إلى المعطيات الرُّوحيَّة، وتسامت عن الطابع الحسِّي إلى التَّجريد المثالي.
وافرٌ كذلك شعر المتصوِّفة السُّودانيين، فصيحه وعاميُّه. فمن نماذج فصيحه، مثلاً، قول الشـيخ قريب الله: "سَلامٌ سلامٌ أُهَيْلَ المُدَامْ/ خُذُونِي إلَيْكُم فَأَنْتُمْ كِرَامْ"؛ وقول الشَّيخ المجذوب جلال الدِّين: "سَقَاهُ بِكَأْسٍ مِنْ لَذِيذِ شَرَابِهِ/ عُبَيْدٌ تَرَاهُ فِي الخَلائِقِ يَلْعَبْ/ وآنَسَهُ حَتَّى اسْتَطَابَ بأُنْسِهِ/ فَهَيَّمَهُ فِيهِ سَنَاءً ومَشْرَبْ". أمَّا عاميُّه فهو الأكثر شعبيَّة، كقول أحمد ود سعد: "حَسَنْ وَدْ عُثْمَانْ قُوُمْ دَوِّرْ الكُوْبَاتْ" يريد بها جمع كَوْبْ؛ وكذا قول الشَّيخ المكاشفي: "وَلُّوا مُدْبِريْنْ ذَاقُوا لَذِيذَ الخَمْرُ/ مِنْ بَعْدْ التَّعَبْ تَعَبْ الصَّرِيْحْ للأَمرُ"، ومعلوم أن شعراء المديح والحقيبة في السُّودان لا يتهيَّبون كسر قواعد النَّحو إن تعارضت مع ضرورات القافية أو العَروض؛ وثمَّة، أيضاً، قصيدة (السُّرَّاي) ذائعة الصِّيت، مجهولة المؤلف، والقائلة في بعض مواضعها: "وَاحْدِيْنْ بَارْكِيْنْ فُوْقْ اللاَّلُوبْ/ وواحْدِيْنْ بالِّليْلْ شَايْلِيْنْ مَشْرُوبْ".
وينبغي، من ناحية أخرى، ألا يظنَّنَّ كريم أن هذا التَّرميز وقف، فحسب، على شعر المتصوِّفة العرب؛ فلعلنا إذا نظرنا في ثقافة إسلاميَّة غير عربيَّة، لوجدنا، مثلاً، محمد إقبال، الفيلسوف الإسلامي، وشاعر الهند العظيم، يستعير، هو الآخر، رمزيَّة (نشوة الخمر) في قوله: "جَاهِلاً سِرَّ الحَيَاةِ اجْتَهِد/ وامْضِ نشوانَ بخمرِ المَقصِدِ"!
(5)
نخلص إلى أن (صورة الخمر)، وتوابعها، في قصيدة محمَّـد عـلي أحمـد التي لحَّنها برعي وغنَّاها أبو داود، ثمَّ تغنى بها، مؤخَّراً، عاصم البنَّا في برنامج (أغاني وأغاني)، تسمو عن كلِّ ما قد يكون اعتقد الأخير فيها، ربَّما بتوجيه، كما سبق أن أشرنا، أو بإيحاء من الأستاذ قدور، خروجاً على الدِّين والأخلاق. فلو أخذناها من حيث الاستخدام المجازي الدُّنيوي، لوجدنا أن ذلك قد اعتُبر، دائماً، مِمَّا ليس ثمَّة بأس به، ولا حرج فيه، على مستوى التَّحليل والتَّحريم، حيث يستخدم الشَّاعر، كما ذكرنا، ألفاظاً عربيَّة يدلِّل بها، ترميزيَّاً، فحسب، على مدى استغراقه العاطفي في الحبِّ والهيام. أما إذا أخذناها من حيث الاستلهام لشعر التَّصوُّف، فثمَّة في نفس الأبيات المشار إليها ما يبرِّئ الشَّاعر من قصد الإغواء التَّبسيطي السَّاذج، والمباشر، بمعاقرة الخمر، حسبما قد يكون قدور أو البنَّا اعتقدا، كما ويرجِّح، في نفس الوقت، ميل هذا الشاعر، فحسب، لاستلهام الرُّموز الصُّوفيَّة شعريَّاً. وربَّما تُعضِّد من هذا التَّرجيح، على الأقل، شكواه من أن عدم (سُكره بالغرام)، على العكس من (سمَّارِ الحانة) و(خمَّارِها)، قد أبقاه (صاحياً) وحده يراقب، رغم الضُّوء، (أشباح) الظلام!
"سَـكِرَ السُّـمَّارُ والخَمَّـارُ فِـي حَــانِ الغَــرَامْ
وأنا الصَّاحِي أرَى فِي النُّورِ أشْـبَاحَ الظَّلامْ"
فهذه الصُّورة تستدعي إلى الأذهان، فوراً، تعبير ابن الفارض في ميميَّته التي سلفت إشارتنا إليها، قائلاً: "أََرْوَاحُنَا خَمْرٌ وأَشْبَاحُنَا كَرْمُ". فـ (الأشباح) التي تشكِّل المقابل لـ (الأرواح) هي، كما في شرح النَّابلسي لديوان هذا الشَّاعر المتصوِّف، "الصُّور التي عليها الكَائنات في عالم إمكانها". ولقد استخدم ابن الفارض رمزيَّة (الخمر) و(المُدامة) و(السُّكر) لتكثيف خبرة لا تحدُّها القيود الزَّمكانيَّة، تعبيراً عن "غيبةٍ وفناءٍ يكسران طوق عالم الأشباح" هذا.
وإذن، فليس في الأغنية ما يجدر أن يستثير حساسيَّة، من أيِّ نوع، دينيَّة كانت أو حتَّى أخلاقيَّة دنيويَّة، لدى المغنِّي، أو القناة، أو مقدِّم البرنامج.
ك. الجزولي
ضاحية شمبات الهجرة
8 يونيو 2017م
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المسلمون و الفن

مشاركة بواسطة حسن موسى »



هل صحيح أن دخول الإسلام لبلاد السودان أدى إلى القطيعة مع التقليد التشكيلي الذي كان سائدا في ممالك السودان الكوشي و النصراني؟
هذا ما يوحي به عنوان المقابلة التي نشرتها التغيير بين الصلحي و الأستاذ عبد الوهاب همت في مطله يونيو الجاري .

