ود الحرام

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

ود الحرام

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

ود الحرام
----------
محمد حمد

طردني صاحبها ثلاثاً { الشقي هووي أمرق يا فقر مرق جلدك} ولم أكترث له، كنت أنقٓب داخل الجولات المصطفة حول الطاحونة لأجمع حفنة منتخبة من حبات ذرة "الحِميسي" حجمها أكبر قليلا. زجرني مرة اخري بازدراء يليق بحمار اعمي فقلت له بصوت يحدّق في عينيه مباشرةً : {يومداك كنت بتسوي شنو في زنكي البيارة مع هناية!؟} فتقهقر قليلا قائلا وموجها حديثة للعدم { الشافع ود الحرام دا الله يدينا خيرو} ثم دهن صوته بالـتلطف وأردف {عاين في ترتار في الزريبة بديك ليهو تلعب بيهو} قلت له لقد قفزت وأخذته منذ ثلاث ايام وبعته للحلب كي يصنعوا منه دوّارةً للكير، ضحك داعيا لي بالموت والشلل كي يرتح مني العالم.


فور خروجي من الطاحونة وجدت نصف سجارة برنجي مُطْفِئَة دهساً، ربما رمي بها مراهقٌ لمح أحد أقاربه، ربما مُسن ضاقت رئته بعد أن سعل ثلاث مرات، ربما عاشق في مزاج سيئ لا حوجة له بها لكن أشعلتها نيران الانتظار وأطفئتها زفرات اليأس أوربما اي شي أخر، تلفتُّ حولي وأخذتها كما تخطف الحِدَأة _سيوسياً_ صغيراً لاهياً بفناء المنزل ثم أودعتها جيبي.

حفيٌّ لاني رغم صغري مهاب من الجميع، أقراني يلوذون مني خلف دموعهم المتوسلة او امام أرجلهم المهرولة. توقفت سياط جارنا عني منذ ثلاث أشهر حينما أذبت الصبغة في الطست الذي تشرب فيه أغنامه، توقفت عن المدرسة بعد ان رميت بالجنزير نحو أسلاك الكهرباء الرئيسة فتعطل الإمداد الكهربائي لمدة اسبوع، اخبرني بعدها المدير بأن لا مكان لي في المدرسة نهف وزفر ثم اطرق وأضاف { امشي جيب ولي أمرك وتعال}. انتظرت الترحيل الذي يقل أمي من المصنع حيث تُعمل في تعبئة الجرسلين ووضع العلامة عليه. أخبرتها بأني طردت وحجبت عنها ما تبقي، قالت وانا مضموم الي صدرها {بركة يا يمة المدرسة كملتك من لحم الدنيا اقعد ارتاح يا ضنايا ارتاح } فإرتحت .


وصلت الأشجار البعيدة التي يقال عنها مسكونة بـالشياطين، غاية أمنيتي أن أقابل شيطاناً مهما كلفني ذلك، كثيراً ما ناجيت الشياطين لتظهر لي، ابحث عنها في مكبات القمامة، في دورات المياه، في عتب البيت عند المغارب ولم أحظ بها قط، أريد ان أصادق أحدهم لكي يأنس وقتي، نمضي في الطرقات ونسرق الفواكه من الجنائن ونلعب سويا، لكن لا ادري اين تختبئ مني الشياطين.

جلست علي نعلي إتقاء الشوك وبشوكة رفيعة وصلبة ثقبت حبة الذرة وعقفتها بخيط علي الشٓرٓك وبحذر ثبتها علي حافة المِنْقَاش، ثم قبرت الشرك داخل الارض وهِلت عليه تراب أجتهدت في تنعيمه بجعل الحصي يتساقط من راحة يدي، هاهي الحبة تبدو بريئة ومغرية للمناقير كأنها سقطت لتوها من العربة التي تقل المحاصيل ولو كنت طائر لما تردت في أخذها وللتمويه الاضافي نثرت حولها ثلاث حبات ، الان تبدو بريئة تماماً وحوش الأسلاك القاسية المشدودة علي أهبة الانغلاق، بريئة من الموت الوشيك الذي يرقد تحتها، ترقد كقبر لاينتظر ميته بل يأخذه بالقوة، قبر يرقد تحت حبة ذرة بريئة كهذه الحياة.

