نحو مدارس علمانية: التحدي الملحّ( ........)/د. محمد محمود

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

نحو مدارس علمانية: التحدي الملحّ( ........)/د. محمد محمود

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

نحو مدارس علمانية: التحدي الملحّ الذي يواجه المهاجرين في الغرب



محمد محمود


(1)

حكى لي صديق سوداني مقيم في بريطانيا كيف أنه سمح لابنته الصغيرة أن تذهب لدروس مدرسة عربية إسلامية في حيّه. وجاءته ابنته بعدها بأيام وسألته: ”هل صحيح أن غير المسلمين سيذهبون للنار؟“ وارتاع الأب وسألها: ”من قال لك ذلك؟“ فأجابت: ”معلمنا في مدرسة العربي. “ وقرّر على الفور سحبها من المدرسة. ولا شك أن قراره كان عين الصواب، إذ أنه حمى ابنته ومستقبلها من فكرة كان من الممكن أن تقيم حاجزا سميكا بينها وبين من يحيطون بها في بلد أصبح وطنها ويتميز بتنوعه الديني وتسامحه الذي لا يوجد نظير له في أي بلد مسلم. ابنة صديقي هذا قد تخرجّت الآن من الجامعة وأصبحت شابة ذات عقل منفتح وسلوك ناضج يجعلها تحترم الآخرين وتتعامل معهم تعاملا إنسانيا أصيلا بصرف النظر عن أديانهم، ولا شك عندي أن هذا هو الموقف والسلوك الذي ستعمل على توريثه لأبنائها وبناتها.

إن الوضع العام للجاليات العربية والمسلمة في بريطانيا وباقي الدول الغربية وضع في غاية الحرج الآن، خاصة في ظل صعود دولة الخلافة في العراق وسوريا وقدرتها على استقطاب بعض الشباب المعبأين بالأفكار والمشاعر الجهادية. وهو وضع ساعد على تهيؤه واستفحاله قيام المدارس الإسلامية، مثل المدرسة التي بعث لها صديقي ابنته.

وإذا نظرنا للمسألة في بريطانيا من ناحية سياقها العام فإننا لا يمكن أن نعزلها عن الحرية التي يكفلها القانون لإقامة ما يوصف بالمدارس الدينية (faith schools)، وهي مدارس تحمّس لها بشكل خاص توني بلير أثناء فترة رئاسته لحكومة حزب العمال. ولقد انبنى موقف حزب العمال (وبشكل عام موقف اليسار والليبراليين المتعاطف مع قيام هذه المدارس) على ضرورة مساواة الأقلية المسلمة مع المسيحيين والأقلية اليهودية. وبالإضافة لهذا الموقف المنسجم مع التزام الديموقراطية بحقوق الإنسان ومن ضمنها حق الحرية الدينية كان هناك أيضا السياق الكبير لفكرة توطيد التنوع الثقافي (multiculturalism) والطموح لأن تؤدي مثل هذه الإجراءات لإثراء المجتمع ومساعدته على اندماج الأقليات في النسيج الاجتماعي الكبير.



(2)

وبإزاء هذا الاعتراف والتعزيز للحرية الدينية كانت هناك بالطبع مسئولية يتحملّها المتدينون تجاه مجتمعهم الديمقراطي. ماذا فعل المؤمنون؟ إذا نظرنا لليهودية والمسيحية والإسلام فإننا نجد فرقا واضحا ومثيرا للقلق. فبينما قبلت المسيحية – واليهودية في ركابها – بواقع التعدد الديني ومبدأ الحرية الدينية نجد أن الإسلام في تجلياته الناشطة لا يزال يقاوم ذلك. وهذه المقاومة لحق حرية الفكر والضمير والتعبير تجسّدها في السودان المادة 126 في القانون الجنائي التي تنصّ على ”قتل المرتد“ ومواد الردة الشبيهة بهذه المادة في عدد من البلاد الإسلامية. هذا الرفض للحرية الدينية وحرية الفكر الذي يصل حد التجريم والإعدام لا نجده في عالم اليوم إلا في الإسلام. فاليهودية والمسيحية على تجريمهما وقتلهما للمرتد في الماضي قد تجاوزتا هذا الموقف وقبلتا مبدأ الانسجام مع قيم حقوق الإنسان التي تسود عالمنا اليوم.

وما يفسّر هذا الاختلاف بين هذه الأديان – رغم أرضيتها التوحيدية المشتركة – هو أن المسيحية واليهودية قد دخلتا في ”مصالحة تاريخية“ مع العلمانية وقبلتا بمبدأ فصل الدين عن الدولة، بينما أن الإسلام بشكل عام ما زال يقاوم ذلك، بل ونجح في إقامة أنظمة حاكمة تستمد شرعيتها من إقامة الشريعة وبنيات سياسية مؤثرة وعابرة للقارات تنشط في معارضة العلمانية والدعوة ”للحكم بما أنزل الله“ .