أبذل لكم نص الحوار هنا حتى أعود


..........

الصلحي: دخول العرب إلى السودان أوقف الفن التشكيلي

حوار/ عبد الوهاب همت

لخمسين عاماً ظل الفنان التشكيلي السوداني “إبراهيم الصلحي”، يتحرك في مدى واسع من الأعمال الفنية – كما يقول تلميذه التشكيلي صلاح حسن – والتي تحاول اكتشاف كل ما يمكن اكتشافه من استراتيجيات التلوين والرسم، إلى الحد الذي حدا بالبعض لأن يطلقوا على مساهماته لقب “رؤى الحداثة الأفريقية”.

ويقول الصلحي في إحدى حواراته:”بلادنا تتميز بوجود الشمس الساطعة، والمعروف أن الضوء القوي الساطع كشمسنا يُسطِح الأشكال، ولا يعطيك الشكل الحقيقي، حيث ترى فقط الألوان القاتمة، إضافة إلى تقديري الخاص، في أن كثافة الألوان أو قوس قزحية الألوان، لا تعطيك المعنى والعمق الحقيقي للأشياء، وهذه الأسباب مجتمعة دفعتني لاختزال الألوان واكتشاف درجات لونية جديدة”.

فالصلحي هو الطفل الذي التجأ إلى التشكيل في صباه الباكر حينما تأمل “اللوح” و”الشرافة”، في خلاوي تحفيظ القرآن، واتخذت أعماله – في نهاية الأمر – موقعها في المتاحف العالمية، إلى جوار أعمال بيكاسو ورفاقه من أساطين التشكيل.

ونحن هنا نحاوره في كل ذلك، ليحدثنا عن تاريخه مع التشكيل، وعن عمله بوزارة الثقافة، وتأسيسه لمدرسة الخرطوم للتشكيل، وعن حاله في مهجره البعيد، ومساهماته الثرة في الفن التشكيلي العالمي، في نصف قرن من الزمان.

بعت أولى لوحاتي وأنا طالب في المرحلة الثانوية بسبع جنيهات فسألوني من أين لك هذا؟

صالات العرض الخاصة بالرقص الأندلسي ألهمتني لوحة راقصة الفلمنجو.

في فترة السودان المسيحي كانت هناك لوحات تضاهي ما كان يُرسم في جميع أنحاء العالم.

يتوجب علينا كفنانين تشكيليين الحفاظ على جانب من التراث السوداني القديم

دخول العرب والمسلمين للسودان أوقف الفن التشكيلي فيه

هل هناك أي لوحة من لوحاتك تم بيعها أو أهديتها إلى شخص وشعرت أنها ناقصة فأرجعتها وعملت بها المطلوب مره أخرى؟

نعم، هناك لوحة رسمتها في أمريكا عندما توفي والدي عام “1964” في السودان، وأنا كنت في نيويورك، وأردت بها إسماعه في لحده أشعار البراق حسب تقاليد طريقتنا الختمية “يا ربنا بارك وسلم على المصطفى .. صلاةً تفوق المسك عطراً مفخماً يطيب بها كل الوجود ويتلألأ” ..الخ…  ولأُجيب على سؤالك:  كانت هناك هيئة مختصة لفن القرن العشرين طلبوا مني شراء هذه اللوحة، وحددوا سعرها ولم يعطوني إي مليم، بل تركوها حيث عرضوها في متحف كبير هناك لقوقلهاين، وأنا شعرت بأن هناك شئ ما ناقص في هذه اللوحة، وتحايلت عليهم حتى قمت بإستعادتها، ووعدتهم بإعطائهم واحدة أخرى بديلة عنها، لكني شعرت ان هناك شيئاً ما، وان الجهة كانت مشبوهة، مع إن المهتمين بالعمل كانوا من كبار النقاد، والمهم أني أرجعتها، وأضفت عليها أشياء، وكان لها صاحب آخر، وهذا ما حدث.

متى بعت أول لوحة من لوحاتك؟

أتذكر عندما كنت تلميذاً كان ذلك في العام  “1946-1947″، وكنت حينها طالباً في المرحلة الثانوية، وبعتها بسبعة جنيهات تقريباً،  وكان ذلك مبلغاً ضخماً جداً، وأذكر أن الجنيه كان يكفي الاسرة لفترة من الزمن، وأنا لم أكن مصدق أبداً.

ومن اشترى تلك اللوحة؟

هو بريطاني كان مهتماَ بعملي مع مستر”ديفيد”، وكانت المدرسة تقوم بعمل معرض سنوي ضمن نشاطات الطلاب في مدرسة وادي سيدنا، وجاء “خواجة”، وأُعجب بها، ودفع مبلغ سبعة جنيهات.

كيف كان شعورك في ذلك اليوم وانت تقبض مبلغ كبير خاصة وانك طالب؟

أنا لم أكن مصدقاً، كنت مندهشاً و”نططت عويناتي”، وكدت أطير من الفرح.

ما هي ردة فعل أهلك وأنت تحمل مبلغ سبعة جنيهات هل سلمتها لهم ام قسمت المبلغ على اصدقائك؟

أهلي قالوا لي من أين لك بهذا المبلغ ونحن كنا نذهب لأهلنا مرة كل خمسة أسابيع وهم لم يصدقوا وقلت لهم هذا سعر لوحة قمت ببيعها وكنت قد تصرفت بجزء بسيط من المبلغ.

هل كانت لديك طموحات كنت تريد تحقيقها عندما تبيع لوحاتك أو عندما تتوظف؟

نعم كنت أتمنى عندما اشتغل أن اشتري طاولة رغيف وصفيحة طحنية  “والطحنيه كانت عزيزة خلاص”، تخيل أنك تحلم بأنك لما تعمل، فسوف تشتري طحنيه، فكم كانت أحلامنا بسيطة!! وهذا كان حلم كبييييييير و….يضحك…… لذلك أول ما فعلته اشتريت طحنية، وإلى الآن هذه الحكاية في ذهني والطحنية كانت بجزء بسيط وباقي المبلغ سلمته لوالديَ، الوالدة بالذات. وكانت هناك مصاريف خاصة بالمدرسة، ووالدتي كانت غير مصدقة.