نصبت فخاخي وجلست في حافة النهار الهالك الرمِض أدخن نصف سجارة، السراب هناك علي امتداد تأملي يصنع للأرض أرض مُردفة للمدي صورة متموجة لا احد هنا ولا هناك، الزراع في حقولهم والأبقار في مراعيها، وقت القيلولة لا اعرف ماذا اصنع به وفيه، لا احد هنا كي افتعل معه شي ولا شي يتحرك سوي الأعاصير الصغيرة العجِلة تنهض من العدم كالقراطيس المقرطسة تدور علي نفسها وتلتف كسجارة بنقو وتختفي سريعاً في العدم بعد ان تتبادلها شفاه الارض تراب يدخن التراب. يقولون لو نثرت قليلا من "الشطة" في " العُصار" ستري الشيطان، اثناء مطادرتي للأعاصير بلفافة الشطة التي استخدمها كسلاح سري في المشاجرات سمعت الصوت الجائزة، هاااا إنها " طيرة جغجاغة" أختارت حبة الذرة الخاطئة لها/الصحيحة لي. جمعت بعض التبن وقصفت ريشها ومررتها علي النار لتداهم أنفي رايحة اللحم الأَنُضَ ، الان سأستمع بـالتسكع حول الحقول ريثما تؤوب أمي من العمل.

سألت أمي مرارا اين أبي يا أمي!؟ في اول الايام كانت تقولها بصعوبة وحشرجة تمسك بتلابيب صوتها {" أبوك في الصعيد"} ثم اصبحت تقولها بسهولة كأنها تهش حشرة صغيرة علقت بأنفها. رسمته في مخيلتي يشبه عثمان السجمان، السجمان هو الوحيد الذي يثق بي، يوكل لي بيع البطيخ في المواسم، اجلب الحشائش لأغنامه، يهديني بنطال او جلباب ولا يزجرني. لا أعرف اين يقع الصعيد ولا أفكر بذلك كثيراً لكني اصبحت أحب اغنية تنبث احيانا من سماعات كشك السوق تقول :

{برقا في الصعيد وبلدو لي بعيدقالوا لي ﻻورا ....الشيخ جوابو جاء
بدورك يالحبيب تكون حداي قريب قالو لي....ﻻورا الشيخ جوابو جاء
يكون الجو رهيب دوعاش وهنبريب قالو لي.......ﻻوراالشيخ جوابو جاء
روحي السايقه قيح تعال خليك صريح قالو لي ﻻورا....الشيخ جوابو جاء
وحات سيد الضريح بجيك سيقاني ريح قالو لي ﻻورا... الشيخ جوابو جاء}

أتي اليوم النادر الذي يمكنني أن اشتري فيه علبة سجائر كاملة، أكل ما أشتهي من الباسطة ويمتلي جيبي بالنقود، لقد وصل صاحب البوكس الذي يجمع أواني الألومنيوم القديمة، كنت وحدي الذي يحوز علي الأجر الأعظم لاني اعرف كل أنية في الحي وأين تقبع، اقفز من فوق الحوائط بخفة في أوقات المقيل وأجمع الكثير حتي الأواني الصالحة للاستعمال، تواريت خلف لوح خشب مُسند الي الحائط كي اكتشف أهدافي وسمعت أحدهم في الداخل يسال أمه {" يمة انت الشيطان دا منو!؟"} فقالت له بثقة { شفت الشقي ود سهام،، دا الشيطان زاااااتو} تركت ما بيدي من غنائم وركضت ركضت مسرعا نحو محل الحلّاق، ركضت بلهفة، اخيرا سوف أراني/الشيطان وقفت قبالة المرآة وهالني أن أراهم هنا صاحب الطاحونة والبنت التي كانت معه في زنكي البيارة، المدرسين جمعهم والمدير، تجار السوق، ربات المنازل، العابرين في الأزقة، وكل سكان الحي والأحياء المجاورة، كلهم كانو يعبرون في المرآة كأعاصير صغيرة مسرعة تلتف علي نفسها وتختفي في العدم، رايتهم جميعا عدا عثمان السجمان.
السايقه واصله
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

wonderful, disturbingly beautiful, and painfully truthful
يعني بالعربي كدا، قصة "مبالغة" وبت لذينا (ولا أقول ليك بت حرام؟!)
اختيار جميل يا صديقي وليد، وقد قرأت اكتر من "حاجة" لهذا الصوت البديع - محمد حمد - أبهجني فيها بالجدة والرؤية الشوافة واللغة المتفردة وأشياء أخرى لا توصف...
تسلم...
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

هذه قصة قصيرة رائعة ياالوليد.