وهنا يكمن الفرق الأساسي بين المدارس المسيحية واليهودية من ناحية والمدارس الإسلامية في بريطانيا وباقي الدول الغربية. فالمدارس المسيحية واليهودية تعمل على تعزيز وتعميق الانتماء الديني وسط طلابها مع قبولها للواقع العلماني وتصالحها معه، بينما أن المدارس الإسلامية تعمل على تعزيز وتعميق الانتماء الديني وسط طلابها مع مقاومتها الفكرية بشكل عام للواقع العلماني والدعوة لبرنامج العودة لدولة محمد (أو إحياء الشريعة). ورغم تحفظنا على ما تنشره مؤسسات البحث اليمينية في الغرب إلا أننا لا نستبعد صحة نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة تبادل السياسات (Policy Exchange) في عام 2007 وسط عينة من المسلمين البريطانيين شمِلت ألف شخص. وحسب هذا الاستطلاع فإن 36% من الشباب في الفئة العمرية من 16 إلى 24 سنة يؤمنون بأن من يخرج من الإسلام يجب أن يعاقب بالقتل، بينما أن هذه النسبة تتراجع إلى 19% في الفئة العمرية لمن هم فوق 55 سنة. لو صحّت هذه النتيجة فإن أحد العوامل الأساسية التي لابد أن نضعها في اعتبارنا لتفسير هذا الفرق الكبير بين الفئتين العمريتين هو عامل المدارس الإسلامية التي بدأت في الانتشار وتلقف هذا الجيل من الشباب وتشكيل وعيهم منذ الثمانينيات. وليس من المستغرب على ضوء هذا التأثير أن نرى الآن العشرات من شباب الجيل الثاني والثالث للمهاجرين المسلمين في الغرب يركلون قيم العلمانية والتسامح الديني لينضموا لفضاء دولة الخلافة ويصبحوا عنصرا فاعلا في عنفها. وإن كان لنا أن نشير لأبرز مؤشر نجاح لهذه المدارس في استلاب وعي الشباب فإنه نجاحها وسط قطاع الفتيات خاصة، واللاتي لم يتردد الكثيرات منهن في اللحاق بفضاء دولة الخلافة لينتقلن بين ليلة وضحاها من مواطنات يتمتعن بالكرامة الإنسانية والمساواة القانونية في مجتمع ديمقراطي لمواطنات في مجتمعِ دولةٍ تسبي النساء وتبيعهن كرقيق وتفرض شريعة تميّز ضدهن وتحيلهن لمواطنات من الدرجة الثانية.



(3)

ونجاح الإسلاميين في العقود الماضية في مجال التلقين المنظّم للأطفال لم يتحقق فقط بفضل قدراتهم التنظيمية وتمويلهم الضخم (خاصة تمويلهم من السعودية والخليج) وإنما أيضا وإلى حد كبير بسبب غياب استجابة تعليمية علمانية. فالاستجابة العلمانية النشطة في مواجهة الإسلاميين انحصرت بشكل عام في المجال السياسي وأهملت الجانب التعليمي. وهكذا ترك العلمانيون القادمون من مجتمعات إسلامية ابناءهم وبناتهم في الغرب نهبا ولقمة سائغة للإسلاميين يصوغون وعيهم كما يشاءون ليصبحوا غرباء في المحيط الكبير لأوطانهم الجديدة (بل وغرباء أحيانا حتى في محيطهم الأسري).