في السودان لم يكن شراء اللوحات معروفاً، وإلى الآن فإن إقتناء أعمال فنية كفكرة، فيه صعوبة، فالناس لا تشتري، ومن يشتري يفعل ذلك خارج نطاق عمله.

هل تابعت هذه اللوحة إلى آخر نقطة وصلت إليها باعتبارها تاريخية بالنسبة لك؟

لا أبداً، اللوحة كما ذكرت اشتراها “خواجة”، ودفع سبعة جنيهات وذهب، وأنا لم أكن منتبهاً كي اتابع إلى أين ذهبت هذه اللوحة، وصغر السن وعدم التجربة يجعلان تفكيرك محدوداً، فأنا بعتها وقبضت جنيهاتي “وإنتهينا على كده”.

من هو أول إنسان أهديته لوحة؟

كثيرون منهم “عبد المنعم مصطفى”، مهندس معماري معروف، وكان استاذاً في جامعة الخرطوم، أهديته واحداً من أعمالي، وكنت أرسم الوجوه، وهو البورتريه بقلم الرصاص، وعلى الورق، وكنت أرسم وأعطي الشخص اللوحة، و”محمد سعيد القدال”، عليه الرحمة كذلك عملت له رسمة، واعطيتها له، وكنا معاً طريحي الفراش في مستشفى أمدرمان، و”اسحق يونس”، أخ “إبراهيم اسحق”، كان ممثلاً، وكان من الذين رسمتهم وأعطيتهم لوحة، وانا كنت مهتم جداً برسم الوجوه والتعابير في وجه المرسوم.

هل قمت برسم شخصيات سياسية بارزة أو لاعبي كرة قدم أو فنانين أو مسرحيين واعطيتهم الرسمة؟

لا أذكر.

هل رسمت فنانين ولاعبي كرة قدم واحتفظت بالرسومات لنفسك؟

لا أبداً أنا ذكرت لك الناس الذين كنت موجوداً في دائرتهم، وكنت أرسم وجوههم كأصحاب، أما الأشخاص الاخرين في المجتمع من شخصيات سياسية أو رياضية أو ثقافية فلا، وأذكر أن المرحوم الخير هاشم كان قد علمني كيف أن أرسم بالبودرة ذات اللون الأزرق الداكن للمسح، لأننا كنا نرسم “هتلر”، بشعره المشقوق، و”ستالين”، بالشوارب، فكنت أرسمهم ولم أكن احتفظ بالرسم، وفي وقت لاحق أصبحت أحتفظ بالأعمال، وهذا ما سهل لي أن أرجع إلى أعمالي وأعرضها، لكن في البداية لم احتفظ برسوماتي، ولم يكن هناك مجالاً لذلك، وكان الحصول على المواد صعباً للغاية.

عندما رسمت ستالين وهتلر هل كنت معجباً بهما كأسماء؟ أم كشخصيات؟ خاصة وأن أهل الفن لديهم نظرات مختلفة عن الآخرين وينظرون بزوايا مختلفة؟

كنت معجباً بالشكل المميز، وكنت مهتماً بالملاحظة، وشكل ستالين كان غريباً، وكانت تقاطيع وجه هتلر وشعره المشقوق يدفعني إلى رسمهما، وهذه من الأشياء التي علمني لها المرحوم “الخير هاشم”.

ماذا تعني لك رقصة الفلامنجو؟

في الحقيقة دعانا أخ وصديق ليبي عزيز علينا وهو مهتم بالفنون،  وكنا ثلاثة معي “محمد عمر خليل”، من أمريكا، وهو سوداني رسام وحفار، و”ضياء العزاوي”، وهو فنان بغدادي كبير، وكانت الدعوة لزيارة الأندلس لمدة أحد عشر يوماً، على أساس أن نزورها، وفي النهاية نقيم معرضاً جماعياً عن هذه الزيارة وانعكاساتها، وكان ذلك قبل عامين من الآن، فذهبنا وزرنا الأندلس وعدد من المدن فيها على حسب الآثار، والغرض الحقيقي هو إعادة العرب إلى ماضيهم. والذي حدث أنه في كل أُمسية، كنا نشاهد صالات العرض الخاصة بالرقص الأندلسي، وكنت أرى في الرقص إضافة خاصة بالتراث الأندلسي، وهم الغجر، الذين كانوا يرقصونها، وهم محافظون عليها مع الغناء والموسيقى، وقد لاحظت أن هناك أمر مثير في الرقص، وهو أشبه بالتحدي، كأنها أرجل خيول، لأنهم يعزفون الإيقاع بأرجلهم، وبالتالي أنا رأيت فيها التحدي وكانت الراقصات تنظر إلى الأمام فوق رؤوس المشاهدين، نظرة فيها إصرار وقوة عجيبة، وتحدي بشكل رهيب، كأنهن يقلن أن ما حدث ليس مهماً، لكننا سوف ننتصر في النهاية، وسوف تعود لنا أصالتنا وتراثنا وحياتنا. هذه جذبتني بشكل غير عادي، وكنا يومياً في المساء نذهب لواحدة من هذه المراقص لنشاهد ذلك، وفي الأندلس هناك الألوان والطوب مع قصورهم وحدائقهم ونوافيرهم، وكل ما عمله العرب خلال ثمانية قرون شئ رهيب. هنا بالذات حاولت أن أمثل ذلك من ناحية التحدي، والمسألة فيها ذكرى مما ضاع وفات، وكيف يستعاد بنفس رونقه وقوته وجماله، وبالتالي هذه الرقصة بالذات تمثل في ذهني الإصرار على العودة إلى ما فُقد على حسب أن الزمان الآتي وفيما مضى ليس قد إنتهى لا بد أن يعاد بصورة أفضل وأقوى ذلك ما وجدته في هذه الرقصة.