سرد رشيق، متماسك، معالجة بارعة، لغة حريفة، صور أنيقة.

لست أجد ما آخذه عليها سوى انه لا داعي لافساد صورة بصورة شبيهة في "كالقراطيس المقرطسة" - اذ كان يكفي قول: "كالقراطيس" - (أو كالأوراق المقرطسة؟)

شكرا ياالوليد على هذه المناولة الرفيعة.


ويا حافظ: ثمة، أيضا، من شئ، ودود، بينك وبين هذه القصة الرائعة - ذاكرة الطفولة - (قصة الزحلقانية).
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد نوفمبر 30, 2014 12:47 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »



شفت يا حافظ خيرالولد النجيض (محمد حمد) ده قصاص كيف ؟:)
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

يا عادل القصاص شهادتك (لمحمد حمد) يعتد بها وستفرحه كثيراً لكن ما عرفت سيف ده منو ؟ :)
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعرف يا الوليد، أو يا ود يوسف، يبدو أنني لم أستطع بعد التخلص من اعتقاد قديم - لست أدري من أين أتاني منذ أول يوم طالعت فيه اسمك هنا - بأن اسمك هو "وليد سيف"!

ياخي والله دي غريبة جدا ومحرجة جدا.

لست أملك الا أقول لك: آسف جدا جدا.

ولك العتبى حتى ترضى.



(قمت بالتعديل اللازم في تلك الكلمة).


والتحايا، الشكر والتقدير، مرة أخرى، لك ولمحمد حمد، الذي ستفخر به شجرة القصة القصيرة الحديثة في السودان باعتباره أحد أغصانها النضيرة.
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

احتمال يا قصاص لأن "الزحلقانية" مكتوبة في زمن الشباب :) ...
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

[font=Comic Sans MS]الاستاذ الوليد
تحياتي
في البداية ازعجني العنوان ومع ذلك فقد شدني لأعرف ماذا يريد (الوليد) ان يقول .....
ثم قرأت القصة فوجدتها فعلا كما قال الاستاذ عادل القصاص :
(سرد رشيق، متماسك، معالجة بارعة، لغة حريفة، صور أنيقة.)
فعندما اراد القاص رسم شخصيته المحورية وبقية الشخصيات كان يرسم عواطف وتصرفات الشخصية ويعقب علي تصرفاتها وايضا كان يترك الشخصية تعبر عن طبيعتها من خلال تصرفاتها فاجاد استخدام الطريقة التحليلية والطريقة التمثيلية .. اما في فن ترتيب الحوادث (اي الحبكة) فقد كانت الاحداث تتلاحق وتتتابع وهو امر هام في فن القصة القصيرة (انظر منتدي عالم القصة).. كما جاءت اللغة بسيطة وسهلة وصريحة وربما صادمة .. كما كانت بعض الكلمات وليدة بيئة معينة ربما يصعب فهمها علي البعض من الاجيال الحديثة (ذرة "الحِميسي" ، هناية، ترتار، للكير، سيوسياً، العُصار، جغجاغة، حداي، دوعاش،هنبريب .. الخ ) .. كما لم يعتمد القاص علي اسلوب الحوار وانما علي اسلوب السرد .. وبشكل عام فقد اوفي القاص عناصر القصة القصيرة بل كان مبدعا حقا ...
ويحزنني انني لم اقرأ لهذا القاص من قبل ...اذ ربما يكون مشروعا (ليوسف ادريس سوداني : الم يكتب يوسف ادريس ايضا رواية باسم الحرام مع اختلاف المضمون ) او (تشيكوف سوداني) ...
وشكرا لك يا وليد علي هذا الاختيار الذي وهبنا لحظات مثيرة .. وكيف عامل مع شتاء المانيا الذي بدأت طلائعه تقترب ...
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

يا عادل ياخ مادام الأسف و ما بيناتنا عتبى وليس على "القاصين" حرج فحيواتهم تتقاسم عوالم إفتراضية مع عوالم بين..بين ومعتقداتهم القديمة عين ثالثة يرصدون بها الزمان حتى اذا جاء لواديهم تركوه لوادي آخر.