هذا الوضع المأزوم يجب ألا يُسمح له بالاستمرار، ولابد من استجابة تعليمية علمانية في الحال. وما ندعو له هو قيام مدارس للأطفال العرب والمسلمين تقوم على فلسفة تعليمية مختلفة وصحيّة. لابد من قيام مدارس تربط الأطفال بتراثهم الثقافي من غير أن تعزلهم عن وسطهم الثقافي الجديد. وفيما يتعلق بالإسلام، وهو لبّ الأمر عندما ننظر لما تريد المدارس الإسلامية تحقيقه، فلابد من توسيع سياق تدريسه ليعكس واقع التنوع الديني الذي يعيشه الأطفال فيدرسه الأطفال في سياقه التوحيدي الذي يعلّمهم شيئا عن اليهودية والمسيحية، ولابد أن يدرسه الأطفال كموضوع عام من مواضيع الدراسات الدينية فيتعلمون أيضا شيئا عن باقي أديان العالم. وما نقترحه يقتضي وضع منهج جديد لا يدرّس اللغة العربية (في حالة الأطفال العرب أو غيرهم) كلغة ”إسلامية“ ، وإنما كلغة تواصل ثقافي مثلها مثل باقي اللغات في العالم. وهكذا يصبح واجب المدرسة هو تعليم الأطفال اللغة ليس بغرض إعدادهم دينيا ولكن بغرض إكسابهم معرفة أساسية باللغة ليفعلوا بها بعد ذلك ما يشاءون. ومنهج هذه المدارس يجب أن يكون عونا وعضدا للمنهج العام الذي يدرسونه في مدارس تعليمهم النظامي ويجب أن يفتح الأطفال على ثقافة التساؤل العلمي والتدرّب على تنمية ملكاتهم النقدية واحترام كل أشكال التنوع والتشبّع بقيم حقوق الإنسان. إن مثل هذا المنهج هو الذي سيعدّ أطفالنا ليصبحوا مواطنين صالحين قادرين على إثراء مجتمعات مهاجرهم والمساهمة الفاعلة فيها من غير أن تصبح ثقافتهم الخاصة مصدر اغتراب وإعاقة.

لابد للعلمانيين أن ينظروا للصورة الكبيرة ويروا خيوط الشبكة الرفيعة التي تربطهم بالإسلاميين وتجعلهم منتمين لنفس المجال كمهاجرين. صحيح أن الإسلاميين يتحمّلون المسئولية الكبرى عن أعمال العنف الوحشي الذي يرتكبونه في الغرب، إلا أن هذا لا يُبرّيء العلمانيين الآتين من مجتمعات مسلمة تبرئة كاملة من المسئولية. إن فشل العلمانيين في إقامة بنيات تعليمية تتولّى تعليم أطفالهم يجعلهم مشاركين، وإن بشكل سلبي وغير مقصود، فيما يصدر من هؤلاء الأطفال في المستقبل.

سحب صديقي ابنته من المدرسة العربية الإسلامية لأنه لمس في الحال التشوّه الذي من الممكن أن يلحق بوعيها. وليس كل الناس بحساسية صديقي الأخلاقية وبعد نظره. وهكذا يصبح التحدي الكبير الذي يواجه العلمانيين الآن هو توفير البديل التعليمي لأطفالهم — البديل الذي من الممكن أن يعينهم على تنشئة أطفالهم تنشئة صحية ومتوازنة لا تملأهم بالتعالي على الآخر المختلف وكراهيته إلى حد الاستعداد لقتله وإنما تغرس فيهم احترام الآخر المختلف وقبول التنوع والاحتفاء به. وفي غياب هذا الوعي الإنساني فإن مهاجري البلاد العربية والإسلامية سيعيشون كل يوم في مهاجرهم والقلق يأكلهم من أن ينفجر عنف إسلامي في أي لحظة من لحظات يومهم فيدمّر ما حولهم ويزيدهم عزلة واغترابا.



محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان.

[email protected]
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

الاستشراق ليس هو الحل

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »


سلام يا عثمان حامد و تحيات

أرجو أن يتقبل الدكتور محمد محمود ملاحظاتي المتواضعة أدناه على ما تفضل به في هذا الموضوع الهام، سأحاول ترتيب الملاحظات بحسب ترتيبها في المقال و ليس على أساس أهميتها في تقديري.

- دون المساس بحق صديقك كأب في سحب ابنته من المدرسة، لكن استغرب كيف أنه "ارتاع" لأن ابنته تتلقى مثل هذه الأفكار في مدرسة إسلامية، هناك آيات قرآنية توضح الفئات التي سيكون مصيرها جهنم و من تلك الفئات نجد الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين، عدا عن أن الفقه الإسلامي الرسمي كله قائم على أن غير المسلمين من اتباع النبي محمد سيدخلون النار. أقول الفقه الرسمي للاحتراز. هدف هذه النقطة هو فقط استخدام واقعة "ارتياع" هذا الأب لاحقا في إطار الحديث عن تأثير نقص "الثقافة" الدينية في الأسر و دوره في انتاج أجيال جديدة ذات أفكار متطرفة.