لماذا لا تكون رقصة الكمبلا مثلا بدلاًعن رقصة الفلامنجو؟

كل الرقصات تعبير على الجانب الحركي، وفي النهاية هو تعبير قوي بشكل غير إعتيادي، ليست “الكمبلا”، وحدها، بل كل الرقصات، وكل واحدة لها اسمها، وهذا مرتبط بتراث الفئة التي تؤدي الرقصة. وفي كل رقصة من هذه الرقصات هناك جانب قومي، مثلاً في الرقص الأفريقي تجد “خبط الأرجل”، على الأرض، وهذا يعني أن أُمنا هي الأرض، ونحن الآن نسعى فيها، وهو نوع من الإرتباط، لاحظ رقيص الجنوبيين والنوبة، وغيرهم بالأرجل، وهذا يعني الإرتباط بالأرض، وبحقهم فيها، مثلاً الخبط على الأرض قوي جداً في مناطق شمال السودان وجنوبه، وفي جبال النوبة لاحظ “الكشاكيش”، التي يربطونها في أرجلهم، وهي نوع من البهجة والأمل لإستعادة ما تم فقدانه.

بالنسبة للوحاتك الأولى، يلاحظ فيها أن الجانب الذي طغى عليها طابع فرعوني لماذا أخذت هذا الجانب؟

أخذت هذا الجانب لأنني شخصياً أقوم بعمل بعض الأشياء بشكل واضح، والجانب البصري فيها شكله واضح، على الرغم من أنها معممة بعض الشئ، وأنا مهتم بالتراث السوداني ككل، بالذات في الجانب المسيحي. والسودان كما تعرف استمرت فيه ثلاث ممالك مسيحية وهي “نوباتيا”، وعاصمتها “فرس”، و”المقرة”، وعاصمتها دنقلا، ومملكة “علوة”، وقد استمرت فترة من الزمان، واستلمت منها القيادة “السلطنة الزرقاء”، وعاصمتها “سوبا”، وهذه كلها جوانب أصلها نوبي، والوضع القديم الموجود في السودان كله أصله نوبي، والنوبيون أصلاً هم أهل ملك وهذه أشياء يعتزون بها حسب آثارهم، وكذلك عندما انتقلت من الشمالية إلى البجراوية في “مروي القديمة”، والحضارة التي تمت فيها بالذات والآثار، أنا أحاول اكرر مظاهر الأشياء محاولاً استلهام الجمال والقوة وأنا مهتم بالجانب الفكري الذي طبقوه في أعمالهم في مجالات النحت واهراماتهم ككل، وكل المدن التي زرتها والحضارات التي أوجدوها بالذات، وإلى أن انتهت على يد الأكسوميين حوالي “300- 400” سنة، فأنا مهتم بالجانب التاريخي في التراث السوداني، وفيه آثار حقيقية من حضارة قامت على أيدي النوبيين، وهذا ليس من جانب عنصري، إنما من جانب ثقافي بحت.

هل فكرت مثلاً في عمل معرض كامل عن التراث النوبي القديم؟

المعارض لا يفكر فيها المرء لوحده، لكن تدخل فيها عناصر أخرى مساندة في العمل، فالعمل الذي تم عرضه في التيت كان معرضاً شاملاً، ومعرض استعادي تستشف منه روح العمل، وفيه خليط من الفن العربي والإسلامي والأفريقي، والأفريقي بالنسبة لي هم النوبة، وبالتالي فإن الزخارف التي أخذتها عملت عليها لتكون جزءً مكملاً، فنحن نجد منطقة البركل، والأهرامات التي فيها، والنحوت التي بها، والنحت البارز الموجود فيها يشاهده الإنسان من خلال البصيرة، التي تحاول أن تنظر الجانب الجمالي فيها، وكيف يؤخذ ويطور من ناحية شخصية بحتة في أعمال فنية.

هل قصدت أن تقول للمشاهد هذه حضارة فشاهدوها؟

بلا شك، وأنا أقول هذه حضارة ضاربة بجذورها في أعماق الأرض، وقد يقال الآن حسب الآثاريين أن حضارة وادي النيل هي حضارة أثرت في الوضع العالمي الإغريقي والروماني، وأن منشأها كان في السودان منذ قديم الزمان، وهي حضارة نيلية في الشمال ومنها تطورت أكثر.

ويقال أن أساس الحضارة هو حضارة الممالك النوبية الثلاثة، والتي استمرت الف عام، وكانت على أساس مسيحي، وأن الدول الثلاثة “نوباتيا”، و”المقرة”، و”علوة”، كانت دولاً مسيحية، استمرت إلى أن جاءت السلطنة الزرقاء. وبالتالي فإن أثرها موجود، والغريب أن هذا الجانب لم يركز عليه، وأخيراً سمعت أن هناك اهتماما بالآثار المروية والنوبية وانعاشها، وإبرازها عن طريق السياحة، ولكن السياحة يجب أن تلتزم وترتبط بالجانب الثقافي الحقيقي، والتنوير الثقافي، وهناك مسائل لابد من الاشارة إليها.

هل تعتقد أن دخول الاسلام إلى المنطقة النوبية أثر حتى في شكل الفنون عامة؟

نعم كثيراً، الجانب الإسلامي جاء مع العرب عن طريق المصاهرة والتجارة، وأوقف وجودهم المد الكنسي ، هذا من ناحية، لأن المد الكنسي كان بارزاً بشكل واضح في الكنائس، وبالتالي توقف الجانب التشكيلي، لأن الكنائس كانت فيها اللوحات والتصاوير، وعدد منها موجود الآن في المتحف القومي مثل “مريم العذراء”، ومعجزات السيد المسيح، علماً بأن الرسومات واللوحات التي كانت في الكنائس هي للتعليم، وأن معظم الناس كانوا لا يكتبون ولا يقرأون، وبالتالي عن طريق الرسم والنحت البارز المنخفض، كان الناس يتعلمون تعاليم دينهم، وعندما جاء الإسلام إلى السلطنة الزرقاء والدولة المسلمة لمدة “300” سنة، فجأة توقفت هذه الأشياء، وبالتالي الجانب التشكيلي، وعمل الفنانين بالذات توقف، واستلم القيادة بعد ذلك الرجل الصانع، علماً بأن الفن صناعة، هذا خلاف الأفكار والأراء وهي صناعة، والصانع المحلي يعمل منتوجاته بمواده المحلية من جلد وسعف وما إلى ذلك حسب متطلبات مهنته.