عميق معزتي وتقديري

وليد
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

أستاذنا الجليل عباس محمد حسن

صدقت فيما قلت،(محمد حمد محمود) كاتب حازق يفكر بوضوح شديد وايضاً قاص موهوب ومتمكن له مساهمات جيدة نشرت هنا في منبر الحوار الديمقراطي في موقع سودان للجميع، لكن لم ينتبه لها بما يوفيها حقها وقدرها الفني، الأدبي. كل ذلك ربما كان بسبب الماراثونات الطويلة من المساجلات الفكرية الشرسة ذات الطابع التعصبي، الدارت هنا في هذا المعترك وهذه المساجلات رغم أهميتها وضرورتها، الا من نواحي آخرى يمكن أن تصرفنا عن بعض المساهمات المتميزة مثل مساهمات محمد حمد محمود،سأحاول ما أمكن رفع هذه المساهمات دي في واجهة المنبر حتى يتمكن الجميع من قراءتها.

وليد
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

ود الشويطن

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

ود الشويطين
ـــــــ
محمد حمد محمود

ود الشويطين يحكي بتحازق ليؤكد بنوءته ووفاءه للاشئ :" لقيت عمك الجاك حاري ليهو مشوار فاتح باب البوكسي يبخبخ في البرنجي ساي قلت ليه جيب سجارة ابي، سمح ادني نفسين إتباخل علي، قلت ليهو السجارة خَلها ديلك ركاب بصيحو ليك قال لي وينم قلت هديلك جنب الحواشة وعمك نظرو ضعيف دوّر سريع ومشي عليهم"، قلت له "اها" بمعني ما فائدة القصة!! ضحك مليئا وقال: "الجنب الحواشة كانو 4 (ابوالسِعن) بنقدّن في الحشر ساي هسي يكون بنقّد معاهن" و يضحك كله يتلجلج كقِربه صغيرة من جلد الماعز نصف ممتلئة معلقة افقيا علي حواف عربته التي يجرها الحمار المقشر الظهر بفعل تهاطل الهراوة عليه عٓرْت عٓرْت يا منجوه ويدير حِماره الي جهة لا يدركها فقط يمضي بعد أن يضع سفة كبيرة غير مشذبة ويدندن بلا حسٍ موسيقي ولا حياء :

ياود الناس ياود حساس فِك الكأس
ياود المرأ يا الكلك ورا يا الشحدتو جرا.

بتول المكي المهابة تزوجت خمس مرات ولم تصبر علي زيجة لتنجنب اصبحت مطلقة تقضي إجازتها القصيرة في الزواج، لا أعداء ثابتون لها ولا أصدقاء دائماً تنتقل في تحالفاتها من جهة حرب الي أخري مدججة بنظمها لشعر الهجاء الركيك، تنفق يومها في جلسات القهوة، تغزوها عنوة حاملةً ودعاتها السبع بيدٍ وأسرار كل البيوت بيدها الأخري.
" هييييي الدنيا زي ساقية، تتوقع الخلق وبت المكي باقية " تعلن عن حضورها بصوتٍ جهور بهذا المطلع وفي مدخل كل بيت، تفرد ودعاتها وتحملق "بنات الصُرة، الوحيد، الصفاح"، تتطلب دونما حرج بل تحدد صنف الطعام التي تحب، وتعش بسعادة فريدة لاتُنغّص حياتها غير مجاورتها لفطين بت مرزوق.