- الفقرة المرقمة 2 في المقال فيها عدد من التشوشات، أولا: يتساءل الدكتور ماذا فعل "المؤمنون" –هكذا- كتعبير عن مسؤوليتهم تجاه الاعتراف بالحريّة الدينية و تعزيزها في بريطانيا (أو الغرب) أي تجاه السماح لهم بإنشاء مدارس دينية، لعل الأنسب كان أن يتساءل ماذا فعلت إدارات هذه المدارس كرد منها على هذه المنحة، أي ماذا فعلت من جهة تنقيح المناهج أو مراعاة الإطار الثقافي العام الذي يعيش فيه طلابها. كانت هذه المقاربة منطقية لو أتى بها الدكتور، لكن الدكتور يريد بدلا عن ذلك أن يحاكم الفقه الإسلامي السائد لأنه يقاوم حرية الفكر و الضمير و التعدد، و لأنه فشل في إنجاز مصالحة مع العلمانية. بهذه الطريقة كأن الدكتور يريد أن يقول إن الإسلام الرسمي غير مؤهل و غير جدير بتلك المنحة.

- أظن أن من حق الفكر الإسلامي الرسمي، و أي فكر، أن لا يعترف بحرية الفكر و الضمير، و أن لا يقبل الانسجام مع قيم حقوق الإنسان السائدة اليوم، بل و من حق مثل هذا الفكر، الدعوة سلمياً إلى عقيدته هذه سيما لو كان "يُؤمن" أنها جاءت من فوق سبع سماوات، السؤال هنا ليس لأصحاب هذا الفكر، بل لأصحاب القرار السياسي في تلكم البلدان، و هو سؤال عويص: هل ستتدخل لمنع المناهج التي لا تتماشى و تنسجم مع متطلبات التعايش الحضاري في تلك البلاد تحت أي مسميات لحماية الأمن القومي أو الدستور، أم أنها ستلتزم بالحياد و تترك هذه المدارس تضمن ما أشار إليه الدكتور مثل حكم الردّة و مثل أن مصير غير المسلمين هو النار و غير ذلك كثير.

- مع اتفاقي العام مع الدكتور في أنه يجب أن يكون هناك بديل علماني في مجال التعليم الديني (الإسلامي)، لكن أشير قبل ذلك إلى نقطة جد جوهرية أغفلها في مجمل المقال ألا و هي الدور السلبي للكثير من الأسر ذات الأصول المسلمة من المهاجرين أو المقيمين في الغرب مع أنه نعى على الأسر "وهكذا ترك العلمانيون القادمون من مجتمعات إسلامية ابناءهم وبناتهم في الغرب نهبا ولقمة سائغة للإسلاميين يصوغون وعيهم كما يشاءون"، و من صورها –للمفارقة- هنا أيضا صديق الدكتور الوارد في صدر المقال، ألا و هي مشكلة ضعف الثقافة الإسلامية لدى الوالدين و عزوفهم أو عملهم على عزل أبنائهم عن هذه الثقافة بالإجمال، و هذا هو ما يخلق تشوهات الهوية التي تدفع بهؤلاء الأبناء للحصول على هذه الثقافة من مصادر أخرى قد لا يدركها الوالدان أو ليست لهما سيطرة عليها، من ملاحظتي العادية في الحياة أن كثير من الآباء و الأمهات من تالانا في جهة اليسار لا يدركون خطورة عدم تمليك أبنائهم ثقافة إسلامية عميقة و منفتحة، و بالتي لا يقيمون بالقدر اللازم طبيعة المشكلات التي يواجهها هؤلاء الأبناء في منطقة الهوية الدينية خصوصا و أنهم يعلمون أنهم من خلفيات اجتماعية تدين بالإسلام و يحملون في الغالب اسماء إسلامية أو قل عربية. هذا الدور المبادر للأسر في هذه المجال هو أكثر أهمية و أثراً من أي مدخلات أخرى في المدارس أو غيرها.

- أما مضمون تصورات الدكتور محمد محمود عن المدارس العلمانية البديلة فليعذرني الدكتور لو قلت أنني أجده طريفا، ففيما يتعلق بتدريس الإسلام في هذه المدارس يقترح الدكتور أن يتم تدريسه في سياقه التوحيدي الذي يعلّمهم شيئا عن اليهودية و المسيحية و كموضوع عام من مواضيع الدراسات الدينية. هؤلاء الأطفال ليسوا مستشرقين سيدي الدكتور، و أنت لديك حل أفضل من هذه النظرة الخارجية (و الموضوعية) لدراسة الإسلام، ألا و هو تدريسهم الإسلامات كلها، فأفضل طريق للتنوير الإسلامي (في إطار التعليم) هو التخلي عن عقلية تقديم إسلام واحد على أنه هو الإسلام، و هي العقلية التي أودت بعقول أجيال بحالها من المسلمين سواء في المهاجر أو في بلداننا الأم، فلو أدرك الطالب الدارس للتربية الإسلامية أن هناك سنة و شيعة، تصوّف و وهابية و تيارات أخرى، و لو تعلم كذلك شيئا عن تاريخ و تطور الفكر الإسلامي و مذاهبه، بصراعاته و إنجازاته، إذن لكان مثل هذا التعليم الديني عاصماً عن الإنغلاق و الشطط، لأن أكبر ممون للتطرّف هو الجهل كما قد يتفق معنا الدكتور..