ونحن كفنانين تشكيليين يتوجب علينا حفظ جانب من التراث السوداني القديم، لكن ذلك منخفض بعض الشئ لكن في الفترة المسيحية بالذات كانت على أساس لوحات ورسومات كانت تضاهي ما كان يجري في جميع أنحاء العالم وهذه توقفت وأصبحت هناك صناعات وحرف شعبية وهذه ساهمت في حفظ جزء من التراث ولهم الفضل في ذلك.

هل تعتقد أن دخول الإسلام إلى السودان ساهم في تطوير الفنون أم في تدهورها؟

والله الحقيقة كلمة تدهور كبيرة، لكن من المؤكد أن دخول العرب والمسلمين بالذات أوقف الجانب التشكيلي، لأن هناك أشياء أو بعض المعتقدات، والرسومات بالذات يقول البعض أنها حرام،  وبعض الناس يقولون “أي حاجة تمثل شئ فيه روح في البيت مثلاً فإن الملائكة لا تدخله”، وحسب التصاوير هذه فمن المؤكد أن دخول العرب والدين الإسلامي ساهما في توقف هذا الجانب، كما توقف المد الكبير الذي كان يدعم هذه المسائل.

هل توافقني بأن هذه الهجرة أثرت على حركة الفنون؟

بلا شك، والتدهور الذي حدث في الجانب التشكيلي وانصراف الناس عن تذوق الفنون، ورغم أنها كانت جانباً تعليمياً تنويرياً، لكنها توقفت، وهذا إرتبط بالتأكيد مع دخول العرب، وتوقف الإنتاج والأعمال الفنية بالذات، والدولة ومفاهيمها كانت غالبة على الجوانب الجمالية، ونحن المسلمين لم ندخل الفنون كعنصر أساسي في حياتنا.


الرابط
https://www.altaghyeer.info/2018/06/04/الصلحي-للتغيير-6-دخول-العرب-إلى-السودا/
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

تــجيء لتصيده يصيـــدَك ..!

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »



تــجيء لتصيده يصيـــدَك ..!
سلام يا حســن موســى،

ولا شك في أنه حوار جميل، يُضيئ جوانب مهمّة في "لوحة" الصـّلحي الفنان الكبير؛ فشكراً لل "الـتغيير" وثناءاً للمحاور اللّبِق، الأخ هِمّت، والذي - ما شاء الله عليه - يتدفّق نشاطاً وحواراً وأخبارا، بـرّاً وبحراً وطيّارا. برأيي أن الحوار قد سعى إلى تغطية عهود متطاوِلة في سيرورة الفنّ، بل قُل الحضارة السودانية عميقة الجذور، كما شَعرنا مؤخّراً فانبهرنا حيناً و ربما تبـهــّرنا بِهارا (ليس هنا أيّ ترميز لأثر الداعية المؤسس لعربإسلامية السودان، الفقيه تاج الدين البُهاري!)، ولذلك تتبدّى بعض الصعوبة في دِقّة فَهمِ ما رمى إليه الفنان الصلحي في إجابته على سؤال محاوِر "التغيير": [هل تعتقد أن دخول الاسلام إلى المنطقة النوبية أثر حتى في شكل الفنون عامة؟] لا سيّما وأن إجابة الصلحي، في أوّلها قد جاءت طليقة حُرة من أيّ عِقالٍ يفترضه تعدد الحِقَب محلّ النظر الحواري؛ حيث أجاب: [نعم كثيراً، الجانب الإسلامي جاء مع العرب عن طريق المصاهرة والتجارة، وأوقف وجودهم المد الكنسي ، هذا من ناحية، لأن المد الكنسي كان بارزاً بشكل واضح في الكنائس، وبالتالي توقف الجانب التشكيلي،إلخ,,,,]. نعم، قد يقول قائل: ولكنّ الحقبة السودانية التي استهدفها السؤال الحواري، مُحددة بالضبط! بــ "يوم دخول العرب السودان" فتوقّف النشيد، وكسر النّحّاتُ إزميله:( وهنا لا أملك إلّا أن أتساءل: مَنْ يضمَن لنا إن أخرجنا هؤلاء الجُفاة الغِلاظ من أعراب بني العباس الأشراف، أن ينهض طائر فينيق السودان، من رماده فيُحَلّق عالياً عاليا من جديد ..؟ ثم تعود الأزاميل تنحت! فيطِلُّ رأس الكبش، أو راس أبادماك بشلوخِه وَ (حِلو درب الطير في سكييييينا .. قووووم بيييينا).

الحوار اشتمل على العديد من النقاط الفوّارة، ولكنّي اتّفق معك في موضوعية - وتُقرأ - إلحاحية سؤالك: [هل صحيح أن دخول الإسلام لبلاد السودان أدى إلى القطيعة مع التقليد التشكيلي الذي كان سائدا في ممالك السودان الكوشي و النصراني؟ هذا ما يوحي به عنوان المقابلة التي نشرتها التغيير بين الصلحي و الأستاذ عبد الوهاب همت] فهذا السؤال، بالفعل، بدا أنّه آيقونة الحوار من أساسِه ..! وبطبيعة الحال، أن أي تداخل أثّار بين العهود، له جديدُه التغييري الذي ربما يقطع حيناً وقد يُوصِل أحيانا وفق رجاحة ثِقلِه.