حينما تأهلنا لدخول المدرسة الابتدائية وجدنا ود الشويطين قابع في الصف الأول وهناك تركناه، يجلس بالدرج الأخير يطلق في النكات والمفردات البذيئة ويضحك، يعلمنا الأسبار التي تُنجينا من العقاب مثل أن نكتب اسم المعلم في عظم صغير ندفنه ونتبول عليه.
في الايام الاوّل دخل علينا مشرف الصف استاذ عصام سائلاً : من ذا الذي لم يسلّم الصور الفوتوغرافية؟ وقف ود الشويطين وحده؛
"ما جبت الصور مالك يا المرمّد؟"
- "والله ما عندي قروش أتصور بيهن"
- " اها والحل؟؟"
- " الحل؟، الحل؟ الحل؟ والله إلا ترسمني بس يا استاذ" وإنفجر الفصل ضاحكاً وود الشويطين باكياً جراء سياط استاذ عصام القاسية وبمجرد خروجه واصل معنا نوبات الضحك العالي، وكعادته لا يهاب العواقب والعقاب، لايرعوي مهما صار بل ينتقل كالفساء من انف مصيبة الي أخري.

ترك المدرسة متعللا حين التهمت الحرب محمود اب جلخة أكبر اخوته الذي اصبح ميتاً برتبة عريف وكان هو شيطان آخر لم تسلم من تحرّشه حتي الحمير، مات محمود واصبح لود الشويطين أخ واحد (مرزوق) انقطعت أخباره بعد خروجه من السجن وقيل انه تزوج في الجنوب وسكن هناك وآخرون قال رأوه مع جماعات التكفير والهجرة بينما تصر امه فطين بت مرزوق كذباً علي انه يزورها كل شهرين، تتعدد الأقاويل وظل اختفاءه وحده سراً مُحيراً.

ود الشويطين يعمل كل شئ بعائد او بدونه تارةً زبال يعجن الروث المخمّر بالتراب كطبقة اضافية تحمي بيوت الطين من نخر الامطار وتارة بائع للبندورة المهربة من المزارع بواسطة صغار العمال دون علم صاحب المزرعة علاوة علي مساعدته لنديمه حكيم الجزار في التوضيب والتقطيع، وعندما تقنط المواسم يختفي ليعمل بابكولاًمع مستورة في الكمبو يجلب لها الأحطاب والماء العذب بالقِربة التي يعلقها أفقيا في عربته التي يجرها الحمار، يراقب نار قدور العرقي وينظفها بعد تعبئته في عبوات صغيرة ثم فجأة يعود يبتاع العشب الأخضر في جولات علفاً للبهائم المنزلية.

أفاقت القرية هلِعة علي صراخ بت المكي وعويلها تدافع الأصدقاء والأعداء
تجمعوا حولها وهي تقف خلف غنمايتها المبقورة في بطنها من الجهتين مذعورة وتنوح:

حلابة المسور عطّاية ما شفت منك شين
ولادة البهم لبّايه خاتياني الشحِد والدين
أصبح بالدموم جرايه ها ناس اقبل وين
اقطع شطري حدّاية هِن دا ما ود فطين

لم تتوقف بت المكي عن سيرة فطين واولادها وقالت " فطين قبل ما تجيها بت سعيد تولدها تملا الحلة كلها سكليب وكواريك ووووووووب علي ووووب علي وداب ما بت سعيد تحلها وتلد شواطينا ديل الحله كلها تسكلب منهم وووووب علي ووووب علي، الله يقطع دابرهم". في كل يوم تطارده بالهجاء المنظوم.
لم ينكر ود الشويطين ذلك مبرراً فعلته بإشتهائه لكليتي الغنماية ومعيب أن يسرقها كاملة، ثم يضحك منشداً قصائد بت المكي الكثيرة القادحة له بسرور عظيم. وينتقل كالفُساء من مصيبة الي أخري، كما تنتقل بت المكي بودعاتها السبع من صداقة الي عداوة ومن عداوة الي قهوة، تجهر بصوتها المهاب عند مدخل كل بيت " هييييي الدنيا زي ساقية، تتوقع الخلق وبت المكي باقية " . ويظلان كمفراكتين يُحركان قِدر أحداث القرية الراكدة.
_________________
السايقه واصله
أضف رد جديد