- كذلك اللغة العربية، مرة أخرى خطاب الدكتور خارجي قليلا، إن علاقة اللغة العربية بالقرآن و علومه، بل و تمكين الطلاب من اتقان استخدام اللغة في فهم و إعادة إنتاج ثقافة إسلامية هما بالعكس ما يجب أن يكون عليه هم المثقفين المستنيرين من أبناء الثقافة الإسلامية، أي أن نتبنى سياسة اقتحامية بدلا عن سياسة الزهد هذه، لأننا من خلال تكريس هذه الوضعية غير المنخرطة في جدل الإسلام من داخله إنما نواصل تسليمنا للمؤسسة الكهنوتية الرسمية، التي استفادت و ما تزال من انفرادها بهذه التركة توظفها كيف تشاء، و اللغة العربية هي الأداة الأساس في هذا المجال، و النظر في تاريخ الصراعات الفكرية في الإسلام يعطي أدلة على ما نقول بطبيعة الحال.

If you can't explain it simply, you don't understand it well enough
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

الاستشراق ليس هو الحل

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »


سلام يا عثمان حامد و تحيات

أرجو أن يتقبل الدكتور محمد محمود ملاحظاتي المتواضعة أدناه على ما تفضل به في هذا الموضوع الهام، سأحاول ترتيب الملاحظات بحسب ترتيبها في المقال و ليس على أساس أهميتها في تقديري.

- دون المساس بحق صديقك كأب في سحب ابنته من المدرسة، لكن استغرب كيف أنه "ارتاع" لأن ابنته تتلقى مثل هذه الأفكار في مدرسة إسلامية، هناك آيات قرآنية توضح الفئات التي سيكون مصيرها جهنم و من تلك الفئات نجد الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين، عدا عن أن الفقه الإسلامي الرسمي كله قائم على أن غير المسلمين من اتباع النبي محمد سيدخلون النار. أقول الفقه الرسمي للاحتراز. هدف هذه النقطة هو فقط استخدام واقعة "ارتياع" هذا الأب لاحقا في إطار الحديث عن تأثير نقص "الثقافة" الدينية في الأسر و دوره في انتاج أجيال جديدة ذات أفكار متطرفة.

- الفقرة المرقمة 2 في المقال فيها عدد من التشوشات، أولا: يتساءل الدكتور ماذا فعل "المؤمنون" –هكذا- كتعبير عن مسؤوليتهم تجاه الاعتراف بالحريّة الدينية و تعزيزها في بريطانيا (أو الغرب) أي تجاه السماح لهم بإنشاء مدارس دينية، لعل الأنسب كان أن يتساءل ماذا فعلت إدارات هذه المدارس كرد منها على هذه المنحة، أي ماذا فعلت من جهة تنقيح المناهج أو مراعاة الإطار الثقافي العام الذي يعيش فيه طلابها. كانت هذه المقاربة منطقية لو أتى بها الدكتور، لكن الدكتور يريد بدلا عن ذلك أن يحاكم الفقه الإسلامي السائد لأنه يقاوم حرية الفكر و الضمير و التعدد، و لأنه فشل في إنجاز مصالحة مع العلمانية. بهذه الطريقة كأن الدكتور يريد أن يقول إن الإسلام الرسمي غير مؤهل و غير جدير بتلك المنحة.

- أظن أن من حق الفكر الإسلامي الرسمي، و أي فكر، أن لا يعترف بحرية الفكر و الضمير، و أن لا يقبل الانسجام مع قيم حقوق الإنسان السائدة اليوم، بل و من حق مثل هذا الفكر، الدعوة سلمياً إلى عقيدته هذه سيما لو كان "يُؤمن" أنها جاءت من فوق سبع سماوات، السؤال هنا ليس لأصحاب هذا الفكر، بل لأصحاب القرار السياسي في تلكم البلدان، و هو سؤال عويص: هل ستتدخل لمنع المناهج التي لا تتماشى و تنسجم مع متطلبات التعايش الحضاري في تلك البلاد تحت أي مسميات لحماية الأمن القومي أو الدستور، أم أنها ستلتزم بالحياد و تترك هذه المدارس تضمن ما أشار إليه الدكتور مثل حكم الردّة و مثل أن مصير غير المسلمين هو النار و غير ذلك كثير.