ـــــــــــــــــــــــ
ويتصل التداول
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

دليل الفالح في استخدام الفنان الصالح

مشاركة بواسطة حسن موسى »


جا يتفولح
جاب ضَقَلُه يتلولح

مثل سوداني حقيقي



سلام يا أبوجودة
و شكرا على النظر.
كتبت في تعليقك :ـ
" تتبدّى بعض الصعوبة في دِقّة فَهمِ ما رمى إليه الفنان الصلحي في إجابته على سؤال محاوِر "التغيير": [هل تعتقد أن دخول الاسلام إلى المنطقة النوبية أثر حتى في شكل الفنون عامة؟] لا سيّما وأن إجابة الصلحي، في أوّلها قد جاءت طليقة حُرة من أيّ عِقالٍ يفترضه تعدد الحِقَب محلّ النظر الحواري؛"

يا زول سؤال عبد الوهاب همت محدد لكن إجابة استاذنا، كما تقول : " جاءت طليقة حرة من اي عقال " و هي قولة مغلفة بغلاف الأدب السوداني العتيد، ذلك أن إجابة أستاذنا في الحقيقة غارقة في التعميم لـ " شوشتها" كما جاء في عبارة أخواننا المصارنة الميامين[ و «  الشوشة » لعلمك هي "القمبور" الذي يتركه الأهالي في البوادي على رأس الصبي فيموهونه على المرض و الموت و أنواع النوائب].
و الصلحي رجل عالم قادر على التفصيل الدقيق في أمور التاريخ السوداني لكنه أحيانا ـ ربما من نفس باب أدب المجاملة السوداني ـ يجنح ناحية التعميم فيقول لسائليه ما يعجبههم و لكنه ـ لحسن حظنا ـ يرسم لنفسه ما يعجب مزاجه، و كفى الله المسلمين شرور القتال.و ربما وجدنا إجابة الصلحي مضمنة بشكل مسبق في العنوان الجائر الذي اختاره عبد الوهاب همت لحواره مع الصلحي :ـ
"
الصلحي: دخول العرب إلى السودان أوقف الفن التشكيلي

"
ثم يتواصل جور المحاورة في تلافيف أسئلة عبد الوهاب همت التي تلاحق الفنان الصالح بدءا بالسؤال الإستنكاري  الوارد عقب شرح الصلحي للملابسات التي ألهمته لوحة رقصة الفلامنكو: 
»لماذا لا تكون رقصة الكمبلا مثلا بدلاًعن رقصة الفلامنجو؟
"
ياخي الزول قال ليك أنا رسمت رقصة "الفلامنكو" عشان كيت و كيت، تقوم تقول ليهو ليه ما رسمت الكمبلا؟"
و الله يا عبد الوهاب لو كان رسم ليك الكمبلا ، كنت تاني تجي بعد يوم تقول ليهو يا أستاذ ليه ما رسمت لينا "الصقرية"؟" يعني يا أغني أنا ، يا تغنوا إنتو" على قول " مولانا" محمد الأمين ، حين تغوّل الجمهور على فضاء تعبيره.
ثم ينحدر الحوار نحو سؤال عجيب آخر و هو  :
ـبالنسبة للوحاتك الأولى، يلاحظ فيها أن الجانب الذي طغى عليها طابع فرعوني لماذا أخذت هذا الجانب؟

" هذا السؤال ينطوي على تقرير عجول بلا سند في أعمال الصلحي الأولى.ذلك أن عمل الصلحي قائم على التنوع الواسع في الأساليب و التقنيات بحيث يصبح التنوع هو السمة الرئيسية في عمله، لكن الصلحي يأخذ السؤال على علاته [ لماذا ؟ مندري؟] بينما سؤال عبد الوهاب همت مقصود منه تحضير القراء للموضوع الذي يليه. موضوع الحضارات العظيمة القديمة التي بناها الأسلاف النوبيين الذين سادوا في أعالي و أسافل وادي النيل بلا بلا بلا.. شوف السؤال دا :ـ 
»
هل فكرت مثلاً في عمل معرض كامل عن التراث النوبي القديم؟
« .
في مثل المناخ السياسي و الثقافي الراهن الذي يسعى ضمنه نفر من المثقفين السودانيين لإحالة جملة الصعوبات و التناقضات و الحزازات التي تعصف بالمجتمع السوداني المعاصر ناحية التاريخ النوبي الإنطيقي ، يتم الإحتفاء السياسي المبالغ فيه بآثار الحضارات القديمة. و لنا في هذا المنبر أكثر من مثال على حالات التفاخر العصابي بالتاريخ النوبي القديم في مواجهة العرب و في مواجهة المصريين. [ أنظر الروابط

https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 6c19bb89b1

و
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 6c19bb89b1

.و حين يسأل عبد الوهاب همت الصلحي هذا السؤال فهو في الحقيقة يلومه على كونه لم يسهم بشيئ في المحفل الكوشي المنصوب في ساحة الثقافة السودانية ، سيّما و الصلحي الفنان ـ و لو شئت قل " فنان السودان الأول" ـ يقف اليوم كشاهد عظيم من شهود الميراث الحضاري السوداني. و يبدو أن الصلحي فهم مقصد عبد الوهاب همت فجاراه المجاراة التي تليق به ، و هي مجاراة لا تبالي بحقائق التاريخ.و أنت أدرى لأن حقائق التاريخ بلا وزن أمام أدب المجاملة السوداني. و هذا موقف يمكن أن يحال لأريحية أستاذنا و كرمه السوداني الأصيل حين يستضيف هذا الصحفي الذي وجد نفسه بالصدفة في فضاء الفن الواسع فصار يصول و يجول، كما الـ "شنو كدا ما عارف" في مستودع البتاع داك ، بينما صاحب المستودع يضاير متاعه و يراوغ في تعميمات التاريخ المتاح و يصرف لعبد الوهاب همت الإجابات التي جاء يبحث عنها. بالله عليك إقرأ هذا السؤال و تأمل في إجابة الصلحي :ـ" .
هل قصدت أن تقول للمشاهد هذه حضارة فشاهدوها؟

