كتابة للطيب صالح عن بلابل طلسم ...

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
إبراهيم الجريفاوي
مشاركات: 503
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:31 pm

كتابة للطيب صالح عن بلابل طلسم ...

مشاركة بواسطة إبراهيم الجريفاوي »

.صورة.

تفرقت البلابل, وهاجر بشير عباس الملحن الموهوب الذي قدمهنَّ للجمهور السوداني أوائل السبعينات.
كنَّ صغيرات وجميلات وأصواتهن مثل شقشقة العصافير عند الفجر, أغانيهن خفيفة, مريحة, جديدة ولكن فيها روح القديم.
غزلة, ولكنه غزل صاف عفيف خال من أية إيحاءات جنسية.
أخذن العذوبة والشجن من منطقة النوبة العريقة أقصى شمال السودان, بتراكماتها الحضارية, التي أخذ منها محمد وردى أيضاً
فنه العبقري.
ربما أكثر من أي ظاهرة أخرى, كان غناء البلابل تلك الأيام, يعبر عن روح السودان. عن ثقته فى نفسه وتفاؤله في المستقبل,
وإقباله على الحياة. ولما إنفرط عقدهن, كأنما السودان نفسه فقد حيويته وأخلد إلى الكآبة والركود.

والدهن الأستاذ محمد عبدا لمجيد طلسم رحمه الله, كان من الرجال الرواد أصحاب النظر البعيد من طراز المرحوم بابكر بدري الذى آمن بتعليم البنات فى السودان أول القرن فى وجه مقاومة إجتماعية عظيمة, وقد أسعدنى الحظ أننى تتلمذت على يدى المرحوم طلسم فترة فى جامعة الخرطوم, حين كان محاضراً فى كلية العلوم, أذكر مرحه وطيبته وأبوته الغامرة.
كان رجلاً شجاعاً شجاعة بالغة, ففى وقت كان فيه الشعب السودانى ينظر إلى الفن, وخاصة التمثيل والغناء, بريبة وحذر وغير قليل من الإحتقار سمح لبناته السبع أن يدخلن المعهد العالى للموسيقى والمسرح, ويعملن بعد تخرجهن فى ميدان التمثيل والغناء, وكن من المؤسسات فى الفرقة القومية للفنون الشعبية, وهى فرقة سرعان ما حصلت على شهرة عالمية واسعة.
فى أواخر عام 1971, إنطلقت فرقة (البلابل) المكونة من ثلاثة أخوات هن هادية وآمال وحياة, ويعزى أكبر الفضل فى إنطلاقتهن ونجاحهن إلى الموسيقى الموهوب بشير عباس وهو أيضاً من أسرة عريقة من (حلفاية الملوك) فى الخرطوم بحرى.
.صورة.
لقيت هادية أول مرة فى زيارتى لواشنطن فى ربيع عام 94, مع زوجها الدكتور عبدالعزيز بطران, أستاذ التاريخ فى جامعة (هوارد), عرفنى بهما الفاتح إبراهيم أحمد وكان معنا الدكتور محمد إبراهيم الشوش, وأسامة الذى يسكن قريباً من الفاتح, وهو مهندس معمارى, أضطرته الظروف أن يعمل فى النقل, صوته جميل فى الغناء, وكذلك الفاتح, فكانا لها بمثابة الكورس,وأحياناً يغنيان معها .
قضينا فى دارهم, وفى دار الفاتح, أمسيات لا تنسى, نستمع إلى ذلك الصوت الساحر.
تعيد إلى الحياة بصوتها العربى النوبى, ووجهها الفرعونى, وإستغراقها حين تغنى كأنها تصلى – عالماً كاملاًً ضاع
أو كاد يضيع, غنت تلك الأغنية القديمة التى لا أمل سماعها:

يجلى النظر يا صاح
منظر الإنسان, الطرفه نايم وصاح


وغنت تلك الأغنية البديعة للمطرب الكبير أحمد المصطفى

زاهى فى خدره ما تألم
إلا يوم كلموه تكلم
حن قلبه ودمعه سال
هف بى الشوق قال وقال


وغنت للمرحوم إبراهيم الكاشف

أنا يا طير بشوفك
محل ما تطير بشوفك


غنت من القديم ومن الجديد, من أغانيها وأغانى غيرها, بالعربية وبالنوبية, فجعلت الناس يغرقون فى سبحات سودان آخر, فى زمان آخر.
فى زيارتى هذه المرة, صادفت بشيرعباس أيضاً, وهو بالإضافة إلى موهبته الكبيرة فى التلحين, عازف لا يجارى فى العود, وله صوت جميل فى الغناء, فسمعنا منها عجباً.
لاحظت كيف إنها توزع بين همها بين فنها وطفليها, تكون مستغرقة فى الغناء, وفى الوقت نفسه, منتبهة إلى تحركات طفليها فى أرجاء الدار. ولاحظت كيف أن زوجها الدكتور بطران, هذا الإنسان المهذب المتحضر, يرعى موهبتها الكبيرة بحنو وعطف عظيم.
صوتها غدا أكثر نضجاً, تلبسته أشجان بعيدة الغور, كأنما الصوت مرآة للتحولات العميقة التى تجتاح السودان نفسه.
ذلك الزمان زمان الظبى المكنون فى خدره لن يعود بطبيعة الحال, ولكن الزمان الجديد, الذى يتشكل بوحى من أصوات المغنين والشعراء والكتاب والحداة, لعله يأتى فى صورة مدهشة لم تخطر فى خيال أحد.


_____________

* عادت البلابل تُغني في الخرطوم ، ومات كاتبنا الكبير الطيب صالح
طبعاً لم يعُد زمان الظبي المكنون ، باي خيال سيأتي الزمان الجديد !

*مجلة المجلة العدد 632 -22/1/1996- الطيب صالح - نحو أفق بعيد
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


سلام يا إبراهيم
وشكراً على هذا النص الجميل.
تصور، خطر ببالي هذا الصباح الراحل الأستاذ طلسم، وقلت لنفسي أنه يستحق أن يجد التكريم اللائق به كشخصية رائدة.
عاصرت هادية وآمال بمدرسة أمدرمان الثانوية، بينما كانت حياة لا تزال بالمدرسة الثانوية العامة. وكانت عمتهن الأستاذه سارة طلسم أستاذة للغة الانجليزية بالمدرسة. وفي يوم من الأيام كنا مجموعة تمثل الفصول التي تدرِّس بها قمنا بزيارتها خلال وعكة صحية عابرة. ومن حسن حظنا أن التقينا بالأستاذ طلسم في تلك الزيارة، فخرجنا تغمرنا سعادة لا توصف بالحديث الذي جرى معه، رغم قصره.

إنه بالفعل من الرواد وجدير بالتعريف به وبمساهمته التي قدمها في الإعلاء من شأن فنوننا. كما أن مساهمة البلابل هي بلا شك جديرة بالاحتفاء.

مع عامر الود
نجاة


ãØÑ ÞÇÏã
مشاركات: 56
اشترك في: السبت يونيو 11, 2005 3:23 am

مشاركة بواسطة ãØÑ ÞÇÏã »

ونستعيد كلمات المتنبي، في وداع صاحبنا:
"نعدّ المشرفية والعوالي
وتقتلنا المنون بلا قتالِ
نودّع بعضنا بعضا ونمشي
اواخرنا على هامِ الاوالي".
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

[font=Verdana]
ولكن الزمان الجديد, الذى يتشكل بوحى من أصوات المغنين والشعراء والكتاب والحداة, لعله يأتى فى صورة مدهشة لم تخطر فى خيال أحد.


بلى انه آت لاريب فيه....


شكرا الطيب على هذا الشوف المتفائل والمبين .....


مودتى


الفاضل الهاشمي
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
إبراهيم الجريفاوي
مشاركات: 503
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:31 pm

ويكبيديا

مشاركة بواسطة إبراهيم الجريفاوي »

سلام يا نجاة ومطر وهاشمي ،
هاهي كمان صفحة الطيب صالح في الوكيبيديا تحتاج لتطوير واضافات اهل الذكر

Wikipedia./Al-Tayyib_Salih
أضف رد جديد