- مع اتفاقي العام مع الدكتور في أنه يجب أن يكون هناك بديل علماني في مجال التعليم الديني (الإسلامي)، لكن أشير قبل ذلك إلى نقطة جد جوهرية أغفلها في مجمل المقال ألا و هي الدور السلبي للكثير من الأسر ذات الأصول المسلمة من المهاجرين أو المقيمين في الغرب مع أنه نعى على الأسر "وهكذا ترك العلمانيون القادمون من مجتمعات إسلامية ابناءهم وبناتهم في الغرب نهبا ولقمة سائغة للإسلاميين يصوغون وعيهم كما يشاءون"، و من صورها –للمفارقة- هنا أيضا صديق الدكتور الوارد في صدر المقال، ألا و هي مشكلة ضعف الثقافة الإسلامية لدى الوالدين و عزوفهم أو عملهم على عزل أبنائهم عن هذه الثقافة بالإجمال، و هذا هو ما يخلق تشوهات الهوية التي تدفع بهؤلاء الأبناء للحصول على هذه الثقافة من مصادر أخرى قد لا يدركها الوالدان أو ليست لهما سيطرة عليها، من ملاحظتي العادية في الحياة أن كثير من الآباء و الأمهات من تالانا في جهة اليسار لا يدركون خطورة عدم تمليك أبنائهم ثقافة إسلامية عميقة و منفتحة، و بالتي لا يقيمون بالقدر اللازم طبيعة المشكلات التي يواجهها هؤلاء الأبناء في منطقة الهوية الدينية خصوصا و أنهم يعلمون أنهم من خلفيات اجتماعية تدين بالإسلام و يحملون في الغالب اسماء إسلامية أو قل عربية. هذا الدور المبادر للأسر في هذه المجال هو أكثر أهمية و أثراً من أي مدخلات أخرى في المدارس أو غيرها.

- أما مضمون تصورات الدكتور محمد محمود عن المدارس العلمانية البديلة فليعذرني الدكتور لو قلت أنني أجده طريفا، ففيما يتعلق بتدريس الإسلام في هذه المدارس يقترح الدكتور أن يتم تدريسه في سياقه التوحيدي الذي يعلّمهم شيئا عن اليهودية و المسيحية و كموضوع عام من مواضيع الدراسات الدينية. هؤلاء الأطفال ليسوا مستشرقين سيدي الدكتور، و أنت لديك حل أفضل من هذه النظرة الخارجية (و الموضوعية) لدراسة الإسلام، ألا و هو تدريسهم الإسلامات كلها، فأفضل طريق للتنوير الإسلامي (في إطار التعليم) هو التخلي عن عقلية تقديم إسلام واحد على أنه هو الإسلام، و هي العقلية التي أودت بعقول أجيال بحالها من المسلمين سواء في المهاجر أو في بلداننا الأم، فلو أدرك الطالب الدارس للتربية الإسلامية أن هناك سنة و شيعة، تصوّف و وهابية و تيارات أخرى، و لو تعلم كذلك شيئا عن تاريخ و تطور الفكر الإسلامي و مذاهبه، بصراعاته و إنجازاته، إذن لكان مثل هذا التعليم الديني عاصماً عن الإنغلاق و الشطط، لأن أكبر ممون للتطرّف هو الجهل كما قد يتفق معنا الدكتور..

- كذلك اللغة العربية، مرة أخرى خطاب الدكتور خارجي قليلا، إن علاقة اللغة العربية بالقرآن و علومه، بل و تمكين الطلاب من اتقان استخدام اللغة في فهم و إعادة إنتاج ثقافة إسلامية هما بالعكس ما يجب أن يكون عليه هم المثقفين المستنيرين من أبناء الثقافة الإسلامية، أي أن نتبنى سياسة اقتحامية بدلا عن سياسة الزهد هذه، لأننا من خلال تكريس هذه الوضعية غير المنخرطة في جدل الإسلام من داخله إنما نواصل تسليمنا للمؤسسة الكهنوتية الرسمية، التي استفادت و ما تزال من انفرادها بهذه التركة توظفها كيف تشاء، و اللغة العربية هي الأداة الأساس في هذا المجال، و النظر في تاريخ الصراعات الفكرية في الإسلام يعطي أدلة على ما نقول بطبيعة الحال.

If you can't explain it simply, you don't understand it well enough
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

كتب الأكرم : محمد حسبو :

كود: تحديد الكل

سلام يا عثمان حامد و تحيات 

أرجو أن يتقبل الدكتور محمد محمود ملاحظاتي المتواضعة أدناه على ما تفضل به في هذا الموضوع الهام، سأحاول ترتيب الملاحظات بحسب ترتيبها في المقال و ليس على أساس أهميتها في تقديري.

