ثــرثــرة حـمـيـمــة ....

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]

ما زال بطل هذه الحكاية حتى الان يجاور الغربة .. غربة حقيقية تقطن روحه التي لُوثت .. وجسده الذي إنتُهك .. قطع شوطاً طويلاً في عقده الثالث وهو ما زال يبحث عن فتاته الخاصة التي قد تكون متوفرة امام ناظريه .. لكن تناقض مشاعره الداخلية ما بين رغبته في انثى ملوثة تستطيع ان تستوعب ماضيه .. واخرى طاهرة يظن انه لا يستحقها .. جعله واقفاً على حافة لزجة لا يستطيع ان يتجاوزها ..او يتراجع عنها ..




* حاشية ...

ما اقسى الاوجاع الصامتة التي يحملها بعض البشر ويسيرون بها وهي تكاد تقصم ظهورهم من ثقلها .. راسلني صاحب هذا الوجع بعد نشر رواية حوش بنات ود العمدة بعدة اسابيع .. كانت رسالته الاولى متساءلة .. حذرة .. تتلمس الطريق الى مداركي برهبة وبطء .. ثم مع تتالي المراسلات بدأ يناقشني في احداث الرواية بالحاح يتركز حول فصول بعينها .. وتحديداً الفصل الثالث الذي يروي حكاية ( ابراهيم ) وما تعرض له في طفولته وتبعات ذلك على حياته .. ثم بالتتابع ارسل لي في قصاصات خجولة متفرقة حكايات وجعه ومعها رخصة بنشرها متى ما رغبت .. ثم اختفى ..
ترددت كثيراً في نشرها .. لان فيها قدراً وافراً من الالم نتج عن عدم رغبتي في تصديق قيام من كاد ان يكون رسولاً بهذا الفعل القبيح .. وحزني على هذا الانسان الذي احترق من الداخل بما فُعل به وما فعله هو حتى بات ممتلئاً بالسواد ...
اتمنى ان يتجاوز وجعه بعد ان اخرجه من جوفه وصرخ به .. اتمنى ان يستعيد قدرته على التعايش مع نفسه بلا احتقار اواحساس بالذنب .. اتمنى ان يجد من تكون له سكناً وتنسيه مرارة ما حدث له ومنه ..


وما زال للاوجاع الصامتة بقية ..

للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]



وجع آخر وليس أخير ...


ما عداوة ... إلا من بعد محبة ..

هي ... تفجرت أنوثتها مبكراً وظهرت فتنتها بسفور جعلها بؤرة تتمركز حولها مشاعر شتى .. رغبات الرجال وسعيهم الحميد والخبيث .. حسد النساء وغيرتهن الظاهرة والمستترة .. أمنيات المراهقين وأحلامهم السرية والعلنية .. فتحولت حياتها الغضة إلى حصار احكمه الأخ المغالي في حماية شقيقته بقائمة من الممنوعات والمحظورات التي طالت تسريحة الشعر وطول الفستان وحجم فتحة العنق وكحل العيون .. والابتسامة .. والضحكة .. والهمسة .. حتى ضاقت المراهقة الصغيرة بهذا السجن القاتل وقررت أن تتحرر منه بأول رجل طرق الباب طالباً امتلاك هذا الجسد الجميل والروح الفتية .. تزوجت وهي لم تكمل بعد عامها السابع عشر .. ورحلت مع الزوج بعيداً إلى مكان لم تألفه .. وعالم لم تعرفه .. وبيئة لم تختبرها من قبل .. واكتشفت أنها قد استبدلت سجن شقيقها بسجن زوج غيور حبسها في نطاق ضيق حدوده أوامره ونواهيه .. وشبقه .. كان شرهاً ولا يشبع من التهام جسدها في كل وقت من ليل أو نهار سواء أن رغبت أم رفضت .. كان يرتمي عليها كالبهيمة بلا تمهيد او رسول .. لم تكن بينهما أية أشياء مشتركة ولا اهتمامات متشابهة ولا أحاديث ناعمة .. فضاقت الصغيرة بهذه الحياة الخشنة .. وعندما مر عام على الزيجة كانت قد حازت على لقب مطلقة .. وعادت إلى سجنها الأول بكل سرور لتجده قد زاد إحكاماً بحجة أنها أصبحت امرأة ذات ماضي لا يغتفر .. فالطلاق في عرف أفراد القطيع وصمة عار في جبين المرأة .. تجربة تخرج منها وهي محملة بكل أدران العلاقة الشرعية التي تمت بعقد وشهود وإشهار .. والمطلقة في عرف أفراد القطيع يعيبها كل شئ باعتبار أنها سطح خشن وكثير النتوءات لذلك تعلق به كل الأشياء التي تعبره حتى لو كانت بخفة الريشة ..


آخر تعديل بواسطة سناء جعفر في الخميس سبتمبر 29, 2011 10:50 am، تم التعديل مرة واحدة.
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]

خرجت من تجربتها جريحة لكنها قوية .. رفضت الانصياع لأمر سجانها الأصغر الذي لعب شقيقها دوره بإتقان منقطع النظير .. وتمردت على أوامر السجان الأكبر المتمثل في مجتمعها الذي كان لا يألوا جهداً للنيل من هذه العورة التي نجت من الوأد .. عادت إلى مدرستها التي هجرتها وحاربت كي تنال شهادتها وتدخل الجامعة .. ثم حاربت كي تجد فرصة عمل تكمل بها ذاتها التي أحستها ناقصة بعد طلاقها .. أثبتت لنفسها وللجميع أنها تستحق فرصة أخرى ..
كان مجال عملها يتيح لها الالتقاء بشتى أنواع البشر .. واستلام شتى أنواع العروض .. فهي في عرف ذكور القطيع مطلقة وجميلة وصغيرة ويمكنها أن تفعل ما تريد مع من تريد بعد أن تخلصت من عبء غشاء بكارتها وصارت أبوابها مشرعة لاستقبال الزائرين .. لكنها صمدت ورفضت كل العروض .. حتى اعترض هو طريقها .. كان زبونا دائماً في مقر عملها .. طاردها بإصرار مخيف .. وفي كل مكان .. ووصل حتى عتبة باب بيت أبويها .. كان جريئاً لحوحاً .. ومصراً على امتلاكها حتى لو كان السبيل الوحيد لذلك هو الزواج .. كانت الاختلافات بينهما واضحة .. وكانت المحاذير اكبر من المحفزات .. لكنها في النهاية خضعت لرغبة القطيع في سترها بزيجة رابحة في نظرهم ومتوجسة من طرفها .. وكان سجن آخر بمواصفات أخرى .. اخبرها الزوج في أول أيام شهر العسل انه لم يتزوجها إلا لكي ينال من جسدها الفارع الجميل .. وتحول شهر العسل إلى شهر علقم وعذاب مستمر عادت منه بخوف عظيم .. خوف من أن تستمر حياتها مع هذا الرجل الفظ الغليظ الذي أسفر عن أنيابه منذ أول لحظة .. وخوف من مواجهة أفراد القطيع برغبتها في الطلاق مرة أخرى .. أفصحت عن معاناتها لصديقتها الأقرب إليها .. فخافت عليها الصديقة من خوض معاناة طلاق آخر في هذا الزمن الوجيز .. أخبرتها بأنها ستكون عرضة للقيل والقال .. حثتها على الصبر أملاً بتغير الحال .. فانصاعت للنصيحة بتشجيع من خوفها الداخلي .. واتى خبر حملها ليقضي على أي احتمال انفصال عن الزوج العنيف البغيض .. أنجبت طفلها الأول والتوتر بينهما يتصاعد خصوصا بعد أن منعها من مواصلة دراستها أو العودة إلى عملها بحجة انه ميسور الحال ولا يحتاج إلى شهادتها أو راتبها الهزيل .. استمرت حياتها بين صبرها عليه وعنفه وامتهانه لكرامتها حد الضرب .. حتى أتت ليلة انقطع فيها حبل صبرها .. ففي لحظة يأس وبينما كان يلسعها بسياط بذاءته ويفرغ في أذنيها قيح لسانه .. تحول كل شئ أمام ناظريها إلى ثقب اسود ابتلع الضوء الشحيح الذي كانت تتلمس به طريقها .. ففتحت باب سيارته المنطلقة بهما بسرعة ورمت نفسها حتى تتخلص من هذه الحياة التي لم تعد تطيقها .. تدارك الزوج الأمر في المستشفى التي حملها إليها على عجل حتى لا يتم تبليغ الشرطة بمحاولة الانتحار ..


للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]
وعادت هي إلى بيت أهلها بخدوشها الظاهرة وجروحها الغائرة وهي تلملم شتات حزنها .. ولأول مرة جاهرت بطلب الطلاق .. فقامت قيامة الأسرة .. ورفض كل أفراد القطيع فكرة طلاقها للمرة الثانية .. وتسارعت محاولات الإصلاح ... وعادت إليه بعد تعهدات مغلظة منه بان يحسن معاملتها .. وحملت أحشائها الخصبة جنيناً آخراً .. وقبل أن تخرج الطفلة الجميلة إلى الحياة .. حصلت الزوجة على الطلاق بواسطة المحكمة بعد أن اقتنع القاضي باستحالة الحياة بين هذه المرأة الكسيرة التي تقف أمامه بكل تضرع .. وذاك الرجل الذي تنضح كلماته قبحاً وغروراً .. في يوم حصولها على الطلاق.. وقفت في قارعة البيت .. رفعت وجهها إلى السماء وأطلقت زغرودة عالية طويلة شقت الفضاء .. وكانت إعلان لكل أفراد القطيع بأنها قد نالت حريتها ولن يهمها رأيهم في طلاقها للمرة الثانية ..
وعادت إلى العمل دون الدراسة حتى تستطيع أن تعيل قطعتي اللحم الطريتين اللتين تنصل الأب عن مسئوليتهما عقاباً لها على حريتها .. ورفضت كل عروض الزواج التي انهالت عليها .. فهي ما زالت صغيرة .. ويبدو أن تجاربها المرّة قد صقلت جمالها وزادته نضجاً وبروزاً .. فقد تموجت عيناها بحزن غامض يشد إليها كل من يراها .. واتسمت تصرفاتها بحذر مستفز جذب إليها كل هواة الغوص في المناطق الممنوعة .. لكنها اعتصمت برفضها .. ووجهت جل اهتمامها إلى الصغيرين اللذين أصبحا عزاءها في دنيتها.. وأغرقت فيهما نفسها..


واستمرت على هذا الحال حتى ظهر هو في أفق حياتها التي باتت شبه مستقرة ..
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]
كانت تربطهما علاقة دم قوية وأزلية قبل أن يربط الحب بين قلبيهما المحتشدين بتجارب سابقة امتزج حلوها بمرّها .. كان الفرق بينهما أن تجربته كرجل لم تحتسب ضده برغم غزواته التي طالت نساء الشرق حيث ولد ونشأ .. ونساء الغرب حيث بعثه والده الثري للحصول على تعليمه .. كانت غزوات خرج منها سليماً معافى .. فهو رجل .. والرجل في عرف أفراد القطيع ( لا يعيبه إلا جيبه ) وكل ماضيه مغفور مهما كان نوعه ... كانت غزوات خرج منها نقياً من الشوائب لأنه رجل .. والرجل في عرف أفراد القطيع سطح أملس لا تعلق به الأشياء العابرة على كثرتها .. بل تنزلق عنه دون أن تخدشه .. كانت غزوات خرج منها بغنيمة من القصص التي يتباهى بها وسط أقرانه في الجلسات الخاصة .. كانت غزوات خرج منها بلقب ( رجل مجرّب) ..
عندما تقاطع دربهما في نقطة مشتركة .. كان هو يحمل فخره بتجاربه المتعددة .. وهي تحمل حسرتها وغضبها وحزنها على ماضيها الشرعي الذي حولها إلى متهمة تحمل طفلين صغيرين يقع على عاتقها حمل تربيتهما بعد أن عزف الأب عن الإنفاق عليهما .. فقسيمة الطلاق منحت الزوج حريته ومعها رخصة التملص من المسئولية .. بينما منحتها هي أسوار شائكة ومسئوليات مضاعفة ..
اندلعت الشرارة بينهما ذات غفلة منها وتصميم منه .. وبدأ الرجل المجرب في غزل خيوطه حول المطلقة الجميلة الجريحة المنهكة .. أحاطها برعاية حنونة .. احتضن طفليها وتحمل جزء من مسئوليتهما .. فآنست إليه ورمت على كتفيه بعض من حزنها وحلمها .. وكثير من مشاعرها المتلهفة إلى رجل يصبح جنتها بعد أن سكنت الجحيم مع من سبقوه ..
وبدأت نذر الحرب تطل برأسها ما إن أعلنا عن رغبتهما في الارتباط .. ثار بعض أفراد القطيع ثورة عارمة .. ورفض اقرب الناس إليهما فكرة زواجه منها .. وكانت حجتهم انه لم يخض تجربة شرعية بعد .. وان كل تجاربه السابقة لا تحتسب له .. وانه بثرائه ووضعه الاجتماعي المميز يستحق فتاة بكر لم يسبق لها الزواج .. لكنه رفض وتمسك بمن اختارها قلبه .. فبدا أفراد القطيع في توجيه سهامهم المسمومة عليها هي باعتبارها الحلقة الأضعف .. لم يراعوا حرمة الدم الذي يربط بينهم وبينها وتمادوا في العداوة إلى درجة جعلتها تتراجع وترفض المضي في ارتباط حقنها بجرعة ألم لا تطاق منذ بدايته .. جاهرته برأيها ورفضها .. ثم انزوت على نفسها وأطفالها وهي تلعق الجراح التي طالتها ممن ظنتهم الأقرب إليها .. لكن الفتى المدلل الذي اعتاد الحصول على كل ما يرغبه أصر بعناد على الارتباط بها .. فبادل أهله عداءهم لها بعدائه لهم ووقف في صفها .. وادخل الوسطاء الذين يضمن تأثيرهم عليها حتى تتراجع عن رفضها .. وقد كان ..


للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]قبل تاريخ الزواج بعدة أيام طلب منها أن يحادثها في أمر مهم .. وعندما ضمتهما جلسة منعزلة في احد أركان منزل أبويها .. زف إليها خبراً وقع كالصاعقة على رأسها .. اخبرها بأنه يعاني من ضعف جنسي قد لا يمكنه من إتيانها إلا بعد عناء وبمساعدة المقويات والمنشطات التي قد تجعل منه رجلاً مكتملاً لمدة قصيرة هي كل ما يستطيع أن يمنحها لها .. لحظتها تذكرت كل ما كانت تسمعه عن غزواته في بلاد الشرق والغرب .. وتساءلت هل كانت كذبة متقنة أم محاولة للتعويض عن النقص الذي يعاني منه ؟! .. كتمت تساؤلاتها وأبدت عدم اهتمامها بوضعه الحرج .. فقد كانت تحبه .. ولن تجعلها هذه الجزئية البسيطة تتوقف عن حبه خصوصا بعد أن انتصر لها وحارب من اجلها اقرب من يلونه ...
وتم الزواج الذي ظنت انه سيكون تعويضها عن كل ما سبق .. فهو لم يكن كزيجتيها السابقتين .. ليس هروباً من سجن .. ولا رغبة في ستر .. هذه المرة تزوجت عن قناعة .. وعن حب .. ومرت الأيام .. وبعد عدة أشهر ساعدته المقويات على الصمود لفترة مكنته من زرع جنينه في أحشائها .. فأتي الطفل الأول ليضيف لحياتهما بهجة وحلاوة .. ثم بدأت المشكلات الزوجية العادية تطل برأسها بينهما .. لكنهاكانت مشكلات تستند على ارث ثقيل من التشاحن والعداوة والبغضاء التي نفثها آخرون في حياتهم قبل تكوينها .. ارث استطاع الحب أن يخفيه دون أن يمحوه .. فأصبح كالظل يتبعهم دون أن يروه أو ينتبهوا لوجوده .. ومع كل خلاف عادي يحدث حول شئ تافه كان الظل يكبر ويتضخم ويلقي بسواده على حياتهما .. كان بعض أفراد القطيع يكاد لا يخفي بهجته بما يحدث للأسرة الصغيرة من عواصف تهب بين الفينة والأخرى وتكاد تقتلع أوتادها من الأرض .. فهي تؤكد وجهة نظرهم .. وتؤيد أسباب رفضهم .. كانوا يغذون العواصف ... ويشعلون النيران .. ويتلذذون بسماع صرخات الألم الصادرة من طرفي الصراع .. فصرخات هؤلاء هي نصر لهم .. نصر مؤجل منذ تلك الحرب التي خسروها منذ زمن طويل .. وأثناء هدنة طالت مدتها بين الصراعات التي تهدأ لتفور .. لعبت المنشطات دورها مرة أخرى .. ليأتي طفل آخر يرافق من سبقه ويصبح آخر الذرية المشتركة لهما .. فبعده كان الإرث الثقيل قد طفا كله إلى السطح وحجب الحب الذي كان .. واغتال المودة والرحمة التي كانت .. ولم يبق بين الزوجين إلا صورة اجتماعية يحاولان ما أمكن الحفاظ عليها .. استمرت الزيجة على هذا الحال ما يقارب العشر سنوات .. تشوبها العواصف تارة .. ويغمرها الهدوء تارة أخرى .. لم يعد الزوج يلجأ إلى المنشطات .. لم يعد بحاجة إليها بعد أن انقطعت كل خطوط التواصل الحميم مع من كانت حبيبته .. ولم تعد الزوجة تشاركه فراشه بعد أن زهدت من علاقة ترهقها ولا تشبعها .. خمدت كل رغباتها الجسدية بعد أن تعمدت دفنها تحت أطنان من المسئوليات اليومية التي تجهدها وتستنزف طاقتها وتتركها كالخرقة البالية لا تحتاج للسرير إلا كي تغمض عينيها وتنام ..
عاهدت نفسها أن لا تفضح من كان حبيبها وأصبح زوجها ووالد طفليها .. فكتمت آهاتها داخل قلبها .. ولعنت حظها وقدرها الذي لا يتعب من سكب جرعات الأحزان في عروق حياتها .. قررت أن تستسلم لوضعها .. تجاهلت احتياجات أنوثتها التي كانت في أوج غليانها .. وصمت أذنيها عن نداءات جسدها وهمهماته .. أسكتتها بالصلاة والتسبيح والدعوات إلى الله بان يلهمها الصبر .. وان يجعل لها في أطفالها سلوى وعزاء .. حافظت على صورة حياتها المشرقة ظاهرياً ومعتمة باطنياً .. كان بيتها مضرب مثل في الترتيب والنظام والنظافة .. وكانت رعايتها لأطفالها مثار حسد .. واهتمامها بأمور زوجها وحياته ومأكله وملبسه ومظهره لم تكن خافية على احد .. حفظته في روحها حتى لم تعد تنظر لأي رجل آخر ولو بطريق الخطأ .. حفظته في جسدها فارتدت الحجاب حتى لا يرى غيره ما لا يراه هو .. حفظته في غيابه وفي حضوره .. وباتت تسعى لاستقرار وضعهما الهش بكل ما أوتيت من قوة ..


للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]
لم يخل الأمر من مناكفات تشتد وتخبو بسبب فظاظة زوجها معها وغلظته في القول والفعل .. وأصبحت فترات الهدنة قليلة ونادرة بعد أن قل صبرها وتحول إلى عصبية زائدة وتحفز واضح في الرد على كل كلمة ينطق بها الزوج أو من يلونه ويوالونه .. وبات الصراع بينهما منهكاً لروحها الهشة حتى ادخلها في نوبات من الاكتئاب التي تظهر وتختفي حسب تقلبات أحوالهما الزوجية .. كانت تحاول الصمود على الأرضية التي جانبها الثبات منذ أمد بعيد .. كانت تحاول التمسك بأي قشة مهما بدت واهنة .. كانت تحاول أن تتفادى طلاق ثالث قد يدمرها .. لكن يبدو أن الزوج كانت له أفكار أخرى مبهمة استطاع أفراد القطيع الرافض للفكرة منذ البداية تغذيتها وإعادة إحياء كل تلك الشكوك القديمة عن صلاحية هذه الزوجة .. فبعد احد النقاشات العادية المعتادة بينهما انفعل الزوج بشكل غريب أدى إلى ارتفاع درجة العنف اللفظي المتبادل بينهما .. والذي كاد أن يتحول إلى عنف جسدي عندما حاول ضربها .. أوجعتها كرامتها فاعتصمت ببيت أهلها وطلبت الطلاق كرد فعل غريزي على فعلته .. ولدهشتها الشديدة ودهشة كل من حولهما وخلال فترة وجيزة جداً من طلبها وصلتها الورقة وكأنها كانت تنتظر خلف الباب ..
كانت خاتمة مفاجئة للزوجة التي ظنت أن من كان حبيبها سوف يدرك حجم خطأه ويعود إليها معتذراً .. لكنه تمادى في العناد ورفض كل محاولات الإصلاح التي بذلها الخيرون .. كان رفضاً غريباً ومتعنتاً وحاسماً .. فأحجم الجميع عن المحاولة وهم يتحسرون على انتهاء ذاك الحب الذي أشعل حرباً ثم انطفأ .. وعلى الأطفال الذين كُتب عليهم أن يعيشوا بقية حياتهم بين أبوين متفرقين لم يعد يجمع بينهما إلا الأبوة المتباعدة والأمومة الجريحة ..
سألت صديقتها الأقرب إليها ذات حيرة عن الأسباب المحتملة لتصرف من كان حبيبها والتي جعلته يتعامل معها بهذه الصورة العنيفة خصوصاً وهي تراه في المجتمع الخارجي بشكل مختلف تماماً .. فهو أمام الجميع ذاك الرجل الرصين الأنيق شكلاً وسلوكاً ... الضحوك البسام الرقيق الحاشية .. الكريم المعطاء السهل التعامل .. المتفهم لكل من حوله .. هل يعاني من انفصام في الشخصية يجعله متناقض السلوك ؟! ..
لم تبرئ نفسها .. واعترفت بأنها مدركة لعيوبها .. لعصبيتها وتوترها وحدة لسانها عندما يستفزها بأسلوبه أو كلامه في بعض اللحظات .. لكنها مدركة أيضاً لوجود جذوة حبها المختبئة تحت رماد الخلافات المتواصلة بينهما .. ومدركة لإخلاصها له وتفانيها في خدمته والحفاظ على بيته وشرفه وماله وأطفاله ..
أخبرتها الصديقة بان ما حدث لهما هو نتيجة لأخطاء مشتركة بينهما .. فلا احد منهما برئ من النتيجة التي وصل إليها زواجهما .. أخبرتها بان زوجها ربما لم يعد يحتمل وجودها في حياته لان كمال أنوثتها يذكره بنقصه .. أو ربما خالف حلمه بها قبل الزواج واقعه معها بعد الزواج .. فالكثيرون يدخلون تجربة الزواج بناء على حلم .. فإذا انهار الحلم أو تجافى مع الواقع .. ينهار الزواج ..
حتى هذه اللحظة ..ما زالت تتأبط أوجاعها وتسير بها ..ويصحبها في رحلتها أربعة أبناء ما زال اثنان منهما في مرحلة الطفولة الغضة .. ويتجرعان معها أوجاعها الصامتة ..



للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]

وظلم ذوى القربى اشد ...

هذا الوجع موجع إلى درجة أنني لن أسهب في تفاصيله التي خرقت متاريس روحي.. وكسرت كل مصدات الألم التي بنيتها لتحميني من قبح الواقع الذي يفوق الخيال ..
كانت فتاة طيبة رقيقة مليحة الوجه والقوام .. تزوجت بشكل تقليدي .. ثم أحبت زوجها حباً ملك عليها حواسها .. فقد كان حنوناً كريماً لم يبخل عليها بشئ .. منحها ترف العيش وعدد مقدّر من البنين والبنات .. اسكنها في منزل فسيح في قلب العاصمة فجعلته قبلة للوافدين من أهلها القادمين من قريتهم للعلاج أو التعليم أو غيرها من الواجبات التي تستدعي حضورهم .. إعتاد أهل المنزل على وجود الضيوف إلى درجة أنهم باتوا يشعرون بالغرابة إن خلت غرف المنزل الكثيرة منهم .. وهكذا سارت بهم مركب الحياة وهي تمخر عباب نهر هادئ لم يختبر غدر الرياح أو عنف الأنواء..

في احد الأيام هاتفتها شقيقتها من قريتهم البعيدة .. كانت صوتها ممعن في الحبور وهي تبشرها بنجاح ابنتها البكر في امتحانات الشهادة السودانية بمجموع كبير يؤهلها لدخول اعرق جامعات العاصمة .. وشاركت شقيقتها فرحتها بإطلاق زغرودة عالية هرع على أثرها أهل المنزل وهو يتساءلون عن سببها .. فأخبرتهم بنجاح ابنة خالتهم وسارعت تهيئ إحدى الغرف لحضورها .. لقد آوى منزلها كل من رغب في البقاء .. وحان الوقت ليأوي ابنة شقيقتها التي هي بمثابة ابنتها .. أخبرت زوجها الذي رحب كعادته وحث زوجته على توفير أقصى درجات الراحة للصغيرة الوافدة كي لا تشعر بالغربة بعيداً عن عالمها المألوف ..
وحضرت فتاة القرية إلى قلب العاصمة فوجدت ترحيباً كبيراً .. وحضناً دافئاً .. ومعاملة مميزة .. كانت جميلة .. خفيفة الروح .. سريعة البديهة .. حاضرة العبارة .. فأشاعت في المنزل جواً بهيجاً .. أحبها الجميع .. وباتت جزءاً أصيلاً من الأسرة المتماسكة ..
مرت الأعوام مسرعة وهي تتقدم في دراستها .. وتحفر مكانها بتؤدة في عمق المنزل الذي وفدت إليه ..
قبل نهاية سنتها الجامعية الأخيرة ... كانت قد ثبتت أقدامها في المنزل الكبير بشكل نهائي عندما استولت على قلب زوج خالتها وتزوجته بعد أن طلق من احتضنتها ومنحتها الملاذ والأمان والحب..
خرجت الزوجة من منزلها وهي تجرجر وراءها أطفالها ودهشتها وحسرتها ووجعاً يفوق التصور..
الزوج الذي أعماه العشق الممنوع لم يستطع مواجهة نظرات الرفض والاتهام التي حاصرته في كل مكان .. فحمل آلة غدره الغادرة وهرب بها إلى خارج البلاد وهو لا يلوى على ذنب اقترفاه سوياً ..
أما المغدورة التي الجمها الالم .. فقد كرّست ما تبقى من حياتها لأولادها وهي تحتمي خلف جدار كبرياء مصطنع تخفي به وجعها الذي ينهش روحها بصمت ناصع ..
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]جاياك .. يا ام شرا ..

جاياك يا بلد السجم والطين ..
يا شفيعة الظالمين ..
يا أم حضناً بخيل وضنين ..
يا مسخوتة
يا مبروكة
يا مسكينة
يا مسروقة
يا غفلانة
يا منهوبة
يا بلد الغلاء الفاحش
يا مسجورة
يا مطمورة
يا ممهورة بختم التعب والضيق
يا وحلانة
يا مغمورة
يا مشهورة بحلف الطلاق الساهل
يا ثكلانة
يا وهمانة
يا حزنانة
يا الشايلة الهموم اطنان ..
جاياك يا بلداً شراها سنين على المسكين .. وحنين بالحيل على الباقيين ..
يا زارعة الاحزان ... يا طاردة الحبان .. يا قاتلة الاحلام .. يا منتهى القسوة ..
جاياك يا شجرة القرع الخيرك طارح برة ..
وعدسك وفومك وبصلك وهدمك وجزمك وعفشك جاي من برة ..
جاية افتوا معاك ..
عن ناس كانوا عزاز وصبحوا منكسرين ..
عن لقمة مدسوسة في بطن تمساح ..
عن بسمة ممغوسة ..
عن صحة ممحوقة ..
عن وجعة مفروشة في كل أراضيك ..
جاية افتوا معاك
عن اللحم في السوق ..
عن الفساد والجوع ..
عن حيرة المحتاج ..
عن سرقة الشعبان ..
عن غلا الخرفان ..
وعن الضحية ( الشيرينج ) بافتاء رسمية ..
جاية افتوا معاك ..
عن الحروب والموت
عن ساقية التقطيع الدايرة بمهلة .. من الجنوب ولفوق ..
من الشرق لجوة .. ومن الغرب لبرة ..
جاية افتوا معاك عن غربة بطالة ..
عن حالة ما حالة ..
وضريبة مدفوعة لخدمة مقطوعة ..
ومساهمات بالكوم لبند ما مفهوم ..
وطيارة تعبانة تمشي بالتيلة .. وتطير بالحيلة ..
ولمن تشوف حالا .. تحلف تقول تابوت ..
تركبا خايف .. تتشهد على روحك .. تعافي كل الناس .. وتسال المولى الرحمة والغفران ..
جاياك يا البلد ام شرا .. جاية افتوا معاك ..
بس انتي ارجيني ..


للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
هاني أحمد علي قوي
مشاركات: 65
اشترك في: الأربعاء أكتوبر 29, 2008 4:07 pm
مكان: المملكه المتحده
اتصال:

مشاركة بواسطة هاني أحمد علي قوي »

يابلدي يا حبوب .. آآآآه على جرح الملائكة النوارس
لأن الحب مثل الشعـر
ميلاد بلا حسبان ..
لأن الحب مثل الشعـر
ماباحت به الشفتان
بغير أوان ..
لأن الحب قهار كمثل الشعر
يرفرف في فضاء الكون
لاتعنو له جبهه
وتعنو جبهة الإنسان ..
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]
حكاوي الإجازة ...

وكانت ( كالمعتاد في الفترة الأخيرة ) إجازة قصيرة في ( البلد ) .. وما أدراك ما البلد .. ولن أعيد عليكم الاسطوانة المشروخة عن الأحوال التي تعيث فوضى الوجع في فؤاد الأغلبية التي رفعت الصمت شعاراً بعد أن بحّ صوتها .. وأصابها اليأس من غلبة البؤس وشدة الكرب وعتمة الدرب .. لن أزعجكم بانتقاد أحوال البلاد خصوصاً بعد أن لازمني إحساس غامر بأن كلماتي ما هي إلا ( تنظير ) فارغ عن الأوضاع التي أعايشها لفترة قصيرة ثم اخرج منها خروج السهم من الرمية .. وأعود إلى دعة العيش في غربتي المريحة .. اجلس وراء مكتبي الهادئ .. واشرع في تفريغ مرارة لمستها عن بعد ولم اغرغر بها حلقي كما يفعل من يعايشونها كل يوم ويكتوون بجمرها في كل لحظة ..

بت شبه مقتنعة بان كلماتي ما هي إلا نضال ( من وراء حجاب ) لا يغني ولا يسمن ( الموجوعين ) من جوع .. وما هي إلا مخدر أتعاطاه بإفراط كي اخمد صوت ضميري اللائم الذي ينغزني بقسوة منذ أن تطأ قدمي ارض مطار الخرطوم وأنا استعد للمغادرة تاركة خلفي أحزاناً لم يعد لي جلد على تحملها .. ومشاكل لم تعد لي القدرة على حلها .. واحباطات فقدت الصبر والعزيمة على مواجهتها .. لم اعد أحس بالاستقرار خلال هذه الزيارات القصيرة .. بل يعتريني إحساس الضيف الذي يدرك بأنه لن يبقى طويلاً فيتعامل مع كل ما حوله ومن حوله على هذا الأساس..

يقهرني هذا الإحساس فأغادر وفي عيني دموع على الأم العجوز التي تركتها خلفي ولسانها يلهج بالدعاء ( يا بتي الله يرد غربتك .. وترجعي تقعدي معانا هنا ) .. وما بين وجعي وجزعي اسألها أن لا تدعو لي بالعودة إلى هذا البلد التعيس الذي سحق أحلامي وأجهض أمنياتي منذ عقد ونيف واجبرني على مغادرته غير راضية ولا مرضية ..
أغادر وفي حلقي غصة على الصغار الذين لا أواكب تدرجهم في العمر .. وفي كل إجازة أفاجأ بان احدهم قد استطال عوده حتى فاقني وأصبح ينظر إلىّ من علٍ وهو يتردد في كيفية مناداتي ما بين اسمي الخالي من الألقاب .. و كلمة ( خالتو ) التي ربما أحس بأنها لم تعد مناسبة لطوله وخشونة صوته ..
أغادر وفي خاطري خوف على الأصدقاء الذين قد تذوى أواصر علاقتي بهم أثناء الغيبة ..
أغادر وفي قلبي هاجس الفقدان.. وفراق الخلان.. وغدر الرفاق .. وتبعثر الود وقلة الوداد ..

أصبحت الإجازات مثل كأس ( الحلو مر ) نتجرعها ونحن نتذوق حلوها الذي يختلط بمرها في مزيج فريد لا يوجد بينه فاصل .. ويصبح تغليب الحلو على المر أو العكس رهناً بأمزجتنا وطريقة تفكيرنا والزاوية التي ننظر منها .. هذه المرة سأحمل المرّ في أحشائي حتى يكتمل نموه ويقرر لحظة مخاضه ..
لذلك لن احكي لكم عن الفقر الذي ضرب بأطنابه في البيوت فجعلها تشكو قلة الجرذان التي هربت بعد ما انعدم الغذاء الذي تقتات به .. وحيرة قاطني البيوت الذين لم يجدوا ( قيس بن سعد ) يبثونه شكواهم كما فعلت العجوز في القصة المشهورة ..
لن احكي لكم عن الغلاء الفاحش الذي جعل من خروف الأضحية المعلق أمام المنازل مشهداً نادراً في كثير من الأحياء ..
لن احكي لكم عن قذارة العاصمة وقبحها وجبال النفايات التي تتكوم في أطراف الشوارع بسبب عدم مرور سيارات جمعها بشكل منتظم برغم رسوم النفايات التي تجبى بانتظام ..
لن احكي لكم عن ( المواسير ) المكسورة في قلب الأحياء والمياه الراكدة التي باتت مرتعاً للبعوض ومصدراً للأمراض ..
لن احكي لكم عن صخب الشوارع وفوضى المرور ..
لن احكي لكم عن الضيق الذي صبغ الوجوه والحزن الذي سكن النفوس ..

سأربط أوجاعي مما سمعت ورأيت في صرة في طرف خاطري .. اتاملها كل حين حتى تحين لحظة فأقرر فك رباطها وعرض محتوياتها على رصيف الكتابة ..
سأحاول أن ابذل لأعينكم بعض الحباحب التي أضاءت لي عتمة ليالي الخرطوم ونثرت القليل من حبات السكر في صحن العلقم ..


وللحكاوي بقية ..


للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]

حكاوي الاجازة ..