« ـ .."
بلا شك، وأنا أقول هذه حضارة ضاربة بجذورها في أعماق الأرض، وقد يقال الآن حسب الآثاريين أن حضارة وادي النيل هي حضارة أثرت في الوضع العالمي الإغريقي والروماني، وأن منشأها كان في السودان منذ قديم الزمان، وهي حضارة نيلية في الشمال ومنها تطورت أكثر
.. »
و بعد إثبات أصالة التاريخ السوداني العريق ندخل على الجزء الثاني من أجندة عبد الوهاب همت و هو الجزء الذي يعارض الحضارات السودانية السابقة على الإسلام بالحضارة الإسلامية. و هي معارضه تموّه من ورائها ـ بالكاد ـ الحزازة السياسية المعاصرة التي يصونها معارضو نظام الإسلاميين في السودان [و في غيره من بلاد المسلمين]و يحمّلون تاريخ الثقافة الإسلامية باسمها كل أوزار الرجال و النساء الذين انتهزوا الدين ليسوغوا سلطتهم المذنبة أمام الشعب السوداني.
حين يسأل عبد الوهاب همت :ـ
"
هل تعتقد أن دخول الاسلام إلى المنطقة النوبية أثر حتى في شكل الفنون عامة؟ "
ثم يعيد السؤال :ـ
" هل تعتقد أن دخول الإسلام إلى السودان ساهم في تطوير الفنون أم في تدهورها؟"
لا يبقى أمام القارئ إلا أن يتضرع للنبي نوح أن يشفع للصلحي فيخارجه الله من التهلكة.أي و الله التهلكة على مذبح البروباغندا السياسية الغليظة ، فالسائل يلاحقه بالأسئلة المسمومة التي تختزل تعدد السودان الواسع لحدود المنطقة النوبية ، ثم تختزل المنطقة النوبية لبعديها المصري و البيزنطي. أسئلة عبد الوهاب همت تضمر أن الإسلام دخل المنطقة النوبية و " أثر في شكل الفنون" [ ترجم : «  قطع دابر الفنون النوبية"] و هي قولة قد تكون مجزية في سوق السياسة السودانية الراهنة، لكنها في سوق دراسات التاريخ السوداني لا تسوى شروى نقير [ترجم : أقل من " مريسة تام زينها"]. لكن عبد الوهاب همت لا يبالي بدراسات التاريخ. إنه ينتظر من فنان السودان الأول أن يبارك مسعاه في إدانة الإسلام السياسي الحاكم و الذي بدوره يختزل تاريخ السودان لتاريخ الإسلام فيه. لأن الناس المشغولون بدراسات التاريخ السوداني قد يتساءلون : ما الذي جعل الحضارة النوبية الكوشية و النصرانية التي دامت قرونا تندثر لمجرد أن العرب المسلمون دخلوا أرضها؟و لماذا لم تستطع استيعاب المحمول الحضاري للمسلمين و هضمهم و تمثيلهم في بنيتها الحضارية؟بل أن هناك بعض دارسي التاريخ السوداني الذين قد يقولون لعبد الوهاب همت : يا أستاذ الحضارة النوبية استوعبت المحمول الحضاري للمسلمين كما استوعبت غيره و هضمت جملة المحمولات و أخرجت لنا النسخة السودانية من الإسلام الذي بين أيدينا اليوم و هو إسلام يمارس أهله بعض الطقوس اليهودية المذكورة في العهد القديم كطقس المارية في اربعين الولادة أو طقس التعميد النصراني في " غطاس حنا" و قد ذكرها "جيوفاني فانتيني" في كتابه عن تاريخ الممالك المسيحية في السودان.و بين هؤلاء و أولئك ممكن يجوك الجماعة الطيبين بتاعين الصراع الطبقي الذي هو دينامو التاريخ الإجتماعي و يسألوك :
يا عبد الوهاب همت
" من بنى طيبة ذات الابواب السبعة؟
الكتب لا تحوي غير أسماء الملوك
هل حمل الملوك كتل الصخر يا ترى؟
و في المساء ـ حين اكتمل سور الصين العظيم ـ
اين ذهب البناءون؟
[بريشت،أسئلة عامل قارئ. ترجمة محمد سليمان]
إنتشار الإسلام السريع في وادي النيل له علاقة بقضية الأرض, لأن الأرض و من عليها و الناس و الدواب و المتاع، في النوبة الإنطيقية و في النوبة النصرانية، كانوا في عهدة الملوك و الكهنة قبل أن يأتي المسلمون و يعرضوا على الفلاحين في وادي النيل مساواة المسلمين . يعني تنطق بالشهادة و في لمح البصر تدخل ملكوت المساواة في الحقوق و الواجبات " كأسنان المشط" . أي و الله كأسنان المشط أو كما قال..
فماذا فعل الصلحي أمام هذا السؤال؟
الصلحي ببساطة و بأريحية ينسى الحذر و يصرف لعبد الوهاب همت مزيدا من التعميمات من شاكلة
"نعم كثيرا، الجانب الإسلامي جاء مع العرب عن طريق المصاهرة و التجارة و أوقف وجودهم المد الكنسي".. »ـو بالتالي توقف الجانب التشكيلي لأن الكنائس كانت فيها اللوحات و التصاوير".
غايتو أنا كان ما نخاف الكضب، و كان الكلام دا ما مسجل، نقول : و الله الكلام دا ما بشبه كلام الصلحي. بالله عليك شوف العبارة دي " الجانب الإسلامي جاء مع العرب ". غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة ،عشان الموضوع دا، باين عليهو، ما حينتهي بأخوي و أخوك. و من الجهة العاشرة فالصلحي زول بطنو غريقة، و ممكن جدا يكون قال الكلام دا و لنا العزاء في أن "كل شي في الحيا جايز" على قول أخينا رمضان زايد. لكن في نفس هذه الجهة العاشرة فكلام الصلحي يجوز بحكم هيمنة سردية سودانوية قديمة بين نفر من التشكيليين الخرطوميين و التي تخلقت ، عبر جملة من الإلتباسات المفهومية في صدد تعريف الفن التشكيلي نفسه، [ هل التشكيل يقتصر على الرسم التمثيلي الذي يحكي سيرة المسيح وحده أم هو يتمدد ليشمل أنواعا عديدة متنوعة في مساندها و في مناهجها التقنية و في غاياتها المفهومية؟ ]، أما عن الإلتباسات المفهومية في صدد التاريخ السوداني القديم فحدث [ هل نفهم وجود فن التصوير في الكنائس وحدها كتعبير عن ضعف أصيل في التقليد الفني للمجتمع النوبي؟ و لماذا لم يورثنا التاريخ أشكالا للممارسة التصويرية خارج المؤسسة الكنسية؟]. أقول أن كلام الصلحي قد يجوز بحكم السردية الجارية وسط نفر من التشكيليين الخرطوميين في كون الإسلام هدم الكنائس النصرانية في النوبة أو حولها لمساجد و حرّم التشكيل، بذريعة الحديث المشهور " أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون"[ صحيح البخاري].و في مواجهة هذا التاريخ عرّف الخرطوميون لأنفسهم مهمة فنية وطنية ـ و لو شئت قل : مهمة وحدة وطنية سودانوية ـ فحواها تأصيل ثقافة الهجنة العربية الإفريقية من خلال نبش آثاري غايته إعادة الإعتبار للحضارات السابقة على الإسلام و دمجها في تعريف مجتمع الهجنة " الذي يصلي بلسان عربي و يغني بلسان زنجي " و الأجر على الله أو كما قال.
قال شنو الصلحي؟ قال : « 
كان الناس يتعلمون تعاليم دينهم، و عندما جاء الإسلام إلى السلطنة الزرقاء و الدولة المسلمة لمدة 300 سنة، فجأة توقفت هذه الأشياء، و بالتالي الجانب التشكيلي، و عمل الفنانين بالذات توقف، و استلم القيادة بعد ذلك الرجل الصانع، علما بأن الفن صناعة، هذا خلاف الأفكار و الآراء. و هي صناعة، و الصانع المحلي يعمل منتوجاته بمواده المحلية من جلد و سعف و ما إلى ذلك حسب متطلبات مهنته"..
و في هذا الفرز بين «  الفنان «  و «  الصانع »يستذكر الصلحي تعاليم التربية الفنية المحافظة التي تقيم سدا منيعا بين الفنان المبدع الحر و الصانع الحرفي المقيد بقيود المنفعة الإستعمالية للمتاع الفني.ترى أين كان هذا الصانع على عهد الممالك النصرانية و الكوشية السابقة على الإسلام؟ مندري؟.لكن كلام الصلحي يردنا للمناقشة السبعيناتية حول "الفرق بين الفنان التشكيلي و صانع المراكيب « . و بين نصوص تلك المناقشة تقف سلسلة مقالات عبد الله بولا المعنونة " مصرع الإنسان الممتاز" كعلامة مهمة في مشهد التشكيل السوداني كون صاحبها يتناول بالتحليل و النقد الحركة الفنية السودانية كتعبير أصيل عن تجليات الصراع الطبقي التي تخوّل لفناني الطبقة الوسطى الحضرية ان يتعالوا بإمتيازهم الطبقي ( الدبلوم الأكاديمي) على الفنانين الشعبيين المزعومين مجرد حرفيين و صنايعية .يكتب بولا معرفا الفنان التشكيلي:
" التشكيلي في فهمنا هو كل من يعمل في صياغة أشكال المرئيات إبتداءا من " صانعي المراكيب"، و تتسع الكلمة لتشمل السمكري، مصمم الأزياء النجار، المعماري، المشاطة و الكوافير إلى آخر ما يمكن أن يتسع له خيال القارئ".." و لا أشك في أن المسألة بصورتها هذه تغضب اخواننا التشكيليين الذين يعتمدهم النقد الرسمي و المؤسسات الأكاديمية البورجوازية عمدا أو المتبرجزة جهلا.ما العمل؟
ليس عندي ما يخفف وقع الفاجعة ، و أنت يا سيدي التشكيلي المتخرج من كلية الفنون الجميلة ، و ربما الكلية الملكية، و الحائز على شهادة الإمتياز الإجتماعي ، و التي تسمى دبلوما أو خلافه، أيضا لا فرق بينك و بين " الحسين ود مهيوب" صانع العناقريب او " حسن كلاش "السمكري.كلكن تشكيليون و كلكم مسؤول عن تحقيق إضافة خلاقة لموروث البشرية من تاريح صياغة الأشكال المرئية لتستحق لقب " فنان" و لا جدوى من شهاداتك و إن بلغ عددها مائة و نيف.".."و ذلك ان الرسام على سبيل المثال، ليس خلاقا لأنه رسام، كما هو شائع و معتقد،إنما الرسام الفنان هو الرسام الخلاق الذي يضيف لتاريخ الرسم إضافة خلاقة.و الأمر يكون كذلك مع بقية التشكيليين بالمفهوم الأكثر شمولا"( أنظر مداخلات بولا و حامد يحيى الباشا في صفحة "ألوان الفن " الأيام 7 سبتمبر 1979 .
(أنظر ايضا سلسلة مقالات عبد الله بولا " مصرع الإنسان الممتاز" في " الأيام" سبتمبر 1976 و مارس ).
.و الصلحي الذي يجيب على أسئلة عبد الوهاب همت عارف بأبعاد هذه المناقشة و قد ساهم فيها بكلمة أو بأثنتين.و هذا يضفي على فرزه بين "الفنان" و "الصانع" شبهة التغرير المفهومي بمحاوره.لكن عبد الوهاب همت لا يبالي طالما الصلحي يمنحه ما يريد.
و مسك الختام في حوار الصلحي و همت يأتي في سؤال همت الأخير الذي يطلب موافقة الصلحي على ما يراه هو في موضوع الأثر السلبي لهجرة العرب و المسلمين للسودان.
"
هل توافقني بأن هذه الهجرة أثرت على حركة الفنون؟
فيقول الصلحي :ـ
"
بلا شك، والتدهور الذي حدث في الجانب التشكيلي وانصراف الناس عن تذوق الفنون، ورغم أنها كانت جانباً تعليمياً تنويرياً، لكنها توقفت، وهذا إرتبط بالتأكيد مع دخول العرب، وتوقف الإنتاج والأعمال الفنية بالذات، والدولة ومفاهيمها كانت غالبة على الجوانب الجمالية، ونحن المسلمين لم ندخل الفنون كعنصر أساسي في حياتنا.
"


سأعود

"
أضف رد جديد