- دون المساس بحق صديقك كأب في سحب ابنته من المدرسة، لكن استغرب كيف أنه "ارتاع" لأن ابنته تتلقى مثل هذه الأفكار في مدرسة إسلامية، هناك آيات قرآنية توضح الفئات التي سيكون مصيرها جهنم و من تلك الفئات نجد الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين، عدا عن أن الفقه الإسلامي الرسمي كله قائم على أن غير المسلمين من اتباع النبي محمد سيدخلون النار. أقول الفقه الرسمي للاحتراز. هدف هذه النقطة هو فقط استخدام واقعة "ارتياع" هذا الأب لاحقا في إطار الحديث عن تأثير نقص "الثقافة" الدينية في الأسر و دوره في انتاج أجيال جديدة ذات أفكار متطرفة.

- الفقرة المرقمة 2 في المقال فيها عدد من التشوشات، أولا: يتساءل الدكتور ماذا فعل "المؤمنون" –هكذا- كتعبير عن مسؤوليتهم تجاه الاعتراف بالحريّة الدينية و تعزيزها في بريطانيا (أو الغرب) أي تجاه السماح لهم بإنشاء مدارس دينية، لعل الأنسب كان أن يتساءل ماذا فعلت إدارات هذه المدارس كرد منها على هذه المنحة، أي ماذا فعلت من جهة تنقيح المناهج أو مراعاة الإطار الثقافي العام الذي يعيش فيه طلابها. كانت هذه المقاربة منطقية لو أتى بها الدكتور، لكن الدكتور يريد بدلا عن ذلك أن يحاكم الفقه الإسلامي السائد لأنه يقاوم حرية الفكر و الضمير و التعدد، و لأنه فشل في إنجاز مصالحة مع العلمانية. بهذه الطريقة كأن الدكتور يريد أن يقول إن الإسلام الرسمي غير مؤهل و غير جدير بتلك المنحة.

- أظن أن من حق الفكر الإسلامي الرسمي، و أي فكر، أن لا يعترف بحرية الفكر و الضمير، و أن لا يقبل الانسجام مع قيم حقوق الإنسان السائدة اليوم، بل و من حق مثل هذا الفكر، الدعوة سلمياً إلى عقيدته هذه سيما لو كان "يُؤمن" أنها جاءت من فوق سبع سماوات، السؤال هنا ليس لأصحاب هذا الفكر، بل لأصحاب القرار السياسي في تلكم البلدان، و هو سؤال عويص: هل ستتدخل لمنع المناهج التي لا تتماشى و تنسجم مع متطلبات التعايش الحضاري في تلك البلاد تحت أي مسميات لحماية الأمن القومي أو الدستور، أم أنها ستلتزم بالحياد و تترك هذه المدارس تضمن ما أشار إليه الدكتور مثل حكم الردّة و مثل أن مصير غير المسلمين هو النار و غير ذلك كثير.

- مع اتفاقي العام مع الدكتور في أنه يجب أن يكون هناك بديل علماني في مجال التعليم الديني (الإسلامي)، لكن أشير قبل ذلك إلى نقطة جد جوهرية أغفلها في مجمل المقال ألا و هي الدور السلبي للكثير من الأسر ذات الأصول المسلمة من المهاجرين أو المقيمين في الغرب مع أنه نعى على الأسر "وهكذا ترك العلمانيون القادمون من مجتمعات إسلامية ابناءهم وبناتهم في الغرب نهبا ولقمة سائغة للإسلاميين يصوغون وعيهم كما يشاءون"، و من صورها –للمفارقة- هنا أيضا صديق الدكتور الوارد في صدر المقال، ألا و هي مشكلة ضعف الثقافة الإسلامية لدى الوالدين و عزوفهم أو عملهم على عزل أبنائهم عن هذه الثقافة بالإجمال، و هذا هو ما يخلق تشوهات الهوية التي تدفع بهؤلاء الأبناء للحصول على هذه الثقافة من مصادر أخرى قد لا يدركها الوالدان أو ليست لهما سيطرة عليها، من ملاحظتي العادية في الحياة أن كثير من الآباء و الأمهات من تالانا في جهة اليسار لا يدركون خطورة عدم تمليك أبنائهم ثقافة إسلامية عميقة و منفتحة، و بالتي لا يقيمون بالقدر اللازم طبيعة المشكلات التي يواجهها هؤلاء الأبناء في منطقة الهوية الدينية خصوصا و أنهم يعلمون أنهم من خلفيات اجتماعية تدين بالإسلام و يحملون في الغالب اسماء إسلامية أو قل عربية. هذا الدور المبادر للأسر في هذه المجال هو أكثر أهمية و أثراً من أي مدخلات أخرى في المدارس أو غيرها.