إضاءة أولى : لا ضرائب .. لا زكاة .. لا مساهمة

إنها المرة الأولى في حياة غربتي التي ادخل فيها ( بعبع المغتربين ) المسمى بديوان شئون العاملين بالخارج واخرج منه سليمة بدون طعنة ضريبة متبقية أو وخذه زكاة لا تذهب إلى مصارفها أو غصة مساهمة غير مفهومة .. عندما خرجت الورقة الخضراء الباهت لونها من جهاز الكمبيوتر القابع خلف نافذة تقدير الالتزامات المالية بعد وقوف طال حتى وصل مداه إلى ساعة كاملة أمام الموظفة ( الاحمسة ) ذات الدم البارد .. أحسست بنظرة غيظ في عينيها لم أدرك كنهها إلا بعد أن رأيت الاصفار ( جمع صفر ) وهي تبسم لي وتبشرني بأن مؤامرة الجباية قد فشلت هذه المرة في انتزاع أموالي الهزيلة التي اكدح كدحا لأجنيها .. فتبسمت ضاحكة وكدت اركض فرحاً وأنا احمل الورقة ( الصفرية ) .. إنها المرة الأولى التي افرح فيها برؤية الرقم صفر في ورقة رسمية تخصني .. دفعت رسوم التأشيرة وختمتها على جواز سفري وخرجت لا الوي على شئ خوفاً من أن يعيد الكمبيوتر النظر في تقديراته ويقرر إضافة أرقام أخرى إلى الصفر الذي أحببته .. ثم تذكرت بأنني قد زرت ديوانهم اللئيم منذ ثمانية اشهر فقط وبالتالي لم أكمل السنة المالية التي تمنحهم حق سلب أموالي مقابل خدمات لا احصل عليها .. فتركت عني الهرولة وتبخترت في مشيتي بلا خوف ولا وجل .. تصحبني ابتسامة عريضة وأنا انظر إلى مباني الديوان بشماتة المنتصر حتى كدت اخرج لساني نكاية فيه لولا بقية من وقار تمسكت بها حتى آخر خطوة ..



إضاءة ثانية : حفل عقد الجلاد

يعلم جميع أصدقائي مدى حبي لفرقة عقد الجلاد ورغبتي المتواصلة في حضور إحدى حفلاتها متى ما تسنى لي ذلك .. أتتني الدعوة لحضور الحفل المقام بمسرح نادي الضباط للمساهمة في علاج الشاعر محجوب شريف ( شفاه الله وعافاه ) .. ومع الدعوة وردتني عدة تحذيرات بان لا ارفع سقف آمالي عن الفرقة التي اختلفت بعد خروج العديد من أعضائها المميزين .. فذهبت وأنا أتوجس خيفة من خذلاني في احد الأشياء التي أحببتها منذ مراهقتي .. دخلنا قبل بدء الحفل وجلسنا في ( المصاطب ) الحجرية المتدرجة .. كانت جلسة مؤلمة ومليئة بالترقب .. وبدأ الحفل .. وكانت سويعات من المتعة الخالصة افتتحتها طفلة صغيرة لم تتعد السادسة من عمرها إن لم تقل عنها .. أدهشت الجميع بأداء فصيح ومؤثر لقصيدة عن الشاعر محجوب شريف تجاوب معها الجمهور بحماس كاد يرفع الصغيرة عن الأرض ويضعها في القلوب .. ثم غنى أفراد العقد الفريد فأجادوا .. وأمتعوا .. وأبدعوا و.. اشبعوا الحواس العطشى بأصواتهم المتنوعة القوية وأغنياتهم الهادرة عن الوطن والحب والخير والجمال وإنسان السودان .. عن الأحلام التي تتحدى الواقع الكئيب .. وعن الأجيال القادمة التي تحمل بذرة التغيير .. ثم صدح الشاعر القدال الذي كان حاضراً منذ بداية الحفل بقصيدته العصماء ( طواقي الخوف ) فجن جنون الجمهور وردد معه بعض مقاطعها .. وصفق وصفّر وتمايل وهدر .. وانتهى الحفل وقد سعدت بأنني لم اخسر رهاني على فرقة عقد الجلاد .. وأنها ما زالت بنفس تألقها والتزامها واتزانها وإصرارها على خط سيرها المرسوم بعناية برغم تغير الأعضاء وانسحاب بعض المؤسسين الذين ظن أغلبيتنا أن خروجهم سوف يهدم الفرقة ويجعلها قاعاً صفصفاً ...

شكراً للصديق خالد ماسا الذي جعل حضور هذه الأمسية ممكناً ...


وللحكايات بقية ...
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

أنا هنا "لطفآ" لأعلن مجددآ أنني سعدت بالكتابة الطاعمة...
وفي رجاء المزيد...
وحبي... والمزيد.



محمد جمال
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]

محمد جمال الدين .. نافذتنا العريضة الى هولندا .. لك تحيات طيبات زاكيات .. ومودة عامرة ..
وهاك المزيد من حكايات الاجازة ..



إضاءة ثالثة : ندوة مركز الفنار الثقافي عن أغاني الحقيبة على مر العصور ...

يعلم قلة من أصدقائي بمدى حبي لاغاني الحقيبة واستمتاعي بها برغم اختلافنا أحياناً عن مضمون كلماتها ومعانيها .. أتتني الدعوة لحضور الندوة التي عقدها مركز الفنار الثقافي بمقره في ( شارع كترينا ) غرب حديقة القرشي بالخرطوم .. وشجعني على الحضور أن المتحدث فيها هو الدكتور / احمد القرشي الذي أظنه فنان بالفطرة ضل طريقه إلى طب الأسنان عوضاً عن الفن الذي يعشقه ويحفظ تاريخه بعقل توثيقي نادر .. كان الحضور الأنيق يملآ القاعة الصغيرة بانتباه وهو يتابع ( حكاوي ) الدكتور عن تاريخ الأغاني ومسيرتها منذ دولة الفونج وحتى تاريخنا المعاصر .. كانت سلاسة الحكي تجبرنا على التأرجح ما بين شاشة ( البروجيكتر ) لقراءة المكتوب والمايكروفون لسماع بعض الأغاني القديمة بلسان مغنيها الأصليين من جهاز الكمبيوتر الخاص بالدكتور أحمد القرشي ..
منعتني حساسية الجيوب الأنفية الحاقدة من متابعة الندوة حتى نهايتها بعد أن استفحلت وسدت منافذ التنفس وجعلت من عيني وأوداجي بالونتين قبيحتي المنظر فاضطررت إلى المغادرة وأنا اشعر بالغبن والحسرة على ما سيفوتني ..
شكراً للصديقة مشاعر شريف التي جعلت حضور هذه الأمسية ممكناً ..



إضاءة ثالثة : شرحبيل احمد وخمسون عاماً من العطاء ..

وفي الليل الهادي دقت قلوب كل معجبي الفنان شرحبيل احمد الذين تدفقوا ( برغم بُعد الشقة ) وبأعداد غفيرة إلى مدرسة الخرطوم العالمية لحضور التكريم الذي تقيمه مجموعة ( دال ) للفنان المتجدد بمناسبة مرور خمسين عاماً من الإبداع الفني .. بطاقات الدعوة الأنيقة وضعت تذكير رقيق بان الأبواب سوف تغلق في تمام الساعة الثامنة مساء .. وفي ظني هذا نوع من فرض الانضباط على شعب أُشتهر بعدم احترامه للمواعيد .. وبدأ الحفل بفلم توثيقي عن رحلة شرحبيل الفنية لكنه لم يكن بمستوى مسيرة الفنان ولم يوفها حقها برغم ما سمعته بان القائمين على شركة دال لم يدخروا وسعاً في تمويله وإخراجه حتى يظهر بشكل يليق بالفنان وتاريخه ..
بعدها بدأ اللقاء الممتع مع الفنان وعائلته الجميلة .. كان حواراً شيقاً أداره برشاقة الأستاذ / عمر عشاري الذي كان واضحاً مدى قربه من العائلة الفنية ومعرفته بتفاصيل دقيقة لم تتح للآخرين ..
كان حواراً حميماً تخللته القفشات والتلميحات الذكية من الجانبين .. وأمتعتنا إحدى بنات شرحبيل بوصلة قصيرة من الرقص النقري شاركها فيها الوالد الشغوف برشاقة يحسد عليها ..
ثم بدأ الغناء الشجي بالصوت الرخيم الحنون الذي لم تنل منه السنون بل زادته عمقاً ورسوخاً .. واشتعل الحضور تجاوباً .. وعبر عن إعجابه بمشاركته الغناء والتصفيق الحار .. ورقص البعض في مقاعدهم .. واجتمعت كامل الأسرة في المسرح الذي ازدهى بثلاثة أجيال توارثت الفن ومارسته بحب واعتداد .. الأب وإلام والأبناء والأحفاد .. صورة رائعة لأسرة متماسكة أمتعت حواسنا وعطرت ليل الخرطوم بنسمات مفعمة بالفرح ..
شكراً للأصدقاء عماد عبد الله وطلال عفيفي الذين جعلا حضور هذه الأمسية ممكناً ..



وما زال للحكايات بقية ..

للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

وشكراً ليك يا سناء ، على ثرثراتك التي تضئ وسط ظُلْمَة الظَلَمَة!
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]
أستاذنا مصطفى آدم .. شكراً ليك انت على متابعة الثرثرة ..
خليك قريب .. لسة في باقي حكاوي ما تمت عن الاجازة وما فيها ..
تحياتي ومودتي ...


إضاءة خامسة : شارع النيل بالليل .. وزحمة يا دنيا زحمة ..

شارع النيل بالخرطوم أصبح الوجهة المفضلة للكثيرين ... شيباً وشباباً .. أفراداً وجماعات .. صبيان وبنات .. فيه يتمشون .. وفيه يتسامرون .. فيه يأكلون ويشربون .. وفيه ( بعضهم ) يتصعلكون ..
فيه يتم استعراض السيارات والوجوه .. والأجساد .. والأزياء ( فيما يخص الأزياء .. أصبح بنطلون الجينز الضيق مع التونيك هو الزي شبه الرسمي لشريحة عمرية معينة من الفتيات السودانيات في أماكن كثيرة .. مما جعلني أتساءل فيم كانت زوبعة لبنى الحسين ؟! ) على امتداد شارع النيل تجد بائعات الشاي من كل الأعراق السودانية .. إضافة إلى ضيفات بلادنا العزيزات من الهضبة الإثيوبية اللاتي استطعن اخذ مكانهن في مسابقة بيع الشاي ... في أرصفة الشارع يتجول بائعي بطاقات الهاتف والبسكويت والماء المعبأ والترمس والفول والتمر .. فيه المتسولون .. وفيه المتجولون بهدف .. وبلا هدف .. فيه من أتى ينشد متعة بريئة وغير مكلفة .. وفيه من أتى ينشد متعة غير بريئة ومكلفة .. فيه ناثري الفرح .. وفيه صانعي الأحزان .. فيه المساطيل الذين يختبئون في المناطق المظلمة وتفضحهم رائحة البنقو النفاذة .. فيه دوريات الشرطة التي تدور ثم تستقر في أماكن معلومة .. فيه دوريات المرور التي تنصب كمائن لأصحاب العربات المظللة ويرافقها منتسبي الأمن المتنمرين دوماً على خلق الله .. ترى في نظراتهم اللؤم .. وفي حركاتهم الاستفزاز .. وفي سكناتهم التحفز والرغبة في الإيذاء ..
في شارع النيل ترى كل شئ .. انه صورة مصغرة عن البلد بما فيها ومن فيها ..

دعيت إلى جلسة شاي ساعة المغربية في الطرف الأخير منه .. كنا أكثر من أسرة واحدة .. وعددنا الكبير كان عامل جذب لكل ( ستات الشاي ) .. جلسنا والنيل أمامنا يلهو بموجاته في كسل لذيذ .. ونسمات بداية الشتاء الندية تداعبنا برقة خادعة .. ورائحة ( البن ) تعانق الهواء .. وتنوعت الطلبات ما بين قهوة وشاي ونسكافيه واوفالتين .. وما زال طعم النسكافيه اللذيذ برغوته العاتية المزينة بحبات نسكافيه منثورة على الوجه بسخاء عالقاً بفمي بعد أن تيقنت انه يستطيع منافسة اعتي ( كوفي شوب ) في دبي .. بل ويتغلب عليه في طعامته وإتقانه ..

في لحظة سكون نادرة فرضت هيمنتها على الصخب الدائم أحسست بسلام غريب يتسلل إلى مسامي .. وددت لو اشق صدري وافتح رئتي ليدخلهما هواء النيل العليل مباشرة.. وددت لو كان بإمكاني أن اقبض تلك اللحظة بين يدي و احتفظ بها في مكان خفي علها تصبح الملجأ عندما يجتاحني الحنين وتشتد وطأة الغربة ...
أجمل مافي هذه الجلسة كانت تلك الرفقة الغير متوقعة لمجموعة من مختلطة الشباب بصحبتهم ( عود ) وأصوات فتية ندية مبهجة.. ملأت دندنتهم المكان بحميمة والفة .. وصبت في أذاننا متعة ذائبة .. وسعدت أكثر عندما همست في إذني إحدى رفيقات الجلسة بان كل أفراد المجموعة التي تغني ينتمون إلى كليات مرموقة في الجامعة التي تدرس فيها .. وأنهم من الطلبة المبرزين .. وفكرت .. ما أجمل اجتماع العلم والموهبة في الإنسان ..

شكراً للصديقة بديعة جبريل وأسرتها الجميلة التي جعلت هذه الجلسة ممكنة ..

وما زال للحكايات بقية ...

للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]


ملاحظات عارضة :

مطاعم .. مطاعم .. مطاعم ...

لم يعد هناك حي في العاصمة المثلثة يخلو من المطاعم وبمختلف المذاقات .. مطاعم شعبية .. مطاعم عادية .. مطاعم فاخرة .. وأصبح المندي اليمني ينافس المشاوي اللبنانية والشاورما السورية والباستا الايطالية .. والزقني الحبشي والكل يتنافس مع مطاعم الفول والطعمية والقراصة والملاح والأسماك والكوارع ..
ويندر في أغلبية هذه المطاعم أن تجد نادل سوداني .. فما بين المصريين والأحباش والفلبينيين والسوريين .. ضاقت فرصة السوداني في الحصول على هذه الوظيفة التي تحتاج إلى ( طولة بال ) وصبر ومرونة وابتسامة دائمة .. وهي صفات نفتقر إليها نحن كشعب أدمن ( صر الوش ) وحدّة الطبع بمناسبة وبدون مناسبة ..