- أما مضمون تصورات الدكتور محمد محمود عن المدارس العلمانية البديلة فليعذرني الدكتور لو قلت أنني أجده طريفا، ففيما يتعلق بتدريس الإسلام في هذه المدارس يقترح الدكتور أن يتم تدريسه في سياقه التوحيدي الذي يعلّمهم شيئا عن اليهودية و المسيحية و كموضوع عام من مواضيع الدراسات الدينية. هؤلاء الأطفال ليسوا مستشرقين سيدي الدكتور، و أنت لديك حل أفضل من هذه النظرة الخارجية (و الموضوعية) لدراسة الإسلام، ألا و هو تدريسهم الإسلامات كلها، فأفضل طريق للتنوير الإسلامي (في إطار التعليم) هو التخلي عن عقلية تقديم إسلام واحد على أنه هو الإسلام، و هي العقلية التي أودت بعقول أجيال بحالها من المسلمين سواء في المهاجر أو في بلداننا الأم، فلو أدرك الطالب الدارس للتربية الإسلامية أن هناك سنة و شيعة، تصوّف و وهابية و تيارات أخرى، و لو تعلم كذلك شيئا عن تاريخ و تطور الفكر الإسلامي و مذاهبه، بصراعاته و إنجازاته، إذن لكان مثل هذا التعليم الديني عاصماً عن الإنغلاق و الشطط، لأن أكبر ممون للتطرّف هو الجهل كما قد يتفق معنا الدكتور..

- كذلك اللغة العربية، مرة أخرى خطاب الدكتور خارجي قليلا، إن علاقة اللغة العربية بالقرآن و علومه، بل و تمكين الطلاب من اتقان استخدام اللغة في فهم و إعادة إنتاج ثقافة إسلامية هما بالعكس ما يجب أن يكون عليه هم المثقفين المستنيرين من أبناء الثقافة الإسلامية، أي أن نتبنى سياسة اقتحامية بدلا عن سياسة الزهد هذه، لأننا من خلال تكريس هذه الوضعية غير المنخرطة في جدل الإسلام من داخله إنما نواصل تسليمنا للمؤسسة الكهنوتية الرسمية، التي استفادت و ما تزال من انفرادها بهذه التركة توظفها كيف تشاء، و اللغة العربية هي الأداة الأساس في هذا المجال، و النظر في تاريخ الصراعات الفكرية في الإسلام يعطي أدلة على ما نقول بطبيعة الحال.


تحية وسلاماً
للدكتور محمد محمود
وللأكرم : عثمان حامد
وللأكرم : محمد حسبو

إني أرى كتابة الأكرم: محمد حسبو تُطرب ، في سلاستها وبيان القضية التي نقضي فيها جُل عمرنا ، ليس في أننا نحاول أن نعيد العربة المتجهة إلى تاريخ مسيرتها بين الأمم والحضارات ، بل أن نساعد قدر الممكن أن نتفهم مساهمة العقائد في طمأنة نفوس معتقديها ،و إلى رؤية منفتحة إلى الآخر ، لا منغلقة دونه .
قرأت كثيراً ، وكنت أرى أن هناك غفلة عن التكوين الوجداني ، الذي ينتظر تداعيات أن يكون شباب اليوم كما أراد له الأسلاف باجتهاداتهم التي أصبح كثيرين من الذين لا ينظرون النظرة النقدية للمسلمات ، ينقلونها وكأنها مقدسة ، أو أن السلف مقدسون .
من هذا المنطلق أتفق على تفاصيل ما جاء بها الأكرم : محمد حسبو ، وأتفق أيضاً مع مباحث الدراسات الاجتماعية التي تدرس أصول كافة الأديان والمعتقدات ببراغماتية ، لمعرفة أين تقف العقائد من بعضها ، ويذوب هذا الخناق على التفاضل ، وأن أهل كل عقيدة يرون الآخرين ذاهبين إلى الجحيم ، أقاموا الحوائط الغليظة ، وهم في الحقيقة لا يعرفون عقائد البعض الآخر إلا من قراءة القراءة ، وليس قراءة الأصول عن المعتقدات من أصحابها . إن الذين يرون أن الدين هو الهوية ، فيما أنه جزء من الهوية وجزء من الثقافة ، ويحتاج المرء أن يتعرف على الخيارات كلها.
وهناك أيضاً باب واسع وهو علاقة علوم النفس بالعقائد ... وللحديث بقية إن كان هناك مُتّسع من الوقت
والشكر للجميع



*
أضف رد جديد