تنوع مستوى الخدمة في المطاعم التي زرتها ما بين المتوسطة في( اليكس كافيه) في شارع المطار إلى الراقية في احد المطاعم الايطالية الجديدة في الرياض وكان اسمه من الطول والتعقيد بحيث لم استطع حفظه .. وجدت بساطة أهل بلدي وحميميتهم في ( صاج السمك ) في شارع 41 بالعمارات ( وقعدة في بنابر حوالين الطبلية .. وسمك حار لغاية آخر لقمة مع العيش البلدي المدور وصحون الشطة والطحينة والسلطة بالبصل .. واهم شئ صندوق مناديل الورق لزوم قش الحاجات البتنزل مدراراً :) ) .. واستمتعت بسندويتشات الفول بالجبنة والطعمية وزيت السمسم من مطاعم السندباد .. أعجبني ( الانجليش كونتينينتال بريكفاست ) في احد المقاهي الصغيرة بالعمارات .. واستمتعت بقطعة ( لفائف القرفة ) من كافيتريا أوزون .. أزعجني الزحام وتدني مستوى الخدمة في كافتريا لذيذ .. وابهرني تنوع الحلويات وحلاوة الايسكريم في كوفي شوب ( ليكجري ) في شارع عبيد ختم .. كنت أود تذوق القراصة بالملاح من اشهر محلاتها بالخرطوم والذي يقع في قلب حينا ( الخرطوم تلاتة ) خلف مسجد عبد المنعم .. لكن شدة الزحام ( الرجالي ) منعتني من الاقتراب ولو قليلاً.. فاكتفيت باستنشاق رائحة ملاح التقلية من على البعد والانصراف لعدم وجود إمكانية الحصول على هذه الوجبة الشهية ..

( الاكل في السودان طعمه مختلف وريحته مختلفة ونكهته مختلفة .. الاكل في السودان طاااااااااااااعم حتى لو كان ملاح ام شعيفة ) ...

وما زال للحكايات بقية ...


للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]سوق جاكسون ..

حتى الآن لم استطع معرفة سبب تسمية هذا السوق الذي نبت من العدم واستولى على المساحة التي تقع ما بين كوبري الحرية وحتى حدود الاستاد تقريباً .. ومن شارع البلدية حتى السكة حديد ( التي كانت مزدهرة في عصر سابق لحكومة الدمار الشامل ) .. كنت منذ الإجازة السابقة قد عقدت العزم على زيارته مهما ضاق الوقت وكثرت المشاغل .. أتت هذه الزيارة بلا تخطيط مسبق عندما خرجت من مكتبة عزة وأنا احمل ( غنائمي ) من الكتب .. وقفت في شارع الجامعة انتظاراً لأي وسيلة مواصلات تقلني إلى وسط الخرطوم ..

عندما توقفت أمامي حافلة وسمعت الكمساري ينادي ( جاكسون جاكسون ) لم أتردد وصعدت إلى متنها .. جلست في كرسي المنتصف القصير المتعب لأجبر على الوقوف في كل مكان ( تطرقع ) فيه أصابع احد الركاب / الراكبات للنزول .. ولم ينقذني من هذا ( الوقوف المتكرر ) إلا نزول إحدى راكبات الكرسي الجانبي الثابت .. عندما أعلن ( الكمساري ) وصول الحافلة إلى موقف سوق جاكسون نزلت منها ورأسي يلتفت يمنى ويسرى ( زي مروحة التربيزة ) ...
أحسست بأنني قد انتقلت فجأة من قلب الخرطوم إلى قلب ( سوق العتبة ) بالقاهرة .. نفس الملامح والشبه .. ( طبالي ) منتشرة بعشوائية في كل مكان وتحمل على ظهرها بضائع مختلفة الالوان والاحجام والاشكال والاستخدامات .. مكياج .. جوارب .. محافظ .. دبابيس .. ابر خياطة .. صابون .. معجون .. ورنيش .. فرش اسنان ..

كانت الممرات الضيقة تعج بالسابلة .. وأصوات الميكروفونات العالية تعلن عن أسعار البضاعة الرخيصة ( وكل حاجة بجنيه وكل حاجة بخمسة ) .. محلات عصير القصب الحلو البارد منتشرة على جانبي الشارع .. الكباية بجنيه ( بارد شديد لمن اسناني وجعتني .. وحلو حلاوة ما طبيعية لدرجة اني شكيت مضاف ليه سكر ) .. محلات الملابس تجاور دكاكين التموين من صابون وبصل وزيت وتوم وعدس ومرقة .. وبين الممرات جلست بائعات الكسرة والفول والتسالي ..
توزعت الفواكه ما بين الأرض وعلى ظهور ( البكاسي ) .. وفي الوسط تجول باعة أكياس النايلون والمتسولين والنشالين ..

زحف هذا السوق العجيب وتمدد حتى استولى على مساحة مقدرة من الإسفلت المخصص للمواصلات والسائرين وخلق فوضى مرورية خانقة في مدخل كوبري الحرية حيث يسود قانون الغابة في القيادة بعد أن أصبح الدوران حول ( الصينية ) العشوائية الصغيرة يحتاج إلى دهاء ومكر وقدرة على المراوغة وسرقة الشارع .. ولا عزاء لشرطي المرور الواقف بحيرة من لا يعرف كيف ينظم هذه الفوضى ..
سوق جاكسون .. مكان غريب يمكنك أن تجد فيه أشياء قد لا تتوقعها أبدا .. انه عالم صاخب بحق ..

ولم يبق من الحكاوي الا اقلها ..



للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

سناء جعفر
سلامات. تساءلت مثلك عن سر تسمية الميدان في الخرطوم غرب بميدان جاكسون. في الانترنيت وجدت صورة الرجل الذي كان ضابطآ في الجيش البريطاني والمصري وعمل في الادارة البريطانية في السودان نائبآ للحاكم العام، ومأمورآ لدنقلا ومروي. تزوج الرجل من تلك المناطق ووعاش بقية حياته فيها الى ان مات عام 1930 او 1931 ودفن بالقرب من مروي او في الكرو. وهو جد لاعب كرة القدم المشهور نصر الدين عباس جكسا.
صورة
Major General Sir Herbert Jackson 1861 - 1930
After service with the Gordon Highlanders in Egypt, at the Battles of El Teb and Tamai and with the Gordon Relief Expedition, Jackson joined the Egyptian Army in 1888 and was to become one of the Founding Fathers of the Anglo-Egyptian Sudan. as Deputy Sirdar and Governor-General, often standing in for Wingate and Stack in their absences.

Throughout the campaign of reconquest he commanded the 11th Soudanese Battalion, notorious for its ferocity in action and unruliness in camp, whose men regarded him as a kind of demi-god, sometimes to his embarrassment trying to protect him from the dangers of battle.

He was OC Troops during the Fashoda Incident and, part of his education having been in France, was able to form a remarkable rapport with Marchand’s French expedition thus smoothing the way towards a diplomatic settlement of the crisis.

When he was promoted to the governorship of Berber Province in 1900 some elements of his old battalion mutinied and he was recalled to settle the problem which he did by negotiating with the senior wives of the battalion. Certainly he had a way with the ladies and as Governor of Dongola Province for twenty years he was reputed to have had several Sudanese wives to one of whom he raised a monument.

On retirement he farmed near Merowe where he died in 1930. One of his grandsons, known as Jacksa, is said to have played for the Omdurman football team.

He should not be confused with two other well-known “Sudani” Jacksons, Colonel E.S. (EA 1898-1914) and H.C. (SPS 1907-31), the latter being the author of several books about the Sudan.
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

https://www.melik.org.uk/articles/soldiers-of-the-nile/

https://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=10070


وهذه سرايا جاكسون باشا في مدينة مروي على النيل

صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
أضف رد جديد